البرهان في علوم القرآن - ج ٤

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٤

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣

وسأل ابن طاهر شيخه أبا القاسم بن الرّمّاك (١) : «لم لم (٢) يجعل سيبويه أم متصلة! أي «أفلا تبصرون أم تبصرون»؟ [أي] (٣) أيّ هذين كان منكم (٤)؟ فلم يحر جوابا ، وغضب وبقي جمعة لا يقرّر حتى استعطفه» (٥).

والجواب من وجهين : (أحدهما) أنه ظن أنهم لا يبصرون ، فاستفهم عن ذلك ، ثم ظنّ أنهم يبصرون ، لأنه معنى قوله : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ) ، فأضرب عن الأول واستفهم ، وكذلك : أزيد عندك أم لا؟. (والثاني) : أنه لو كان الإبصار وعدمه عنده متعادلين (٦) لم يكن للبدء بالنفي معنى (٦) ، فلا يصحّ إلا أن تكون منقطعة.

وقد تحتمل المتصلة والمنقطعة ، كما قال في قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ) (٧) (البقرة : ١٠٨) قال الواحديّ (٨) : إن شئت جعلت قبله استفهاما ردّ عليه ، وهو قوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ) (البقرة : ١٠٦) وإن شئت [جعلها] (٩) منقطعة عمّا قبلها مستأنفا بها الاستفهام (١٠) ، فيكون استفهاما متوسطا في اللفظ ، مبتدأ في المعنى ، كقوله تعالى : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ...) (الزخرف : ٥١) الآية ، ثم قال : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ) (الزخرف : ٥٢)» انتهى.

والتحقيق ما قاله أبو البقاء (١١) : «إنها هاهنا منقطعة ؛ إذ ليس في الكلام همزة تقع

__________________

(١) هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن عيسى أبو القاسم الأموي الإشبيلي النحوي المعروف بابن الرماك. كان أستاذا في العربية مدققا قيما بكتاب سيبويه أخذ عن ابن الطراوة وابن الأخضر ومات كهلا ٥٤١ ه‍ ـ (بغية الوعاة ٢ / ٨٦).

(٢) في المخطوطة (ألم) وليس (لم لم).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (مسلم).

(٥) انظر الكتاب ٣ / ١٧٣. باب أم المقطعة.

(٦) عبارة المخطوطة (يكون المبدئ بالنفي يعني).

(٧) تصحفت في المطبوعة إلى (أم تريدون كيدا).

(٨) هو علي بن أحمد تقدم التعريف به في ١ / ١٠٥.

(٩) ساقطة من المطبوعة.

(١٠) في المخطوطة (للاستفهام).

(١١) انظر إملاء ما منّ به الرحمن ١ / ٣٤.

١٦١

موقعها ، وموقع «أم» «أيّهما» والهمزة في قوله [تعالى] (١) : (أَلَمْ تَعْلَمْ) ، ليست من «أم» في شيء ، والتقدير : بل أتريدون (٢) أن تسألوا؟ فخرج ب «أم» من كلام إلى آخر.

وقد تكون بمعنى «أو» (٣) [كما] (٤) في قوله تعالى : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ* أَمْ أَمِنْتُمْ) (الملك : ١٦ ـ ١٧). وقوله : (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً (٥) [ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً] (٥) * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى) (الإسراء : ٦٨ ـ ٦٩).

ومعنى ألف الاستفهام عند أبي عبيد (٦) ، كقوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) (البقرة : ١٠٨) أي أتريدون؟ وقوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) (البقرة : ٢١٤). وقوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء : ٥٤) أي (٧) أيحسدون؟ وقوله : (ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ* أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) (ص : ٦٢ ـ ٦٣) أي أزاغت عنهم الأبصار (٨)؟. وقوله : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) (الطور : ٣٩). أي أله! (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) (الطور : ٤٠) أي أتسألهم [أجرا] (٩)؟

وقوله : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ) (الكهف : ٩) (١٠) [قيل : أي أظننت هذا؟ ومن عجائب ربك ما هو أعجب من قصّة أصحاب الكهف! وقيل] (١٠) : بمعنى ألف الاستفهام ، كأنه قال : أحسبت؟ وحسبت بمعنى الأمر ، كما تقول لمن تخاطبه : أعلمت أنّ زيدا خرج بمعنى الأمر ، أي اعلم أن زيدا خرج ، فعلى هذا التدريج يكون معنى الآية : اعلم يا محمد [٢٨٢ / أ] ، أن أصحاب الكهف والرقيم.

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (تريدون).

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (أن).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة ، وكتب موضعه (الآية).

(٦) هو القاسم بن سلاّم تقدم التعريف به في ١ / ١١٩.

(٧) في المخطوطة (قيل).

(٨) في المخطوطة زيادة عبارة وهي (وألف اتخذوها موصولة).

(٩) ليست في المخطوطة.

(١٠) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

١٦٢

وقال أبو البقاء في قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) (الزخرف : ١٦) تقديره بل «أتّخذ!» بهمزة مقطوعة على الإنكار ، ولو جعلناه همزة وصل لصار إثباتا : تعالى الله [عزوجل] (١) عن ذلك! ولو كانت «أم» المنقطعة بمعنى «بل» وحدها دون الهمزة وما بعد «بل» متحقق ، فيصير [ذلك] (٢) في الآية متحققا ، تعالى الله عن ذلك!

(مسألة) «أم» لا بدّ أن يتقدّمها استفهام أو ما في معناه. والذي في معناه التّسوية ؛ فإن الذي يستفهم ، استوى عنده الطرفان ؛ ولهذا يسأل ، وكذا المسئول استوى عنده (٣) الأمران.

فإذا ثبت هذا ؛ فإنّ المعادلة تقع بين مفردين وبين جملتين ، والجملتان يكونان اسميتين وفعليّتين ؛ ولا (٤) يجوز أن يعادل بين اسمية وفعلية ؛ إلاّ أن تكون الاسمية بمعنى الفعلية ، أو الفعلية بمعنى الاسمية ، كقوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) (الأعراف : ١٩٣) أي أم صمتم.

وقوله : (أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ) (الزخرف : ٥١ ـ ٥٢) ؛ لأنّهم إذا قالوا له : أنت خير ، كانوا عنده بصراء ، فكأنه قال : أفلا تبصرون أم أنتم بصراء؟

قال الصفّار (٥) : إذا كانت الجملتان موجبتين قدّمت أيّهما شئت ، وإن كانت إحداهما منفيّة أخرتها ، فقلت : أقام زيد أم لم يقم؟ ولا يجوز : ألم يقم ، أم لا؟ ولا سواء عليّ ألم تقم أم قمت! (٦) [لأنهم يقولون : سواء عليّ أقمت أم لا ، يريدون : أم لم تقم ، فيحذفون لدلالة الأول ، فلا يجوز هذا : سواء عليّ أم قمت] (٦) ، لأنه حذف من غير دليل ، فحملت سائر المواضع المنفية على هذا.

