البرهان في علوم القرآن - ج ٤

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٤

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٣

وأما إذا كانت المقاربة منفية ، فلأن الإخبار بقرب الشيء يقتضي عرفا عدم حصوله ، وإلاّ لم يتجه الإخبار بقربه ؛ فأما قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (البقرة : ٧١) ؛ فإنها منفيّة مع إثبات الفعل لهم في قوله : (فَذَبَحُوها).

ووجهه أيضا إخبار (١) عن حالهم في أول الأمر ، فإنهم كانوا أولا بعداء من ذبحها ، بدليل ما ذكر الله عنهم من تعنّتهم. وحصول الفعل إنّما فهمناه من دليل آخر ، وهو وقوله : (فَذَبَحُوها).

والأقرب أن يقال : إنّ النفي وارد على الإثبات ، (٢) [وإثبات هذا إنما هو قارب الفعل بنفسه لم يقارب ، وإذا لم يقارب فهو لم يفعله بعد] (٢) والمعنى هنا : «وما كادوا يفعلون الذبح قبل ذلك» ، لأنهم قالوا : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) (البقرة : ٦٧) وغير ذلك من التشديد.

وأما قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (الإسراء : ٧٤) فالمعنى على النّفي ، وأنه (٣) صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يركن إليهم لا قليلا ولا كثيرا ، من جهة أن «لو لا» الامتناعية تقتضي ذلك ، وأنه امتنع مقاربة الركون القليل لأجل وجود التثبيت ، لينتفي الكثير من طريق الأولى.

وتأمّل كيف جاء «كاد» المقتضية المقاربة للفعل ، ونقل (٤) الظاهرة في التقليل (٥) ، كلّ ذلك تعظيما لشأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما جبلت عليه نفسه الزكية من كونه لا يكاد يركن إليهم شيئا قليلا ، [ولا كثيرا] (٦) للتثبيت مع ما جبلت عليه. هكذا ينبغي أن يفهم معنى [هذه] (٧) الآية ، خلافا لما وقع في كتب التفسير من ابن عطيّة وغيره ، فهم عن هذا المعنى اللّطيف بمعزل.

وحكى الشريف الرضي في كتاب «الغرر (٨)» ثلاثة أقوال في قوله تعالى : (لَمْ يَكَدْ يَراها) (النور : ٤٠).

(الأول) : أنها دالة على الرؤية بعسر ، أي رآها بعد عسر وبطء لتكاثف الظلم.

__________________

(١) عبارة المخطوطة (ووجهه أنه إخبار ...).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (لأنه).

(٤) في المطبوعة (بقدر).

(٥) في المطبوعة (للتقليل).

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) انظر «أمالي المرتضى» ١ / ٣٣١ وما بعدها مع تصرف في النقل.

١٢١

ـ (والثاني) : أنها زائدة ، والكلام على النفي المحض ، ونقله عن أكثر المفسرين ، أي لم يرها أصلا ، لأن (١) هذه الظلمات تحول بين العين وبين النظر إلى البدن وسائر المناظر.

ـ (والثالث أنها بمعنى «أراد» من قوله [تعالى] (٢) : (كِدْنا لِيُوسُفَ) (يوسف : ٧٦) ، أي لم يرد أن يراها (٣).

وذكر غيره أنّ التقدير : إذا أخرج يده [ممتحنا] (٤) لبصره لم يكد يخرجها (٥) ، و «يراها» صفة للظلمات ، تقديره : ظلمات بعضها فوق بعض يراها. وأما قوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها [لِتُجْزى]) (٤) (طه : ١٥) ، فيحتمل أنّ المعنى : أريد أخفيها ، لكي تجزى كلّ نفس [بسعيها] (٤). ويجوز أن تكون زائدة ، أي أخفيها لتجزى.

(وقيل) : تمّ الكلام عند قوله : (آتِيَةٌ أَكادُ) ، والمعنى : أكاد آتي بها ، ثم ابتدأ بقوله : ([أُخْفِيها]) (٤) لِتُجْزى. وقرأ سعيد بن جبير : (أَكادُ أُخْفِيها) (٩) بفتح الألف ، أي أظهرها ، يقال : أخفيت الشيء إذا سترته وإذا أظهرته وقراءة الضم تحتمل الأمرين ، وقراءة الفتح لا تحتمل غير الإظهار ؛ ومعنى سترتها لأجل الجزاء ، لأنه إذا أخفى وقتها قويت الدواعي على التأهب لها خوف المجيء بغتة.

وأما قوله تعالى : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) (النور : ٣٥) ، فلم يثبت للزيت الضوء ، وإنما أثبت له المقاربة من الضوء قبل أن تمسّه النار ، ثم أثبت النور بقوله : (نُورٌ عَلى نُورٍ) (النور : ٣٥) ، فيؤخذ منه أن النور دون الضوء [٢٧٤ / أ] لا نفسه.

(فإن قلت) : ظاهره أن المراد : يكاد يضيء ؛ مسّته النار أو لم تمسّه ، فيعطي ذلك

__________________

(١) في المطبوعة زيادة (الله تعالى قال (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) (النور : ٤٠) كان مقتضى) وعبارة المخطوطة دون هذه الزيادة أوجه.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) في المخطوطة زيادة (لأن الظلم ...) ثم ثلاث كلمات غير واضحة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة زيادة (عن ناظر إليها).

(٩) قال أبو حيان في «البحر المحيط» ٦ / ٢٣٢ عند تفسير الآية من سورة طه (وقرأ أبو الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد (أُخْفِيها) بفتح الهمزة ، ورويت عن ابن كثير وعاصم بمعنى أظهرها ... ، وقرأ الجمهور (أُخْفِيها) بضم الهمزة).

١٢٢

أنّه مع [أن] (١) مساس النار لا يضيء ، ولكن يقارب (٢) الإضاءة ، لكن الواقع أنه عند المساس يضيء قطعا! (أجيب :) بأن الواو ليست عاطفة ، وإنما هي للحال ، أي يكاد يضيء والحال أنه لم تمسه نار ، فيفهم منه أنها لو مسته لأضاء قطعا.

(قاعدة) (٣) تجيء كاد بمعنى أراد ، ومنه : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) (يوسف : ٧٦) (أَكادُ أُخْفِيها) (طه : ١٥).

وعكسه ، كقوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) (الكهف : ٧٧) أي يكاد.

(قاعدة) (٣) فعل المطاوعة هو الواقع مسبّبا عن سبب اقتضاه ، نحو كسرته فانكسر.

