البرهان في علوم القرآن - ج ٣

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٣

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩

الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) (البقرة : ٣ / ١٥٩). ويدلّ له قوله : (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) (المائدة : ١٥).

وقوله : (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) (الرعد : ١٧) ؛ أي بقدر مياهها.

وقوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) (يوسف : ٢٤) ، أي هم بدفعها ، أي عن نفسه في هذا التأويل بتنزيه يوسف صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما لا يليق به ؛ لأنّ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون من الصغائر والكبائر (١) ، وعليه فينبغي الوقف على قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) (يوسف : ٢٤).

تنبيه

أعلم أنّ المضاف إذا علم جاز حذفه مع الالتفاف إليه ؛ فيعامل معاملة الملفوظ به ؛ من عود الضمير عليه [وغير ذلك] (٢) ، ومع اطّراحه يصير (٣) الحكم في عود الضمير للقائم مقامه.

فمثال استهلاك حكمه وتناسي أمره قوله تعالى : (٤) [(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (يوسف : ٨٢) إذ لو راعى المحذوف لجرّ القرية ، وجوزوا أيضا مراعاة المحذوف بدليل قوله تعالى] (٤) (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ) (النور : ٤٠) ؛ فإن الضمير في (يَغْشاهُ) عائد على المضاف المحذوف بتقدير أو كذي ظلمات.

وقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ) (البقرة : ١٩) أي كمثل ذوي صيّب ؛ ولهذا رجع الضمير إليه مجموعا في قوله [تعالى] (٥) : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ [فِي آذانِهِمْ]) (٦) (البقرة : ١٩) ؛ [ولو] (٧) لم يراع لأفراده (٦) أيضا.

__________________

(١) تقديم وتأخير في المخطوطة (الكبائر والصغائر).

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (فيصير).

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) عبارة المخطوطة (لأفرده وكثيره أيضا).

٢٢١

٣ / ١٥١ وقوله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ) (الشعراء : ١٠٥) ، ولو لا ذلك لحذفت التاء ؛ لأنّ القوم مذكّر ، ومنه قول حسّان [رضي‌الله‌عنه] (١) :

يسقون من ورد البريص عليهم

بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل (٢).

بالياء ، أي ماء بردى (٣) ، ولو راعى المذكور لأتى بالتاء.

قالوا : وقد جاء في آية واحدة مراعاة التأنيث والمحذوف ، وهي قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ)] (الأعراف : ٤) (٤) [أنث الضمير في (أَهْلَكْناها) ؛ و (فَجاءَها) ؛ لإعادتهما على القرية المؤنثة ، وهي الثابتة ، ثم قال : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ)] (٤) فأتى بضمير من يعقل حملا على «أهلها» المحذوف.

وفي تأويل إعادة الضمير على التأنيث وجهان : أحدهما أنه لما قام مقام المحذوف صارت المعاملة معه. والثاني أن يقدّر في الثاني حذف المضاف ؛ كما قدر في الأول. فإذا قلت : سألت القرية وضربتها ، فمعناه : وضربت أهلها ، فحذف [١٨٩ / أ] المضاف كما حذف من الأول إذ وجه الجواز قائم.

وقيل : هنا مضاف محذوف ، والمعنى (٥) أهلكنا أهلها. وبياتا ، حال (٦) منهم ، أي مبيّتين و (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (الأعراف : ٤) جملة معطوفة عليها ، ومحلها النصب.

وأنكر الشّلوبين (٧) مراعاة المحذوف ، وأوّل ما سبق على أنه من باب الحمل على المعنى ونقله عن المحققين ؛ لأن القوم جماعة ولهذا يؤنث (٨) تأنيث الجمع ، نحو هي الرجال ؛ وجمع

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) البيت في ديوانه ١ / ٧٤ القصيدة (١٣) ، البيت (١٣) البريص وبردى نهران بدمشق اللسان ٣ / ٨٨ (برد) ، و٧ / ٦ (برص).

