البرهان في علوم القرآن - ج ٤

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٤

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣

معلّلا بالشرط. وقد جاء الجزم بها إذا أريد بها معنى «إن» وأعرض عما فيها من معنى الزمان ، كقوله :

وإذا تصبك خصاصة (١) فتجمّل (٢)

الرابع : أن «إذا» هل تفيد التكرار والعموم؟ فيه قولان ، حكاهما ابن عصفور (٣) :

(أحدهما) : «نعم» ، فإذا قلت : إذا قام زيد قام عمرو ، أفادت أنه كلّما قام زيد قام عمرو. (والثاني) : لا يلزم. قال : والصحيح أن المراد بها العموم كسائر أسماء الشرط ، وأما «إن» ففيها كلام عن ابن جني (٤) يأتي في باب «إن».

الخامس : أنك تقول : أقوم إذا قام زيد ، فيقتضي أن قيامك [بعد قيامه] (٥) مرتبط بقيامه لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ، بل يعاقبه على الاتصال ، بخلاف : أقوم إن قام زيد ؛ فيقتضي أن قيامك بعد قيامه. وقد يكون عقبه وقد يتأخر عنه. فالحاصل [من] (٦) «إن» التقييد بالاستقبال دون اقتضاء [تعقيب أو] (٦) مباعدة ، بخلاف «إذا». ذكره أبو جعفر ابن الزبير (٧) في كتابه «ملاك التأويل».

[المسألة] (٦) السابعة : قيل : قد تأتي زائدة ، كقوله : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (الانشقاق : ١) ؛ تقديره : انشقت السماء ، كما قال : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) (القمر : ١) ، (أَتى أَمْرُ اللهِ) (النحل : ١). وردّ هذا بأن الجواب مضمر.

__________________

(١) في المخطوطة (مصيبة).

(٢) البيت من شواهد مغني اللبيب ١ / ٩٢ و ٢ / ٦٩٨. (إذا) : وفي خزانة الأدب للبغدادي ٢ / ١٧٦ ـ (الشاهد الثاني والتسعون) وصدره :

استغن ما أغناك ربّك بالغنى

(٣) هو علي بن مؤمن بن محمد الاشبيلي تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦ ، وانظر قوله في الإتقان ٢ / ١٥٢ (النوع الأربعون).

(٤) هو أبو الفتح عثمان بن جني تقدم التعريف به في ١ / ٣٦١.

(٥) العبارة ساقطة من المطبوعة.

(٦) ساقطة من المطبوعة.

(٧) هو أحمد بن إبراهيم الغرناطي تقدم التعريف به في ١ / ١٣٠ ، وبكتابه في ١ / ٢٠٦. وانظر قوله في ملاك التأويل ١ / ١٢٨ في الكلام على المسألة السادسة والثلاثين من الآيات المتشابهة وهي الآية (٢٣٤) من سورة البقرة.

١٨١

ويحوز مجيئها بمعنى «إذ» وجعل منه ابن مالك قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً [انْفَضُّوا]) (١) (الجمعة : ١١). وردّ بفوات المعنى ، لأن «إذا» تفيد أنّ هذا حالهم المستمرّ ، بخلاف «إذ» فإنها لا تعطي ذلك.

وقولهم : «إذا فعلت كذا» ، فيكون على ثلاثة أضرب : (أحدها) : يكون المأمور به قبل الفعل ، تقول : إذا أتيت الباب ، فالبس أحسن الثياب ، و [منه] (٢) قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (المائدة : ٦) ، (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) (النحل : ٩٨). (الثاني) : أن يكون مع الفعل ، كقولك : إذا قرأت فترسّل. (الثالث) : أن يكون بعده ، كقوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (المائدة : ٢) ، (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا) (الجمعة : ٩).

[فائدة]

(٣) من الأسئلة الحسنة ، في قوله تعالى : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) (البقرة : ٢٠) أنّه يقال : لم أتي قبل «أضاء» ب «كلّما»؟ وقبل «أظلم» ب «إذا»؟ وما وجه المناسبة في ذلك؟ وفيه وجوه : (الأول) أن تكرار الإضاءة يستلزم تكرار الإظلام ، فكان تنويع (٤) الكلام أعذب.

(الثاني) : أن مراتب الإضاءة مختلفة متنوعة ، فذكر «كلّما» تنبيها على ظهور التعدد وقوته لوجوده بالصورة والنوعية ، والإظلام نوع واحد ، فلم يؤت بصيغة التكرار لضعف التعدد فيه ، بعد (٥) ظهوره بالنّوعية ، وإن حصل بالصورة.

(الثالث) : قاله الزمخشريّ (٦) ، وفيه تكلّف ـ أنهم لما اشتدّ حرصهم على الضوء المستفاد (٧) من النور ، كانوا كلّما حدث لهم نور تجدّد لهم باعث الضوء فيه ، لا يمنعهم من ذلك تقدّم فقده واختفاؤه (٨) منهم ، وأما التوقّف بالظلام فهو نوع واحد. وهذا قريب من

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (وكان تنوع).

(٥) في المخطوطة (تقدم).

(٦) انظر الكشاف ١ / ٤٣ عند قوله. (فإن قلت كيف قيل مع الإضاءة «كلما» ومع الإظلام «إذا»).

(٧) في المخطوطة (المستعار).

(٨) في المخطوطة (واختفائه).

١٨٢

الجواب الثاني ، لكنّه (١) بمادة أخرى. ويفترقان بأن جواب الزمخشريّ يرجع التكرار فيه إلى جواب «كلّما» لا إلى مشروطها الذي يليها ويباشرها ، فطلب تكراره ـ وهو الأولى في مدلول التكرار ، والجواب [٢٨٦ / أ] المتقدم يرجع إلى تكرار مشروطها (٢) ، [الذي] (٣) يتبعه الجواب من حيث هو ملزومه ، وتكرره فرع تكرر الأول.

(الرابع) : أن إضاءة البرق منسوبة إليه وإظلامه ليس منسوبا إليه ، لأن إضاءته هي لمعانه ، والظلام (٤) [أمر] (٥) يحدث عن اختفائه (٦) ؛ فتظلم الأماكن كظلام الأجرام الكثائف ، فأتى بأداة التكرار عند الفعل المتكرر من البرق ، وبالأداة التي لا تقتضي (٧) التكرار عند الفعل الذي (٨) ليس متكرّرا منه ، ولا صادرا عنه.