قال : فإنه لا بد أن يتقدمها الاستفهام أو التسوية ، بخلاف «أو» فإنّه يتقدمها كلّ كلام إلا (٧) التسوية ، فلا [تقول] (٨) : سواء عليّ قمت أو قعدت ؛ لأن الواحد لا يكون «سواء».

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) في المطبوعة (عنه).

(٤) في المخطوطة (لا).

(٥) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (لا).

(٨) ساقطة من المخطوطة.

١٦٣

(مسألة) قال الصفّار : ينبغي أن يعلم أنّ السؤال ب «أو» غير (١) السؤال ب «أم». (٢) [حتى يعلم أن ثم شيء] (٢).

فإذا قلت : أزيد عندك أم عمرو؟ فجواب هذا : زيد أو عمرو ، وجواب «أو» نعم ، أولا. ولو قلت في جواب الأول : نعم ، أولا ، كان محالا ، لأنك مدّع أنّ أحدهما عنده.

(فإن [قلت] (٣) : وهل يجوز أن تقول : زيد أو عمرو ، في جواب : أقام زيد أو عمرو؟ (قلت) : يكون تطوعا بما لا يلزم ، ولا قياس (٤) يمنعه.

وقال الزمخشري (٥) وابن الحاجب (٦) : وضع «أم» للعلم بأحد الأمرين ، بخلاف «أو» فأنت (٧) مع «أم» عالم بأن أحدهما عنده ؛ مستفهم عن التعيين ، ومع «أو» مستفهم (٨) عن واحد منهما ، على حسب ما كان في الخبر ، فإذا قلت : أزيد عندك أو عمرو؟ فمعناه : هل واحد منهما عندك؟ ومن [ثمّ] (٩) كان جوابه ب «نعم» أولا مستقيما ، ولم يكن ذلك مستقيما في «أم» لأن السؤال عن التعيين.

٣ ـ إذن

نوعان : (الأول) : أن تدلّ على إنشاء السببية والشرط ؛ بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها ، نحو «أزورك فتقول : «إذن أكرمك» ، وهي في هذا الوجه عاملة تدخل على الجملة الفعلية ، فتنصب المضارع المستقبل ؛ إذا صدّرت ، ولم تفصل ، ولم يكن الفعل حالا.

(والثاني) : أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمقدم (١٠) ، أو منبّهة على سبب حصل (١١) في الحال

__________________

(١) في المخطوطة (قبل).

(٢) العبارة ساقطة من المطبوعة.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة زيادة سطر وهو (ويمكن أن يكون منه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هو الطهور ماؤه الحل ميتته»).

(٥) انظر المفصل : ٣٠٥. باب ومن أصناف الحرف حروف العطف ، (أو وأما وأم).

(٦) هو عثمان بن عمر بن يونس بن الحاجب تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.

(٧) في المخطوطة (فإنه).

(٨) في المخطوطة (تستفهم).

(٩) ساقطة من المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (متقدم).

(١١) في المخطوطة (جعل).

١٦٤

وهي في الحال غير عاملة ؛ لأن المؤكدات لا يعتمد عليها ، والعامل يعتمد عليه ، نحو «إن تأتني إذن آتك» ، والله إذن لأفعلنّ» ، ألا ترى أنها لو سقطت لفهم الارتباط (١).

وتدخل هذه على الاسمية ، نحو أزورك فتقول : إذن (٢) أنا أكرمك.

ويجوز توسطها وتأخرها. ومن هذا قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً [لَمِنَ الظَّالِمِينَ]) (٣) (البقرة : ١٤٥) فهي مؤكدة للجواب ، وتربطه (٤) بما تقدم.

وذكر بعض المتأخرين لها معنى ثالثا ؛ وهي أن تكون مركبة من «إذ» (٥) التي هي ظرف زمن (٦) ماض ومن جملة بعدها تحقيقا أو [٢٨٢ / ب] تقديرا ، لكن حذفت (٧) الجملة تخفيفا ، وأبدل التنوين منها ، كما في قولهم : «حينئذ». وليست هذه الناصبة المضارع (٨) ؛ لأن تلك تختص به ، وكذلك ما عملت فيه ، ولا يعمل (٩) إلا ما يختص ، وهذه لا تختص به ، [بل] (١٠) تدخل على الماضي نحو (١١) : (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) (النساء : ٦٧) [و] (١٢) (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) (الإسراء : ١٠٠) ، [و] (١٢) (إِذاً لَأَذَقْناكَ [ضِعْفَ الْحَياةِ]) (١٣) (الإسراء : ٧٥). وعلى الاسم ، نحو : إن كنت ظالما فإذن (١٤) حكمك فيّ ماض ، وقوله تعالى : (وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (الشعراء : ٤٢). ورام بعض النحويين جعلها فيه بمعنى «بعد».

واعلم أن هذا المعنى لم يذكره النحاة ، لكنه قياس قولهم (١٥) : إنه قد تحذف الجملة المضاف إليها «إذ». ويعوّض عنها التنوين كيومئذ ، ولم يذكروا حذف الجملة من «إذا» وتعويض التنوين عنها.

__________________

(١) في المخطوطة (للارتباط).

(٢) تصحفت في المطبوعة إلى (إن).

(٣) تمام الآية ليس في المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (مرتبطة).

(٥) في المخطوطة (إذا).

(٦) في المخطوطة (ومن).

(٧) في المخطوطة (حذف).

(٨) في المخطوطة (للمضارع).

(٩) في المخطوطة (ولا تعمل).

(١٠) ساقطة من المخطوطة.

(١١) في المخطوطة (كقوله).

(١٢) ساقطة من المخطوطة.

(١٣) ليست في المطبوعة.

(١٤) في المخطوطة (فإذا).

(١٥) في المخطوطة (قوله).

١٦٥

وقال الشيخ أبو حيّان (١) : في «التذكرة» : ذكر لي علم الدين البلقيني (٢) ، أن القاضي تقي الدين بن رزين (٣) ، كان يذهب إلى أن «إذن» عوض من الجملة المحذوفة. وليس هذا بقول نحويّ. انتهى.

