البرهان في علوم القرآن - ج ٣

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٣

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩

تنبيهان

[التنبيه] (١) الأول

يستثنى من هذه القاعدة ثلاثة أمور : أحدها ما إذا كان مفعول المشيئة عظيما أو غريبا ؛ فإنه لا يحذف ، كقوله تعالى : ([لَوْ أَرادَ اللهُ] أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ ...) (٢) (الزمر : ٤) الآية (٣) ، أراد ردّ قول الكفار : «اتخذ الله [ولدا] (٢)» بما يطابقه في اللفظ ؛ ليكون أبلغ في الردّ ، لأنه لو حذفه فقال : «لو أراد الله لاصطفى» لم يظهر المعنى المراد ؛ لأن الاصطفاء قد لا يكون بمعنى التبنّي ، ولو قال : لو أراد الله لاتخذ ولدا لم يكن فيه ما في إظهاره من تعظيم جرم قائله.

ومثله [الإمام أبو العباس الحلبي] (٤) صاحب كتاب «القول الوجيز في استنباط علم البيان من الكتاب العزيز» بقوله تعالى : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) (الأنفال : ٣١). ٣ / ١٧١

وقوله : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) (الشورى : ٢٤). و (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الأنعام : ٣٩). وفيما ذكره نظر.

قلت : (٥) يجيء الذكر في مفعول الإرادة أيضا ، إذا كان (٥) [غريبا] (٦) كقوله تعالى : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) (الأنبياء : ١٧).

الثاني : إذا احتيج لعود الضمير عليه ، فإنه يذكر ، كقوله [تعالى] (٧) : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ) (الأنبياء : ١٧) ، فإنه لو حذف لم يبق للضمير ما يرجع عليه.

__________________

(١) ساقط من المخطوطة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (إلا أنه).

(٤) الكنية ساقطة من المطبوعة ، وهو أحمد بن يوسف بن عبد الدائم بن محمد أبو العباس الحلبي شهاب الدين المقرئ النحوي المعروف بالسّمين ، نزيل القاهرة تعاني النحو فمهر فيه ولازم أبا حيان إلى أن فاق أقرانه ، وأخذ القراءات عن التقي الصائغ ومهر فيها ، من تصانيفه «تفسير القرآن» و «الدر المصون في إعراب ـ علوم ـ الكتاب المكنون» وشرح التسهيل والشاطبية ت ٧٥٦ ه‍ (ابن حجر ، الدرر الكامنة ١ / ٣٣٩) وكتابه مخطوط منه نسخة بالمكتبة الأزهرية (معجم مصنفات القرآن الكريم ١ / ١١٦).

(٥) عبارة المخطوطة (ويجيء المذكر في مفعول أراد إذا ...).

(٦) ساقطة من المطبوعة.

(٧) ليست في المطبوعة.

٢٤١

وقد يقال : الضمير لم يرجع عليه وإنما عاد على معمول معموله.

الثالث : أن يكون السامع (١) منكرا لذلك ، أو كالمنكر ، فيقصد إلى إثباته عنده ، فإن لم يكن منكرا ، فالحذف.

والحاصل أن حذف مفعول «أراد» و «شاء» لا يذكر إلا لأحد هذه الثلاثة.

[التنبيه] (٢) الثاني

أنكر الشيخ أبو حيّان في باب عوامل الجزم من شرح «التسهيل» (٣) هذه القاعدة وقال : غلط (٤) البيانيون في دعواهم لزوم حذف مفعول المشيئة ؛ إلا فيما إذا كان مستغربا ؛ وفي القرآن : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (التكوير : ٢٨). (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) (المدثر : ٣٧). ولهم أن يقولوا : إن المفعول هاهنا عظيم ؛ فلهذا صرّح به فلا ٣ / ١٧٢ غلط على القوم ؛ وأما قوله تعالى : (فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) (البقرة : ٢٦) ؛ فإذا جعلت «ما ذا» بمعنى «الذي» ؛ فمفعول «أراد» متقدّم عليه ، وإن جعلت «ذا» [وحدها] (٥) بمعنى «الذي» فيكون مفعول «أراد» محذوفا ؛ وهو ضمير «ذا» ولا يجوز أن يكون «مثلا» مفعول «أراد» لأنه أحد معموليه ولكنه حال.

فصل

وقد كثر حذف مفعول أشياء غير ما سبق ؛ منها الصبر ، نحو : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) (الطور : ١٦) ، [و] (٦) (اصْبِرُوا وَصابِرُوا) (آل عمران : ٢٠٠).

وقد يذكر ، نحو : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) (الكهف : ٢٨) قال الزمخشري في تفسير سورة الحجرات (٧) : قولهم : صبر عن كذا (٨) ، محذوف منه المفعول ؛ وهو النفس.

__________________

(١) في المخطوطة (للسامع).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) كتاب «تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك الطائي شرحه العلامة أثير الدين ، أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي المتوفى سنة ٧٤٥ ه‍ وسماه «التذييل والتكميل» وهو شرح كبير في مجلدات (حاجي خليفة ، كشف الظنون ١ / ٤٠٥).

(٤) في المخطوطة (قال وغلط).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) الكشاف ٤ / ٨.

(٨) في المخطوطة (هذا).

٢٤٢

ومنها مفعول «رأى» ، كقوله : (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) (النجم : ٣٥).

قال الفارسيّ : الوجه أنّ «يرى» هنا للتعدية (١) لمفعولين ؛ لأن رؤية الغائب لا تكون إلا علما ، والمعنى عليه قوله : (عالِمُ الْغَيْبِ) (٢) (الجن : ٢٦) [١٩٣ / أ] وذكره العلم ، قال : والمفعولان محذوفان ؛ فكأنه (٣) قال : فهو يرى الغائب حاضرا ، (٤) أو حذف ؛ كما حذف (٤) في قوله : (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٥) (الأنعام : ٢٢) ، أي تزعمونهم إياهم.

