البرهان في علوم القرآن - ج ٣

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٣

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩

(وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ* [فَسَلامٌ]) (١) (الواقعة : ٩٠ ـ ٩١) (٢) [فجعل سيبويه الجواب ل «أمّا» وأجرى إن كان من أصحاب اليمين] (٢) في الاعتراض به مجرى الظرف ؛ لأنّ الشرط وإن كان جملة ؛ فإنه لما لم يقم بنفسه جرى مجرى الجزء الواحد ، ولو كان عنده جملة لما جاز الفصل به بين «أما» وجوابها ، لأنه لا يجوز. أما زيد فمنطلق ؛ وذهب الأخفش إلى أن الفاء جواب لهما.

ونظيره : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا (٣) [الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ] (٣)) (الفتح : ٢٥) ، فقوله : (لَعَذَّبْنَا) (الفتح : ٢٥) جواب للولا وللو (٤) جميعا.

واختار ابن مالك قول سيبويه أن الجواب «لأمّا» واستغنى به عن جواب «إن» لأن الجواب الأول الشرطين المتواليين في قوله : (إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ (٥) [إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ] (٥)) (هود : ٣٤) ونظائره (٦).

فإذا كان أول الشرطين «أما» كانت (٧) أحق بذلك لوجهين :

أحدهما : أنّ جوابها إذا انفردت لا يحذف أصلا ؛ وجواب غيرها إذا انفرد يحذف كثيرا لدليل ؛ وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد.

٣ / ١٩٢ والثاني : أن «أما» قد التزم معها حذف فعل الشرط ، (٨) [وقامت هي مقامه ، فلو حذف جوابها لكان ذلك إجحافا ، وإن ليست كذلك. انتهى.

والظاهر أنه لا حذف في الآية الكريمة ، وإنما] (٩) الشرط الثاني وجوابه جواب الأول ، والمحذوف إنما هو أحد الفاءين.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة. وانظر الكتاب ٣ / ٧٩ ، هذا باب يذهب فيه الجزاء من الأسماء.

(٣) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٤) في المطبوعة (ولو).

(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (ونظيره).

(٧) عبارة المخطوطة (أما إن كانت).

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٢٦١

وقال الفارسيّ في قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ...) (آل عمران : ٢٦) الآية : إنه حذف منه : أعزّنا ولا تذلّنا.

وقال في قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) (النساء :

٦٢) ، تقديره : «فكيف تجدونهم مسرورين» أو «محزونين» ، ف «كيف» [في] (١) موضع نصب بهذا الفعل المضمر ، [وهذا الفعل المضمر] (١) قد سدّ مسدّ جواب إذا.

حذف جواب القسم

لعلم السامع (٢) المراد منه ، كقوله تعالى : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً* وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً* وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً* فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً* فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً* يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) (النازعات :١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦) تقديره : لتبعثنّ ولتحاسبنّ ، بدليل إنكارهم للبعث في قولهم (٣) : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) (النازعات : ١٠).

وقيل : القسم وقع على قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) (النازعات : ٢٦).

وكقوله تعالى : (لَنْ نُؤْثِرَكَ) (طه : ٧٢) وحذف لدلالة الكلام السابق عليه.

٣ / ١٩٣ واختلف في جواب القسم في : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (ص : ١) فقال الزجّاج (٤) : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (ص : ٦٤) ، واستبعده الكسائي.

وقال الفراء (٥) : قد تأخّر كثيرا ، وجرت بينهما قصص مختلفة ، فلا يستقيم ذلك في العربية.

وقيل : (كَمْ أَهْلَكْنا) (ص : ٣) ، ومعناه : لكم أهلكنا ، وما بينهما اعتراض (٦) ، وحذفت اللام لطول الكلام.

وقال [الأخفش] (٧) : (إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) (ص : ١٤) ، والمعترض بينهما قصة

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (العلم السابع).

(٣) في المخطوطة (قوله تعالى).

(٤) تصحفت العبارة في المخطوطة إلى (فقال الكسائي والفراء والزجاج).

(٥) في معاني القرآن ٢ / ٣٩٧.

(٦) في المخطوطة (اغراض).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

٢٦٢

واحدة. وعن قتادة (١) : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) (ص : ٢) ، مثل : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ* بَلْ عَجِبُوا) (ق : ١ ـ ٢).

وقال صاحب (٢) «النظم» [في] (٣) هذا القول : معنى (٤) «بل» توكيد الأمر (٥) بعده ؛ فصار مثل أنّ الشديدة تثبت ما بعدها ، وإن كان لها معنى [١٩٧ / أ] آخر في نفي خبر متقدم ؛ كأنه قال : إن الذين كفروا في عزة وشقاق.

وقال أبو القاسم الزجّاجي (٦) : إن النحويين قالوا : إن «بل» تقع في جواب القسم كما تقع «إنّ» لأن المراد بها توكيد الخبر ؛ وذلك في (ص وَالْقُرْآنِ ...) (ص : ١) الآية. و [في] (٧) (ق وَالْقُرْآنِ ...) (ق : ١) الآية ؛ وهذا من طريق الاعتبار ، ويصلح أن يكون بمعنى «إنّ» لأنه سائغ في كلامهم ؛ أو يكون (٨) «بل» جوابا للقسم ؛ لكن لما كانت متضمنة (٩) رفع خبر وإتيان خبر بعده كانت (١٠) أوكد من سائر التوكيدات ، فحسن وضعها موضع «إن».

وقيل : الجواب محذوف ، أي والقرآن المجيد ، ما الأمر كما يقول هؤلاء. أو الحق (١١) ما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ٣ / ١٩٤

وقال الفراء (١٢) في قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (الانشقاق : ١) جوابه محذوف ؛ أي فيومئذ يلاقي حسابه.

__________________

(١) أخرجه الطبري في التفسير ٢٣ / ٧٦. ذكر الاختلاف في الذي وقع عليه اسم القسم.

