البرهان في علوم القرآن - ج ٣

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٣

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩

«لا خلاف أن اسم أبي إبراهيم «تارح» والذي في القرآن يدلّ على أن اسمه آزر وقيل : «آزر» ذمّ في لغتهم ، وكأنه : «يا مخطئ» وهو من العجميّ الذي وافق لفظه لفظ العربيّ ، نحو الإزار والإزرة ، قال تعالى : (أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ)» (الفتح : ٢٩).

وعلى هذا فالوجه الرفع ، في قراءة (١) (آزَرَ).

القسم الرابع

عطف البيان

وهو كالنعت في الإيضاح وإزالة الاشتراك الكائن فيه.

وشرط صاحب «الكشاف» فيه أن يكون وضوحه زائدا على وضوح (٢) متبوعه (٣).

وردّ ما قاله بأن الشرط حصول زيادة الوضوح بسبب انضمام عطف البيان مع متبوعه ؛ لا أن (٤) الشرط كونه أوضح وأشهر من الأول ؛ لأن من الجائز أن يحصل باجتماع الثاني مع الأول زيادة وضوح لا تحصل حال انفراد كل واحد (٥) منهما ، كما في «خالي» (٦) أبو عبد الله زيد» مع [أنّ] (٧) اللقب أشهر ؛ فيكون في كلّ واحد منهما خفاء بانفراده ويرفع بالانضمام (٨). ٢ / ٤٦٣

وقال (٩) سيبويه : جعل «يا هذا ذا الجمة» (١٠) عطف بيان مع أن اسم الإشارة أعرف من المضاف إلى ذي اللام.

__________________

(١) في المخطوطة (القراءة). وهي قراءة يعقوب على أن (آزر) منادى. انظر إتحاف فضلاء البشر ص ٢١١.

(٢) في المخطوطة (وضوحه).

(٣) انظر المفصل ص ١٢٢ ـ عطف البيان.

(٤) في المخطوطة (لأن).

(٥) في المخطوطة (واضح أحد) بدل (واحد).

(٦) في المخطوطة (جاءني).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (بانضمام).

(٩) في المخطوطة (وبأن). تصحيف.

(١٠) تصحفت في المخطوطة إلى (هذه الجملة) ، وفي المطبوعة إلى (يا هذا الحمد) والتصويب من كتاب سيبويه ٢ / ١٨٩ ـ ١٩٠. باب لا يكون الوصف المفرد فيه إلا رفعا ...

٤١

وقيل : يشترط أن يكون عطف البيان معرفة.

والصحيح أنه ليس بشرط ، كقولك : «لبست ثوبا جبّة».

وقد أعرب الفارسي : (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) (النور : ٣٥) وكذا : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) (المائدة : ٨٩) ، وكذلك صاحب (١) «المفتاح» في (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) (النحل : ٥١).

فإن قلت : ما الفرق بينه وبين الصفة؟

قلت : عطف البيان وضع ليدلّ (٢) على الإيضاح باسم يختص به ، وإن استعمل في غير الإيضاح ، كالمدح في قوله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) (المائدة : ٩٧) (٣) [فإنّ (الْبَيْتَ الْحَرامَ)] (٣) عطف بيان جيء به للمدح لا للإيضاح ، وأما الصفة فوضعت لتدل على معنى حاصل في متبوعه ، وإن كانت في بعض الصور مفيدة للإيضاح للعلم بمتبوعها من غيرها.

وكقوله تعالى : (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ) (سبأ : ٤٦) ، وقوله [تعالى] (٣) (آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) (آل عمران : ٩٧).

وزعم الزمخشريّ (٤) في قوله تعالى : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) (الطلاق : ٦) (٥) [أن (مِنْ وُجْدِكُمْ)] (٥) عطف بيان.

وهو مردود ؛ فإن العامل إنما يعاد في البدل لا في عطف البيان.

فإن قلت : ما الفرق بينه وبين البدل؟.

قلت : قال أبو جعفر النحاس : «ما علمت أحدا فرّق بينهما إلا ابن كيسان (٩) ؛ فإن الفرق

__________________

(١) هو يوسف بن أبي بكر السكاكي وانظر مفتاح العلوم ص ١٩٠.

(٢) في المخطوطة (البدل).

(٣) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٤) الكشاف ٤ / ١١٠.

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) هو محمد بن أحمد بن كيسان أبو الحسن النحوي ، أحد المذكورين بالعلم الموصوفين بالفهم وكان يحفظ مذهب البصريين في النحو والكوفيين لأنه أخذ عن المبرد وثعلب ، وكان أبو بكر بن مجاهد يقول : أبو الحسن بن كيسان أنحى من الشيخين. يعني ثعلبا والمبرد ، وتصانيفه كثيرة منها «غريب الحديث» و «المهذب» و «الوقف والابتداء» و «القراءات» وغيرها ت ٢٩٩ ه‍ (القفطي ، إنباه الرواة ٣ / ٥٧).

٤٢

بينهما أن البدل يقرر الثاني في موضع الأول ، وكأنك لم تذكر الأول ، وعطف البيان أن تقدّر (١) أنك إن ذكرت الاسم الأول لم يعرف إلا بالثاني [١٥٢ / ب] ، وإن ذكرت الثاني لم يعرف إلا بالأول ، فجئت بالثاني مبيّنا للأول ، قائما له مقام النعت والتوكيد.

قال : وتظهر فائدة هذا في النداء ، تقول : «يا أخانا زيد أقبل» ، على البدل ، كأنك رفعت الأول وقلت : «يا زيد أقبل» ، فإن أردت

عطف البيان قلت : «يا أخانا (٢) زيدا أقبل».

