البرهان في علوم القرآن - ج ٣

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٣

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩

وقال ابن السيّد (١) : «إن كان في جملتين حسن الإظهار والإضمار ؛ لأن كلّ جملة تقوم بنفسها ، كقولك : «جاء زيد ، وزيد رجل فاضل» (٢) [وإن شئت قلت : «وهو رجل فاضل»] (٢).

وقوله : (مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ) [١٥٦ / أ](رِسالَتَهُ) (الأنعام : ١٢٤). وإن كان في جملة واحدة قبح الإظهار ؛ ولم يكد يوجد إلا في الشعر (٣) ؛ كقوله :

لا أرى الموت يسبق الموت شيء

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (٤)

قال : وإذا اقترن بالاسم الثاني حرف الاستفهام بمعنى التعظيم والتعجب كان المناسب الإظهار ؛ كقوله [تعالى] (٥) : (الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ) (الحاقة : ١ ـ ٢) و (الْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ) (القارعة : ١ ، ٢) ، والإضمار جائز كقوله تعالى : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ* وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) (القارعة : ٩ ، ١٠).

واعلم أن الأصل في الأسماء أن تكون ظاهرة ، وأصل المحدّث عنه كذلك. والأصل أنه إذا ذكر ثانيا أن يذكر مضمرا للاستغناء عنه بالظاهر السابق ، كما أن الأصل في الأسماء الإعراب ، وفي الأفعال البناء ، وإذا جرى (٦) المضارع مجرى الاسم أعرب ، كقوله [تعالى] (٧) : (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (العنكبوت : ١٧).

وقوله [تعالى] (٧) : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى : ٤٠). ٢ / ٤٨٥

وقوله [تعالى] (٨) : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (النصر : ٣).

__________________

(١) هو عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي تقدم التعريف به في ١ / ٣٤٣.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) بعد هذا الموضع زيادة في المخطوطة كما يلي (كقولك جاء زيد) ولا محل لها هنا.

(٤) البيت من شواهد سيبويه في الكتاب ١ / ٦٢ ، ونسبه لسواد بن عدي ، باب ما أجري مجرى ليس في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز ...

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (أجرى).

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) ليست في المخطوطة.

٦١

وللخروج على خلاف الأصل [أسباب] (١)

أحدها : قصد التعظيم

كقوله [تعالى] : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة : ٢٨٢).

وقوله [تعالى] : (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة : ٢٢).

وقوله [تعالى] : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (الحشر : ١٨).

وقوله [تعالى] (١) : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) (الكهف : ٣٨).

فأعاد ذكر الرب (٢)» لما فيه من التعظيم والهضم للخصم.

وقوله [تعالى] (١) : (اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ) (الإخلاص : ١ ـ ٢).

(وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (غافر : ٤٤).

(هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي) (الكهف : ٣٨).

(كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (الإسراء : ٢٠).

(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) (الفرقان : ١١).

(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (الإسراء : ٧٨).

(وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) (آل عمران : ٣٧).

وقوله تعالى : (الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ) (الحاقة : ١ ـ ٢) ، (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) (القارعة : ١ ـ ٢) ، كان القياس ـ لو لا (٣) ما أريد به من التعظيم والتفخيم ـ «الحاقة ما هي».

ومثله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٤) [ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ* وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ] (٥)) (الواقعة : ٨ ـ ٩) تفخيما لما ينال (٨) الفريقين من جزيل الثواب وأليم العقاب.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) تصحفت في المطبوعة إلى (لرب).

(٣) في المخطوطة (أولا).

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (شأن).

٦٢

(١) [ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قل ومن يعص الله ورسوله» (٢) فلا يرد ، «كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» (٣) لأن المعنى في نهي الخطيب عن عدم الإفراد احتمال عدم التعظيم وهو سيّئ في حقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولأن كلام الخطيب في جملتين فلا بد من إعادته بخلافه في الآخر] (١).

الثاني : قصد الإهانة والتحقير

كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ) (النور : ٢١).

[وقوله تعالى] (٥) : (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ) (المجادلة : ١٩).

وقوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) (الإسراء : ٥٣).

وقوله [تعالى] (٤) : (وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ) (غافر : ٣٧).

وقول الشاعر :

فما للنّوى لا بارك الله في النّوى

وعهد النّوى عند الفراق ذميم

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٢) قطعة من حديث عن عدي بن حاتم رضي‌الله‌عنه أخرجه مسلم في الصحيح ٢ / ٥٩٤ كتاب الجمعة (٧) ، باب تخفيف الصلاة والخطبة (١٣) ، الحديث (٤٨ / ٨٧٠). وفي بيان معنى الحديث ما ذكره النووي في شرح صحيح مسلم ٦ / ١٥٩ : (قال القاضي وجماعة من العلماء : إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المفضي للتسوية ، وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحديث الآخر : «لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان»). وقد تقدم تخريج الحديث مع بعض التفصيل في ١ / ٤٩٩ ، معرفة الوقف والابتداء.

(٣) قطعة من حديث عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٦٠ ، كتاب الإيمان (٢) ، باب حلاوة الإيمان (٩) ، الحديث (١٦). وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٦٦ ، كتاب الإيمان (١) ، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان (١٥) ، الحديث (٦٧ ـ ٦٨ / ٤٣). وانظر كلام ابن حجر في سياق شرحه للحديث في فتح الباري ١ / ٦١ ـ ٦٢ ، وما نقله من أقوال العلماء في هذا الشأن.