٣ / ١٧٣ وقال ابن خروف (٦) : هو من باب الحذف لدليل ، لأن المعنى دالّ (٧) على المفعولين ؛ أي فهو يعلم ما يفعله ويعتقده حقّا وصوابا ، ولا فائدة في الآية مع الاقتصار ، لأنه لا يعلم منه (٨) المراد. وقد ذهب إليه بعض المحققين وعدل عن الصواب.

ومنها وعد يتعدى إلى مفعولين ؛ ويجوز الاقتصار على أحدهما كأعطيت ، قال تعالى : (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) (طه : ٨٠) ، ف «جانب» مفعول ثان ، ولا يكون ظرفا لاختصاصه. والتقدير : واعدناكم (٩) إتيانه أو مكثا (١٠) فيه.

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) (المائدة : ٩).

(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) (الأنفال : ٧) ، فإحدى الطائفتين في موضع نصب ؛ بأنه المفعول الثاني ؛ وأنها لكم ، بدل منه ، والتقدير : وإذ يعدكم الله ثبات إحدى الطائفتين أو ملكها.

وقال تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) (النور : ٥٥) ، فلم يتعدّ (١١) الفعل فيها إلا إلى واحد ، و (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) تفسير

__________________

(١) في المخطوطة (المتعدية).

(٢) تكررت في هذا الموضع عبارة (قال الفارسي إن يرى).

(٣) في المخطوطة (وكأنه).

(٤) عبارة المخطوطة (وحذفا كما حذفا).

(٥) الآية في المخطوطة (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص : ٧٤].

(٦) هو علي بن محمد بن علي أبو الحسن تقدم التعريف به في ٢ / ٤٩٧.

(٧) في المخطوطة (دل).

(٨) في المخطوطة (معه).

(٩) في المخطوطة (وعدناكم).

(١٠) في المخطوطة (مكناكم).

(١١) في المطبوعة (يعدّ).

٢٤٣

للوعد ومبين له ، كقوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء : ١١) ، فالجملة الثانية تبيين للوصية ، لا مفعول ثان.

وأما قوله : (أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) (طه : ٨٦) ، (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) (إبراهيم : ٢٢) فإن هذا ونحوه يحتمل أمرين : انتصاب الوعد بالمصدر ، وبأنه المفعول الثاني على تسمية الموعود به وعدا.

وأما قوله تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (البقرة : ٥١) فمما (١) تعدّى ٢ / ١٧٤ [فيه] (٢) «وعد» إلى اثنين ، لأن «الأربعين» لو كان ظرفا لكان الوعد في جميعه ؛ يعني من حيث إنه معدود ، فيلزم وقوع المظروف في كل فرد من أفراده ، وليس الوعد واقعا في «الأربعين» [بل] (٣) ولا في بعضها.

ثم قدّر الواحديّ وغيره محذوفا [مضافا] (٤) إلى «الأربعين» ، وجعلوه المفعول الثاني ، فقالوا : التقدير : وإذ واعدنا موسى انقضاء أربعين [ليلة] (٥) ، أو تمام أربعين ، ثم حذف وأقيم المضاف إليه مقامه.

قال بعضهم : ولم يظهر لي وجه عدولهم عن كون «أربعين» هو نفس المفعول إلى تقدير هذا المحذوف ؛ إلا أن يقال : نفس الأربعين ليلة لا توعد (٦) ؛ لأنها واجبة الوقوع ، وإنما المعنى على تعليق الوعد بابتدائها وتمامها ، ليترتب على [ذلك] (٧) الانتهاء شيء.

قلت : وقال أبو البقاء (٨) : ليس أربعين ظرفا ؛ (٩) [إذ ليس المعنى وعده في أربعين.

وقال غيره : لا يجوز أن يكون ظرفا] (٩) ؛ لأنه لم يقع الوعد في كل من أجزائه ، ولا [في] (٩) بعضه.

__________________

(١) في المخطوطة (مما).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (يوعد).

(٧) ساقطة من المطبوعة.

(٨) العكبري ، تقدم التعريف به في ١ / ١٥٩ ، وانظر إملاء ما من به الرحمن ١ / ٢١.

(٩) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٢٤٤

ومنها «اتخذ» تتعدى لواحد أو لاثنين ، فمن الأول قوله تعالى : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) (الأنبياء : ١٧) ، (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) (الفرقان : ٣) ، (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) (الزخرف : ١٦) ، (يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) (الفرقان : ٢٧). ومن الثاني : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) (المنافقون : ٢) ، (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) (الممتحنة : ١) ، (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) (المؤمنون : ١١٠) والثاني من المفعولين هو الأول في المعنى.

قال الواحدي (١) فأما قوله تعالى : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ) (البقرة : ٥١) ٣ / ١٧٥ وقوله : (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) (البقرة : ٥٤) (اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) (الأعراف : ١٤٨) (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) (الأعراف : ١٥٢) ، فالتقدير في هذا كلّه : اتخذوه إلها ، فحذف المفعول الثاني.

والدليل على ذلك أنه لو كان على ظاهره ؛ لكان من صاغ عجلا أو نحوه ، أو عمله بضرب من الأعمال ، استحقّ الغضب من الله ، لقوله (٢) : (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ [وَذِلَّةٌ]) (٣) (الأعراف : ١٥٢).

