البرهان في علوم القرآن - ج ٣

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٣

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩

الفاعل ؛ لأن الراكع إن لم يسجد فليس براكع شرعا ، ولو (١) عطف بالواو لأوهم أنه مستقلّ ، كالذي قبله.

٣ / ٢٥١ الثالث : هلاّ قيل : السّجّد كما قيل الرّكّع ، وكما جاء في آية أخرى : (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) (الفتح : ٢٩) ، والركوع (٢) قبل السجود! والجواب أنّ السجود يطلق على وضع الجبهة بالأرض وعلى الخشوع ، فلو قال : السجّد ، لم يتناول إلا المعنى الظاهر ، ومنه : (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) (الفتح : ٢٩) ، وهو من رؤية العين ، [ورؤية العين] (٣) لا تتعلّق إلا بالظاهر ، فقصد بذلك الرمز إلى السجود المعنويّ والصوري (٤) ؛ بخلاف الركوع ، فإنّه ظاهر في أعمال الظاهر التي يشترط فيها البيت كما في الطواف والقيام المتقدم ، دون أعمال القلب ، فجعل السجود وصفا للركوع وتتميما له ؛ لأنّ الخشوع روح الصلاة وسرّها الذي شرعت له.

الخامس

بالداعية

كتقدم الأمر بغضّ الأبصار على حفظ الفروج في قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور : ٣٠) ، لأن البصر داعية إلى الفرج ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «العينان تزنيان والفرج يصدّق ذلك أو يكذبه» (٥).

السادس

التعظيم

كقوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ) (النساء : ٦٩).

وقوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) (الأحزاب : ٥٦).

__________________

(١) في المخطوطة (فلو).

(٢) في المخطوطة (إذ الركوع).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (الضروري).

(٥) أخرجه أحمد في المسند ٢ / ٣٤٤ و٥٣٥ مسند أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، وأخرجه ابن حبّان في صحيحه ذكره ابن بلبان في الإحسان ٦ / ٢٩٩ ، باب الزنا وحده ، ذكر إطلاق اسم الزنا على الأعضاء ... ، الحديث (٤٤٠٢).

٣٢١

(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) (آل عمران : ١٨).

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (المائدة : ٥٥).

٣ / ٢٥٢

السابع الشرف وهو أنواع

منها شرف الرسالة ، كقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا [مِنْ قَبْلِكَ] (١) مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) (الحج : ٥٢) ، فإنّ الرسول أفضل من النبي ؛ خلافا لابن عبد السلام (٢).

وقوله : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ) (الأعراف : ١٥٧) [وقوله] (٣) : (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) (مريم : ٥٤).

ومنها شرف الذكورة :

كقوله تعالى (٤) [(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) (الأحزاب : ٣٥).

وقوله : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) (النجم : ٢١).

وقوله : (رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) (النساء : ١).

وأما تقديم الإناث في قوله تعالى] (٤) : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) (الشورى : ٤٩) ، فلجبرهنّ ، إذ هنّ موضع الانكسار ، ولهذا جبر الذكور بالتعريف ، للإشارة إلى ما فاتهم من فضيلة التقديم.

ويحتمل أنّ تقديم الإناث ، لأن المقصود بيان أن الخلق كلّه بمشيئة الله تعالى ، لا [على] (٥) وفق غرض العباد.

ومنها شرف الحريّة ، كقوله تعالى : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) [٢٠٩ / أ](وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) (البقرة : ١٧٨) ، ومن الغريب حكاية بعضهم قولين في أن الحرّ أشرف من العبد أم لا ، حكاه [عنه] (٦) القرطبي ، في تفسير سورة النساء (٧) فلينظر فيه.

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) هو عز الدين بن عبد السلام تقدم ذكره في ١ / ١٣٢.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) ساقطة من المطبوعة.

(٧) الجامع لأحكام القرآن ٥ / ٣١٤ عند آية (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً ...) (النساء : ٩٢).

٣٢٢

ومنها شرف العقل ، كقوله [تعالى] (١) : (يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) (النور : ٤١). ٣ / ٢٥٣

وقوله : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (النازعات : ٣٣).

وأما تقديم الأنعام عليهم في قوله : (تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ) (السجدة : ٢٧) ، فمن باب تقديم السّبب ، وقد سبق.

ومنها شرف الإيمان ، كقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا) (الأعراف : ٨٧) ، وكذلك تقديم المسلمين على الكافرين في كلّ موضع ، والطائع على العاصي (٢) (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ) ثم قال (وَأَصْحابُ الشِّمالِ) (٢) [الواقعة : ٢٧ و٤١].

ومنها شرف العلم ، كقوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر : ٩).

ومنها شرف الحياة ، كقوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) (الروم : ١٩).

وقوله : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) (فاطر : ٢٢). وأما تقديم الموت في قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) (الملك : ٢) ، فمن تقدّم السبق بالوجود ، وقد سبق.

ومنها شرف المعلوم ؛ نحو (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (المؤمنون : ٩٢) ، فإن علم الغيبيّات أشرف من المشاهدات.

٣ / ٢٥٤ ومنه : (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) (الأنعام : ٣). (وَيَعْلَمُ) (٣) ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (التغابن : ٤) وأما قوله : (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (طه : ٧) ، أي من السرّ ، فعن ابن

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) تصحفت في المطبوعة إلى (وأصحاب اليمين عن أصحاب الشمال) والتصويب من المخطوطة.

