البرهان في علوم القرآن - ج ٣

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٣

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩

قدّم ، لأنّ حكم الأعلام وغيرها من المعارف أن يبدأ بها ، ثم يتبع الأنكر (١) ، وما كان [في] (٢) التعريف أنقص.

قال : وهذا مذهب سيبويه وغيره من النحويين ، فجاء هذا على منهاج كلام العرب.

وأجاب الجوينيّ (٣) بأن الرحمن للخلق ، والرحيم لهم بالرزق ، والخلق قبل الرزق.

ومنها أن أسماء الله تعالى إنما يقصد بها المبالغة في حقه ، والنهاية في صفاته ؛ وأكثر صفاته سبحانه جارية على «فعيل» ، كرحيم ، وقدير ، وعليم ، وحكيم ، وحليم ، وكريم ؛ ولم يأت على «فعلان» إلا قليل. ولو كان «فعلان» أبلغ لكان صفات الباري تعالى عليه أكثر.

قلت : وجواب هذا أن ورود «فعلان» بصيغة التكثير (٤) كان في عدم تكرار الوصف به ، بخلاف «فعيل» فإنه لمّا لم يرقّ في الكثرة رقته كثر في مجيء الوصف.

ومنها : أنه إن كانت المبالغة في «فعلان» من جهة موافقة التثنية ـ كما زعم السهيلي ـ ففعيل (٥) من أبنية جمع الكثرة كعبيد. وكليب ؛ ولا شك أن الجمع أكثر من التثنية ـ وهذا أحسنها.

قال : وقول قطرب (٦) «إنهما بمعنى واحد» فاسد ، لأنه لو كان كذلك لتساويا في التقديم والتأخير ، وهو ممتنع.

تنبيهات

(٧) [صيغ المبالغة في أسماء الله] (٧)

الأول : نقل [عن] (٨) الشيخ برهان الدين الرشيدي [رحمه‌الله] (٩) أن صفات الله التي

__________________

(١) في المخطوطة (الأمكن).

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) هو عبد الملك بن أبي عبد الله بن يوسف إمام الحرمين تقدم التعريف به في ١ / ١١٨.

(٤) في المخطوطة (التكرير).

(٥) في المخطوطة (فعيل).

(٦) محمد بن المستنير ، تقدم في ٢ / ١٧٦.

(٧) كتب هذا العنوان على هامش المخطوطة.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) ليست في المطبوعة.

٨١

هي صيغة المبالغة كغفار ورحيم وغفور ومنان كلّها مجاز ، إذ هي موضوعة للمبالغة ؛ ولا مبالغة فيها ، لأن المبالغة هي أن تثبت للشيء أكثر مما له ، وصفات الله (١) [متناهية في الكمال ، لا يمكن المبالغة فيها ، والمبالغة أيضا تكون في صفات تقبل الزيادة والنقصان ، وصفات الله] (١) تعالى منزّهة عن ذلك. انتهى.

وذكر هذا للشيخ ابن (٢) الحسن السّبكي فاستحسنه ، وقال : إنه صحيح إذا قلنا : إنها صفات.

فإن قلنا : أعلام زال ذلك.

قلت : والتحقيق أنّ صيغ المبالغة على قسمين :

أحدهما : ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل.

والثاني : بحسب تعدّد المفعولات.

ولا شك أن تعدّدها لا يوجب للفعل زيادة ، إذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة متعدّدين.

و [على] (٣) هذا التقسيم (٤) يجب تنزيل جميع أسماء الله تعالى التي وردت على صيغة المبالغة كالرحمن والغفور والتواب ونحوها ، ولا يبقى إشكال حينئذ ، لهذا (٦) قال بعض المفسرين في حكيم (٥) معنى المبالغة فيه تكرار (٦) حكمه بالنسبة إلى الشرائع.

٢ / ٥٠٨ وقال الزمخشري (٧) في سورة الحجرات : المبالغة في التواب للدلالة على كثرة من يتوب إليه (٨) من عباده ، أو لأنه بليغ في قبول التوبة ، نزّل صاحبها منزلة من لم يذنب (٩) قط لسعة كرمه.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (أبو).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (القسم).

(٥) في المخطوطة (ولهذا).

(٦) في المخطوطة (حكم).

(٧) في المخطوطة (فتكرار) بدل (فيه تكرار).

(٨) انظر الكشاف ٤ / ١٦ ـ ١٧.

(٩) في المخطوطة (عليه).

(١٠) في المخطوطة (يتب) وتصويبه من الكشاف.

٨٢

وقد أورد بعض الفضلاء سؤالا في قوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة : ٢٨٤) ، وهو أن «قديرا» (١) من صيغ المبالغة يستلزم الزيادة على معنى «قادر» ، والزيادة على معنى «قادر» محال ، إذ الاتحاد من واحد لا يمكن فيه التفاضل ، باعتبار كلّ فرد فرد.

وأجيب عنه بأن المبالغة لما لم يقدر حملها على كلّ فرد وجب صرفها إلى مجموع الأفراد التي دلّ السياق عليها ، والمبالغة إذن بالنسبة إلى تكثير التعلق لا بالنسبة إلى تكثير الوصف.

وكذلك قوله تعالى : (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة : ٢٨٢) ، [١٦٠ / أ] يستحيل عود المبالغة إلى نفس الوصف ، إذ العلم بالشيء لا يصح التفاوت فيه ، فيجب صرف المبالغة فيه إلى المتعلق ، إما لعموم كل أفراده ، وإما لأن يكون المراد الشيء ولواحقه ، فيكون من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل.

الثاني : سئل أبو علي الفارسيّ : هل تدخل المبالغة في صفات الله تعالى فيقال : «علاّمة»؟ فأجاب بالمنع ؛ لأن الله تعالى ذمّ من نسب إليه الإناث لما فيه من النقص ، فلا يجوز إطلاق اللفظ المشعر بذلك.