(٢) هو الحسن بن يحيى الجرجاني انظر ٢ / ٢٢٥.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (بمعنى).

(٥) في المخطوطة (للأمر).

(٦) هو عبد الرحمن بن إسحاق أبو القاسم الزجاجي ، لزم الزجاج أبا إسحاق وقرأ عليه النحو ، وكانت طريقته في النحو متوسطة وتصانيفه يقصد بها الإفادة وقد صنف «الجمل» بمكة حماها الله ، وكان إذا فرغ من باب طاف به أسبوعا ودعا الله أن يغفر له وأن ينتفع به قارئه وله أيضا «الحلل في إصلاح الخلل» و «شرح مقدمة أدب الكاتب» ت ٣٤٠ ه‍ (القفطي ، إنباه الرواة ٢ / ١٦٠).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (تكون).

(٩) في المخطوطة (متضمنا).

(١٠) في المخطوطة (كان).

(١١) في المخطوطة (لحق).

(١٢) في معاني القرآن ٣ / ٢٤٩.

٢٦٣

وعن قتادة (١) (٢) [أن جوابه : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ)] (٢) (الانشقاق : ٢) يعني أن الواو فيها بمعنى السقوط ، كقوله تعالى : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنادَيْناهُ) (الصافات : ١٠٣ ـ ١٠٤) ، أي ناديناه.

حذف الجملة

هي أقسام : قسم هي مسببة عن المذكور ، وقسم هي سبب له ، وقسم خارج عنها (٣) ؛ فالأول : كقوله تعالى : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) (الأنفال : ٨) فإن اللام الداخلة على الفعل لا بدّ لها من متعلّق ، يكون سببا عن مدخول اللام ، فلما لم يوجد لها متعلّق في الظاهر وجب تقديره ضرورة فيقدّر : فعل ما فعل ليحق الحق.

والثاني (٤) : كقوله تعالى : (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) (البقرة : ٦٠) ؛ فإن الفاء ، إنما تدخل على شيء مسبّب عن شيء ، ولا مسبّب إلا له (٥) سبب ، فإذا وجد المسبب ـ ولا سبب له ظاهرا ـ أوجب (٦) أن يقدّر ضرورة ، فيقدر : فضربه فانفجر.

والثالث : كقوله تعالى : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) (الذاريات : ٤٨) ، أي نحن هم ، أو هم نحو.

وقد يكون المحذوف أكثر من جملة كقوله تعالى : (فَأَرْسِلُونِ* يُوسُفُ ...) (يوسف : ٤٥ ـ ٤٦) الآية ، فإن التقدير : «فأرسلون إلى يوسف لأستعبره الرؤيا ، فأرسلوه إليه لذلك ، ٣ / ١٩٥ [فجاء] (٧) فقال له : يا يوسف» وإنما قلنا : إنّ هذا الكل محذوف ؛ لأن قوله : (فَأَرْسِلُونِ) (٨) (يوسف : ٤٥) يدل لا محالة على المرسل إليه ، فثبت أن «إلى يوسف» محذوف. ثم إنه لما طلب الإرسال إلى يوسف عند العجز الحاصل للمعبّرين عن تعبير رؤيا الملك دلّ (٩) ذلك على أن المقصود من طلب الإرسال إليه استعباره الرؤيا التي (١٠) عجزوا عن تعبيرها ومنه قوله تعالى : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ...) (النمل : ٢٨) الآية ، فأعقب بقوله حكاية عنها : (قالَتْ

__________________

(١) انظر إملاء ما منّ به الرحمن ٢ / ١٥٣.

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (عنهما).

(٤) في المخطوطة (الثاني).

(٥) في المخطوطة (وله).

(٦) في المخطوطة (يجب).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) تصحفت في المطبوعة إلى (أرسلون).

(٩) في المخطوطة (دون).

(١٠) في المخطوطة (الذي).

٢٦٤

يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) (النمل : ٢٩) ، تقديره : فأخذ الكتاب فألقاه إليهم ، فرأته بلقيس ، وقرأته ، و (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) (النمل : ٢٩).

وقوله : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (مريم : ١٢) ، حذف يطول ، تقديره : فلما ولد يحيى ونشأ وترعرع قلنا : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) (مريم : ١٢).

ومنه قوله تعالى حكاية عن قوم موسى : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى * قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) (طه : ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣).

وقوله : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) (النمل : ٤٠) إلى قوله : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) (النمل : ٤١).

وقوله [تعالى] (١) : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (الزمر : ٢٢) أي كمن قسا قلبه ترك (٢) على ظلمه وكفره ؛ ودلّ على المحذوف قوله [تعالى] (١) : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) (الزمر : ٢٢).

ومن حذف الجملة قوله [تعالى] (٣) : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) (البقرة : ٣٠) قيل : المعنى جاعل في الأرض خليفة يفعل [فيها] (٤) كذا وكذا ؛ وإلا فمن أين علم الملائكة (٥) أنهم يفسدون! وباقي الكلام يدلّ [١٩٧ / ب] على المحذوف (٦).

وقوله : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) (الحجرات : ١٢) ، قال الفارسي (٧) : المعنى فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة : (وَاتَّقُوا اللهَ) (الحجرات : ١٢) ، عطف ٣ / ١٩٦ على قوله : «فاكرهوا» وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه ؛ كقوله [تعالى] (٨) : (فَانْفَجَرَتْ)

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (وتركه).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ساقطة من المطبوعة.

(٥) تكررت في المخطوطة في هذا الموضع الآية (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها).

(٦) في المخطوطة (الحذف).

(٧) نقل قوله ابن الشجري في أماليه ٢ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠.

(٨) ليست في المخطوطة.

٢٦٥

(البقرة : ٦٠) ، أي فضرب فانفجرت. فقوله : (فَكَرِهْتُمُوهُ) (الحجرات : ١٢) كلام مستأنف ، وإنما دخلت الفاء لما في الكلام من معنى الجواب ؛ لأن قوله : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ) (الحجرات : ١٢) كأنهم قالوا في جوابه : لا ، فقال : فكرهتموه ؛ أي فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة.