وقال القاضي ابن الخويّي (٤). وأنا أظن أنه يجوز أن تقول لمن قال : أنا آتيك : «إذن أكرمك» بالرفع ، على معنى «إذا أتيتني أكرمك (٥)» فحذف «أتيتني» وعوض (٦) التنوين عن الجملة ، فسقطت الألف لالتقاء الساكنين. (وقال) : ولا يقدح في ذلك اتفاق النحاة ، على أن الفعل في مثل هذا المثال منصوب ب «إذن» ؛ لأنهم يريدون بذلك ما إذا كانت حرفا ناصبا للفعل ، ولا ينفي ذلك رفع الفعل بعده ، إذا أريد به «إذ» الزمانية معوضا عن جملته التنوين ، كما أنّ منهم من يجزم ما بعدها ، نحو : من يزرني (٧) أكرمه. يريد (٨) بذلك الشرطية ، ولا يمنع (٩) مع ذلك الرفع بها إذا أريد الموصولة ، نحو : من يزرني (١٠) أكرمه.

__________________

(١) هو محمد بن يوسف أثير الدين النحوي تقدم التعريف به في ١ / ١٣٠ ، وكتابه «تذكرة النحاة» قام بتحقيق المجلد الثاني فقط من أصل المخطوط وهو الموجود من أربعة مجلدات ـ الدكتور عفيف عبد الرحمن وطبع في بيروت بمؤسسة الرسالة عام ١٤٠٦ ه‍ / ١٩٨٦ م (أخبار التراث العربي ٣ / ٩ و ٧ / ١٥ و ٣٤ / ١٧) ، وليس قوله في الجزء المطبوع من الكتاب.

(٢) في المخطوطة (القمي) ولعله الصواب انظر الإتقان ٢ / ١٥٤.

(٣) هو محمد بن الحسن رزين بن موسى بن عيسى بن موسى العامري الحموي تقي الدين أبو عبد الله قاضي القضاة بالديار المصرية حفظ من التنبيه في صغره جانبا صالحا ثم انتقل إلى الوسيط فحفظه كله ، والمفصل وكتابي أبي عمرو بن الحاجب في الأصول والنحو ولازم ابن الصلاح وقرأ على ابن يعيش ، وعلى السخاوي قرأ بالقراءات وكان فقيها فاضلا حميد السيرة كثير العبادة مشاركا في علوم كثيرة غير الفقه ت ٦٨٠ ه‍ (السبكي ، طبقات الشافعية ٥ / ٢٠).

(٤) تصحفت في المطبوعة إلى (الجويني) واضطربت في المخطوطة ، وهو ناصر بن أحمد بن بكر الخويّي النحوي الأديب ، قرأ النحو على أبي طاهر الشيرازي والفقه على أبي إسحاق الشيرازي ، وكان شيخ الأدب في أذربيجان غير مدافع ، وولي القضاء بها مدة ورحل إليه الناس من الأطراف وصنف شرح اللمع لابن جني ت ٥٠٧ ه‍ (ياقوت ، معجم الأدباء ١٩ / ٢١١) وقد ذكر قوله السيوطي في الإتقان ٢ / ١٥٤ (إذا) النوع الأربعون.

(٥) في المخطوطة (أكرمتك).

(٦) في المخطوطة (وعوضت).

(٧) في المخطوطة (يراني).

(٨) في المخطوطة (يريدون).

(٩) في المخطوطة (ينفع).

(١٠) في المطبوعة (يزروني) تصحيف.

١٦٦

(قيل : ولو لا قول (١) النحاة : إنه لا يعمل إلا ما يختص (١) ، وإن «إذن» عاملة في المضارع ، لقيل : إن «إذن» في الموضعين واحدة ، وإن معناها تقييد ما بعدها بزمن أو حال ؛ لأن معنى قولهم : (٢) أنا أزورك ، فيقول (٢) السامع : إذن أكرمك ، هو بمعنى قوله : أنا أكرمك زمن أو حال أو عند زيارتك لي. ثم عند سيبويه (٣) معناها الجواب ، فلا يجوز أن تقول : «إذن يقوم زيد» ابتداء ، من غير أن تجيب به أحدا.

وأما (٤) قوله تعالى : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) (الشعراء : ٢٠) ، فيحمل على أنه لجواب مقدّر ، وأنه أجاب بذلك قوله : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) (الشعراء : ١٩) ، أي بأنعمنا ، فأجاب : لم (٥) أفعل ذلك كفرا للنعمة (٦) كما زعمت ، بل فعلتها وأنا غير عارف بأن الوكزة تقضي ، بدليل قراءة بعضهم (٧) : (وأنا من الجاهلين).

(٨) وأما قول الشاعر :

 ... خير الناس خلقا وخيرهم قداما  

فجمع بين اللام وبين الجواب فإذن كذلك فهو لتأكد الجواب ، كما إن «ألاّ» في قوله تعالى (لِئَلاَّ يَعْلَمَ) (الحديد : ٢٩) دخلت لتوكيد النفي قاله أبو الفتح (٩)] (٨).

٤ ـ إذا

نوعان : ظرف (١٠) ومفاجأة. فالتي للمفاجأة نحو : خرجت فإذا السبع. وتجيء اسما

__________________

(١) العبارة في المخطوطة (النحاة إلا بما يختص).

(٢) تصحفت العبارة في المخطوطة زيادة كما يلي (أنا إذن أكرمك وأنا أزورك فيقول).

(٣) انظر الكتاب ٣ / ١٢ هذا باب إذن ، و ٤ / ٢٣٤ ، باب عدة ما يكون عليه الكلم (إذن).

(٤) في المخطوطة (فأما).

(٥) في المخطوطة (إن لم أفعل).

(٦) في المخطوطة (لنعمة).

(٧) ذكرها أبو حيان في البحر المحيط ٧ / ١١ فقال : «وفي قراءة عبد الله وابن عباس (وأنا من الجاهلين) ويظهر أنه تفسير للضالين لا قراءة مرويّة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة. وصدر البيت في المخطوطة غير واضح.

(٩) انظر أمالي ابن الشجري ٢ / ٢١٩ ، المجلس السابع والستون ، ونسب هذا الكلام أيضا لأبي علي الفارسي.

(١٠) في المخطوطة (ظرف إذا ومفاجأة).

١٦٧

وحرفا ، فإذا كانت اسما كانت ظرف مكان ، وإذا كانت حرفا كانت من حروف المعاني الدالّة على المفاجأة ؛ كما أنّ الهمزة تدلّ على الاستفهام. فإذا قلت : خرجت فإذا زيد ، فلك أن تقدر «إذا» ظرف مكان ، ولك أن تقدّرها حرفا ؛ فإن قدرتها حرفا كان الخبر محذوفا ، والتقدير «موجود» (١) ، وإن قدّرتها ظرفا كان الخبر ، وقد تقدم ؛ كما تقول : عندي زيد ، فتخبر بظرف المكان عن الجثة ، والمعنى : حيث خرجت فهناك زيد.