(الخامس) : ذكره ابن المنيّر (٩) ـ أن المراد بإضاءة البرق الحياة ، وبالظلام الموت ، فالمنافق تمرّ حاله في حياته بصورة الإيمان ، لأنها دار مبنية على الظاهر ، فإذا صار إلى الموت رفعت له أعماله ، وتحقق مقامه ، فتستقيم «كلما» في الحياة ، و «إذا» في الممات ، وهكذا كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم أحينى ما دامت الحياة (١٠) خيرا [لى] (١١) ، وأمتنى إذا كانت الوفاة (١٢) خيرا لي» (١٣) ، فاستعمل مع الحياة لفظ التكرار والدوام ، واستعمل مع لفظ الوفاة لفظ الاختصار والتقييد.

وقيل : إن ذلك لأحد معنيين : إمّا لأنّ الحياة مأثورة لازدياد العمل الصالح الذي الهمم

__________________

(١) في المخطوطة (يمكنه).

(٢) في المخطوطة (شرطها).

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (ولا أظلام).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (الاختفاء به).

(٧) في المخطوطة (تبتغي).

(٨) في المخطوطة (التي).

(٩) هو أحمد بن محمد بن منصور الجذامي. تقدم التعريف به في ١ / ١٧٦.

(١٠) في المخطوطة (في الحياة).

(١١) ليست في المخطوطة.

(١٢) في المخطوطة (كان الممات).

(١٣) قطعة من حديث أوله «لا يتمنّينّ أحدكم الموت من ضرّ أصابه» وهو من رواية أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه ، متفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح ١٠ / ١٢٧ ، كتاب المرضى (٧٥) ، باب تمني المريض الموت (١٩) ، الحديث (٥٦٧١). ومسلم في الصحيح ٤ / ٢٠٦٤ كتاب الذكر والدعاء ... (٤٨) ، باب كراهة تمني الموت لضرّ نزل به (٤) ، الحديث (١٠ / ٢٦٨٠).

١٨٣

العالية معقودة (١) به ، فعرّض بالاستكثار منه ، والدوام عليه ، ونبّه على أنّ الموت لا يتمنّى ، ولكن إذا نزل [في] (٢) وقته رضي (٣) به. وإما لأن الحياة يتكرر زمانها ، وأما الموت مرة واحدة. وجواب آخر ، أنّ الكلام في الأنوار هو الأصل المستمرّ ، وأما خفقان البرق في أثناء ذلك فعوارض تتصل بالحدوث والتكرار ، فناسب الإتيان فيها «بكلما» وفي تلك ب «إذا» ، والله أعلم.

٥ ـ إذ

ظرف لماضي (٤) الزمان ، يضاف للجملتين ، كقوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) (الأنفال : ٢٦) ، وتقول : أيّدك الله إذ فعلت؟ وأما قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) (الأنعام : ٢٧) ف «ترى» مستقبل ، «وإذ» ظرف للماضي ، وإنما كان كذلك لأن الشيء كائن ، وإن لم يكن بعد ؛ وذلك عند الله [قد] (٥) كان ؛ لأنّ علمه به سابق ، وقضاءه به نافذ ؛ فهو كائن لا محالة. (وقيل) : المعنى : ولو ترى ندمهم وخزيهم في ذلك اليوم بعد وقوفهم على النار ف «إذا» ظرف ماض ، لكن بالإضافة إلى ندمهم الواقع بعد المعاينة ، فقد صار وقت التوقف ماضيا بالإضافة إلى ما بعده ، والذي بعده هو مفعول «ترى».

ـ وأجاز بعضهم مجيئها مفعولا به ، كقوله : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) (الأنفال : ٢٦) ، ومنعه آخرون ، وجعلوا (٦) المفعول محذوفا ، و «إذ» ظرف ، عامله ذلك المحذوف ، والتقدير (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) (البقرة : ٢٣١) إذا ، واذكروا حالكم. ونحوه قوله : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى) (آل عمران : ٥٥) ، قيل : قال له ذلك لمّا رفعه إليه. ـ (٧) وتكون بمعنى «حين» (٧) كقوله : (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) (يونس : ٦١) ، أي حين تفيضون فيه.

__________________

(١) في المخطوطة (مفقودة).

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (وصى).

(٤) في المخطوطة (لما مضى).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (جعلوا).

(٧) عبارة المخطوطة (وقيل بمعنى أن يكون بمعنى حين).

١٨٤

ـ وحرف تعليل ، نحو : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) (الزخرف : ٣٩) (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) (الأحقاف : ١١).

ـ (وقيل) : تأتي ظرفا لما يستقبل بمعنى «إذا» ، وخرّج عليه بعض ما سبق. وكذا قوله : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ* إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) (غافر : ٧٠ ـ ٧١) وأنكره السّهيلي (١) ؛ لأن «إذا» لا يجيء بعدها المضارع مع النفي. ـ وقد تجيء (٢) بعد القسم ، كقوله : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (الفجر : ٤) لانعدام معنى الشرطية فيه.

ـ (وقيل) : تجيء زائدة ، نحو : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) (البقرة : ٣٠). وقيل هي فيه بمعنى «قد».

ـ وقد تجيء بمعنى «أن» ، حكاه السّهيليّ في «الروض» عن نص سيبويه في «كتابه» ، قال : ويشهد له قوله تعالى : (بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران : ٨٠) وعليه يحمل قوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) (الزخرف : ٣٩). قال : وغفل الفارسيّ عمّا في [٢٨٦ / ب] الكتاب من هذا ، وجعل الفعل المستقبل الذي بعد «لن» عاملا في الظرف الماضي ، فصار بمنزلة من يقول : سآتيك اليوم أمس.

قال : وليت شعري ما تقول في قوله تعالى : (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) (الأحقاف : ١١) ، فإن جوز وقوع الفعل في الظرف الماضي على أصله ، فكيف يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها ؛ لا سيما مع السين وهو قبيح أن تقول : غدا سآتيك! فكيف إن قلت : غدا فسآتيك! فكيف إن زدت على هذا وقلت : أمس فسآتيك وإذ على أصله بمعنى أمس.