قال ابن الشجريّ (١) : وهذا التقدير بعيد ؛ لأنه قدر المحذوف موصولا ، وهو «ما» المصدرية ، وحذف الموصول ، وإبقاء صلته ضعيف ؛ وإنما التقدير : فهذا كرهتموه ؛ والجملة المقدرة المحذوفة ابتدائية لا أمرية ، والمعنى : فهذا كرهتموه ، والغيبة مثله ؛ وإنما قدرها أمرية ليعطف عليها الجملة الأمرية [التي] (٢) في قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) (الحجرات : ١٢).

حذف القول

قد كثر في القرآن العظيم حتى إنه في الإضمار بمنزلة الإظهار ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (الزمر : ٣) ، أي يقولون : ما نعبدهم إلا للقربة.

ومنه : (وَنَزَّلْنا (٣) عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى * كُلُوا) (طه : ٨٠ ـ ٨١) ، أي وقلنا كلوا ، أو قائلين.

وقوله : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا [مِنْ رِزْقِ اللهِ]) (٤) (البقرة : ٦٠) ، أي قلنا (٥). (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا) (البقرة : ٦٣) ، [أي وقلنا : خذوا] (٦). (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (البقرة : ١٢٥) ، أي وقلنا : اتخذوا. ٣ / ١٩٧

وقوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا]) (٧) (البقرة : ١٢٧) ، أي يقولان : ربنا. وعليه قراءة عبد الله (٨).

__________________

(١) في الأمالي ١ / ١٤٩ و٢ / ٣٢٩.

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (وَأَنْزَلْنا). [البقرة : ٥٧].

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (أي قائلا أنت).

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) ذكرها أبو حيّان في البحر المحيط ١ / ٣٨٨.

٢٦٦

(فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) (آل عمران : ١٠٦) ؛ أي فيقال لهم ، لأنّ «أمّا» لا بدّ لها في الخبر من فاء ، فلما أضمر القول أضمر الفاء.

وقوله : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ* هذا ما تُوعَدُونَ) (ص : ٥٢ ـ ٥٣) ، [أي] (١) يقال لهم هذا.

وقوله : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* [سَلامٌ عَلَيْكُمْ]) (٢) (الرعد : ٢٣ ـ ٢٤) ، أي يقولون [سلام] (٢).

وقوله : (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ [هذا يَوْمُكُمُ]) (٣) (الأنبياء : ١٠٣) ، أي يقولون لهم ذلك.

وقوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ [إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا]) (٤) ، (الزمر : ٣) أي يقولون ما نعبدهم (٥).

وقوله : (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ* إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) (الواقعة : ٦٥ ـ ٦٦) ؛ أي يقولون إنّا لمغرمون ، أي معذّبون ، وتفكّهون : تندّمون (٦).

وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا]) (٧) (السجدة : ١٢) أي يقولون : ربنا.

وقوله : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ [وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ]) (٨) (سبأ : ٢٣) ، أي قالوا : قال الحق. ٣ / ١٩٨

حذف الفعل

وينقسم إلى عام وخاص :

فالخاص نحو «أعني» مضمرا ، وينتصب المفعول به في المدح ؛ نحو (وَالصَّابِرِينَ فِي

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة. وقد تصحفت في المخطوطة إلى (هذا يوم كلم).

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) تكررت هذه العبارة في المخطوطة وزيد عليها (إلا ليقربونا).

(٦) في المخطوطة (وتندمون).

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) تمام الآية ليس في المخطوطة.

٢٦٧

الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) (البقرة : ١٧٧) ، وقوله : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) (النساء : ١٦٢) ، أي أمدح.

واعلم أنه إذا كان المنعوت متعيّنا لم يجز تقدير ناصب نعته بأعني (١) ؛ نحو الحمد لله الحميد ؛ بل المقدّر فيه ، (٢) [وفي نحوه أذكر أو أمدح ، فاعرف ذلك. والذم نحو قوله تعالى : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) ، (المسد : ٤) في قراءة] (٢) النصب (٣) ، والأخفش ينصب في المدح بأمدح ، وفي الذم بأذمّ.

واعلم أنّ مراد المادح إبانة الممدوح (٤) من غيره ، فلا بدّ من إبانة إعرابه (٥) [عن] (٦) غيره ، ليدلّ اللفظ على المعنى المقصود ، ويجوز فيه النصب بتقدير أمدح ، والرفع على معنى «هو» ؛ ولا يظهران لئلا يصيرا (٧) بمنزلة الخبر.

والذي لا مدح فيه فاختزال العامل فيه واجب ، كاختزاله (٨) [١٩٨ / أ] في «والله لأفعلن» ؛ إذ لو قيل : «أحلف بالله» لكان عدة لا قسما.

٣ / ١٩٩ والعامّ كلّ منصوب دلّ عليه الفعل لفظا ، أو معنى ، أو تقديرا. ويحذف لأسباب :

أحدها : أن يكون (٩) مفسّرا ، كقوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (الانشقاق : ١) ، (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة : ٤٠).

ومنه : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) (القمر : ٢٤). (وَالسَّماءَ رَفَعَها) (الرحمن : ٧). (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (التكوير : ١). (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) (التوبة : ٦). (إِنْ طائِفَتانِ) (الحجرات : ٩) فإنه ارتفع ب «اقتتل» مقدّرا (١٠).

__________________

(١) تصحفت العبارة في المخطوطة إلى (بل نحيي).

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٣) وهي قراءة عاصم بنصب التاء في (حمالة) ، والباقون برفعها. (التيسير : ٢٢٥).

(٤) عبارة المخطوطة (بأنه للممدوح).

(٥) في المخطوطة (إعراب).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (يصير).

(٨) في المخطوطة (لاختزاله).