حكاه الجرجاني (٢) في «شرح الإيضاح».

الثالث : أنه لو جرّد عن الألف واللام لم يصرف (٣) لزيادة الألف والنون في آخره مع العلمية أو الصفة. ٢ / ٥٠٩

وأورد الزمخشريّ (٤) بأنه لا يمنع «فعلان» صفة من الصرف إلا إذا كان مؤنثة ، «فعلى» كغضبان وغضبى ، وما لم يكن مؤنثة «فعلى» ينصرف ، كندمان وندمانة (٥) وتبعه (٦) ابن عسكر (٧) بأن «رحمن» وإن لم يكن له [مؤنث] (٨) على «فعلى» فليس له مؤنث على

__________________

(١) في المخطوطة (قدير).

(٢) تقدم التعريف به في ٢ / ٤٢٠ ، وكتابه «شرح الإيضاح والتكملة» مخطوط بالإسكوريال ثاني ٤٤ ، وفي بايزيد ٤٠١٥ ، وفي القاهرة ثاني ٢ / ١٦٣. (بروكلمان مترجم ٢ / ١٩١).

(٣) في المخطوطة (يعرف).

(٤) انظر الكشاف ١ / ٦ ـ ٧.

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (وندمان).

(٦) زيادة في المخطوطة كما يلي (وأجاب وتبعه).

(٧) تصحف الاسم في المطبوعة إلى (عساكر).

(٨) ساقطة من المخطوطة.

٨٣

«فعلانة» لأنه اسم مختص بالله تعالى فلا مؤنث له من لفظه ، فإذا عدم ذلك رجع فيه إلى القياس ، وكلّ ألف ونون زائدتان فهما محمولتان على منع الصرف.

قال الجوينيّ (١) : «وهذا فيه ضعف في الظاهر ، وإن كان حسنا في الحقيقة ، لأنه إذا لم يشبه «غضبان» ولم يشبه «ندمان» من جهة التأنيث فلما ذا ترك صرفه ، مع أن الأصل الصرف ، بل كان ينبغي أن يقال : ليس هو كغضبان ؛ فلا يكون غير منصرف ، ولا يصحّ أن يقال : ليس هو كندمان فلا يكون منصرفا ، لأنّ الصرف ليس بالشبه ، إنما هو بالأصل وعدم الصّرف بالشبه ولم يوجد».

قلت : والتقدير الذي نقلناه عن ابن عسكر (٢) يدفع هذا عن الزمخشريّ ، نعم أنكر ابن مالك على ابن الحاجب تمثيله ب «رحمن» لزيادة الألف والنون في منع الصرف ، وقال : لم يمثل به غيره ، ولا ينبغي التمثيل به ، فإنه اسم علم بالغلبة لله [تعالى] (٣) مختص به ، وما كان كذلك لم يجرّد من «أل» ولم يسمع مجردا إلا في النداء قليلا ، مثل يا رحمن الدنيا ، ورحيم الآخرة.

قال : وقد أنكر على الشاطبي : [رحمه‌الله] (٤).

تبارك رحمانا رحيما وموئلا (٥)

لأنّه أراد الاسم المستعمل بالغلبة.

ولم يحضر الزمخشري هذا الجواب ؛ فذكر انه من تعنتهم في كفرهم كما سبق.

وأما «فعيل» فعند النحاة أنّه من صيغ المبالغة والتكرار ، كرحيم ، وسميع ، وقدير ، وخبير ، وحفيظ ، وحكيم ، [وحليم] (٦) وعليم ؛ فإنه محوّل عن «فاعل» بالنسبة ، وهو إنما (٧) [يكون] (٦) كذلك للفاعل لا للمفعول (٨) به ، بدليل قولهم : قتيل وجريح ، والقتل لا يتفاوت.

__________________

(١) تقدم التعريف به في ١ / ١١٨.

(٢) تصحف الاسم في المطبوعة إلى (عساكر).

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) مطلع أرجوزته المسماة حرز الأماني ووجه التهاني وهو عجز بيت صدره : بدأت بسم الله في النّظم أوّلا انظر ص ٩ بشرح أبي شامة.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (أنهما).

(٨) في المخطوطة (المفعول).

٨٤

وقد يجيء في معنى الجمع كقوله تعالى : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (النساء : ٦٩) ، وقوله : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (التحريم : ٤) ، وقوله : (خَلَصُوا نَجِيًّا) (يوسف : ٨٠) ، وغير ذلك.

ومن المشكل : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (مريم : ٦٤) ، فإن النفي متوجّه (١) على الخبر وهو صيغة مبالغة ، ولا يلزم من نفي المبالغة نفي أصل الفعل ؛ فلا يلزم نفي أصل النسيان ، وهو كالسؤال الآتي في (ظلام للعبيد).

ويجاب عنه بما سيأتي من الأجوبة. ويختص هذا بجواب آخر ؛ وهو مناسبة رءوس الآي قبله.

وأما فعّال ، فنحو : غفّار ، ومنان ، وتوّاب ، ووهّاب ، (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (البروج : ١٦). (عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) (المائدة : ١١٦) ، ونحو : (لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (إبراهيم : ٥) ، ونحو : (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) (المعارج : ١٦). ٢ / ٥١١

ومن المشكل قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت : ٤٦) وتقريره (٢) أنه لا يلزم [١٦٠ / ب] من نفي الظلم بصيغة المبالغة نفي أصل الظلم ، والواقع نفيه ، قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) (يونس : ٤٤) ، (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (النساء : ٤٠).

وقد أجيب عنه باثني عشر جوابا (٣) :

أحدها : أن «ظلاما» وإن كان يراد (٤) به الكثرة لكنه [جاء] (٥) في مقابلة العبيد وهو جمع كثرة ، إذا قوبل بهم [الظلم] (٥) كان كثيرا.