(٣) في المخطوطة (بردا).

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (المعنى).

(٦) في المخطوطة (حالا).

(٧) هو عمر بن محمد بن عمر أبو علي الأزدي الإشبيلي تقدم التعريف به في ٢ / ٣٦٤.

(٨) في المخطوطة (يؤنثوا).

٢٢٢

التكسير عندهم مؤنث وأسماء الجمع تجري مجراها ، وعلى هذا (١) جاء التأنيث ، لا على الحذف ؛ وكذا القول في البيت.

وفي قراءة بعضهم : (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (الأنفال : ٦٧) [بالجر] (٢) ، قدّروه «عرض ٣ / ١٥٢ الآخرة». والأحسن أن يقدّر : «ثواب الآخرة» ؛ لأن العرض لا يبقى ، بخلاف الثواب.

حذف المضاف إليه

وهو أقلّ استعمالا ، كقوله : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (الأنبياء : ٣٣).

وقوله : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) (البقرة : ٢٥٣).

وكذا (٣) كل ما قطع عن الإضافة ؛ ممّا وجبت إضافته معنى لا لفظا ، كقوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (الروم : ٤) ، أي من قبل ذلك ومن بعده.

حذف المضاف والمضاف إليه

قد يضاف المضاف إلى مضاف ؛ فيحذف الأول والثاني ويبقى الثالث ، كقوله تعالى : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) (الواقعة : ٨٢) أي بدل شكر رزقكم.

وقوله : (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) (الأحزاب : ١٩) ، أي كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت.

وقيل : الرزق في الآية الأولى الحظّ والنصيب (٤) ؛ فلا حاجة إلى تقدير. وكذلك ، إذا قدرت في الثانية «كالذي» حالا من الهاء والميم في «أعينهم» ، لأن المضاف بعض فلا تقدير.

وقوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (البقرة : ١٧٥) ، وقدّره أبو الفتح في «المحتسب» (٥) على أفعال أهل النار. ٣ / ١٥٣

__________________

(١) في المخطوطة (فعلى ذلك).

(٢) ساقطة من المطبوعة ، وهي قراءة سليمان بن حماز المدني (أبو حيان ، البحر المحيط ، ٤ / ٥١٨). وذكرها الزمخشري في الكشاف ٢ / ١٣٤ بدون ذكر صاحبها.

(٣) في المخطوطة (وكذلك).

(٤) في المخطوطة (والنصب).

(٥) تقدم التعريف به ١ / ٣٦١ وبكتابه في ١ / ٤٨١.

٢٢٣

وأما قوله : (مِنَ الْمَوْتِ) (الأحزاب : ١٩) فالتقدير [من] (١) مداناة الموت أو مقاربته (٢) ؛ ولا ينكر (٣) عسره (٤) على الإنسان [من خوفه] (٥) ولكن إذا دفع إلى أمر يقاربه (٦) [أو يشارفه] (٥).

ومثله الآية الأخرى : (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) (محمد : ٢٠).

وقوله : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) (طه : ٩٦) ، أي من أثر حافر فرس الرسول.

وقوله : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) (الحشر : ٧) ، أي من أموال كفار أهل القرى.

وقوله : (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج : ٣٢) ، أي من أفعال ذوي تقوى القلوب.

وقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ ...) (البقرة : ١٩) الآية ، فإنّ التقدير كمثل ذوي صيّب ، فحذف المضاف والمضاف إليه ، أما حذف المضاف فلقرينة عطفه على : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) (البقرة : ١٧) وأما المضاف إليه فلدلالة : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) (البقرة : ١٩) عليه فأعاد (٧) الضمير عليه مجموعا ، وإنما صير إلى هذا التقدير ؛ لأن التشبيه بين صفة المنافقين وصفة ذوي الصيّب ، لا بين صفة المنافقين وذوي الصيّب.

