البرهان في علوم القرآن - ج ٣

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٣

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩

ومثله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) (الرعد : ٣٨) ، قال الفرّاء (١) : أي لكل أمر كتبه الله أجل مؤجّل.

وقيل في قوله : (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) (يونس : ١٠٧) : هو من المقلوب (٢) ، أي يريد بك الخير ، ويقال : أراده بالخير وأراد به الخير.

وجعل ابن الضائع (٣) منه : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) (البقرة : ٣٧) ، قال : فآدم صلوات الله على نبينا وعليه هو المتلقّي للكلمات حقيقة ، ويقرب أن ينسب التلقي للكلمات ؛ لأن من تلقّى شيئا ، أو طلب أن يتلقّاه (٤) فلقيه كان (٥) الآخر [أيضا] (٦) قد طلب ذلك ؛ لأنه قد لقيه (٧) ، قال : ولقرب هذا المعنى قرئ بالقلب (٨).

وجعل الفارسيّ منه قوله تعالى : (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) (هود : ٢٨) ، أي فعميتم (٩) عليها.

وقوله : (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) (يونس : ٢٤).

وقوله : (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) (مريم : ٨) ، (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) (آل عمران : ٤٠) ، [أي بلغت الكبر] (١٠).

وقوله : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (الجاثية : ٢٣) ، وقوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ) (الشعراء : ٧٧) ؛ فإن الأصنام لا تعادي ، وإنما المعنى : فإني (١١) عدوّ لهم ،

__________________

(١) انظر معاني القرآن ٢ / ٦٥ ـ ٦٦.

(٢) في المخطوطة (القلوب).

(٣) في المخطوطة (ابن الصائغ) ، وابن الضائع هو علي بن محمد ، تقدم التعريف به في ٢ / ٣٦٤.

(٤) في المخطوطة (يلقاه).

(٥) في المخطوطة (فكان).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) عبارة المخطوطة (قد طلب لقيه).

(٨) وهي قراءة ابن كثير (فتلقى آدم) بالنصب (كلمات) بالرفع والباقون برفع آدم ، وكسر التاء في (كلمات) (التيسير : ٧٣).

(٩) في المخطوطة (فعميت).

(١٠) العبارة ساقطة من المخطوطة.

(١١) في المخطوطة (فإنهم).

٣٦١

مشتقّ من عدوت الشيء ، إذا جاوزته (١) وخلفته ، وهذا لا يكون إلا فيمن له إرادة ، وأمّا «عاديته» فمفاعلة لا يكون إلا من اثنين.

وجعل منه بعضهم : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (العاديات : ٨) ، أي إنّ حبّه للخير لشديد.

وقيل : ليس منه ، لأنّ المقصود منه أنه لحبّ المال [لبخيل] (٢) ، والشدة : البخل ، أي من أجل حبّه للمال يبخل.

وجعل الزمخشريّ (٣) منه قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) (الأحقاف : ٢٠) ، كقوله (٤) : عرضت النّاقة على الحوض ، لأنّ المعروض ليس له اختيار ، وإنما الاختيار للمعروض عليه ؛ فإنّه قد يفعل ويريد (٥) ؛ وعلى هذا فلا قلب في الآية ؛ لأنّ الكفار مقهورون (٦) فكأنهم لا اختيار لهم ، والنار متصرفة فيهم ، وهو كالمتاع الذي يقرب منه من يعرض عليه ، كما قالوا : عرضت الجارية على البيع.

وقوله : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ) (القصص : ١٢) ، ومعلوم أنّ التحريم لا يقع إلا على المكلّف ، فالمعنى : وحرّمنا على المراضع أن ترضعه. ووجه تحريم إرضاعه عليهنّ ألاّ يقبل إرضاعهنّ حتى يردّ إلى أمّه.

وقوله تعالى : (وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ) (٧) (البقرة : ٩) ، وقيل : الأصل وما تخدعهم (٨) إلاّ أنفسهم ، لأنّ الأنفس هي المخادعة والمسوّلة ، قال تعالى : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) (يوسف : ١٨).

وردّ بأن الفاعل في مثل هذا هو المفعول في المعنى ، وأنّ التغاير في اللفظ فقط ، فعلى هذا يصحّ إسناد الفعل إلى كلّ منهما ؛ ولا حاجة إلى القلب.

__________________

(١) في المخطوطة (جاورته).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) الكشاف ٣ / ٤٤٧.

(٤) في المخطوطة (كقولك).

(٥) في المخطوطة (يقبل ويدبر).

(٦) في المخطوطة (يقهرون).

(٧) وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمر والباقون بغير ألف «يخدعون» (التيسير : ٧٢).

(٨) في المخطوطة (يخادعهم).

٣٦٢

الثاني

قلب المعطوف

إما بأن تجعل المعطوف [٢١٦ / ب] عليه معطوفا والمعطوف معطوفا عليه ، كقوله تعالى : (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) (النمل : ٢٨) (١) [حقيقته : فانظر ما ذا يرجعون] (١) ثم تولّ عنهم ، لأنّ نظره (٢) ، ما يرجعون من القول غير متأتّ مع تولّيه عنهم. وما يفسّر (٣) به التولّي من أنه يتوارى في الكوّة التي ألقي منها الكتاب مجاز والحقيقة راجحة (٤) عليه.

وقوله : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) (النجم : ٨) ، [أي تدلّى] (٥) فدنا ؛ [لأنه] (٥) بالتدلّي ، نال الدنوّ والقرب إلى المنزلة الرفيعة وإلى المكانة ، لا إلى المكان.

وقيل : لا قلب ، والمعنى : ثم أراد الدنوّ [فتدلى] (٦) ، وفي «صحيح البخاري» : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) (النحل : ٩٨) [إن] (٧) المعنى فإذا استعذت فاقرأ (٨).

وقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) (الأعراف : ٤) ، وقال صاحب «الإيضاح» (٩) : لا قلب فيه ؛ لعدم تضمّنه اعتبارا لطيفا.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (لا نظير).

(٣) في المخطوطة (يقربه).

(٤) في المخطوطة (فالحقيقة راجعة).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري ٨ / ٣٨٤ ، كتاب التفسير (٦٥) ، تفسير سورة النحل (١٦).

(٩) هو محمد بن عبد الرحمن جلال الدين القزويني تقدم التعريف به في ٣ / ١٨١ ، وكتابه «الإيضاح في علوم البلاغة» أو «الإيضاح في المعاني والبيان» كما في كشف الظنون أو «إيضاح المعاني والبيان» كما في النسخ الخطية في دار الكتب المصرية طبع في بولاق عام ١٣١٧ ه‍ / ١٨٩٩ م ، (معجم سركيس : ١٥٠٩) ، وطبع بتحقيق عبد المنعم خفاجي في القاهرة بمطبعة الحسين التجارية عام ١٣٧٠ ه‍ / ١٩٥٠ م (دليل المطبوعات المصرية : ١١٤ ، ١٩٤٠ ـ ١٩٥٦) وصور بدار الكتاب اللبناني في بيروت عام ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م ، وفي بيروت بدار الجيل (معاينة). وانظر قوله في كتابه : ٤٧ ، القول في أصول المسند إليه.

٣٦٣

وردّ بتضمنه المبالغة في شدة سورة البأس ؛ يعني هلكت بمجرد توجّه الناس إليها ، ثم جاءها.

الثالث

العكس

العكس ؛ وهو أمر لفظيّ ، كقوله [تعالى] (١) : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام : ٥٢).

٣ / ٢٩٣ وقوله : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) (البقرة : ١٨٧).

(لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) (الممتحنة : ١٠).

(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) (الحج : ٦١).

الرابع

المستوى

وهو أنّ الكلمة أو الكلمات تقرأ من أوّلها إلى آخرها ، ومن آخرها إلى أوّلها ، لا يختلف لفظها ولا معناها ، كقوله : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) (المدثر : ٣).

(كُلٌّ فِي فَلَكٍ) (الأنبياء : ٣٣).

الخامس

مقلوب البعض

وهو أن تكون الكلمة الثانية مركبة من حروف الكلمة الأولى ، مع بقاء بعض حروف الكلمة الأولى ، كقوله تعالى : (فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (طه : ٩٤) ، ف «بني» مركّب من حروف «بين» وهو مفرّق ، إلا أن الباقي بعضها في الكلمتين ، وهو أولها.

٣ / ٢٩٤

المدرج (٢)

هذا النوع سمّيته بهذه التسمية ، بنظير المدرج من الحديث ، وحقيقته في أسلوب القرآن

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) لمعرفة المدرج في الحديث وأقسامه انظر مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث : ٤٥ ، النوع العشرون.

٣٦٤

أن تجيء الكلمة إلى جنب (١) أخرى كأنها في الظاهر معها ، وهي في الحقيقة غير متعلّقة بها ، كقوله تعالى ذاكرا عن بلقيس : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (النمل : ٣٤) (٢) [فقوله (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ)] (٢) ، هو من قول الله لا من قول المرأة.

ومنه قوله تعالى : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (يوسف : ٥١) ، انتهى قول المرأة ، ثم قال يوسف عليه‌السلام : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) (يوسف : ٥٢) ، معناه ليعلم الملك أني لم أخنه.

ومنه : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) (يس : ٥٢) ، [تمّ الكلام] (٣) ، فقالت (٤) الملائكة : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) (يس : ٥٢).

وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف : ٢٠١) فهذه صفة لأتقياء المؤمنين ، ثم قال : ([وَإِخْوانُهُمْ] (٥) يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) (الأعراف : ٢٠٢) ، فهذا يرجع إلى كفار مكة تمدهم إخوانهم من الشياطين في الغيّ.

وقوله : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) (الشعراء : ٣٥) ، ثم أخبر عن فرعون متّصلا : (فَما ذا تَأْمُرُونَ) (الشعراء : ٣٥). ٣ / ٢٩٥

وقوله : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) (ص : ٥٩) ، فالظاهر أنّ الكلام كلّه من كلام الزبانية ، والأمر ليس كذلك.

وقوله : (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الصافات : ٨٤) من كلامه تعالى ، وقال : (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء : ٨٩).

__________________

(١) في المخطوطة (مقلوب).

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (ثم قالت).

(٥) ليست في المطبوعة.

٣٦٥

الترقي

كقوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة : ٢٥٥) ، (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) (الكهف : ٤٩).

فإن قيل : فقد ورد : (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) (طه : ١١٢) ، والغالب أن يقدّم [فيه] (١) القليل على الكثير ؛ مع أن الظّلم منع للحق من أصله ، والهضم منع له من وجه كالتطفيف (٢) ؛ فكان يناسبه تقديم الهضم.

قلت : لأجل فواصل الآي ؛ فإنه تقدم قبله : (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ) [٢١٧ / أ](ظُلْماً) (طه : ١١١) ، فعدل عنه في الثاني ، كيلا يكون أبطأ (٣) ، وقد سيقت أمثلة الترقّي في أسباب التقديم.

الاقتصاص

ذكره أبو الحسين بن فارس (٤) ، وهو أن يكون كلام في سورة مقتصّا [من كلام] (٥) في سورة أخرى ، أو في السورة نفسها ، ومثّله بقوله تعالى : [(وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (العنكبوت : ٢٧) ، والآخرة دار ثواب لا عمل فيها ، فهذا مقتصّ من قوله :] (٥) (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) (طه : ٧٥).

ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (الصافات : ٥٧) ، مأخوذ من قوله تعالى : (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) (الروم : ١٦).

وقوله : (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) (مريم : ٦٨).

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (كالتصعيد).

(٣) في المخطوطة (أيضا).

(٤) هو أحمد بن فارس بن زكريا تقدم التعريف به في ١ / ١٩١ ، وانظر قوله في كتابه الصاحبي ص ٢٠١ ـ ٢٠٢ باب من النظم الذي جاء في القرآن.

(٥) ليست في المخطوطة.

٣٦٦

فأما قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (غافر : ٥١) ، فيقال : إنها مقتصّة من أربع آيات ؛ لأنّ الأشهاد أربعة : الملائكة عليهم‌السلام في قوله [تعالى] : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) (ق : ٢١).

والأنبياء عليهم‌السلام لقوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (النساء : ٤١).

وأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة : ١٤٣).

والأعضاء لقوله : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (النور : ٢٤).

ومنه قوله تعالى : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) (غافر : ٣٢) ، وقرئت مخففة ومثقلة ، فمن شدد فهو [من] (١) «ندّ» إذا نفر ؛ وهو مقتصّ من قوله : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ [وَأُمِّهِ]) (٢) ... (عبس : ٣٤ ـ ٣٥) الآية ، ومن خفّف فهو تفاعل من النداء ، مقتصّ من قوله تعالى ؛ (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) (الأعراف : ٤٤).

الألغاز

واللّغز الطريق المنحرف ، سمّي به لانحرافه عن نمط ظاهر الكلام ، ويسمّى أيضا أحجيّة ؛ لأنّ الحجا هو العقل ؛ وهذا النوع يقوّي [العقل] (٣) عند التمرّن والارتياض (٤) بحلّه والفكر فيه.

وذكر بعضهم أنه وقع في القرآن العظيم ، وجعل منه ما جاء في أوائل السّور من الحروف المفردة والمركّبة التي [جهل] (١) معناها ، وحارت العقول في منتهاها.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) تصحّفت في المطبوعة إلى (الارتماض).

٣٦٧

ومنه قوله تعالى في قصة إبراهيم لما سئل عن كسر الأصنام ؛ وقيل له : أنت فعلته ؛ فقال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) (الأنبياء : ٦٣) ، قابلهم بهذه المعارضة ليقيم عليهم الحجة ، ويوضّح لهم المحجة.

وكذلك قول نمرود : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) (البقرة : ٢٥٨) ، أتى باثنين فقتل أحدهما ، وأرسل الآخر ، فإن هذا مغالطة.

الاستطراد

وهو التعريض بعيب انسان بذكر عيب غيره ، كقوله تعالى : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) (إبراهيم : ٤٥).

وكقوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (فصلت : ١٣).

وقوله : (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) (هود : ٩٥).

الترديد

وهو أن يعلّق المتكلم لفظة من الكلام [بمعنى] (١) ثم يردّها بعينها ، ويعلّقها بمعنى آخر ، كقوله [تعالى] : (حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ ...) (الأنعام : ١٢٤) ، الآية ؛ فإنّ الأول مضاف إليه ، والثاني مبتدأ.

وقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ* يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (الروم : ٦ ـ ٧).

وقوله : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجالٌ) (التوبة : ١٠٨).

وقد يحذف أحدها ويضمر ، أولا يلاحظ (٢) ؛ على الخلاف في قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة : ٢).

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (يلحظ).

٣٦٨

التغليب

وحقيقته إعطاء الشيء حكم غيره. وقيل ترجيح أحد المغلوبين على الآخر ، أو إطلاق لفظة عليهما ؛ إجراء للمختلفين مجرى المتفقين.

[وهو أنواع :] (١)

الأول تغليب المذكّر

كقوله تعالى : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (القيامة : ٩) غلّب المذكر ؛ لأن الواو جامعة ؛ لأن لفظ الفعل مقتض ، ولو أردت العطف امتنع.

وقوله : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) (التحريم : ١٢).

وقوله : (إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (الأعراف : ٨٣) ، والأصل «من القانتات والغابرات» فعدّت الأنثى من المذكّر بحكم التغليب (٢).

هكذا قالوا ؛ وهو عجيب ؛ فإنّ العرب [٢١٧ / ب] تقول : نحن من بني فلان ؛ لا تريد إلاّ موالاتهم ، والتصويب لطريقتهم ؛ وفي الحديث الصحيح في الأشعريين : «هم مني وأنا منهم» (٣) فقوله سبحانه : (مِنَ الْقانِتِينَ) (التحريم : ١٢) ولم يقل : «من القانتات» ؛ إيذانا بأن وضعها في العبّاد جدّا واجتهادا ، وعلما وتبصّرا ورفعة من الله لدرجاتها في أوصاف الرجال القانتين وطريقهم.

ونظيره ، ولكن (٤) .........

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) انظر مفتاح العلوم للسكاكي ص ٢٤٢ تقييد الفعل.

(٣) أخرجه من رواية أبي عامر الأشعري رضي‌الله‌عنه ، أحمد في المسند ٤ / ١٢٩ ، والترمذي في السنن ٥ / ٧٣١ ، كتاب المناقب (٥٠) ، باب مناقب ثقيف ... (٧٤) ، الحديث (٣٩٤٧) ، والطبراني في الكبير ، وأبو يعلى ، والبغوي ، ذكره المتقي الهندي في كنز العمال ١٢ / ٥٨ الحديث (٣٣٩٨٣) ، والحاكم في المستدرك ٢ / ١٣٨ كتاب قسم الفيء ، باب النهي عن بيع المغانم ... ، وقال (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي ، وبدايته «نعم الحيّ الأسد والأشعريون ...

