البرهان في علوم القرآن - ج ٤

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٤

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣

أرسلهما (١) ما يفضي إليه حال فرعون ، لكن ورد اللفظ بصورة ما يختلج في نفس موسى وهارون من الرجاء والطمع ؛ فكأنه قال : انهضا إليه وقولا في نفوسكما ، لعلّه يتذكر أو يخشى.

ولما كان القرآن قد نزل بلغة العرب جاء على مذاهبهم في ذلك ، والعرب قد تخرج الكلام المتيقّن في صورة المشكوك ؛ لأغراض ، فتقول : لا تتعرض لما يسخطني ، فلعلك إن تفعل ذلك ستندم ؛ وإنما مراده أنه يندم لا محالة ، ولكنّه أخرجه مخرج الشك تحريرا للمعنى ، ومبالغة فيه ؛ أي أن هذا الأمر لو كان مشكوكا فيه لم يجب أن تتعرض له ؛ فكيف وهو كائن لا شك فيه! وبنحو من هذا فسّر الزجاج (٢) قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (الحجر : ٢). وأما قوله : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) (غافر : ٣٦) ، فاطلاعه إلى الإله مستحيل ، فبجهله اعتقد في المستحيل الإمكان ؛ لأنه يعتقد في الإله الجسمية والمكان.

ونصّ ابن الدهّان (٣) في «لعل» جواز استعمالها في المستحيل ، محتجا بقوله : «لعل زمانا تولّى يعود». [٢٧٨ / أ] (وقال أيضا) (٤) : كلّ ما وقع في القرآن من «عسى» ، فاعلها الله تعالى ، فهي واجبة. وقال قوم : إلا في موضعين ، [قال تعالى] (٥) : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ) (التحريم : ٥) ، ولم يطلقهن ولم يبدل بهنّ. وقوله : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) (الإسراء : ٨) ، وهذه في بني النّضير ، وقد سباهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقتلهم وأبادهم (٦).

(وقال أيضا) (٤) : وهذا عندي متأوّل ، لأنّ الأوّل تقديره : «إن طلّقكن يبدله» وما

__________________

(١) في المخطوطة (حين إرسالهما).

(٢) انظر قوله في كتابه «معاني القرآن وإعرابه» ٣ / ١٧١ عند سورة الحجر.

(٣) هو سعيد بن المبارك بن علي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٩٣ ، وعبارة المخطوطة (في «المغرب» على جواز ...) ، ولعله تصحيف لاسم كتابه «الغرة في شرح اللمع» لابن جني ذكره البغدادي في «هدية العارفين ١ / ٣٩١ ضمن مؤلفات ابن الدهان.

(٤) في المخطوطة (وقال ابن الدهان).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) قال الشوكاني في تفسيره «فتح القدير» ٣ / ٢١٠ عند تفسير الآية من سورة الإسراء ما نصه (فجرى على بني قريظة والنضير وبني قينقاع وخيبر ما جرى من القتل والسبي والإجلاء وضرب الجزية على من بقي منهم).

١٤١

فعل ، فهذا شرط يقع فيه الجزاء ولم يفعله ، والثاني تقديره : «إن عدتم رحمكم» ، وهم أصروا ، وعسى على بابها. (قال) : وعسى ماضي اللفظ والمعنى ، لأنه طمع ، وقد (١) يحصل في شيء مستقبل. وقال قوم : ماضي اللفظ مستقبل في المعنى ، لأنه أخبر عن طمع ، يريد أن يقع.

واعلم أن عسى تستعمل في القرآن على وجهين :

ـ (أحدهما) : ترفع اسما صريحا ويؤتى بعده بخبر ، ويلزم كونه فعلا مضارعا ، نحو عسى (٢) [زيد أن يقوم ، فلا يجوز «قائما» ، لأنّ اسم الفاعل لا يدلّ على الزمان الماضي ، قال الله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) (المائدة : ٥٢) فيكون «أن والفعل» في موضع نصب ، ب «عسى». وقال الكوفيون : في موضع رفع بدل. وردّ بأنه لا يجوز تركه ، ويجوز تقديمه عليه.

ـ (الثاني) : أن يكون المرفوع بها «أن والفعل» ، وهو عسى] (٢) أن يقوم زيد ، فلا يفتقر هنا إلى منصوب [لأن المرفوع بها و «أن» في المعنى اسم واحد] (٣). ونظيره : (وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ) (المائدة : ٧١). ومنه قوله تعالى : ([عَسى] (٤) أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (الإسراء : ٧٩) لا يجوز رفع (رَبُّكَ) ب (عَسى) ؛ لئلا يلزم الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبيّ ، وهو (رَبُّكَ) ، لأن (مَقاماً مَحْمُوداً) منصوب ب (يَبْعَثَكَ).

وكذلك كقوله : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة : ٢١٦) ، لأن الضميرين متصلان ب (تَكْرَهُوا) و (تُحِبُّوا) ، فلا يكون في (عَسى) ضمير (٥)(أَنْ يَنْفَعَنا) (القصص : ٩) في موضع رفع ، ويجوز أن يكون على لغة من قال : «حسبت أن يفعل» فيكون فيها ضمير يعود على «موسى» و (أَنْ يَنْفَعَنا) في موضع نصب] (٥).

[اتّخذ] (٦)

[«افعل» و «فعلت» منه تخذت] (٥) قال تعالى : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ

__________________

(١) تصحفت عبارة المطبوعة إلى (وذلك حصل).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) ساقطة من المطبوعة.

١٤٢

أَجْراً) (الكهف : ٧٧). قال الفارسي : ولا أعلم «تخذت» يتعدّى إلا إلى واحد. وقيل : أصل «اتخذت» «تخذت» ، فأما «اتخذت» فعلى ثلاثة أضرب :

ـ (أحدها) : ما يتعدّى فيه إلى مفعول واحد ، كقوله تعالى : (يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) (الفرقان : ٢٧). (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) (الزخرف : ١٦).

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) (الفرقان : ٣) (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) (الأنبياء : ١٧). (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) (العنكبوت : ٤١).