(٤) ليست في المخطوطة.

٦٣

وسمع الأصمعيّ من ينشد :

فما للنوى جدّ النوى قطع النوى

كذاك (١) النوى قطاعة للقرائن (٢)

فقال : لو قيّض لهذا البيت شاة لأتت عليه.

الثالث : الاستلذاذ بذكره

كقوله تعالى : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) (الإسراء : ١٠٥) ، إن كان «الحق» الثاني هو الأول.

وقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) (فاطر : ١٠).

وقوله تعالى : (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) (الزمر : ٧٤) ، ولم يقل : «منها» ولهذا عدل عن ذكر الأرض إلى الجنة ؛ وإن كان المراد بالأرض الجنة ؛ ولله درّ القائل :

كرّر على السمع منّي أيها الحادي

ذكر المنازل والأطلال والنادي

وقوله :

يا مطر بي بحديث من سكن [١٥٦ / ب] الغضى (٣)

هجت الهوى وقدحت فيّ حراق

كرّر حديثك يا مهيّج لوعتي

إنّ الحديث عن الحبيب تلاق

الرابع : زيادة التقدير

كقوله تعالى : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) (الإسراء : ١٠٥).

وقوله : (اللهُ الصَّمَدُ) (الإخلاص : ٢) ، بعد قوله : (اللهُ أَحَدٌ) ؛ (الإخلاص : ١) ؛ ويدل على إرادة التقدير سبب نزولها ، وهو ما نقل عن ابن عباس (٤) أن قريشا قالت : يا محمد ؛ صف لنا ربّك الذي تدعوننا (٥) إليه ، فنزل (اللهُ أَحَدٌ)

__________________

(١) تصحفت في المخطوطة إلى (لذاك).

(٢) البيت ذكره ابن الشجري في أماليه ١ / ٢٨١ ، فصل في أقسام الكلام.

(٣) في المخطوطة (الغطا).

(٤) أخرجه ابن أبي حاتم وابن عدي والبيهقي في الأسماء والصفات (ذكره السيوطي في الدر المنثور ٦ / ٤١٠.

(٥) في المخطوطة (تدعونا).

٦٤

(الإخلاص : ١) ، معناه أن الذي سألتموني وصفه هو الله ثم لما أريد تقدير كونه «الله» أعيد بلفظ الظاهر دون ضميره.

وقوله : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (غافر : ٦١).

وقوله [تعالى] (١) : (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (آل عمران : ٧٨).

(يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ) (آل عمران : ٧٨).

الخامس : إزالة اللبس حيث يكون الضمير يوهم أنه غير المراد (٢)

كقوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) (آل عمران : ٢٦) ، لو قال : «تؤتيه» لأوهم أنه الأول ، قاله ابن الخشاب (٣).

وقوله تعالى : (الظَّانِّينَ (٤) بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) (الفتح : ٦) ، (كرر السوء) (٥) لأنه [لو] (٦) قال : «عليهم دائرته» لالتبس بأن يكون الضمير عائدا إلى الله تعالى. قاله الوزير المغربي (٧) في «تفسيره». ٢ / ٤٨٩

ونظيره : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) (الروم : ٥٤) ، وتبيينه : الأول النطفة أو التراب ، والثاني الوجود في الجنين أو الطفل ، والثالث الذي بعد الشيخوخة وهو أرذل العمر ؛ والقوة الأولى التي تجعل للطفل

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (الأول).

(٣) هو عبد الله بن أحمد أبو محمد ، ابن الخشاب تقدم التعريف به في ١ / ١٦٣.

(٤) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى (يظنون) والصواب ما أثبتناه.

(٥) ساقط من المخطوطة.

(٦) زيادة يقتضيها السياق.

(٧) هو الحسين بن علي بن الحسين المعروف بالوزير المغربي ، استظهر القرآن العزيز وعدة من الكتب المجردة في النحو واللغة ونحو خمسة عشر ألف بيت شعر من مختار الشعر القديم ، ونظم الشعر والصّرف في النثر ، وكان من الدهاة العارفين من مصنفاته «الشعر والنثر» و «مختصر إصلاح المنطق» و «الإيناس» ت ٤١٨ ه‍ (ابن خلكان ، وفيات الأعيان ٢ / ١٧٢). وكتابه ذكره الداودي في طبقات المفسرين ١ / ١٥٦ واسمه «إملاءات عدة في تفسير القرآن العظيم وتأويله».

٦٥

التحرك والاهتداء للثدي ، والثانية بعد البلوغ ، قاله ابن الحاجب (١) ، ويؤيد الغيرية (٢) التنكير.

ونحوه قوله تعالى : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ...) (الإسراء : ٧٨) الآية ، لو قال : «إنه» لأوهم عود الضمير إلى الفجر.

وقوله [تعالى] (٣) : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) (النحل : ١١١) ، فلم يقل «عنها» لئلا يتحد الضميران فاعلا ومفعولا ؛ مع أن المظهر (٤) السابق لفظ النفس ، فهذا أبلغ من «ضرب زيد نفسه».

وكقوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) (يوسف : ٧٦) ، وإنما حسن إظهار الوعاء مع أنّ الأصل «فاستخرجها منه» لتقدم ذكره ، لأنه لو قيل ذلك لأوهم عود الضمير على الأخ ، فيصير كأن الأخ مباشر لطلب (٥) خروج الوعاء ؛ وليس كذلك لما في المباشرة من الأذى (٦) الذي تأباه النفوس (٧) الأبية ، فأعيد لفظ الظاهر لنفي هذا.