حذف الجار والمجرور

٣ / ١٥٤ كقوله [تعالى] (٨) : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً) (التوبة : ١٠٢) ، أي بسيئ (وَآخَرَ سَيِّئاً) (التوبة : ١٠٢) أي بصالح. وكذا بعد أفعل التفضيل ، كقوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) (العنكبوت : ٤٥) ، أي من كلّ شيء.

(فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (طه : ٧) أي من السرّ ، وكلام الزمخشريّ في «المفصّل» (٩) يقتضي أنه مما قطع فيه عن متعلّقه قصدا لنفي الزيادة ، نحو فلان يعطي ، ليكون كالفعل المتعدّي. إذا جعل قاصرا للمبالغة ؛ فعلى هذا لا يكون من الحذف ، فإنه قال : أفعل التفضيل

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (مقابلته).

(٣) في المخطوطة (يكاد).

(٤) في المخطوطة (يسر).

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) في المطبوعة (هابه).

(٧) في المخطوطة (فعاد).

(٨) ليست في المطبوعة.

(٩) ص ٢٣٤.

٢٢٤

له معنيان : أحدهما أن يراد أنه زائد على المضاف إليه في الجملة التي هو وهم فيها شركاء. والثاني أن يوجد [١٨٩ / ب] مطلقا له الزيادة فيها إطلاقا ، ثم يضاف للتفضيل على المضاف إليه ؛ لكن بمجرد التخصيص كما يضاف ما لا تفضيل فيه ، نحو قولك : الناقص والأشجّ أعدلا بني مروان كأنك قلت : عادلا. انتهى.

حذف الموصوف

يشترط فيه أمران :

أحدهما : كون الصفة خاصة بالموصوف ؛ حتى يحصل العلم بالموصوف ؛ فمتى كانت الصفة عامة امتنع حذف الموصوف. نص عليه سيبويه (١) في آخر باب ترجمة «هذا باب مجاري أواخر الكلم العربيّة». وكذلك نص عليه أرسطاطاليس (٢) ليس في كتابه «الخطابة» (٣).

الثاني : أن يعتمد على مجرد الصفة [من حيث هي] (٤) ، لتعلق غرض السياق ، كقوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (آل عمران : ١١٥) ، (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (البقرة : ٩٥) ؛ فإن الاعتماد في سياق القول على مجرد الصفة لتعلّق غرض القول من المدح أو الذم (٥) بها.

كقوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) (الصافات : ٤٨) ، [أي حور قاصرات] (٦).

وقوله : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) (الإنسان : ١٤) ، أي وجنّة دانية.

وقوله : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ : ١٣) ، أي العبد الشكور.

وقوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة : ٢) ، أي القوم المتقين.

وقوله : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ [وَدُسُرٍ]) (٧) (القمر : ١٣) ، أي سفينة ذات ألواح.

[وقوله] (٧) : (ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة : ٥) ، أي الأمة القيمة.

[وقوله : (أَنِ] (٧) اعْمَلْ سابِغاتٍ) (سبأ : ١١) ، أي دروعا (٨) سابغات.

__________________

(١) في الكتاب ١ / ١٣.

(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (أرسطاطا).

(٣) كتاب الخطابة طبع بتحقيق عبد الرحمن بدوي بمكتبة النهضة القاهرة ه / ١٣٧٩ ه‍ / ١٩٥٩ م. (معجم المنجد ١ / ٤١).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (والذم).

(٦) ليست من المخطوطة.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (دروع).

٢٢٥

وقوله : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) (الزخرف : ٤٩) ، أي يا أيها الرجل الساحر.

[وقوله] (١) : (أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) (النور : ٣١) ، أي القوم المؤمنون.

[وقوله] (١) : (وَعَمِلَ صالِحاً) (القصص : ٦٧) ، أي عملا صالحا.

حذف الصفة

وأكثر ما يرد للتفخيم والتعظيم في النكرات ، وكأنّ التنكير حينئذ علم عليه ، كقوله تعالى : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (الكهف : ١٠٥) أي وزنا نافعا.