(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (يعلم).

٣٢٣

عباس (١) وغيره : السرّ : ما أسررت في نفسك ، وأخفى منه ما لم تحدّث به نفسك ، مما (٢) يكون في عدّ (٣) علم الله فيهما سواء ، ولا شكّ أن الآتي أبلغ ، وفيه (٤) وجهان :

أحدهما : أنه أفعل تفضيل يستدعي مفضلا عليه ، علم حتى يتحقق في نفسه ، فيكون حينئذ تقديم السرّ من النوع الأول.

وثانيهما : مراعاة رءوس الآي.

ومنها شرف الإدراك ، كتقديم السّمع على البصر ، والسميع على البصير (٥) ؛ لأنّ السمع أشرف على أرجح القولين عند جماعة ، وقدم القلب عليهما في قوله [تعالى] (٦) : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ [غِشاوَةٌ]) (٦) (البقرة : ٧) ، لأن الحواسّ خدمة القلب ، وموصلة إليه ؛ وهو المقصود ؛ وأما قوله : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) (الجاثية : ٢٣) ، فأخّر القلب فيها ؛ لأن العناية هناك بذمّ المتصامّين عن السماع ؛ ومنهم الذين كانوا يجعلون القطن في آذانهم حتى لا يسمعوا (٧) ، ولهذا صدرت (٨) السورة بذكرهم في قوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) (الجاثية : ٧ ـ ٨).

ومنها شرف المجازاة ، كقوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) (الأنعام : ١٦٠).

ومنها شرف العموم ؛ فإنّ العامّ أشرف من الخاص ، كتقديم العفوّ على الغفور ؛ أي عفوّ عمّا لم يؤاخذنا به مما (٩) نستحقّه بذنوبنا ، غفور (١٠) لما واخذنا به في الدنيا ، قبلنا ورجعنا

__________________

(١) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات : ١٥١. باب ما جاء في إثبات صفة العلم وأخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٣٧٨ ـ ٣٧٩ ، كتاب التفسير ، تفسير سورة طه ، باب بيان معنى السر وأخفى. وذكره السيوطي في الدر المنثور ٤ / ٢٩٠ وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) في المخطوطة (ما).

(٣) في المخطوطة (عند) بدل (في عدّ).

(٤) في المخطوطة (ففيه).

(٥) العبارة في المخطوطة (وسميع على بصير).

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (لا يسمعون) بدل (حتى لا يسمعوا).

(٨) في المخطوطة (صدّر).

(٩) في المخطوطة (فيما).

(١٠) في المخطوطة (غفورا).

٣٢٤

إليه ؛ فتقدم العفوّ على الغفور ، لأنه أعمّ ، وأخّرت المغفرة لأنها أخصّ.

٣ / ٢٥٥ ومنها شرف الإباحة للإذن بها ، كقوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) (النحل : ١١٦) ، وإنما تقديم الحرام في قوله : (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً) (يونس : ٥٩) فللزيادة في التشنيع عليهم ، أو لأجل السياق ؛ لأن قبله : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) (النحل : ١١٤). ثم (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) (البقرة : ١٧٣).

ومنها الشّرف بالفضيلة ، كقوله تعالى : (مَعَ (١) الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ [٢٠٩ / ب] وَالصَّالِحِينَ) (النساء : ٦٩).

وقوله : (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) (الأحزاب : ٧).

وقوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ (٢) [رُحَماءُ بَيْنَهُمْ] (٢) ...) (الفتح : ٢٩) الآية.

وقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) (الأنبياء : ٤٨).

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ) (يونس : ٧٥).

وقوله : (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) (الأعراف : ١٢٢ ـ الشعراء : ٤٨) في الأعراف والشعراء ، فإنّ موسى استأثر باصطفائه تعالى له بتكليمه ، وكونه من أولي العزم.

فإن قلت : فقد جاء هارون وموسى في سورة طه بتقديم هارون؟ قلنا : لتناسب رءوس الآي.

ومنه تقديم جبريل على ميكائيل في قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) (البقرة : ٩٨) لأن جبريل صاحب الوحي والعلم ، وميكائيل صاحب الأرزاق ، والخيرات النفسانية أفضل من الخيرات الجسمانية. ٣ / ٢٥٦

ومنه تقديم المهاجرين في قوله تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) (التوبة : ١١٧).

__________________

(١) تصحفت الآية في المخطوطة إلى (مع النبيين والصديقين والشهداء).

(٢) ليست في المخطوطة.

٣٢٥

وقوله : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) (التوبة : ١٠٠) ، ويدلّ على فضيلة الهجرة (١) [قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو لا الهجرة] (١) لكنت امرأ من الأنصار» (٢) ، وبالآية احتجّ الصّدّيق على تفضيلهم وتعيين الإمامة فيهم.

ومنه قوله : (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب : ٥٦) ، فإن الصلاة أفضل من السلام.

وقوله : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ) (البقرة : ١٧٧) ، قدم القريب لأن الصدقة عليه أفضل من الأجنبي.

ومنه تقديم الوجه في قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) (المائدة : ٦).

وتقديم اليمين على الشمال في نحو : (جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) (سبأ : ١٥) ، (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) (٣) (المعارج : ٣٧).