ويرشح هذا الجواب أنّه سبحانه وتعالى قال في موضع آخر : (عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) (المائدة : ١١٦) ، فقابل صيغة [«فعال»] (٥) بالجمع ، وقال في موضع آخر : (عالِمُ الْغَيْبِ) (الجن : ٢٦) فقابل صيغة (٦) «فاعل» الدالة على أصل الفعل بالواحد.

__________________

(١) في المخطوطة (يتوجه).

(٢) في المخطوطة (وتقديره).

(٣) لم يذكر المصنف فيما يلي سوى أحد عشر جوابا.

(٤) في المخطوطة (المراد).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (بصيغة).

٨٥

وهذا قريب من الجواب عن قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (النساء : ١٧٢) حيث احتج به المعتزلة على تفضيل الملائكة على الأنبياء.

٢ / ٥١٢ وجوابه أنه قابل عيسى بمفرده بمجموع الملائكة ، وليس النزاع في تفضيل الجمع على الواحد.

الثاني : أنه نفى الظلم الكثير (١) ، فينتفي القليل ضرورة ، لأن [القليل] (٢) الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم ، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة ظلمه في حق من يجوز عليه النفع [والضر] (٢) ، كان الظلم القليل في المنفعة (٣) أكثر.

الثالث : أنه على النسب ، واختاره ابن مالك (٤) ، وحكاه في «شرح الكافية» عن المحققين ، أي ذا ظلم كقوله : «وليس بنبّال» (٥) أي بذي نبل. أي لا ينسب إلى الظلم فيكون من باب بزّاز ، وعطار.

الرابع : أن فعّالا قد جاء غير مراد به الكثرة كقول طرفة :

ولست بحلاّل التّلاع (٦) مخافة

ولكن [متى] (٨) يسترفد القوم أرفد (٧)

__________________

(١) في المخطوطة (الكبير).

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (نفعه).

(٤) هو محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك ، العلامة جمال الدين الطائي الشافعي ، تقدم التعريف به في ١ / ٣٨١. وأما كتابه «شرح الكافية في النحو» فقد ذكر صاحب كشف الظنون في ٢ / ١٣٦٩ «أن الكافية الشافية في النحو» كتاب منظوم لخّص منه ألفيته ثم شرحها وسمى هذا الشرح «الوافية شرح الكافية» وطبع شرح المؤلف باسم «شرح الكافية الشافية» بتحقيق عبد المنعم هريدي بدمشق دار المأمون للتراث (فهرس الكتب النحوية ص ١٢٤).

(٥) قطعة من عجز بيت لامرئ القيس وهو بتمامه :

وليس بذي رمح فيطعنني به

وليس بذي سيف وليس بنبّال

ديوانه ص ١٤٢ (طبعة دار صادر).

(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (البلاغ).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) البيت من معلقته انظر ديوانه ص ٢٩ (طبعة دار صادر).

٨٦

لا يريد أنّه يحل التلاع قليلا ، لأن ذلك يدفعه قوله : «يسترفد القوم أرفد» ، هذا يدل على نفي الحال في كلّ حال ، لأن (١) تمام المدح لا يحصل بإيراد (٢) الكثرة.

الخامس : أن أقل القليل لو ورد منه سبحانه ـ وقد جلّ عنه ـ لكان كثيرا ، لاستغنائه عنه كما يقال : «زلة العالم كبيرة».

ذكره الحريري (٣) في «الدرّة» ، قال : وإليه أشار المخزوميّ في قوله :

كفوفة الظّفر تخفى من حقارتها

ومثلها في سواد العين مشهور

(٤) [فوقة الظفر شين في ظفر الأحداث] (٤).

السادس : أن نفي المجموع يصدق بنفي واحد ، ويصدق بنفي كل واحد ، ويعيّن الثاني ٢ / ٥١٣ في الآية للدليل الخارجيّ ، وهو قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (النساء : ٤٠).

السابع : أنه أراد : «ليس بظالم ، ليس بظالم ، [ليس بظالم] (٥)» فجعل في مقابلة ذلك (وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ) (فصلت : ٤٦).

الثامن : أنه جواب لمن قال : ظلاّم ، والتكرار إذا ورد جوابا لكلام خاص لم يكن له مفهوم كما إذا خرج مخرج الغالب.

التاسع : أنه قال : «بظلاّم» ، لأنه قد يظن أن من يعذّب غيره عذابا شديدا ظلاّم قبل الفحص عن جرم الذنب.

__________________

(١) في المخطوطة (وإن).

(٢) في المخطوطة (بإرادة).

(٣) هو القاسم بن علي الحريري تقدم التعريف به في ١ / ١٦٤ ، وكتابه «درة الغواص في أوهام الخواص» طبع بتحقيق دي ساسي باريس عام ١٢٤٤ ه‍ / ١٨٢٨ م وطبع في القاهرة طبعة حجر عام ١٢٧٣ ه‍ / ١٨٥٦ م ، وطبع في القسطنطينية بمطبعة الجوائب عام ١٢٩٦ ه‍ / ١٨٧٨ م ، وطبع بتحقيق نوربك في ليبسك عام ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٨ م ، وأعادت طبعه بالأوفست مكتبة المثنى في بغداد عام ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٨ م ، وطبع بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم القاهرة بمطبعة نهضة مصر عام ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٥ م (ذخائر التراث العربي : ١ / ٤٧٠) وانظر درة الغواص ص : ٥٤.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

٨٧

العاشر : أنه لما كان صفات الله تعالى صيغة المبالغة [فيها وغير المبالغة] (١) سواء في الإثبات جرى النفي على ذلك.