وقوله : (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش : ٤) ، أي من جوع شديد وخوف عظيم.

٣ / ١٥٦ وقوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) (المائدة : ٦٨) ، أي شيء نافع.

وقوله : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ [أَتَتْ عَلَيْهِ]) (٢) (الذاريات : ٤٢) ، أي سلطت عليه.

وقوله : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) (النساء : ٧٩) ، أي جامعا لأكمل [كل] (٣) صفات الرسل.

وقوله : (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) (الكهف : ٧٩) ، أي صالحة. وقيل : إنها قراءة ابن عباس (٤). وفيه بحث وهو أنا لا نسلّم الإضمار ، بل هو عام (٥) مخصوص.

وقوله : (بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ) (ص : ٥١) ، أي كثير ، بدليل ما قبله.

ويجيء في العرف ، كقوله تعالى : (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) (البقرة : ٧١) ، أي المبين.

وقوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) (آل عمران : ١٧٣) ، أي الناس الذين يعادونكم.

وقوله : ([إِنَّهُ] (٦) لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) (هود : ٤٦) ؛ أي الناجين (٧).

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) ذكرها الزمخشري في الكشاف ٢ / ٣٩٩ ، وأبو حيان في البحر المحيط ٦ / ١٥٤.

(٥) في المخطوطة (علم).

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) في المخطوطة (المتأخرين) بدون (أي).

٢٢٦

وقوله : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ [وَهُوَ الْحَقُ]) (١) (الأنعام : ٦٦) ؛ أي قومك المعاندون.

ومنه : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ [بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ] (٢) عَلَى الْقاعِدِينَ [دَرَجَةً] (٢)) (النساء : ٩٥) ، أي من أولي الضرر ، (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ) (النساء : ٩٥) ، أي من غير أولي الضرر.

قاله (٣) ابن مالك وغيره ، وبهذا التقدير يزول إشكال التكرار (٤) من الآية.

وقوله تعالى : (فَقَدْ (٥) لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) (يونس : ١٦) أي لم أتل عليكم فيه شيئا ، فحذفت الصفة أو الحال ، قيل والعمر هنا أربعون (٦) سنة.

حذف المعطوف

قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) (الأعراف : ١٨٥) ، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) (يوسف : ١٠٩) ، (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) (يونس : ٥١) التقدير : أعموا! أمكثوا! أكفرتم! وقوله : (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) (النمل : ٤٩) ، أي ما شهدنا مهلك أهله ومهلكه ، ٣ / ١٥٧ بدليل قوله : (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) (النمل : ٤٩) ؛ وما روي أنهم كانوا عزموا على قتله وقتل أهله ؛ وعلى هذا فقولهم : (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (النمل : ٤٩) كذب في الإخبار ، وأوهموا قومهم أنهم [إذا] (٧) قتلوه وأهله سرّا ولم يشعر بهم أحد ؛ وقالوا تلك المقالة [١٩٠ / أ] [يوهمون] (٨) أنهم صادقون ، وهم كاذبون.

ويحتمل أن يكون من حذف المعطوف عليه ؛ أي ما شهدنا مهلكه ومهلك أهله.

وقال بعض المتأخرين : أصله ما شهدنا مهلك أهلك بالخطاب ؛ ثم عدل عنه إلى الغيبة ، فلا حذف.

وقد يحذف المعطوف مع حرف العطف ، مثل : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) (الحديد : ١٠).

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (قال).

(٤) في المخطوطة (التقدير).

(٥) تصحفت في المطبوعة إلى (لقد).

(٦) في المخطوطة (أربعين).