(٩) في المخطوطة (يقول).

(١٠) في المخطوطة (مقدر).

٢٦٨

قالوا : ولا يجوز حذف الفعل مع شيء من حروف الشرط العاملة ، سوى «إن» لأنها الأصل.

وجعل ابن الزملكاني (١) هذا مما هو دائر بين الحذف والذكر ؛ فإن الفعل المفسّر كالمتسلط على المذكور ؛ ولكن لا يتعين إلا بعد تقدم إبهام ولقد يزيده الإضمار إبهاما إذا لم يكن المضمر من جنس الملفوظ به ؛ نحو : (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (الانسان : ٣١). (٢) [إذ المذكور في حكم الشاهد للمقدر فيلتحق بباب الكناية والتقدير ويعذب الظالمين لأنه أعدّ لهم عذابا أليما] (٢).

الثاني : أن يكون هناك حرف جرّ ؛ نحو (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة : ١) فإنه يفيد أن المراد : بسم الله أقرأ أو أقوم ، أو أقعد عند القراءة ، وعند الشروع في القيام أو القعود ، أيّ فعل كان. ٣ / ٢٠٠

واعلم أنّ النحاة اتفقوا على أنّ «بسم الله» بعض جملة ، واختلفوا.

فقال البصريون : الجملة اسمية ؛ أي ابتدائي بسم الله.

وقال الكوفيون : الجملة فعلية ، وتابعهم الزمخشريّ (٣) في تقدير الجملة فعلية ؛ ولكن خالفهم في موضعين : أحدهما أنّهم يقدّرون الفعل مقدّما ، وهو يقدره مؤخرا. والثاني : أنّهم يقدرونه فعل البداية (٤) ، وهو يقدّره في كلّ موضع بحسبه ، فإذا قال الذابح : بسم الله ، كان التقدير : بسم الله أذبح ، وإذا قال القارئ : بسم الله ، فالتقدير : بسم الله أقرأ.

وما قال أجود مما قالوا (٥) ؛ لأن مراعاة المناسبة أولى من إهمالها ، ولأنّ اسم الله أهمّ من الفعل ، فكان أولى بالتقديم ؛ ومما يدلّ على ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «باسمك ربّي وضعت جنبي» (٦) ، فقدم اسم الله على الفعل المتعلق فيه (٧) الجار ، وهو «وضعت».

__________________

(١) هو محمد بن علي بن عبد الواحد ، كمال الدين الزملكاني تقدم التعريف به في ١ / ١٣٥.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٣) انظر الكشاف ١ / ٤ و٥.

(٤) في المخطوطة (البداءة).

(٥) في المخطوطة (قالوه).

(٦) أخرجه البخاري في الصحيح ١٣ / ٣٧٨ ، من حديث عن أبي هريرة أوله : «إذا جاء أحدكم فراشه فلينفضه بصنفة ثوبه ...» الحديث كتاب التوحيد (٩٧) ، باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها ، الحديث (١٣).

(٧) في المطبوعة (ثم).

٢٦٩

الثالث : أن يكون جوابا لسؤال وقع ، كقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (لقمان : ٢٥).

وقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ) (العنكبوت : ٦٣).

وقوله (١) : ([وَقالُوا] (٢) كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) (البقرة : ١٣٥) ٣ / ٢٠١ أي بل نتبع. أو جوابا لسؤال مقدّر ؛ كقراءة (٣) : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ* رِجالٌ) (النور : ٣٦ ـ ٣٧) ببناء الفعل للمفعول ؛ فإنّ التقدير : يسبّحه [فيها] (٤) رجال.

وفيه فوائد : منها الإخبار بالفعل مرّتين. ومنها جعل الفضلة عمدة.

ومنها : أنّ الفاعل فسّر بعد اليأس منه كضالة وجدها بعد اليأس ، ويصحّ أن يكون «يسبّح» بدل من «يذكر» على طريقة : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى : ١) و «له فيها» خبر مبتدأ هو «رجال».

مثله قراءة من قرأ (٥) : (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) (الأنعام : ١٣٧) ، قال أبو العباس : المعنى زيّنه شركاؤهم ؛ فيرفع الشركاء بفعل مضمر دلّ عليه «زيّن».

ومثله (٦) قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) (الأنعام : ١٠٠) إن جعلنا قوله «لله شركاء» (٧) مفعولي «جعلوا» ، لأن «لله» في موضع الخبر [١٩٨ / ب] المنسوخ ، وشركاء (٨) (٩) [نصب في موضع المبتدأ. وعلى هذا فيحتمل وجهين : أحدهما أن يكون مفعولا بفعل] (٩) محذوف دل عليه

__________________

(١) زيادة في المخطوطة كلمة (تهتدون) في هذا الموضع.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) قرأ ابن عامر وأبو بكر بفتح الباء في (يسبّح له). والباقون بكسرها (التيسير : ١٦٢).

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) قرأ ابن عامر «وكذلك زيّن» بضم الزاي وكسر الياء «قتل» برفع اللام «أولادهم» بنصب الدال «شركائهم» بخفض الهمزة ، والباقون بفتح الزاي ونصب اللام وخفض الدال ورفع الهمزة. (التيسر : ١٠٧).

(٦) في المخطوطة (ومنه).

(٧) في المخطوطة (شركاء لله شركاء).

(٨) في المخطوطة (وشركاؤكم).

(٩) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

٢٧٠

سؤال مقدّر ، كأنّه (١) [قيل : أجعلوا لله شركاء؟] (١) قيل : جعلوا الجنّ ، فيفيد الكلام إنكار الشريك مطلقا ، فدخل اعتقاد الشريك من غير الجن (٢) في إنكار (٣) دخول اتخاذه من الجن.

والثاني : ذكره الزمخشريّ أنّ الجنّ بدل من «شركاء» ، فيفيد إنكار الشريك مطلقا ، كما سبق ، وإن جعل (٤) «لله» صلة كان «شركاء الجن» مفعولين ، قدم ثانيهما على أولهما (٥) ؛ وعلى هذا فلا حذف (٥).