الحادي عشر : أنه قصد التعريض بأن ثمة ظلاّما للعبيد من ولاة الجور.

٢ / ٥١٤ وأما «فعال» بالتخفيف والتشديد ، نحو عجاب وكبار ، قال تعالى : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (ص : ٥) ، وقال : (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) (نوح : ٢٢) ، قال المعري (٢) في «اللاّمع العزيزي» : (٣) «فعيل» إذا أريد به المبالغة نقل به إلى «فعال» وإذا أريد به الزيادة شدّدوا فقالوا : «فعّال» ، ذلك من عجيب وعجاب وعجّاب ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (ص : ٥) بالتشديد ، وقالوا : طويل وطوّال ؛ ويقال : نسب قريب ، وقراب ، وهو أبلغ ، قال الحارث بن ظالم (٤) :

وكنت إذا رأيت بني لؤيّ

عرفت الودّ والنسب القرابا

وأما فعول : كغفور ، وشكور ، وودود ، فمنه قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ) [١٦١ / أ](كَفَّارٌ) (٥) (إبراهيم : ٣٤).

وقوله تعالى في نوح : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) (الإسراء : ٣).

وقد أطربني قوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ : ١٣) فقلت : الحمد لله الذي [ما] (٥) قال : «الشاكر».

فإن قيل : قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الإنسان : ٣) ، كيف غاير بين الصفتين وجعل المبالغة من جانب الكفران؟.

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) أبو العلاء ، وكتابه قال القفطي عنه في إنباء الرواة ١ / ١٠٠ «كتاب الفتحي ويعرف «باللامع العزيزي» في شرح غريب شعر المتنبي ، عمل للأمير عزيز الدولة ، أبي الدوام ثابت بن الأمير تاج الأمراء ... ، مقداره مائة وعشرون كراسة». وانظر (معجم الأدباء ٣ / ١٦٢).

(٣) زيادة في المخطوطة في هذا الموضع لا محل لها وهي (فعول).

(٤) هو الحارث بن ظالم بن غيظ المري أبو ليلى ، أشهر فتاك العرب في الجاهلية نشأ يتيما قتل أبوه وهو طفل ، وشب في نفسه أشياء من قاتل والده وآلت إليه سيادة غطفان وكان له في كل حي يأوي إليه حادثة وشاع خبره في القبائل فتحامت العرب شره ، وانطلق فجعل يطوف في البلاد حتى وصل إلى الشام فقتل في حوران نحو ٢٢ ق ه. (الأعلام ٢ / ١٥٦).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

٨٨

قلت : هذا سأله الصاحب بن عباد للقاضي عبد الجبار بن أحمد المعتزلي ، فأجاب بأن نعم الله على عباده كثيرة ، وكلّ شكر يأتي في مقابلتها قليل ، وكلّ كفر يأتي في مقابلتها عظيم ، فجاء شكور (١) بلفظ «فاعل» وجاء كفور (٢) [بلفظ] (٣) «فعول» على وجه المبالغة. فتهلّل وجه الصاحب.

وأما فعل : فكقوله تعالى : (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) (الشعراء : ٥٦).

وقوله [تعالى] (٤) : (كَذَّابٌ أَشِرٌ) (القمر : ٢٥) ، قرن «فعلا» بفعّال.

وأما فعل : فيكون صفة ، كقوله تعالى : (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) (البلد : ٦) ، [اللّبد] (٤) : الكثير (٥).

وقوله [تعالى] (٤) : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) (المدثر : ٣٥).

ويكون [مصدرا] (٦) كهدى وتقى ، ويكون معدولا عن أفعل من كذا ، كقوله تعالى : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) (آل عمران : ٧) وقوله [تعالى : (فَعِدَّةٌ] (٦) مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة : ١٨٤) ، كما قال : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) (الأنعام : ١٩).

وأما فعلى : فيكون اسما ، كالشّورى والرجعى ، قال الله تعالى : (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) (العلق : ٨) ، وقال تعالى : (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) (التوبة : ٤٠).

ويكون صفة كالحسنى في تأنيث الأحسن ، والسوأى في تأنيث الأسوأ ، قال [تعالى] (٧) : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى [أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ]) (٧) (الروم : ١٠).

قال الفارسيّ : يحتمل السوأى تأويلين.

٢ / ٥١٦ أحدهما : أن يكون تأنيث «الأسوأ» ، والمعنى كان عاقبتهم لخلة (٨) السوأى ، فتكون [«السوأى»] (٩) على هذا خارجة من الصلة ، فتنصب على الموضع ، وموضع «أن»

__________________

(١) في المخطوطة (شكر).

(٢) في المخطوطة (كفر).

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (الكسر).

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (الخلة).

(٩) ليست في المخطوطة.

٨٩

نصب ، فإنه مفعول له ، أي كان عاقبتهم الخصلة (١) السوأى لتكذيبهم.

الثاني : أن يكون السّوأى مصدرا مثل الرّجعى ، وعلى هذا فهي داخلة في الصلة ، ومنتصبة بأساءوا ، كقوله تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (المزمل : ٨) ، ويكون (أَنْ كَذَّبُوا) نصبا ، لأنه خبر كان.

ويجوز في إعراب (السُّواى) وجه ثالث ؛ وهو أن يكون في موضع رفع صفة «العاقبة» ؛ وتقديرها : ثم كان عاقبتهم المذمومة التكذيب.

و «الفعلى» في هذا الباب وإن كانت في الأصل صفة ، بدليل قوله تعالى : (وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) (الأنفال : ٤٢) ، وقوله [تعالى] (٢) : (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) (النازعات : ٢٠) ، فجرت صفة على موصوفها ، فإنها في كثير من الأمور تجرى مجرى الأسماء ؛ كالأبطح ، والأجرع ، والأدهم.

القسم الحادي عشر

[إطلاق] (٣) المثنى وإرادة الواحد.

كقوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (الرحمن : ٢٢) ؛ وإنما يخرج من أحدهما.

ونظيره قوله تعالى : (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) ، (فاطر : ١٢) ، وإنما تخرج الحلية من الملح ، وقد غلط في هذا المعنى أبو ذؤيب الهذليّ (٤) حيث ، قال يذكر الدّرة :

(٥) فجاء بها ما شئت من لطميّة (٥)

يدوم الفرات فوقها ويموج (٦).

__________________

(١) في المخطوطة (الخلة).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) هو خويلد بن خالد بن محرث ، أبو ذؤيب الهذلي ، كان فصيحا ، كثير الغريب متمكنا في الشعر ، وعاش في الجاهلية دهرا ، وأدرك الإسلام فأسلم ، وعامة ما قال من الشعر في إسلامه ، توفي في خلافة عثمان ، وقيل استشهد غازيا بأرض الروم (ابن حجر الإصابة في تمييز الصحابة ٤ / ٦٦).

(٥) العبارة في المخطوطة : (فاجأها من لطمه).

(٦) البيت في ديوان الهذليين ١ / ٥٧.

٩٠

والفرات لا يدوم فوقها ؛ وإنما يدوم الأجاج.

وقال أبو عليّ (١) في قوله تعالى : (عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف : ٣١) : «(٢) [إن ظاهر اللفظ يقتضي أن يكون من مكة والطائف جميعا ؛ ولما لم يمكن أن يكون منهما ، دلّ المعنى على تقدير : «رجل من إحدى القريتين».

وقوله [تعالى] : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) (نوح : ١٦) (٢)». أي في إحداهنّ.

وقوله تعالى : (نَسِيا حُوتَهُما) (الكهف : ٦١) ، والناسي كان يوشع (٣) ، بدليل قوله ٣ / ٤ لموسى : (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) (الكهف : ٦٣) ؛ ولكن أضيف النّسيان لهما جميعا لسكوت موسى عنه.

وقوله [تعالى] : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ (٤) [فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (٤)]) (البقرة : ٢٠٣). والتعجيل يكون في اليوم الثاني ، وقوله : (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة : ٢٠٣) ، قيل : إنه من هذا أيضا ، وإن موضع الإثم والتعجيل يجعل [المتأخر] (٥) الذي لم يقصّر مثل ما جعل للمقصّر. ويحتمل أن يراد : لا يقولنّ أحدهما لصاحبه : أنت مقصّر ؛ فيكون المعنى : لا يؤثّم أحدهما صاحبه.

وقوله [تعالى] : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (النساء : ١١).

وقوله [تعالى] : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) (الأعراف : ١٩٠) ، أي أحدهما ، على أحد القولين.

وقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (البقرة : ٢٢٩). فالجناح على الزّوج لأنه أخذ ما أعطى ؛ قال أبو بكر الصيرفي (٦) المعنى : فإن

__________________

(١) هو أبو علي الفارسي ، كما في الاتقان للسيوطي ٣ / ١١٨ في النوع الثاني والخمسين في حقيقته ومجازه. تقدم ذكره في ١ / ٣٧٥.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) هو فتى موسى عليه‌السلام ، وهو من ذرية النبي يوسف عليه‌السلام ، قال ابن الأثير : «وولد يوسف افرايم ومنشا فولد لافرايم نون ولنون يوشع» (الكامل في التاريخ ١ / ٨٨).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة وهو في المطبوعة.

(٥) في المخطوطة «التأخير».

(٦) هو محمد بن عبد الله ، أبو بكر الصيرفي تقدم ذكره في ١ / ٣٨٠.

٩١

[١٦١ / ب] خيف من [أحدهما] (١) ذلك جازت الفدية ، وليس الشرط أن يجتمعا على عدم الإقامة.

وقوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) (ق : ٢٤) ، قيل هو خطاب للملك. وقال المبرد (٢) : ثنّاه على «ألق» ، والمعنى : ألق ألق ، وكذلك القول في «قفا» وخالفه أبو إسحاق (٣) ، وقال : بل هو مخاطبة للملكين.

وقال الفراء (٤) في قوله تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (الرحمن : ١٣) قال : يخاطب الإنسان مخاطبه بالتثنية. وجعل منه قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (الرحمن : ٤٦) : وقوله تعالى : ([لِأَحَدِهِما] (٥) جَنَّتَيْنِ) (الكهف : ٣٢) فقيل : [المراد] (٥) جنة واحدة بدليل قوله تعالى آخر الآية : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) (الكهف : ٣٥) فأفرد بعد ما ثنى.

وقوله : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) (الكهف : ٣٣) فإنه ما ثنى هنا إلا للإشعار بأن لها وجهين ، وأنك إذا نظرت عن يمينك ويسارك رأيت في كلتا (٦) الناحيتين ما يملأ عينك قرّة (٦) ، وصدرك مسرّة.

وقوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) (المائدة : ١١٦) وإنما المتخذ إلها عيسى دون مريم ؛ فهو من باب «والنجوم الطوالع» (٧) قاله أبو

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة وهو في المخطوطة.

(٢) هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر ، أبو العباس المبرّد ، تقدم ذكره في ٢ / ٤٩٧.

(٣) هو إبراهيم بن السّري بن سهل ، أبو اسحاق الزجاج ، تقدمت ترجمته في ١ / ١٠٥.

(٤) هو يحيى بن زياد بن عبد الله الديلمي ، أبو زكريا الفراء ، تقدمت ترجمته في ١ / ١٥٩.

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة وهو في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة «الجنتين ما لا عين رأت».

(٧) من بيت للفرزدق تمامه :

أخذنا بآفاق السّماء عليكم

لنا قمراها والنّجوم الطّوالع

والبيت في ديوانه (طبعة دار صادر بيروت ١ / ٤١٩) من قصيدة «أولئك آبائي».