(٧) ساقطة من المطبوعة.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

٢٢٧

وقوله تعالى : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) (١) [فَفَسَقُوا فِيها (الإسراء : ١٦) ؛ أي أمرنا مترفيها] (١) ، فخالفوا (٢) الأمر ، ففسقوا. وبهذا التقدير يزول الإشكال من الآية ؛ وأنه ليس الفسق مأمورا به. ويحتمل أن يكون : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) (الإسراء : ١٦) صفة للقرية لا جوابا لقوله : (وَإِذا أَرَدْنا) (الإسراء : ١٦) ، التقدير : وإذا أردنا أن نهلك قرية من صفتها أنا أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ؛ ويكون إذا على هذا لم يأت لها جواب ظاهر استغناء بالسياق ، كما في قوله : [تعالى] (٣) (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) (الزمر : ٧٣).

حذف المعطوف عليه

(فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) (آل عمران : ٩١) ، (٤) [أي لو ملكه ولو افتدى به] (٤).

٣ / ١٥٨ ويجوز حذفه مع حرف العطف ، كقوله [تعالى] (٥) : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ [مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ]) (٦) (البقرة : ١٨٤) ، أي فأفطر فعدة.

وقوله : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) (الشعراء : ٦٣) التقدير : فضرب فانفلق ، فحذف المعطوف عليه ، وهو «ضرب» ، وحرف العطف وهو الفاء المتصلة ب «انفلق» فصار : «فانفلق» فالفاء الداخلة ، على «انفلق» (٧) هي الفاء التي كانت متصلة ب (ضرب) وأما المتصلة ب «انفلق» فمحذوفة (٨).

كذا زعم ابن عصفور والأبّذيّ (٩) قالوا : والذي دل على ذلك أنّ حرف العطف إنما نوى

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (فخالفه).

(٣) ليس في المطبوعة.

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (فانغلق).

(٨) في المخطوطة (المحذوفة).

(٩) هو علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحيم أبو الحسن الأبذي بضم الهمزة وتشديد الموحدة وفتحها والذال

٢٢٨

به مشاركة الأول للثاني ؛ فإذا حذف أحد اللفظين ـ أعني لفظ المعطوف أو المعطوف (١) عليه ـ ينبغي ألاّ يؤتى به ليزول ما أتى به من أجله.

وقال (٢) ابن الضائع (٣) : ليس هذا من الحذف بل من إقامة المعطوف مقام المعطوف عليه ؛ لأنه سببه ، ويقام السبب كثيرا (٤) مقام مسبّبه ؛ وليس (٥) [ما] (٦) بعدها معطوفا على الجواب ؛ بل صار (٧) هو الجواب ؛ بدليل (٨) (فَانْبَجَسَتْ) هو جواب الأمر.

حذف المبدل منه

اختلفوا فيه ، وخرّج عليه قوله : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ [هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ]) (٩) (النحل : ١١٦).

حذف الموصول

قوله : (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) (العنكبوت : ٤٦) ، أي (١٠) والذي أنزل إليكم ؛ لأن «الذي أنزل إلينا» ليس هو الذي أنزل إلى من قبلنا ؛ ولذلك (١١) أعيدت «ما» بعد «ما» في قوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ) (البقرة : ١٣٦). ٣ / ١٥٩

__________________

المعجمة من أبذة بليدة بالأندلس (ابن حجر ، تبصير المشتبه ١ / ٣٢ ومعجم البلدان لياقوت ١ / ٦٤) ، كان نحويا ذاكرا للخلاف في النحو ، من أحفظ أهل وقته لخلافهم ، من أهل المعرفة بكتاب سيبويه والواقفين على غوامضه ، أقرأ بمالقة وقرأ عليه ابن الزبير ، ولي إمامة جامع القيسارية ، انتقل إلى غرناطة فأقرأ بها حتى مات سنة ٦٨٠ ه‍ (السيوطي ، بغية الوعاة ٢ / ١٩٩).

(١) في المخطوطة (والمعطوف).

(٢) في المخطوطة (قال).

(٣) في المخطوطة (الصائغ) وابن الضائع هو علي بن محمد الكتامي تقدم التعريف به في ٢ / ٣٦٤.

(٤) في المخطوطة (كثير).

(٥) في المخطوطة (فليس).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (هو صار).

(٨) في المخطوطة (وبدليل).