(٤) في المخطوطة (ولكن على العكس).

٣٦٩

بالعكس قول عقبة بن أبي معيط (١) لأميّة بن خلف (٢) لما أجمع القعود عن وقعة بدر ؛ لأنه كان شيخا فجاء بمجمرة ، فقال : يا أبا عليّ استجمر ، فإنما أنت من النساء ؛ فقال : قبحك الله وقبح ما جئت به! ثم تجهّز (٣).

ونازع بعضهم في ذلك من وجه آخر ، فقال : يحتمل ألا تكون «من» للتبعيض بل لابتداء الغاية ، أي كانت ناشئة من القوم القانتين ، لأنها من أعقاب هارون أخي موسى عليه‌السلام.

الثاني

تغليب المتكلم على المخاطب والمخاطب على الغائب

فيقال : أنا وزيد (٤) فعلنا ، وأنت وزيد تفعلان. ومنه قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (النمل : ٥٥) ، بتاء الخطاب ، غلّب جانب «أنتم» على جانب «قوم» ، «والقياس أن يجيء بالياء ؛ لأنه وصف (٥) القوم ، وقوم اسم غيبة ، ولكن حسن آخر الخطاب ، وصفا ل «قوم» لوقوعه خبرا عن ضمير المخاطبين». قاله ابن الشجري (٦).

ولو قيل : إنه حال ل (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) (النمل : ٥٢) ؛ لأنّ في ضمير الخطاب معنى الإشارة لملازمته لها ، أو لمعناها لكان متجها وإن لم تساعده الصناعة ، لكن يبعده أن المراد وصفهم بجهل (٧) مستمر ، لا مخصوص بحال الخطاب ، ولم يقل «جاهلون» ، إيذانا بأنهم يتجددون عند كل مصيبة لطلب آيات جهلهم.

__________________

(١) هو عدو الله أبو الوليد عقبة بن أبي معيط ، وكان من أشد الناس أذى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعداوة له وللمسلمين ، وأسر عقبة ببدر فقتل صبرا وصلب ، وهو أول مصلوب في الإسلام (ابن الأثير الكامل في التاريخ ٢ / ٥٠).

(٢) تقدم التعريف به في ١ / ٢٥١.

(٣) انظر الخبر في الكامل في التاريخ ٢ / ٨١ ـ ٨٢ ذكر غزوة بدر الكبرى.

(٤) في المخطوطة (أنا وأنت).

(٥) في المخطوطة (صفة لقوم).

(٦) هو هبة الله بن علي بن محمد العلوي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٧٥ ، وانظر قوله في الأمالي الشجرية ١ / ٢٧ ـ ٢٨ المجلس الرابع باب يشتمل على تفسير أبيات إعرابا ومعنى. وانظر أيضا مفتاح العلوم للسكاكي ص ٢٤٢ تقييد الفعل.

(٧) في المخطوطة (بوجه مستمر).

٣٧٠

وقال أبو البركات بن الأنباري (١) : ولو قيل : إنما قال : (تَجْهَلُونَ) (النمل : ٥٢) [بالتاء ـ لأن «قوم» هو «أنتم» في المعنى فلذلك ، قال : «تجهلون»] (٢) حملا على المعنى ـ لكان حسنا ، ونظيره قوله :

أنا الذي سمّتني أمّي حيدرة (٣)

بالياء حملا على «أنا» لأن «الذي» هو «أنا» في المعنى.

ومنه قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) (هود : ١١٢) ، غلّب فيه جانب «أنت» على جانب «من» فأسند إليه الفعل ، وكان تقديره : فاستقيموا ، فغلّب الخطاب على الغيبة ، لأن حرف العطف فصل بين المسند إليهم الفعل ، فصار كما ترى. قال صاحب «الكشاف» «تقديره فاستقم كما أمرت وليستقم كذلك من تاب معك» (٤).

وما قلنا أقل تقديرا من هذا فاختر أيّهما شئت.

وقوله تعالى : (اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ) (الإسراء : ٦٣) ، فأعاد الضمير بلفظ الخطاب ، وإن كان «من تبعك» يقتضي الغيبة ، تغليبا للمخاطب وجعل الغائب تبعا (٥) له ، كما كان تبعا له في المعصية والعقوبة ، فحسن أن يجعل تبعا له في اللفظ ، وهو من محاسن ارتباط اللفظ بالمعنى.

وكقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة : ٢١) ، فإنّ الخطاب في (لَعَلَّكُمْ) (البقرة : ٢١) متعلق بقوله :

__________________

(١) هو عبد الرحمن بن أبي الوفاء محمد بن عبيد الله بن أبي سعيد الأنباري الملقب كمال الدين ، النحوي كان من الأئمة المشار إليهم في النحو ، سكن بغداد من صباه إلى أن مات ، وصنف في النحو وكتبه كلها نافعة ، وكانت ولادته سنة (٥١٣) ه وتوفي سنة (٥٧٧) ه (ابن خلكان ، وفيات الأعيان ٣ / ١٣٩).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) قاله سيدنا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه يوم خيبر حين خرج لمبارزة اليهودي مرحب ، وتمامه :

أنا الذي سمّتني أمي حيدرة

كليث غابات كريه المنظرة

أوفيهم بالصاع كيل السندرة ذكره ابن الشجري في الأمالي الشجرية ٢ / ١٥٢ في المجلس الموفي الستين ، وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة ٣ / ١٤٩ ذكر اختصاصه بإعطائه الراية يوم خيبر وبفتحها.

(٤) ذكره الزمخشري في الكشاف ٢ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧ تفسير الآية ١١٢ من سورة هود.