(تنبيه) حيث وقعت «إذ» بعد «واذكر» ، فالمراد به الأمر بالنظر إلى ما اشتمل عليه ذلك الزمان ، لغرابة ما وقع فيه ، فهو جدير بأن ينظر فيه. وقد أشار إلى هذا الزمخشريّ (٣) في قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) (مريم : ١٦). وقوله : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا* إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) (مريم : ٤١ ـ ٤٢) ونظائره.

__________________

(١) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢.

(٢) في المخطوطة (ويجيء بعدها).

(٣) انظر الكشاف ٢ / ٤٠٧.

١٨٥

٦ ـ أو

تقع في الخبر والطلب ؛ فأمّا في الخبر فلها فيه معان :

(الأول) : الشكّ ، نحو قام زيد أو عمرو.

(والثاني) : الإبهام ، وهو إخفاء الأمر على السامع مع العلم به ، كقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً) (سبأ : ٢٤) ، وقوله : (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) (يونس : ٢٤) ، يريد : إذا أخذت الأرض زخرفها ، وأخذ أهلها الأمن ، أتاها أمرنا وهم لا يعلمون.

أي فجأة ؛ فهذا إبهام ؛ لأنّ الشكّ محال على الله تعالى. وقوله : (إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (الصافات : ١٤٧).

(فإن قلت) : «يزيدون» فعل ، ولا يصحّ عطفه على المجرور ب «إلى» ، فإنّ حرف الجرّ لا يصح تقديره على الفعل ، ولذلك لا يجوز : مررت بقائم ويقعد ، على تأويل : قائم وقاعد. (قلت) : «يزيدون» خبر مبتدأ محذوف (١) في محل رفع ، والتقدير «أو هم يزيدون». قاله ابن جني في (٢) «المحتسب».

وجاز عطف الاسمية على الفعلية ب «أو» لاشتراكهما في مطلق الجملة. (فإن قلت) : فكيف (٣) تكون «أو» هنا لأحد الشيئين ، والزيادة لا تنفكّ عن المزيد عليه؟ (قلت) : الأمر كذلك ، ولهذا قدروا في المبتدأ ضمير المائة ألف ، والتقدير : وأرسلناك إلى مائة ألف (٤) [فقط أو مائة ألف] (٤) معها زيادة. ويحتمل أن تكون على بابها للشكّ ، وهو بالنسبة إلى المخاطب ، أي لو رأيتموهم لعلمتم أنهم مائة ألف أو يزيدون.

(الثالث) : التنويع ، كقوله تعالى : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) (البقرة : ٧٤) أي أن قلوبهم تارة تزداد قسوة ، وتارة تردّ إلى قسوتها الأولى ، فجيء ب «أو» لاختلاف أحوال قلوبهم.

(الرابع) : التفصيل ، كقوله [تعالى] (٥) : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ

__________________

(١) في المخطوطة (المحذوف).

(٢) انظر المحتسب ٢ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

(٣) في المخطوطة (كيف).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٥) ليست في المطبوعة.

١٨٦

هُوداً أَوْ نَصارى) (البقرة : ١١١) ، [أي] (١) قالت اليهود : لا (٢) يدخل الجنة إلا من كان هودا (٣) ، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا الذين هم نصارى. وكذلك (٤) قوله : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) (البقرة : ١٣٥).

(الخامس) : للإضراب ك «بل» ، كقوله [تعالى] (٥) : (كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (النحل : ٧٧) و (مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (الصافات : ١٤٧) على حدّ (٦) قوله : (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (النجم : ٩).

(السادس) : بمعنى الواو ، كقوله [تعالى] (٥) : (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً* عُذْراً أَوْ نُذْراً) (المرسلات : ٥ ـ ٦) (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (طه : ٤٤). (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) (طه : ١١٣).

وأما في الطلب فلها معان :

(الأول) : الإباحة ، نحو تعلّم فقها أو نحوا ، كقوله تعالى : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ ...) (٧) (النور : ٦١) الآية. وكذلك قوله : (كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) (البقرة : ٧٤) يعني إن شبّهت قلوبهم بالحجارة فصواب ، أو بما هو أشدّ فصواب. وقوله : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) (البقرة : ١٧) ، (أَوْ كَصَيِّبٍ) (البقرة : ١٩). والمعنى أن التمثيل مباح (٨) في المنافقين إن شبّهتموهم (٩) بأيّ [٢٨٧ / أ] النوعين.

وقوله (١٠) : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (طه : ٤٤) إباحة لإيقاع أحد الأمرين.

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (لن).

(٣) في المخطوطة زيادة (أو نصارى).

(٤) في المخطوطة (وكذا).

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (وعلى قوله).

(٧) في المخطوطة زيادة وهي (أو بعولتهن وليس في المصحف بهذا اللفظ وإنما في قوله تعالى (أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ ...) الآية [النور : ٣١].

(٨) في المخطوطة (مباح لكم).

(٩) في المخطوطة (مثلتموهن).

(١٠) في المطبوعة (قوله).

١٨٧

(الثاني) : التخيير ، نحو خذ هذا الثوب [أو ذاك] (١) ، ومنه قوله تعالى (٢) : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ ...) (الأنعام : ٣٥) الآية ؛ فتقديره (٣) «فافعل» ؛ كأنه خيّر (٤) على تقدير الاستطاعة أن يختار أحد الأمرين ؛ لأنّ الجمع بينهما غير ممكن (٥).

والفرق بينهما أن التخيير فيما أصله المنع ؛ ثم يرد الأمر بأحدهما ؛ لا على التعيين ، ويمتنع الجمع بينهما ، وأما الإباحة فأن يكون كلّ منهما مباحا ويطلب (٦) الإتيان بأحدهما ؛ ولا (٧) يمتنع من الجمع بينهما ؛ وإنما يذكر ب «أو» لئلا يوهم بأن الجمع بينهما هو الواجب لو ذكرت الواو ؛ ولهذا مثّل النحاة الإباحة بقوله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ ..)

(المائدة : ٨٩) وقوله : (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (البقرة : ١٩٦) ؛ لأنّ المراد به الأمر بأحدهما رفقا بالمكلّف ؛ فلو أتى بالجمع لم يمنع منه ؛ بل يكون أفضل.