قال ابن مالك في «شرح الخلاصة» (٤) : هو الدّال على قبول مفعول لأثر الفاعل (٥) ؛ ومعنى ذلك أنّ الفعل المطاوع ، «بكسر الواو» ، يدلّ على أن المفعول لقولك : كسرت الشيء ، يدلّ على مفعول معالجتك في إيصال الفعل إلى المفعول ، فإذا قلت : فانكسر ، علم أنه قبل الفعل ، وإذا قلت : لم ينكسر علم (٦) أنه لم يقبله وأمّا المطاوع ، بفتح الواو ، فيدلّ على معالجة الفاعل في إيصال فعله إلى المفعول ، ولا يدلّ على أن المفعول قبل الفعل أولم يقبله.

وذكر الزمخشريّ وغيره أن المطاوع والمطاوع (٧) ، لا بدّ وأن يشتركا في أصل المعنى ، و [أن] (٨) الفرق بينهما إنما هو من جهة التأثر والتأثير ، كالكسر والانكسار ، إذ لا معنى للمطاوعة إلا حصول فعل عن فعل ، فالثاني مطاوع ؛ لأنه طاوع الأوّل ، والأول مطاوع ، لأنه طاوعه الثاني ، فيكون المطاوع لازما للمطاوع ومرتّبا عليه.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (وإنما يقارب).

(٣) في المخطوطة (فائدة).

(٤) هو محمد بن عبد الله بن مالك جمال الدين تقدم التعريف به في ١ / ٣٨١ وكتابه «شرح الخلاصة» ذكره حاجي خليفة في «كشف الظنون» ١ / ١٥١.

(٥) في المخطوطة (العامل فيه).

(٦) تصحفت في المطبوعة إلى (على أنه).

(٧) في المخطوطة (ولو طاوع) ، وقول الزمخشري في «المفصل» ص ٢٨١ فصل افتعل يشارك انفعل في المطاوعة.

(٨) ليست في المطبوعة.

١٢٣

وقد استشكل هذا بقوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) (فصلت : ١٧) ، [فأثبت «الهدى»] (١) بدون «الاهتداء».

وقوله : «أمرته فلم يأتمر» فأثبت الأمر بدون الائتمار. وأيضا فاشتراط الموافقة في أصل المعنى منقوض بقوله : «أمرته فائتمر» ، أي امتثل ، فإنّ الامتثال خلاف الطلب. وأجيب بأنّه ليس المراد : ب (فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى) الهدي الحقيقي (٢) ، بل أوصلنا إليهم أسباب الهداية ، من بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلا يلزم وجود الاهتداء. وأمّا الأمر فيقتضيه لغة ألاّ يثبت إلا بالامتثال والائتمار.

وقال المطرّزي في «المغرب» (٣) : «الائتمار من الأضداد ، وعليه قول شيخنا في «الأساس» (٤) : يقال : أمرته فائتمر ، وأبى أن يأتمر ، أي أمرته فاستبدّ برأيه ولم يمتثل ،

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) عبارة المخطوطة (ليس المراد ب (فَهَدَيْناهُمْ) العمى الحقيقي).

(٣) هو ناصر بن أبي المكارم عبد السيد بن علي المطرزي ، أبو الفتح ، ولد سنة (٥٣٨) قرأ على أبيه ، وعلى ـ تلميذ الزمخشري ـ أبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي الخطيب ، وصنّف مصنفات في علم العربية ، وكان حنفي المذهب داعية إلى الاعتزال ، توفي سنة (٦١٠ ه‍) ، (القفطي ، إنباه الرواة ٣ / ٣٣٩) ، وذكره السيوطي فقال : (صنف «شرح المقامات» ، و «المعرب في لغة الفقه» ، و «المغرب في شرح المعرب» وكان يقال هو خليفة الزمخشري) بغية الوعاة ٢ / ٣١١ ، وكتابه «المغرب في ترتيب المعرب» مطبوع بالهند سنة ١٣٢٨ ه‍ / ١٩٠٩ م ، وفي دار الكتاب العربي بيروت ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م ، وحققه محمود فاخوري ، وعبد الحميد مختار في حلب مكتبة أسامة بن زيد سنة ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م ، وحققه صباح العتابي كرسالة دكتوراة في جامعة عين شمس بالقاهرة سنة ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م (أخبار التراث العربي ١٤ / ١٧) ، وانظر قوله في «المغرب» ص ٢٨ الهمزة مع الميم.

(٤) «أساس البلاغة» للزمخشري مطبوع باعتناء محمد البليسي ومصطفى وهبي في القاهرة المطبعة الوهبية سنة ١٢٩٩ ه‍ / ١٨٨٣ م ، وفي القاهرة مطبعة محمد مصطفى سنة ١٣٢٧ ه‍ / ١٩٠٩ م ، وفي القاهرة دار الكتب المصرية سنة ١٣٤١ ه‍ / ١٩٢٣ م ، وفي القاهرة بتحقيق عبد الرحيم محمود نشره محمد نديم مطبعة أورتان سنة ١٣٧٠ ه‍ / ١٩٥٣ م ، وصورته دار صادر في بيروت عن طبعة دار الكتب المصرية سنة ١٣٨٢ ه‍ / ١٩٦٥ م ، (ذخائر التراث العربي ١ / ٥٤٩) وصورته دار المعرفة في بيروت عن طبعة عبد الرحيم محمود سنة ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م ، وصورته في بيروت دار الفكر سنة ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م ، وصورته في بيروت المكتبة العصرية سنة ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م ، وانظر أيضا معجم لشعراء أساس البلاغة للزمخشري ، وضعه عرفان عبد الباقي الأشقر وطبعه مجمع اللغة العربية الأردني العدد (٣٠) (أخبار التراث العربي ٢٩ / ٢٦) ، وانظر قول الزمخشري في «أساس البلاغة» ص ٩ مادة «أمر».

فائدة : وقع في حاشية المطبوعة نقلا عن السيوطي في بغية الوعاة ٢ / ٣١١ ضمن ترجمة المطرّزي ما

١٢٤

والمراد بالمؤتمر الممتثل». ويقال : علّمته فلم يتعلم ؛ لأنّ التعليم فعل صالح لأن يترتّب عليه حصول العلم لإيجاده (١). كذا قاله الإمام فخر الدين ، ومنعه بعضهم.

وقال الشيخ علاء الدين الباجي (٢) : لو لم يصحّ : علّمته فما تعلم ، لما صحّ علّمته فعلم ؛ لأنّه إذا كان التعليم يقتضي إيجاد العلم ، وهو علّة فيه ، فمعلوله ـ وهو التعلّم ـ يوجد معه ؛ بناء على أنّ العلّة مع المعلول ، والفاء في قولنا : «فتعلّم» تقتضي تعقب العلم. وإن قلنا : المعلول يتأخّر ، فلا فائدة في «فتعلّم» لأن التعلّم قد فهم من «علّمته» ، فوضح أنه لو صحّ (٣) «علّمته فما تعلّم» لكان إمّا ألاّ يصحّ علّمته فتعلّم ، بناء على أنّ العلّة مع المعلول ، أو لا يكون في قولنا : «فتعلّم» فائدة بتأخّر المعلول.

