البرهان في علوم القرآن - ج ٣

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٣

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩

فيقولون (١) : فقيه عالم ، وشجاع باسل ، وجواد فياض ، ولا يعكسون هذا لفساد (٢) المعنى ؛ لأنه لو تقدم الأبلغ لكان الثاني [داخلا] (٣) تحته ، فلم يكن لذكره معنى ؛ ولا يوصف بالعالم بعد الوصف بالعلاّم (٤).

وقد اختلف الأدباء (٥) في الوصف بالفاضل والكامل ، أيهما أبلغ؟ على ثلاثة أقوال : ثالثهما أنهما سواء.

قال الأقليشيّ (٦) : والحق أنّك مهما نظرت إلى شخص ، فوجدته مع شرف العقل والنفس كريم الأخلاق والسجايا ، معتدل الأفعال وصفته بالكمال ، وإن وجدته وصل إلى هذه الرتب بالكسب والمجاهدة وإماطة الرذائل وصفته بالفضل ؛ وهذا يقتضي أنهما متضادان ؛ فلا يوصف الشخص الواحد بهما إلاّ بتجوّز.

وقال ابن عبد السلام في قوله تعالى : (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (المؤمنون : ٩٢) إنما قدّم الغيب مع أنّ علم المغيّبات أشرف من المشاهدات ، والتمدّح به أعظم ، وعلم البيان يقتضي تأخير الأمدح. وأجاب بأن المشاهدات له أكثر (٧) [من الغائب عنّا ، والعلم يشرف بكثرة متعلّقاته ؛ فكان تأخير الشهادة أولى.

٣ / ٤٠٦ وقول الشيخ : إن المشاهدات له أكثر] (٧) ، فيه نظر ؛ بل في غيبه [ما] (٧) لا يحصى (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) (النحل : ٨) ؛ وإنما الجواب أن الانتقال للأمدح ترقّ ؛ فالمقصود هنا بيان [أن] (٨) الغيب والشهادة في علمه سواء ، فنزل الترقي [في] (٨) اللفظ منزلة ترقّ في المعنى ، لإفادة استوائهما في علمه تعالى. و [يوضحه] (٨) قوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) (الرعد : ١٠) فصرح بالاستواء.

__________________

(١) في المخطوطة (فنقول).

(٢) في المخطوطة (لتضاد).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (بالعلامة).

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (الآي).

(٦) أقليش بضم الهمزة وسكون القاف وكسر اللام ، مدينة بالأندلس ينسب إليها عدة ، ومنهم عبد الله بن يحيى التجيبي الأقليشي أبو محمد يعرف بابن الوحشي ، أخذ القراءة بطليطلة وسمع بها الحديث ، وله «مختصر كتاب مشكل القرآن» لابن فورك وغير ذلك ، توفي سنة (٥٠٢ ه‍) (ياقوت معجم البلدان ١ / ٢٣٧) ولعله المعني بعبارة الزركشي.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) ليست في المخطوطة.

٤٦١

هذا كلّه في الصفات ، وأما الموصوفات فعلى العكس من ذلك ؛ فإنّك تبدأ بالأفضل ، فتقول : قام الأمير ونائبه وكاتبه ؛ قال تعالى : [(وَ] (١) الْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ [لِتَرْكَبُوها] (١) ...) (النحل : ٨) الآية ، فقدّم الخيل لأنها أحمد وأفضل من البغال ، وقدّم البغال على الحمير لذلك أيضا.

فإن قلت : قاعدة الصفات منقوضة بالقاعدة الأخرى ؛ وهي أنهم يقدّمون الأهم فالأهم في كلامهم كما نصّ عليه سيبويه وغيره.

وقال الشاعر :

أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا

وأسعفنا فيمن نحبّ ونكرم

فقلت له نعماك فيهم أتمّها

ودع أمرنا إن المهمّ (٢) المقدّم

قلت : المراد بقوله : «فقدم الأهم فالأهم» فيما إذا كانا شيئين متغايرين مقصودين ، وأحدهما أهمّ من الآخر ؛ فإنه يقدّم ، وأما تأخر الأمدح في الصفات فذلك فيما إذا كانتا صفتين لشيء واحد ؛ فلو أخرنا الأمدح لكان تقديم الأول نوعا من العبث.

هذا كلّه في صفات المدح ؛ فإن كانت للذم فقد قالوا : ينبغي الابتداء بالأشدّ ذمّا كقوله تعالى : (مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (النحل : ٩٨) ؛ قال [٢٣٧ / أ] ابن النفيس (٣) : في كتاب «طريق الفصاحة» : وهو عندي مشكل ؛ ولم يذكر توجيهه. ٣ / ٤٠٧

وقال حازم في «منهاجه» (٤) يبدأ في الحسن بما ظهور الحسن فيه أوضح ، وما النفس بتقديمه أعنى ، ويبدأ في الذمّ بما ظهور القبح فيه أوضح ، والنفس بالالتفات إليه أعنى ؛ ويتنقّل في (٥) الشيء إلى ما يليه من المزية في ذلك ، ويكون بمنزلة المصوّر الذي يصور أوّلا ما حلّ من رسوم تخطيط الشيء ، ثم ينتقل إلى الأدقّ فالأدق.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (إن الأهم).

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (أبو النفيس) وتصحف اسم كتابه إلى (تطريق الفصاحة) والصواب ما في المطبوعة ، وهو علي بن أبي الحزم القرشي الدمشقي المصري المعروف بابن النفيس طبيب مشارك في الفقه والأصول والحديث توفي بمصر في ذي القعدة سنة (٦٨٧ ه‍) (السبكي طبقات الشافعية ٥ / ١٢٩) ، وكتابه «طريق الفصاحة» ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ٢ / ١١١٤ فقال (طريق الفصاحة ، لابن النفيس «علي» المصري المتوفي سنة ٦٨٧ ه‍).