وفيما قاله [١٩٣ / ب] نظر ؛ لأن الواقع أن أولئك عبدوه ؛ فالتقدير على هذا في المتعدي لواحد (٤) أنّ الذين اتخذوا العجل وعبدوه ؛ ولهذا جوّز الشيخ أثير الدين (٥) في هذه الآيات كلّها أن تكون (٦) «اتخذ» فيها (٧) متعدّية (٨) [إلى واحد ، قال : ويكون ثمّ جملة محذوفة ؛ تدل على المعنى ؛ وتقديره : «وعبدتموه إلها» ورجّحه على القول الآخر بأنها لو كانت متعدّية] (٨) في هذه القصة لاثنين لصرّح بالثاني ولو في موضع واحد.

__________________

(١) هو علي بن أحمد الواحدي تقدم التعريف به في ١ / ١٠٥.

(٢) في المخطوطة (كقوله).

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (بواحد).

(٥) انظر البحر المحيط ١ / ٢٠٠.

(٦) في المخطوطة (يكون).

(٧) في المخطوطة (فيه).

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٢٤٥

الضرب الثاني :

ألاّ يكون المفعول مقصودا أصلا ؛ وينزّل الفعل المتعدّي (١) منزلة القاصر (٢) ؛ [وذلك] (٣) عند إرادة وقوع نفس (٤) الفعل فقط ؛ وجعل (٥) المحذوف نسيا منسيّا ، كما ينسى الفاعل عند بناء الفعل ، فلا يذكر المفعول ، ولا يقدّر ؛ غير أنه لازم الثبوت عقلا لموضوع كلّ فعل متعدّ ؛ [لأن الفعل] (٣) لا يدرى تعيينه.

وبهذا يعلم أنه ليس كلّ ما [هو] (٦) لازم من موضوع (٧) الكلام مقدرا فيه ، كقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) (البقرة : ٢٤).

وقوله : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) (البقرة : ٦٠) ، لأنه لم يرد الأكل من معيّن ، وإنما أراد وقوع (٨) هذين الفعلين.

٣ / ١٧٦ وقوله : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر : ٩) ، ويسمّى المفعول حينئذ مماتا.

ولما كان التحقيق أنه لا يعدّ هذا من المحذوف ، فإنه لا حذف فيه بالكلّيّة ؛ ولكن تبعناهم في العبارة ؛ نحو فلان يعطي ؛ قاصدا (٩) أنه يفعل الإعطاء. وتوجد هذه الحقيقة إيهاما للمبالغة بخلاف ما يقصد فيه تعميم الفعل ؛ نحو : هو يعطي ويمنع ؛ فإنه أعمّ تناولا ؛ من قولك : يعطي الدرهم ويمنعه ؛ والغالب أنّ هذا يستعمل في النفي ، كقوله : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (البقرة : ١٧) ، والآخر في الإثبات ، كقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم : ٢٤).

__________________

(١) في المخطوطة (المتقدم).

(٢) في المخطوطة (المتأخر).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) تقديم وتأخير في المخطوطة (نفس وقوع).

(٥) في المخطوطة (ويجعل).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (المراد أوقعوا).

(٨) في المخطوطة (وقوع).

(٩) عبارة المخطوطة (إنه قاصدا أنه).

٢٤٦

ومن أمثلة هذا الضرب قوله تعالى : (يُحْيِي وَيُمِيتُ) (البقرة : ٢٥٨).

وقوله : (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ) (مريم : ٤٢).

وقوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ) (القصص : ٢٣) [الخ الآية] (١) ؛ حذف منها المفعول خمس مرات ؛ لأنه غير مراد ؛ وهو قوله (يَسْقُونَ) ، وقوله (تَذُودانِ) ، وقوله : (لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ) (القصص : ٢٣) (٢) [فيمن قرأ بكسر الدال وقوله (فَسَقى لَهُما) والتقدير «يسقون مواشيهم وتذودان عنهما ولا نسقي عنها حتى يصدر] (٢) الرّعاء مواشيهم فسقى لهما غنمهما.

٣ / ١٧٧ وقوله : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ) (الأعراف : ٨٨) قيل : لو ذكر المفعول فيها نقص المعنى ؛ والمراد أن الله تعالى له الإحياء والإماتة ؛ وأن إلههم ليس له سمع ولا بصر ، وأن موسى عليه‌السلام وجد قوما يعانون السقي ، وامرأتين تعانيان الذّود ، وأخبرتاه أنّا لا نستطيع السقي ؛ فوجدا (٣) من موسى عليه‌السلام لهما (٤) السقي ، ووجد من أبيهما مكافأة على السقي. وهذا مما حذف لظهور المراد ؛ وأن القصد (٥) الإعلام بأنه كان من الناس في تلك الحالة سقي ، ومن المرأتين ذود ، وأنهما (٦) قالتا : لا يكون منّا سقي حتى يصدر الرعاء ، وأنّ موسى سقى بعد ذلك ؛ فأمّا أنّ المسقي (٧) غنم أو إبل أو غيره فخارج عن المقصود ؛ لأنه لو قيل : يذودان غنمهما لجاز أن يكون الإنكار لم يتوجه من موسى [عليه‌السلام] (٨) على الذّود [من حيث هو ذود] (٩) ؛ بل من حيث هو ذود (١٠) غنم ؛ حتى لو كان ذود إبل [لم] (٩) ينكره.

واعلم أنّا جعلنا هذا من الضرب الثاني موافقة للزمخشري (١١) ؛ فإنه قال : ترك المفعول لأن الغرض هو الفعل لا المفعول ، ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي ، ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيّهم إبل (١٢) [١٩٤ / أ] ، وكذلك قولهما : (لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) (القصص : ٢٣) المقصود منه السقي لا المسقيّ.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (فوجد).

(٤) في المخطوطة (بها).

(٥) في المخطوطة (المقصود).

(٦) في المخطوطة (أنهما).