وإنما لم يضمر الأخ فيقال : «ثم استخرجها من وعائه» لأمرين.

أحدهما : أن ضمير الفاعل في (اسْتَخْرَجَها) ليوسف عليه‌السلام ، فلو قال : «من وعائه» لتوهم أنه يوسف ، لأنه أقرب مذكور فأظهر لذلك.

والثاني : أن الأخ مذكور مضاف إليه ؛ ولم يذكر فيما تقدم مقصودا بالنسبة الإخبارية ، فلما احتيج إلى إعادة ما ، وأضيف إليه أظهره أيضا.

وقوله [تعالى] (٨) : (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ) (المزمل : ١٤)

__________________

(١) هو أبو عمرو عثمان بن عمر بن يونس تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.

(٢) اضطربت في المخطوطة إلى (العربة).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (المضمر).

(٥) في المخطوطة (بطلب).

(٦) في المخطوطة (الأدا).

(٧) في المخطوطة (النفس).

(٨) ليست في المخطوطة.

٦٦

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) (العنكبوت : ١٠).

السادس : أن يكون القصد تربية المهابة وإدخال الروعة في ضمير السامع

بذكر الاسم المقتضي لذلك ، كما يقول الخليفة لمن يأمره بأمر : «أمير المؤمنين يأمرك بكذا» مكان : «أنا آمرك بكذا».

ومنه قوله (١) تعالى : (الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ) (الحاقة : ١ ـ ٢).

وقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (النساء : ٥٨) (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (النحل : ٩٠).

وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ) (غافر : ٤٩) ، ولم يقل : «لخزنتها».

السابع : قصد تقوية داعية المأمور

٢ / ٤٩١ كقوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران : ١٥٩) ، ولم يقل «عليّ» وحين قال : (عَلَى اللهِ) لم يقل [١٥٧ / أ] : «إنه يحب» ، أو «إني أحبّ» تقوية لداعية المأمور بالتوكّل بالتصريح باسم المتوكّل عليه.

وقوله [تعالى] (٢) : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة : ٢٨٢).

الثامن : تعظيم الأمر

كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ* قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) (العنكبوت : ١٩ ـ ٢٠).

وقوله : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً* إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) (الإنسان : ١ ـ ٢) ولم يقل «خلقناه» للتنبيه على عظم خلقه للإنسان.

__________________

(١) في المخطوطة (وقوله) بدل (ومنه قوله تعالى).

(٢) ليست في المخطوطة.

٦٧

وقوله : (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) (المزمل : ١٤) ؛ فإنما أعيد لفظ (الْجِبالُ) والقياس الإضمار لتقدم (١) ذكرها ؛ مثل ما ذكرنا في الم السجدة في أحد القولين ؛ وهو قوله : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها (٢) [أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ] (٢)) (السجدة : ٢٠) ؛ وهو أن الآيتين سيقتا للتخويف والتنبيه على عظم الأمر ؛ فإعادة الظاهر أبلغ. ٢ / ٤٩٢

وأيضا فلو لم يذكر (الْجِبالُ) لاحتمل عود الضمير إلى الأرض.

التاسع : أن يقصد التوصل بالظاهر إلى الوصف

كقوله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) (الأعراف : ١٥٨) (٣) [بعد قوله في صدر الآية : (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (الأعراف : ١٥٨) (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (الأعراف : ١٥٨) دون «فآمنوا بالله وبي» ؛ ليتمكن من إجراء الصفات التي ذكرها من النبي الأمّيّ الذي يؤمن بالله ،] (٣) فإنه لو قال : «وبي» لم يتمكن من ذلك ؛ لأن الضمير لا يوصف ليعلم أن الذي وجب الإيمان به والاتباع له هو من وصف بهذه الصفات كائنا من كان ، أنا أو غيري إظهارا للنصفة ، وبعدا من التعصب لنفسه.

العاشر : التنبيه على علة الحكم

كقوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) (البقرة : ٥٩).

وقوله : (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) (البقرة : ٩٨) أعلمنا أنه من كان عدوا لهؤلاء فهو كافر ؛ هذا إن خيف الإلباس لعوده للمذكورين.

وكذا قوله : (فَإِنَّ اللهَ) [دون] (٤) «فإنه».

وكقوله (٥) تعالى : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) (البقرة : ٥٩) ، ولم يقل

__________________

(١) في المخطوطة (لتقديم).

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة ، وكتب مكانها عبارة (من غم).

(٣) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (كقوله).

٦٨

«عليهم» لأنه ليس في الضمير ما في قوله : (الَّذِينَ ظَلَمُوا) من ذكر الظلم المستحق به العذاب.

وجعل منه الزمخشري (١) قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف : ٣٠).

وقوله تعالى : (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (البقرة : ٨٩) والأصل «عليهم» للدلالة على أن اللعنة لحقتهم لكفرهم.

وليس من ذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف : ٩٠) ؛ فإنّ العلة قد تقدمت في الشرط ؛ وإنما فائدة ذلك إثبات صفة أخرى زائدة. وقال الزمخشري (٢) : فائدته اشتماله على المتقين والصابرين.

ومنه قوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) (النساء : ٦٤) لأن شفاعة (٣) من اسمه الرسول من الله بمكان عظيم.

وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (الأنعام : ٢١) ؛ والقياس «أنهم لا يفلحون» ، ولو ذكر الظاهر لقال : «لا يفلح المفترون» أو «الكاذبون» لكن صرّح بالظلم تنبيها على أن علّة عدم الفلاح الظلم.

وقوله : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (الأعراف : ١٧٠) ، ولم يقل : «أجرهم» تنبيها على أنّ صلاحهم علّة لنجاتهم.

وقوله : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر : ١ ، ٢) ولم يقل : «لنا» ؛ لينبه على أنه أهل لأن يصلّى له ؛ لأنه ربه الذي خلقه وأبدعه وربّاه بنعمته. ٢ / ٤٩٤

وكقوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) (البقرة : ٩٨) قال الزمخشري (٤) : أراد «عدوا لهم» ، فجاء بالظاهر ليدل على أن الله

__________________

(١) الكشاف ٢ / ٣٨٩.

(٢) الكشاف ٢ / ٣٧٤.

(٣) في المخطوطة (الشفاعة).

(٤) الكشاف ١ / ٤٩٤.

٦٩

إنما عاداهم لكفرهم ؛ وأن عداوة الملائكة كفر ، وإذا كانت عداوة الأنبياء كفرا ، فما بال [١٥٧ / ب] الملائكة وهم أشرف!. والمعنى : ومن عاداهم عاداه الله وعاقبه أشد العقاب [المهين] (١). [انتهى] (٢).

وقد أدمج في هذا الكلام (٣) مذهبه ، في تفضيل الملك على النّبيّ وإن لم يكن مقصودا فهو كما قيل :

وما كنت زوّارا ولكنّ ذا الهوى

إلى حيث يهوى القلب تهوى به الرّجل

ومثله قول مطيع :

أمّي الضريح الذي أسمّي (٤)

ثم استهلّ (٥) على الضريح

ألا ترى أنه لم يقل : «عليه» لأنه باك بذكر الضريح الذي من عادته أن يبكي عليه ويحزن لذكراه (٦).

الحادي عشر : قصد العموم

كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها) (الكهف : ٧٧) ولم يقل : «استطعمهم (٧) للإشعار بتأكيد العموم ؛ وأنهما لم يتركا أحدا من أهلها إلا استطعماه وأبى ، ومع ذلك قابلهم بأحسن الجزاء. وفيه التنبيه على محاسن الأخلاق ، ودفع السيئة بالحسنة. ٢ / ٤٩٥

وقوله [تعالى] (٨) : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (يوسف : ٥٣) فإنه لو قيل : «إنها لأمارة» لاقتضى تخصيص ذلك ؛ فأتى بالظاهر ليدلّ على أن المراد التعميم ؛

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (الكتاب).

(٤) في المخطوطة (أمسى).

(٥) اضطربت في المخطوطة كما يلي (اسهلى).

(٦) في المخطوطة (لذكره).

(٧) في المخطوطة (استطعماهم).

(٨) ليست في المخطوطة.

٧٠

مع أنه بريء من ذلك بقوله بعده (إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي) (يوسف : ٥٣) ، وقوله : (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (يوسف : ٥٣) ولم يقل : «إنه» إما للتعظيم وإما للاستلذاذ.

وقوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم : ٢٨).

وقوله تعالى : (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها) (الشورى : ٤٨) [ثم] (١) قال : (فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) (الشورى : ٤٨) ولم يقل : «فإنه» مبالغة في إثبات أنّ هذا الجنس شأنه كفران النعم.

الثاني عشر : قصد الخصوص :

كقوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) (الأحزاب : ٥٠) ، ولم يقل : «لك» لأنه لو أتى بالضمير لأخذ جوازه لغيره ، كما في قوله تعالى : (وَبَناتِ عَمِّكَ) (الأحزاب : ٥٠) ، فعدل عنه إلى الظاهر للتنبيه على الخصوصية وأنه ليس لغيره ذلك.

الثالث عشر : مراعاة التجنيس

ومنه : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ...) السورة (الناس : ١) ، ذكره (٢) الشيخ عز الدين ابن عبد السلام رحمه‌الله. ٢ / ٤٩٦

الرابع عشر : أن يتحمل ضميرا لا بدّ منه.

كقوله : (أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها) (الكهف : ٧٧).

الخامس عشر : كونه أهم من الضمير

كقوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) (البقرة : ٢٨٢). وقال بعضهم : إنما أعيدت (إِحْداهُما) لتعادل الكلم وتوازن الألفاظ (٣) [في التركيب ؛ وهو المعنى في الترصيع البديعيّ بل هذا أبلغ من الترصيع ، فإن الترصيع توازن الألفاظ] (٣) من حيث صيغها ، وهذا من حيث تركيبها ؛ فكأنه ترصيع معنويّ ، وقلما يوجد إلا في نادر من الكلام ، وقد استغرب أبو الفتح (٤) ما حكي عن المتنبي في قوله :

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (ذكرها).

(٣) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٤) ابن جني.

٧١

وقد صارت الأجفان قرحى من البكا

وصار بهارا في الخدود الشقائق (١).

٢ / ٤٩٧ قال : سألته : هل هو «قرحى (٢)» أو «قرحا» منوّن؟ (٣) [فقال لي : «قرحا» منوّن] (٣) ، ألا ترى أن بعدها «وعادت بهارا»! قال : يعني أن «بهارا» : جمع بهار ، وقرحى : جمع قرحة ، ثم أطنب في الثناء على المتنبي ، واستغرب فطنته لأجل هذا.