القسم الخامس

ذكر الخاصّ بعد العام

فيؤتى به معطوفا عليه بالواو للتنبيه على فضله ؛ حتى كأنه ليس من جنس العام ؛ تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات ، وعلى هذا بنى المتنبي قوله :

فإن تفق الأنام وأنت منهم

فإنّ المسك بعض دم الغزال (٣)

وابن الرومي أيضا حيث قال :

كم من أب قد علا بابن ذرا شرف (٤)

كما علت (٥) برسول الله عدنان (٦)

وحكى الشيخ أثير الدين (٧) عن شيخه أبي جعفر بن الزبير (٨) أنه كان يقول : «إن هذا العطف يسمى بالتجريد ، كأنه جرّد من الجملة وأفرد بالذكر تفصيلا».

وله شرطان ذكرهما ابن مالك : أحدهما كون العطف بالواو ، والثاني كون المعطوف ذا

__________________

(١) في المخطوطة (يقدر).

(٢) في المخطوطة (أخا).

(٣) البيت ختم به قصيدة يرثي بها والدة سيف الدولة ويعزيه بها سنة ٣٣٧ ه‍ ، مطلعها :

نعدّ مشرفيّة والعوالي

وتقتلنا المنون بلا قتال

وهي في ديوانه ص ٢٦٥ ـ ٢٦٨.

(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (ذي سرف) ، والتصويب من مغني اللبيب ١ / ١١٨.

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (علا).

(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (عدنانا) : والبيت من شواهد مغني اللبيب ١ / ١١٨ رقم (١٧٥). باب حرف الثاء (ثم).

(٧) هو أبو حيان الأندلسي صاحب تفسير البحر المحيط.

(٨) هو أحمد بن إبراهيم أبو جعفر بن الزبير تقدم التعريف به في ١ / ١٣٠.

٤٣

مزية (١) ، وحكى قولين في العام المذكور : هل يتناول الخاص المعطوف عليه ، أو لا (٢) يتناوله؟ فعلى القول الأول يكون (٣) [هذا نظير مسألة : «نعم الرجل زيد» على المشهور فيه ؛ وهو الظاهر من لفظ العام ، وعلى الثاني يكون] (٣) عطف الخاص قرينة دالة على إرادة التخصيص في العام ، وأنه لم يتناوله ، وهو نظير بحث الاستثناء في نحو قولك : «قام القوم إلا زيدا» (٤) [من أن «زيدا»] (٤) لم يدخل في القوم ، وقد يتقوى هذا بقوله :

يا حبّ (٥) ليلى لا تغيّر وازدد

وانم كما ينمو الخضاب في اليد (٦)

وإن كان هذا ليس من العطف العام.

وقد أشار الزمخشري (٧) إلى القولين في سورة الشعراء. في قوله : (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) (الشعراء : ١٤٧ ـ ١٤٨).

وقد يقال : آية الشعراء إنما جاز فيها الاحتمالان (٨) من جهة أن لفظ «جنات» وقع بلفظ التنكير ، ولم يعم الجنس ؛ وأما الآية [السابقة] (٩) فالإضافة تعمّ. و [لذلك] (١٠) لا ينبغي أن يجعل من هذا قوله تعالى : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) (الرحمن : ٦٨) أما على قول أبي حنيفة ومحمد فواضح ، لأنهما يقولان : إن النخل والرمان ليسا بفاكهة ، وأما على قول أبي يوسف فقوله : «فاكهة» مطلق وليس بعام.

ومن أمثلته قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (البقرة : ٢٣٨) ، على القول بأنها إحدى (١١) الصلوات الخمس.

__________________

(١) تصحفت في المخطوطة إلى (وأمر به).

(٢) في المخطوطة (لم).

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٤) سقط من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (يا صاحب).

(٦) البيت من شواهد ابن منظور في لسان العرب ١٥ / ٣٤٢. مادة (نمي).

(٧) الكشاف ٣ / ١٢٢ ـ ١٢٣.

(٨) في المخطوطة (الاحتمالات).

(٩) ليست في المخطوطة.

(١٠) ساقطة من المطبوعة.

(١١) في المخطوطة (أحد).

٤٤

قلنا (١) : إن المراد غيرها كالوتر والضحى والعيد (٢) ، فليس من هذا الباب.

وقوله [تعالى] (٣) : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) (الأعراف : ١٧٠) ، مع أن التمسك بالكتاب يشمل كلّ عبادة ، ومنها الصلاة ، لكن خصها بالذكر إظهارا لمرتبتها لكونها عماد الدين.

وقوله [تعالى] (٣) : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) (٤) (البقرة : ٩٨) ، فإن عداوة الله راجعة إلى عداوة حزبه ، فيكون جبريل كالمذكور أربع مرات ، فإنه اندرج تحت عموم ملائكته ، وتحت عموم رسله ، ثم عموم حزبه ، ثم خصوصه بالتنصيص عليه.

ويجوز أن يكون عومل معاملة العدد ، فيكون الذّكر ثلاثا ، وذكرهما بعد الملائكة ـ مع كونهما من الجنس ـ دليل على قصد التنويه بشرفهما. على أن التفصيل إن كان بسب الإفراد فقد عدل (٥) للملائكة مثله بسبب الإضافة ، وقد يلحظ شرفهما على غيرهما. ٢ / ٤٦٧

وأيضا فالخلاف السابق في أنّ ذكر بعض أفراد العام [١٥٣ / أ] بعد العام ؛ هل يدل على أنه لم يدخل في العامّ فرارا من التكرار أو يدخل؟ وفائدته التوكيد ، و [قد] (٦) حكاه الروياني (٧) في «البحر» من كتاب الوصية. وخرّج عليه ما إذا أوصى لزيد بدينار وبثلث ماله للفقراء ، وزيد فقير ، فهل يجمع له بين ما أوصى لديه (٨) وبين شيء من الثلث على ما أراد الوصيّ؟ وجهان ، والأصح أنه لا يعطى غير الدينار : لأنّه بالتقدير قطع اجتهاد الوصيّ.

__________________

(١) في المخطوطة (فإن قلنا).

(٢) في المخطوطة (أو العيد).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) الآية في المطبوعة (قل من كان ...) وفي المخطوطة ضرب على لفظة (قل) وهو الصواب الموافق للقرآن الكريم.