(٧) في المخطوطة (السقي).

(٨) ليست في المطبوعة.

(٩) ليست في المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (ذوا).

(١١) في الكشاف ٣ / ١٦٢.

(١٢) في المخطوطة (مستقيم مثلا).

٢٤٧

وجعله السكاكي (١) من الضرب الأول ؛ أعني مما حذف [فيه] (٢) للاختصار مع الإرادة.

والأقرب قول الزمخشريّ ، ورجح الحريريّ (٣) قول السكاكي أنه للاختصار ، فإن (٤) الغنم ليست ساقطة (٥) عن الاعتبار بالأصالة ؛ فإن فيها ضعفا عن المزاحمة ، والمرأتان فيهما ضعف ، فإذا انضمّ إلى ضعف المسقيّ (٦) ضعف الساقي ، كان ذلك أدعى للرحمة والإعانة.

وكقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) (الليل : ٥).

وقوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) (النجم : ٤٨).

٣ / ١٧٨ وقوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى * وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) (النجم : ٤٣ ـ ٤٤).

وإنما ذكر المفعول في قوله : (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ [الذَّكَرَ وَالْأُنْثى]) (٧) (النجم : ٤٥) ؛ لأن المراد جنس الزوجين فكأنه قال : يخلق كلّ ذكر و [كل] (٨) أنثى ، وكان ذكره هنا أبلغ ليدلّ على عموم ثبوت الخلق له بالتصريح.

وليس منه قوله تعالى : (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) (الأحقاف : ١٥) ، لوجود العوض من المفعول به لفظا ، أو هو المفعول به وهو قوله : (فِي ذُرِّيَّتِي) (الأحقاف : ١٥) ، ومعنى الدعاء به قصر الإصلاح [له] (٩) على الذرية ؛ إشعارا بعنايته بهم.

وقوله : (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (التكاثر : ٣ ـ ٤) ، أي عاقبة أمركم ؛ لأن سياق القول في التهديد والوعيد.

__________________

(١) انظر مفتاح العلوم : ٢٢٩. فصل اعتبارات الفعل وما يتعلق به (ترك مفعوله).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) تصحفت في المطبوعة إلى (الجزري). والحريري هو القاسم بن علي بن محمد بن عثمان تقدم في ١ / ١٦٤.

(٤) في المخطوطة (فإنه).

(٥) في المخطوطة (ما قطعه) بدل (ليست ساقطة).

(٦) في المخطوطة (السقي).

(٧) ليست في المطبوعة.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) ساقطة من المخطوطة.

٢٤٨

واعلم أن الغرض حينئذ بالحذف في هذا الضرب أشياء :

منها البيان بعد الإبهام كما في فعل المشيئة على ما سبق ؛ نحو (١) : أمرته فقام ؛ أي بالقيام. وعليه قوله تعالى : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها) (الإسراء : ١٦) أي أمرناهم بالفسق ؛ وهو مجاز عن تمكينهم وإقدارهم.

ومنها : المبالغة بترك التقييد ؛ نحو : (هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ) (يونس : ٥٦) ، وقوله : (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (يس : ٩) ونفي الفعل غير متعلق أبلغ من نفيه متعلقا به ؛ لأن المنفيّ في الأول نفس الفعل ، وفي الثاني متعلّقه.

تنبيه

٣ / ١٧٩ قد يلحظ (٢) الأمران ؛ فيجوز الاعتباران ؛ كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) (الحجرات : ١) أجاز الزمخشريّ (٣) في حذف المفعول منه الوجهين (٤).

وكذلك في قوله في آخر سورة (٥) [الحج] (٦) : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ) (الحج : ٧٨).

حذف الحال

كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (الرعد : ٢٣ ـ ٢٤) ، أي قائلين سلام عليكم.

قال ابن أبي الربيع (٧) : اعلم أنّ العرب قد تحذف الحال إذا كانت بالفعل لدلالة مصدر الفعل عليه ؛ فتقول : قتلته صبرا ، وأتيته ركضا (٨) [والتقدير أتيته أركض ركضا] (٨) ، قال

__________________

(١) في المخطوطة (ونحو).

(٢) في المخطوطة (تلخص).

(٣) في الكشاف ٤ / ٢ أول سورة الحجرات.

(٤) في المخطوطة (لوجهين).

(٥) في المخطوطة (السورة).

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) تقدم التعريف به في ٢ / ٥٠٢.

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

٢٤٩

تعالى : (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) (يوسف : ٤٧) ، فدأبا يقدر بالفعل ؛ تقديره : «تدأبون» [ويدأبون] (١) في موضع الحال.

قال أبو عليّ : لا خلاف بين سيبويه وأبي العباس في الحال المحذوف (٢) الذي المصدر منصوب به ، وإنما الخلاف بينهما في القياس ، فسيبويه يذهب إلى السماع ولا يقيس ، والأخفش والمبرّد يقيسان (٣).

حذف المنادى

قوله تعالى : ألا ياسجدوا (النمل : ٢٥) على قراءة الكسائيّ (٤) بتخفيف «ألا» على أنها تنبيه و «يا» نداء ، والتقدير ألا يا هؤلاء اسجدوا لله. ويجوز أن يكون «يا» تنبيها ولا منادى هناك ، وجمع بينهنّ تأكيدا ؛ لأنّ الأمر قد يحتاج إلى استعطاف المأمور واستدعاء إقباله على الأمر.

وأما على قراءة الأكثر بالتشديد ؛ فعلى أنّ أن الناصبة (٥) للفعل دخلت عليها لا النافية ، والفعل المضارع بعدها منصوب ؛ وحذفت النون علامة النصب ، فالفعل هنا معرب [١٩٤ / ب] ، وفي تلك القراءة مبنيّ (٦) ، فاعرفه.