(فإن قيل) : قد منعوا «كسرته فما انكسر» فما وجه صحة قولهم : «علّمته فما تعلّم»؟ (قيل) ؛ فرّق بعضهم بينهما ؛ بأن العلم في القلب من الله يتوقّف على أمر من المعلّم ومن المتعلّم ، وكان علمه موضوعا للجزاء الذي من المعلّم فقط ، لعدم إمكان فعل من المخلوق يحصل به العلم ، ولا بدّ بخلاف الكسر ، فإنّ أثره لا واسطة بينه وبين الانكسار.

واعلم أن الأصل [٢٧٤ / ب] في فعل المطاوعة أن يعطف عليه بالفاء ، تقول دعوته فأجاب ، وأعطيته فأخذ ، ولا تقولها بالواو ؛ لأن المراد إفادة السببية ، وهو لا يكون في الغالب إلا بالفاء ، كقوله : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) (الأعراف : ١٧٨).

ويجوز عطفه بالواو ، كقوله : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ) (الكهف : ٢٨) وكقوله : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ) (الأنبياء : ٨٨)

__________________

نصّه : (قرأ على الزمخشري والموفق)! وهذا وهم صوابه : (قرأ على تلميذ الزمخشري وهو الموفق) لأن وفاة الزمخشري سنة (٥٣٨) وهي سنة ولادة المطرّزي ، فلا يعقل أن يقرأ عليه ، وقول المطرّزي في «المغرب» (وعليه قول شيخنا في «الأساس») تساهل لأنه شيخ شيخه ، لا على الحقيقة والله أعلم بالصواب.

(١) عبارة المخطوطة (لأنه ترتب عليه حصول العلم لا اتخاذه).

(٢) هو علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب المغربي ثم المصري الباجي الشافعي ، أبو الحسن علاء الدين ولد سنة (٦٣١ ه‍) فقيه أصولي ، تفقه بالشام ثم دخل القاهرة واستوطنها وناب في الحكم وأخذ عنه تقي الدين السبكي ، من مصنفاته «مختصر المحصول» للرازي ، «مختصر المحرر» للرافعي (ابن حجر ، الدرر الكامنة ٣ / ١٠١).

(٣) تصحفت العبارة في المخطوطة إلى (لو لم يوضح).

١٢٥

[وفي موضع آخر : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ)] (١) (الأنبياء : ٧٦).

وزعم ابن جنيّ في كتاب «الخصائص» (٢) أنه لا يجوز فعل المطاوعة إلا بالفاء. وأجاب عن قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) (الكهف : ٢٨) ، بأنّ «أغفل» في الآية بمعنى وجدناه غافلا ، لا جعلناه يغفل ، وإلا لقيل : «فاتبع هواه» بالفاء ؛ لأنه يكون مطاوعا. وفي كلامه نظر ؛ لأنّا نقول : ليس اتّباع الهوى مطاوعا ل «أغفلنا» ، بل المطاوع ل «أغفلنا» ، غفل.

(فإن قيل) : إنه من لازم الغفلة اتباع الهوى ، والمسبّب عن السبب سبب.

(قيل) : لا نسلّم أن اتّباع الهوى مسبّب عن الغفلة ، بل قد يغفل عن الذكر (٣) ولا يتبع الهوى ، ويكون المانع له منه غفلة أخرى عنه (٤) [كما حصلت له غفلة عن الذكر ، أو ترد به ، أو خوف الناس ، علمنا أنه مسبب عنها ، إلا أن كلامنا في المسبب المطاوع ، لا في المسبب مطلقا وتسبب اتباع الهوى عن الغفلة ليس عن المطاوعة] (٤).

واعلم أن الحامل لأبي الفتح على هذا الكلام اعتقاده الاعتزاليّ أنّ معصية العبد (٥) لا تنسب إلى الله [تعالى] ؛ وأنّها مسبّبة له ، فلهذا جعل «أفعل» هنا بمعنى «وجد» لا بمعنى التعدية خاصة. وقد بينا ضعف كلامه ، وأنّ المطاوع لا يجب عطفه بالفاء.

وقال الزمخشري (٦) في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ) (النمل : ١٥) : «هذا موضع الفاء ، [كما] (٧) يقال : أعطيته فشكر ، ومنعته فصبر ؛ وإنما عطف بالواو للإشعار بأن ما قالاه (٨) بعض ما أحدث فيهما [إيتاء] (٩) العلم ، [فأضمر ذلك ثم عطف عليه بالتحميد] (٩) كأنه قال : فعملا به وعلّماه ، وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة ، وقالا الحمد لله».

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) انظر «الخصائص» ٣ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية.

(٣) في المخطوطة (عن الهوى).

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (أن معصيته).

(٦) انظر «الكشاف» ٣ / ١٣٥ عند تفسير الآية من سورة النمل.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) تصحفت في المخطوطة إلى (وإنما لاقاه).

(٩) زيادة من الكشاف يقتضيها النص.

١٢٦

وقال السكّاكي (١) : «يحتمل عندي أنّه تعالى أخبر عمّا صنع بهما ، وعمّا قالا ؛ كأنه قال : نحن فعلنا إيتاء العلم ، وهما فعلا الحمد ، من غير بيان ترتّبه عليه اعتمادا على فهم السامع ، كقولك : «قم يدعوك» بدل «قم فإنه يدعوك».

وأما قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) (البقرة : ٢٨٢) ؛ فظنّ بعض الناس أنّ التقوى سبب التعليم ، والمحققون على منع ذلك ؛ لأنّه لم يربط الفعل الثاني بالأول ربط الجزاء بالشرط ، فلم يقل : «واتقوا الله [و] (٢) يعلّمكم» ولا قال : «فيعلمكم الله» ، وإنما أتى بواو العطف ، وليس فيه ما يقتضي أن الأوّل سبب للثاني ، وإنما غايته الاقتران والتلازم ، كما يقال : زرني وأزورك ، وسلّم علينا ونسلّم عليك ، ونحوه ، مما يقتضي اقتران الفعلين والتعارض من الطرفين ، كما لو قال لسيّده : أعتقني ولك عليّ ألف ، أو قالت المرأة لزوجها :

طلقني ولك [علي] (٢) ألف ؛ فإنّ ذلك بمنزلة قولها : بألف أو على ألف. وحينئذ فيكون متى علّم الله العلم النافع اقترن به التقوى بحسب ذلك.