وبيان ما ذكرت في الآية أنها متضمنة لقسمين : قسم الضلال وقسم التذكير ، فأسند الفعل الثاني إلى ظاهر حيث أسند الأول ، ولم يوصل بضمير مفصول لكون الأول لازما ، فأتى بالثاني على صورته من التجرد عن المفعول ، ثم أتى به خبرا بعد اعتدال الكلام وحصول التماثل في تركيبه.

ولو قيل : إن المرفوع حرف لكان أبلغ في المعنى المذكور ، ويكون الأخير بدلا أو نعتا على وجه (٤) البيان ، كأنه (٥) قال : «إن كان ضلال من إحداهما (٦) كان تذكير من الأخرى» ، وقدم على «الأخرى» لفظ «إحداهما» ليسند [١٥٨ / أ] الفعل الثاني إلى مثل ما أسند إليه الأول لفظا ومعنى. والله أعلم.

السادس عشر كون ما يصلح للعود ولم يسق الكلام [له] (٧).

كقوله : (رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ) (الأنعام : ١٢٤) ، وكقول الشاعر :

تبكي على زيد ولا زيد مثله

بريء من الحمّى سليم الجوانح (٨).

__________________

(١) البيت تصحف صدره وعجزه في المطبوعة إلى (وقد عادت ... وعادت بهارا ...) والتصويب من الديوان بشرح أبي البقاء العكبري ٢ / ٣٤٢. وتجد في الشرح ما جرى بينه وبين ابن جني. والبهار. زهر أصفر ، والشقائق : جمع شقيقة وهي زهر أحمر ينسب إلى النعمان. وقرحى : بغير تنوين جمع قريح كجرحى وجريح.

(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (فرحي).

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (جهة).

(٥) في المخطوطة (فإنه).

(٦) في المخطوطة (أحدهما).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) البيت في خزانة الأدب للبغدادي ٢ / ٩٨. ولم ينسبه لأحد.

٧٢

السابع عشر : الإشارة إلى عدم دخول الجملة

في حكم الأولى

كقوله تعالى : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) (الشورى : ٢٤) في سورة الشورى ، فإن (يَمْحُ) استئناف وليس عطفا على الجواب ؛ لأن المعلّق على الشرط عدم قبل وجوده ؛ وهذا صحيح في (يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) وليس صحيحا في (يَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) (الشورى : ٢٤) لأنّ محو الباطل ثابت ؛ فلذلك أعيد الظاهر ، وأما حذف الواو من الخط فللفظ ، وأما حذفها في الوقف كقوله تعالى : (يَدْعُ الدَّاعِ) (القمر : ٦) و (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) (العلق : ١٨) فللوقف ؛ ويؤكد ذلك وقوف يعقوب عليها بالواو.

وهذا ملخص (١) كلام عبد العزيز (٢) في كلامه على البزدويّ (٣) ، وفيما ذكره نزاع ، وهذا أنا لا نسلم أن المعلّق هاهنا بالشرط هو موجود قبل الشرط ؛ لأن الشرط هنا (٤) المشيئة وليس المحو ثابتا قبل المشيئة ؛ فإن قيل (٥) : إن الشرط هنا مشيئة خاصة وهي مشيئة الختم ، وهذا وإن كان محذوفا فهو مذكور بالقوة. شائع في كثير من الأماكن ؛ كقوله [تعالى] (٦) : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) (الأنعام : ٣٥) ، (٧) [(وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا)] (٧) (الأنعام : ١٠٧) ، (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) (البقرة : ٢٥٣) (٧) [المعنى «ولو شاء الله جمعهم لجمعهم» و «لو شاء الله عدم ما أشركوا»] (٧) و «لو شاء الله عدم قتالهم ما اقتتلوا».

قيل : لا يكاد يثبت مفعول المشيئة إلا نادرا كما سيأتي في الحذف إن شاء الله تعالى ، وإذا ثبت هذا صحّ ما ادعيناه ، فإن محو الله ثابت قبل مشيئة الله الختم. ٢ / ٤٩٩

فإن قلت : سلّمنا أنّ الشرط مشيئة خاصة ؛ لكنها إنما تختص بقرينة الجواب.

والجواب : هنا شيئان (٨) ؛ فالمعنى : إن يشأ الله الختم ومحو الباطل يختم على قلبك ، ويمح الباطل ، وحينئذ لا يتم ما ادّعاه.

__________________

(١) في المخطوطة (يلحظ).

(٢) هو عبد العزيز بن أحمد البخاري تقدم التعريف به في ٢ / ٩٦.

(٣) هو علي بن محمد بن عبد الكريم البزدوي الإمام الكبير الجامع بين أشتات العلوم إمام الدنيا في الفروع والأصول له تصانيف معتبرة منها «المبسوط» و «الأصول» ت ٤٨٢ ه‍ (الفوائد البهية : ١٢٤).

(٤) في المخطوطة (هو).

(٥) في المخطوطة (قال).

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (سياق).

٧٣

وجوابه أنّ الشرط لا (١) بد أن يكون غير ثابت وغير ممتنع ، و «يمحو الباطل» كان ثابتا فلا يصحّ دخوله في جواب (٢) الشرط. وهذا أحسن جدّا.