(٥) في المخطوطة (وجعل الغائب تغليبا له) والصواب ما في المطبوعة.

٣٧١

(خَلَقَكُمْ) (البقرة : ٢١) لا بقوله : (اعْبُدُوا) (البقرة : ٢١) حتى يختص بالناس المخاطبين ، إذ لا معنى لقوله : «اعبدوا لعلكم تتقون».

ومنه قوله تعالى : ([وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ]) (١) عَمَّا تَعْمَلُونَ (هود : ١٢٣) ، فيمن قرأ بالتاء. ويجوز أن يكون المراد ب «ما تعملون» الخلق كلهم ، والمخاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) وكلّ سامع أبدا ، فيكون تغليبا ، ولا يجوز أن يعتبر (٣) خطاب من سواه بدونه من غير اعتبار التغليب ، لامتناع (٤) أن يخاطب [٢١٨ / أ] في كلام واحد اثنان أو أكثر من غير عطف أو تثنية أو جمع. ومنه قوله [تعالى] (٥) ...

الثالث

تغليب العاقل على غيره

بأن يتقدم لفظ يعم من يعقل ومن لا يعقل فيطلق اللفظ المختص بالعاقل على الجميع ، كما تقول : «خلق الله الناس والأنعام ورزقهم» ، فإن لفظ «هم» مختصّ بالعقلاء. [ومنه قوله تعالى] (٦) : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) (النور : ٤٥) ، لمّا تقدم لفظ الدابة ، والمراد بها عموم من يعقل ومن لا يعقل غلّب من يعقل ، فقال : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي) (النور : ٤٥).

فإن قيل : هذا صحيح في «فمنهم» لأنّه لمن يعقل ؛ وهو راجع إلى الجميع ، فلم قال : «من» وهو لا يقع على العامّ ، بل خاصّ بالعاقل؟

قلت : «من» هنا بعض «هم» وهو ضمير من يعقل.

فإن قلت : فكيف يقع على بعضه لفظ ما لا يعقل؟

قلت : «من» هنا قال أبو عثمان (٧) : إنه تغليب من غير عموم لفظ متقدّم ، فهو بمنزلة من يقول : رأيت ثلاثة : زيدا وعمرا وحمارا.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) انظر مفتاح العلوم للسكاكي ص ٢٤٢ تقييد الفعل.

(٣) في المخطوطة (أن يعتبر من خطاب من سواه).

(٤) في المطبوعة (الامتنان) والصواب ما في المخطوطة.

(٥) كذا في المطبوعة والمخطوطة ، الكلام مبتور.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) هو بكر بن محمد بن بقية أبو عثمان المازني ، تقدم التعريف به في ٢ / ٣٦٥.

٣٧٢

وقال ابن الضائع (١) : «هم» لا تقع إلا على من يعقل ، فلما أعاد الضمير على كل دابة غلب من يعقل ، فقال : [«هم»] (٢) ، و «من» بعض هذا الضمير ؛ وهو للعاقل ، فلزم أن يقول «من» فلما قال : [«من»] (٣) لوقوع التغليب في الضمير ، صار ما يقع عليه حكمه حكم العاقلين ؛ فتمّم ذلك بأن أوقع «من».

وكقوله تعالى حاكيا عن السماء والأرض : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (فصلت : ١١) ، [إنما جمعهما جمع السلامة ، ولم يقل «طائعين»] (٤) ولا «طائعات» ، لأنه أراد : ائتيا بمن فيكم من الخلائق طائعين ، فخرجت الحال على لفظ الجمع ، وغلّب من يعقل من الذكور.

وقال بعض النحويين : لما أخبر عنهما أنهما يقولان كما يقول الآدميون أشبهتا الذكور من بني آدم ، وإنما قال : «طائعين» ولم يقل : «مطيعين» ، لأنه من طعنا [أي] (٥) انقدنا ، وليس من أطعنا ؛ يقال : طاعت الناقة تطوع طوعا ، إذا انقادت.

وقوله تعالى : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (البقرة : ١١٦) ، قيل : أوقع «ما» لأنها تقع على أنواع من يعقل ؛ لأنه (٦) إذا اجتمع من يعقل وما لا يعقل فغلّب ما لا يعقل ؛ كان الأمر بالعكس ؛ ويناقضه : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (البقرة : ١١٦).

وقال الزمخشري : «جاء ب «ما» تحقيرا لشأنهم وتصغيرا (٧) ، قال : «له قانتون» تعظيم.

وردّ عليه ابن الضائع بصحة وقوعها على الله عزوجل ، قال : وهذا غاية الخطأ ؛ وقوله في دعاء الأصنام : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) (الشعراء : ٧٢).

وقوله : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) (فصلت : ٢١).

وأما قوله : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (الشعراء : ٤) ، وقوله [تعالى] : (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس : ٤٠) (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) (الأنبياء : ٦٥).

__________________

(١) هو علي بن محمد بن علي بن يوسف تقدم التعريف به في ٢ / ٢٣٩.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) عبارة المخطوطة (لا لأنه اجتمع من وما لا يعقل فغلب ما لا يعقل ، لأن الأمر بالعكس ...).

(٧) انظر الكشاف ١ / ٩٠ عند تفسير الآية ١١٦ من سورة البقرة.

٣٧٣

(إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (يوسف : ٤) ، (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها) (الأنبياء : ٩٩). (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) (النمل : ١٨) [لأنه سبحانه] (١) لما أخبر عنها بأخبار الآدميين جرى ضميرها على حدّ من يعقل ، وكذا البواقي.

فإن قيل : فقد غلّب غير العاقل [على العاقل] (٢) في قوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) (النحل : ٤٩) ، فإنه لو غلّب العاقل على غير العاقل لأتى ب «من».