٣ / ٢٠٢ فأما على الوجه الأول فقيل : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) (الأنعام : ١٠٠) ، ولم يقل : «وجعلوا الجنّ شركاء لله» تعظيما لاسم الله [تعالى] (٦) ؛ لأنّ شأن الله أعظم في النفوس ؛ فإذا قدم «لله» والكلام فيه

يستدعي طلب المجعول له ما هو؟ فقيل : شركاء وقع في غاية التشنيع ؛ لأنّ النفس منتظرة لهذا المهمّ المعلّق بهذا المعظم نهاية التعظيم ؛ فإذا علم أنّه علّق به هذا المستبشع (٧) في النهاية ، كان أعظم موقعا من العكس ؛ لأنّه إذا قيل : وجعلوا شركاء (٨) [لم] (٩) يعطه تشوف النفوس (١٠) ؛ لجواز أن يكون : جعلوا شركاء في أموالهم وصدقاتهم أو غير ذلك.

الثالث : أنّ الجعل غالبا لا يتعلق بالله ويخبر به إلا وهو جعل مستقبح كاذب ؛ إذ لا يستعمل جعل الله رحمة ومشيئة وعلما (١١) ؛ ونحوه ، لا سيّما بالاستقراء القرآني ؛ ك (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) (النحل : ٥٧) (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) (النحل : ٦٢) إلى غير ذلك (١٢) [فإذا قيل وجعلوا عصبه اقترحوها وافتروها وقصدوا بها تشوّف النفوس إلى ذلك ما لا يحصل في جعلوا شركاء] (١٣).

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (الحق).

(٣) في المخطوطة (الإنكار).

(٤) في المخطوطة (جعلنا).

(٥) عبارة المخطوطة (وهذا على خلاف).

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (المتشبع).

(٨) في المخطوطة (وجعله شركاؤكم).

(٩) ساقطة من المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (النفس).

(١١) في المخطوطة (وغالبا).

(١٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

٢٧١

الرابع : أن أصل الجعل وإن جاز وإسناده إلى الله فيما إذا كان الأمر لائقا ، فإن بابه مهول ؛ لأن الله تعالى قد علّمنا عظيم خطره ، وألا (١) نقول فيه إلا بالعلم ، كقوله : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (البقرة : ١٦٩) ، (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم : ٢٨) ، إلى غير ذلك ، مع ما دلّ عليه الأدب عقلا ، وكان نفس الجعل مستنكرا إن لم يتبع بمجعول (٢) لائق ، فإذا أتبع بمجعول غير لائق منهم ثم فسّر بخاص مستنكر ، صار قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) (الأنعام : ١٠٠) في قوة إنكار ذلك ثلاث مرات : الأوّل جسارتهم في أصل الجعل (٣) ، الثاني في كون المجعول شركاء ، الثالث في أنهم شركاء جنّ.

الخامس : أن في تقديم «لله» إفادة تخصيصهم إياه بالشركة على الوجه الثالث ، دون جميع ما يعبدون ، لأنه الإله (٤) الحق.

السادس : أنه جيء بكلمة «جعلوا» لا «اعتقدوا» ولا «قالوا» (٥) [لأنه أدلّ على إثبات المعتقد] (٥) ، لأنه يستعمل في الخلق والإبداع.

٣ / ٢٠٣ السابع : كلمة «شركاء» ولم يقل «شريكا» وفاقا لمزيد ما فتحوا من اعتقادهم.

الثامن : لم يقل «جنّا» ، وإنما قال «الجن» ، دلالة على أنهم اتخذوا الجن كلها وجعلوه من حيث هو صالح لذلك ؛ وهو أقبح من التنكير الذي وضعه للمفردات المعدولة.

***

الرابع : أن يدلّ عليه معنى (٦) الفعل الظاهر ؛ كقوله تعالى : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) (النساء : ١٧١) ، أي (٧) وائتوا أمرا خيرا لكم (٧) ؛ فعند سيبويه (٨) أن «خيرا» انتصب بإضمار «ائت» (٩) لأنّه لما نهاه علم أنه يأمره بما هو خير ؛ فكأنه قال : «وائتوا خيرا» ؛ لأن النهي عن

__________________

(١) في المخطوطة (ولأنا). تصحيف.

(٢) في المخطوطة (مجعول).

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (العجل).

(٤) في المخطوطة (إله).

(٥) العبارة ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (بمعنى).

(٧) تكررت الآية في المخطوطة (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ).

(٨) انظر الكتاب ١ / ٢٨٢ ـ ٢٨٤ (هذا باب يحذف منه الفعل لكثرته في كلامهم ...).

(٩) في المخطوطة (وائت).

٢٧٢

الشيء أمر بضدّه ؛ ولأنّ (١) النهي تكليف ، وتكليف العدم محال ؛ لأنه ليس مقدورا ، فثبت أنّ متعلّق التكليف أمر وجوديّ ، ينافي المنهيّ عنه وهو الضدّ.

وحمله الكسائيّ على إضمار «كان» أي يكن الانتهاء خيرا (٢) لكم. ويمنعه إضمار كان ، ولا تضمر في كل [١٩٩ / أ] موضع ، ومن (٣) جهة المعنى إذ من ترك ما نهي عنه فقد سقط عنه اللوم وعلم أن ترك المنهيّ عنه خير من فعله ، فلا فائدة في قوله «خيرا».

وحمله الفراء على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي انتهوا انتهاء خيرا [لكم] (٤). وقال : إنّ هذا الحذف لم يأت إلا فيما كان أفعل ، نحو خير لك ، وأفعل.