بقي أن يقال : إن الجواب ليس كلاّ من الجملتين ؛ بل مجموع الجملتين والمجموع معدوم قبل وجود الشرط ؛ وإن كان أحدهما ثابتا.

[تنبيهان] (٣)

الأول : قد سبق أنه لا يشترط في وضع الظاهر موضع المضمر أن يكون بلفظ الأول ؛ ليشمل مثل قوله تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف : ٣٠).

وقوله [تعالى] (٤) : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) (البقرة : ١٠٥) ؛ لأنّ إنزال الخير هنا سبب للربوبية ، وأعاده بلفظ «الله» لأن تخصيص الناس بالخير دون غيرهم مناسب للإلهية ؛ لأن دائرة الربوبية أوسع.

ومثله : (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) (الزمر : ٧٤) كما سبق.

ومن فوائده : التلذذ بذكره وتعظيم المنّة (٥) بالنعمة.

ومن فوائده : قصد الذمّ (٦) ، وجعل [منه] (٧) الزمخشري (٨) قوله تعالى : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ) (النبأ : ٤٠) ، فقال : المرء هو الكافر وهو ظاهر ، وضع موضع الضمير لزيادة الذم.

وقال ابن عبد السلام في قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ

__________________

(١) في المخطوطة (أبدا) بدل (لا بد).

(٢) في المخطوطة (حيز).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (أمره).

(٦) في المخطوطة (في صدره) بدل (قصد الذم).

(٧) ساقطة من المطبوعة.

(٨) الكشاف ٤ / ١٨٠.

٧٤

يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (المنافقون : ٦). إنّ «الفاسقين» يراد بهم (١) المنافقون ، ويكون قد أقام الظاهر مقام المضمر ، [١٥٨ / ب] والتصريح بصفة الفسق سبب لهم. ويجوز أن يكون المراد العموم لكل فاسق ، ويدخل فيه المنافقون دخولا أوليّا ، وكذا سائر هذه النظائر.

وليس من هذا الباب قوله تعالى : (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) (الإسراء : ٢٥) ـ أي في معاملة (٢) «الأبوين» (٣) (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) (الإسراء : ٢٥).

وقوله [تعالى] (٤) : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) (البقرة : ٩٧) إلى قوله : (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) (البقرة : ٩٨).

وكذلك كل ما (٥) فيه شرط فإن الشروط أسباب (٦) ولا يكون الإحسان للوالدين سببا (٦) لغفران الله لكل تائب ، لأنه يلزم أن يثاب غير الفاعل بفعل (٧) غيره ؛ وهو خلاف الواقع.

وكذلك معاداة بعض الكفرة لا يكون سببا لمعاداة كلّ كافر ، فتعيّن (٨) في هذه المواضع أن يكون من باب إقامة الظاهر مقام المضمر ليس إلا.

الثاني : قد مرّ أن سؤال وضع الظاهر موضع المضمر حقه أن يكون في الجملة الواحدة ؛ نحو : (الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ) (الحاقة : ١ ، ٢) فأما إذا وقع في جملتين فأمره سهل وهو أفصح من وقوعه في الجملة الواحدة ، لأن الكلام جملتان ، فحسن فيهما ما لا يحسن في الجملة الواحدة ، ألا ترى إلى قوله : ٢ / ٥٠١

لا أرى الموت يسبق الموت شيء

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (٩).

__________________

(١) في المخطوطة (به).

(٢) في المخطوطة (مقابلة).

(٣) في المخطوطة (الأوابين).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (كلما). بدل (كل ما).

(٦) عبارة المخطوطة (ولا يكون إحسان الوالدين لوالديهم سبب ...).

(٧) في المخطوطة (بثبات).

(٨) في المخطوطة (فيتعين).

(٩) تقدم الكلام عن البيت في ٣ / ٦١.

٧٥

فتكرار «الموت» في عجز البيت أوسع من تكراره في صدره (١) ؛ لأنا إذا عللنا هذا انما (٢) نقول : أعاد الظاهر موضع المضمر لما أراد من تعظيم الموت وتهويل أمره ، فإذا علّلها مكررة (٣) في عجزه عللناه بهذا ، وبأن الكلام جملتان.

إذا علمت هذا ، فمثاله في الجملتين كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) (البقرة : ٢٨٢) ، وقوله : (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) (العنكبوت : ٣١).

(٤) [وقد أشكل الإظهار هاهنا] (٤) والإضمار في المثل قوله : (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (القصص : ٣٢).

وأجيب بأنه لما كان المراد في مدائن لوط إهلاك القرى صرح في الموضعين بذكر القرية التي يحلّ بها (٥) الهلاك ؛ كأنها اكتسبت الظلم معهم واستحقت الهلاك معهم ؛ إذ للبقاع تأثير في الطباع ، ولما كان المراد في قوم فرعون إهلاكهم بصفاتهم ، حيث كانوا ولم (٦) يهلك بلدهم ، أتى بالضمير العائد على ذواتهم ، من حيث هي من غير تعرض للمكان.

٢ / ٥٠٢ واعلم أنه (٧) [متى طال الكلام حسن إيقاع الظاهر موضع المضمر كيلا يبقى الذهن متشاغلا بسبب ما يعود عليه اللفظ فيفوته ما شرع] (٧) فيه ، كما إذا كان ذلك في ابتداء آية أخرى ، كقوله تعالى : (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ ...) (البقرة : ١٤٠) الآية.

وقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ [لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ]) (٨) (البقرة : ١٤٣).