فائدة

كثر في القرآن حذف الياء من المنادى المضاف إلى [ياء] (٧) المتكلم ؛ نحو يا ربّ ، يا قوم ؛ وعلّل ذلك بأن النداء باب حذف ؛ ألا ترى أنه يحذف منه التنوين (٨) وبعض الاسم للترخيم ؛ وجاء فيه إثباتها ساكنة ، كقراءة من قرأ (٩) : يا عبادي فاتّقون (الزمر : ١٦) ،

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في المخطوطة : (المجرور).

(٣) في المخطوطة (يقيس).

(٤) انظر التيسر : ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٥) في المخطوطة (الناصب) بدل (أن الناصبة).

(٦) في المخطوطة (منفي).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (النون).

(٩) انظر إتحاف فضلاء البشر : ٣٧٥.

٢٥٠

ومحركة بالفتح ؛ كقراءة من قرأ (١) : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) (الزمر : ٥٣) ، ومنقلبة عن الياء (٢) في قوله تعالى : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى [عَلى ما فَرَّطْتُ]) (٣) (الزمر : ٥٦).

حذف الشرط

(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) (إبراهيم : ٣١) ؛ أي إن قلت لهم : أقيموا يقيموا.

٣ / ١٨١ وجعل منه الزمخشريّ [منه] (٤) ([قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً] (٥) فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) (البقرة : ٨٠). (٦) [فقال يتعلق بمحذوف تقديره : إن اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده] (٦).

وجعل أبو حيان (٧) منه قوله تعالى : (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة : ٩١) ، أي إن كنتم آمنتم بما أنزل إليكم فلم تقتلون؟ وجواب [الشرط] (٨) «إن كنتم» محذوف دلّ عليه ما تقدم ، أي فلم فعلتم؟ وكرر الشرط وجوابه مرتين للتأكيد ، إلا أنه حذف الشرط من الأول وبقي جوابه ، وحذف الجواب من الثاني وبقي شرطه. انتهى.

وهو حسن ، إلا أنه قد كان خالف الزمخشريّ ؛ وأنكر قوله بحذف الشرط في : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) (البقرة : ٥٤) وفي : (فَانْفَجَرَتْ) (٩) (البقرة : ٦٠) ، وقال : إنّ الشرط لا يحذف في غير الأجوبة ، والآن قد رجع إلى موافقته.

__________________

(١) قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم وأبو جعفر بالفتح ، والباقون بالسكون (إتحاف فضلاء البشر : ٣٧٦).

(٢) عبارة المخطوطة (ومنقلبة ألفا).

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ساقطة من المطبوعة. وانظر الكشاف ١ / ٧٨.

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٧) انظر البحر المحيط ١ / ٣٠٧.

(٨) ساقطة من المطبوعة.

(٩) انظر البحر المحيط ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

٢٥١

وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (الروم : ٥٦) ، تقديره : إن كنتم منكرين فهذا يوم البعث ؛ أي فقد تبيّن بطلان إنكاركم.

وقوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) (الأنفال : ١٧) ، بمعنى إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ، فعدل عن الافتخار بقتلهم ، فحذف لدلالة الفاعلية.

وقوله : (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) (الشورى : ٩) (١) [تقديره : إن أرادوا أولياء] (١) فالله هو الوليّ بالحق ، لا وليّ سواه.

حذف جواب الشرط

٢ / ١٨٢ قوله : (إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ. فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) (الأحقاف : ١٠) ؛ أي أفلستم (٢) ظالمين؟ بدليل قوله عقبه : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الأحقاف : ١٠) وقدّره البغويّ (٣) : من المحق (٤) منّا ومن المبطل؟

ونقله عن أكثر المفسرين.

ومن حذف جواب الفعل : (اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ) (الفرقان : ٣٦) ، تقديره : «فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم» ، والفاء العاطفة على الجواب المحذوف هي المسمّاة عندهم بالفاء الفصيحة.

وقال صاحب (٥) «المفتاح» : وانظر إلى الفاء الفصيحة في قوله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ) (البقرة : ٥٤) ، (٦) [كيف أفادت : «ففعلتم فتاب عليكم»] (٦)!

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (فلستم).

(٣) انظر تفسيره المسمى معالم التنزيل ٤ / ١٦٥.

(٤) في المخطوطة (أحق).

(٥) السكاكي ، يوسف بن أبي بكر ، وانظر مفتاح العلوم : ٢٧٨ (الإيجاز).

(٦) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

٢٥٢

وقوله : (اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) (البقرة : ٧٣) ؛ تقديره : فضربوه فحيي (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) (البقرة : ٧٣).

وقال صاحب (١) «الكشاف» في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا [عَلى كَثِيرٍ]) (٢) (النمل : ١٥) تقديره : فعملا به وعلّماه ، وعرفا حق النّعمة فيه والفضيلة (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ) (النمل : ١٥).

وقال السكاكيّ (٣) : هو إخبار عمّا صنع بهما وعمّا قالاه (٤) ، حتى كأنه قيل : نحن فعلنا إيتاء العلم ؛ وهما فعلا (٥) الحمد (٦) ، تعريضا (٧) لاستثارة الحمد على إيتاء العلم إلى فهم السامع ، مثله «قم يدعوك» بدل «قم فإنه يدعوك».

حذف الأجوبة

٣ / ١٨٣ ويكثر ذلك في جواب لو ، ولو لا ، كقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) (الأنعام : ٢٧).

وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا) [١٩٥ / أ](عَلى رَبِّهِمْ) (الأنعام : ٣٠).

وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (سبأ : ٣١).

وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ [وُجُوهَهُمْ]) (٨) (الأنفال : ٥٠).

وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (السجدة : ١٢).

وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) (الأنعام : ٩٣) ، تقديره في هذه المواضع «لرأيت عجبا» أو «أمرا عظيما» ، ولرأيت (٩) سوء منقلبهم» ، أو «لرأيت سوء حالهم».

والسرّ في حذفه في هذه المواضع أنها لما ربطت إحدى الجملتين بالأخرى حتى صارا

__________________

(١) الكشاف ٣ / ١٣٥.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) انظر مفتاح العلوم : ٢٧٨ (الإيجاز).

(٤) في المخطوطة (قالوه).

(٥) في المخطوطة (فعلان).

(٦) في المخطوطة (الحمد لله).

(٧) في المخطوطة (تعريفا).

(٨) ليست في المخطوطة.

(٩) في المخطوطة (أو لرأيت).

٢٥٣

جملة واحدة ، أوجب ذلك لها فضلا وطولا ؛ فخفف بالحذف ؛ خصوصا مع الدلالة على ذلك.

قالوا : وحذف الجواب يقع في مواقع التفخيم (١) والتعظيم ، ويجوز حذفه لعلم المخاطب به ، وإنما يحذف لقصد المبالغة ، لأن السامع مع أقصى تخيّله (٢) يذهب منه الذهن كلّ مذهب ، ولو صرّح بالجواب لوقف الذهن عند المصرّح به فلا يكون له ذلك الوقع ، ومن ثمّ لا يحسن تقدير الجواب مخصوصا إلا بعد العلم بالسياق ، كما قدر بعض النحويين في قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ ...) (الرعد : ٣١) الآية ، فقال : تقديره : لكان هذا القرآن وحكاه أبو عمر (٣) الزاهد في «الياقوتة» عن ثعلب والمبرّد. وهو مردود ، لأن الآية (٤) ما سيقت [لتفضيل] القرآن (٤) ، بل سيقت في معرض ذم الكفار ، بدليل قوله قبلها : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ) (الرعد : ٣٠). ٣ / ١٨٤

وبعدها : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) (الرعد : ٣١) فلو قدر الخبر «لما آمنوا به» لكان أشدّ.

ونقل الشيخ محيي الدين النووي في كتاب «رءوس المسائل» (٥) كون الجواب «[كان] (٦) هذا القرآن» ، عن (٧) الأكثرين. وفيه ما ذكرت.

وقيل تقديره : لو قضيت أنه لا يقرأ القرآن على الجبال إلاّ سارت ورأوا ذلك ، لما آمنوا.

وقيل : جواب «لو» مقدّم ، معناه : يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ، وهذا قول الفراء.

__________________

(١) في المخطوطة (التخفيف).

(٢) في المخطوطة (التحلية).

(٣) تصحفت في المطبوعة إلى (عمرو) ، وهو محمد بن عبد الواحد المعروف بالزاهد تقدم التعريف به وبكتابه في ١ / ٣٩٣.

(٤) عبارة المخطوطة (ما سيقت للقرآن) بدون (لتفضيل).

(٥) تقدم التعريف بالكتاب في ٢ / ٧٩.

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (على).

٢٥٤

وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) (لقمان : ٢٧) ، [جواب لو] (١) محذوف ، والتقدير : لنفدت (٢) هذه الأشياء وما نفدت كلمات الله. ويحتمل أن يكون «ما نفدت» هو الجواب مبالغة في نفي النفاد ؛ لأنه إذا كان نفي النفاد لازما على تقدير كون ما في الأرض من شجرة أقلاما (٣) والبحر مدادا لكان (٤) لزومها على تقدير عدمها أولى.

وقوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) (النساء : ١١٣). فإنه قد قيل : ظاهره نفي وجود الهمّ منهم بإضلاله ، وهو خلاف الواقع ؛ فإنهم همّوا وردّوا ٣ / ١٨٥ القول (٥).

وقيل : قوله : (لَهَمَّتْ) ليس جواب [«لو»] (٦) بل هو كلام تقدم على «لو» ، وجوابها مقول على طريق القسم ، وجواب «لو» محذوف تقديره (لَهَمَّتْ) (٧) طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ (النساء : ١١٣) ، لو لا (٨) فضل الله عليك لأضلّوك.

وقوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (يوسف : ٢٤) ، (٩) [أي همت بمخالطته ، وجواب «لو لا» محذوف ؛ أي لو لا أن رأى برهان ربه] (٩) لخالطها.

وقيل : لو لا أن رأى برهان ربه لهمّ بها ؛ والوقف على هذا (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) (يوسف : ٢٤) ، والمعنى أنه لم يهمّ بها.

ذكره أبو البقاء (١٠). والأوّل للزمخشريّ (١١).

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (لفقدت).

(٣) في المخطوطة (أقلام).

(٤) في المخطوطة (وكان).

(٥) في المخطوطة (ورأوا بالقول).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (لو همت).

(٨) في المخطوطة (ولو لا).

(٩) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(١٠) العكبري ، وانظر كتابه إملاء ما من به الرحمن ٢ / ٢٨.

(١١) انظر الكشاف ٢ / ٢٤٩.

٢٥٥

ولا يجوز (١) تقديم جواب «لو» عليها لأنه في حكم الشرط ، وللشرط (٢) صدر الكلام.

وقوله : (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) (البقرة : ٧٠) جواب الشّرط محذوف ؛ يدلّ عليه قوله : إنا لمهتدون أي إن شاء الله اهتدينا. وقد توسّط الشرط هنا بين جزأي [١٩٥ / ب] الجملة بالجزاء ؛ لأن التقديم على الشرط ، فيكون دليل الجواب متقدما على الشرط ؛ والذي حسّن تقديم الشرط عليه الاهتمام بتعليق الهداية بمشيئة الله تعالى.