(٤) هو حازم القرطاجني تقدم التعريف به وبكتابه «منهاج البلغاء» في ١ / ٥٩.

(٥) عبارة المخطوطة (ما لشيء).

٤٦٢

فائدة

نفي الاستطاعة قد يراد به نفي الامتناع ، أو عدم إمكان [وقوع] (١) الفعل مع إمكانه ؛ نحو هل تستطيع أن تكلّمني؟ بمعنى هل تفعل ذلك وأنت تعلم أنه قادر على الفعل؟ وقد حمل قوله تعالى حكاية عن الحواريين : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) (المائدة : ١١٢) على المعنى الأول ؛ أي هل يجيبنا إليه؟ أو هل يفعل ربك؟ وقد علموا أن الله قادر على الإنزال ، وأن عيسى قادر (٢) على السؤال ، وإنما استفهموا هل هنا صارف أو مانع؟

وقوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) (يس : ٥٠). (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) (الأنبياء : ٤٠). (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) (الكهف : ٩٧).

وقد يراد به الوقوع بمشقة وكلفة كقوله تعالى : (لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (الكهف : ٦٧).

فائدة

٣ / ٤٠٨ قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال : ١٧) ، قالوا : المجاز يصح نفيه بخلاف الحقيقة ، لا يقال للأسد : ليس بشجاع.

وأجيب بأن المراد بالرّمي هنا المرتب عليه ، وهو وصوله إلى الكفّار ؛ فالوارد عليه السلب هنا مجاز لا حقيقة ؛ [والتقدير] (٣) : وما رميت [خلقا] (٣) إذ رميت كسبا ، أو ما رميت انتهاء إذ رميت ابتداء ؛ وما رميت مجازا إذ رميت حقيقة. ٣ / ٤٠٩

إخراج الكلام مخرج الشك في اللفظ

دون الحقيقة لضرب من المسامحة وحسم العناد

كقوله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (سبأ : ٢٤) ؛ وهو يعلم أنه على الهدى ، وأنّهم على الضلال ، لكنه أخرج الكلام مخرج الشك ، تقاضيا ومسامحة ، ولا شك عنده ولا ارتياب.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (قال على السؤال).

(٣) ليست في المخطوطة.

٤٦٣

وقوله : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (الزخرف : ٨١).

ونحوه : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) (محمد : ٢٢) أورده على طريق الاستفهام ؛ والمعنى : هل يتوقع منكم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم (١) لما تبين لكم من المشاهد ولاح منكم في المخايل : (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) (محمد : ٢٢) تهالكا على الدنيا؟

وإنما أورد الكلام في الآية على طريق سوق غير المعلوم سياق غيره ، ليؤدّيهم التأمل في التوقع عمّن يتصف بذلك إلى ما يجب أن يكون مسبّبا عنه من أولئك الذين أصمّهم الله وأعمى أبصارهم ، فيلزمهم به على ألطف وجه ؛ إبقاء عليهم من أن يفاجئهم به وتأليفا لقلوبهم ، ولذلك (٢) التفت عن الخطاب إلى الغيبة ، تفاديا عن مواجهتهم بذلك.

وقد يخرج الواجب في صورة الممكن (٣) ، كقوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (الإسراء : ٧٩).

(فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) (المائدة : ٥٢).

٣ / ٤١٠ و (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) (الإسراء : ٨).

(وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة : ٢١٦) [الآية] (٤).

وقد يخرج الإطلاق في صورة التقييد كقوله : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) (الأعراف : ٤٠).

ومنه قوله تعالى حاكيا عن شعيب : (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) (الأعراف : ٨٩) فالمعنى لا يكون أبدا من حيث علّقه بمشيئة الله ؛ لما (٥) كان معلوما أنه يشاؤه (٥) ؛ إذ يستحيل [٢٣٧ / ب] ذلك على الأنبياء ، وكلّ أمر قد علّق بما [لا] (٦) يكون فقد نفي كونه على أبعد الوجوه.

__________________

(١) في المخطوطة (عليها).

(٢) في المخطوطة (لذلك).

(٣) في المخطوطة (المتمكن :).

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) عبارة المخطوطة (لما كان معلوم لأنه لا يشاؤه) تصحيف.

(٦) ساقطة من المخطوطة.

٤٦٤

وقال قطرب (١) : في الكلام تقديم وتأخير ، والاستثناء من الكفار لا من شعيب ، والمعنى : لنخرجنّك يا شعيب ، والذين آمنوا معك من قريتنا ؛ إلا أن يشاء الله أن تعودوا في ملّتهم. ثم قال تعالى حاكيا عن شعيب : (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) (الأعراف : ٨٩) على كل حال.

وقيل : الهاء عائدة إلى القرية ، لا إلى الله.

الإعراض عن صريح الحكم

٣ / ٤١١ كقوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (النساء : ١٠٠) ، أعرض عن ذكر مقدار الجزاء والثواب ، وذكر ما هو معلوم مشترك بين جميع أعمال البشر ، تفخيما لمقدار الجزاء ، لما فيه من إبهام المقدار ، وتنزيلا له منزلة ما هو غير محتاج إلى بيانه ، على حدّ «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله» (٢) ، أعرض عن ذكر الجزاء إلى إعادة الشرط ، تنبيها على عظم ما ينال ، وتفخيما لبيان ما أتى به من العمل ، فصار السكوت عن مرتبة الثواب أبلغ من ذكرها.

وكقوله (٣) تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف : ٣٠) ، وهذه الآية تتضمن الرجوع والبقاء والجمع ، ألا تراه كيف رجع بعد ذكره المبتدأ الذي هو الذين عن ذكر خبره إلى الشروع في كلام آخر ، فبنى مبتدأ على مبتدأ وجمع ، والمعنى قوله : (إِنَّا لا نُضِيعُ) (الكهف : ٣٠) من خبر المبتدأ الأول ، وتقديره : إنّا لا نضيع أجرهم ، لأنا لا نضيع أجر من أحسن عملا.