وقوله : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) (النور : ٣٥).

وقوله : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ...) (النور : ٣٧) الآية.

__________________

(١) في المخطوطة (هذه).

(٢) في المخطوطة (إنا).

(٣) في المخطوطة (تكرره).

(٤) العبارة ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (لها).

(٦) في المخطوطة (أو لم).

(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٨) تمام الآية ليس في المطبوعة.

٧٦

القسم العاشر تجيء اللفظة الدالة على التكثير (١) والمبالغة بصيغ من صيغ المبالغة

كفعّال وفعيل وفعلان ؛ فإنه أبلغ من «فاعل». ويجوز أن يعدّ هذا من أنواع الاختصار ؛ فإن أصله وضع لذلك ، فإن «ضروبا» ناب عن قولك : «ضارب وضارب وضارب».

أما «فعلان» فهو أبلغ من «فعيل» ، ومن ثمّ قيل : الرحمن أبلغ من الرحيم ـ وإن كانت صيغة «فعيل» (٢) ـ من جهة أن «فعلان» من أبنية المبالغة ؛ كغضبان للممتلئ غضبا ؛ ولهذا لا يجوز التسمية به ، وحكاه الزّجاج في تأليفه (٣) المفرد على البسملة.

وأما قول شاعر اليمامة :

وأنت غيث الورى (٤)

لا زلت رحمانا (٥) ٢ / ٥٠٣

فهو من كفرهم وتعنتهم كذا أجاب به الزمخشري (٦).

وردّه [١٥٩ / أ] بعضهم بأن التعنت لا يدفع وقوع إطلاقهم ؛ وغايته أنّه ذكر السبب الحامل لهم على الإطلاق ؛ وإنما الجواب أنهم لم يستعملوا الرحمن المعرّف بالألف واللام ؛ وإنما استعملوه مضافا ومنكّرا ، وكلامنا إنّما هو في المعرّف باللام.

وأجاب ابن مالك بأن الشاعر أراد : «لا زلت ذا رحمة» ؛ ولم يرد الاسم المستعمل بالغلبة.

ويدلّ على أن العرب كانت تعرف هذا الاسم قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا

__________________

(١) في المخطوطة (التكرر).

(٢) في المخطوطة (فقيل).

(٣) ألف الزجاج كتابا عن معاني البسملة سماه «الإبانة والتفهيم عن معاني بسم الله الرحمن الرحيم» وهو مخطوط بمكتبة جوتا بألمانيا رقم ٧٢٧. (بروكلمان مترجم ٢ / ١٧٢).

(٤) في المخطوطة (الذرى).

(٥) عجز بيت صدره : سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا* كذا في «مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف» ص ١٢٥ قافية النون. ونسبه لرجل من بني حنيفة يمدح مسيلمة الكذاب.

(٦) انظر الكشاف ١ / ٦.

٧٧

الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (الإسراء : ١١٠). وأما قوله : (قالُوا]) (١) وَمَا الرَّحْمنُ (الفرقان : ٦٠) ، فقال (٢) ابن العربيّ : إنما جهلوا الصفة دون الموصوف ، ولذلك لم يقولوا : «ومن الرحمن».

[وذكر] (٣) البرزاباذاني (٤) أنهم غلطوا في تفسير «الرحمن» حيث جعلوه بمعنى المتصف بالرحمة.

قال : وإنما معناه الملك العظيم العادل (٥) ، بدليل : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) (الفرقان : ٢٦) إذ الملك يستدعي العظمة والقدرة والرحمة لخلقه ؛ لا أنه يتوقّف عليها.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) (الفرقان : ٦٠) وإنما يصلح السجود لمن له العظمة والقدرة ؛ و (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ) (مريم : ١٨) ولا يعاذ إلا بالعظيم القادر على الحفظ والذبّ.

٢ / ٥٠٤ (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (مريم : ٩٢) ، أي وما ينبغي للعظيم القادر على كل شيء المستغني عن معاونة الولد وغيره أن يتخذ ولدا.

(الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) (النبأ : ٣٧).

(وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) (طه : ١٠٨).

(قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) (الأنبياء : ٤٢) ولا يحتاج الناس إلى حافظ يحفظهم من ذي الرحمة الواسعة.

(إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (مريم : ٩٣).

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (قال).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) البرزاباذاني ـ بضم الباء وفتحها وسكون الراء وفتح الزاي ـ في لسان الميزان ٤ / ٤٣٧. هو الفضل بن أحمد اللؤلؤي روى عن أبي حاتم الرازي ولعله واضع حديث الأعرابي على إسماعيل بن عمرو البجلي ، وفي الأنساب للسمعاني ٢ / ١٤٦ هو الفضل بن أحمد أبو العباس القرشي البرزاباذاني وهي قرية من قرى أصبهان قال ابن مردويه ضعيف جدا ، وفي أخبار أصبهان لأبي نعيم ٢ / ١٥٤ ، الفضل بن أحمد المديني أبو العباس من قرية برزفاذان يروي عن إسماعيل بن عمرو البجلي خلّط في آخر عمره فترك حديثه.

(٥) في المخطوطة (القادر).

٧٨

(إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) (مريم : ٤٥).

(وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ) (الأنبياء : ١١٢).

(مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) (ق : ٣٣).

ولا مناسبة لمعنى الرحمة في شيء من هذه المواضع ، وأما «رحيم» فهو من صفات الذات ، كقولهم : «كريم».