ومنه تقديم الأنفس على الأموال في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) (التوبة : ١١١). وأما تقديم الأموال في سورة الأنفال [في قوله] (٤) : (وَجاهَدُوا (٥) بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) (الأنفال : ٧٢) ، فوجه التقديم أنّ الجهاد يستدعي تقديم إنفاق الأموال (٦) ، فهو من باب السبق بالسببية.

ومنه (٧) : (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) (الفتح : ٢٧) ، فإن الحلق أفضل من التقصير.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٢) أخرجه بلفظه الكامل من رواية عبد الله بن زيد بن عاصم رضي‌الله‌عنه ، البخاري في الصحيح ٨ / ٤٨ ، كتاب المغازي (٦٤) ، باب غزوة الطائف ... (٥٦) ، الحديث (٤٣٣٠) ، ومسلم في الصحيح ٢ / ٧٣٨ ـ ٧٣٩ ، كتاب الزكاة (١٢) ، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم ... (٤٦) ، الحديث (١٣٩ / ١٠٦١).

(٣) الآية في المخطوطة (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً) (النحل : ٤٨).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (والذين جاهدوا) تصحيف.

(٦) في المخطوطة (المال).

(٧) في المخطوطة (ومنهم).

٣٢٦

ومنه تقديم السّماوات على الأرض ، [كقوله] (١) : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) (العنكبوت : ٤٤) وهو كثير ، وكذلك كثيرا ما يقع [«السموات»] (١) بلفظ الجمع ، و «الأرض» لم تقع إلا مفردة.

وأما تأخيرها عنها (٢) في قوله [تعالى] (٣) : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (يونس : ٦١) ؛ فلأنه (٤) لما ذكر المخاطبين ، وهو قوله : (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) (يونس : ٦١) ، وهو خطاب لأهل الأرض ، وعملهم يكون في الأرض ؛ وهذا بخلاف الآية التي في سبأ (٥) ؛ فإنها منتظمة في سياق علم الغيب.

وكذلك قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (آل عمران : ٥).

وأما تأخيرها عنها في قوله : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (الزمر : ٦٧) ؛ فلأن الآية في سياق الوعد والوعيد ؛ وإنما هو لأهل الأرض. (٦) [وعلمهم يكون في الأرض ، وهذا بخلاف الآية] (٦).

قوله [تعالى] (٧) : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) (إبراهيم : ٤٨).

ومنه تقديم الإنس على الجن في قوله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ (٨) [لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ] (٨)) ... (الإسراء : ٨٨) الآية.

وقوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [٢١٠ / أ] (الرحمن : ٣٩).

وقوله : (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) (٩) (الرحمن : ٥٦).

وقوله : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) (الجن : ٥).

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (عنه).

(٣) في المخطوطة (ولأنه).

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (معنا).

(٦) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة وكتب مكانه (كذا).

(٧) ليست في المطبوعة.

(٨) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٩) زيادة بعد هذه الآية في المخطوطة كما يلي وقوله (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ) (الجن : ١٢).

٣٢٧

وقوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ* وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) (الرحمن : ١٤ ـ ١٥).

وأما تقديم الجن في مواضع أخر ، كقوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) (الأنعام : ١٣٠) ؛ فلأنّهم أقدم في الخلق ، فيكون من النوع الأول (١) ـ أعني التقديم بالزمان ـ ولهذا لمّا أخّر (٢) في آية الحجر (٣) صرّح بالقبلية بذكر [خلق] (٤) الإنسان ، ثم قال : (وَالْجَانَ (٥) خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) (الحجر : ٢٧).

ويجوز أن يكون في الأمثلة السالفة (٦) من باب تقديم الأعجب ؛ لأنّ خلقها أغرب (٧) ، كقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) (النور : ٤٥).

أو لأنهم أقوى أجساما ، وأعظم أقداما ولهذا قدّموا في : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (الرحمن : ٣٣) ، وفي : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ) (النمل : ١٧).

ومنه تقديم السّجّد على الراكعين (٨) في قوله : (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (آل عمران : ٤٣) ، وسبق فيه شيء آخر.

ومنه تقديم الخيل على البغال ، والبغال على الحمير في قوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها) (النحل : ٨).

ومنه تقديم الذهب على الفضة في قوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) (التوبة : ٣٤).

__________________

(١) تقدم في ٣ / ٣٠٩ (السبق بالزمان والإيجاد).

(٢) في المخطوطة (أخبروا) تصحيف.

(٣) وهي قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (الآية : ٢٦).

(٤) ساقطة من المطبوعة.

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (والإنسان).

(٦) في المخطوطة (السابقة).

(٧) في المخطوطة (أقرب).

(٨) العبارة في المخطوطة (السجود على الركوع).

٣٢٨

فإن قلت : فهل يجوز [فيه] (١) أن يكون من تقديم المذكر على المؤنث؟

قلت : هيهات ، الذهب أيضا مؤنث ، ولهذا يصغّر (٢) على ذهيبة ك «قدم» (٣).