(٩) ليست في المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (لأن).

(١١) في المخطوطة (وكذلك).

٢٢٩

وهو نظير قوله. (١) [(آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) (النساء : ١٣٦).

وقوله : (وَمَنْ هُوَ] (١) مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) (الرعد : ١٠).

وقوله : (وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (الصافات : ١٦٤) أي من له.

وشرط ابن مالك في بعض كتبه لجواز (٢) الحذف كونه معطوفا على موصول آخر ؛ ويؤيده (٣) هذه الآية. قال : ولا يحذف موصول حرفيّ إلا «أن» كقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) (الروم : ٢٤).

حذف المخصوص في باب نعم

إذا علم من سياق الكلام

كقوله تعالى (٤) : (نِعْمَ الْعَبْدُ [إِنَّهُ أَوَّابٌ]) (٥) (ص : ٣٠) التقدير : نعم العبد أيوب ، أو نعم العبد هو ، لأن القصة في ذكر أيوب ؛ فإن قدرت : نعم العبد هو ؛ لم يكن «هو» عائدا (٦) على العبد بل على أيوب.

وكذلك قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ) (ص : ٣٠) ، فسليمان هو المخصوص الممدوح ، وإنما لم يكرر لأنه تقدم منصوبا.

وكذلك قوله تعالى : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) (المرسلات : ٢٣) ، أي نحن.

وقوله تعالى : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) (النحل : ٣٠) ، أي الجنة ، أو دارهم.

(فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد : ٢٤) ، أي عقباهم.

٣ / ١٦٠ (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (آل عمران : ١٣٦) ، أي أجرهم.

وقال [١٩٠ / ب] : (لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) (الحج : ١٣) أي من ضرّه أقرب من نفعه.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٢) في المطبوعة (لجواب).

(٣) في المخطوطة (يزده).

(٤) في المخطوطة (قوله).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (عائد).

٢٣٠

وقال تعالى : (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ) (البقرة : ٩٣) ، أي إيمانكم بما أنزل عليكم ، وكفركم [بما] (١) وراءه.

وقد يحذف الفاعل والمخصوص ، كقوله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (الكهف : ٥٠) ، أي بئس البدل إبليس وذريّته ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فبها ونعمت» (٢) ، أي ونعمت الرخصة.

حذف الضمير المنصوب المتصل

يقع في أربعة أبواب :

أحدها : الصلة ، كقوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (الفرقان : ٤١).

الثاني : الصفة ، كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) (البقرة : ٤٨) ، أي فيه ، بدليل قوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) (البقرة : ٢٨١) ولذلك يقدّر في الجمل المعطوف على الأولى ؛ لأن حكمهنّ حكمها ، فالتقدير : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة : ٤٨) فيه.

ثم اختلفوا ، فقال الأخفش : حذفت على التدريج ؛ أي حذف (٣) العطف فاتصل الضمير فحذف. وقال سيبويه (٤) : حذفا معا لأول وهلة.

وقيل : عدّي الفعل إلى الضمير أولا اتساعا ، وهو قول الفارسي. ٣ / ١٦١

وجعل الواحديّ (٥) من هذا قوله تعالى : (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) (الدخان : ٤١) ، أي منه : وقوله : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (غافر : ١٨) ، أي ما للظالمين منه.

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) قطعة من حديث أوله «من توضأ يوم الجمعة ...» ، أخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٦ ، ٢٢. مسند سمرة بن جندب رضي‌الله‌عنه ، والدارمي في السنن ١ / ٣٦٢ ، كتاب الصلاة ، باب الغسل يوم الجمعة ، وأبو داود في السنن ١ / ٢٥١ ، كتاب الطهارة (١) ، باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة (١٣٠) ، الحديث (٣٥٤) ، والترمذي في السنن ٢ / ٣٦٩ ، كتاب الصلاة (٢) ، باب في وضوء يوم الجمعة (٣٥٧) ، الحديث (٤٩٧) ، والنسائي في المجتبى من السنن ٣ / ٩٤ ، كتاب الجمعة (١٤) ، باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة (٩).