وأما تمثيل الأصوليين بآيتي الكفّارة (٨) والفدية للتخيير مع إمكان الجمع ؛ فقد أجاب عنه صاحب «البسيط» (٩) بأنه إنما يمتنع الجمع بينهما في المحظور ؛ لأن أحدهما ينصرف (١٠) إليه الأمر ، والآخر يبقى محظورا لا يجوز له فعله ؛ ولا يمتنع في خصال الكفارة ؛ لأنه يأتي بما عدا الواجب تبرعا ؛ ولا يمنع من التبرع.

واعلم أنّه إذا ورد النهي على الإباحة جاز صرفه إلى مجموعهما (١١) ؛ وهو ما كان يجوز فعله ؛ أو إلى أحدهما وهو ما تقتضيه «أو». وأما قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (الإنسان : ٢٤) ؛ فليس المراد منه النهي عن إطاعة أحدهما دون الآخر ؛ بل

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) عبارة المخطوطة (وقوله) بدل (ومنه قوله تعالى).

(٣) في المخطوطة (تقديره).

(٤) في المخطوطة (خبر).

(٥) في المخطوطة (متمكن).

(٦) في المخطوطة (وبطل).

(٧) في المخطوطة (فلا).

(٨) اضطربت عبارة المخطوطة إلى (ما بين اللغا أم).

(٩) هو الحسن بن شرف شاه الأسترآباذي تقدم التعريف به وبكتابه في ٢ / ٤٦٤.

(١٠) في المخطوطة (منصرف).

(١١) في المخطوطة (مجموعها).

١٨٨

[المراد] (١) النهي عن طاعتهما مفردين أو مجتمعين ، (٢) وإنما ذكرت «أو» لئلا يتوهّم (٢) أن النهي عن طاعة من اجتمع فيه الوصفان. وقال ابن الحاجب (٣) : استشكل قوم وقوع «أو» في النهي في هذه (٤) الآية ، فإنه لو انتهى عن أحدهما لم يمتثل ، ولا يعدّ ممتثلا ؛ إلا بالانتهاء عنهما جميعا!

فقيل : إنها بمعنى «الواو». والأولى أنها على بابها ؛ وإنما جاء التعيين فيها من القرينة (٥) [وهو النهي الذي فيه معنى النهي] (٥) ، لأن المعنى قبل وجود النهي : «تطيع آثما أو كفورا» ، أي واحدا منهما ؛ فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا في المعنى ؛ فيصير المعنى : «ولا تطع واحدا منهما» ، فيجيء التعميم فيهما من جهة النهي الداخل ؛ وهي على بابها فيما ذكرناه ، لأنّه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهي عنهما ؛ بخلاف الإثبات ؛ فإنه قد يفعل أحدهما دون الآخر.

(قال) : فهذا معنى دقيق ، يعلم منه أنّ «أو» في الآية على بابها ، وأنّ التعميم لم يجيء منها ؛ وإنما جاء من جهة المضموم إليها. انتهى.

ومن هذا ـ وإن كان خبرا ـ قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) (النساء : ١١) ؛ لأن الميراث لا يكون إلا بعد إنفاذ الوصية والدّين ؛ وجد أحدهما أو وجدا معا. وقال أبو البقاء في «اللباب» (٦) : إن اتصلت بالنهي وجب اجتناب الأمرين عند النحويين ؛ كقوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (الإنسان : ٢٤) (٧) ولو جمع بينهما لفعل المنهيّ عنه مرتين ؛ لأنّ كلّ واحد منهما أحدهما (٧). وقال في موضع آخر : مذهب سيبويه (٨) أنّ «أو» في النهي نقيضة (٩) «أو» في الإباحة ؛ فقولك : جالس الحسن أو ابن سيرين ، إذن في

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) عبارة المخطوطة (وإنما ذكر تأويلا يوهم).

(٣) هو عثمان بن عمر بن يونس أبو عمرو بن الحاجب تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.

(٤) زيادة كلمة (المسألة).

(٥) العبارة ساقطة من المطبوعة.

(٦) هو عبد الله بن الحسين العكبري تقدم التعريف به في ١ / ١٥٩ ، وبكتابه في ٢ / ١١.

(٧) العبارة في المخطوطة (أي لا تطع لا هذا ولا هذا ، والمعنى لا تطع أحدهما) وستأتي هذه العبارة بعد ثلاثة أسطر.

(٨) انظر الكتاب ٣ / ١٨٤ ، هذا باب «أو» في غير الاستفهام.

(٩) في المخطوطة (تقتضيه).

١٨٩

مجالستهما ومجالسة من شاء منهما ، فضدّه في النهي (لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) ، أي لا تطع [لا] (١) هذا ولا هذا ؛ والمعنى : لا تطع أحدهما ، ومن أطاع [منهما كان] (٢) أحدهما [كان منهما] (٣) ؛ فمن هاهنا كان نهيا عن [٢٨٧ / ب] كلّ واحد منهما ، ولو جاء بالواو في الموضعين أو أحدهما لأوهم (٤) الجمع.

(وقيل) : «أو» بمعنى الواو ؛ لأنه لو انتهى عن أحدهما لم يعد ممتثلا بالانتهاء عنهما جميعا. قال الخطيبيّ (٥) : والأولى أنّها على بابها ؛ وإنّما جاء التعميم فيها من النهي الّذي فيه معنى النفي ، والنكرة في سياق النفي تعمّ ؛ لأن المعنى قبل وجود النهي : «تطيع (٦) آثما أو كفورا» ، أي واحدا منهما ، (٧) [فالتعميم فيهما ؛ فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا ؛ فالمعنى : لا تطع واحدا منهما] (٧) فسمّى التعميم فيهما من جهة النهي ، وهي على بابها فيما ذكرناه ؛ لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما ؛ حتى ينتهي عنهما ؛ بخلاف الإثبات ؛ فإنه قد ينتهي عن أحدهما دون الآخر.

(تنبيهان) الأول : روى البيهقيّ في «سننه» في باب الفدية بغير النّعم ، عن ابن جريج ، قال : «كل شيء في القرآن فيه «أو» للتخيير ، إلا قوله تعالى : (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) (المائدة : ٣٣) ، ليس بمخيّر فيهما (٨)». قال الشافعيّ (٩) : وبهذا أقول.