ومنه تقديم الصّوف في قوله : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها) (النحل : ٨٠) ؛ ولهذا احتجّ به بعض الصوفية على اختيار لبس الصوف على غيره من الملابس : وأنه شعار الملائكة في قوله : (مُسَوِّمِينَ) (آل عمران : ١٢٥) قيل : سيماهم يومئذ الصّوف. وعن عليّ ؛ الصوف الأبيض : رواه أبو نعيم في [كتاب] (٤) «مدح الصوف» (٥) ، وقال : إنه شعار الأنبياء. وقال (٦) ابن مسعود : «كانت الأنبياء [عليهم‌السلام] (٧) قبلكم يلبسون الصوف» (٨) ؛ وفي الصحيح في موسى عليه‌السلام : «عليه عباءة» (٩).

ومنه تقديم الشمس على القمر في قوله تعالى : (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (الحج : ١٨) ، وقوله : (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (١٠) (الفرقان : ٦١) ، ولهذا قال تعالى : (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) (يونس : ٥) ؛ والحكماء يقولون : إن نور القمر مستمدّ من نور الشمس ، قال الشاعر :

يا مفردا بالحسن والشّكل

من دلّ عينيك على قتلي

البدر من شمس الضّحى نوره

والشّمس من نورك تستملي

وأما قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً* وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) (نوح : ١٥ ـ ١٦) فيحتمل وجهين : مناسبة رءوس الآي أو أنّ (١١)

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (فتقدم).

(٢) في المخطوطة (تصغر).

(٤) ساقطة من المطبوعة.

(٥) الكتاب ذكره في حلية الأولياء ١ / ٢٠ وسماه «كتاب لبس الصوف» ، والأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٧٠ وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٦) في المخطوطة (قال).

(٧) ليست في المطبوعة.

(٨) أخرجه أحمد بن حنبل في كتاب الزهد : ٧٨ من مواعظ عيسى عليه‌السلام.

(٩) أخرجه مسلم من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما بلفظ «وعليه جبة صوف» ، وأوله «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مر بوادي الأزرق فقال ...» «الصحيح» ١ / ١٥٢ ، كتاب الإيمان (١) ، باب الإسراء ... (٧٤) ، الحديث (٢٦٨ / ١٦٦) ، ولكن الحكاية عن سيدنا يونس عليه‌السلام ، وهي ضمن حديث عن موسى عليه‌السلام.

(١٠) تصحفت في المخطوطة إلى (وجعلنا فيها سراجا وهاجا).

(١١) في المخطوطة (وأن).

٣٢٩

انتفاع أهل السموات به أكثر. قال ابن الأنباري : يقال : إن القمر وجهه يضيء لأهل الشمس ، وظهره إلى الأرض (١) ، ولهذا قال تعالى : (فِيهِنَ) لما كان أكثر نوره يضيء إلى أهل السماء.

الثامن

الغلبة والكثرة

كقوله [تعالى] (٢) : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ [بِإِذْنِ اللهِ]) (٢) (فاطر : ٣٢) ، قدم الظالم لكثرته ، ثم المقتصد ، ثم السابق.

وقوله : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) (هود : ١٠٥).

(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [٢١٠ / ب] (آل عمران : ١٥٢).

(الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ (٣) [وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ] (٣) وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ) (النور : ٢٦).

وجعل منه الزمخشريّ (٤) : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (التغابن : ٢) يعني بدليل قوله [تعالى] (٥) (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف : ١٠٣) وحديث بعث النار.

وأما قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) (آل عمران : ٥٦) ، قدّم ذكر العذاب لكون الكلام مع اليهود الذين كفروا بعيسى وراموا قتله (٦) [ولأن ما قبله من ذكر حكمه فقال نبيهم هو على سبيل التهديد والوعيد لهم فناب العداة منهم] (٦).

وجعل من هذا النوع قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) (المائدة : ٣٨) ؛ لأنّ السرقة في الذكور أكثر.

وقدم في الزنا المرأة في قوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) (النور : ٢) لأن الزنا فيهنّ (٧)

__________________

(١) في المخطوطة (للأرض).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) الكشاف ٤ / ١٠٤.

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٧) في المخطوطة (فيه).

٣٣٠

أكثر. وأما قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) (النور : ٣). فقال الزمخشريّ (١) : سيقت الآية التي قبلها لعقوبتهما على ما جنيا ؛ والمرأة هي المادة التي نشأت (٢) منها الجناية (٣) ؛ لأنها لو لم تطمع الرجل ، وتمكّنه لم يطمع ولم يتمكّن ، فلما كانت أصلا وأوّلا في ذلك بدأ بذكرها (٤) ، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح ، والرجل أصل ، لأنّه هو الراغب والخاطب (٥) [ومنه] (٦) يبدأ الطلب.

ومنه قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور : ٣٠) ، قال الزمخشريّ (٧) : «قدم غضّ البصر ؛ لأن النظر بريد (٨) الزنا ، ورائد الفجور ، والبلوى به أشدّ وأكثر ، ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه».

ومنه تقديم الرحمة على العذاب حيث وقع في القرآن ، ولهذا ورد : «إن رحمتي غلبت غضبي» (٩).

وأما تقديم التعذيب على المغفرة في آية المائدة فللسياق (١٠) [لأنه قوبل بذكر تقدم السرقة على التوبة] (١٠).

ومنه قوله تعالى : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) (التغابن : ١٤) ، قال ابن الحاجب (١١) في «أماليه» : إنّما قدّم الأزواج لأنّ المقصود الإخبار أن فيهم أعداء ، ووقوع (١٢)

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٦١ ـ ٦٢.