ونظير الآية (٣) قوله تعالى : (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (هود : ١٢٣). وقوله عقيب ذكر الغيبة : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات : ١٢) ، ووجه هذا الختام (٤) التنبيه على التوبة من الاغتياب ، وهو من الظّلم. وهاهنا بحث ، وهو أن الأئمة اختلفوا في أنّ العلم هل يستدعي مطاوعة أم لا! على قولين :

ـ (أحدهما) : نعم ، بدليل قوله تعالى : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) (الأعراف : ١٧٨) ، فأخبر عن كلّ من هداه الله بأنه يهتدي. وأما قوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) (فصلت : ١٧) ، فليس منه لأن المراد بالهداية فيه الدعوة ، بدليل : (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) (٥) (فصلت : ١٧).

ـ (والثاني) : لا يدلّ على المطاوعة ، بدليل قوله : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً)

__________________

(١) انظر «مفتاح العلوم» ص ٢٧٨ الفن الرابع في الفصل والوصل والإيجاز والإطناب ، ضمن الإيجاز.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) عبارة المخطوطة (ونظيره قوله تعالى).

(٤) في المخطوطة (المقام).

(٥) في المخطوطة زيادة (كما سبق).

١٢٧

(الإسراء : ٥٩). [٢٧٥ / أ] وقوله : (وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً) (الإسراء : ٦٠) ، لأن التخويف حصل ، ولم يحصل للكفار خوف نافع يصرفهم إلى الإيمان ؛ فإنّه المطاوع للتخويف المراد بالآية الكريمة ، وعلى الأول تكون الفاء للتعقيب في الزمان ، ويكون : «أخرجته فما خرج» حقيقة.

(فائدة) قالوا في قوله [تعالى] (١) : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) (النازعات : ٤٥) : إن التقدير «منذر إنذارا نافعا من يخشاها». قال الشيخ عز الدين (٢) : ولا حاجة إلى هذا ، لأن فعل وأفعل ، إذا لم يترتب عليه مطاوعة ، كخوف وعلم وشبهه لا يكون حقيقة ؛ لأن «خوف» إذا لم يحصل الخوف ، و «علم» إذا لم يحصل العلم كان مجازا ، و (مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) ، يترتب عليه أثره ، وهو الخشية ، فيكون حقيقة لمن يخشاها ، فإذا ليس منذرا من لم يخش ، لأنه لم يترتب عليه أثر. فعلى هذا : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ) (النازعات : ٤٥) فيه جمع بين الحقيقة والمجاز لترتب أثره عليه ، بالنسبة إلى «من يخشى» دون «من لم يخش».

احتمال الفعل (٣) للجزم والنصب

فمنه قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأعراف : ١٩) ، يحتمل أن يكون ما بعد الفاء مجزوما ، ويحتمل أن يكون منصوبا ، وإذا كان مجزوما كان داخلا في النهي ، فيكون قد نهي عن الظلم ، كما نهي عن قربان الشجرة ، فكأنه قال : «لا تقربا هذه الشجرة فلا تكونا من الظالمين» (٤).

ومنه قوله تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) (البقرة : ٤٢) ، فإنه يحتمل أن يكون «تكتموا» مجزوما ؛ فهو مشترك مع الأول في حرف النهي ؛ والتقدير : لا تلبسوا ولا تكتموا ، أي لا تفعلوا هذا [ولا هذا] (٥) ، كما في قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، بالجزم. أي لا تفعل واحدا من هذين. ويحتمل أن يكون منصوبا ، والتقدير : لا

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) هو شيخ الإسلام عبد العزيز بن عبد السلام تقدم التعريف به في ١ / ١٣٢.

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (أفعال الوصل).

(٤) في المخطوطة زيادة (ويؤدي إلى الظلم).

(٥) ليست في المطبوعة.

١٢٨

تجمعوا بين هذين ، (١) [ويكون مثل لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، والمعنى : لا تجمعوا بين هذين] (١) الفعلين القبيحين ، كما تقول لمن لقيته (٢) : أما كفاك أحدهما حتى جمعت بينهما! وليس في هذا إباحة أحدهما. والأول أظهر.

وقوله : (ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) (البقرة : ٢٣٦) ، أي ما لم يكن أحد الأمرين : المسّ أو الغرض المستلزم ؛ لعدم كلّ منهما ، أي لا هذا ولا هذا ؛ فإن وجد أحدهما فعليكم الجناح ، وهو المهر أو نصف المفروض ، و «تفرضوا» مجزوم عطفا على «تمسّوهنّ» (٣). وقيل : نصب و «أو» بمعنى «إلا أن».

والصحيح الأول ؛ ولا يجوز تقدير «لم» بعد «أو» لفساد المعنى ، إذ يؤول إلى رفع الجناح عند عدم المس مع الفرض وعدمه. وعند عدم الفرض [مع] (٤) المسّ وعدمه. وليس كذلك ؛ ولا يقدر فيما (٥) انتفى أحدهما ، للزوم نفي الجناح عند نفي أحدهما ووجود الآخر ، فلا بدّ من المحافظة على أحدهما على الإبهام وانسحاب حكم «لم» (٦) عليه.

ونظيره : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (الإنسان : ٢٤). وقوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) (البقرة : ١٨٨) : وقوله تعالى : (إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (آل عمران : ١٤٩) ، والوجه الجزم ، ويجوز النصب. وقوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ...) (البقرة : ٢٨٤) الآية. وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَ) (النساء : ١٩).

وقوله : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) (النساء : ٩٧). وقوله : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) (النساء : ١٢٩). وقوله في آل عمران (٧) : (يَرُدُّوكُمْ

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (قضيته).

(٣) في المخطوطة (تمسوا).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (ولا يقدر فيما بقي انتفى أحدهما).

(٦) في المخطوطة (حكم «له» عليه).

(٧) في المخطوطة (وقوله في المائدة «ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين») وصواب الآية كما في المائدة : ٢١ (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ).

١٢٩

عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (الآية : ١٤٩). وقوله في الأعراف : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (الآية : ١٩).

وقوله في الأنفال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا) [٢٧٥ / ب] (اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الآية : ٢٧).

وقوله في سورة التوبة : (وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا) (الآية : ٥٠). وقوله : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) (التوبة : ١٢٠). وقوله في سورة يونس : (فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (الآية : ٨٨) ؛ يجوز أن يكون معطوفا على : (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) (يونس : ٨٨) فيكون منصوبا ، ويجوز أن يكون منصوبا بالفاء على جواب الدعاء ، وأن يكون مجزوما ، لأنه دعاء.

وقوله في سورة يوسف : (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ) (الآية : ٩). وقوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (غافر : ٨٢). وقوله في سورة هود : (ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ* أَلاَّ تَعْبُدُوا [إِلاَّ اللهَ]) (١) (الآية : ١ ـ ٢) ، أي «بأن لا تعبدوا [إلا الله] (١)» فيكون منصوبا ، ويجوز جزمه لأنه نهي. وقوله في سورة النحل : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ) (الآية : ٩٤) يجوز عطف ، «وتذوقوا» على [«تتخذوا» أو] (٢) «فتزلّ» قبل دخول الفاء ، فيكون مجزوما.