ولا يجوز أن يكون في هذه الحالة ظرف زمان ، لامتناع وقوع الزمان خبرا عن الجثّة ، وإذا امتنع أن تكون للزمان تعين أن تكون مكانا وقد اجتمعا في قوله تعالى [٢٨٣ / أ] : (فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الروم : ٤٨) ، فإذا الأولى ظرفية ، والثانية مفاجأة. وتجيء ظرف زمان وحق زمانها أن يكون مستقبلا ، نحو (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (النصر : ١).

وقد تستعمل للماضي من الزمان ، ك «إذ» كما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) (آل عمران : ١٥٦) ، لأن «قالوا (٢)» ماض ، فيستحيل أن يكون زمانه مستقبلا (٣) [ومثله قوله تعالى (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) (التوبة : ٩٢) لأن (لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ) مقول في الماضي] (٣).

ومثله قوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) (النمل : ١٨) (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) (الأنعام : ٢٥) ، (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) (الكهف : ٩٣) (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) (الكهف : ٩٦) (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) (الكهف : ٩٦) ، (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) (الجمعة : ١١) لأن الانفضاض واقع في الماضي.

وتجيء للحال (٤) ، كقوله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (النجم : ١) ، (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى * وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) (الليل : ١ ـ ٢) ؛ والتقدير : والنجم هاويا ، والليل غاشيا ، والنهار متجليا ، ف «إذا» ظرف زمان ، والعامل فيه استقرار محذوف في موضع نصب على الحال ، والعامل فيها «أقسم» المحذوف.

__________________

(١) في المخطوطة (موجودا).

(٢) في المخطوطة (فقالوا).

(٣) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (في الحال).

١٦٨

وقد استشكل الزمخشري (١) تقدير العامل في ذلك ، وأوضحه الشيخ أثير الدين (٢) ، فقال : (٣) [في القول تقدير الفعل فإن] (٣) إذا ظرف مستقبل (٤) ، ولا (٥) جائز أن يكون العامل [فيه] (٦) فعل القسم المحذوف ، لأن «أقسم» إنشائي فهو في الحال ، وإذا لما يستقبل فيأبى أن يعمل الحال في المستقبل ؛ لاختلاف زمان العامل والمعمول. ولا جائز أن يكون ثمّ مضاف [محذوف] (٧) أقيم المقسم به مقامه ، أي وطلوع النجوم ، ومجيء الليل ؛ لأنه معمول لذلك الفعل ، فالطلوع حال ، ولا يعمل في المستقبل ، ضرورة أنّ زمان العامل زمان المعمول.

ولا جائز أن يعمل فيه نفس المقسم [به] (٨) لأنه ليس من قبيل ما يعمل ، ولا جائز أن يقدر محذوف قبل الظرف ، ويكون قد عمل فيه ، فيكون ذلك العامل في موضع الحال ، وتقديره : والنجم كائنا إذا هوى ، والليل كائنا إذا يغشى ، لأنه يلزم «كائنا» ألاّ يكون منصوبا بعامل (٩) ، إذ لا يصح ألاّ يكون (١٠) معمولا (١١) لشيء (١٢) مما فرضناه أن يكون عاملا. وأيضا فيكون المقسم به جثة ، وظروف الزمان لا تكون أحوالا عن (١٣) الجثث ، كما لا تكون أخبارا لهنّ.

فأما الوجه الأول فهو الذي ذكره أبو البقاء (١٤) ، قال في قوله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (النجم : ١) العامل في الظرف فعل (١٥) القسم المحذوف ، تقديره : أقسم بالنجم وقت هويّه.

وما ذكره الشيخ عليه من الإشكال فقد يجاب عنه بوجهين :

__________________

(١) انظر الكشاف ٤ / ٢١٦. سورة الليل.

(٢) هو محمد بن يوسف أبو حيان الغرناطي تقدم التعريف به في ١ / ١٣٠ ، وانظر تفسيره النهر الماد ٨ / ١٥٥ ، المطبوع بهامش البحر المحيط مختصرا.

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (مستقبلا).

(٥) في المخطوطة (فلا).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) ساقطة من المطبوعة.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) في المخطوطة (بالعامل).

(١٠) في المخطوطة (أن يكون).

(١١) في المخطوطة (معمول).

(١٢) في المخطوطة (الشيء).

(١٣) في المخطوطة (من).

(١٤) انظر إملاء ما منّ به الرحمن ٢ / ١٣٢. سورة النجم.

(١٥) تصحفت في المخطوطة إلى (فاعل).

١٦٩

(أحدهما) : أن الزمانين لما اشتركا في الوقوع المحقّق نزّلا (١) منزلة الزمان الواحد ؛ ولهذا يصحّ عطف أحدهما على الآخر ، كقوله تعالى : (إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) (الفرقان : ١٠) ، ثم قال : (وَيَجْعَلْ) (الفرقان : ١٠).

وهو قريب من جواب الفارسي ، لما سأله أبو الفتح (٢) عن قوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) (الزخرف : ٣٩) مستشكلا إبدال «إذ» من «اليوم» فقال : «اليوم» حال و «ظلمتم» في الماضي ، فقال : إنّ الدنيا والآخرة متّصلتان ، (٣) وإنهما في حكم الله تعالى سواء فكأنّ (٤) «اليوم» ماض ، وكأن «إذ» مستقبله.

(والثاني) : أنه على ظاهره ، ولا يلزم ما ذكر ، لأن الحال كما تأتي مقارنة ، تأتي مقدرة ، وهي أن تقدر المستقبل مقارنا ، فتكون أطلقت ما بالفعل على ما بالقوّة مجازا ، وجعلت المستقبل حاضرا ، كقوله تعالى : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (الزمر : ٧٣).

وأما الوجه الثاني ؛ فيمكن أن يقال : يجوز تقديره ، وهو [٢٨٣ / ب] العامل ، ولا يلزم ما قال من اختلاف الزمانين ؛ لأنه يجوز الآن أن يقسم بطلوع النجم في المستقبل ، (٥) [والقسم في الحال والطلوع في المستقبل] (٥) ويجوز أن يقسم بالشيء الذي سيوجد.

٤ / ١٩٣ وأما الوجه الأخير (٦) ، فهو الذي (٧) ذكره ابن الحاجب (٨) في شرح «المفصل» فقال : إذا ثبت أنها لمجرد الظرفية ، فليست متعلقة بفعل القسم ، لأنه يصير المعنى : أقسم في هذا الوقت (٩) [بالليل فيصير القسم مقيدا والمعنى على خلافه ، بل تتعلق بفعل محذوف تقديره : أقسم بالليل حاصلا في هذا الوقت] (٩) فهي إذن (١٠) في موضع الحال من الليل. انتهى.