(٢) في المخطوطة (منها نشأت).

(٣) في المطبوعة (الخيانة).

(٤) في المخطوطة (بها).

(٥) في المخطوطة (الخاطب والراغب).

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) الكشاف ٣ / ٢٦١.

(٨) تصحفت العبارة في المخطوطة إلى (يزيد الزنا وأزيد).

(٩) أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٢٨٧ ، كتاب بدء الخلق (٥٩) ، باب ما جاء في قول الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (الروم : ٢٧). (١) ، الحديث (٣١٩٤). وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٠٨ ، كتاب التوبة (٤٩) ، باب في سعة رحمة الله تعالى ... (٤) الحديث (١٥ / ٢٧٥١). عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(١٠) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(١١) هو أبو عمرو عثمان بن عمر بن يونس تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦ وبكتابه في ١ / ٥١١.

(١٢) في المخطوطة (وأوقع).

٣٣١

ذلك في الأزواج أقعد (١) منه في الأولاد ؛ فكان (٢) أقعد في المعنى المراد فقدّم ، ولذلك قدمت الأموال في قوله : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (التغابن : ١٥) ، لأن الأموال لا تكاد تفارقها الفتنة (٣) : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (العلق : ٦ ـ ٧). (أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها) (الإسراء : ١٦) ، وليست (٤) الأولاد في استلزام الفتنة مثلها (٥) ، وكان تقدّمها أولى.

التاسع سبق ما يقتضي تقديمه

وهو دلالة السياق ، كقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (النحل : ٦) ؛ لمّا كان إسراحها وهي خماص ، وإراحتها وهي بطان ، قدم الإراحة لأنّ الجمال بها حينئذ أفخر (٦).

وقوله : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) (الأنبياء : ٩١) ، لأن السياق في ذكر مريم [في] (٧) قوله [تعالى] (٨) (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) (الأنبياء : ٩١) ، ولذلك قدّم الابن في غير هذا المكان ، قال تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) (المؤمنون : ٥٠).

وقوله : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) (الأنبياء : ٧٩) ؛ فإنه قدّم الحكم مع أن العلم لا بدّ من سبقه للحكم ؛ ولكن لما كان السياق في الحكم قدّمه ، قال تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) (الأنبياء : ٧٨) ، ويحتمل أن [يكون] (٩) المراد بالحكم الحكمة ، وبها فسر الزمخشريّ (١٠) قوله تعالى في [سورة] (١١) يوسف : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (يوسف : ٢٢) ؛ وأما [٢١١ / أ] تقديم الحكيم على العليم في سورة الأنعام ، فلأنه مقام تشريع الأحكام ، وأما في أول سورة يوسف فقدّم (١٢) العليم على الحكيم ، لقوله في آخرها : (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) (يوسف : ١٠١).

__________________

(١) في المخطوطة (أكثر).

(٢) في المخطوطة (وكان).

(٣) في المخطوطة (يفارقها لنفسه).

(٤) في المخطوطة (في ليست).

(٥) في المخطوطة (سر لها).

(٦) في المخطوطة (فخر).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) ليست في المطبوعة.

(٩) ساقطة من المطبوعة.

(١٠) الكشاف ٢ / ٢٤٨.

(١١) ليست في المخطوطة.

(١٢) في المخطوطة (قدم).

٣٣٢

ومنه تقديم المحو (١) على الإثبات في قوله [تعالى] (٢) : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) (الرعد : ٣٩) ، فإنّ قبله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) (الرعد : ٣٨). ويمكن أن يقال : ما يقع عليه المحو أقلّ مما يقع عليه غيره ، ولا سيما على قراءة تشديد «يثبّت» (٣) ؛ فإنها ناصّة على الكثرة ، والمراد به الاستمرار لا الاستئناف.

وقوله : (وَيَمْحُ (٤) اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) (الشورى : ٢٤).

ومنه قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً) (الرعد : ٣٨) ، قدّم «رسلا» هنا على «من قبلك» وفي غير هذه

بالعكس ؛ لأن السياق هنا في الرسل.

ومنه قوله [تعالى] (٥) : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) (البقرة : ٢٤٥) ، قدم القبض لأن قبله (٦) (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) (البقرة : ٢٤٥) ، وكان هذا بسطا ، فلا يناسب تلاوة البسط ، فقدّم القبض لهذا ، وللترغيب (٧) في الإنفاق ؛ لأن الممتنع منه سببه خوف القلّة ، فبيّن أنّ هذا لا ينجيه ، فإن القبض مقدر ولا بدّ.

العاشر

مراعاة اشتقاق اللفظ

كقوله [تعالى] (٨) : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) (المدثر : ٣٧).

(عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) (الانفطار : ٥).

(يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (القيامة : ١٣).

(قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ) (٩) [إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ] (٩) (الواقعة : ٤٩ ـ ٥٠).

__________________

(١) في المخطوطة (المؤخر).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو بالتخفيف ، والباقون بالتشديد (التيسير : ١٣٤).

(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (ويمحو).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (قوله).

(٧) في المخطوطة (والترغيب).

(٨) ليست في المطبوعة.