فالجواب أنّ هذا الموضع غلّب فيه من يعقل ، وعبّر عن ذلك [ب «ما»] (٢) ، لأنها واقعة على أجناس من يعقل [ومن لا يعقل ، وقد يقع على أجناس من يعقل] (٣) خاصة ، كهذه الآية.

[و] (٣) قوله : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَ) (المائدة : ١٢٠) ، ولم يقل «ومن فيهن» قيل : لأن كلمة «ما» تناول الأجناس كلّها تناولا عاما بأصل الوضع ، و «من» لا تتناول غير العقلاء بأصل الوضع ، فكان استعمال «ما» هنا أولى.

وقد يجتمع في لفظ واحد تغليب المخاطب على الغائب ، والعقلاء [٢١٨ / ب] على غيرهم ، كقوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) (الشورى : ١١) ، أي خلق لكم أيها الناس من جنسكم ذكورا وإناثا ، وخلق الأنعام أيضا من أنفسها ذكورا وإناثا ، يذرؤكم ، أي ينبتكم ويكثركم أيها الناس والأنعام ، في هذا التدبير والجعل ، فهو خطاب للجميع ؛ للناس المخاطبين وللأنعام المذكورة بلفظ الغيبة ، ففيه تغليب المخاطب على الغائب ، وإلا لما صحّ ذكر الجميع (٤) ـ أعني الناس والأنعام ـ بطريق الخطاب ؛ لأن الأنعام غيب ، وتغليب العقلاء على غيرهم ؛ وإلاّ لما صح خطاب الجمع بلفظ [«كم»] (٥) المختص بالعقلاء ، ففي لفظ «كم» تغليبان ، ولو لا التغليب لكان القياس أن يقال : يذرؤكم وإياها. هكذا قرره السكاكيّ (٦) والزمخشريّ.

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) في عبارة المخطوطة اضطراب (والاصح لما ذكر الجميع) والصواب ما في المطبوعة.

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) هو يوسف بن أبي بكر تقدم التعريف به في ١ / ١٦٣ ، وانظر قوله في كتابه مفتاح العلوم ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، ـ

٣٧٤

ونوزعا فيه ؛ بأن جعل الخطاب شاملا للأنعام تكلّف لا حاجة إليه ؛ لأن الغرض إظهار القدرة وبيان الألطاف في حق الناس ؛ فالخطاب مختص بهم ، والمعنى : يكثركم أيها الناس في التدبير حيث مكّنكم من التوالد والتناسل ، وهيّأ لكم من مصالحكم ما تحتاجون إليه في ترتيب المعاش وتدبير التوالد ، [والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون] (١) وجعلها أزواجا تبقى ببقائكم ، وعلى هذا يكون التقدير : وجعل لكم من الأنعام أزواجا ؛ وهذا أنسب بنظم الكلام مما قرروه ، وهو جعل الأنعام أنفسها أزواجا.

وقوله : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) (الشورى : ١١) أي في هذا التدبير ؛ كأنه محلّ لذلك ، ولم يقل «به» كما قال : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (البقرة : ١٧٩) ؛ لأنه مسوق لإظهار الاقتدار مع الوحدانية ، فأسقط السببية ، وأثبت «في» الظرفية ، وهذا وجه من إعجاز قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (البقرة : ١٧٩) ؛ لأن الحياة من شأنها الاستناد إليه سبحانه لا إلى غيره ، فاختيرت «في» على «الباء» ؛ لأنه مسوق لبيان الترغيب والمعنى مفهوم ، والقصاص مسوق للتجويز وحسن المشروعية ، (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (البقرة : ٢٣٧).

الرابع

تغليب المتّصف بالشيء على ما لم يتصف به

كقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى [عَبْدِنا]) (٢) (البقرة : ٢٣) ، قيل : غلّب [غير] (٢) المرتابين [على المرتابين] (٢) ، واعترض بقوله تعالى : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (البقرة : ٢٣) ، وهذا خطاب للكفار فقط قطعا ، فهم المخاطبون أوّلا بذلك ؛ ثم «إن كنتم صادقين» لا يتميز فيها التغليب ، ثم هي شاهدة بأن المتكلّم معهم يخصّ الجاحدين بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (البقرة : ٢٣) ، وإذا لم يكن الخطاب إلا فيهم ، فتغليب حال من لم يدخل في الخطاب ، لا عهد به في مخاطبات العرب ، (٣) [ثم أوضح لبعضها هنا لأن جواز أن يتناول المشكوك وغير المرتابين عالمين ، فلا يستحق حالهم «إن» ويحتمل أن يكون للتهيج زيادة في التعجيز] (٣).

__________________

وانظر قول الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٩٩ عند تفسير الآية ١١ ، من سورة الشورى.

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

٣٧٥

الخامس تغليب الأكثر على الأقل

بأن ينسب إلى الجميع وصف يختصّ بالأكثر ، كقوله تعالى : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) (الأعراف : ٨٨) ، أدخل شعيب عليه‌السلام في قوله : (لَتَعُودُنَ) (الأعراف : ٨٨) بحكم التغليب ؛ إذ لم يكن في ملّتهم أصلا حتى يعود إليها. ومثله قوله : (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) (١) ، (الأعراف : ٨٩) ، واعترض بأن «عاد» بمعنى «صار» لغة معروفة ، وأنشدوا :

فإن تكن الأيام أحسن مرّة

إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب

ولا حجة فيه ؛ لجواز أن [٢١٩ / أ] يكون ضمير «الأيام» فاعل «عادت» ؛ وإنما الشاهد في قول أمية (٢) :

تلك المكارم لا قعبان من لبن

شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

ويحتمل جوابا ثالثا ؛ وهو أن يكون قولهم لشعيب ذلك ، من تعنتهم وبهتانهم وادّعائهم أنّ شعيبا كان على ملّتهم ، لا كما قال فرعون لموسى. وقوله : ([وَما يَكُونُ لَنا]) (٣) أَنْ نَعُودَ فِيها (الأعراف : ٨٩) كناية عن أتباعه لمجرّد فائدتهم ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن قال ذلك عن نفسه وأتباعه فقد استثنى ، والمعلّق بالمشيئة لا يلزم إمكانه شرعا تقديرا ، والاعتراف بالقدرة والرجوع لعلمه سبحانه ، وأنّ علم العبد عصمة نفسه أدبا مع ربّه لا شكّا.