الهدم

٣ / ٤١٢ وهو أن يأتي الغير بكلام يتضمن معنى ، فتأتي بضده ؛ فإنك قد هدمت ما بناه المتكلم الأول ؛ كقوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (المائدة : ١٨)

__________________

(١) هو محمد بن المستنير تقدم التعريف به في ٢ / ١٧٦.

(٢) قطعة من حديث عمر رضي‌الله‌عنه : «إنما الأعمال بالنيات» أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٩ ، كتاب بدء الوحي (١) ، باب كيف كان بدء الوحي ... (١) الحديث (١) ، ومسلم في الصحيح ٣ / ١٥١٥ ـ ١٥١٦ ، كتاب الإمارة (٣٣) ، باب قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنما الأعمال بالنية» ، الحديث (١٥٥ / ١٩٠٧).

(٣) في المخطوطة (وقوله).

٤٦٥

هدمه بقوله : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) (المؤمنون : ٩١) ، وبقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران : ٥٧) ، وبقوله (١) : (فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) (المائدة : ١٨) ؛ تقديره إن كنتم صادقين في دعواكم.

ومنه : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (التوبة : ٣٠) هدمه بقوله : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) (التوبة : ٣٠) ، وقوله : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) (المؤمنون : ٩١).

ومنه : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) (المنافقون : ١) هدمه بقوله : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (المنافقون : ١) ، أي في دعواهم الشهادة.

٣ / ٤١٣

التوسع

منه الاستدلال بالنظر في الملكوت ، كقوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها (٢) [وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ] (٢) وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة : ١٦٤).

ويكثر ذلك في تقديرات العقائد الإلهية : لتتمكن في النفوس ، كقوله [تعالى] (٣) : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (القيامة : ٤٠) ؛ وذلك بعد ذكر النطفة وتقلّبها في مراتب الوجود ، وتطورات الخلقة.

وكقوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر : ٦٧).

ومنه التوسّع في ترادف الصفات ؛ كقوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) (النور : ٤٠) ، فإنه لو أريد اختصاره لكان : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) (النور : ٤٠) مظلم.

__________________

(١) في المخطوطة (وقوله).

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

٤٦٦

ومنه التوسع في الذم كقوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم : ١٠ ـ ١١) إلى قوله : (عَلَى الْخُرْطُومِ) (القلم : ١٦).

التشبيه

٣ / ٤١٤ اتفق الأدباء على شرفه في أنواع البلاغة ، وأنّه إذا جاء في أعقاب المعاني [٢٣٨ / أ] أفادها كمالا ، وكساها حلّة وجمالا ، قال المبرّد (١) في «الكامل» : «هو جار في كلام العرب حتى لو قال قائل : هو أكثر كلامهم لم يبعد».

وقد صنّف فيه أبو القاسم بن البندار البغدادي (٢) كتاب «الجمان في تشبيهات القرآن».

وفيه مباحث :

الأول في تعريفه

وهو إلحاق شيء بذي وصف في وصفه.

وقيل : أن [تثبت] (٣) للمشبّه (٤) حكما من أحكام المشبّه به.

وقيل : الدلالة على اشتراك شيئين في وصف هو من أوصاف الشيء الواحد [في نفسه] (٥) ؛ كالطّيب في المسك ، والضياء في الشمس والنور في القمر. وهو حكم إضافيّ لا يرد (٦) إلا بين الشيئين بخلاف الاستعارة.

__________________

(١) انظر قوله في الكتاب ٢ / ٩٩٦.

(٢) في المطبوعة البنداري البغدادي هو عبد الله وقيل عبد الباقي بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا البغدادي المعروف ببندار ، كان أديبا شاعرا لغويا فاضلا بارعا له مصنفات كثيرة منها «ملح الممالحة» و «الجمان في تشبيهات القرآن» وله «ديوان شعر كبير» ت ٤٨٥ ه‍ (ابن خلكان ٣ / ٩٨ ـ ٩٩) بتصرف. وكتابه طبع بتحقيق عدنان زرزور ومحمد رضوان الداية بالكويت وزارة الأوقاف عام ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م ، وبتحقيق أحمد مطلوب وخديجة الحديثي ببغداد وزارة الثقافة عام ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م (معجم المنجد ٣ / ٤٢) ، وطبع بتحقيق مصطفى الصاوي الجويني بالاسكندرية منشأة المعارف عام ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٦ م (دليل الكتاب المصري عام ١٩٧٦ م ص ٦٣).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (المشبه).

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (يؤذن).

٤٦٧

٣ / ٤١٥

الثاني (١)

[في الغرض منه] (٢)

وهو تأنيس النفس بإخراجها من خفيّ إلى جلّي ؛ وإدنائه البعيد من القريب ؛ ليفيد بيانا.

وقيل : الكشف عن المعنى المقصود مع الاختصار ؛ فإنك إذا قلت : زيد أسد (٣) ، كان الغرض بيان حال زيد ، وأنه متصف بقوة البطش والشجاعة وغير ذلك ؛ [إلا] (٤) أنا لم نجد شيئا يدل عليه سوى جعلنا إيّاه شبيها بالأسد ، حيث كانت هذه الصفات مختصة به ، فصار هذا أبين وأبلغ من قولنا : زيد شهم شجاع قويّ البطش ونحوه.

الثالث

في أنه حقيقة أو مجاز

والمحققون على أنّه حقيقة ، قال الزنجاني في «المعيار» (٥) : التشبيه ليس بمجاز ؛ لأنه (٦) معنى من المعاني ؛ وله ألفاظ تدل عليه وضعا ؛ فليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه ؛ وإنما هو توطئة لمن سلك سبيل الاستعارة والتمثيل ؛ لأنه كالأصل لهما ، وهما كالفرع له.

والذي يقع منه في حيّز المجاز عند البيانيين هو الذي يجيء على حد الاستعارة.