ـ (والثاني) : ما يتعدّى لمفعولين ، والثاني منهما الأول في المعنى. وهما [إمّا] (١) مذكوران ، كقوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) (المنافقون : ٢). وقال : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) (الممتحنة : ١). (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) (المؤمنون : ١١٠).

وإما مع حذف الأول ، كقوله : (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) (الأحقاف : ٢٨) ، فمفعول «اتخذوا» الأول الضمير المحذوف الراجع إلى الذين ، والثاني «آلهة» و «قربانا» [نصب] (٢) على الحال. قال الكواشي (٣) : ولو نصب «قربانا» مفعولا ثانيا ، و «آلهة» بدلا منه فسد المعنى.

وإما مع حذف الثاني ، كقوله : (اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) (البقرة : ٥١). (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) (البقرة : ٥٤). (اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) (الأعراف : ١٤٨). (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً) (الأعراف : ١٤٨) ، تقديره في الجميع : اتخذوه آلهة ، لأن نفس اقتناء (٤) العجل لا يلحقه الوعيد الشديد ، فيتعيّن تقدير آلهة (٥) [فإن قيل : فقد جاء تعذيب الصورتين هنا ، ونحن لا نمنعه هنا ، إنما المرتّب على الاتخاذ قدرا زائدا] (٥).

ـ (الثالث) : ما يجوز فيه الأمران ، كقوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (البقرة : ١٢٥). فإن جوزنا زيادة «من» في الإيجاب كان من المتعدّي لاثنين ،

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) هو أحمد بن يوسف بن حسن تقدم التعريف به في ١ / ٢٧٢.

(٤) في المخطوطة (لأن نفس نوع العجل).

(٥) ليست في المطبوعة.

١٤٣

وإن منعنا كان لواحد. ونظيره «جعلت» (١) قال : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (الأنعام : ١) ، أي خلقهما. فإذا تعدّى لمفعولين كان الثاني الأول في المعنى ، كقوله [تعالى] (٢) : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ [قِبْلَةً]) (٢) (يونس : ٨٧) ، (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) (القصص : ٤١) ، (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (السجدة : ٢٤).

أخذ

* تجيء بمعنى «غصب» ، ومنه : «من أخذ [٢٧٨ / ب] قيد شبر من أرض طوّق من سبع أرضين» (٣).

* وبمعنى «عاقب» ، كقوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود : ١٠٢). (أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) (الأعراف : ٩٤). (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) (هود : ٦٧). (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ) (الأعراف : ١٦٥). (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) (القمر : ٤٢). (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) (الكهف : ٥٨). (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) (٤) (فاطر : ٤٥). و (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا [أَوْ أَخْطَأْنا]) (٥) (البقرة : ٢٨٦).

(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) (المائدة : ٨٩).

* وتجيء للمقاربة ، قالوا : أخذ يفعل كذا ، كما قالوا : جعل يقول ، وكرب يقول.

* وتجيء قبل [فعل مما يلتقي به] (٦) القسم ، كقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران : ١٨٧) (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) (البقرة : ٦٣).

* وبمعنى «اعمل» ، كقوله تعالى : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) (البقرة : ٦٣) ، أي اعملوا بما أمرتم به ، وانتهوا عما نهيتم عنه بجد واجتهاد.

__________________

(١) في المخطوطة (جعلنا).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) متفق عليه من رواية سعيد بن زيد رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٢٩٣ كتاب بدء الخلق (٥٩) ، باب ما جاء في سبع أرضين (٢) ، الحديث (٣١٩٨) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٣ / ١٢٣١ كتاب المساقاة (٢٢) ، باب تحريم الظلم ... (٣٠) ، الحديث (١٤٠ / ١٦١٠).

(٤) الآية في المخطوطة (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) النحل : ٦١.

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) ليست في المطبوعة.

١٤٤

سأل

يتعدّى (١) لمفعولين كأعطى ، ويجوز الاقتصار على أحدهما. ثم قد يتعدّى بغير حرف ، كقوله تعالى : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) (الممتحنة : ١٠) (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) (٢) (الأنبياء : ٧). وقد يتعدّى بالحرف ؛ إما بالباء كقوله : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (المعارج : ١). وإما ب «عن» ، كقولك : سل عن زيد. وكذا : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ) (الأعراف : ١٦٣).

والمتعدّية لمفعولين ثلاثة أضرب :

ـ (أحدها) : أن تكون بمنزلة «أعطيت» كقولك : سألت زيدا بعد عمرو حقّا ، أي استعطيته ، أو سألته أن يفعل ذلك.

ـ (والثاني) : بمنزلة : اخترت الرجال زيدا ، كقوله تعالى : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) ([المعارج : ١٠) ، [أي عن حميم] (٣) لذهوله عنه.

ـ (الثالث) (٤) : أن يقع [موقع] (٥) الثاني منهما استفهام ، كقوله تعالى : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ [مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ]) (٦) (البقرة : ٢١١). (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (الزخرف : ٤٥).

وأما قوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (المعارج : ١) ، فالمعنى : سأل سائل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو المسلمين بعذاب واقع ، فذكر المفعول الأول ، وسؤالهم عن العذاب إنما [هو] (٥) استعجالهم له كاستبعادهم (٧) لوقوعه ، ولردّهم ما يوعدون به منه. وعلى هذا : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) (الرعد : ٦).

وأما قوله تعالى : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء : ٣٢) ، فيجوز أن تكون «من»

__________________

(١) في المخطوطة (فعل يتعدى).

(٢) في المخطوطة زيادة (إن كنتم).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) تصحفت في المطبوعة إلى (الثاني).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) في المخطوطة (إنما استعجالهم لاستبعادهم لوقوعه).