وقوله في سورة الإسراء : (وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) (الآية : ٢٣) ، أي بألاّ تعبدوا ، أو [على] (٢) نهي. وفيها : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِ) (الإسراء : ٣٣). وقوله في سورة الكهف : (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ [فِي مِلَّتِهِمْ]) (٣) (الآية : ٢٠). وقوله في [سورة] (٣) الحج : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) (الآية : ٢٨) ، يجوز أن يكون لام كي أو لام الأمر ، وفائدة هذا تظهر في جواز الوقف. وقوله : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا [بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ]) (٣)

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

١٣٠

(الحج : ٢٩) ، فيمن كسر اللامات (١). وقوله في النمل : (أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (الآية : ٣١) ، أي بإن ، أو نهي. وقوله في العنكبوت : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا [فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (الآية : ٦٦) هل هي لام كي أو لام الأمر] (٢).

وفي فاطر : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) (الآية : ٤٤). وفي يس : (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) (الآية : ٣٥) ، هل هي لام كي ، أو لام الأمر؟ وفي المؤمن : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) (غافر : ٨٢). وفي فصلت : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا) (الآية : ٣٠). في الأحقاف : (أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ) (الآية : ٢١).

وفي القتال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [فَيَنْظُرُوا]) (٣) (محمد : ١٠).

ويدل على جواز النصب ظهوره في مثله ، (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ) (الحج : ٤٦).

وقوله : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) (محمد : ٣٥). وقوله : (أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) (الرحمن : ٨) أي لئلا. أو مجزوم. وقوله : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) (الممتحنة : ٢). وقوله [تعالى] : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (المرسلات : ٣٥ ـ ٣٦) ، فإن (يعتذرون) داخل مع الأول في النفي عند سيبويه ، بدليل قوله : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) ، فإن كان النطق قد نفي عنهم في ذلك اليوم فالاعتذار نطق ، فينبغي أن يكون منفيا معطوفا على قوله : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ) (المرسلات : ٣٦) ، و [لو] (٤) حمل على إضمار المبتدإ ، ـ أي فهم يعتذرون ـ لجاز على أن يكون المعنى في (لا يَنْطِقُونَ) (المرسلات : ٣٥) أنّهم وإن نطقوا فمنطقهم (٥) كلا نطق ؛ لأنه لم يقع الموقع الذي أرادوه ، كقولهم : تكلّمت ولم تتكلم.

وقوله : (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) (الشعراء : ١٠٢) ، وعلى الأول يكون هذا قولا في

__________________

(١) قال البنا الدمياطي في «إتحاف فضلاء البشر» ص ٣١٤ عند سورة الحج (واختلف في (وَلْيُوفُوا) ، (وَلْيَطَّوَّفُوا) فابن ذكوان بكسر اللام فيهما على الأصل ، والباقون بالسكون فيهما).

(٢) ليست في المطبوعة ، ثم في المخطوطة اختلاف في ترتيب سياق الأمثلة ، حيث جاء (وفي المؤمن ... ، وفي يس ... ، وفي فاطر ...).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (فنطقهم).

١٣١

أنفسهم من غير نطق. وقوله تعالى : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (١) (البقرة : ٢٦٠) ، يجوز أن يكون لام كي ، والفعل منصوب ، أو لام الأمر ، والفعل مجزوم. وقوله : (أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) (الأعراف : ١٢٧) ، فالظاهر أنه منصوب ، ويجوز أن يكون مجزوما ، واللام زائدة ، ومن نصب (وَيَذَرَكَ) ، عطفه على (لِيُفْسِدُوا).

رأى

إن كانت بصرية تعدّت لواحد ، أو علمية (٢) تعدّت لاثنين ؛ وحيث وقع (٣) بعد البصرية منصوبان كان الأول مفعولها ، والثاني حالا. [٢٧٦ / أ] ومما يحتمل الأمرين قوله تعالى : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى [وَما هُمْ بِسُكارى]) (٤) (الحج : ٢) ، فإن كانت بصرية كان «الناس» مفعولا و «سكارى» حالا ، وإن كانت علمية فهما مفعولاها.

وكذلك قوله تعالى : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) (الجاثية : ٢٨). وقوله [تعالى] (٥) : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) (الزمر : ٦٠) ، فهذه الجملة ـ أعني قوله : (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) (الزمر : ٦٠) ـ في موضع نصب ، إمّا على الحال إن كانت بصريّة ، أو مفعول ثان إن كانت قلبية.

واعلم أنه قد وقع في القرآن : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا) (الأنعام : ٦) ، في بعض المواضع بغير واو كما في الأنعام ، وفي بعضها بالواو (٦) ، وفي بعضها بالفاء ، (أَفَلَمْ يَرَوْا) (سبأ : ٩). وهذه الكلمة تأتي على وجهين :

ـ (أحدهما) : أن تتّصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة ، فيذكر بالألف والواو ، ولتدلّ الألف على الاستفهام ، والواو ، على عطف جملة على جملة قبلها. وكذلك الفاء ؛ لكنها أشدّ اتصالا مما قبلها.

__________________

(١) في المخطوطة زيادة (قال) ثم كلمة مشكلة إما (المعري ، أو المغربي).

(٢) في المخطوطة (أو قلبية).

(٣) في المخطوطة (وقعت).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) كما في الرعد (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ ...) الآية : ٤١.

١٣٢

ـ (والثاني) : أن يتصل بما الاعتبار فيه بالاستدلال ، فاقتصر على الألف دون (١) الواو والفاء ، ليجري مجرى الاستئناف.

ولا ينتقض هذا الأصل بقوله في [سورة] (٢) النحل : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) (الآية : ٧٩) ، لاتصالها بقوله : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) (النحل : ٧٨) وسبيلها الاعتبار بالاستدلال ، فبني عليه (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ).

وأما «أرأيت» فبمعنى «أخبرني» ولا يذكر بعدها إلا الشرط (٣) ؛ وبعده الاستفهام ، على التقديم والتأخير ؛ كقوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ ...) (الأنعام : ٤٦) الآية ، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) (الملك : ٣٠) وقوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) (الماعون : ١).

وأما «رأيت» الواقعة في كلام الفقهاء ، فهي كذلك ، قال ابن خروف (٤) : إلا أنّهم يلجئون فيها ، وجوابها : أرأيت إن كان كذا وكذا؟ [كيف] (٥) يكون [كذا] (٥)؟ بمعنى عدم الشرط. ثم الاستفهام (٦) بعده على نمط الآيات الشريفة ، وهي معلّقة عن العمل بما بعدها من الآيات الكريمة ، وكذلك الرؤية كيف تصرفت.