(٥) في المخطوطة (عدد).

(٦) ساقطة من المطبوعة.

(٧) هو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد أبو المحاسن الروياني ولد سنة ٤١٥ ه‍ الفقيه الشافعي ، من رءوس الأفاضل في أيامه مذهبا وأصولا وخلافا سمع عبد الفاخر بن محمد الفارسي وتفقه على أبي عبد الله الكازوني على مذهب الشافعي ، وكان له الجاه العظيم والحرمة الوافرة ، من مصنفاته «بحر المذهب» و «الكافي» و «حلية المؤمن» وغيرها مات شهيدا قتله الملاحدة سنة ٥٠٢ ه‍ (ابن خلكان ، وفيات الأعيان ٣ / ١٩٨). وكتابه «بحر المذهب في الفروع» ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ٢٢٦. وقال : «هو بحر كاسمه».

(٨) في المخطوطة (له).

٤٥

قلت : والقول بعدم دخوله تحت اللفظ هو قول أبي علي الفارسيّ وتلميذه ابن جني ، وعلى هذا القول فلا (١) يحسن عدّ هذه الآية من هذا النوع.

وأيضا فإذا اجتمع في الكلام معطوفان (٢) : هل يجعل الآخر معطوفا على الأول؟ أو على ما يليه؟ وقع في كلام الزمخشري في مواضع من الكشاف تجويز الأمرين.

فذكر (٣) في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) (الأنعام : ٩٥) ، أن «مخرجا» معطوف على (فالِقُ) لا على (يُخْرِجُ) ، فرارا من عطف الاسم على الفعل ، وخالفه ابن مالك وأوّله.

وذكر (٤) أيضا في قوله تعالى : (إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) (البقرة : ٢١٠) ، على هذه القراءة (٥) أنه معطوف على (اللهُ) لأن قضاءه قديم.

وذكر (٦) أيضا في قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) (النساء : ١) ، حاصله أن قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) إذا أريد به العموم كان قوله : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) عطفا على مقدر ؛ أي أنشأها وأوجدها ، (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً) ، يعني خلقكم من نفس هذه صفتها. وإن أريد به المخاطبون بمكة كان قوله : (وَخَلَقَ) عطفا على (خَلَقَكُمْ) ، وموجب ذلك الفرار (٧) من التكرار.

وعلى هذا فيجوز أن يكون «جبريل» معطوفا على لفظ الجلالة ، فلا تكون الآية من هذا النوع. ولو سلمنا بعطفه على «رسله» فكذلك ؛ لكن الظاهر أن المراد بالرسل من بني آدم لعطفهم على الملائكة ، فليسوا منه.

وفي الآية سؤالان :

__________________

(١) في المخطوطة (فلا خلاف يحسن).

(٢) في المخطوطة (معطوفات).

(٣) الكشاف ٢ / ٢٨. بتصرف.

(٤) الكشاف ١ / ١٢٧ ـ ١٢٨.

(٥) أي قراءة رفع الملائكة وهي قراءة الجمهور وقرأ أبو جعفر بالجر عطفا على الغمام أو ظلل (إتحاف فضلاء البشر ص ١٥٦).

(٦) الكشاف ١ / ٢٤١.

(٧) في المخطوطة (القرر).

٤٦

أحدهما : لم خصّ جبريل وميكائيل بالذكر؟ الثاني : لم قدّم جبريل عليه؟

والجواب عن الأول أنه سبحانه وتعالى خصّهما بالحياة ، فجبريل بالوحي الذي هو حياة القلوب ، وميكائيل بالرزق الذي هو حياة الأبدان ، ولأنهما كانا سبب النزول في تصريح اليهود بعداوتهما.

و [عن] (١) الثاني : أن حياة القلوب أعظم من حياة الأبدان ؛ ومن ثم قيل :

عليك بالنفس فاستكمل (٢) فضائلها

فأنت بالنّفس لا بالجسم إنسان ٢ / ٤٦٩

ومنه قوله تعالى : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) (الرحمن : ٦٨) ، وغلّط بعضهم من عدّ هذه الآية من هذا النوع ، من جهة أن «فاكهة» نكرة في سياق الإثبات فلا عموم لها. وهو غلط لأمرين : أحدهما : أنها في سياق الإثبات ، وهو مقتضى العموم ؛ كما ذكره القاضي أبو الطيب الطبريّ (٣).

والثاني : أنه ليس المراد بالخاص والعام هاهنا المصطلح عليه في الأصول ، (٤) بل كلّ ما كان الأول فيه شاملا للثاني (٤).

وهذا الجواب أحسن من الأول ، لعمومه بالنسبة إلى كل مجموع يشتمل على متعدّد.

ولما لمح أبو حنيفة معنى العطف وهو المغايرة لم يحنّث الحالف على أكل الفاكهة بأكل الرمان.

ومنه قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ [١٥٣ / ب] إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران : ١٠٤) ، إذ الأمر والنهي من جملة الدعاء إلى الخير.

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (فاستعمل).

(٣) هو طاهر بن عبد الله بن طاهر. أبو الطيب الطبري القاضي الفقيه الشافعي ولد سنة ٣٤٨ ه‍ كان ثقة صادقا دينا ورعا عارفا بأصول الفقه وفروعه محققا في علمه. تفقه على أبي علي الزجاجي وأدرك أبا علي الماسرجسي فصحبه وتفقه عليه وحضر مجلس الشيخ أبا حامد الأسفراييني من مصنفاته «شرح مختصر المزني» وصنف في الأصول والمذهب والخلاف والجدل. ت ٤٥٠ ه‍ (ابن خلكان ، وفيات الأعيان ٢ / ٥١٢).

(٤) عبارة المخطوطة (بل كل ما كان في الأول فيه شامل للثاني).

٤٧

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) ، (محمد : ٢) والقصد تفضيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما نزّل عليه ؛ إذ لا يتم الإيمان إلا به.

وقوله : (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ) (يس : ٧٣).