١٤٥

فيه موضع المفعول الثاني ، وأن يكون المفعول الثاني محذوفا ، والصفة قائمة مقامه. وأما قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) (الأعراف : ١٨٧) فيحتمل أنّ «عنها» متعلقة بالسؤال ، كأنه : يسألونك عنها كأنك حفيّ عنها ، فحذف الجار والمجرور ، فحسن ذلك لطول الكلام [عنها إلى صلة السؤال] (١). ويجوز أن يكون (عَنْها) بمنزلة [«بها»] (٢) ، وتتصل بالحفاوة (١) [وتارة بالباء ، وتارة بعن كالسؤال ، ويدل على تعلقه بالباء قوله تعالى (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) (مريم : ٤٧) ، وقال (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) (الفرقان : ٥٩) ، أي مسئولا خبيرا ، ومعنى «اسأل» تبيّن بسؤالك] (١).

وعد

فعل يتعدى لمفعولين ، يجوز الاقتصار على أحدهما كأعطيته ، وليس كظننت ، قال تعالى : (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) (طه : ٨٠) ، ف «جانب» مفعول ثان ، ولا يكون ظرفا لاختصاصه ، أي وعدناكم إتيانه ، أو مكثا فيه. وقوله تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) (الفتح : ٢٠) ، فالغنيمة تكون الغنم.

(فإن قلت) : الغنم حدث لا يؤخذ ؛ إنما يقع الأخذ على الأعيان دون المعاني! (قلت) : يجوز أن يكون سمّي باسم المصدر ، كالخلق والمخلوق ، أو يقدّر محذوف ، أي تمليك مغانم.

فأما قوله تعالى : (٢) [(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) (المائدة : ٩) ، وقوله :] (٢) (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا [مِنْكُمْ] (٣) وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) (النور : ٥٥) فإن الفعل لم يتعدّ فيه [إلى] (٣) مفعول [٢٧٩ / أ] ثان ؛ ولكن قوله : (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) و (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) تفسير للوعد ، كما أنّ قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء : ١١) ؛ تبيين للوصية في قوله [تعالى] (١) : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) (النساء : ١١).

وأما قوله تعالى : (أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) (طه : ٨٦) (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المخطوطة.

١٤٦

الْحَقِ) (إبراهيم : ٢٢) ، فيحتمل انتصاب الواحد بالمصدر ، أو بأنه المفعول الثاني ، وسمّي الموعود به «الوعد» ، كالمخلوق «الخلق».

وأما قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) (الأنفال : ٧) ، و (إِحْدَى) في موضع نصب مفعول ثان ، و (أَنَّها لَكُمْ) بدل منه ، أي إتيان إحدى الطائفتين أو تمليكه ، والطائفتان العير والنصر.

وأما قوله : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ) (المؤمنون : ٣٥) فمن قدّر في أنّ الثانية البدل ، فينبغي أن يقدر محذوفا ، ليتمّ الكلام ، فيصحّ البدل ، والتقدير : أيعدكم إرادة أنّكم إذا متم ، ليكون اسم الزمان خبرا عن الحدث ، ومن قدّر في الثانية البدل لم يحتج إلى (١) [تقدير محذوف ، ومن رفع «أنكم» الثانية بالظرف فإنه قال «أيعدكم أنكم يوم القيامة إخراجكم» لم يحتج إلى] (١) ذلك.

وأما قوله : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) (التوبة : ١١٤) ، فالجملة في موضع جرّ صفة للنكرة ، وقد عاد الضمير فيها إلى الموصوف ، والفعل متعدّ إلى واحد.

وأما قوله تعالى : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) (الأعراف : ١٤٢) ، فلا يجوز أن يكون «ثلاثين» ظرفا ، لأنّ الوعد ليس في كلّها بل في بعضها ، فيكون مفعولا ثانيا.

ودّ

قال أبو مسلم الأصبهاني (٢) بمعنى «تمنّى» يستعمل معها «لو» و «أن» ، وربما جمع بينهما نحو : ودّوا لو أن فعل (٣) ، ومصدره الودادة ، والاسم منه ودّ. وقد يتداخلان في الاسم والمصدر. وقال الراغب : إذا كان «ودّ» بمعنى أحبّ لا يجوز إدخال «لو» فيه أبدا.

وقال علي بن عيسى (٤) : إذا كان بمعنى «تمنى» صلح للماضي ؛ والحال والاستقبال ، وإذا كان بمعنى المحبة لم يصلح للماضي ، لأن الإرادة هي استدعاء الفعل ، وإذا كان للماضي

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) هو محمد بن بحر تقدم التعريف به في ٢ / ٣٧٧.

(٣) في المخطوطة (وددت أن لو فعل).

(٤) هو أبو الحسن الرّماني تقدم التعريف به في ١ / ١١١.

١٤٧

لم يجز «أن» ، وإذا كان للحال أو الاستقبال جاز «أن» [و «لو»] (١). وفيما قاله نظر ، لأن «أن» توصل [بالماضي] (١) ؛ نحو سرّني أن قمت. ـ (قلت) : فكان الأحسن الردّ عليه بكلامه ، وهو أنّه جوّز إذا كان بمعنى الحال دخول «أن» وهي للمستقبل ، فقد خرجت عن موضعها.

أفعل التفضيل

فيه قواعد :

ـ (الأولى) : إذا أضيف إلى جنسه لم يكن بعضه ، كقولك زيد أشجع الأسود وأجود السحب ، فيصير المعنى زيد أشجع من الأسود ، وأجود من السحب ؛ وعليه قوله تعالى : (خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (الجمعة : ١١) ، و (أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) (هود : ٤٥) ، و (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤). أي خير من كلّ من تسمّى برازق ، وأحكم من كل من تسمّى بحاكم. كذا قاله أبو القاسم السعديّ (٢).

قال الشيخ أثير الدين (٣) : [الذي] (٤) تقرر عن الشيوخ أن «أفعل» هذه لا تضاف إلا ويكون المضاف بعض المضاف إليه ، فلا يقال : هذا الفرس أسبق الحمير ؛ لأنه ليس بعض الحمير ؛ وعلى هذا بنى البصريون منع «زيد أفضل إخوته» ، وأجازوا «أفضل الإخوة» ، إلاّ إذا أخرجت عن معناها ؛ فإنه قد يجوز ذلك عن بعضهم.