__________________

(١) في المخطوطة (تنزلا).

(٢) انظر الخصائص لابن جني ٢ / ١٧٢ ـ ١٧٣ (باب في مشابهة معاني الإعراب معاني الشعر). و ٣ / ٢٢٤ ، باب في الجوار.

(٣) في المخطوطة (منفصلتان).

(٤) في المخطوطة (كان).

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (الآخر).

(٧) في المخطوطة (ما).

(٨) هو أبو عمرو عثمان بن عمر تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦ ، وبكتابه «الإيضاح في شرح المفصل» في ٢ / ٥٠٦.

(٩) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(١٠) في المخطوطة (إذا).

١٧٠

وقد وقع في محذور آخر ؛ وهو أن الليل عبارة عن الزمان المعروف ، فإذا جعلت «إذا» معمولة لفعل (١) هو حال من الليل ، لزم وقوع الزمان في الزمان ، وهو محال. (٢) [وأما ما ذكره الشيخ عليه فقد يمنع بل يجوز ذلك ويكون حالا مقدرة] (٢).

(وقوله) : «يلزم ألاّ يكون له عامل». (قلنا) : بل له عامل ، وهو فعل القسم ، ولا يضرّ كونه إنشاء (٣) لما ذكرنا أنها حال مقدّرة.

وأما الشبهة الأخيرة فقد سألها أبو الفتح (٤) ، (فقال) : كيف جاز لظرف الزمان هنا أن يكون حالا من الجثة ، وقد علم امتناع كونه صلة له وصفة وخبرا! (وأجاب) بأنها جرت (٥) مجرى الوقت الذي يؤخّر ويقدم. وهي أيضا بعيدة لا تنالها أيدينا ، ولا يحيط علمنا بها في حال نصبها ، إحاطتنا بما يقرب منها ، فجرت لذلك (٦) مجرى المعدوم.

(فإن قيل) : كيف جاز لظرف الزمان أن يكون حالا من النجم؟ (وأجاب) : بأن مثل هذا يجوز في الحال ، من حيث كان فضلة (٧). انتهى.

وقد يقال : ولئن [سلّمنا] (٨) الامتناع في الحال أيضا ، فيكون على حذف مضاف ، أي وحضور الليل ، وتجعله حالا من الحضور لا من الجثّة. والتحقيق ـ وبه يرتفع الإشكال في هذه المسألة ـ أن يدّعى أن «إذا» كما تجرد عن الشرطية كذلك تجرّد عن الظرفية ، فهي في هذه الآية الشريفة لمجرّد الوقت من دون تعلّق بالشيء تعلّق الظرفية الصناعية (٩) ، وهي مجرورة المحلّ هاهنا لكونها بدلا عن الليل ، كما جرّت : ب «حتّى» في قوله : (حَتَّى إِذا جاؤُها) (الزمر : ٧١). والتقدير : أقسم بالليل وقت غشيانه ، أي أقسم بوقت غشيان (١٠) الليل ، وهذا واضح.

(فإن قلت) : هل صار أحد إلى تجرّدها عن الظرفية والشّرطية معا؟ (قلت) : نعم

__________________

(١) في المخطوطة (الفعل).

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (إنشائيا).

(٤) انظر الحاشية رقم ٢ ص ١٧٠.

(٥) في المخطوطة (تجري).

(٦) في المخطوطة (كذلك).

(٧) في المخطوطة (كانت فعلية).

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) في المخطوطة (المضاعفة).

(١٠) في المخطوطة (غشيانه).

١٧١

نصّ عليه في «التسهيل (١)» ، فقال : وقد تفارقها الظرفية ، مفعولا بها ، أو مجرورة بحتى ، أو مبتدأ (٢). وعلم مما ذكرنا زيادة رابع ، وهو (٣) البدلية.

(فائدة) وتستعمل أيضا للاستمرار ، كقوله : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) (البقرة : ١٤).

وقوله : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) (آل عمران : ١٥٦) فهذا فيما مضى ، لكن دخلت «إذا» : لتدلّ على أنّ هذا شأنهم أبدا ومستمر (٤) فيما سيأتي ، كما في قوله (٥) :

وندمان يزيد الكأس طيبا

سقيت إذا (٦) تغوّرت النّجوم.

ثم فيه مسائل :

(الأولى): المفاجأة عبارة عن موافقة الشيء في حال أنت فيها ، قال تعالى : (فَأَلْقى (٧) عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) (الأعراف : ١٠٧) ، وقوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (الروم : ٣٦).

قالوا : ولا تقع (٨) بعد «إذا» المفاجأة إلا الجملة الاسمية ، وبعد «إذ» إلاّ الفعل الماضي.

ومذهب (٩) المبرّد ـ وتبعه أكثر المتأخرين ـ أن المفاجأة نقلها إلى المكان عن الزمان ومعنى الآية موافقة الثّعبان لإلقاء موسى العصا في المكان. وكذلك قولهم : خرجت فإذا السبع ، أي فإذا موافقة السبع ، (١٠) [لحرف حي في المكان وهي معنى قولهم فإذا السبع بالحفرة] (١٠) ، [٢٨٤ / أ] وعلى هذا لا يكون (١١) مضافا إلى الجملة بعدها (١١).

__________________

(١) كتاب «تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد» لابن مالك تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥٨.

(٢) في المخطوطة (ومبتدأ).

(٣) في المخطوطة (في).

(٤) في المخطوطة (ومستمرا).

(٥) في المخطوطة (كقوله) بدل (كما في قوله) والبيت من شواهد مغني اللبيب ١ / ٩٥. (الفصل الثاني في خروجها عن المستقبل).

(٦) تصحفت في المطبوعة إلى (إذ).

(٧) تصحفت في المطبوعة إلى (فألقى موسى عصاه ...).

(٨) العبارة في المخطوطة (ولا يقع هذا بعد).

(٩) في المخطوطة (فذهب).

(١٠) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(١١) العبارة في المخطوطة (إلى الجملة مضاف بعدها).

١٧٢

(الثانية): الظرفية ضربان (١) : ظرف محض (٢) ، وظرف مضمّن معنى الشرط.