٩٢

الحسن (١) ، وحكاه عنه ابن جني (٢) في كتاب «القدّ» وعليه حمل ابن جني وغيره قول امرئ القيس :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

(٣) ويؤيده قوله بعده :

أصاح ترى برقا أريك وميضه (٤).

وقول الفرزدق :

عشيّة سال المربدان كلاهما

سحابة موت بالسّيوف الصّوارم (٥)

وإنما هو مربد البصرة فقط.

وقوله : «ودار لها بالرقمتين» (٦).

وقوله : «ببطن المكتين» (٧).

__________________

(١) هو سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي البصري ، تقدمت ترجمته (في ١ / ١٣٤).

(٢) هو عثمان بن جنّي ، أبو الفتح النحوي تقدم ذكره في ١ / ٣٦١. وكتابه «ذي القدّ في النحو» ذكره (ياقوت الحموي في معجم الأدباء ١٢ / ١١٣). وقول ابن جنّي ذكره (السيوطيّ في الاتقان ٣ / ١١٨).

(٣) من بيت لامرئ القيس تمامه :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل

والبيت في ديوانه (طبعة دار صادر. بيروت ص : ٢٩) من معلقته «قفانبك».

(٤) صدر بيت له من آخر المعلقة ، وتمامه :

أصاح ترى برقا أريك وميضه

كلمع اليدين في حبيّ مكلّل

(ديوان امرئ القيس ص : ٥٩).

(٥) البيت في ديوانه (طبعة دار صادر بيروت ٢ / ٣١٩) من قصيدة عنوانها «حقّنا دماء المسلمين». وفي الديوان «عجاجة موت».

(٦) من بيت لزهير بن أبي سلمى. من معلقته وتمامه :

ودار لها بالرّقمتين كأنّها

مراجيع وشم في نواشر معصم

والبيت في ديوانه (طبعة دار صادر بيروت ص : ٧٤).

(٧) أورد المرتضى في (أماليه ٢ / ١٨٤) بيتا قال فيه :

فقولا لأهل المكّتين تحاشدوا

وسيروا إلى آطام يثرب والنّخل

٩٣

وقول جرير :

لما مررت بالدّيرين أرقني

صوت الدّجاج وقرع بالنّواقيس (١).

قالوا : أراد «دير الوليد» (٢) ؛ فثناه باعتبار ما حوله.

القسم الثاني عشر

إطلاق الجمع وإرادة الواحد

٣ / ٧ كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) (المؤمنون : ٥١) ، إلى قوله : (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) (المؤمنون : ٥٤) ، قال أبو بكر الصيرفي (٣) : فهذا خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده ؛ إذ لا نبيّ معه ولا بعده.

ومثله : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ...) (الزخرف : ٣٢) الآية ، وهذا مما لا شريك فيه ، والحكمة في التعبير بصيغة الجمع أنه لما كانت تصاريف أقضيته سبحانه وتعالى تجري على أيدي خلقه (٤) نزّلت أفعالهم منزلة قبول القول بمورد الجمع (٤).

وجعل منه ابن فارس (٥) قوله تعالى : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (النمل : ٣٥) ، والرسول كان واحدا ، بدليل قوله تعالى : (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) (النمل : ٣٧).

وفيه نظر ؛ من جهة أنه يحتمل مخاطبة رئيسهم ، فإنّ العادة جارية ـ لا سيّما من الملوك ألاّ يرسلوا واحدا.

ومنه : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) (الشعراء : ٢١) وغير ذلك ، وقد تقدم في وجوه المخاطبات (٦).

__________________

(١) البيت في ديوانه (طبعة دار صادر بيروت) ص : ٢٤٩ من قصيدة عنوانها «نحمي ونغتصب الجبار» وفي الديوان «لما تذكّرت بالدّيرين». انظر (معجم البلدان لياقوت ٢ / ٥٤٠).

(٢) «دير الوليد» بالشام. ذكره (ياقوت في معجم البلدان ٢ / ٥٤٠).

(٣) هو محمد بن عبد الله ، أبو بكر الصيرفي ـ تقدمت ترجمته في ١ / ٣٨٠.

(٤) اضطربت العبارة في المخطوطة.

(٥) هو أحمد بن فارس بن زكريا ، تقدمت ترجمته في ١ / ١٩١. وقد ذكره السيوطي في (الاتقان ٣ / ١١٨).

(٦) في المخطوطة «الخطاب».

٩٤

ومنه : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) (النحل : ٢) ، والمراد جبريل.

وقوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء : ٥٤) ؛ والمراد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) (آل عمران : ١٧٣) ؛ والمراد بهم ابن مسعود الثقفي (١) ؛ وإنما جاز إطلاق لفظ «الناس» على الواحد ؛ لأنه إذا قال الواحد قولا وله أتباع ٣ / ٨ يقولون مثل قوله ، حسن إضافة ذلك الفعل إلى الكل ، قال الله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) (البقرة : ٧٢) ، (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (البقرة : ٥٥) والقائل ذلك رءوسهم. وقيل : «المراد بالناس ركب من عبد القيس دسّهم أبو سفيان إلى المسلمين وضمن لهم عليه جعلا» (٢) ، قاله ابن عباس وابن إسحاق وغيرهما.

القسم الثالث عشر

إطلاق لفظ التثنية والمراد الجمع

كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) (الملك : ٤) فإنّه وإن كان لفظه (٣) لفظ التثنية فهو جمع ، والمعنى «كرات» لأنّ البصر لا يحسر إلا بالجمع (٣).

وجعل منه بعضهم قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) (البقرة : ٢٢٩).