٣ / ٢٠٤ ورد مذهبه ومذهب الكسائي بقوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) (النساء : ١٧١) (٥) [لو حمل على ما قالا لا يكون خيرا] (٥) لأن من انتهى عن التثليث وكان معطّلا لا يكون خيرا له. وقول سيبويه : وائت خيرا يكون أمرا بالتوحيد الذي هو خير. فلله در الخليل وسيبويه ، ما أطلعهما على المعاني! وقوله : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) (يونس : ٧١) ، إن لم يجعل مفعولا معه ، أي وادعوا شركاءكم ، وبإظهار «ادعوا» قرأ أبيّ (٦) ، وكذلك هو مثبت في مصحف ابن مسعود.

وقوله تعالى : (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) (الصافات : ٩٣) ، قال ابن الشجري (٧) : معناه مال عليهم يضربهم ضربا. ويجوز نصبه على الحال ؛ نحو أتيته مشيا ، [أي ماشيا] (٨). (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) (البقرة : ٢٦٠) أي ساعيات. وقوله :

__________________

(١) في المخطوطة (لأن).

(٢) في المخطوطة (خير).

(٣) في المخطوطة (من).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٦) ذكرها أبو حيان في البحر المحيط ٥ / ١٧٩.

(٧) هو هبة الله بن علي الحسني المعروف بابن الشجري تقدم التعريف به في ٢ / ٤٧٥. وانظر أماليه ٢ / ١٦٥.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

٢٧٣

«باليمين» إمّا اليد أو القوة. وجوّز ابن الشجري إرادة القسم والباء للتعليل ؛ أي لليمين التي حلفها ، وهي قوله تعالى : ([تَاللهِ]) (١) لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ (الأنبياء : ٥٧).

وزعم النوويّ في قوله تعالى : (قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) (النور : ٥٣) ، أن التقدير ليكن منكم طاعة معروفة.

***

الخامس : أن يدلّ عليه العقل كقوله تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ [مِنْهُ]) (١) (البقرة : ٦٠) [أي فضرب فانفجرت] (٢).

وقوله : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ* فَفَتَحْنا) (القمر : ١٠ ـ ١١) ، قال النحاس (٣) : التقدير فنصرناه ففتحنا أبواب السماء ؛ لأن ما ظهر من الكلام يدلّ على ما حذف.

وقوله : (يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) (لقمان : ٢٧) أي يكتب بذلك كلمات الله ما نفدت ، قاله أبو الفتح (٤).

وقوله : (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) (البقرة : ٢٤٣).

٣ / ٢٠٥ [فقوله : «ثم أحياهم»] (٥) معطوف على فعل محذوف [تقديره] (٥) فماتوا ثم أحياهم ، (٦) [ولا يصحّ عطف قوله : «ثم أحياهم»] (٦) على قوله : «موتوا» لأنه أمر ، وفعل الأمر لا يعطف على الماضي.

وقوله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) (البقرة : ٢١٣) ، [أي فاختلفوا فبعث] (٧) ، وحذف لدلالة قوله [تعالى] (٨) (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (البقرة : ٢١٣) ، وهي في قراءة عبد الله كذلك (٩).

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) العبارة ساقطة من المخطوطة.

(٣) في إعراب القرآن ٤ / ٢٨٨ إعراب سورة القمر.

(٤) انظر المحتسب ٢ / ١٦٩ والخصائص ٢ / ٢١٢.

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) ليست في المطبوعة.

(٩) ذكرها أبو حيان في البحر المحيط ٢ / ١٣٥.

٢٧٤

وقيل : تقديره كان الناس أمّة واحدة كفارا ، فبعث الله النبيين ، فاختلفوا والأول أوجه.

وقوله : (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (الأعراف : ٦٣) ، (١) [فالهمزة للإنكار ، والواو للعطف ، والمعطوف عليه محذوف تقديره : أكذّبتم وعجبتم أن جاءكم] (١).

وقوله : (قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (الأعراف : ١١٤) ، هو معطوف على محذوف سدّ مسدّه حرف الإيجاب ؛ كأنّه قال إيجابا لقولهم : (إِنَّ لَنا لَأَجْراً) (الأعراف : ١١٣) ، (٢) نعم إن لكم أجرا وإنكم لمن المقربين (٢).

وقوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ) (البقرة : ١٨٤) ، أي فأفطر (٣) فعدة ، خلافا للظاهرية حيث أوجبوا الفطر على المسافر أخذا من الظاهر (٤).

وقوله [تعالى] (٥) : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ) (البقرة : ١٩٦) ، أي فحلق ففدية.

وقوله : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) (البقرة : ٧٣) ، قال الزمخشري (٦) : التقدير فضربوه فحيي ، فحذف ذلك لدلالة قوله : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) (البقرة : ٧٣). ٣ / ٢٠٦

وزعم ابن جني أن التقدير في قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) (النساء : ٤١) أن التقدير فكيف [يكون] (٧) إذا جئنا.

***

السادس : أن يدلّ عليه ذكره في موضع آخر ، كقوله [تعالى] (٨) : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) (البقرة : ٧٢) ، قال الواحديّ (٩) : هو بإضمار «اذكر» ، ولهذا لم يأت لإذ بجواب. ومثله

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) تصحفت العبارة في المخطوطة تكرارا كما يلي (نعم إن لكم لأجرا إنّ لنا لأجرا وإنكم لمن المقربين).

(٣) في المخطوطة (ويفطر).

(٤) انظر المحلى لابن حزم ٦ / ٢٤٣ المسألة (٧٦٢).

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) انظر الكشاف ١ / ٧٦.

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) ساقطة من المطبوعة.

(٩) هو علي بن أحمد الواحدي تقدم التعريف به في ١ / ١٠٥.

٢٧٥

قوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) (هود : ٦١) ، وليس شيء قبله تراه ناصبا ل «صالحا» (١) ، بل علم بذكر النبي والمرسل إليه أن فيه إضمار «أرسلنا».

وقوله : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) (الأنبياء : ٨١) أي وسخرنا.

ومثله [١٩٩ / ب] : (وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ) (الأنبياء : ٧٦) (وَذَا النُّونِ) (الأنبياء : ٨٧).