الثاني : من أجل أنّ مبناها على عدم التشريك ، أعاد (١٠) الضمير إلى مفرديها بالإفراد ؛ بخلاف الواو ؛ وأما قوله تعالى : وأما قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما)

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (كان فيه).

(٥) هو محمد بن مظفر شمس الدين الخطيبي المعروف بابن الخلخالي كان إماما في العلوم العقلية والنقلية وصنف التصانيف المشهورة منها «شرح المختصر» و «شرح المفتاح» و «شرح التلخيص» وله تصنيف في المنطق ذكره الشيخ جمال الدين في الطبقات ت ٧٤٥ ه‍ ـ (ابن حجر ، الدرر الكامنة ٤ / ٢٦٠).

(٦) في المخطوطة (تطع).

(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٨) انظر السنن الكبرى ٥ / ١٨٥ ، كتاب الحج.

(٩) انظر الأم ٢ / ١٨٨ ، باب هل لمن أصاب الصيد أن يفديه بغير النعم. والمسند : ٣٨٣ (الملحق بآخر الأم).

(١٠) في المخطوطة (عاد).

١٩٠

(النساء : ١٣٥) ، فقد قيل (١) : [إنّ] (٢) «أو» بمعنى الواو ؛ ولهذا قال : (بِهِما) ، ولو كانت لأحد الشيئين لقيل «به». (وقيل) : على بابها ، ومعنى (غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) : إن يكن الخصمان غنيّين أو فقيرين ، أو منهما ، أي الخصمين على أي حال كان ؛ لأن ذلك ذكر عقيب قوله : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) (النساء : ١٣٥) يشير للحاكم والشاهد ، وذلك يتعلق باثنين.

(وقيل) : الأولوية المحكوم بها ثابتة للمفردين معا ، نحو : جاءني زيد أو عمرو ورأيتهما ، فالضمير راجع إلى الغنيّ والفقير المعلومين من وجوه الكلام ؛ فصار كأنه قيل : فالله أولى بالغنيّ والفقير. ويستعمل ذلك المذكور وغيره ؛ ولو قيل : «فالله أولى به» ، لم يشمله ، ولأنه لمّا لم يخرج المخلوقون عن الغنى والفقر ، صار المعنى : افعلوا ذلك ، لأن الله أولى ممن خلق ؛ ولو قيل : أولى به ، لعاد إليه من حيث الشهادة فقط.

٧ ـ إن المكسورة الخفيفة

ترد لمعان :

(الأول): الشرطية ، وهو الكثير ، نحو : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (الأنفال : ٢٩).

(إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ) (الأنفال : ٣٨). ثم الأصل فيه عدم جزم المتكلم بوقوع الشرط ، كقوله : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) (المائدة : ١١٦) ، وعيسى [عليه‌السلام] (٣) جازم بعدم وقوع قوله. وقد تدخل على المتيقّن وجوده إذا أبهم زمانه ، كقوله [تعالى] (٣) : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (الأنبياء : ٣٤). وقد تدخل على المستحيل ، نحو : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) (الزخرف : ٨١).

ومن أحكامها أنها للاستقبال ، وأنها تخلّص (٤) الفعل له وإن كان ماضيا (٥) ، كقولك : إن أكرمتني أكرمتك (٦) ، ومعناه : إن تكرمني. وأما قولهم : إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك

__________________

(١) في المخطوطة (فقيل) بدل (فقد قيل).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (وإنما خلص).

(٥) في المخطوطة (ما فيهما).

(٦) زيادة في المخطوطة عبارة (ومعناه إن تكرمني أكرمتك).

١٩١

أمس ، وقوله : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ) (يوسف : ٢٦) ، فقيل (١) : معنى «[إن] (٢) أكرمتني اليوم» يكون سببا للإخبار بذلك ، وإن ثبت كان (٣) قميصه قدّ من قبل يكون (٤) سببا للإخبار بذلك. قاله ابن الحاجب. وهي عكس «لو» فإنها للماضي ، وإن دخلت على المضارع.

(مسألة) إن (٥) دخلت «إن» على «لم» يكن (٦) الجزم ب «لم» لا بها (٧) ، كقوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا) (المائدة : ٧٣) (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) (البقرة : ٢٤) وإن (٨) دخلت على «لا» كان الجزم بها لا ب «لا» ، كقوله تعالى : (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي) (هود : ٤٧).

والفرق بينهما أن «لم» عامل يلزم معموله ، ولا يفرق بينهما بشيء (٩) ، و «إن» يجوز أن يفرق بينهما وبين معمولها معمول (١٠) معمولها ، نحو : إن زيدا يضرب أضربه. وتدخل أيضا على الماضي فلا تعمل في لفظه ، ولا تفارق العمل ، وأما «لا» فليست عاملة في الفعل (١١) ، فأضيف العمل إلى «إن».

(الثاني) (١٢) : [النافية] (١٣) بمنزلة «لا» (١٤). وتدخل على الجملة الاسمية ، كقوله في الأنعام : (إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا) (الآية : ٢٩) بدليل «ما» في الجاثية : (ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا) (الآية : ٢٤) وقوله : (إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ) (فاطر : ٢٣). (إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ) (الملك : ٢٠). (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (الطارق : ٤). (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي [وَلَدْنَهُمْ]) (١٥) (المجادلة : ٢). (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي) [٢٨٨ / أ] (الرَّحْمنِ عَبْداً) (مريم : ٩٣). (إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ

__________________

(١) في المخطوطة (فعلى).

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (أن).

(٤) في المخطوطة (يكن).

(٥) في المخطوطة (إذا).

(٦) في المخطوطة (كان).

(٧) في المخطوطة (لأنها).

(٨) في المخطوطة (وإذا).

(٩) في المخطوطة (لشيء).

(١٠) في المخطوطة (بمعمول).

(١١) في المخطوطة (النصب).

(١٢) في المخطوطة (الثانية).

(١٣) ساقطة من المطبوعة.

(١٤) في المخطوطة (ما).

(١٥) ليست في المخطوطة.