ـ (الثانية) : إذا ذكر بعد «أفعل» جنسه ، أو واحد من آحاد جنسه ، وجب إضافته إليه ، كقولك : زيد أحسن الرجال ، وأحسن رجل قال تعالى ... (٥). وإذا ذكر بعد ما هو من متعلقاته (٦) ، وجب نصبه على التمييز ، نحو زيد أحسن وجها ، وأغزر علما.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) هو عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي تاج الدين أبو القاسم السعدي المصري. ولد سنة (٦٥٠) سمع من ابن عزون والمعين الدمشقي ومحمد بن مهلهل وابن الصابوني وغيرهم. اعتنى بالحديث وكان ذاكرا لشيوخه وسماعه ، وناب في الحكم عن تقي الدين الحنبلي ، وولي مشيخة الحديث بالصاحبية. وكتب بخطه ما يزيد على خمسمائة مجلد ما بين فقه وحديث وغيرهما. توفي سنة (٧٣٢). (ابن حجر ، الدرر الكامنة ٢ / ٣٨٦).

(٣) هو محمد بن يوسف بن علي أبو حيان الأندلسي تقدم التعريف به في ١ / ١٣٠ ، وانظر قوله في كتابه «تذكرة النحاة» ص ٢٩٤ باب التفضيل.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) هنا سقط بيّن في الأصول.

(٦) عبارة المخطوطة (ما هو متعلقا به).

١٤٨

وقد أشكل على هذه القاعدة قوله تعالى : (أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) (النساء : ٧٧) ، وقوله : (أَزْكى طَعاماً) (الكهف : ١٩) ، فقد أضيف إلى [غير] (١) جنسه ، وانتصب. وقد تأوّل العلماء هذا [٢٧٩ / ب] حتى رجعوا به إلى جعل «أشد» لغير الخشية ، فقال الزمخشري (٢) معنى : (يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ) (النساء : ٧٧) ، «أي مثل أهل خشية الله ، أو مثل قوم أشد خشية من أهل خشية الله». قال ابن الحاجب (٣) : وعلى مثل هذا يحمل ما خالف هذه القاعدة.

ـ (الثالثة) : الأصل فيه الأفضلية على ما أضيف إليه ؛ وأشكل على ذلك قوله تعالى : (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) (الزخرف : ٤٨) ، لأن معناه : ما من آية من التسع إلا وهي أكبر من كلّ واحدة منها [فيكون كل واحد منها] (٤) ، فاضلة ومفضولة ، في حالة واحدة.

وأجاب الزمخشريّ بأن (٥) «الغرض وصفهنّ بالكبر من غير تفاوت فيه ، وكذلك العادة في الأشياء التي تتفاوت في الفضل التفاوت اليسير ، أن تختلف الناس في تفضيلها ، وربما اختلف آراء الواحد فيها ، كقول الحماسيّ (٦) :

من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم

مثل النّجوم الّتي يهدى (٧) بها السّاري»

وأجاب ابن الحاجب ، بأن المراد الأعلى أكبر من أختها عندهم ، وقت حصولها ، لأن لمشاهدة الآية في النفس أثرا عظيما ليس للغائب عنها.

ـ (الرابعة) : قالوا : لا ينبني من العاهات : فلا يقال : ما أعور هذه الفرس! وأما قوله [تعالى] (٨) : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) (الإسراء : ٧٢) ، ففيه وجهان :

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) انظر قوله في «الكشاف» ١ / ٢٨٢ عند تفسير الآية من سورة النساء.

(٣) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) انظر قوله في «الكشاف» ٣ / ٤٢١ ـ ٤٢٢ عند تفسير الآية من سورة الزخرف ، وذكر الزمخشري البيت.

(٦) عزاه المرزوقي في «شواهد الكشاف» ص ٥٧ لعبيد الأبرص ، وقيل للعرندس ، ولم نجده في ديوان عبيد الأبرص ، والبيت في «ديوان الحماسة بشرح التبريزي» ٢ / ٢٧٠.

(٧) في المخطوطة والمطبوعة (يهدى) وفي الديوان (يسري).

(٨) ليست في المخطوطة.

١٤٩

ـ أحدهما : أنه من عمى القلب الذي يتولّد من الضلالة ، وهو مما يقبل الزيادة والنقص ، لا من عمى البصر الذي يحجب المرئيات عنه. وقد صرح ببيان هذا المعنى قوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج : ٤٦) وعلى هذا فالأول اسم فاعل والثاني أفعل تفضيل ، من فقد البصيرة.

ـ والثاني : أنه من عمى العين ، والمعنى : من كان في هذه أعمى من الكفار ؛ فإنه يحشر أعمى ، فلا يكون «أفعل تفضيل». ومنهم من حمل الأوّل على [أنه] (١) عمى القلب ، والثاني على فقد البصيرة ، وإليه ذهب أبو عمرو (٢) ، فأمال الأوّل ، وترك الإمامة في الثاني ؛ لما كان اسما ، والاسم أبعد من الإمالة.

ـ (الخامسة) : يكثر حذف المفضول إذا دلّ عليه دليل ، وكان «أفعل» خبرا ، كقوله تعالى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (البقرة : ٦١). (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا) (البقرة : ٢٨٢). (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) (آل عمران : ٣٦). (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران : ١١٨). (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (النحل : ٩٥). (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف : ٤٦). (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) (مريم : ٧٣). (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) (مريم : ٧٥).

وقد يحذف المفضول و «أفعل» ليس بخبر ، كقوله تعالى : (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (طه : ٧).

ـ (السادسة) : قد يجيء مجرّدا عن معنى التفضيل (٣) ، فيكون للتفضيل لا للأفضلية. ثم هو تارة يجيء مؤوّلا باسم فاعل ، كقوله تعالى : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) (النجم : ٣٢). ومؤولا بصفة مشبّهة. كقوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (الروم : ٢٧). ف «أعلم» هاهنا بمعنى «عالم بكم» ، إذ لا مشارك لله تعالى في علمه بذلك ، «وأهون عليه» بمعنى هيّن ، إذ لا تفاوت في نسبة المقدورات إلى قدرته تعالى.