وأما قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) (الفرقان : ٤٥) ، فدخلها معنى التعجب ، كأنه قيل : ألم تعجب إلى كذا! فتعدّت ب «إلى» كأنه : ألم تنظر (٧) ، ودخلت «إلى» بمعنى التعجب ، وعلّق الفعل على جملة الاستفهام ؛ وليست ببدل من «الرب» تعالى ؛ لأن الحرف لا يعلّق.

وأما «أرأيتك» (٨) فقد وقعت هذه اللفظة في سورة الأنعام في موضعين (٩) وغيرها ،

__________________

(١) عبارة المخطوطة (وحذف الواو والفاء).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) عبارة المخطوطة (ولا يذكر بعد هذا الاشتراط).

(٤) هو علي بن محمد بن علي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٩٧.

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (لا الاستفهام).

(٧) في المخطوطة (ألم تنظروا).

(٨) في المخطوطة (وأما «أرأيتكم»).

(٩) الآية : (٤٠) و (٤٧) (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) ، وفي سورة الإسراء : ٦٢ (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ...).

١٣٣

وليس لها في العربية نظير ؛ لأنه جمع فيها بين علامتي خطاب ، [وهما] (١) التاء والكاف ، والتاء اسم بخلاف الكاف ؛ فإنها عند البصريين حرف يفيد الخطاب ، والجمع بينهما يدلّ على أن ذلك تنبيها على مبناها عليه من مرتبة ، وهو ذكر الاستبعاد بالهلاك ، وليس فيما سواها ما يدلّ على ذلك ، فاكتفى بخطاب واحد.

قال أبو جعفر بن الزبير (٢) : الإتيان بأداة الخطاب بعد الضمير المفيد لذلك تأكيد (٣) باستحكام غفلته ؛ كما تحرّك النائم باليد ، والمفرط الغفلة باليد واللسان ؛ ولهذا حذفت الكاف في آية يونس (٤) ؛ لأنه لم يتقدم (٥) قبلها ذكر صمم ولا بكم يوجب تأكيد الخطاب ، وقد تقدم قبلها قوله : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) (يونس : ٣١) إلى ما بعدهنّ ، فحصل تحريكهم وتنبيههم بما لم يبق بعده إلا التذكير بعذابهم. انتهى.

وقال ابن فارس (٦) في قوله تعالى : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) (الإسراء : ٦٢) قال : «البصريون : هذه الكاف لو كانت اسما استحال أن تعدى «أرأيت» [إلا] (٧) إلى مفعولين ، والثاني هو الأول. يريد قولهم : «أرأيت زيدا قائما» لا تعدى «أرأيت» إلا إلى مفعول هو «زيد» ، ومفعول آخر هو «قائم» ؛ فالأول هو الثاني».

وقال غيره : من جعل الأداة المؤكّد [٢٧٦ / ب] بها الخطاب في «أرأيتكم» ضميرا لم يلزمه اعتراض بتعدّي فعل الضمير المتصل إلى مضمره المتصل ؛ [لأن ذلك] (٨) جائز في [الأفعال المذكورة والآيات المذكورة] (٩) باب الظنّ ، وفي فعلين من غير باب «ظننت» ؛ وهما «فقدت» و «عدمت» ، وكذلك تعدّي فعل الظاهر إلى مضمره المتصل جائز في الأفعال

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) هو أحمد بن إبراهيم بن الزبير تقدم التعريف به في ١ / ١٣٠.

(٣) عبارة المخطوطة (المفيد لك تأكيد في إيقاظ النبيه إبان استحكام).

(٤) الآية : ٥٠ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ ...).

(٥) في المخطوطة (لأنه لم يتقدر).

(٦) انظر «الصاحبي» ص ٨٣ باب الكاف ، من باب الحروف وأصلها ...

(٧) ليست في الأصول ، وهي زيادة من «الصاحبي» يقتضيها النص.

(٨) ليست في المخطوطة.

(٩) ليست في المطبوعة.

١٣٤

المذكورة ؛ والآيات المذكورة من باب الظن ، لأن المراد ب «رأيت» رؤية القلب ، فهي من المستثنى ؛ وإنما الممتنع (١) مطلقا تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره (٢) ، [فلا اختلاف في منع هذا من كل الأفعال.

وأما من جرّد أداة الخطاب المؤكّد بها للحرفية] (٣) ـ وهو قول الجمهور ـ فلا كلام في ذلك.

وقد اختلف في موضع الكاف من هذا اللفظ على أقوال : قال سيبويه (٤) : لا موضع لها. وقال الكسائي (٥) : موضعها نصب. وقال الفراء (٦) : رفع ، [ثم قال الكسائي لم يرد أن يرفع الرجل فعله على نصبه ، وقال الفراء لم يقصد بالفعل قصد واحد معروف ولو قصد واحد لعيّنه لما قال «أرأيتك» وفتح الفاء للآتي ، ولكنه فعل ترك فيه اسم الفاعل ، وجعلت الكاف فيه خلفا] (٧).

إذا علمت هذا ، فلها موضعان :

(أحدهما) : أن تكون بمعنى «أخبرني» فلا تقع إلا على اسم مفرد أو جملة شرط ، كقوله [تعالى] (٧) : (أَرَأَيْتُمْ (٨) إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ ...) (الأنعام : ٤٦) الآية ، ولا يقع الشرط إلا ماضيا ، لأن ما بعده ليس بجواب له ، وإنما هو معلّق ب «أرأيتك» ، وجواب الشرط ؛ إما محذوف (٩) للعلم به ، وإما للاستفهام مع عامله [معني عنه] (١٠). وإذا ثنّي هذا أو جمع لحقت بالتثنية والجمع الكاف ، وكانت التاء مفردة بكل حال.

قال السّيرافي (١١) : يجوز أن يكون إفرادهم للتاء ، استغناء بتثنية الكاف وجمعها ، لأنها

__________________

(١) في نسخة (وإنما امتنع).

(٢) في المخطوطة (فعل الضمير المتصل إلى ظاهره المتصل لأن ذلك جائز).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) انظر «الكتاب» ١ / ٢٣٩ هذا باب ما لا يعمل فيه ما قبله من الفعل الذي يتعدى إلى المفعول ولا غيره.

(٥) في المطبوعة (السكاكي).

(٦) انظر قول الفراء في «معاني القرآن» ١ / ٣٣٣ عند تفسير الآية (٤٠) من سورة الأنعام دون تتمة كلام الواقعة بين الحاصرتين.

(٧) ليست في المطبوعة.

(٨) تصحفت في المخطوطة إلى (أرأيتكم).