وتوسط الشيخ عز الدين (٧) ، فقال : «إن كان بحرف فهو حقيقة ، أو بحذفه فمجاز ، بناء على أن الحذف من باب المجاز».

٣ / ٤١٦

الرابع

في أدواته

وهي أسماء ، [وأفعال] (٨) ، وحروف.

__________________

(١) في المخطوطة (الثاني به).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (سيد).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) هو عبد الوهاب بن إبراهيم الزنجاني تقدم التعريف به وبالكتاب في ٣ / ١٧٥.

(٦) في المخطوطة (إلا أنه).

(٧) انظر كتابه الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز : ٦٤ ، الفصل ٤٤ في مجاز التشبيه بتصرف.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

٤٦٨

فالأسماء : مثل ، وشبه ، ونحوهما ، قال تعالى : (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ) (آل عمران : ١١٧). (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى) (هود : ٢٤). (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) (البقرة : ٢٥) (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) (البقرة : ٧٠).

والأفعال كقوله [تعالى] (١) : (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً) (النور : ٣٩). (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (طه : ٦٦).

والحروف إما بسيطة كالكاف ؛ نحو : (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) (إبراهيم : ١٨) (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) (آل عمران : ١١) وإما مركّبة ، كقوله تعالى : (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) (الصافات : ٦٥).

الخامس

في أقسامه

وهو ينقسم باعتبارات :

الأول

أنه إما أن يشبّه (٢) بحرف ، أو لا.

***

وتشبيه الحرف ضربان :

أحدهما : يدخل عليه حرف التشبيه فقط ، كقوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) (النور : ٣٥).

وقوله : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) (الرحمن : ٢٤).

(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) (الرحمن : ٣٧).

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) (الرحمن : ١٤).

(وَحُورٌ عِينٌ* كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) (الواقعة : ٢٢ ـ ٢٣).

(وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (الحديد : ٢١).

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (تشبيه).

٤٦٩

وثانيها : أن يضاف إلى حرف التشبيه حرف مؤكّد ، ليكون ذلك علما على قوة التشبيه وتأكيده ، كقوله تعالى : (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) (الرحمن : ٥٨).

(كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) (الصافات : ٤٩).

(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) (الأعراف : ١٧١).

(تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (القمر : ٢٠).

(كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (الحاقة : ٧).

فإن قيل : كيف استرسل أهل الجنة وقوله [تعالى] (١) : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) (البقرة : ٢٥) ، ولا شك أنه ليس به ، واحترزت بلقيس فقالت : (كَأَنَّهُ هُوَ) (النمل : ٤٢) ، ولم تقل : هو [هو] (٢)؟

قيل : أهل الجنة وثقوا بأن الغرض مفهوم ؛ وأن أحدا لا يعتقد في الحاضر أنه عين ٣ / ٤١٨ المستهلك الماضي ؛ وأما بلقيس فالتبس عليها الأمر ، وظنّت أنه يشبهه ، (٣) [بل صمّمت في المغايرة مع المشابهة] (٣) لأنها بنت على العادة ، وهو أن السرير لا ينتقل من إقليم إلى آخر في طرفة عين.

***

وأما التشبيه بغير حرف ، فيقصد به المبالغة ، تنزيلا للثاني منزلة الأول تجوّزا [٢٣٨ / ب] كقوله : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) (الأحزاب : ٦).

وقوله : (وَسِراجاً مُنِيراً) (الأحزاب : ٤٦).

وقوله : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (آل عمران : ١٣٣).

وكذلك : (تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (النمل : ٨٨).

وجعل الفارسيّ منه قوله تعالى : (قَوارِيرَا* قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) (الإنسان : ١٥ ـ ١٦) ، (٤) [أي كأنها في بياضها من فضة ، فهو على التشبيه ، لا على أن القوارير من فضة] (٤) ، بدليل قوله : (بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ* بَيْضاءَ) (الصافات : ٤٥ ـ ٤٦) ، فقوله : (بَيْضاءَ) مثل قوله : (مِنْ فِضَّةٍ).

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ما بين الحاصرتين ساقطة من المطبوعة.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٤٧٠

تنبيهان

الأول : هذا القسم يشبه الاستعارة في بعض المواضع ، والفرق بينهما ـ كما قاله حازم (١) وغيره ـ أنّ الاستعارة ، وإن كان فيها معنى التشبيه ، فتقدير حرف التشبيه لا يجوز فيها ، والتشبيه بغير حرف على خلاف ذلك ؛ لأنّ تقدير حرف التشبيه واجب فيه.

وقال الرّماني (٢) في قوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) (الإسراء : ٥٩) ، أي تبصرة (٣) ، لأنه لا يجوز تقدير حرف التشبيه فيها.

وقد اختلف البيانيون في نحو قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) (البقرة : ١٨) ، إنه ٣ / ٤١٩ تشبيه بليغ أو استعارة؟ والمحققون ـ كما قاله الزمخشري (٤) ـ على الأول ، قال : «لأنّ المستعار له مذكور وهم المنافقون ـ أي مذكور في تقدير الآية ـ والاستعارة لا يذكر فيها المستعار له ، ويجعل الكلام خلوا عنه ، بحيث يصلح لأن (٥) يراد به المنقول عنه وإليه لو لا القرينة ، ومن ثمّ ترى المفلقين السحرة يتناسون التشبيه ويضربون عنه صفحا».

وقال السكاكيّ (٦) : لأن من شرط الاستعارة إمكان حمل الكلام على الحقيقة في الظاهر ، وتناسي التشبيه ، وزيد أسد لا يمكن كونه حقيقة ، فلا يجوز أن يكون استعارة.

***

الثاني : قد يترك التشبيه لفظا ويراد معنى ، إذ لو لم يرد معنى ولم يكن منويّا ، كان استعارة.