وقوله : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) (البقرة : ٩٦) ، ففائدة قوله : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) مع دخولهم في عموم الناس ، أنّ حرصهم على الحياة أشدّ ، لأنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث.

وقوله : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (البقرة : ٣) ، فهذا عام ، (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (البقرة : ٤) ، وإن كان الإيمان بالغيب يشملها ، ولكن خصها لإنكار المشركين لها في قولهم (ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) (الجاثية : ٢٤) ، فكان في تخصيصهم بذلك مدح لهم.

وقوله : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق : ١) ، فعمّ بقوله : (خَلَقَ) جميع مخلوقاته ، ثم خصّ فقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) (العلق : ٢).

وقوله تعالى : (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) (الأنعام : ١٤٥) ، فإنه عطف «اللحم» على «الميتة» مع دخوله في عموم الميتة ، لأن الميتة كلّ ما ليس له ذكاة شرعية ، والقصد به التنبيه على شدة التحريم فيه.

(تنبيه)

ظاهر كلام الكثيرين تخصيص هذا العطف بالواو ، وقد سبق عن ابن مالك وآخرين مجيئه في «أو» في قوله [تعالى] : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) (النساء : ١١٠) (١) [مع أن ظلم النفس من عمل السوء ؛ فقيل هو بمعنى الواو ، والمعنى يظلم نفسه] (١) بذلك السوء حيث دسّاها بالمعصية. ٢ / ٤٧١

وقوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَ) (الأنعام : ٩٣) ؛ فإن الوحي مخصوص بمزيد قبح من بين أنواع الافتراء ، خصّ بالذكر تنبيها على مزيد العقاب فيه والإثم.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٤٨

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) (آل عمران : ١٣٥) ، مع أن فعل الفاحشة داخل فيه ، قيل : أريد به نوع من أنواع ظلم النفس ؛ وهو الربا ، أو كل كبيرة ، فخص بهذا الاسم تنبيها على زيادة قبحه ؛ وأريد بظلم النفس ما وراء ذلك من الذنوب.

القسم السادس

ذكر العام بعد الخاص

وهذا أنكر بعض الناس وجوده ؛ وليس بصحيح.

والفائدة في هذا القسم واضحة ، والاحتمالان المذكوران في العامّ قبله ثابتان هنا أيضا.

ومنه قوله : (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي [وَمَحْيايَ]) (١) (الأنعام : ١٦٢) : والنّسك العبادة ؛ فهو أعمّ من الصلاة.

وقوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) (التوبة : ٧٨).

و [منه] (١) قوله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر : ٨٧).

وقوله [تعالى] (١) ، إخبارا عن نوح : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) (نوح : ٢٨).

وقوله : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (التحريم : ٤). ٢ / ٤٧٢

وجعل الزمخشريّ (٢) منه قوله تعالى : (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) (يونس : ٣١) بعد قوله : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ) (يونس : ٣١).

واعلم أن هذين النوعين يقعان في الأفعال والأسماء (٣) ؛ لكن وقوعهما في الأفعال لا يأتي إلا في النفي ، وأما في الإثبات فليس من هذا الباب ؛ بل من عطف المطلق على المقيّد ، أو المقيّد على المطلق.

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) الكشاف ٢ / ١٨٩.

(٣) في المخطوطة (الأسماء والأفعال).

٤٩

القسم السابع

عطف أحد المترادفين على الآخر أو ما هو قريب منه

في المعنى ، والقصد منه التأكيد

وهذا إنما يجيء عند اختلاف اللفظ ؛ وإنما يحسن [١٥٤ / أ] بالواو ، ويكون في الجمل كقوله : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى * ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (القيامة : ٣٤ ، ٣٥).

ويكثر في المفردات كقوله : (فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا) (آل عمران : ١٤٦).

وقوله : (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) (طه : ١١٢) ، (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) (طه : ٧٧).

وقوله : (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) (المدثر : ٢٢).

وقوله : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) (يوسف : ٨٦).

وقوله : (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) (المدثر : ٢٨).

وقوله (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) (النساء : ١٧١).

وقوله : (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) (طه : ١٠٧) ؛ قال الخليل : العوج والأمت بمعنى واحد. وقيل : الأمت أن يغلظ مكان ويرقّ مكان ، قاله ابن فارس (١) في «المقاييس» (٢) ، وهو راجع لما قاله الخليل.

وقوله : (أَنَّا لا نَسْمَعُ) (٣) سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ (الزخرف : ٨٠).

وقوله : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) (المائدة : ٤٨).

وقوله : (إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً) (البقرة : ١٧١).

__________________

(١) «معجم مقاييس اللغة» لابن فارس طبع بتحقيق عبد السلام محمد هارون في القاهرة بدار إحياء الكتب العربية عام ١٣٦٦ ـ ١٣٧١ ه‍ / ١٩٤٦ ـ ١٩٥٢ م ، وأعيد طبعه عام ١٣٨٩ ـ ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٦٩ ـ ١٩٧٢ م. وعنه صورة بالأوفست بدار الكتب العلمية قم إيران (ذخائر التراث العربي ١ / ٢٠٠). وانظر قوله في ١ / ١٣٧ من الكتاب. مادة (أمت).

(٢) تصحفت إلى (المقابلين).

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (نعلم).

٥٠

وفرّق الراغب (١) بين النداء ، والدعاء (٢) بأن النداء ، قد يقال إذا قيل «يا» أو «أيا» ونحوه من غير أن يضمّ (٣) إليه الاسم ، والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم ؛ نحو : «يا فلان».

وقوله : (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) (الأحزاب : ٦٧).

وقوله : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) (الأحزاب : ١٢).

وقوله : (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) (فاطر : ٣٥) ، فإن «نصب» مثل «لغب» وزنا ومعنى ومصدرا. ٢ / ٤٧٤

وقوله : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) (البقرة : ١٥٧) ، على قول من فسّر الصلاة بالرحمة ، والأحسن خلافه ، وأن الصلاة للاعتناء وإظهار الشرف ، كما قاله الغزاليّ (٤) وغيره ، وهو قدر مشترك بين الرحمة والدعاء والاستغفار ، وعلى هذا فهو من عطف المتغايرين (٥).