(٩) في المخطوطة (إنما ينحذف).

(١٠) ليست في المطبوعة.

(١١) هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان تقدم التعريف به في ١ / ٤١٤.

١٣٥

للخطاب ، وإنما فعلوا ذلك للفرق بين «أرأيت» بمعنى «أخبرني» وغيرها (١) إذا كانت بمعنى «علمت».

ـ (والثاني) : تكون [فيه] (٢) بمعنى «انتبه» كقولك : أرأيت زيدا فإني أحبه ، أي انتبه له ؛ فإني أحبه ؛ ولا يلزمه الاستفهام.

وقد يحذف الكلام الذي هو جواب للعلم [به] (٣) فلا يذكر ، كقوله تعالى : (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ) (هود : ٨٨) فلم يأت بجواب.

وأتى في موضع آخر بالجواب ولم يأت بالشرط ، قال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ [مِنْ بَعْدِ اللهِ]) (٤) (الجاثية : ٢٣) ف «من» الأول بمنزلة «الذي».

(تنبيه) قال سيبويه (٥) : «لا يجوز إلغاء «أرأيت» كما يلغى : علمت أزيد عندك أم عمرو؟ ولا يجوز هذا في «أرأيت» ، ولا بد من النصب إذا قلت : «أرأيت زيدا أبو من هو؟» قال : لأن دخول معنى «أخبرني» فيها لا يجعلها بمنزلة أخبرني في جميع أحوالها.

قال السهيليّ (٦) : وظاهر القرآن يقتضي خلاف قوله ، وذلك أنها في القرآن ملغاة ، لأن الاستفهام مطلوبها ، وعليه وقعت (٧) [في] (٨) قوله : (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَمْ) (العلق : ١٣ ـ ١٤) ، فقوله : (أَلَمْ يَعْلَمْ) ، استفهام ، وعليه وقعت «أرأيت» وكذلك «أَرَأَيْتُمْ» و (أَرَأَيْتَكُمْ) في الأنعام ، والاستفهام واقع بعدها. نحو : (هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ [الظَّالِمُونَ]) (٨) (الأنعام : ٤٧) و (الْفاسِقُونَ) (الأحقاف : ٣٥).

__________________

(١) تصحفت في المخطوطة إلى (بينها).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) انظر «الكتاب» ١ / ٢٣٩ بتصرف ، وسيأتي قوله بنصه ضمن «الروض الأنف» بنقل السهيلي عبارة سيبويه.

(٦) عبارة السهيلي في «الروض الأنف» ٢ / ٥١ باب ما لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قومه ، ضمن تفسير (أرأيت ، ولنسفعا).

(٧) في المطبوعة (وقع) ، وما أثبتناه من المخطوطة موافق لعبارة السهيلي.

(٨) ليست في المخطوطة.

١٣٦

وهذا هو الذي منع سيبويه في «أرأيت» و «أرأيتك» ولا يقال : «أرأيتك أبو من أنت»؟ قال : لكنّ الذي قاله سيبويه صحيح ، لكن إذا ولي الاستفهام «أرأيت» ولم يكن لها مفعول سوى الجملة.

وأمّا في هذه المواضع التي في التنزيل فليست الجملة [٢٧٧ / أ] المستفهم عنها هي مفعول «أرأيت» ، إنما (١) مفعولها محذوف يدلّ عليه الشرط ، ولا بدّ من الشرط بعدها في هذه الصورة ، لأنّ المعنى «أرأيتم صنيعكم إن كان كذا وكذا»؟ كما تقول : «أرأيت [إن لقيت] (٢) العدو أتقاتل أم لا؟» ؛ تقديره : أرأيت رأيك وصنعك إن لقيت العدو؟ فحرف (٣) الشرط وهو «إن» دالّ على ذلك المحذوف ، ومرتبط به ، والجملة المستفهم عنها كلام مستأنف منقطع ؛ إلا أن فيها زيادة بيان لما يستفهم عنه ، ولو زال الشرط ووليها الاستفهام لقبح ، كما قال سيبويه ويحسن (٤) في «علمت» ، وهل «علمت» ، وهل «رأيت» وإنما قبحه (٥) مع «أرأيت» خاصة ، وهي التي دخلها معنى «أخبرني» (٦).

«علم» العرفانيّة

لا تتعلق إلا بالمعاني ؛ نحو : (لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) (النحل : ٧٨). فأما نحو قوله تعالى : (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) (التوبة : ١٠١) ، وقوله : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) (٧) (العنكبوت : ٣) فالتقدير «لا تعلم خبرهم نحن نعلم خبرهم» ، «فليعلمنّ [الله] (٨) صدق الذين صدقوا وليعلمنّ [الله] (٨) نفاق المنافقين» ، فحذف المضاف.

وذكر ابن مالك (٩) أنها تختص باليقين ، وذكر غيره أنها تستعمل في الظنّ أيضا ، بدليل قوله : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) (الممتحنة : ١٠).

__________________

(١) تصحفت في المطبوعة والمخطوطة إلى (ولم يكن لها مفعول) والتصويب من «الروض الأنف» ، ولعل ناسخ المخطوطة قد خلط فكرر العبارة الآنفة قريبا («أرأيت» ولم يكن لها مفعول سوى الجملة).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) تصحفت في المطبوعة إلى (فحذف) وهي موهمة في المخطوطة ، والتصويب من عبارة السهيلي.

(٤) تصحفت في المطبوعة والمخطوطة إلى (وغيره) والتصويب من السهيلي.

(٥) تصحفت في المطبوعة والمخطوطة إلى (يتجه) والتصويب من السهيلي.

(٦) انتهى النقل عن السهيلي في «الروض الأنف» ٢ / ٥١.

(٧) تصحفت في المخطوطة إلى (المنافقين).

(٨) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.

(٩) انظر قول ابن مالك في «شرح الألفية» لابن الناظم ص ١٩٥ باب ظن وأخواتها.

١٣٧

وله أن يقول : العلم على حقيقيته. والمراد بالإيمان التصديق اللسانيّ (١)

ظنّ

أصلها للاعتقاد الراجح ، كقوله تعالى : (إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما) (البقرة : ٢٣٠). وقد تستعمل بمعنى اليقين ؛ لأن الظنّ فيه طرف من اليقين ، لو لاه كان جهلا (٢) ، كقوله تعالى : (يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) (البقرة : ٤٦) ، (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ) (الحاقة : ٢٠) ، (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) (القيامة : ٢٨) ، (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ) (المطففين : ٤) ، وللفرق بينهما في القرآن ضابطان :

ـ (أحدهما) : أنّه حيث وجد الظنّ محمودا مثابا عليه ، فهو اليقين ، وحيث وجد مذموما متوعّدا بالعقاب عليه ، فهو الشك.