وقوله تعالى : (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ) (الأنبياء : ٣٩) ، تقديره : لما استعجلوا فقالوا متى هذا الوعد.

٣ / ١٨٦ وقال الزجاج : تقديره «لعلموا صدق الوعد» لأنهم قالوا : متى هذا الوعد ، وجعل الله [تعالى] (٣) الساعة موعدهم فقال تعالى : (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً) (الأنبياء : ٤٠).

وقيل : تقديره : «لما أقاموا على كفرهم [ولندموا] (٤) أو تابوا (٥)».

وقوله [تعالى] (٣) في سورة التكاثر : (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (التكاثر : ٥) تقديره لما : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) (التكاثر : ١).

وقيل تقديره : لشغلكم ذلك عمّا أنتم فيه.

وقيل : لرجعتم عن كفركم أو لتحققتم (٦) مصداق ما تحذرونه.

وقوله : (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً [وَلا يَهْتَدُونَ]) (٧) (البقرة : ١٧٠) ، أي لا يتبعونهم.

وقوله : (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (المؤمنون : ١١٤) تقديره : «لآمنتم» أو «لما كفرتم» أو «لزهدتم (٨) في الدنيا» أو «لتأهبتم للقائنا».

ونحوه : (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) (القصص : ٦٤) ، أي يهتدون في الدنيا لما رأوا العذاب في الآخرة ، أو لما اتبعوهم.

__________________

(١) في المخطوطة (ويجوز).

(٢) في المخطوطة (والمشروط).

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (وتابوا).

(٦) في المخطوطة (ولتحققتم).

(٧) ليست في المطبوعة.

(٨) في المخطوطة (لهبتم).

٢٥٦

وقوله : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (هود : ٨٠) ، قال محمد بن إسحاق (١) : معناه لو أنّ لي قوة لحلت بينكم وبين المعصية.

وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) (سبأ : ٥١) ، أي رأيت ما يعتبر به عبرة عظيمة.

وقوله [تعالى] (٢) عقب آية اللّعان (٣) : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ ٣ / ١٨٧ حَكِيمٌ) (النور : ١٠) ، قال الواحدي (٤) : قال الفراء : جواب «لو» محذوف لأنه معلوم المعنى ، وكلّ ما (٥) علم فإن العرب تكتفي بترك جوابه ؛ ألا ترى أن الرجل يشتم الرجل ، فيقول المشتوم : أما والله لو لا (٦) أبوك ... فيعلم أنك تريد (٧) : لشتمتك.

وقال (٨) المبرّد : تأويله والله أعلم : لهلكتم ، أو (٩) لم يبق لكم باقية ، أو لم يصلح أمركم ، ونحوه من الوعيد الموجع ، فحذف لأنه لا يشكل.

وقال الزجاج : المعنى لنال الكاذب منكم أمر عظيم ؛ وهذا أجود مما قدّره المبرد.

وكذلك «لو لا» التي بعدها في قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (النور : ٢٠) ، جوابها محذوف ؛ وقدّره بعضهم في الأولى : لافتضح (١٠) فاعل ذلك ؛ وفي الثانية : لعجّل عذاب فاعل ذلك ؛ وسوّغ الحذف طول الكلام بالمعطوف ، والطول داع للحذف.

وقوله : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) (القصص : ٤٧) جوابها محذوف ، أي لو لا احتجاجهم بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة.

__________________

(١) هو محمد بن إسحاق صاحب المغازي والسيرة وقوله أخرجه الطبري في التفسير ١٢ / ٥٣ عنه تفسيره للآية.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (للعالمين).

(٤) هو علي بن أحمد الواحدي تقدمت ترجمته في ١ / ١٠٥. وانظر قول الفراء في معاني القرآن ٢ / ٢٤٧.

(٥) في المخطوطة (وكلما).

(٦) في المخطوطة (إلا).

(٧) عبارة المخطوطة (فتعلم أنه يريد).

(٨) في المخطوطة (قال).

(٩) في المخطوطة (ولم).

(١٠) في المخطوطة (لفضح).

٢٥٧

وقال مقاتل (١) : تقديره لأصابتهم مصيبة.

وقال الزجاج : لو لا ذلك لم يحتج إلى إرسال الرسول ومواترة الاحتجاج.

وقوله : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) (القصص : ١٠) ، أي لأبدت.

٣ / ١٨٨ وقوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) (الإسراء : ١٠٠) ، تقديره : لو (٢) تملكون ، [تملكون] (٣) ، فأضمر «تملك» (٤) الأولى على شريطة التفسير وأبدل من الضمير المتصل ، الذي هو «الواو» ضمير منفصل (٥) ، وهو «أنتم» لسقوط ما يتصل به من الكلام ، ف «أنتم» فاعل الفعل المضمر ، «وتملكون» تفسيره.

قال الزمخشريّ (٦) : هذا ما يقتضيه الإعراب ؛ فأما ما يقتضيه علم البيان ، فهو أنّ (٧) أنتم تملكون فيه دلالة على الاختصاص ، وأن الناس هم المختصون بالشحّ المتتابع ؛ وذلك لأن الفعل [١٩٦ / أ] الأول لما سقط لأجل المفسّر برز (٨) الكلام في صورة المبتدأ والخبر.

ومن حذف الجواب قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (يس : ٤٥) ، أي أعرضوا؟ بدليل قوله بعده : (إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) (يس : ٤٦).

وقوله في قصة إبراهيم في الحجر : (فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) (الحجر : ٥٢) ، وفي غيرها من السور : (قالُوا سَلاماً) (الفرقان : ٦٣) ، (قالَ سَلامٌ) (الذاريات : ٢٥) ، قال الكرمانيّ (٩) : لأن هذه السورة متأخرة عن الأولى ، فاكتفى بما في هذه ؛ ولو ثبت تعدّد الوقائع لنزلت على واقعتين.