١٩٢

مِثْلُكُمْ) (إبراهيم : ١١). (إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا) (إبراهيم : ١٠) وعلى الجملة الفعلية ، نحو : (إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى) (التوبة : ١٠٧). (إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً) (الكهف : ٥). (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً) (النساء : ١١٧). (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء : ٥٢). (إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً) (يس : ٢٩). (بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة : ٩٣).

وزعم بعضهم (١) أن شرط النافية (٢) مجيء «إلا» في خبرها ، كهذه الآيات ، أو «لما» التي بمعناها ، كقراءة (٣) بعضهم : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (الطارق : ٤) بتشديد الميم ، أي ما كلّ نفس إلا عليها حافظ. (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) (يس : ٣٢). (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) (الزخرف : ٣٥) وردّ بقوله : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ [لَكُمْ]) (٤) (الأنبياء : ١١١) (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ [أَمْ بَعِيدٌ]) (٤) (الأنبياء : ١٠٩). (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) (يونس : ٦٨). (بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٥) (البقرة : ٩٣) وأما قوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ [قَبْلَ مَوْتِهِ]) (٦) (النساء : ١٥٩) فالتقدير : وإن أحد من أهل الكتاب. وأما قوله : (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) (فاطر : ٤١) فالأولى شرطية والثانية نافية ، جواب للقسم الذي أذنت به اللام الداخلة على الأولى ، وجواب الشرط محذوف وجوبا.

واختلف في قوله : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) (الأحقاف : ٢٦) فقال الزمخشري (٧) وابن الشّجريّ (٨) : إن نافية ، أي فيما ما مكناكم فيه ، إلا أنّ «إن» أحسن في اللفظ لما في مجامعة مثلها من التكرار المستبشع ، ومثله يتجنب. قالا : ويدلّ (٩) على النفي

__________________

(١) انظر مغني اللبيب ١ / ٢٣ (إن المكسورة الخفيفة).

(٢) في المخطوطة (النافي).

(٣) وهي قراءة عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والباقون بتخفيفها (التيسير : ٢٢١).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (صادقين).

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) في الكشاف ٣ / ٤٤٩.

(٨) في الأمالي ٢ / ١٩١ ، المجلس الثالث والستون.

(٩) في المخطوطة (زيد).

١٩٣

قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) (الأنعام : ٦). وحكى الزمخشري أنها زائدة ، قال : والأول أفخم (١).

وقال ابن عطية (٢) : «ما» بمعنى «الذي» و «إن» نافية وقعت مكان «ما» فيختلف اللفظ ، ولا تتصل ما ب «ما (٣)» ، [والمعنى] (٤) : لقد (٥) أعطيناهم من القوة والغنى ما لم نعطكم ، ونالهم بسبب (٦) كفرهم هذا العقاب ، فأنتم أحرى بذلك إذا كفرتم. (وقيل) : إن شرطية ، والجواب محذوف ، أي الذي إن مكناكم فيه طغيتم. (وقال) : وهذا مطرح في التأويل. وعن قطرب (٧) أنها بمعنى «قد». حكاه ابن الشجري (٨). ويحتمل (٩) النكرة الموصوفة.

واعلم أن بعضهم أنكر مجيء النافية ، وقال في الآيات السابقة إنّ «ما» محذوفة والتقدير : «ما إن الكافرون (١٠) إلا في غرور» ، «ما إن تدعون (١١)» ، «ما إن أدري» ، ونظائرها ، كما قال الشاعر :

وما إن طبّنا جبن (١٢) [ولكن

منايانا ودولة آخرينا] (١٢)

فحذفت «ما» اختصارا كما [حذف «لا»] (١٣) في (تَاللهِ تَفْتَؤُا [تَذْكُرُ يُوسُفَ]) (١٤) (يوسف : ٨٥).

__________________

(١) في المخطوطة (أفحم).

(٢) هو عبد الحق بن غالب الغرناطي تقدم التعريف به في ١ / ١٠١.

(٣) في المخطوطة (بإنما) بدل (ما ب «ما»).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (ولقد).

(٦) في المخطوطة (بتسبيب).

(٧) هو محمد بن المستنير تقدم التعريف به في ٢ / ١٧٦.

(٨) انظر الأمالي ٢ / ١٩٢.

(٩) في المخطوطة (من).

(١٠) في المخطوطة (الكافر).

(١١) في المخطوطة (يدعوا).

(١٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، والبيت لفروة بن مسيك المرادي وهو من شواهد سيبويه في الكتاب ٣ / ١٥٣ (باب أن وإن) ، وانظر الخزانة ٢ / ١٢١.

(١٣) ساقطة من المخطوطة.

(١٤) ليست في المطبوعة.

١٩٤

(الثالث): مخفّفة من الثقيلة ، فتعمل (١) [في] (٢) اسمها وخبرها ، ويلزم خبرها اللام ، كقوله [تعالى] : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) (هود : ١١١). ويكثر إهمالها ، نحو : (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) (الزخرف : ٣٥) (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) (يس : ٣٢). (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (الطارق : ٤) في قراءة من خفّف «لمّا» (٣) ، أي أنه كلّ نفس لعليها حافظ (٤).

(الرابع): للتعليل بمعنى «إذ» عند الكوفيين ، كقوله [تعالى] : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران : ١٣٩) ، [قال بعضهم] (٥) : لم يخبرهم بعلوهم إلاّ بعد أن كانوا مؤمنين. وقوله : (اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة : ٢٧٨).

قال بعضهم : لو كانت للخبر لكان الخطاب لغير المؤمنين. وكذا : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) (البقرة : ٢٣) ونحوه ؛ مما الفعل فيه محقق الوقوع ؛ والبصريون يمنعون ذلك ، وهو التحقيق ، كالمعنى مع «إذا».

وأجابوا عن دخولها في هذه المواطن لنكتة ، [وهي أنه] (٦) من باب خطاب التهييج ، نحو : إن كنت والدي (٧) فأطعمني. وأما قوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (الفتح : ٢٧) ، فالاستثناء مع تحقق الدخول تأدبا بأدب الله في المشيئة. والاستثناء من الداخلين ؛ لا من الرؤيا ؛ لأنه كان بين الرؤيا وتصديقها [٢٨٨ / ب] سنة ، ومات بينهما خلق كثير ، فكأنه (٨) قال : كلكم (٩) إن شاء الله.