(٩) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

٣٣٣

(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (الواقعة : ٣٩ ـ ٤٠).

(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) (الحجر : ٢٤).

وأما قوله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا [يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا] (١) يَسْتَقْدِمُونَ) (النحل : ٦١) (٢) [وقوله (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ]) (٢) (سبأ : ٣٠) فقدّم (٣) نفي التأخير ؛ لأنه الأصل في الكلام ، وإنما ذكر التقديم (٤) مع عدم إمكان (٥) التقديم (٤) ، نفيا لأطراف الكلام كله.

وكقوله : ([إِنَّهُ هُوَ] (٦) يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) (البروج : ١٣).

وقوله : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (الأعراف : ٢٩).

(لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (الروم : ٤).

(لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) (القصص : ٧٠).

وقوله : ([هُوَ] (٧) الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (الحديد : ٣).

(فِي الدُّنْيا (٨) وَالْآخِرَةِ) (البقرة : ٢٢٠).

فإن قلت قد جاء : ([فَأَخَذَهُ اللهُ] (٩) نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) (النازعات : ٢٥).

(أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى* فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) (النجم : ٢٤ ـ ٢٥).

قلت : لمناسبة رءوس الآي.

ومثله : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) (المرسلات : ٣٨) ، ولأنّ الخطاب لهم ، فقدّموا.

الحادي عشر

للحث عليه خيفة من التهاون به

كتقديم تنفيذ الوصية على وفاء الدين ، في قوله : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ)

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (تقدم).

(٤) في المطبوعة (التقدم).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (إنكار).

(٧) تصحفت في المخطوطة إلى (والدنيا).

(٨) ليست في المخطوطة.

(٩) ليست في المخطوطة.

٣٣٤

(النساء : ١١) ، فإن وفاء الدّين سابق على الوصية ، لكن قدّم الوصيّة ، لأنهم كانوا يتساهلون بتأخيرها ، بخلاف الدّين.

ونظيره : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) (١) [وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ] (١) (الشورى : ٤٩) ، قدّم الإناث حثّا على الإحسان إليهم.

وقال السهيلي في (٢) «النتائج» : إنما قدّمت الوصية لوجهين :

أحدهما : أنها قربة إلى الله [تعالى] (٣) بخلاف [الدّين] (٣) الذي تعوّذ الرسول (٤) منه (٥) ، فبدىء (٦) بها للفضل.

والثاني : أنّ الوصية للميت ، والدّين لغيره ، ونفسك قبل نفس غيرك ، تقول : هذا لي وهذا لغيري ، ولا تقول في فصيح الكلام : هذا لغيري وهذا لي.

الثاني عشر

لتحقق ما بعده واستغنائه هو عنه في تصوّره

كقوله : ([إِنَ] (٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (مريم : ٩٦).

وقوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً) (فصلت : ٣٣).

[٢١١ / ب] وقوله : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا) (الأعراف : ١٥٣).

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٢) هو عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢ وكتابه «نتائج الفكر في النحو» طبع بتحقيق د. محمد إبراهيم البنا في القاهرة بدار الاعتصام عام ١٤٠٦ ه‍ / ١٩٨٥ م (أخبار التراث العربي ٣٣ / ٢٠).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (الرسل).

(٥) إشارة إلى حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم القائل في أوله «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ... الحديث أخرجه عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه ، البخاري في الصحيح ١١ / ١٧٣ ، كتاب الدعوات (٨٠) ، باب التعوذ من غلبة الرجال (٣٦) ، الحديث (٦٣٦٣).

(٦) في المخطوطة (فبدأ).

(٧) ليست في المخطوطة.

٣٣٥

الثالث عشر

الاهتمام عند المخاطب

كقوله (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) (النساء : ٨٦).

ونظيره قوله عليه‌السلام : «وأن تقرأ السلام على من عرفته ومن لم تعرفه» (١).

وقوله : (وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) (الأنفال : ٤١) لفضل الصدقة على القريب.

وكقوله (٢) : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) (٣) فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ (النساء : ٩٢) ، فقدم (٣) الكفارة على الدّية ، وعكس في قتل المعاهد حيث قال : (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (النساء : ٩٢).

قال الماورديّ (٤) في «الحاوي» : ووجهه أنّ المسلم يرى تقديم حقّ الله على نفسه والكافر يرى تقديم نفسه على حق الله ، قال : وقال ابن أبي هريرة (٥) : إنما خالف بينهما ولم يجعلهما (٦) على نسق واحد ، لئلا يلحق بهما ما بينهما من قتل المؤمن في دار الحرب في قوله : (فَإِنْ (٧) كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (النساء : ٩٢) ، فضم إليه الدّية إلحاقا بأحد الطرفين ، فأزال هذا الاحتمال باختلاف اللفظين.

__________________

(١) أخرجه من حديث عبد الله بن عمرو رضي‌الله‌عنهما ، البخاري في الصحيح ١١ / ٢١ ، كتاب الاستئذان (٧٩) ، باب السلام للمعرفة وغير المعرفة (٩) ، الحديث (٦٢٣٦).

(٢) في المخطوطة (وقوله).

(٣) عبارة المطبوعة (( ... فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وقوله (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) فقدم ...) والتصويب من المخطوطة.