مثاله قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (البقرة : ١٨٧) ، فهذا تشبيه لا استعارة ، لذكر الطرفين : الخيط الأسود ، وهو ما يمتدّ [معه] (٧) من غسق الليل

__________________

(١) القرطاجني ، صاحب كتاب منهاج البلغاء تقدم التعريف به في ١ / ١٥٥. وذكر قوله السيوطي في الإتقان ٣ / ١٤٢. آخر النوع (٥٣).

(٢) هو علي بن عيسى الرّماني تقدم في ١ / ١١١.

(٣) عبارة المخطوطة (أي تبصرا أو مبصرة).

(٤) الكشاف ١ / ٣٩ ـ ٤٠ بتصرف.

(٥) في المخطوطة (أن).

(٦) مفتاح العلوم : ٣٨٧. بتصرف ، وذكر قوله السيوطي في الاتقان ٣ / ١٤٢ النوع (٥٣) تشبيهه واستعاراته ولتمام الفائدة انظر أسرار البلاغة للجرجاني : ٢٧٨ الفرق بين الاستعارة والتشبيه.

(٧) ساقطة من المخطوطة.

٤٧١

شبيها بخيط أسود وأبيض ، وبيّنا بقوله : (مِنَ الْفَجْرِ) والفجر ـ وإن كان بيانا للخيط الأبيض ـ لكن لما كان أحدهما بيانا للآخر لدلالته عليه ، اكتفي به عنه ، ولو لا البيان كان من باب الاستعارة ؛ كما أن قولك : رأيت أسدا ، استعارة ، فإذا زدت «من فلان» صار تشبيها ، ٣ / ٤٢٠ وأمّا أنه لم زيد (مِنَ الْفَجْرِ) حتى صار تشبيها؟ وهلا اقتصر به على الاستعارة التي هي أبلغ! فلأن شرط الاستعارة أن يدلّ عليه الحال ، ولو لم يذكر (مِنَ الْفَجْرِ) لم يعلم أن الخيطين مستعاران من «بدا الفجر» ، فصار تشبيها.

التقسيم الثاني

ينقسم باعتبار طرفيه إلى أربعة أقسام ، لأنهما :

إما حسيّان ، كقوله تعالى : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يس : ٣٩) ، وقوله : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (القمر : ٢٠).

أو عقليان ، كقوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) (البقرة : ٧٤).

وإما تشبيه المعقول بالمحسوس ، كقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ) (العنكبوت : ٤١) ؛ وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) (إبراهيم : ١٨) وقوله : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (الجمعة : ٥) ، لأن حملهم التوراة ليس كالحمل على العاتق (١) ، إنما هو القيام بما فيها.

وأما عكسه فمنعه الإمام ، لأن العقل مستفاد من الحس ، ولذلك قيل : من [فقد] (٢) حسّا فقد فقد علما ؛ وإذا كان المحسوس أصلا للمعقول فتشبيهه به ، يستلزم جعل (٣) الأصل فرعا والفرع أصلا (٣) ، وهو غير جائز.

٣ / ٤٢١ وأجازه غيره كقوله :

وكأنّ النجوم بين دجاه (٤)

سنن لاح بينهنّ ابتداع

__________________

(١) في المخطوطة (العنق).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) عبارة المخطوطة ( ... الفرع أصلا والأصل فرعا).

(٤) في المخطوطة (دجاها) والبيت للقاضي التنوخي ، ذكره الجرجاني في أسرار البلاغة : ١٩٦ ، والسكاكي في المفتاح : ٣٤٣.

٤٧٢

وينقسم باعتبار آخر إلى خمسة أقسام :

الأول : قد يشبّه ما تقع عليه الحاسة بما لا تقع ، اعتمادا على معرفة النقيض والضدّ فإنّ إدراكهما أبلغ من إدراك الحاسة ، كقوله تعالى : (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) (الصافات : ٦٥) ، [فشبّه] (١) بما [لا] (١) نشكّ أنه منكر قبيح ، لما حصل في نفوس الناس من [٢٣٩ / أ] بشاعة صور الشياطين ، وإن لم ترها عيانا.

الثاني : عكسه ، كقوله [تعالى] (٢) : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ) (٣) ، (النور : ٣٩) ، أخرج ما لا يحسّ ـ وهو الإيمان ـ إلى ما يحسّ ـ وهو السراب ـ والمعنى الجامع بطلان التوهم بين شدة الحاجة وعظم الفاقة.

الثالث : إخراج ما لم تجر العادة به إلى ما جرت به ، نحو : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) (الأعراف : ١٧١) ، والجامع بينهما الانتفاع بالصورة. وكذا (٤) قوله : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) (يونس : ٢٤) ، والجامع البهجة والزينة ، ثم الهلاك ، وفيه العبرة.

الرابع : إخراج ما لا يعرف بالبديهة ، إلى ما يعرف بها ، كقوله : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (آل عمران : ١٣٣) ، الجامع العظم ، وفائدته التشويق إلى الجنّة بحسن الصفة.

٣ / ٤٢٢ الخامس : إخراج ما لا قوة له في الصفة إلى ما له قوة فيها ، كقوله : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) (الرحمن : ٢٤) ، والجامع [فيهما] (٥) العظم ، والفائدة البيان عن القدرة على تسخير الأجسام العظام في أعظم ما يكون من الماء.

وعلى هذه الأوجه تجري تشبيهات القرآن.

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كسراب).

(٤) في المخطوطة (كذلك).

(٥) ساقط من المخطوطة.

٤٧٣

التقسيم الثالث (١)

ينقسم إلى مفرد ومركب :

المركّب أن ينزع من أمور مجموع بعضها إلى بعض ؛ كقوله تعالى : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (الجمعة : ٥) فالتشبيه (٢) مركّب من أحوال الحمار ؛ وذلك هو (٣) حمل الأسفار التي هي أوعية العلم ، وخزائن ثمرة العقول ، ثم لا يحسن ما فيها ، ولا يفرق بينها وبين سائر الأحمال التي ليست من العلم في شيء ، فليس له مما يحمل حظّ سوى أنه يثقل عليه ويتعبه.

وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) (العنكبوت : ٤١).

وقوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) (الكهف : ٤٥) ، قال بعضهم : شبّه الدنيا بالماء ، ووجه الشبه أمران : أحدهما أنّ الماء إذا أخذت منه فوق حاجتك تضررت ، وإن أخذت قدر الحاجة انتفعت به ، فكذلك الدنيا. وثانيهما (٤) أنّ الماء إذا أطبقت كفّك عليه لتحفظه لم يحصل فيه شيء ، فكذلك الدنيا ، وليس المراد تشبيهها بالماء وحده ؛ بل المراد تشبيهه بهجة الدنيا في قلة البقاء والدوام بأنيق النبات الذي يصير بعد تلك البهجة والغضاضة والطراوة إلى ما ذكر.

٣ / ٤٢٣ ومن تشبيه المفرد بالمركب قوله : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) (النور : ٣٥) ، فإنه سبحانه أراد تشبيه نوره الذي يلقيه في قلب المؤمن ، ثم مثّله بمصباح ؛ ثم لم يقنع بكلّ مصباح ؛ [بل بمصباح] (٥) اجتمعت فيه أسباب الإضاءة ؛ بوضعه (٦) في مشكاة ؛ وهي الطاقة غير النافذة ؛ وكونها لا تنفذ ؛ لتكون أجمع للتبصّر ، وقد جعل فيها مصباح في داخل زجاجة ، فيه الكواكب الدّريّ في صفائها ، ودهن المصباح من أصفى الأدهان وأقواها وقودا ، لأنه من زيت شجر في أوسط الزّجاج لا شرقية ولا غربية ، فلا تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار بل تصيبها أعدل إصابة.

__________________

(١) تصحفت في المخطوطة إلى الثاني.

(٢) في المخطوطة (أفاد أن التشبيه).

(٣) في المخطوطة (أن).

(٤) في المخطوطة (وكذلك).

(٥) العبارة ليست في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (إما بوضعه).

٤٧٤

وهذا مثل ضربه الله للمؤمن ، ثم ضرب للكافر مثلين : أحدهما : (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) (النور : ٣٩) ، والثاني : (كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) (النور : ٤٠) ، شبّه في الأول ما يعلمه من لا يقدّر الإيمان المعتبر بالأعمال التي يحسبها بقيعة ، ثم يخيب أمله ، بسراب يراه الكافر بالمشاهدة (١) ، وقد غلبه عطش يوم القيامة ، فيجيئه فلا يجده ماء ، ويجد زبانية الله عنده ، فيأخذونه فيلقونه إلى جهنم.

البحث السادس

ينتظم قواعد تتعلق بالتشبيه

٣ / ٤٢٤ الأولى : قد تشبّه أشياء بأشياء ، ثم تارة يصرح بذكر المشبّهات ، كقوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) (غافر : ٥٨) ، وتارة لا يصرّح به بل يجيء مطويّا [٢٣٩ / ب] على سنن الاستعارة ، كقوله : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) (فاطر : ١٢) ، (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ...) (الزمر : ٢٩) الآية.

قال الزمخشريّ (٢) : والذي عليه علماء البيان أنّ التمثيلين جميعا من جملة التمثيلات المركّبة لا المفرقة (٣) ؛ بيانه أن العرب تأخذ أشياء فرادى فتشبّهها بنظائرها [كما ذكرنا] (٤) ، وتشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء تضامّت حتى صارت شيئا واحدا بأخرى ، كقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ...) (الجمعة : ٥) الآية.

ونظائره من حيث اجتمعت تشبيهات ؛ كما في تمثيل الله حال المنافقين أول سورة البقرة ، قال الزمخشريّ (٥) : وأبلغه الثاني ؛ لأنه أدلّ على فرط الحيرة ، وشدة الأمر وفظاعته ؛ ولذلك أخّر ، قال : وهم يتدرّجون في نحو هذا ، من الأهون إلى الأغلظ.

***

الثانية : أعلى (٦) مراتب التشبيه في الأبلغية ترك وجه الشبه وأداته ، نحو زيد أسد ؛ أما ترك وجهه وحده ، فكقوله (٧) : زيد كالأسد ؛ وأما ترك أداته وحدها ؛ فكقوله (٧) : زيد الأسد شدة.

__________________

(١) في المطبوعة (بالساهرة).

(٢) الكشاف ١ / ٤٠.

(٣) في المطبوعة (المفردة).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) الكشاف ١ / ٤١.

(٦) في المخطوطة (على).

(٧) في المخطوطة (فكقولك).

٤٧٥

وفي كلام صاحب (١) «المفتاح» إشارة إلى أن ترك وجه الشبه أبلغ من ترك أداته ؛ قال : لعموم وجه الشبه.

٣ / ٤٢٥ وخالفه صاحب «ضوء المصباح» (٢) لأنه إذا عمّ واحتمل التعدد ، ولم تبق دلالته على ما به الاشتراك دلالة منطوق بل دلالة مفهوم ؛ فيحتمل أن يكون ما به الاشتراك صفة ذمّ لا مدح ، وهو غير لازم في ترك الأداة ؛ إلا أن يقال (٣) : يلزم مثله من تركها ، لأن قرينة ترك الأداة ، تصرف إرادة المدح دون الذم.

وذكرهما كقولك : زيد كالأسد شدة.

***

الثالثة : قد تدخل الأداة على شيء وليس هو عين المشبّه ، ولكنه ملتبس به ، واعتمد على فهم المخاطب ، كما قال تعالى : (كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ...) (الصف : ١٤) الآية ، المراد : كونوا أنصارا (٤) لله خالصين في الانقياد ؛ كشأن مخاطبي (٥) عيسى إذ قالوا.

ومما دلّ على السياق قوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) (الأعراف : ١٧١) ، وفيه زيادة ، وهو تشبيه الخارق بالمعتاد.