القسم الرابع عشر

التكرار على وجه التأكيد

وهو مصدر كرر إذا ردّد وأعاد ؛ هو «تفعال» بفتح التاء ؛ وليس بقياس ، بخلاف التفعيل.

__________________

(١) هو نعيم بن مسعود بن عامر ، أبو سلمة الأشجعي رضي‌الله‌عنه. صحابي مشهور. له ذكر في البخاري أسلم ليالي الخندق ، وهو الذي أوقع الخلاف بين الحيّين قريظة وغطفان في وقعة الخندق ، قتل في أول خلافة الامام علي رضي‌الله‌عنه قبل قدومه البصرة في وقعة الجمل ، وقيل في خلافة عثمان (ابن حجر الإصابة في تمييز الصحابة ٣ / ٥٣٨).

(٢) الخبر ورد ذكره في السيرة النبوية لابن هشام ٣ / ١٠٣ (بتحقيق مصطفى السقا وآخرين). عقب غزوة أحد.

(٣) في المخطوطة ( ... التثنية على معنى كرات لأنّ البصر لا يحسر إلا بالجمع).

٩٥

٣ / ٩ وقال الكوفيون : هو مصدر «فعّل» والألف عوض من الياء في التفعيل. [١٦٢ / أ] والأول مذهب سيبويه.

وقد غلط من أنكر كونه من أساليب الفصاحة ، ظنا أنه لا فائدة له ؛ وليس كذلك بل هو من محاسنها ، لا سيما إذا تعلّق بعضه ببعض ؛ وذلك أنّ عادة العرب في خطاباتها إذ أبهمت بشيء إرادة لتحقيقه وقرب وقوعه ، أو قصدت الدعاء عليه ، كرّرته توكيدا ، وكأنها تقيم تكراره مقام المقسم عليه ، أو الاجتهاد في الدعاء عليه ، حيث تقصد الدعاء ؛ وإنما نزل القرآن بلسانهم ، وكانت مخاطباته جارية فيما بين بعضهم وبعض ، وبهذا المسلك تستحكم الحجة عليهم في عجزهم عن المعارضة. وعلى ذلك يحتمل ما ورد من تكرار المواعظ والوعد والوعيد ، لأنّ الإنسان مجبول من الطبائع المختلفة ، وكلّها داعية إلى الشهوات ، ولا يقمع ذلك إلا تكرار المواعظ والقوارع ، قال تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) (القمر : ١٧) قال في «الكشاف» : «أي سهّلناه للادّكار والاتعاظ بأن شحنّاه (١) بالمواعظ الشافية وصرّفنا فيه من الوعد والوعيد (٢)».

ثم تارة يكون التكرار مرتين ؛ كقوله : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) (المدثر : ١٩ ـ ٢٠).

وقوله : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى * ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (القيامة : ٣٤ ـ ٣٥).

وقوله : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ* ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) (التكاثر : ٦ ـ ٧).

وقوله : (كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ) (النبأ : ٤ ـ ٥).

وقوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (آل عمران : ٧٨).

وقوله : (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) (التوبة : ٦٩).

وفائدته العظمى (٣) التقرير ، وقد قيل : الكلام إذا تكرّر تقرر.

__________________

(١) في المطبوعة «نسجناه».

(٢) الكشاف للزمخشري ٤ / ٤٦.

(٣) في المخطوطة «ومن الفوائد العظمى التقرير ...».

٩٦

وقد أخبر الله سبحانه بالسبب الذي لأجله كرّر الأقاصيص والأخبار في القرآن فقال : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (القصص : ٥١).

وقال : (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) (طه : ١١٣).

وحقيقته إعادة اللفظ أو مرادفه لتقرير معنى ؛ خشية تناسي الأول ، لطول العهد به.

فإن أعيد لا لتقرير المعنى السابق لم يكن منه ، كقوله تعالى : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ* قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ* قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي* فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) (الزمر : ١١ ـ ١٥).

فأعاد قوله : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) (الزمر : ١٤) بعد قوله : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) ، لا لتقرير الأول ؛ بل لغرض آخر ؛ لأن معنى الأول الأمر بالإخبار أنه مأمور بالعبادة لله والإخلاص له فيها ، ومعنى الثاني أنه يخصّ الله وحده دون غيره بالعبادة والإخلاص ؛ ولذلك قدّم المفعول على فعل العبادة في الثاني ، وأخّر في الأول ؛ ٣ / ١١ لأن الكلام أولا في الفعل ؛ وثانيا فيمن فعل لأجله الفعل.

واعلم أنّه إنما يحسن سؤال الحكمة عن التكرار إذا خرج عن الأصل ، أما إذا وافق الأصل فلا ؛ ولهذا لا يتجه سؤالهم : لم كرر «إياك» في قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة : ٥).

فقيل : إنما كررت للتأكيد ، كما تقول : «بين زيد وبين عمرو مال».

وقيل : إنما كررت لارتفاع أن يتوهم ـ إذا حذفت ـ أنّ مفعول «نستعين» ضمير متصل واقع بعد الفعل ، فتفوت إذ ذاك الدلالة على المعنى المقصود ، بتقديم المعمول على عامله.

والتحقيق أنّ السؤال غير متجه ؛ لأنّ هنا عاملين متغايرين ، كلّ منهما يقتضي معمولا ، فإذا ذكر معمول كلّ واحد منهما بعده فقد جاء الكلام على أصله ، والحذف خلاف الأصل ، فلا وجه للسؤال عن سبب ذكر ما الأصل ذكره ، ولا حاجة إلى تكلّف الجواب عنه ، وقس بذلك نظائره.