(٤) هو أبو الحسن علي بن حبيب الشافعي تقدم التعريف به في ١ / ٢٧٤ ، وكتابه «الحاوي الكبير» في الفروع حقق كتاب القضاء فيه د. محيي الدين السرحان بالعراق عام ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م وحقق كتاب الزكاة فيه ياسين ناصر محمود الخطيب كرسالة دكتوراه بمكة المكرمة جامعة أم القرى كلية الشريعة عام ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م ، وحقق كتاب الحج غازي طه خصيفان ، وكتابه البيوع محمد عبد القادر الكفراوي ، وكتاب الجنايات يحيى أحمد الجردي ، وكتاب الحدود إبراهيم علي صندقجي ، وكتاب السير محمد رويد المسعودي ، وحقق كتاب التفليس عبد الفتاح محمود إدريس بالقاهرة كرسالة ماجستير بجامعة الأزهر كلية الشريعة عام ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م (أخبار التراث العربي : ١٣ / ١٦ و٥ / ٢١ و١٤ / ١٣ و٥ / ٢٠ و١ / ١٢).

(٥) هو الحسن بن الحسين الشافعي تقدم التعريف به في ٢ / ١٧٧.

(٦) في المخطوطة (يجعلها).

(٧) تصحفت في المخطوطة إلى (وإن).

٣٣٦

وقال الفقيه نجم الدين بن الرّفعة (١) : يحتمل أن يقال : إنه لما كان الكفر يهدر (٢) ٣ / ١٦٧ الدماء (٣) وهو موجود ، كان الغاية ببذل الدم عند العصمة (٤) لأجل الميثاق أتمّ ، لأنّه يغمض حكمه ، فلذلك قدمت الدّية فيه ، وأخّرت الكفارة ، لأنّ (٥) حكمها قد سبق. ولما كانت عصمة المسلم ثابتة ، وقياس الأصول [أنّه] (٦) لا تجب الكفارة (٧) في قتل الخطإ ، لأنّه لا إثم فيه ، خصوصا على المسلمين لرفع القلم عن الخطإ ، كانت العناية بذكر الكفارة فيه (٨) أتمّ ؛ لأنها التي تغمض ، فقدّمت.

ومن هذا النوع قوله تعالى : (فَأَتْبَعَ) (٩) سَبَباً* حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ (الكهف : ٨٥ ـ ٨٦) قيل : لما ذا (١٠) بدأ بالمغرب قبل المشرق ، وكان مسكن ذي القرنين من ناحية المشرق؟ قيل : لقصد الاهتمام (١١) ، إما لتمرّد أهله وكثرة طغيانهم في ذلك الوقت ، أو غير ذلك ممّا لم ينته (١٢) إلينا علمه.

ومن هذا أنّ تأخر المقصود بالمدح والذم أولى من تقدّمه ؛ كقوله : نعم الرجل ، زيد (١٣) ، أحسن من قولك : زيد نعم الرجل ، لأنهم يقدّمون الأهمّ ، و [هم] (١٤) في هذا [بذكر] (١٤) المدح والذمّ أهمّ.

فأما (١٥) تقديمه في قوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص : ٣٠ و٤٤) ، فإن (١٦)

__________________

(١) هو أحمد بن محمد بن علي بن الرفعة نجم الدين ، أبو العباس ، شافعي زمانه تفقه على السديد والظهير التزمنتي والشريف العباسي ، ولقب بالفقيه لغلبة الفقه عليه ، وسمع الحديث من محيي الدين الدميري ، وله من التصانيف «شرح الوسيط» و «الكفاية في شرح التنبيه» ت ٧١٠ ه‍ (السبكي ، طبقات الشافعية ٥ / ١٧٧).

(٢) في المخطوطة (بهذا).

(٣) في المخطوطة (والدنيا).

(٤) في المخطوطة (العظمة).

(٥) في المخطوطة (ولأن).

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (كفارة).

(٨) في المخطوطة (فيها).

(٩) تصحفت في المخطوطة إلى (ثم أتبع).

(١٠) في المخطوطة (لم).

(١١) عبارة المخطوطة (لفقد اهتمام).

(١٢) في المخطوطة (لما ينته).

(١٣) في المخطوطة (زيدا).

(١٤) ليست في المخطوطة.

(١٦) في المخطوطة (وأما).

(١٧) في المخطوطة (فلأن).

٣٣٧

الممدوح هنا ب «نعم العبد» هو سليمان عليه‌السلام ، وقد تقدّم ذكره ، وكذلك أيوب في الآية الأخرى والمخصوص بالمدح في الآيتين ضمير سليمان وأيوب ، وتقديره : نعم العبد هو إنه أوّاب.

الرابع عشر

للتنبيه (١) على أنه مطلق لا مقيد

كقوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) (الأنعام : ١٠٠) ، على القول بأن «الله» في موضع المفعول الثاني ل «جعل» ، و «شركاء» مفعول أول ، ويكون «الجن» في كلام ٣ / ٢٦٨ ثان مقدر ، كأنه قيل : فمن جعلوا شركاء؟ قيل : الجن ؛ وهذا يقتضي وقوع الإنكار على جعلهم (٢) «لله شركاء» على الإطلاق ، فيدخل مشركة (٣) غير الجنّ [ولو أخّر] (٤) فقيل : وجعلوا الجنّ شركاء لله ، كان الجنّ مفعولا أولا ، وشركاء ثانيا ، فتكون الشركة مقيّدة غير مطلقة ؛ لأنه جرى على الجنّ ، فيكون الإنكار توجه لجعل المشاركة للجن خاصة ، وليس كذلك وفيه زيادة سبقت.