ـ فالأول : نحو قولك : راحة المؤمن إذا دخل الجنة. ومنه قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (الليل : ١). ومنه (٣) (٤) [(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) (النساء : ١٠٢) و] (٤) «إذا كنت عليّ راضية ، وإذا كنت عليّ غضبى (٥)» ، لأنه لو كان فيها معنى الشرط ، لكان جوابها معنى ما تقدم ، ويصير التقدير [في] (٤) الأوّل «إذا يغشى أقسم» فيفسد المعنى [لغة] (٤) ، [أو] (٦) يصير القسم متعلّقا على شرط ، لا مطلقا فيؤدي إلى أن يكون القسم غير حاصل الآن ؛ وإنما يحصل إذا وجد شرطه ، وليس المعنى عليه ، بل على حصول القسم (٧) الآن من غير تقييد. وكذا حكم : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (النجم : ١) (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (الفجر : ٤).

ومما يتمحض (٨) للظرفية العارية من الشرط قوله : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) (الشورى : ٣٩) ، لأنّه لو كان فيها معنى الشرط لوجبت الفاء في جوابها.

ـ والضرب الثاني : يقتضي شرطا وجوابا (٩) ، ولهذا تقع الفاء بعدها على حدّ وقوعها بعد «إذ» ، كقوله تعالى : (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) (الأنفال : ٤٥) ، وكذا (١٠) كثر وقوع الفعل بعد (١١) ماضي اللفظ مستقبل المعنى ، نحو : إذا جئتني أكرمتك (١٢). ومنه : «إذا قلت

__________________

(١) في المخطوطة (ظرفان).

(٢) في المخطوطة (مختص).

(٣) في المخطوطة (وقوله).

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٥) حديث شريف متفق عليه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٩ / ٣٢٥ ، كتاب النكاح (٦٧) ، باب غيرة النساء ... (١٠٨) ، الحديث (٥٢٢٨). ومسلم في الصحيح ٤ / ١٨٩٠ ، كتاب فضائل الصحابة (٤٤) ، باب في فضل عائشة رضي‌الله‌عنها (١٣) ، الحديث (٨٠ / ٢٤٣٩).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (القيمة).

(٨) في المخطوطة (يتضمن).

(٩) في المخطوطة (أو جوابا).

(١٠) في المخطوطة (ولذلك).

(١١) في المخطوطة (بعدها).

(١٢) في المخطوطة (أكرمك).

١٧٣

لصاحبك أنصت فقد لغوت (١)». وتختص المضمّنة معنى الشرط بالفعل ، ومذهب سيبويه أنّها [لا تضاف إلا] (٢) إلى جملة فعلية ، ولهذا إذا وقع بعدها اسم قدّر بينه وبينها فعل ، محافظة على أصلها ؛ فإن كان الاسم مرفوعا كان فاعل ذلك الفعل المقدر ، كقوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (الانشقاق : ١) ، وإن كان منصوبا كان مفعولا والفاعل (٣) فيه أيضا ذلك المقدّر ، كقوله :

إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته

والتقدير : إذا بلغت (٤).

ومنهم من منع اختصاصها بالفعل ، لجواز : «إذا زيد ضربته». وعلى هذا فالمرفوع بعدها مبتدأ ، وهو قول الكوفيّين ، واختاره ابن مالك. (٥) وعلى القولين فمحلّ (٥) الجملة بعدها الجر بالإضافة. والفاعل (٦) فيها جوابها. وقيل : ليست مضافة والعامل فيها الفعل (٧) الذي يليها ، لا جوابها (٧).

(تنبيه): مما (٨) يفرّق فيه بين المفاجأة والمجازاة ، أنّ [«إذا»] (٩) التي للمفاجأة لا يبتدأ بها ، كقوله : (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (الروم : ٣٦) ، والتي بمعنى المجازاة يبتدأ بها ، نص عليه سيبويه (١٠) ، فقال في الأولى : «إذا جواب بمنزلة الفاء ، وإنما صارت جوابا بمنزلة الفاء ، لأنه لا يبدأ بها كما لا يبدأ بالفاء».

__________________

(١) حديث شريف ، متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه أخرجه البخاري في الصحيح ٢ / ٤١٤ كتاب الجمعة (١١) ، باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب ... (٣٦) الحديث (٣٩٤) ، ومسلم في الصحيح ٢ / ٥٨٣ كتاب الجمعة (٧) باب في الإنصات يوم الجمعة ... (٣) الحديث (١١ / ٨٥١) ولفظه : «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة انصت والإمام يخطب فقد لغوت».

(٢) العبارة ساقطة من المخطوطة. وانظر الكتاب ٤ / ٢٣٢ ، عدة ما يكون عليه الكلم.

(٣) في المخطوطة (والعامل).

(٤) في المخطوطة (بلغته).

(٥) عبارة المخطوطة (وعلى القول بالاختصاص فمحل).

(٦) في المخطوطة (والعامل).

(٧) عبارة المخطوطة (التي لا يليها إلا جوابها).

(٨) في المخطوطة (ما).

(٩) ساقطة من المخطوطة.

(١٠) انظر الكتاب ١ / ١٠٧ هذا باب ما ينصب في الألف ، و ٣ / ٦٤ هذا باب الجزاء و ٤ / ٢٣٢. عدة ما يكون عليه الكلم.

١٧٤

قال النحاس (١) : ولكن قد عورض سيبويه بأن الفاء قد تدخل عليها ، فكيف تكون عوضا منها؟ والجواب أنها إنما تدخل توكيدا ، وأما قوله [تعالى] (٢) : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ) (الجاثية : ٢٥) ، فيحتمل أنها متمحضة الظرفية لعدم الفاء في جوابها مع «ما» ، ويحتمل أن يكون «ما» جواب قسم مقدر ، لا جواب الشرط ، فلذلك لم يجيء بالفاء.

(الثالثة): جوّز ابن مالك (٣) أن تجيء لا ظرفا ولا شرطا ، وهي الداخلة عليها (٤) [«حتّى» الجارة ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها) (الزمر : ٧١). أو الواقعة مفعولا] (٤) ، كقوله عليه‌السلام : «إني لأعلم إذا كنت عليّ راضية» (٥). وكما جاز تجردها عن الشرط جاز تجردها عن الظرف.

وتحصّل أنها تارة ظرف لما يستقبل وفيها معنى الشرط ، نحو : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (الطلاق : ١) ، وتارة ظرف مستقبل غير شرط ، نحو : ([وَيَقُولُ الْإِنْسانُ] (٦) أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ [حَيًّا] (٦)) (مريم : ٦٦) ، وتارة ظرف غير مستقبل ، نحو : (إِذا ما أَتَوْكَ [لِتَحْمِلَهُمْ]) (٦) (التوبة : ٩٢) وتارة لا ظرف ولا شرط ، وتارة لا تكون اسم زمان ، وهي المفاجأة.