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) تصحف في المخطوطة إلى (ابن عمرون) ، والصواب ما أثبتناه وهو أبو عمرو بن العلاء المقرئ تقدم التعريف به في ١ / ١٥٠ ، وانظر قراءته في «إتحاف فضلاء البشر» ص ٢٨٥ عند سورة الإسراء.

(٣) عبارة المخطوطة (مجردا على أفعل التفضيل).

١٥٠

وقوله تعالى : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ) (فصلت : ٤٠). وقوله : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) (الفرقان : ٢٤) ، (١) [ثم المشهور في هذا التزام الافراد والتذكير ، إذا كان ما هو له مجموعا لفظا ومعنى كقوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا] (١) وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (الفرقان : ٢٤). أو لفظا لا معنى ، كقوله تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ) (الإسراء : ٤٧). و (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) (طه : ١٠٤).

وأما قوله تعالى : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) (الحج : ١٣) ، فمعناه : الضرر بعبادته ؛ أقرب من النفع بها. (فإن قيل) كيف قال : (أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) (الحج : ١٣) ولا نفع من قبله البتة؟. (قيل) : [٢٨٠ / أ] لما كان في قوله : ([لَمَنْ] (٢) ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) تبعيد لنفعه ، والعرب تقول لما [لم] (٣) يصح في اعتقادهم [بكونه]. (٤) «هذا بعيد» جاز الإخبار ب «بعد» نفع الوثن ، والشاهد له قوله تعالى حكاية عنهم : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (ق : ٣).

ـ (السابعة) : «أفعل» في الكلام على ثلاثة أضرب :

١ ـ مضاف ، كقوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (التين : ٨).

٢ ـ ومعرّف باللام ، نحو : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى : ١) و (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) (المنافقون : ٨).

٣ ـ وخال منهما. ويلزم اتصاله ب «من» التي لابتداء الغاية جارّة للمفضّل عليه ، كقوله تعالى : (٥) [(أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً)] (الكهف : ٣٤).

وقد يستغنى بتقديرها عن ذكرها ، كقوله تعالى : (وَأَعَزُّ نَفَراً) (الكهف : ٣٤). ويكثر ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبرا ، كقوله :] (٥) (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (الأعلى : ١٧). وحيث أضيف إنما يضاف إلى جمع معرّف ، نحو «أحكم الحاكمين» ، ولا يجوز

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) ليست في المخطوطة.

١٥١

«زيد أفضل رجل» ، ولا «أفضل رجال» ، لأنه لا فائدة فيه ، لأن كلّ شخص لا بد أن يكوّن [له] (١) جماعة [مجهولة] (١) يفضّلها ، وإنما الفائدة في أن تقول : «أفضل الرجال».

فأما قوله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (التين : ٥) فجوابه أنه غير مضاف إليه تقديرا ، بل المضاف إليه محذوف ، وقامت صفته مقامه ، وكأنه قال : «أسفل قوم سافلين».

ولا خلاف [فيه] (١) أنه يضاف إلى اسم الجمع معرفا ومنكّرا ، نحو أفضل الناس والقوم ، وأفضل ناس [وأفضل] (٢) قوم.

(فإن قيل) : لم أجازوا تنكير هذا ولم يجيزوا [تكرر] (١) ذلك في الجمع؟

(قلت) : لأن «أفضل القوم» ليس من ألفاظ الجموع ، بل من الألفاظ المفردة فخففوه بترك الألف واللام الثانية ، [إذا كان «أفعل» بالألف واللام] (٣) أو مضافا جاز تثنيته وجمعه ، قال تعالى : (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (الشعراء : ١١١) ، و (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) (الكهف : ١٠٣).

وقال في المفرد : [المضاف] (٤) : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) (الشمس : ١٢) وقال في الجمع : (أَكابِرَ مُجْرِمِيها) (الأنعام : ١٢٣) ، و (إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) (هود : ٢٧). وتقول في المؤنث «هذه الفضلى» ، قال تعالى : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) (المدثر : ٣٥) ، (فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) (طه : ٧٥).

وحكم «فعلى» حكم «أفعل» لا يستعمل بغير «من» إلا مضافا أو معرّفا بأل. وأما قوله : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) (آل عمران : ٧) ، فقالوا : إنه على تقدير «من» أي وأخر منها متشابهات.

[تنبيه : لفظ «سواء»] (٥)

سواء : أصله بمعنى الاستواء ، وليس له اسم يجرى عليه ، يقال : استوى

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) ليست في المخطوطة.

١٥٢

[استواء] (١) ، وساواه مساواة لا غير ؛ فإذا وقع صفة كان بمعنى مستو ، ولهذا تقول : هما سواء ، هم سواء ، كما تقول : هما عدل ، وهم عدل ؛ و «السواء» التامّ ، ومنه درهم سواء ، أي تام. ومنه قوله تعالى : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً) (فصلت : ١٠) ، [أي مستويات] (١). ومن نصب فعلى المصدر ، أي استوت استواء ، كذا قال سيبويه (٢). وجوّز غيره أن يكون حالا من النكرة. ٤ / ١٧٤

ويجيء السواء بمعنى الوسط ، كقوله (٣) ([فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) (الصافات : ٥٥) ، وبمعنى «قصد» (٤) كقوله (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (البقرة : ١٠٨) ، قال الفراء (٥) : المعنى قصد السبيل ، وبمعنى العدل كقوله] (٣) تعالى : (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) (آل عمران : ٦٤) أي عدل ، وهو الحق. قال ابن أبي الربيع (٦) : وسواء لا يرفع [إلا المضمر ، ولا يرفع] (٧) الظاهر إلا إذا كان معطوفا على المضمر في سواء وهو مرفوع بسواء ، وهو مما جاز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف عليه.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) انظر قوله في «الكتاب» ٢ / ١١٩ باب ما ينتصب لأنه ليس من اسم ما قبله ولا هو هو.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) تصحف رسمها في المخطوطة إلى «غير» والتصويب من قول الفراء ، وانظر «نزهة الأعين النواظر» لابن الجوزي ص ٣٦١.