***

الرابعة : إذا كانت فائدته ، إنما هي تقريب الشّبه في فهم السامع وإيضاحه له ، فحقّه أن يكون وجه الشبه في المشبّه به أتمّ ، والقصد التنبيه بالأدنى على الأعلى ، مثل قياس النحوي ؛ ولا سيما إذا كان الدنوّ جدا أو العلوّ (٦) جدا ، وعليه بنى المعرّي قوله :

ظلمناك (٧) في تشبيه صدغيك بالمسك

وقاعدة التشبيه نقصان ما يحكى

وقول آخر :

__________________

(١) هو يوسف بن أبي بكر تقدم التعريف به في ١ / ١٦٣ وانظر المفتاح : ٣٥٥ ، مراتب التشبيه.

(٢) هو محمد بن يعقوب بن إلياس بدر الدين ابن النحوية الدمشقي تقدم التعريف به وبكتابه في ٣ / ٢٠٩ الحاشية رقم (١).

(٣) في المخطوطة (لا يقال) بدل (إلا أن يقال).

(٤) في المخطوطة (أنصاري).

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (مخاطبين).

(٦) في المخطوطة (والعلو).

(٧) في المخطوطة (غلطنا).

٤٧٦

كالبحر والكاف أنّى ضفت (١) زائدة

فيه فلا تظنّنها كاف تشبيه

وأما قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) (النور : ٣٥) فيمكن أن يكون المشبّه به ٣ / ٤٢٦ أقوى لكونه في الذهن أوضح ؛ إذ الإحاطة به أتمّ.

وأما قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ [خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ]) (٢) (آل عمران : ٥٩) ؛ فهو من تشبيه الغريب بالأغرب ؛ لأن خلق آدم [أغرب] (٣) من خلق عيسى ليكون أقطع للخصم ، وأوقع في النفس. وفيه دليل على جواز القياس ، وهو ردّ فرع إلى أصل لشبه ما ؛ لأن عيسى ردّ إلى آدم لشبه بينهما ؛ والمعنى أن آدم خلق من تراب ولم يكن له أب ولا أم ، فكذلك خلق عيسى من غير أب.

وقوله : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) (المنافقون : ٤) شبّههم بالخشب ، لأنه لا روح فيها ، وبالمسنّدة لأنه لا انتفاع بالخشب (٤) في حال تسنيده.

***

الخامسة : الأصل دخول أداة التشبيه على المشبّه به ، وهو الكامل ، كقولك : ليس الفضة كالذهب ، وليس العبد كالحرّ ؛ وقد تدخل على المشبه لأسباب :

منها وضوح الحال [٢٤٠ / أ] ، كقوله تعالى : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) (آل عمران : ٣٦) ؛ [فإنّ الأصل] (٥) وليس الأنثى كالذكر ؛ وإنما عدل عن الأصل ؛ لأن معنى (٦) : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ) الذي طلبت (كَالْأُنْثى) التي وهبت لها ، لأن الأنثى أفضل منه. وقيل : لمراعاة الفواصل ، لأنّ قبله : (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) (آل عمران : ٣٦).

ووهم ابن الزملكاني (٧) في «البرهان» حيث زعم أنّ هذا من التشبيه المقلوب ، وليس كذلك لما ذكرنا من المعنى.

__________________

(١) في المخطوطة (إن أتصفت).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (في الخشب).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (المعنى).

(٧) هو عبد الواحد بن عبد الكريم كمال الدين ابن الزملكاني تقدم التعريف به في ١ / ١٣٥ وبكتابه في ٢ / ٢٢٨.

٤٧٧

٣ / ٤٢٧ وقيل : لما كان جعل الفرع أصلا والأصل فرعا في التشبيه في حالة الإثبات يقتضي المبالغة في التشبيه ؛ كقولهم : القمر كوجه زيد ، والبحر ككفّيه ، كان جعل الأصل فرعا والفرع أصلا في كماله الذي يقتضي نفي المبالغة (١) [في المشابهة ؛ لا نفي المشابهة ، وذلك هو المقصود هنا ، لأن المشابهة واقعة بين الذكر والأنثى في أعمّ الأوصاف وأغلبها ، ولهذا يقاد أحدهما بالآخر.

ومنها قصد المبالغة] (١) ، فيقلب التشبيه ، ويجعل المشبه هو الأصل ويسمى تشبيه العكس ؛ لاشتماله على جعل المشبّه مشبّها به ، والمشبّه به مشبّها ؛ كقوله تعالى : (قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) (البقرة : ٢٧٥) ، كان الأصل أن يقولوا : إنما الربا مثل البيع ؛ لأنّ الكلام في الربا لا في البيع ، لكن عدلوا عن ذلك وتجرءوا ، إذ جعلوا الربا أصلا ملحقا به البيع في الجواز ، وأنه الخليق بالحلّ.

ويحتمل أن يكون المراد إلزام الإسلام ، فيحرّم البيع قياسا على الربا ، لاشتماله على الفضل طردا لأصلهم ؛ وهو في المعنى نقض على علة التحريم ؛ ويؤيده قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (البقرة : ٢٧٥) ، وفيه إشارة إلى أنّ الواجب اتباع أحكام الله واقتفاؤها من غير تعرّض لإجرائها على قانون واحد ، وأنّ الأسرار الإلهية كثيرا ما تخفى ؛ وهو أعلم بمصالح عباده فيسلّم له عنان الانقياد ؛ وأنهم جعلوا ذلك من باب إلزام (٢) الجدليّ ، وجاء (٢) الجواب بفكّ الملازمة ، وأن الحكمة فرقت بينهما. وفيه إبطال القياس في مقابلة النصّ.

٣ / ٤٢٨ ومنه قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (النحل : ١٧) ؛ فإن الظاهر العكس ، لأن الخطاب لعبدة الأوثان ؛ وسمّوها آلهة ، تشبيها بالله سبحانه (٣) ، وقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق ، فخولف في خطابهم ؛ لأنهم بالغوا في عبادتهم وغلوا ، حتى صارت عندهم أصلا في العبادة ، والخالق سبحانه فرعا ، فجاء الإشكال على وفق ذلك.