(الرابعة): أصل «إذا» الظرفية لما يستقبل من الزمان ؛ كما أنّ «إذ» (٧) لما مضى منه ، ثم (٧) يتوسع [٢٨٤ / ب] فيها ، فتستعمل في الفعل المستمرّ في الأحوال كلها : الحاضرة والماضية والمستقبلة. فهي (٨) في ذلك شقيقة الفعل المستقبل الذي هو يفعل حيث يفعل به نحو ذلك. قالوا : إذا استعطي فلان أعطى ، وإذا استنصر نصر ، كما قالوا : فلان يعطي

__________________

(١) في المخطوطة (ابن النحاس) ، وهو أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس تقدم في ١ / ٣٥٦.

(٢) ليس في المخطوطة.

(٣) ذكره ابن هشام في مغني اللبيب ١ / ٩٤ بتصرف.

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٥) تقدم تخريج الحديث ص ١٧٣.

(٦) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٧) تصحفت عبارة المخطوطة إلى (لماضي منهم).

(٨) في المخطوطة (بني).

١٧٥

الراغب (١) ، وينصر المستغيث ، من غير قصد إلى تخصيص وقت دون وقت (٢) [وحال دون حال] (٢). قاله الزمخشري في «كشافه القديم (٣)».

(الخامسة): تجاب الشرطية بثلاثة أشياء :

ـ أحدها : الفعل ، نحو إذا جئتني أكرمتك.

وثانيها : الفاء ، نحو إذا جئتني فأنا أكرمك.

ـ ثالثها : إذا المكانية ؛ قال تعالى : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (الروم : ٢٥) ، وقوله : (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) (المؤمنون : ٦٤).

وما قبلها إمّا جوابها ، نحو إذا جئتني أكرمتك ، أو ما دل عليه جوابها ، كقوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ) (المؤمنون : ١٠١). والمعنى : فإذا نفخ في الصور تقاطعوا ، ودلّ عليه قوله : (فَلا أَنْسابَ [بَيْنَهُمْ]) (٤). وكذا قوله : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) (الفرقان : ٢٢) وإنما احتيج لهذا التقدير ؛ لأن ما بعد «لا (٥)» النافية في مثل هذا الموضع لا تعمل (٦) فيه ما قبلها. وأيضا فإن «بشرى» مصدر ، والمصدر لا يتقدم عليه ما (٧) كان في صلته.

ومن ذلك قوله [سبحانه : (ثُمَ] (٨) إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (الروم : ٢٥) ، (٩) (فالعامل في «إذا» الأولى ما دلّ عليه (إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) ، والتقدير «خرجتم». ولا يجوز أن يعمل فيه «تخرجون» لامتناع أن يعمل ما بعد (١٠) «إذا» [في] (١١) المكانية فيما قبلها ، وحكمها في ذلك حكم الفاء.

__________________

(١) في المخطوطة (الرغائب).

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٣) تقدم التعريف بالكتاب في ١ / ١٠٥.

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) تصحفت في المطبوعة إلى (ما).

(٦) في المطبوعة (يعمل).

(٧) في المخطوطة (كما).

(٨) ليست في المطبوعة.

(٩) اضطراب في المخطوطة تقديم وتأخير.

(١٠) في المخطوطة (بعدها).

(١١) ساقطة من المطبوعة.

١٧٦

ومنه قوله تعالى : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ* فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ]) (١) (المدثر : ٨ ـ ٩) ، فالعامل في «إذا» ما دلّ عليه) قوله [تعالى] (١) : (٢) [(فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) ، والتقدير : فإذا نقر في الناقور صعب الأمر. وقوله] (٢) : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ) (سبأ : ٧) ، فالعامل في «إذا ما دل عليه قوله تعالى : (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (سبأ : ٧) من معنى «بعثتم» أو «مبعوثون».

(فإن قيل) : أيجوز نصب «إذا» بقوله «جديد» ، لأن المعنى عليه؟ (قيل) : لا يجوز ، لامتناع أن يعمل ما بعد «إنّ» فيما قبلها ؛ وهذا يسمى مجاوبة (٣) الإعراب ، والمعنى للشيء (٤) الواحد. وكان أبو علي الفارسي يلمّ به كثيرا ؛ وذلك أنه يوجد في المنظوم والمنثور. والمعنى يدعو إلى أمر (٥) ، والإعراب يمنع منه ؛ وقد سبق بيانه في نوع ما يتعلق بالإعراب.

([المسألة] (٦) السادسة): «إذا» توافق «إن» في بعض الأحكام ، وتخالفها في بعض : ـ فأما الموافقة : فهي إنّ كل واحد منهما يطلب شرطا وجزاء ، نحو (٧) ، إذا قمت [قمت] (٨) ، وإذا زرتني أكرمتك.

وكلّ واحدة منهما تطلب الفعل ، فإن وقع الاسم بعد واحدة منهما قدّر له فعل يرفعه يفسّره الظاهر ؛ مثاله قوله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) (النساء : ١٢٨) ، [وقوله] (٩) (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) (النساء : ١٧٦) ، وقوله : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ [فَأَجِرْهُ]) (٩) (التوبة : ٦). ومثاله في [«إذا»] (١٠) قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (الانشقاق : ١) ، (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (التكوير : ١) وما بعدها في السورة من النظائر ، وكذا قوله : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (الانفطار : ١) وما بعدها من النظائر ، و (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) (الواقعة : ١).

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٣) العبارة في المخطوطة (ليس من مجاربة).

(٤) في المخطوطة (النفي).

(٥) في المخطوطة (الأمر).

(٦) ساقطة من المطبوعة.

(٧) في المخطوطة (ويجوز).

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) ليست في المطبوعة.

(١٠) ساقطة من المخطوطة.

١٧٧

ـ وأما الأحكام التي تخالفها ففي مواضع :

الأوّل : أن (١) لا تدخل إلا على مشكوك ؛ نحو إن جئتني أكرمتك ، ولا يجوز إن طلعت الشمس آتيك ، لأنّ طلوع الشمس متيقّن. ثم (٢) إن كان المتيقّن الوقوع مبهم الوقت ، جاز ؛ كقوله تعالى : (أَفَإِنْ مِتَ) (الأنبياء : ٣٤) ، ونظائره.

وأما «إذا» فظاهر كلام النحاة ، يشعر بأنها لا [٢٨٥ / أ] تدخل إلا على المتيقّن وما (٣) في معناه ؛ نحو إذا طلعت الشمس فأتني (٤).

وقوله :

إذا متّ فادفنّي إلى جنب كرمة (٥)

وقوله :

إذا طلعت شمس النّهار فسلّمي

وذلك لكونها للزمن المعيّن بالإضافة على مذهب الأكثر ؛ و [لذلك] (٦) لم يجزموا بها في الاختيار (٧) لعدم إبهامها ، كالشروط (٨) ، ولذلك وردت شروط القرآن بها ، كقوله : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (التكوير : ١) ونظائرها السابقة ، لكونها متحققة الوقوع.