ويجوز أن يراد بالعود في ملّتهم مجرد المساكنة والاختلاط ، بدليل قوله : (إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) (الأعراف : ٨٩) ونظيره : (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (آل عمران : ٥٥) ، ويكون ذلك إشارة إلى الهجرة عنهم ، وترك الإجابة لهم ، لا جوابا لهم ، وفيه بعد.

__________________

(١) انظر مفتاح العلوم للسكاكي ص ٢٤٢ تقييد الفعل.

(٢) هو أمية ابن أبي الصلت بن أبي ربيعة ، وكان قد قرأ الكتب المتقدمة من كتب الله عزوجل ورغب عن عبادة الأوثان ، وكان يخبر بأن نبيا يبعث قد أظلّ زمانه ويؤمّل أن يكون ذلك النبي ، فلما بلغه خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفر حسدا له (ابن قتيبة الشعر والشعراء : ٣٠٠ ـ ٣٠١) وانظر البيت في شرح ديوان أمية بن أبي الصلت ص ٦٦ ضمن قافية الكلام.

(٣) ليست في المخطوطة.

٣٧٦

السادس

تغليب الجنس الكثير الأفراد على فرد من غير هذا الجنس

مغموز فيما بينهم بأن يطلق اسم [ذلك] (١) الجنس على الجميع

كقوله : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاَّ إِبْلِيسَ) (٢) ، (ص : ٧٣ ـ ٧٤) ، وأنّه عدّ منهم ؛ مع أنه كان من الجنّ ، تغليبا لكونه جنّيا واحدا فيما بينهم ، ولأنّ حمل الاستثناء على الاتصال هو الأصل. ويدلّ على كونه من غير الملائكة ما رواه مسلم في «صحيحه» : «خلقت الملائكة من نور والجن من النار» (٣).

وقيل : إنه كان ملكا فسلب الملكيّة ، وأجيب عن كونه من الجن بأنه اسم لنوع من الملائكة.

قال الزمخشريّ : كان مختلطا بهم ، فحينئذ عمّته الدعوة [بالخلطة] (٤) لا بالجنس ؛ فيكون من تغليب الأكثر.

هذا إن جعلنا الاستثناء متصلا ؛ ولم يجعل «إلا» بمعنى «لكن».

وقال ابن جنّي في «القد» (٥) : قال أبو الحسن في قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) (المائدة : ١١٦) ، وإنما المتّخذ [إلها] (٦) عيسى دون أمه ؛ فهو من باب :

لنا قمراها والنجوم الطوالع (٧)

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) انظر مفتاح العلوم للسكاكي ص ٢٤٢ تقييد الفعل.

(٣) أخرجه من رواية عائشة رضي‌الله‌عنها ، مسلم في الصحيح ٤ / ٢٢٩٤ كتاب الزهد ... (٥٣) ، باب في أحاديث متفرقة (١٠) ، الحديث (٦٠ / ٢٩٩٦) ولفظه «خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ...»

(٤) ليست في المخطوطة وانظر قول الزمخشري في «الكشاف» ٣ / ٣٣٤ ضمن تفسير الآية من سورة ص.

(٥) هو عثمان بن جني أبو الفتح تقدم التعريف به في ١ / ٣٦١ ، وكتابه «القد» تقدم التعريف به في ٢ / ٣٩٩ ، وأبو الحسن هو الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة تقدم التعريف به في ١ / ١٣٤.

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) هذا عجز بيت للفرزدق ، انظر ديوان الفرزدق ص : ٤١٩ ضمن قصيدته (أولئك آبائي) وصدر البيت :

أخذنا بآفاق السماء عليكم

لنا قمراها والنجوم الطوالع

٣٧٧

السابع

تغليب الموجود على ما لم يوجد

كقوله [تعالى] : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (البقرة : ٤) قال الزمخشريّ : «فإن المراد المنزّل كلّه ، وإنما عبّر عنه بلفظ المضيّ وإن كان بعضه مترقّبا ، تغليبا للموجود على ما لم يوجد» (١).

الثامن

تغليب الإسلام

كقوله تعالى : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ) (الأحقاف : ١٩) قاله الزمخشريّ : «لأن الدّرجات للعلوّ والدركات للسفل ، فاستعمل الدرجات في القسمين تغليبا» (٢).

التاسع

تغليب ما وقع بوجه مخصوص على ما وقع بغير هذا الوجه

كقوله تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) (آل عمران : ١٨٢) «ذكر الأيدي [لأنّ أكثر الأعمال] (٣) تزاول بها ، فحصل الجمع بالواقع (٤) بالأيدي ، تغليبا» أشار إليه الزمخشري في آخر آل عمران.

ويشاكله ما أنشده الغزنويّ في (الْعادِياتِ) (٥) لصفية بنت عبد المطلب :

فلا والعاديات غداة جمع

بأيديها إذا سطع الغبار (٦)

__________________

(١) انظر الكشاف ١ / ٢٣ عند تفسير الآية من سورة البقرة.