__________________

(١) هو مقاتل بن سليمان الأزدري. تقدم التعريف به في ١ / ٩٨.

(٢) في المخطوطة (لو لا).

(٣) زيادة من الكشاف يقتضيها السياق.

(٤) في المخطوطة (تملكون).

(٥) في المخطوطة (ضميرا منفصلا).

(٦) في الكشاف ٢ / ٣٧٦.

(٧) في المخطوطة (من) بدل (فهو أن).

(٨) في المخطوطة (صار).

(٩) هو برهان الدين محمود بن حمزة بن نصر الكرماني تقدمت ترجمته في ١ / ٢٠٦.

٢٥٨

وكقوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (الانشقاق : ١) ، قال الزمخشريّ (١) : ٣ / ١٨٩ [في] (٢) حذف الجواب ، وتقديره مصرّح به في سورتي التكوير والانفطار ، وهو قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ) (التكوير : ١٤).

وقال (٣) في : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) (البروج : ١) : الجواب محذوف ، أي أنهم ملعونون ، يدلّ عليه قوله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (البروج : ٤).

وكقوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) (الزمر : ٧٣) ، أي «حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها» ، والواو واو حال ، وفي هذا ما حكي أنه اجتمع أبو عليّ الفارسي مع أبي عبد الله الحسين بن خالويه (٤) في مجلس سيف الدولة ، فسئل ابن خالويه عن قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها) (الزمر : ٧٠) ، في النار بغير واو ، وفي الجنة بالواو! فقال ابن خالويه : هذه الواو تسمّى واو الثمانية لأن العرب لا تعطف الثمانية إلا بالواو ، قال : فنظر سيف الدولة إلى أبي عليّ وقال : أحق هذا! فقال أبو عليّ : لا أقول كما قال ؛ إنما تركت الواو في النار ، لأنها مغلقة ، وكان مجيئهم شرطا في فتحها ، فقوله : (فُتِحَتْ) فيه معنى الشرط ، وأما قوله : (وَفُتِحَتْ) في الجنة ، فهذه واو الحال ، كأنه قال : جاءوها وهي مفتحة الأبواب ؛ أو (٥) هذه حالها.

وهذا الذي قاله أبو عليّ هو الصواب ، ويشهد له أمران :

أحدهما : أن العادة مطّردة شاهدة في إهانة المعذبين بالسجون ، من إغلاقها حتى يردوا عليها ، وإكرام المنعمين بإعداد فتح الأبواب لهم مبادرة واهتماما (٦).

والثاني : النظير في (٧) قوله [تعالى] (٨) : (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) (ص : ٣ / ١٩٠ ٥٠).

وللنحويين في الآية ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الواو زائدة ، والجواب قوله «فتحت» وهؤلاء قسمان : منهم من جعل هذه الواو مع أنها زائدة واو الثمانية ، ومنهم من لم يثبتها.

__________________

(١) في الكشاف ٤ / ١٩٧.

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في الكشاف ٤ / ١٩٩. بتصرف.

(٤) تقدمت ترجمته في ٢ / ٣٦٩.

(٥) في المخطوطة (أي).

(٦) في المخطوطة (واهتمام).

(٧) في المخطوطة (من).

(٨) ليست في المطبوعة.

٢٥٩

والثاني : أن الجواب محذوف عطف عليه قوله : (وَفُتِحَتْ) كأنه قال «حتّى إذا جاءوها وفتحت» قال الزجاج وغيره : وفي هذا حذف المعطوف وإبقاء المعطوف عليه.

والثالث : أن الجواب محذوف آخر الكلام ؛ كأنه قال بعد الفراغ : استقروا ، أو خلّدوا ، أو استووا ؛ مما يقتضيه المقام ؛ وليس فيه حذف معطوف. ويحتمل أن يكون التقدير : إذا جاءوها أذن لهم في دخولها وفتحت أبوابها ؛ المجيء ليس سببا مباشرا للفتح ؛ بل الإذن في الدخول هو السبب (١) في ذلك.

وكذلك قوله تعالى : (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ) (٢) [ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا] (٢) (التوبة : ١١٨) أي رحمهم ثم تاب عليهم ؛ وهذا التأويل أحسن من القول بزيادة «ثم».

وحذف المعطوف عليه وإبقاء المعطوف سائغ ، كقوله تعالى : (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) (الفرقان : ٣٦) ، التقدير والله أعلم : فذهبا فبلّغا ، فكذّبا فدمّرناهم ؛ لأن المعنى يرشد إلى ذلك.

وكذا [١٩٦ / ب] قوله [تعالى] (٣) : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ) (البقرة : ٥٤) أي فامتثلتم ، أو (٤) فعلتم فتاب عليكم.

وقوله : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) (الصافات : ١٠٣) ، أي رحما وسعدا وتله.

وابن عطية (٥) يجعل التقدير : فلما أسلما أسلما ؛ وهو مشكل.

٣ / ١٩١ وقوله : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا) (الأنبياء : ٩٧) ، المعنى : حتى إذا كان ذلك ندم الذين كفروا ولم ينفعهم إيمانهم ؛ لأنه من الآيات والأشراط.

وقد يجيء في الكلام شرطان ؛ ويحذف جواب أحدهما اكتفاء بالآخر كقوله تعالى :

__________________

(١) في المخطوطة (سبب).

(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (أي).

(٥) هو عبد الحق بن غالب الغرناطي صاحب المحرر الوجيز تقدمت ترجمته في ١ / ١٠١.

٢٦٠