ـ (الثاني) : أنّ كل ظن يتصل بعده «أن» الخفيفة فهو شكّ ، كقوله : (إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) (البقرة : ٢٣٠). وقوله : (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ) (الفتح : ١٢).

وكلّ ظن يتصل به «أنّ» المشددة ، فالمراد به اليقين ، كقوله : ([إِنِّي ظَنَنْتُ]) (٣) أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (الحاقة : ٢٠) ، (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) (القيامة : ٢٨). والمعنى فيه أنّ المشددة للتأكيد ، فدخلت على اليقين ، وأنّ الخفيفة بخلافها ، فدخلت في الشك.

مثال الأول ، قوله سبحانه : ([وَعَلِمَ] (٣) أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) (الأنفال : ٦٦) ذكره ب «أنّ» [وقوله] (٣) : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ) (محمد : ١٩).

ومثال الثاني : (وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ) (المائدة : ٧١) ، والحسبان الشكّ.

(فإن قيل) : يرد على هذا الضابط قوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ) (التوبة : ١١٨) (قيل) : لأنها اتصلت [بالاسم وهي مخففة من الثقيلة ، وفي الأمثلة السابقة اتصلت] (٤) بالفعل. فتمسك بهذا الضابط ، فإنه من أسرار القرآن!

__________________

(١) تصحفت في المخطوطة إلى (الشافي).

(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (جميلا).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المطبوعة.

١٣٨

ثم رأيت الراغب (١) قال في تفسير سورة البقرة : الظنّ أعمّ ألفاظ الشكّ واليقين ، وهو «اسم لما حصل عن أمارة ، فمتى قويت أدّت إلى العلم ، ومتى ضعفت جدا لم تتجاوز حدّ الوهم ، وأنه متى قوي استعمل فيه «أنّ» المشددة و «أن» المخففة منها ، ومتى ضعف استعمل معه «إن» [و «إنّ»] (٢) المختصة بالمعدومين من الفعل [والقول] (٢) ، نحو ظننت أن أخرج وأن يخرج ، فالظنّ إذا كان بالمعنى الأول محمود ، وإذا كان بالمعنى الثاني فمذموم.

فمن الأول : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) (البقرة : ٤٦). ومن الثاني : (إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (الجاثية : ٢٤) ، وقوله : (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم : ٢٨).

(فائدة) لا يجوز الاقتصار في باب «ظنّ» على أحد المفعولين ؛ إلاّ أن يكون بمنزلة أنهم قالوا (٣) : قوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) (التكوير : ٢٤) ، قرأ الحرميان (٤) وابن كثير بالظاء ، وهو «فعيل» بمعنى [٢٧٧ / ب] «مفعول» والضمير هو المفعول الذي لم يسمّ فاعله. وقرأه الباقون بالضاد ، وهو بمعنى [بخيل ، وفعيل فيه بمعنى] (٥) فاعل ، وفيه ضمير هو فاعله ، والمعنى : «[ليس] (٥) ببخيل على الغيب» فلا يمنعه كما تفعله الكهّان ، والمعنى على القراءة الأولى : ليس بمتّهم على الغيب ؛ لأنه الصادق.

وأما قوله : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) (الأحزاب : ١٠) فإنها بمنزلتها في قولك : «نزلت بزيد» [فالمعنى أوقعت ظني به] (٥).

شعر

ومنه شعر ، بمعنى «علم» ومصدره «شعرة» بكسر الشين ، كالفطنة ، وقالوا : ليت شعري ، فحذفوا التاء مع الإضافة للكثرة. قال الفارسيّ : وكأنه مأخوذ من الشّعار ، وهو ما

__________________

(١) قول الراغب في «المفردات» ص ٣١٧ مادة «ظنّ».

(٢) زيادة من «المفردات» يقتضيها النص.

(٣) عبارة المخطوطة (بمنزلة أنهم ، قال الله تعالى).

(٤) قال ابن الجزري في «النشر» ٢ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩ (واختلفوا في (بِضَنِينٍ) فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس بالظاء ... وقرأ الباقون بالضاد وكذا هي في جميع المصاحف).

(٥) ليست في المطبوعة.

١٣٩

يلي الجسد ، فكأن شعرت به ، علمته علم حس ، فهو نوع من العلم ولهذا لم يوصف به الله. وقوله تعالى في صفة الكفار : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (القصص : ١١) ، أبلغ في الذمّ للبعد عن الفهم من وصفهم بأنهم لا يعلمون ، فإن البهيمة قد تشعر بحيث كانت تحس ، فكأنهم وصفوا بنهاية الذهاب عن الفهم.

وعلى هذا قال تعالى : (وَلا تَقُولُوا (١) لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) (البقرة : ١٥٤) ، إلى قوله : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (البقرة : ١٥٤) ولم يقل : «لا تعلمون» لأن المؤمنين إذا أخبرهم الله تعالى بأنهم أحياء ، علموا أنهم أحياء ، فلا يجوز أن ينفي عنهم العلم ، ولكن يجوز أن يقال : (لا تَشْعُرُونَ) ، لأنه ليس كل ما علموه يشعرونه (٢) ، كما أنه ليس كل ما علموه يحسّونه بحواسّهم ، فلما كانوا لا يعلمون بحواسّهم حياتهم ، وأنهم (٣) علموها بإخبار الله [تعالى] (٤) وجب أن يقال : (لا تَشْعُرُونَ) دون «لا تعلمون».

عسى ولعلّ

من الله تعالى واجبتان ، وإن كانتا رجاء وطمعا في كلام المخلوقين ، لأنّ الخلق هم الذين تعرض لهم الشكوك والظنون ، والبارئ منزّه عن ذلك. والوجه في استعمال هذه الألفاظ أنّ الأمور الممكنة لما كان الخلق يشكّون فيها ولا يقطعون على الكائن منها ، وكان الله [تعالى] (٤) يعلم الكائن (٥) منها على الصحّة صارت لها نسبتان :

نسبة إلى الله [تعالى] (٦) ، تسمى نسبة قطع ويقين ، ونسبة إلى المخلوق ، وتسمى نسبة شك وظنّ ، فصارت هذه الألفاظ لذلك ترد بلفظ القطع بحسب ما هي [عليه] (٦) عند الله ، كقوله : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (المائدة : ٥٤). وتارة بلفظ الشك بحسب ما هي عليه عند المخلوقين ، كقوله : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) (المائدة : ٥٢) ، (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (الإسراء : ٧٩).

وقوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (طه : ٤٤) ، وقد علم الله حين

__________________

(١) في المخطوطة (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ).

(٢) في المطبوعة (يشعرون به).

(٣) في المخطوطة (وإنما علموه).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (الكافرين).

(٦) ليست في المخطوطة.

١٤٠