وقال الزمخشريّ (٦) في قوله [تعالى] (٧) : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) (البقرة : ٤) : إنّهم هم المذكورون أولا ؛ وهو من عطف الصفة على الصفة.

(٨) [واعترض عليه بأن شرط عطف الصفة على الصفة] (٨) تغاير الصفتين في المعنى ، تقول : «جاء زيد العالم والجواد والشجاع» أي الجامع لهذه المعاني الثلاثة المتغايرة ، ولا تقول : «زيد العالم والعالم» فإنه تكرار ؛ والآية من ذلك ؛ لأن (٩) المعطوف عليه قوله [تعالى] (١٠) : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (البقرة : ٣) ، والمعطوف قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (البقرة : ٤) ، والمنزل هو الغيب بعينه.

__________________

(١) انظر مفردات القرآن ص ١٦٩. مادة (دعا).

(٢) في المخطوطة (الدعاء والنداء).

(٣) في المخطوطة (تضم).

(٤) إحياء علوم الدين ١ / ١٥٩ وما بعدها.

(٥) في المخطوطة (المتغاير).

(٦) الكشاف ١ / ٢٣.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٩) في المخطوطة (إن).

(١٠) ليست في المخطوطة.

٥١

ويحتمل أن يقال : المعطوف عليه مطلق الغيب ، والمعطوف غيب خاصّ ، فيكون من عطف الخاصّ على العام.

وجعل منه بعضهم قوله [تعالى] (١) : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) (فاطر : ٢٥) ، فإن المراد بالكتاب المنير هو الزّبور ، ونقله عن إجماع المفسرين لما تضمنه من النعت ، كما تعطف النعوت بعضها على بعض ؛ وهذا يردّه تكرار الباء ، فإنه يشعر بالفصل ، لأن فائدة تكرار العامل بعد حرف العطف إشعار بقوة الفصل من الأول والثاني ، وعدم التجوز في عطف الشيء على نفسه. ٢ / ٤٧٥

والذي يظهر أنه للتأسيس (٢) ، وبيانه وجوه :

أحدها أن قوله تعالى : (جاءَتْهُمْ) يعود الضمير فيه على المكذبين للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى (٣) الذين من قبلهم ، فيكون النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم داخلا في المرسلين المذكورين ، والكتاب المنير هو القرآن ، وقوله [تعالى] (٤) : (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (فاطر : ٢٦) ، معطوف على قوله [تعالى] (٤) : (فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (فاطر : ٢٥) أي كذبوا ثم أخذتهم (٥) بقيام الحجة عليهم (بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) (فاطر : ٢٥). وجاء تقديم قيام الحجة عليهم قبل العطف اعتراضا للاهتمام به ، وهو من أدق وجوه البلاغة. ومثله في آية آل عمران قوله (٦) [تعالى] (٧) : ([وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ] (٨) فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ الآية) (٩) (آل عمران : ١٨٤) ، وقوله : (جاؤُ) انصراف (٩) من الخطاب إلى الغيبة ، كأنه قال : «جاء هؤلاء المذكورون» ، فيكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم داخلا في الضمير ؛ وهو في موضع «جئتم بالبينات» فأقام الإخبار [١٥٤ / ب] عن الغائب مقام المخاطب ، كقوله [تعالى] (١٠) : (وَجَرَيْنَ (١١) بِهِمْ

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (للمتأملين).

(٣) في المخطوطة (عن).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (أخذت).

(٦) في المخطوطة (وقوله).

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) ليست في المطبوعة.

(٩) تصحفت في المخطوطة إلى (أنصارفا).

(١٠) ليست في المخطوطة.

(١١) في المطبوعة (جرين).

٥٢

(يونس : ٢٢) ، وفيه وجه من التعجب ؛ كأنّ المخاطب إذا استعظم الأمر رجع إلى الغيبة ليعم الإخبار به جميع الناس ، وهذا موجود في الآيتين.

والثاني : أن يكون على حذف مضاف ؛ كأنه قيل : «الكتاب المنير» يعني القرآن ، فيكون مثل قوله : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (الصف : ٦).

وهذا وجه حسن.

تنبيهات (١)

الأول : أنكر المبرّد هذا النوع ، ومنع (٢) عطف الشيء على مثله ؛ إذ لا فائدة فيه ، وأوّل ما سبق باختلاف المعنيين ؛ ولعله ممن ينكر أصل الترادف في اللغة كالعسكري (٣) وغيره.

الثاني : ما ذكرناه من تخصيص هذا النوع بالواو هو المشهور ، وقال ابن مالك : وقد أنيبت «أو» عنها ، كما في قوله تعالى : (نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) (النساء : ١٢٨) ، (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) (النساء : ١١٢).

قال شيخنا : «وفيه نظر ؛ لإمكان أن يراد بالخطيئة ما وقع خطأ ، وبالإثم ما وقع عمدا.

قلت : ويدلّ له قوله [تعالى] (٤) قبل ذلك : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ) (النساء : ١١١).

وجعل (٥) منه بعضهم قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ،

__________________

(١) في المخطوطة (تنبيهان).

(٢) في المخطوطة (مع).

(٣) هو الحسن بن عبد الله بن سهل أبو هلال العسكري الفاضل الكامل صاحب التصانيف الأدبية صحب خاله أبا أحمد ـ ويعرف بالعسكري أيضا ـ وأخذ عنه فأكثر ، وأخذ عن غيره وكان تاجرا كانت له نفس طاهرة ذكية ، وتصانيفه في غاية الجودة فمن تصانيفه «الصناعتين» في النظم والنشر و «الفروق» و «النظائر» وغيرها عاش إلى بعد سنة ٤٠٠ ه‍ (القفطي ، إنباه الرواة ٤ / ١٨٩) وانظر قوله في كتابه الفروق اللغوية ص ١٢ ، في الباب الأول في الإبانة عن كون اختلاف العبارات موجبا لاختلاف المعاني في كل لغة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (فإن قيل).