وأما قوله تعالى : (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) (الإنسان : ٢٨) ، فقد أشكل دخولها على غير الواقع. وأجيب بأن التبديل محتمل وجهين : (أحدهما) : إعادتهم في الآخرة ، لأنهم أنكروا البعث. (والثاني : إهلاكهم في الدنيا وتبديل أمثالهم ؛ فيكون كقوله : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) (النساء : ١٣٣) ، فإن كان المراد في الدنيا ،

__________________

(١) في المطبوعة (ألاّ).

(٢) في المخطوطة (علم).

(٣) في المخطوطة (أو ما).

(٤) زيادة عبارة في المخطوطة وهي (وإذا مت فادفني).

(٥) صدر بيت عجزه :

تروّي عظامي بعد موتي عروقها

وقائله أبو محجن الثقفي انظر تاريخ الطبري ٣ / ٥٤٩.

(٦) ساقطة من المطبوعة.

(٧) في المخطوطة (الأخبار).

(٨) في المخطوطة (كالمشروط).

١٧٨

وجب أن يجعل هذا بمعنى «إن» الشرطية ؛ لأنّ هذا شيء لم يكن ، فهي مكان [«إن»] (١) ، لأنّ الشرط يمكن أن يكون وألاّ يكون ، ألا ترى إلى ظهورها في قوله [تعالى] (١) : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) (النساء : ١٣٣) (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) (سبأ : ٩) ، وإنما أجازك «إذا» أن تقع موقع «إن» لما بينهما من التداخل والتشابه.

وقال ابن الخويّي (٢) : «الذي أظنه أنه يجوز دخولها على المتيقّن والمشكوك ، لأنها ظرف وشرط ، فبالنظر إلى الشرط تدخل (٣) على المشكوك ، ك «إن» وبالنظر إلى الظرف تدخل على المتيقّن كسائر الظروف».

وإنما اشترط فيما تدخل عليه «إن» أن يكون مشكوكا فيه ؛ لأنها تفيد الحثّ على الفعل المشروط لاستحقاق الجزاء ، ويمتنع فيه لامتناع (٤) الجزاء ، وإنما يحثّ على فعل ما يجوز ألاّ يقع ، أما ما لا بدّ من وقوعه فلا يحثّ عليه. وإنما امتنع دخول «إذا» على المشكوك إذا لحظت فيها الظرفية ، لأن المعنى حينئذ التزام الجزاء في زمان وجود (٥) [الشرط ، والتزام الشيء في زمان لا يعلم وجود] (٥) شرط فيه ليس بالتزام.

ولما كان الفعل بعد «إن» مجزوما به يستعمل فيه ما ينبىء عن تحققه ، فيغلب لفظ الماضي ، كقوله : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) (الأعراف : ١٣١) ؛ فجيء ب «إذا» في جانب الحسنة ، وب «إن» في جانب السيئة ؛ لأن المراد بالحسنة (٥) [جنس الحسنة] (٥) ، ولهذا عرّفت ، وحصول الحسنة المطلقة (٥) [مقطوع به ، فاقتضت البلاغة التعبير ب «إذا» وجيء ب «إن» في جانب السيئة ، لأنها نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة] (٥) ، كالمرض بالنسبة إلى الصحة ، والخوف بالنسبة إلى الأمن.

ومنه قوله تعالى في سورة الروم : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (الآية : ٣٦). وقوله : (فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى ابن الجويني ، وابن الخويّي تقدمت ترجمته في ٤ / ١٦٦. وقد ذكر قوله السيوطي في الإتقان ٢ / ١٥١ ، النوع الأربعون. (إذا).

(٣) في المخطوطة (يدخل).

(٤) في المخطوطة (امتناع).

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

١٧٩

يَسْتَبْشِرُونَ* وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) (الروم : ٤٨ ـ ٤٩).

وأما قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ) (الزمر : ٨) ، بلفظ «إذا» مع «الضر» فقال السكاكي (١) : نظر في ذلك إلى لفظ المسّ ، وتنكير «الضرّ» المفيد للتعليل ليستقيم التوبيخ ، وإلى الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضرر ، وللتنبيه على أن مسّ قدر يسير من الضرّ لأمثال (٢) هؤلاء ، حقّه (٣) أن يكون في حكم المقطوع به.

وأما قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (فصلت : ٥١) ، بعد قوله : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) (فصلت : ٥١) ، أي أعرض عن الشكر ، وذهب بنفسه وتكبّر. والذي تقتضيه البلاغة أن يكون الضمير للمعرض المتكبّر لا لمطلق الإنسان ، ويكون لفظ «إذا» للتنبيه على أنّ مثل هذا المعرض المتكبّر يكون ابتلاؤه بالشرّ مقطوعا.

[الموضع] (٤) الثاني : من الأحكام المخالفة أنّ المشروط (٥) ب «إن» إذا كان عدما لم يمتنع الجزاء في الحال ؛ حتى يتحقق اليأس من وجوده ، ولو كان [٢٨٥ / ب] العدم (٦) مشروطا ب «إذا» وقع الجزاء في الحال ؛ مثل : إن لم أطلقك فأنت طالق ، لم (٧) تطلق إلا في آخر العمر. وإذا [قال : إذا] (٨) لم أطلقك فأنت طالق ، تطلق في الحال ؛ لأن معناه : أنت طالق في زمان عدم تطليقي لك ، فأيّ زمان تخلّف عن التطليق يقع فيه الطلاق. وقوله : «إن لم أطلقك» تعليق للطلاق على امتناع الطلاق (٩) ، ولا يتحقق ذلك إلا بموته غير مطلّق.

الثالث : أنّ «إن» تجزم الفعل المضارع إذا دخلت عليه ، و «إذا» لا تجزمه ؛ لأنها لا تتمحض (١٠) شرطا ، بل فيها معنى التزام الجزاء في وقت الشرط ، من غير وجوب أن يكون

__________________

(١) هو محمد بن يوسف السكاكي تقدم ذكره في ١ / ١٦٣ ، وانظر قوله في المفتاح : ٢٤٣ تقييد الفعل.

(٢) في المخطوطة (لأمثالها).

(٣) في المخطوطة (ولاحقه) بدل (هؤلاء حقه).

(٤) ساقطة من المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (الشرط).

(٦) في المخطوطة (المعدوم).

(٧) في المخطوطة (لا).

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) في المخطوطة (التطليق).

(١٠) في المخطوطة (محضة).

١٨٠