(الخامس): بمعنى «لقد» في قوله : (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) (يونس :

__________________

(١) في المخطوطة (فتستكمل).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) انظر ص ١٩٣ ، الحاشية رقم (٣).

(٤) في المخطوطة زيادة (أي إن الأمر).

(٥) هذه العبارة ليست في المخطوطة وعبارة المخطوطة (إلا أنه تعالى).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المطبوعة (ولدي).

(٨) في المخطوطة (فكان).

(٩) في المخطوطة (ذلكم).

١٩٥

٢٩) ، أي لقد كنا. (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) (الإسراء : ١٠٨). و (تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) (الصافات : ٥٦). (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الشعراء : ٩٧).

(فائدة) ادّعى ابن جني في كتاب «القد (١)» أنّ «إن» الشرطية تفيد معنى التكثير لما كان فيه هذا الشياع والعموم ؛ لأنه شائع في كل مرة (٢). ويدلّ لذلك دخولها على «أحد» الذي (٣) لا يستعمل إلا في النفي العام ، كقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ [فَأَجِرْهُ]) (٤) (التوبة : ٦) ؛ لأنّه ليس في واحد يقتصر عليه ، فلذلك أدخل عليه «أحد» ، الذي لا يستعمل في الإيجاب (٥).

قال : يجوز أن تكون (٦) «أحد» هنا ليست التي للعموم ، بل بمنزلة «أحد» من «أحد وعشرين» ونحوه ، إلا أنه دخله معنى العموم ، لأجل «إن» كما في قوله : (وَإِنِ امْرَأَةٌ) (النساء : ١٢٨) (إِنِ امْرُؤٌ) (النساء : ١٧٦).

(تنبيه) قيل : قد وقع في القرآن الكريم «إن» بصيغة الشرط ، وهو غير مراد ، في [ست] (٧) مواضع : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ (٨) [أَرَدْنَ تَحَصُّناً) (النور : ٣٣).

وقوله : (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (النحل : ١١٤). وقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (البقرة : ٢٨٣). وقوله : (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ)] (٨) (النساء : ١٠١). وقوله : (إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) (الطلاق : ٤).

وقد يقال : أما الأولى فيمتنع النهي عن إرادة التحصّن ، فإنهنّ إذا لم يردن التحصّن يردن

__________________

(١) في المخطوطة (التفسير) ، وكتاب القد تقدم التعريف به في ٢ / ٣٩٩.

(٢) في المخطوطة (امرأة).

(٣) في المطبوعة (التي).

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (إلا في الإيجاب).

(٦) في المخطوطة (يكون).

(٧) ساقطة من المطبوعة.

(٨) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

١٩٦

البغاء ، والإكراه على المراد ممتنع (١). (وقيل) : إنّها بمعنى «إذا (٢)» ، لأنه لا يجوز إكراههنّ على الزنا إن لم يردن التحصّن ، أو هو شرط مقحم (٣) ، لأن (٤) ذكر الإكراه يدلّ عليه ، لأنهنّ لا يكرهنهنّ (٥) إلا عند إرادة التحصين (٦). وفائدة إيجابه المبالغة في النهي عن الإكراه ؛ فالمعنى : إن أردن العفة فالمولى (٧) أحق بإرادة ذلك.

وأما الثانية (٨) فهو يشعر بالإتمام ، ولا نسلّم أن الأصل الإتمام ، وقد قالت عائشة رضي‌الله‌عنها : «[فرضت] (٩) الصلاة ركعتين ، فأقرت صلاة السفر وزيدت صلاة الحضر (١٠)».

وأما البواقي فظاهر الشرط ممتنع فيه ، بدليل التعجب المذكور ، لكنه (١١) لا يمنع مخالفة الظاهر لعارض.

٨ ـ أن المفتوحة الهمزة ، الساكنة النون.

ترد لمعان :

(الأول): حرفا مصدريّا ناصبا للفعل المضارع ، وتقع معه في موقع (١٢) المبتدأ ، والفاعل ، والمفعول ، والمضاف إليه.

ـ فالمبتدأ ، يكون في موضع رفع ، نحو : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة : ١٨٤). (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (النساء : ٢٥) ، (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَ) (النور : ٦٠). (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (البقرة : ٢٣٧).

ـ والفاعل ، كقوله تعالى : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا) (التوبة : ١٢٠). (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا) (يونس : ٢). (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا) (الأعراف : ٨٢) ، في قراءة من نصب «جواب» (١٣).

__________________

(١) في المخطوطة (يمتنع).

(٢) في المخطوطة (إذ).

(٣) في المخطوطة (تعميم).

(٤) في المخطوطة (إلا إن).

(٥) في المخطوطة (يكرهن).

(٦) في المخطوطة (التحصن).

(٧) في المخطوطة (فالولي).

(٨) في المطبوعة (الرابعة).

(٩) ليست في المخطوطة.

(١٠) أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٤٦٤ ، كتاب الصلاة (٨) ، باب (١) الحديث (٣٥٠) ، ومسلم في الصحيح ١ / ٤٧٨ ، كتاب صلاة المسافرين (٦) باب (١) ، الحديث (١ و ٣ / ٦٨٥).

(١١) في المخطوطة (ولكنه).

(١٢) عبارة المخطوطة (وتقع معه تارة في موضع).

(١٣) في المخطوطة (الجواب) ، وقراءة النصب هي قراءة الجمهور ، وانفرد الحسن بالرفع (البحر المحيط ٤ / ٣٣٤).

١٩٧

ـ وتقع [معه] (١) موقع المفعول [به] (١) ، فيكون في موضع نصب ، نحو : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) (يونس : ٣٧). (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) (المائدة : ٥٢). (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) (الكهف : ٧٩). (وَأُمِرْتُ لِأَنْ [أَكُونَ]) (٢) (الزمر : ١٢). وقوله : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ [نَفَقاً]) (٣) (الأنعام : ٣٥). (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) (النساء : ٢٨). (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ) (نوح : ١) ، معناه «بأن أنذر» ، فلما حذفت الباء تعدّى الفعل فنصب. ومنه في أحد القولين : (إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) (المائدة : ١١٧) ؛ (٤) [نصب على البدل من قوله : (ما أَمَرْتَنِي بِهِ)] (٤) (المائدة : ١١٧).