وكذا : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) (الأنبياء : ٧٨) ، أي واذكر.

قال : ويدل على «اذكر» في هذه الآيات (٢) قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) (الأنفال : ٢٦) ، (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) (الأعراف : ٨٦).

وما قاله ظاهر ، لأنّ (٣) مفعول «اذكر» يكون محذوفا أيضا تقديره : (٤) «واذكروا حالكم» (٤) ونحوه إذا (٥) كان كذا ، وذلك ليكون «إذ» في موضع نصب على الظرف ، ولو لم يقدّر (٦) ذلك المحذوف لزم وقوع «إذ» مفعولا (٧) به ؛ والأصح أنها لا تفارق الظرفية.

***

٣ / ٢٠٧ السابع : المشاكلة ، كحذف (٨) الفاعل في «بسم الله» لأنه موطن لا ينبغي أن يتقدم فيه سوى ذكر الله ؛ فلو ذكر (٩) الفعل وهو لا يستغنى عن فاعله كان ذلك مناقضا للمقصود ، وكان في حذفه مشاكلة اللفظ للمعنى ؛ ليكون المبدوء به اسم الله كما تقول في الصلاة : الله أكبر ، ومعناه «من كل شيء» ، ولكن (١٠) لا تقول هذا المقدّر ليكون اللفظ في اللسان مطابقا لمقصود الجنان (١١) ؛ وهو أن يكون (١٢) في القلب ذكر الله [العظيم] (١٣) وحده. وأيضا فلأنّ الحذف أعمّ من الذكر ؛ فإنّ (١٤) أيّ فعل ذكرته كان المحذوف أعمّ منه ؛ لأن التسمية تشرع عند كل فعل.

__________________

(١) في المخطوطة (صالح).

(٢) في المخطوطة (الآية).

(٣) في المطبوعة (إلا أن).

(٤) تصحفت عبارة المطبوعة إلى (واذكروا أخالكم).

(٥) في المخطوطة (إذ).

(٦) في المطبوعة (يفد).

(٧) في المخطوطة (محذوفا بها).

(٨) في المخطوطة (في حذف).

(٩) في المخطوطة (ذكرت).

(١٠) في المخطوطة (ويمكن).

(١١) في المخطوطة (الخيال).

(١٢) تصحفت في المخطوطة إلى (لا يكون).

(١٣) ليست في المطبوعة.

(١٤) في المخطوطة (فإذن).

٢٧٦

الثامن : أن يكون بدلا من مصدره ؛ كقوله تعالى : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) (محمد : ٤) ، وقوله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) (محمد : ٤) ؛ أي فإما [أن] (١) تمنّوا ، وإما أن تفادوا.

وقد اختلف في نصب «السلام» في قوله تعالى في سورة هود : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً) (هود : ٦٩) وفي الذاريات : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً) (الذاريات : ٢٤ ـ ٢٥) ؛ وفي نصبها وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا (٢) بالقول ، أي يذكرون قولا «سلاما» (٢) فيكون من [باب] (٣) قلت حقا وصدقا.

الثاني : أن يكون منصوبا بفعل (٤) محذوف تقديره : فقالوا سلّمنا سلاما ، أي سلمنا تسليما ؛ فيكون قد حكى الجملة بعد القول ، ثم حذفها واكتفى ببعضها.

والحاصل أنه هل هو منصوب بالقول ، أو بكونه مصدرا لفعل محذوف؟.

ومثله قوله تعالى : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) (النحل : ٣٠) ، منصوب ، ب «قالوا» كقولك فقلت حقا ، أو منصوب بفعل مضمر [أي] (٥) قالوا : أنزل خيرا ، من باب حذف الجملة المحكيّة وتبقية بعضها. ٣ / ٢٠٨

وأما قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (النحل : ٢٤) فمرفوع ؛ لأنه (٦) لا يمكن نصبه على تقدير «قالوا أساطير الأولين» ، لأنهم لم يكونوا يرونه (٧) من عند الله حتى يقولوا ذلك ، ولا هو أيضا من باب : قلت حقا وصدقا ، فلم يبق إلا رفعه (٨).

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) تصحفت عبارة المخطوطة تكرارا كما يلي (بفعل محذوف تقديره فقالوا سلمنا سلاما).

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (بالفعل).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (أنه).

(٧) في المخطوطة (بمنزلة).

(٨) تكررت عبارة في المخطوطة بعد كلمة رفعه ( ... رفعه ، على تقدير قالوا أساطير الأولين).

٢٧٧

تنبيه

قد يشتبه الحال في أمر (١) المحذوف وعدمه لعدم تحصيل معنى الفعل ، كما قالوا في قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (الإسراء : ١١٠) ، فإنّه قد يظن أن الدعاء فيه بمعنى النّداء ؛ فلا يقدّر في الكلام حذف ، وليس كذلك ، وإلاّ لزم الاشتراك إن كانا متفاوتين ، أو عطف الشيء على نفسه ؛ وإنما الدعاء هنا بمعنى التسمية التي تتعدى لمفعولين ، أي سمّوه الله أو الرحمن.

وقد يشتبه في تعيين المحذوف لقيام قرينتين ، كقوله تعالى : (بَلى قادِرِينَ) (القيامة : ٤) قدرّه سيبويه (٢) ب «بلى (٣) نجمعها قادرين» ، فقادرين حال وحذف الفعل لدلالة : (أَلَّنْ نَجْمَعَ) (القيامة : ٣) عليه.

وقدّره الفرّاء (٤) «نحسب» لدلالة (أَيَحْسَبُ) (٥) الْإِنْسانُ (القيامة : ٣) أي بلى ٣ / ٢٠٩ نحسبنا قادرين (٦). وتقدير سيبويه أولى [٢٠٠ / أ] لأنّ «بلى» ليس جوابا ل «يحسب» إنما هو جواب ل «أن لن نجمع» وقدره بعضهم : بلى نقدر قادرين.