(٥) انظر قوله في كتابه «معاني القرآن» ١ / ٧٣ عند تفسير الآية من سورة البقرة.

(٦) هو أحمد بن سليمان بن أحمد تقدم التعريف به في ٢ / ٥٠٢.

(٧) ليست في المطبوعة.

١٥٣

النوع السابع والأربعون

في الكلام على المفردات من الأدوات

والبحث عن معاني الحروف ؛ مما يحتاج إليه المفسّر لاختلاف

مدلولها.

ولهذا توزع (١) الكلام على حسب مواقعها ، وترجّح (٢) استعمالها في بعض المحالّ على بعض ، بحسب مقتضى الحال. كما في قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (سبأ : ٢٤) ، فاستعملت «على» في جانب الحق ، و «في» في جانب الباطل ؛ لأنّ صاحب الحق كأنه مستعل يرقب نظره كيف [شاء] (٣) ، ظاهرة له الأشياء ، وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام ؛ ولا يدري أين توجه! وكما في قوله تعالى : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) [٢٨٠ / ب] (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) (الكهف : ١٩) ، فعطف هذه الجمل الثلاث بالفاء (٤) ، ثم لما انقطع نظام الترتيب عطف (٥) بالواو ، فقال تعالى (٦) : (وَلْيَتَلَطَّفْ) (الكهف : ١٩) ، إذ لم يكن التلطّف مترتبا على الإتيان بالطعام ، كما كان الإتيان منه مرتبا على التوجّه في طلبه ، والتوجّه في طلبه مترتّبا على قطع (٧) الجدال في المسألة عن مدّة اللبث ، بتسليم العلم له سبحانه.

وكما قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ [وَالْمَساكِينِ]) (٨) ... (التوبة : ٦٠)

__________________

(١) في المخطوطة (يرغب).

(٢) في المخطوطة (ويرجح).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (بأيها).

(٥) في المخطوطة (فعطف).

(٦) في المخطوطة (ثم قال).

(٧) العبارة في المخطوطة (طلب الجد).

(٨) ليست في المطبوعة.

١٥٤

[الآية] (١) فعدل عن اللام (٢) [إلى «في» في الأربعة الأخيرة] (٢) ، إيذانا بأنّهم أكثر استحقاقا للتصدق عليهم ممن سبق ذكره باللام ؛ لأن «في» للوعاء ، فنبّه باستعمالها على أنهم أحقّاء بأن يجعلوا مظنّة لوضع الصدقات فيهم ، كما يوضع الشيء في وعائه مستقرّا فيه. وفي تكرير حرف الظرف داخلا على «سبيل الله» دليل على ترجيحه على الرقاب والغارمين.

قال الفارسي : وإنّما قال : (وَفِي الرِّقابِ) ، ولم يقل «وللرقاب (٣)» ليدلّ على أن العبد لا يملك. وفيه نظر ؛ بل ما ذكرناه من الحكمة فيه أقرب. وكما في قوله تعالى : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) (يوسف : ١٠٠) ، فإنه يقال : أحسن بي وإليّ ؛ وهي مختلفة المعاني [وأليقها] (٤) بيوسف عليه‌السلام بي» ، لأنه إحسان درج (٥) فيه دون [أن] (٦) يقصد الغاية التي صار إليها. وكما (٧) في قوله تعالى. (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) (طه : ٧١) ، ولم يقل «على» كما ظن بعضهم ؛ لأن «على» للاستعلاء ، والمصلوب لا يجعل على رءوس النخل ؛ وإنما يصلب في وسطها ، فكانت «في» أحسن من «على».

وقال : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (الرحمن : ٢٦) ، ولم يقل «[كل من] (٨) في الأرض» ؛ لأن عند الفناء ليس [هناك] (٩) حال القرار والتمكين. وقال : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) (الفرقان : ٦٣) وقال : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) (الإسراء : ٣٧) ، (لقمان : ١٨) ، وما قال «على الأرض» ؛ وذلك لمّا (١٠) وصف العباد بيّن أنهم لم يوطّنوا أنفسهم في الدنيا ؛ وإنما هم عليها مستوقرون. ولمّا أرشده ونهاه عن فعل [التبختر] (١١) ، قال : «ولا تمش فيها مرحا ، بل امش عليها [هونا] (١١). وقال تعالى : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) (التوبة : ٦١).

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) العبارة في المخطوطة (في الأربعة الأخيرة إلى «في»).

(٣) تصحفت في المطبوعة إلى (والرقاب) والتصويب من المخطوطة والإتقان ٢ / ١٤٢.

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (دوح).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (كما).

(٨) ساقطة من المطبوعة.

(٩) ساقطة من المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (لأنه).

(١١) ساقطة من المخطوطة.

١٥٥

وقال ابن عباس : الحمد لله الذي قال : (عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (الماعون : ٥) ، ولم يقل : «في (١) صلاتهم» (٢).

وقال صاحب «الكشاف (٣)» في قوله تعالى : (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) (فصلت : ٥) : لو سقطت «من» جاز كون الحجاب في الوسط (٤) [فيما بينك وبينه من المسافة] (٤) ، وإن (٥) تباعدت. وإذا أتيت ب «من» أفادت أن الحجاب ابتداء من أول ما ينطلق عليه «من» ، وانتهى إلى غايته ، فكأن الحجاب قد ملأ ما بينك وبينه. (وقال) (٦) : كرّر الجار في قوله [تعالى] (٧) : (وَعَلى سَمْعِهِمْ) (البقرة : ٧) ليكون أدلّ (٨) على شدة الختم في الموضعين (٩) ، حين استجدّ له تعدية أخرى. وهذا كثير لا يمكن إحصاؤه ؛ والمعين عليه معرفة معاني المفردات ، فلنذكر مهمات مطالبها على وجه الاختصار.