ـ والمضاف [إليه] (٥) ، فيكون في موضع جر كقوله [تعالى] (٣) : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ) (الأنعام : ٦٥) ، (قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا) (الأعراف : ١٢٩) أي من قبل إتيانك. وإنما لم ينصب في قوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا) (يونس : ٢) ، وإن كان المعنى : لوحينا لأن الفعل بعدها لم يكن مستحقا للإعراب ، ولا يستعمل إلا أن تعمل فيه العوامل.

وقد يعرض ل «أن» هذه حذف حرف الجر ، كقوله تعالى : (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا) (العنكبوت : ١ ـ ٢) ، أي بأن يقولوا (٥) [٢٨٩ / أ] ، كما قدرت في قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ) (البقرة : ٢٥) ، أي بأنّ لهم. ومذهب سيبويه (٦) أنها (٧) في موضع نصب ، ونفاها الخليل على أصل الجر.

وتقع بعد «عسى» ، فتكون مع صلتها في تأويل مصدر (٨) [منصوب ، إن كانت ناقصة ؛ نحو : عسى زيد أن يقوم. ومثله : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ)] (الإسراء : ٨).

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) الآية في المخطوطة (وَأُمِرْتُ أَنْ) [يونس : ١٠٤] ، [النمل : ٩١].

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٥) اضطربت العبارة في المخطوطة.

(٦) انظر الكتاب ٣ / ١٥٤ و ١٥٥. باب من أبواب أن التي تكون والفعل بمنزلة المصدر.

(٧) في المخطوطة (أنهما).

(٨) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

١٩٨

وتكون في تأويل مصدر] (١) مرفوع إن كانت تامة ، كقولك : عسى أن ينطلق (٢) زيد ، ومثله : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً [وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ] (٣) وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً) (البقرة : ٢١٦).

(الثاني): مخففة من الثقيلة ، فتقع بعد فعل اليقين وما في معناه ، ويكون اسمها ضمير الشأن ، وتقع (٤) بعدها الجملة خبرا عنها ، نحو (أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً [وَلا يَمْلِكُ]) (٥) (طه : ٨٩). (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ [مِنْكُمْ مَرْضى]) (٦) (المزمل : ٢٠).

(وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ) (المائدة : ٧١). (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ) (الأعراف : ١٨٥). (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) (الجن : ١٦). (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (يونس : ١٠). وجعل ابن الشجريّ (٧) منه : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ) (الصافات : ١٠٤) (٨) [أي أنه يا إبراهيم.

(الثالث): مفسرة بمنزلة «أيّ» التي لتفسير ما قبلها ، بثلاثة شروط : تمام ما قبلها من الجملة ، وعدم تعلقها بما بعدها ، وأن يكون الفعل الذي تفسره في معنى القول ، كقوله تعالى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ)] (٨) (الصافات : ١٠٤) ، (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) (المؤمنون : ٢٧) ، و (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) (البقرة : ١٢٥).

قال ابن الشجري (١) : «تكون هذه في الأمر خاصة ، وإنما شرط مجيئها بعد كلام تامّ ، لأنها تفسير ولا موضع لها من الإعراب ؛ لأنها حرف يعبّر به عن المعنى».

وخرج بالأول (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (يونس : ١٠) لأن الكلام لم

__________________

(١) انظر الأمالي الشجرية (التتمة) ص ٣٧ ، ذكر أقسام أن المفتوحة المخففة بتصرف.

(٢) في المخطوطة (انطلق).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (ويوقع).

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) انظر الأمالي الشجرية (التتمّة) ص ٣٣ ذكر أقسام أن المفتوحة.

(٨) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

١٩٩

يتمّ ، فإنّ ما قبلها مبتدأ وهي في موضع الخبر ؛ ولا يمكن أن تكون ناصبة ، لوقوع الاسم (١) بعدها بمقتضى أنها المخففة من الثقيلة.

وأما قوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) (ص : ٦) (٢) [فقيل : إنها مفسّرة ، لأنّ الانطلاق متضمّن لمعنى القول. وقال الخليل : يريدون أنهم انطلقوا في الكلام بهذا ، وهو امشوا] (٢) أي اكثروا يقال : أمشى الرجل ومشى ، إذا كثرت ماشيته ، فهو لا يريد : انطلقوا بالمشي الذي هو انتقال ؛ إنما يريد : قالوا هذا. (وقيل) : عبارة عن الأخذ في القول فيكون بمنزلة صريحه ، وأن مفسرة (٣). وقيل مصدرية.

(فإن قيل) : قد جاءت بعد صريح القول ، كقوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) (المائدة : ١١٧). (قلنا) : لا دلالة فيه ، لاحتمال أنها مصدرية. وقال الصفّار (٤) : لا تتصور المصدرية هنا بمعنى «إلاّ عبادة الله» ، لأن القول لا يقع بعده المفرد ؛ إلا أن يكون هو المقول بنفسه ، أو يكون في معنى المقول ، نحو : قلت خبرا وشعرا ، لأنهما في معنى الكلام ، أو يقول : قلت «زيدا» ، أي هذا اللفظ ، وهذا لا يمكن في الآية ؛ لأنهم لم يقولوا هذه العبارة ، فثبت أنها تفسيرية ، أي اعبدوا [الله] (٥).

وقال السّيرافي (٦) : ليست «أن» تفسيرا للقول ، بل للأمر (٧) ، لأن فيه معنى القول ، فلو كان «ما قلت لهم إلاّ ما قلت لي أن اعبدوا الله» لم يجز لذكر (٨) القول.

(الرابع): زائدة ، وتكون بعد «لما» التوقيتيّة ، كقوله تعالى في سورة العنكبوت : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً ...) (الآية : ٣٣) بدليل قوله في سورة هود : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) (الآية : ٧٧) ، فجاء فيها على الأصل.

__________________

(١) في المخطوطة (الفعل).

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (تفسيرية).

(٤) هو القاسم بن علي البطليوسي الصفار تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٥) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.

(٦) هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان تقدم التعريف به في ١ / ٤١٤.

(٧) في المخطوطة (الأمر).

(٨) في المخطوطة (كذلك).

٢٠٠