وقيل : منصوب ، لوقوعه (٧) موقع الفعل (٨) ، وهو باطل ؛ لأنه ليس من نواصب الاسم وقوعه موقع الفعل.

تنبيه آخر

إنّ الحذف على ضربين : أحدهما ألاّ يقام شيء مقام المحذوف كما سبق. والثاني : أن يقام مقامه ما يدل عليه ، كقوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ)

__________________

(١) في المخطوطة (أثر).

(٢) انظر الكتاب ١ / ٣٤٦ (هذا باب ما جرى من الأسماء التي لم تؤخذ من الأفعال ...).

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (بل).

(٤) انظر معاني القرآن ٣ / ٢٠٨ ، سورة القيامة.

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (يحسب).

(٦) تكررت كلمة (قادرين) في المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (بوقوعه).

(٨) في المخطوطة (المصدر).

٢٧٨

(هود : ٥٧) ؛ ليس الإبلاغ هو الجواب لتقدّمه على قولهم ؛ فالتقدير (١) : فإن تولّوا فلا ملام عليّ ، لأنّي قد أبلغتكم (٢) [أو : فلا عذر لكم عند ربكم لأني أبلغتكم] (٢).

وقوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) (فاطر : ٤) فلا تحزن واصبر.

وقوله : (وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) (الأنفال : ٣٨) ، أي يصيبهم ما (٣) أصاب الأولين.

حذف الحرف

قال أبو الفتح في «المحتسب (٤)» : أخبرنا أبو عليّ قال : قال أبو بكر ابن السّرّاج (٥) : حذف الحرف ليس يقاس ، وذلك لأن الحرف نائب عن الفعل بفاعله ، ألا تراك إذا قلت : ما قام زيد ، فقد نابت «ما» عن «أنفي» كما نابت «إلا» عن «أستثني» ، وكما نابت الهمزة وهل عن «أستفهم» ، وكما نابت حروف العطف عن «أعطف» ، ونحو ذلك. فلو ذهبت تحذف الحرف ؛ لكان ذلك اختصارا ، واختصار المختصر إجحاف (٦) به ؛ إلا [أنه] (٧) إذا صحّ التوجّه [إليه ، وقد] (٨) جاز في بعض الأحوال حذفه لقوة الدلالة عليه. انتهى. ٣ / ٢١٠

فمنه الواو ، تحذف لقصد البلاغة ؛ فإنّ في إثباتها ما يقتضي تغاير المتعاطفين فإذا حذفت أشعر بأن الكلّ كالواحد : كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ [أَكْبَرُ]) (٩) (آل عمران : ١١٨) ؛ تقديره : ولا يألونكم (١٠) [خبالا] (١١).

__________________

(١) في المخطوطة (والتقدير).

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (مثل أصاب) بدون (ما).

(٤) تقدم التعريف بالكتاب في ١ / ٤٨١.

(٥) هو محمد بن السري ، تقدم التعريف به في ٢ / ٤٣٨.

(٦) في المخطوطة (إجحافا).

(٧) ساقطة من المطبوعة.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) ليست في المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (يولونكم).

(١١) ساقطة من المخطوطة.

٢٧٩

وقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) (الغاشية : ٨) ، أي ووجوه.

وخرّج عليه الفارسيّ قوله تعالى : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا ...) (التوبة : ٩٢) الآية. وقال : تقديره : «وقلت لا أجد» فهو معطوف على قوله : «أتوك» لأن جواب «إذا» قوله : (تَوَلَّوْا).

ومنعه ابن الشجريّ (١) في «أماليه» ؛ وعلى هذا فلا موضع له من الإعراب ، لأنه معطوف على الصلة ؛ والصلة لا موضع لها من الإعراب ، فكذلك ما عطف [عليها] (٢).

وقال الزمخشريّ (٣) : هي حال من الكاف في «أتوك» ، «وقد» قبله مضمرة كما في قوله [تعالى] (٤) (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) (النساء : ٩٠) ، أي إذا ما أتوك (٥) قائلا : لا أجد تولوا وعلى هذا فله موضع من الإعراب لأنه [حال] (٦).

قال السهيليّ (٧) في «أماليه» : ليس معنى الآية كما قالوا (٨) ؛ لأنّ رفع الحرج (٩) عن القوم ليس مشروطا بالبكاء عند التولّي ؛ وإنما شرطه عدم الجدة ، و [الآية] (١٠) نزلت في السبعة الذين سماهم (١١) ابن (١٢) إسحاق ؛ ولو كان جواب «إذا أتوك» في قوله : (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ) (التوبة : ٩٢) لكان من لم تفض عيناه من الدمع هو الذي حرج وأثم ؛ ٣ / ٢١١ وما (١٣) رفع الله الحرج عنهم إلا لأن الرسول لم يجد ما يحملهم عليه. وإذا عطفت (١٤) «قلت لا

__________________

(١) هو هبة الله بن علي تقدم التعريف به في ٢ / ٣٧٦.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) في الكشاف ٢ / ١٦٧.

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (إذا أتوك).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢. وكتابه «الأمالي في النحو واللغة والحديث والفقه» طبع بتحقيق محمد إبراهيم البنا بمطبعة السعادة في القاهرة عام ١٣٩٠ ه‍ / ١٩٧٠ م (معجم المنجد ٣ / ٩٩ وذخائر التراث ١ / ٥٨٣ وفهرس الكتب النحوية : ٤٥).

(٨) في المخطوطة (تأوّلوا).

(٩) في المخطوطة (الجزع).

(١٠) ليست في المطبوعة.

(١١) في المطبوعة (سمّى).

(١٢) تصحفت في المطبوعة إلى (أبو). وسبب ذكره ابن هشام في السيرة النبوية ٤ / ٥١٨ عن ابن اسحاق في (غزوة تبوك ، شأن البكائين).

(١٣) في المخطوطة (ما رفع).

(١٤) في المخطوطة (عطف الحرج).

٢٨٠