والظاهر أنهم لما قاسوا غير الخالق [بالخالق] (٤) خوطبوا بأشد الإلزامين (٥) ؛ وهو تنقيص المقدّس لا تقديس الناقص.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) عبارة المخطوطة (التزام الجد في رجاء).

(٣) في المخطوطة (تعالى).

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (اللازمين).

٤٧٨

قال السكاكيّ (١) : «وعندي أن المراد ب «من لا يخلق» الحيّ القادر من الخلق تعريضا بإنكار تشبيه الأصنام بالله تعالى من طريق الأولى. وجعل منه قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (الجاثية : ٢٣) بدل «هواه إلهه» فإنه جعل المفعول الأول ثانيا والثاني أولا ؛ للتنبيه على أن الهوى أقوى وأوثق عنده من إلهه» (٢).

ومنه قوله تعالى : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) (القلم : ٣٥).

وقوله : (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (ص : ٢٨) ، فإنّ بعضهم أورد أنّ أصل التشبيه يشبّه الأدنى بالأعلى فيقال : «أفتجعل المجرمين كالمسلمين ، والفجار كالمتقين» ، فلم خولفت القاعدة! ويقال : فيه وجهان :

أحدهما : أنّ الكفار كانوا يقولون : نحن نسود في الآخرة ، كما نسود في الدنيا ويكونون أتباعا لنا ، فكما أعزنا الله في هذه الدار يعزنا في الآخرة ، فجاء الجواب على معتقدهم أنهم أعلى ، وغيرهم أدنى.

الثاني : لما قيل قبل الآية : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ ٣ / ٤٢٩ كَفَرُوا) (ص : ٢٧) ؛ أي يظنون أن الأمر يهمل (٣) ، وأن لا حشر ولا نشر ، أم لم (٤) يظنوا ذلك ، ولكن يظنون أنا نجعل المؤمنين كالمجرمين ، والمتقين كالفجار.

***

السادسة : أن التشبيه (٥) [إذا كان] (٦) في الذمّ يشبّه الأعلى بالأدنى ، لأن (٧) الذمّ مقام الأدنى ، والأعلى ظاهر (٨) عليه فيشبه (٩) به في السلب ، ومنه قوله : (يا نِساءَ النَّبِيِ) [٢٤٠ / ب](لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) (الأحزاب : ٣٢) ، أي في النزول لا في العلوّ.

ومنه : (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (ص : ٢٨) أي في سوء (١٠) [الحال] (١١) ؛

__________________

(١) انظر مفتاح العلوم : ٣٤٤ ـ ٣٤٥. الغرض العائد إلى المشبه به.

(٢) في المخطوطة (إله).

(٣) في المخطوطة (مهمل).

(٤) في المخطوطة (ولم).

(٥) في المخطوطة (المشبه).

(٦) ساقطة من المطبوعة.

(٧) في المخطوطة (كان).

(٨) في المخطوطة (طار).

(٩) في المخطوطة (فتشبه).

(١٠) في المخطوطة (سواء).

(١١) ساقطة من المخطوطة.

٤٧٩

وإذا كان في المدح يشبّه الأدنى بالأعلى فيقال (١) : تراب كالمسك ، وحصى (٢) كالياقوت ، وفي الذمّ : مسك كالتراب وياقوت كالزجاج.

***

السابعة : قد يدخل التشبيه على لفظ وهو محذوف لامتناع ذلك ، لأنه بسبب المحذوف كقوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ) (البقرة : ١٧١). فإنّ التقدير : ومثل واعظ الذين كفروا ، فالمشبه الواعظ ، (٣) [وإلا ما الذي ينعق غير القبيح من الحسن] (٣) والمقصود تشبيه حال الواعظ منهم بالناعق للأغنام ، وهي لا تعقل معنى دعائه وإنما تسمع صوته ولا تفهم غرضه ، وإنما وقع التشبيه على الغنم التي ينعق بها الراعي ، ويمدّ صوته إليها ، (٣) [فلم يحمل التشبيه فيها وصوله إلى الراعي الذي يصيح لما كان من الأمر تشبيه] (٣) وفيه وجوه :

أحدها : أن المعنى : مثل الذين كفروا كمثل الغنم لا تفهم نداء الناعق ، فأضاف المثل إلى الناعق ، وهو في المعنى للمنعوق به ، على القلب.

٣ / ٤٣٠ ثانيها : ومثل الذين كفروا ومثلنا ومثلك ، كمثل الذي ينعق ، أي مثلهم في الإعراض ومثلنا في الدعاء والإرشاد (٤) ، كمثل الناعق بالغنم ، فحذف المثل (٥) الثاني اكتفاء بالأول ، كقوله : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (النحل : ٨١).

وثالثها ؛ أن المعنى : ومثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام ـ وهي لا تعقل ولا تسمع ـ كمثل الذي ينعق بما لا يسمع ؛ وعلى هذا فالنداء والدعاء (٦) منتصبان ب «ينعق» و «لا» توكيد للكلام ، ومعناها الإلغاء.

رابعها : أن المعنى ومثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام وعبادتهم لها واسترزاقهم إياها ، كمثال الراعي الذي ينعق بأغنامه (٧) ويناديها ، فهي تسمع نداء ولا تفهم معنى كلامه ، فيشبّه من يدعوه الكفار من المعبودات من دون الله بالغنم من حيث لا تعقل الخطاب.

__________________

(١) في المخطوطة (فتقول).

(٢) في المخطوطة (وحصبى).

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (والاسناد).

(٥) في المخطوطة (المثال).

(٦) في المخطوطة (فالدعاء والنداء).

(٧) تصحفت في المطبوعة إلى (بغنمه).

٤٨٠