١ ـ الهمزة

أصلها الاستفهام ، وهو طلب الإفهام. وتأتي لطلب التصور والتصديق ، بخلاف «هل» [فإنها] (١٠) للتصوّر خاصة. والهمزة أغلب دورانا ، ولذلك كانت أم الباب. واختصّت بدخولها على الواو ، نحو : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا) (البقرة : ١٠٠). وعلى الفاء ، نحو : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) (الأعراف : ٩٧) وعلى ثمّ ، نحو : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) (يونس : ٥١).

و «هل (١١)» أظهر في الاختصاص بالفعل من الهمزة ، وأما قوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) (الأنبياء : ٨٠) (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة : ٩١) ، و (فَهَلْ أَنْتُمْ

__________________

(١) تصحفت في المخطوطة إلى (على صلاتهم).

(٢) أخرجه من رواية عطاء رحمه‌الله الطبري في التفسير ٣٠ / ٢٠٢ ، وذكره الرازي في التفسير ٣٢ / ١١٤ عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما وذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٢٣٦ عن أنس رضي‌الله‌عنه.

(٣) الكشاف ٣ / ٢٨٢.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (إذا).

(٦) انظر الكشاف ١ / ٢٨ ـ ٢٩.

(٧) ليست في المطبوعة.

(٨) في المخطوطة (أرد).

(٩) في المخطوطة (موضعين).

(١٠) ساقطة من المخطوطة.

(١١) في المخطوطة (وهذا).

١٥٦

مُسْلِمُونَ) (هود : ١٤) ؛ فذلك لتأكيد الطلب للأوصاف الثلاثة ؛ [من] (١) حيث إن الجملة الاسمية أدلّ على حصول المطلوب وثبوته ؛ وهو أدلّ على طلبه من «فهل تشكرون» «وهل تسلمون» لإفادة التجدد. واعلم أنه يعدل بالهمزة عن أصلها ، فيتجوز بها عن النفي والإيجاب والتقرير [والتوبيخ] (٢) ، وغير ذلك من المعاني السالفة (٣) في بحث الاستفهام مشروحة (٤) ، فانظره فيه (٥).

(مسألة) وإذا دخلت على «رأيت» امتنع أن تكون من رؤية البصر أو القلب ، وصارت (٦) بمعنى «أخبرني» (٧) ، (٨) كقولك : «أرأيك زيدا (٨)) [٢٨١ / أ] ما صنع؟ في المعنى تعدّى بحرف ، وفي اللفظ تعدّى بنفسه. ومنه قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا) (مريم : ٧٧). (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى) (العلق : ٩ ـ ١٠). (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) (الماعون : ١).

(مسألة) وإذا دخلت على «لم» أفادت معنيين (أحدهما) : التنبيه والتذكير ، نحو : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) (الفرقان : ٤٥). (والثاني) : التعجّب من الأمر العظيم ، كقولك : ألم تر إلى فلان يقول كذا ، ويعمل (٩) كذا! على طريق التعجّب منه. وكيف كان فهي تحذير.

٢ ـ أم (١٠)

حرف عطف نائب عن تكرير الاسم والفعل ، نحو أزيد عندك أم عمرو؟ (وقيل) :

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (السابقة).

(٤) في المخطوطة (من وجه).

(٥) في المخطوطة (منه).

(٦) في المخطوطة (وصار).

(٧) في المخطوطة (آخر).

(٨) عبارة المخطوطة (كما في قوله : أرأيتك وزيدا).

(٩) في المخطوطة (ويقول).

(١٠) ذكر هذا الفصل ابن فارس في الصاحبي في فقه اللغة : ٩٧ باب الكلام على حروف المعاني باب (أم) وابن الشجري في الأمالي ٢ / ٣٣٣ المجلس (٧٧) ذكر معاني أم ، وابن هشام في مغني اللبيب ١ / ٤١ (أم).

١٥٧

إنما تشرك بين المتعاطفين كما تشرك بينها (١) «أو». (وقيل) : فيها معنى العطف. (٢) [وهي استفهام كالألف ؛ إلا أنها لا تكون في أول الكلام لأجل معنى العطف] (٢). (وقيل) : هي «أو» أبدلت من الواو ، ليحوّل إلى معنى. يريد إلى معنى «أو».

وهي قسمان : متصلة ومنفصلة : فالمتّصلة هي الواقعة في العطف والوارد بعدها وقبلها كلام واحد ، والمراد بها الاستفهام عن التعيين ؛ فلهذا تقدّر (٣) بأيّ. وشرطها أن تتقدّمها همزة الاستفهام ، ويكون ما بعدها مفردا ، أو في تقديره.

والمنفصلة ما فقد فيها الشرطان أو أحدهما ، وتقدّر ب «بل» والهمزة. ثم اختلف النحاة في كيفية تقدير المنفصلة في (٤) ثلاثة مذاهب ، حكاها الصفّار (٥) :

ـ (أحدها) : أنها تقدر بهما وهي بمعناهما ، فتفيد الإضراب عمّا قبلها على سبيل التحول والانتقال ك «بل» ، والاستفهام عما بعدها. ومن ثمّ لا يجوز أن تستفهم مبتدئا كلامك ب «أم». ولا تكون إلا بعد كلام ، لإفادتها الإضراب ، كما تقدم. قال أبو الفتح : والفارق بينها وبين «بل» أنّ ما بعد «بل» منفيّ ، وما بعد «أم» مشكوك فيه.

(والثاني) : أنها بمنزلة «بل» خاصة ، والاستفهام محذوف بعدها ، وليست [هي] (٦) مفيدة (٧) الاستفهام وهو قول الفراء (٨) في «معاني القرآن».

(والثالث) : أنّها بمعنى الهمزة ، والإضراب مفهوم من أخذك في كلام آخر وترك الأول.

قال الصفار : فأمّا الأول فباطل ؛ لأنّ الحرف لا يعطي في حيّز واحد أكثر من معنى واحد ، فيبقى الترجيح بين المذهبين. وينبغي أن يرجّح الأخير ؛ لأنه ثبت من كلامهم : إنّها

__________________

(١) في المخطوطة (بينهما).