وله فوائد :

٩٧

أحدها : التأكيد ؛ واعلم أنّ التكرير أبلغ من التأكيد ، لأنه وقع في تكرار [١٦٢ / ب] التأسيس ؛ وهو أبلغ من التأكيد ، فإنّ التأكيد يقرر إرادة معنى الأول وعدم التجوز ، فلهذا قال الزمخشري في قوله تعالى : (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (التكاثر : ٣ ـ ٤) : «إنّ الثانية تأسيس لا تأكيد ؛ لأنه جعل الثانية أبلغ في الإنشاء فقال : وفي (ثُمَ) تنبيه على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول» (١).

٣ / ١٢ وكذا قوله : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) (الانفطار :

١٧ ـ ١٨) ، وقوله : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) (المدثر : ١٩ ـ ٢٠) يحتمل أن يكون منه ، وأن يكون من المتماثلين.

والحاصل أنه : هل هو إنذار تأكيد ، أو إنذاران؟ فإن قلت : «سوف تعلم ، ثم سوف تعلم» كان أجود منه بغير عطف ؛ لتجريه على غالب استعمال التأكيد ، ولعدم احتماله لتعدد المخبر به.

وأطلق بدر الدين بن مالك (٢) في «شرح الخلاصة» أن الجملة التأكيدية قد توصل بعاطف ، ولم تختص بثم ، وإن كان ظاهر كلام والده التخصيص ؛ وليس كذلك ؛ فقد قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ) (الحشر : ١٨) ، فإن المأمور فيهما واحد ، كما قاله النّحاس (٣) والزمخشري والإمام فخر الدين والشيخ عزّ الدين (٤) ، ورجّحوا ذلك على احتمال أن تكون «التقوى» الأولى مصروفة لشيء غير «التقوى» الثانية مع شأن إرادته.

وقولهم : إنه تأكيد ، (٥) فمرادهم تأكيد المأمور به بتكرير الإنشاء ، لا أنّه تأكيد لفظيّ (٥) ، ولو كان تأكيدا لفظيا لما فصل بالعطف ، ولما فصل بينه وبين غيره : (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ) (الحشر : ١٨).

__________________

(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٢٣١ «بتصرف».

(٢) هو محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك ، الشافعي النحوي ، تقدم التعريف به وبكتابه في ٢ / ١٨٨ ، وانظر قوله في كتابه «شرح الألفية» ص ٥٠٩ عند كلامه عن التوكيد.

(٣) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل تقدمت ترجمته في ١ / ٣٥٦.

(٤) هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي ، تقدمت ترجمته في ١ / ١٣٢.

(٥) اضطربت العبارة في المخطوطة على الشكل التالي «فمرادهم تأكيد المأمور به بتأكيد الانشاء ، لا أنه تكرير لفظي ...».

٩٨

فإن قلت : «اتقوا» الثانية معطوفة على «ولتنظر».

أجيب بأنهم قد اتفقوا على أنّ : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة : ٨٣) ، معطوف على (لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ) (البقرة : ٨٣) ، لا على قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (البقرة : ٨٣) ؛ وهو نظير ما نحن فيه. ٣ / ١٣

وقوله تعالى : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (آل عمران : ٤٢) ، وقوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) (البقرة : ١٩٨) ويحتمل أن يكون «اصطفاءين» و «ذكرين» ، وهو الأقرب في الذكر ، لأنّه محل طلب فيه تكرار الذكر.

وكقوله تعالى حكاية عن موسى : (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً* وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً) (طه : ٣٣ ـ ٣٤). [ولم يقل «نسبّحك ونذكرك كثيرا»] (١) وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) (الرعد : ٥) ، كرر «أولئك».

وكذلك قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة : ٥).

وكذا قوله : (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي [هُوَ عَدُوٌّ لَهُما]) (٢) ... (القصص : ١٩) إلى قوله : (مِنَ الْمُصْلِحِينَ) (القصص : ١٩) ، كررت «أن» في أربع مواضع تأكيدا.

وقوله : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (الزمر : ١١ ـ ١٢).

الثاني : زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ، ليكمل تلقّي الكلام بالقبول ، ومنه قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ* يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ [وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ]) (٣) ، (غافر : ٣٨ ـ ٣٩) ، فإنه كرر فيه النداء لذلك. ٣ / ١٤

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

٩٩

الثالث : إذا طال الكلام وخشي تناسي الأول أعيد ثانيا تطرية له ، وتجديدا لعهده (١) ، كقوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل : ١١٩).

وقوله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ...) [النحل : ١١٠] الآية.

وقوله : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (البقرة : ٨٩) ثم قال : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) فهذا تكرار للأول ، ألا ترى أن لما لا تجيء بالفاء! ومثله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) (آل عمران : ١٨٨) ، ثم قال : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) (آل عمران : ١٨٨).

وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) (البقرة : ٢٥٣) ، ثم قال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) (البقرة : ٢٥٣).

ومنه قوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (يوسف : ٤).

وقوله : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) (المؤمنون : ٣٥) فقوله : (أَنَّكُمْ) الثاني بناء على الأول ، إذكارا (٢) به خشية [١٦٣ / أ] تناسيه.

وقوله : (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (الروم : ٧).

وكذلك قوله : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (الصافات : ١٠٥ إلى ١٠٧) إلى قوله : (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصافات : ١٠٥).

بغير (إِنَّا) وفي غيره من مواضع ذكر (إِنَّا كَذلِكَ) ، لأنه يبنى على ما سبقه في هذه الصّفة (٣) من قوله (إِنَّا كَذلِكَ) ؛ فكأنه صرّح (٤) فيما اكتفى بذكره أولا عن ذكره ثانيا. ولأن التأكيد بالنسبة ، فاعتبر اللفظ من حيث هو دون توكيده (٥).

__________________

(١) في المخطوط «وتجديد العهد».

(٢) في المخطوط «وإذكارا».

(٣) في المطبوعة «القصّة».

(٤) في المطبوعة «طرح».

(٥) في المخطوطة «تأكيده».

١٠٠