الخامس عشر

للتنبيه على أن السبب مرتب

كقوله تعالى : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ) [٢١٢ / أ](وَظُهُورُهُمْ) (التوبة : ٣٥) قدّم الجباه ثم الجنوب ؛ لأن مانع الصدقة في الدنيا كان يصرف وجهه أولا عن السائل ، ثم ينوء بجانبه ، ثم يتولّى بظهره.

السادس عشر

التنقل

وهو أنواع : إما من الأقرب إلى الأبعد ، كقوله [تعالى] (٥) : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا

__________________

(١) في المخطوطة (التنبيه).

(٢) في المخطوطة (وجعلهم).

(٣) في المخطوطة (شر له).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) ليست في المطبوعة.

٣٣٨

رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً) (البقرة : ٢١ ـ ٢٢) قدّم ذكر المخاطبين على من قبلهم ، وقدم الأرض على السماء.

وكذلك قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (آل عمران : ٥) ، لقصد (١) الترقي.

وقوله : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (المؤمنون : ٨٦). ٣ / ٢٦٩

وإمّا بالعكس كقوله في أول الجاثية : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ* وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ) (الآية : ٣ ـ ٤).

وإما من الأعلى ، كقوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ) (آل عمران : ١٨).

وقوله : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ) (هود : ٤٩).

و [إما] (٢) من الأدنى ، كقوله [تعالى] (٣) : (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) (التوبة : ١٢١).

وقوله : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) (الكهف : ٤٩).

وقوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة : ٢٥٥).

فإن قلت : لم لا اكتفى بنفي الأدنى ، ليعلم منه نفي الأعلى بطريق الأولى؟ قلت : [يعلم] (٤) جوابه ممّا سبق من التقديم بالزمان.

وكقوله : (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ...) (المدثر : ٣١) الآية ، وبهذا يتبين فساد استدلال المعتزلة على تفضيل الملك على البشر بقوله : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) (النساء : ١٧٢) فإنّهم زعموا أنّ سياقها يقتضي الترقّي من الأدنى إلى الأعلى ، إذ لا يحسن أن يقال : [لا] (٥) يستنكف (٦) فلان عن خدمتك (٦) ، ولا من دونه بل ولا من فوقه.

وجوابه أن هؤلاء لمّا عبدوا المسيح ، واعتقدوا فيه الولديّة لما فيه من القدرة على

__________________

(١) في المخطوطة (القصيد).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ساقطة من المطبوعة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) عبارة المخطوطة (يستنكف المسيح فلان عن حديثك).

٣٣٩

الخوارق والمعجزات ، من إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص وغيره ؛ ولكونه خلق من غير تراب. والتزهيد في الدنيا وغالب هذه الأمور هي للملائكة (١) أتمّ ، وهم فيها أقوى ، فإن كانت هذه الصفات أوجبت عبادته ، فهو مع هذه الصفات لا يستنكف عن عبادة الله ، بل ولا من هو أكبر منه في هذه الصفات ، للترقي (٢) من الأدنى إلى الأعلى في المقصود ، ولم يلزم منه الشرف المطلق والفضيلة على المسيح. ٣ / ٢٧٠

السابع عشر

الترقي

كقوله [تعالى] (٣) : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها ...) (الأعراف : ١٩٥) الآية ؛ فإنه سبحانه بدأ منها بالأدنى لغرض الترقي ؛ لأن منفعة [الوصف] (٣) الرابع أهمّ من منفعة الثالث ، فهو أشرف منه ، ومنفعة الثالث أعم من منفعة الثاني ، ومنفعة الثاني أعم من منفعة الأول ، فهو أشرف منه.

وقد قرن السمع بالعقل ولم يقرن به البصر في قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ* وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) (يونس : ٤٢ ـ ٤٣) ، وما قرن بالأشرف كان أشرف ؛ وحكي ذلك عن علي بن عيسى الربعيّ (٤).

قال الشيخ أبو الفتح القشيريّ (٥) : فإن قيل : قد كان الأولى أن يقدّم الوصف الأعلى ، ثم ما دونه ، حتى (٦) ينتهي إلى

__________________

(١) في المخطوطة (في الملائكة).

(٢) في المخطوطة (يرقى).

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) هو علي بن عيسى بن الفرج أبو الحسن الربعي النحوي صاحب أبي علي الفارسي درس ببغداد الأدب على أبي سعيد السيرافي وأقام على أبي النحوي عشرين سنة يدرس فقال أبو علي : ما بقي له شيء يحتاج أن يسأل عنه من تصانيفه «شرح البلغة» و «البديع في النحو» و «شرح مختصر الجرمي» وغيرها ت ٤٢٠ ه‍ (القفطي ، إنباه الرواة ٢ / ٢٩٧).

(٥) هو محمد بن علي بن وهب ، أبو الفتح تقي الدين بن دقيق العيد القشيري تقدم التعريف به في ١ / ١١٧ و (٢ / ٣٣٨).

(٦) في المخطوطة (ثم).

٣٤٠