وما ذكرناه من أن «الرحمن» أبلغ ذهب إليه أبو عبيد (١) والزمخشري (٢) وغيرهما ، وحكاه ابن عسكر (٣) في «التكميل والإفهام» عن الأكثرين.

وفي كلام ابن جرير (٤) ما يفهم حكاية الاتفاق عليه. ونصره السهيلي (٥) بأنّه ورد على لفظ لتنبيه ، والتنبيه تضعيف. وكأن البناء تضاعفت فيه الصفة. ٢ / ٥٠٥

وقال قطرب (٦) : المعنى فيهما واحد ؛ وإنما جمع بينهما في الآية للتوكيد.

وكذلك قال ابن فورك : قال : (٧) وليس قول (٨) من زعم أن (٨) «رحيما» أبلغ بجيّد ؛ إذ لا فرق بينهما في المبالغة. ولو قيل «فعلان» أشد مبالغة كان أولى ؛ ولهذا خصّ (٩) بالله فلا يوصف به غيره ؛ ولذلك (١٠) قال بعض التابعين : الرحمن اسم ممنوع ؛ وأراد به منع الخلق أن يتّسموا به ، ولا وجه لهذا الكلام إلا التوكيد وإتباع الأول ما هو في معنى الثاني.

وقال ابن عباس : «هما اسمان رقيقان ؛ أحدهما أرقّ من الآخر» (١١).

__________________

(١) هو القاسم بن سلام الهروي تقدم في ١ / ١١٩.

(٢) انظر الكشاف ١ / ٦.

(٣) تصحف الاسم في المطبوعة إلى ابن عساكر ، والتصويب من المخطوطة ، تقدم التعريف به وبكتابه في ١ / ٢٤٣.

(٤) انظر تفسير الطبري ١ / ٤٢ ـ ٤٣.

(٥) هو أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢.

(٦) هو محمد بن المستنير ، أبو علي تقدم التعريف به في ٢ / ١٧٦.

(٧) في المخطوطة (قاله ابن فورك) ، وهو محمد بن الحسن تقدم في ١ / ٣٢٤.

(٨) عبارة المخطوطة (أن من زعم).

(٩) في المخطوطة (اختص).

(١٠) في المخطوطة (وكذلك).

(١١) أخرجه الطبري في التفسير ١ / ٤٤.

٧٩

وعن الخطابي (١) استشكال هذا ، وقال : لعله أرفق ، كما جاء في الحديث «إن الله رفيق يحبّ الرّفق في الأمر كله» (٢).

وقال ابن الأنباري (٣) في «الزاهر» : الرحيم أبلغ من الرحمن.

ورجّحه ابن عسكر (٤) بوجوه : منها أن الرحمن جاء متقدما على الرحيم ؛ ولو كان أبلغ [منه] (٥) لكان متأخرا عنه ، لأنهم في كلامهم إنما يخرجون من الأدنى إلى الأعلى ؛ فيقولون : فقيه عالم ، وشجاع باسل ، وجواد فياض ، ولا يعكسون هذا لفساد المعنى ؛ لأنه لو تقدم الأبلغ لكان الثاني داخلا تحته ، فلم (٦) يكن لذكره [١٥٩ / ب] معنى.

[وهذا] (٧) قد ذكره الزمخشريّ (٨) وأجاب عنه بأنه من باب الإرداف ، وأنه أردف الرحمن الذي يتناول جلائل النعم وأصولها بالرحيم ، ليكون كالتتمة والرديف ، ليتناول ما رق منها ولطف.

٢ / ٥٠٦ وفيه ضعف لا سيّما إذا قلنا : إن الرحمن علم لا صفة ، وهو قول الأعلم (٩) وابن مالك. وأجاب الواحديّ (١٠) في «البسيط» بأنه لما كان الرحمن كالعلم ـ إذ لا يوصف [به] (١١) إلا الله ـ

__________________

(١) هو حمد بن محمد أبو سليمان الخطابي تقدم التعريف به في ١ / ٣٤٣.

(٢) قطعة من حديث عن عائشة رضي‌الله‌عنها ، أخرجه البخاري في الصحيح ١٢ / ٢٨٠ ، كتاب استتابة المرتدين ... (٨٨) ، باب إذا عرض الذمي أو غيره بسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يصرح ... (٤) ، الحديث (٦٩٢٧). وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢٠٠٣ ، كتاب البر والصلة والآداب (٤٥) ، باب فضل الرفق (٢٣) ، الحديث (٧٧ / ٢٥٩٣).

(٣) هو أبو بكر محمد بن القاسم ، ابن الأنباري تقدم التعريف به في ١ / ٢٩٩ ، وكتابه «الزاهر في معاني كلمات الناس» طبع بتحقيق حاتم الضامن في بغداد ـ وزارة الثقافة والإعلام ـ عام ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٧٩ م ، وعنه صورة في بيروت بمؤسسة الرسالة عام ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٤ م. (ذخائر التراث العربي ١ / ٤٧).

(٤) تصحفت في المطبوعة إلى (ابن عساكر).

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (لكن لم) بدل (فلم).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) الكشاف ١ / ٧.

(٩) هو يوسف بن سليمان بن عيسى النحوي الشنتمري تقدم التعريف به في ٢ / ٤٥٣.

(١٠) هو علي بن أحمد تقدم التعريف به وبكتابه في ١ / ١٠٥.

(١١) ساقطة من المخطوطة.

٨٠