٥٣

أو أنزلته في كتابك ، أو علّمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك (١)».

قلت : ما ذكره ابن مالك قد سبقه به (٢) ثعلب ، فيما حكاه ابن سيده (٣) في «المحكم» ، فقال ثعلب في قوله تعالى : (عُذْراً أَوْ نُذْراً) (المرسلات : ٦) [فقال] (٤) : العذر والنذر واحد.

قال اللّحياني (٥) : وبعضهم يثقّل (٦).

وعن الفراء : أنه يجرى في العطف بثم ، وجعل منه قوله : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) (هود : ٥٢) ، قال : معناه : وتوبوا إليه ، لأن التوبة الاستغفار.

وذكر بعضهم أنه قد تجرد عن العطف ، وجعل منه قوله تعالى : (وَغَرابِيبُ سُودٌ) (فاطر : ٢٧) والغرابيب هي السود (سُبُلاً فِجاجاً) (٧) (نوح : ٢٠) ، (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة : ٣) ، وغير ذلك.

الثالث : مما يدفع وهم التكرار في مثل هذا النوع ، أن يعتقد أن مجموع المترادفين

__________________

(١) الحديث ورد من طريقين : الأولى عن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه أخرجه أحمد في المسند ١ / ٣٩١ و٤٥٢ ، وأبو يعلى في المسند ٩ / ١٩٨ ، الحديث ٣٣١ / ٥٢٩٧ ، مسند عبد الله بن مسعود وابن السني في عمل اليوم والليلة ص ١٣٣ الحديث (٣٤٢) ، وابن حبان ذكره ابن بلبان في الإحسان ٢ / ١٥٩ ، ذكر الأمر لمن أصابه حزن ... الحديث (٩٦٨). والطبراني في كتاب الدعاء ، دعاء يذهب الهم والحزن. وأخرجه البزار (عزاه له الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ١٣٨ و١٨٦). والحاكم في المستدرك ١ / ٥٠٩. والثانية عن أبي موسى الأشعري أخرجها ابن السني في عمل اليوم والليلة ص ١٣٣ (٣٤١) باب ما يقول إذا أصابه هم أو حزن.

(٢) في المخطوطة (إليه).

(٣) هو علي بن إسماعيل الضرير تقدم التعريف به وبكتابه في ١ / ١٥٩.

(٤) ساقطة من المطبوعة.

(٥) هو علي بن المبارك الأحمر اللّحياني النحوي صاحب علي بن حمزة الكسائي كان مؤدب الأمين. وهو من اشتهر بالتقدم في النحو واتساع الحفظ وجرت بينه وبين سيبويه مناظرة لما قدم بغداد ، قال أبو العباس أحمد بن يحيى : كان علي بن المبارك يحفظ أربعين ألف بيت شاهد في النحو سوى ما كان يحفظ من القصائد وأبيات الغريب ت ١٩٤ ه‍ (القفطي إنباه الرواة ٢ / ٣١٣).

(٦) في المخطوطة (ينقل).

(٧) تصحفت في المخطوطة إلى (فجاجا سبلا).

٥٤

يحصّل معنى لا يوجد عند انفراد أحدهما ، فإن التركيب يحدث معنى زائدا ؛ وإذا كانت كثرة الحروف تفيد زيادة المعنى ، فكذلك كثرة الألفاظ.

القسم الثامن

الإيضاح بعد الإبهام

ليرى المعنى في صورتين ، أو ليكون بيانه بعد التشوف إليه ، لأنّه يكون ألذّ للنفس وأشرف (١) عندها ، وأقوى لحفظها وذكرها ، كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (الحجر : ٦٦).

وقوله [تعالى] (٢) : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (الإخلاص : ١) فإنّ وضع الضمير موضع الظاهر معناه البيان أو الحديث ، أو الأمر لله أحد (٣) مكفوا بها ثم فسّر (٣) ، وكان أوقع في النفس من الإتيان به مفسرا من أول الأمر ، ولذلك وجب تقديمه. وتفيد به الجملة المراد ، تعظيما له (٤). ٢ / ٤٧٨

وسيأتي عكسه في وضع الظاهر موضع المضمر.

ومثله التفصيل بعد الإجمال ، كقوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) (التوبة : ٣٦).

وعكسه كقوله تعالى : (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) (البقرة : ١٩٦).

وقوله [تعالى] (٥) : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (الأعراف : ١٤٢) ، وأعاد قوله : (أَرْبَعِينَ) وإن كان معلوما من «الثلاثين» و «العشر» أنها أربعون لنفي اللّبس ؛ لأن العشر لما أتت بعد الثلاثين ، التي هي نصّ في

__________________

(١) في المخطوطة (وأعرف).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) عبارة المخطوطة (فكفوا فيها ثم فسروا).

(٤) في المخطوطة (به).

(٥) ليست في المخطوطة.

٥٥

المواعدة دخلها الاحتمال أن تكون من غير المواعدة ، فأعاد ذكر «الأربعين» نفيا لهذا الاحتمال ، وليعلم أن جميع العدد للمواعدة.

وهكذا قوله [تعالى] (١) : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ) [١٥٥ / أ](أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) (البقرة : ١٩٦) أعاد ذكر العشرة ، لما كانت الواو تجيء في بعض المواضع للإباحة ، وقوله : (كامِلَةٌ) تحقيق لذلك وتأكيد له.

فإن قلت : فإذا كان زمن المواعدة أربعين فلم كانت «ثلاثين» ثم عشرا؟

أجاب ابن عسكر (٢) في «التكميل والإتمام» (٣) بأن العشر إنما فصل من أولئك ؛ ليتحدّد قرب انقضاء المواعدة (٤) ، ويكون فيه متأهبا مجتمع الرأي ، حاضر الذهن ؛ لأنه لو ذكر «الأربعين» أولا لكانت متساوية ؛ فإذا جعل العشر فيها إتماما لها استشعرت النفس قرب التمام ، وتجدّد بذلك عزم لم يتقدم.