(٢) انظر الكشاف ٣ / ٤٤٧ عند تفسير الآية من سورة الأحقاف ، وما ذكره الزركشي ملخص لعبارة الكشاف ، أما نصها (وَلِكُلٍ) من الجنسين المذكورين (دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) أي منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر ، ومن أجل ما عملوا منهما ، فإن قلت كيف قيل (دَرَجاتٌ) وقد جاء «الجنة درجات والنار دركات»؟ قلت : يجوز أن يقال ذلك على وجه التغليب لاشتمال كل على الفريقين).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (بالواو) ، وعبارة الزمخشري (فجعل كل عمل كالواقع بالأيدي على سبيل التغليب) الكشاف ١ / ٢٣٤.

(٥) تصحفت في المطبوعة (العامريات) ، وقوله (لصفية بنت عبد المطلب) تصحفت في المخطوطة إلى (لطيفة بنت عبد الملك).

(٦) البيت ذكره أبو حيان في البحر المحيط ٨ / ٥٠٣ عند تفسير سورة العاديات ، وصفية هي عمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٣٧٨

العاشر

تغليب الأشهر

كقوله تعالى : (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) (الزخرف : ٣٨) أراد المشرق والمغرب ، فغلّب المشرق ، لأنه أشهر الجهتين (١) ، قاله ابن الشجري (٢) وسيأتي فيه وجه آخر.

فائدتان

إحداهما :

جميع باب التغليب من المجاز ، لأن اللفظ لم يستعمل فيما وضع له ، ألا ترى أن القانتين موضوع للذكور الموصوفين بهذا الوصف ، فإطلاقه على الذكور والإناث على غير ما وضع له ، وقس على هذا جميع الأمثلة السابقة.

الثانية :

الغالب من التّغليب أن يراعى الأشرف كما سبق ، ولهذا قالوا في تثنية الأب والأم :

أبوان ، وفي تثنية المشرق والمغرب : [٢١٩ / ب] المشرقين ، لأن الشرق دالّ على الوجود ، والغرب دالّ على العدم ، والوجود لا محالة أشرف ، وكذلك القمران ، قال :

لنا قمراها والنجوم الطوالع

أراد الشمس والقمر ، فغلّب القمر لشرف التذكير. وأما قولهم سنّة العمرين ، يريدون أبا بكر وعمر ، قال ابن سيده في «المحكم» (٣) : إنما فعلوا ذلك إيثارا للخفّة ، أي غلّب الأخفّ على الأثقل ، لأن لفظ «عمر» مفرد ولفظ أبي بكر مركب.

__________________

ووالدة الزبير بن العوام أحد العشرة ، وهي شقيقة حمزة وهاجرت مع ولدها الزبير وهي أول امرأة قتلت رجلا من المشركين قال ابن سعد توفيت في خلافة عمر (ابن حجر الإصابة ٤ / ٣٤٠).

(١) انظر المحيي في كتابه جنى الجنتين في تمييز نوعي المثنيين ص ١٢٨ في تثنية (المشرقين) وص ١٢٦ في تثنية (القمرين).

(٢) انظر الأمالي الشجرية ١ / ١٤ المجلس الثاني في تقاسيم التثنية ، وكذلك ما سيذكره الزركشي عن تغليب «العمران» عند ابن الشجري.

(٣) هو علي بن أحمد بن إسماعيل تقدم التعريف به وبكتابه «المحكم» في ١ / ١٥٩.

٣٧٩

وذكر أبو عبيد في «غريب الحديث» أن ذلك للشهرة وطول المدة.

وذكر غيرهما أن المراد به عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز (١) ، وعلى هذا فلا تغليب.

وردّ بأنهم نطقوا بالعمرين قبل أن يعرفوا عمر بن عبد العزيز ، فقالوا يوم الجمل لعليّ بن أبي طالب : [أعطنا] (٢) سنّة العمرين.

الالتفات

وفيه مباحث :

الأول : في حقيقته

وهو نقل الكلام من أسلوب إلى أسلوب آخر تطرية واستدرارا (٣) للسامع ، وتجديدا لنشاطه ، وصيانة لخاطره من الملال والضجر ، بدوام (٤) الأسلوب الواحد على سمعه ، كما قيل :

لا يصلح النّفس إن (٥) كانت مصرّفة

إلاّ التنقل من حال إلى حال

قال حازم في «منهاج البلغاء» (٦) : وهم يسأمون (٧) الاستمرار على ضمير متكلم أو ضمير مخاطب ، فينتقلون من الخطاب إلى الغيبة ، وكذلك أيضا يتلاعب المتكلم بضميره ، فتارة يجعله ياء على جهة الإخبار عن نفسه ، وتارة يجعله كافا [أو تاء] (٨) فيجعل نفسه مخاطبا وتارة يجعله هاء ، فيقيم نفسه مقام الغائب. فلذلك كان الكلام المتوالي فيه ضمير المتكلم والمخاطب لا يستطاب ؛ وإنما يحسن الانتقال من بعضها إلى بعض ، وهو نقل معنويّ لا

__________________

(١) ذكر هذه الأقوال المحبي في كتابه جنى الجنتين في تمييز نوعي المثنيين ص ٨١ وص ١٢٥.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (استجرارا للسامع وتسديدا).

(٤) في المخطوطة (وأما الاسلوب الواحد).

(٥) في المخطوطة (لا يصلح النفس إن كانت مصرفة إلى التنقل ...).

(٦) هو أبو الحسن حازم بن محمد بن حسين القرطاجني تقدم التعريف به وبكتابه في ١ / ١٥٥.

(٧) تصحفت في المخطوطة إلى (يسمعون).

(٨) ليست في المطبوعة.

٣٨٠