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) في المطبوعة. (يقدر).

(٤) في المخطوطة (على).

(٥) هو القاسم بن علي البطليوسي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥١.

(٦) ساقطة من المطبوعة.

(٧) في المخطوطة (مقيدة).

(٨) انظر معاني القرآن ١ / ٧١ ـ ٧٢. بتصرف.

١٥٨

لإبل أم شاء. ويلزم على القول الثاني حذف همزة الاستفهام في الكلام ؛ وهو من مواضع الضرورة. قال (١) : والصحيح أنها لا تخلو عن الاستفهام ؛ وكذلك قال سيبويه (٢). انتهى.

واعلم أن المتصلة يصير معها (٣) الاسمان بمنزلة «أيّ» ، ويكون ما ذكر (٤) خبرا عن «أيّ» ، فإذا قلت : أزيد عندك أم عمرو؟ فالمعنى : أيّهما عندك؟ والظرف (٥) خبر لهما. ثم المتصلة تكون في عطف المفرد على مثله ، نحو أزيد عندك أم عمرو ؛ كقوله تعالى : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف : ٣٩) ، [أي] (٦) أيّ المعبودين خير؟ وفي عطف الجملة على الجملة المتأوّلتين بالمفرد ، نحو : (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ) (الواقعة : ٧٢) ، أي الحال هذه أم هذه؟ والمنقطعة إنّما تكون على عطف الجمل (٧) ، وهي في الخبر والاستفهام بمثابة «بل» والهمزة ، ومعناها في القرآن التوبيخ ، كما كان في الهمزة ، كقوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) (الزخرف : ١٦) أي بل أتّخذ؟ لأن الذي قبلها خبر ، والمراد بها التوبيخ لمن قال ذلك وجري (٨) على كلام العباد. وقوله : (الم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ) (السجدة : ١ ـ ٢) ثم قال : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) (السجدة : ٣) ، تقديره : بل أيقولون؟ كذا جعلها سيبويه (٩) منقطعة ، لأنها بعد الخبر.

ثم وجّه اعتراضا : كيف يستفهم الله [سبحانه وتعالى] (١٠) عن قولهم هذا؟ (١١) وأجيب بأنّه جاء في كلام العرب (١١) ؛ يريد أن في كلامهم يكون المستفهم محققا للشيء لكن يورده بالنظر إلى المخاطب ، كقوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (طه : ٤٤) ، وقد علم الله [٢٨١ / ب] أنه لا يتذكر ولا يخشى ؛ لكنه (١٢) أراد : «لعله يفعل ذلك في

__________________

(١) في المخطوطة (ويقال).

(٢) انظر الكتاب ٣ / ١٦٩ (هذا باب أم وأو).

(٣) في المخطوطة (منها).

(٤) في المخطوطة (ذكرت).

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (والطوف).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (في عطف الجملة).

(٨) في المخطوطة (وأجري).

(٩) انظر الكتاب ٣ / ١٧٢ ـ ١٧٣ (هذا باب أم المنقطعة).

(١٠) ليست في المطبوعة.

(١١) عبارة المخطوطة (وهو يعلم فقد جاء على كلام العرب).

(١٢) في المخطوطة (لكن).

١٥٩

رجائكما». وقوله : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) (الزخرف : ١٦) ، تقديره : بل أتّخذ؟ بهمزة منقطعة للإنكار (١).

وقد تكون بمعنى «بل» من غير استفهام ، كقوله تعالى : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (النمل : ٦٠) ، وما بعدها في سورة النمل. قال ابن طاهر (٢) : ولا يمتنع عندي إذا كانت بمعنى «بل» أن تكون عاطفة ، كقوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ) (الطور : ٣٠) ، وقوله : (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) (النمل : ٢٠).

وقال البغويّ (٣) في قوله : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ (٤) [مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ (٤)) (الزخرف : ٥٢) بمعنى «بل» وليس بحرف عطف ، على قول أكثر المفسرين. وقال الفرّاء (٦) وقوم من أهل المعاني : الوقف على قوله «أم» ، وحينئذ تمّ الكلام ، وفي الآية إضمار والأصل : (أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الزخرف : ٥١) [أم تبصرون؟] (٧) ثم ابتدأ فقال : (أَنَا خَيْرٌ)» (الزخرف : ٥٢).

(قلت) : فعلى الأول تكون منقطعة ، وعلى الثاني متصلة. (وفيها قول ثالث) : قال أبو زيد (٨) : إنها زائدة ، وإنّ التقدير : أفلا تبصرون أنا خير منه! والمشهور أنّها منقطعة ، لأنه لا (٩) يسألهم عن استواء علمه في الأول والثاني ؛ لأنه إنما أدركه الشكّ في تبصّرهم (١٠) بعد ما مضى كلامه على التقرير (١١) ، وهو مثبت وجواب السؤال «بلى» ، فلما أدركه الشكّ في تبصّرهم (١٢) ، قال : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ).

__________________

(١) في المخطوطة (عن الإنكار).

(٢) هو محمد بن أحمد بن طاهر أبو بكر الإشبيلي المعروف بالخدبّ : وهو الرجل الطويل. نحوي بارع حافظ وكان يرحل إليه في العربية موصوفا بالحذق والنبل اشتهر بتدريس الكتاب فما دونه وله عليه طرر مدونة مشهورة اعتمدها تلميذه ابن خروف في شرحه وله تعليق على الإيضاح. ت ٥٨٠ ه‍ ـ (بغية الوعاة ١ / ٢٨).

(٣) هو الحسين بن مسعود البغوي تقدم في ١ / ١٢٧ ، وانظر قوله في تفسيره معالم التنزيل ٤ / ١٤٢.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٦) انظر معاني القرآن ٣ / ٣٥ ، بتصرف.

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) هو سعيد بن أوس تقدم التعريف به في ١ / ٤٧٠.

(٩) في المخطوطة (لم).

(١٠) في المخطوطة (قصدهم).

(١١) في المخطوطة (التقدير).

(١٢) في المخطوطة (تبصيرهم).

١٦٠