قال : وهذا شبيه بالتلوم الذي جعله الفقهاء في الآجال المضروبة في الأحكام ، ويفصلونه من أيام الأجل ؛ ولا يجعلونها شيئا واحدا ؛ ولعلهم استنبطوه من هذا.

فإن قلت : فلم ذكر في هذه السورة ـ أعني الأعراف ـ الثلاثين ثم العشر ، وقال في البقرة : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (البقرة : ٥١) ولم يفصل العشر منها؟

والجواب ، والله أعلم : أنه قصد في الأعراف ذكر صفة المواعدة والإخبار عن كيفية وقوعها فذكر على صفتها ، وفي البقرة إنما ذكر الامتنان (٥) على بني إسرائيل بما أنعم به عليهم ، فذكر نعمه عليهم مجملة ، فقال : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) (البقرة : ٥٠) ، (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ) (٦) مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ (البقرة : ٤٩).

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) تصحفت في المطبوعة إلى عساكر والتصويب من المخطوطة. وهو محمد بن علي بن الخضر الغساني تقدم التعريف به وبكتابه في ١ / ٢٤٢.

(٣) تصحفت في المطبوعة إلى (الإفهام.

(٤) في المخطوطة (العدة).

(٥) في المخطوطة (الأمثال).

(٦) تصحفت في المطبوعة إلى (أنجيناكم).

٥٦

واعلم أنه يخرج لنا مما سبق جوابان في ذكر العشرة بعد الثلاثة والسبعة ؛ إما الإجمال بعد التفصيل ، وإما رفع الالتباس ، ويضاف إلى ذلك أجوبة :

ثالثها : أنه قصد رفع ما قد يهجس في النفوس ، من أنّ المتمتع إنما عليه صوم سبعة أيام لا أكثر (١) ، ثلاثة منها في الحج ، ويكمل سبعا إذا رجع. ٢ / ٤٨٠

رابعها : أن قاعدة الشريعة أن الجنسين في الكفارة لا يجب على المكفّر الجمع بينهما ، فلا يلزم الحالف أن يطعم المساكين ويكسوهم ؛ ولا المظاهر العتق والصوم ؛ فلما اختلف محلّ هذين الصومين فكانت ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع ، صارا باختلاف المحلّين كالجنسين ، والجنسان لا يجمع بينهما. وأفادت هذه الزيادة ـ وهي قوله : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) (البقرة : ١٩٦) ـ رفع ما قد يهجس في النفوس (٢) ، من أنه إنما (٣) عليه أحد النوعين : إما الثلاث وإما السبع.

الخامس : أن المقصود ذكر كمال لا ذكر العشرة ، فليست العشرة مقصودة بالذات ، لأنها لم تذكر إلا للإعلام بأن التفصيل المتقدّم عشرة ، لأن ذلك من المعلوم بالضرورة ، وإنما ذكرت لتوصف بالكمال الذي هو مطلوب في (٤) القصة.

السادس : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، والتقدير : فصيام عشرة أيام : ثلاثة في الحج ، وسبعة إذا رجعتم ؛ وهذا وإن كان خلاف الأصل ، لكنّ الإشكال ألجأنا إليه.

السابع : أن الكفارات في الغالب إنما تجب متتابعة ككفارات الجنايات ، ولما فصل هاهنا بين صوم هذه الكفارة بالإفطار قبل صومها بذكر الفدية (٥) ليعلم (٦) أنها وإنما كانت منفصلة فهي كالمتصلة.

فإن قلت : فكفارة اليمين لا تجب متتابعة ، ومن جنس هذه الكفارة ما يجب على

__________________

(١) في المخطوطة (والأكثر).

(٢) في المخطوطة (النفس).

(٣) في المخطوطة (أن) بدل (أنه إنما).

(٤) في المخطوطة (من).

(٥) في المخطوطة (العد).

(٦) عبارة المخطوطة (يعلم).

٥٧

المحرم إذا حلق ثلاث شعرات ، ومن عجز عن الفدية فإنه يصوم ثلاثة أيام ولا يشترط التتابع.

قلت : هي في حكم المتتابعة بالنسبة إلى الثواب ؛ إلا أن الشرع خفّف بالتفريق.

ثامنها (١) : أن السبع قد تذكر والمراد به الكثرة لا العدد ؛ والذي (٢) فوق الستة (٣) ودون الثمانية ، وروى أبو عمرو بن العلاء وابن الأعرابي عن العرب : سبّع الله لك الأجر ، أي أكثر ذلك ، يريدون التضعيف.

وقال الأزهري (٤) في قوله تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) (التوبة : ٨٠) : «هو جمع السبع ، الذي يستعمل (٥) [١٥٥ / ب] للكثرة ، وإذا كان كذلك فاحتمل أن يتوهم أن المراد بالسبع ما هو أكثر من السبع ؛ ولفظها معطوف على الثلاثة بآلة الجمع ، فيفضي إلى الزيادة في الكفارة على العدد المشروع ، فيجب حينئذ رفع [هذا] (٦) الاحتمال بذكر الفذلكة ؛ وللعرب مستند قويّ في إطلاق السبع والسبعة ، وهي تريد الكثرة ليس هذا موضع ذكره».

تاسعها (٧) : أن الثلاثة لما عطف عليها السبعة احتمل أن يأتي بعدها ثلاثة أو غيرها من الأعداء ، فقيّد بالعشرة ليعلم أن المراد كمل ، وقطع الزيادة المفضية للتسلسل.

عاشرها (٨) : أن السبعة المذكورة عقب الثلاثة يحتمل أن تكون الثلاثة داخلة فيها ، كما في قوله : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) (فصلت : ١٠) ، أي مع اليومين اللذين خلق الأرض فيهما ، فلا بدّ من اعتقاد هذا التأويل ليندفع ظاهر التناقض ، فجاء التقييد بالعشرة لرفع توهم التداخل.

وهذا الجواب أشار إليه الزمخشري (٩) ؛ ونقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام

__________________

(١) في المخطوطة (الثامن).

(٢) في المخطوطة (الذي).

(٣) في المخطوطة (السبعة).

(٤) هو أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر تقدم التعريف به في ١ / ٣٠٩.

(٥) في المخطوطة (التي تستعمل).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (التاسع).

(٨) في المخطوطة (العاشر).

(٩) الكشاف ٣ / ٣٨٤.

٥٨

ترجيحه ؛ وردّه (١) ابن أبي الإصبع (٢) لأن (٣) احتمال التداخل لا يظن إلا بعددين منفصلين لم يأت بهما جملة ، فلو اقتصر على التفصيل احتمل ذلك ؛ فالتقييد مانع من هذا الاحتمال.

وهذا أعجب منه ، فإن مجيء الجملة رافع لذلك الاحتمال.

الحادي عشر : أن حروف السبعة والتسعة مشتبهة ، فأزيل الإشكال بقوله : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) (البقرة : ١٩٦) لئلاّ يقرءوها «تسعة» ، فيصير العدد اثنى عشر. ونظير هذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا» (٤). فإن (٥) التأكيد بمائة إلا واحدا (٦) ، لإزالة إلباس التسعة والتسعين بالسبعة والسبعين لكن مثل هذا مأمون في القرآن ؛ لأن الله حفظه.

القسم التاسع

وضع الظاهر موضع المضمر

لزيادة التقرير ؛ والعجب أن البيانيين لم يذكروه في أقسام الإطناب.

ومنه بيت «الكتاب (٧) :

إذا الوحش ضمّ الوحش في ظللاتها (٨)

سواقط من حرّ وقد كان أظهرا (٩).

__________________

(١) في المخطوطة (وردده).

(٢) هو عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر الأديب أبو محمد زكي الدين ابن أبي الأصبع العدواني المصري شاعر مشهور إمام في الأدب له تصانيف حسنة في الأدب وشعره رائق من تصانيفه «بدائع القرآن» ، و «تحرير التحبير» في علم البديع و «خواطر السوانح في أسرار الفواتح» وغير ذلك ت ٦٥٤ ه‍ بمصر (الكتبي ، فوات الوفيات ٢ / ٣٦٣).

(٣) في المطبوعة (بأن).

(٤) متفق عليه من حديث أبي هريرة ، أخرجه البخاري في الصحيح ١٣ / ٣٧٧ ، كتاب التوحيد (٩٧) ، باب إن لله مائة اسم إلا ... (١٢) ، الحديث (٧٣٩٢). وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢٠٦٣ ، كتاب الذكر ... (٤٨) ، باب في أسماء الله تعالى ... (٢) ، الحديث (٦ / ٢٦٧٧).

(٥) تصحفت في المطبوعة إلى (فائدة).

(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (واحد).

(٧) كتاب سيبويه ١ / ٦٣. باب ما أجري مجرى ليس في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز ثم يصير إلى أصله والبيت للنابغة الجعدي انظر ديوانه ص ٧٤. (طبعة المكتب الإسلامي).

(٨) في المخطوطة (طلالتها).

(٩) في المخطوطة (أظهر).

٥٩

ولو أتى على وجهه لقال : «إذا الوحش ضمّها».

وإنما يسأل عن حكمته إذا وقع في الجملة الواحدة ، فإن كان (١) في جملتين مستقلتين كالبيت سهل الأمر ، لكنّ الجملتين فيه كالجملة الواحدة ، لأن الرافع للوحش الأول فعل محذوف كما يقول (٢) البصريون ، والفعل المذكور ساد (٣) مسدّ الفعل المحذوف ؛ حتى كأنه هو ؛ ولهذا لا يجتمعان ، وإن قدر رفع الوحش بالابتداء فالكلام جملة واحدة.

ويسهل عند اختلاف اللفظين كقوله :

إذا المرء لم يغش الكريهة أو شكت

حبال الهوينى بالفتى أن تقطّعا (٤).

فاختلاف لفظين ظاهرين (٥) أشبها لفظي الظاهر والمضمر في اختلاف اللفظ ؛ وعليه قوله تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) (التوبة : ٦١) ثم قال : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ) (التوبة : ٦١). ولم يقل : «يؤذونه» مع ما في ذلك من التعظيم ، فالجمع بين الوصفين ، كقوله في الحديث : «نبيك الذي أرسلت (٦)» ، وقوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ...) (البقرة : ١٠٦) الآية ؛ فإنه قد تكرّر اسم الله ظاهرا في هذه الجمل الثلاث ، ولم يضمر لدلالته على استقلال كل جملة منها ، وأنّها لم تحصل (٧) مرتبطة ببعضها ارتباط ما يحتاج فيه إلى إضمار.

وقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ) (النساء : ٧٦) ، وفيه (٨) دلالة على أن الطاغوت هو الشيطان ، وحسن ذلك هنا تنبيها على تفسيره. ٢ / ٤٨٤

__________________

(١) في المخطوطة (كانا).

(٢) في المخطوطة (تقول).

(٣) في المخطوطة (شاد مثل).

(٤) البيت للكلحبة اليربوعي انظر المفضليات بشرح ابن الانباري ص ٢٣.

(٥) عبارة المخطوطة (لفظي الظاهرين).

(٦) قطعة من حديث عن البراء بن عازب رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٣٥٧ ، كتاب الوضوء (٤) ، باب فضل من بات على الوضوء (٧٥) ، الحديث (٢٤٧). وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢٠٨١ ، كتاب الذكر والدعاء ... (٤٨) ، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع (١٧) الحديث (٥٦ ـ ٥٧ / ٢٧١٠).

(٧) في المخطوطة (يحصل).

(٨) في المخطوطة (ومنه).

٦٠