(٣) في المخطوطة (حرف).

(٤) في الكتاب ١ / ٣٨٦ (باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال ...).

(٥) هو علي بن أحمد الواحدي تقدم في ١ / ١٠٥.

٢٣١

وفيه نظر ؛ أما الأولى فلأنّ (يُغْنِي) جملة قد أضيف إليها اسم الزمان ، وليست صفة.

وقد [نصّوا] (١) على أنّ عود ضمير إلى المضاف من الجملة التي أضيف إليها الظرف غير جائز ؛ حتى قال ابن السراج (٢) : فإن قلت : أعجبني يوم قمت فيه امتنعت الإضافة ؛ لأن الجملة حينئذ صفة ، ولا يضاف موصوف إلى صفته. قال ابن مالك : و [هذا] (٣) مما خفي على أكثر النحويين. وأما الثانية ؛ فكأنه يريد أن (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) (غافر : ١٨) صفة ليوم ، المضاف إليها الأزمنة ؛ وذلك متعذر ؛ لأن الجملة لا تقع صفة للمعرفة ، والظاهر أن الجملة حال [منه] (٤) ، ثم حذف العائد المجرور ب «في» ، كما يحذف من الصفة.

الثالث : الخبر ، كقوله تعالى : (وَكُلًّا) (٥) وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى (النساء : ٩٥) في قراءة ابن عامر.

الرابع : الحال.

تنبيه

قال ابن الشّجري (٦) : أقوى هذه الأمور في الحذف (٧) الصلة ، لطول الكلام فيها ؛ لأنه أربع كلمات ؛ نحو : جاء الذي ضربت ؛ وهو : الموصول ، والفعل ، والفاعل ، والمفعول. ثم الصفة ؛ لأنّ الموصوف قائم بنفسه ، وإنما أتى بالصفة للتوضيح. ثم الخبر ؛ لانفصاله عن المبتدأ باعتبار أنه محكوم عليه.

٣ / ١٦٢ ووجه التفاوت أن الصفة رتبة متوسطة بين الصلة والخبر ؛ لأن الموصول وصلته (٨) كالكلمة الواحدة ، ولهذا لا يفصل بينهما ؛ والصفة دونها في ذلك ؛ ولهذا يكثر حذف

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) تقدم التعريف به ٢ / ٤٣٨.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (وكلا) ، والقراءة ذكرها ابن الشجري في أماليه ١ / ٣٢٦.

(٦) انظر الأمالي الشجرية ١ / ٣٢٧ ، بتصرف.

(٧) في المخطوطة (الصرف).

(٨) في المخطوطة (والصلة).

٢٣٢

الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، والخبر دون ذلك ، فكان الحذف آكد في الصلة من الصفة ، لأن هناك شيئين يدلاّن على الحذف ؛ الصفة تستدعي موصوفا ، والعامل يستدعيه أيضا. [ثم الخبر] (١) ويستحسن (٢) ابن مالك هذا الكلام ، ولم يتكلّم على الحال لرجوعه إلى الصفة.

حذف المفعول

وهو ضربان :

أحدهما : أن يكون مقصودا مع الحذف فينوى لدليل ؛ ويقدّر في [١٩١ / أ] كلّ موضع ما يليق به ؛ كقوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (البروج : ١٦) ، أي يريده.

(فَغَشَّاها ما غَشَّى) (النجم : ٥٤) أي غشاها إياه.

(اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) (الرعد : ٢٦).

(لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ) (هود : ٤٣).

(وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) (النمل : ٥٩).

[و] (٣) (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (القصص : ٦٢).

٣ / ١٦٣ وكلّ هذا على حذف ضمير المفعول ، وهو مراد ، حذف تخفيفا لطول الكلام بالصفة ؛ ولو لا إرادة (٤) المفعول ـ وهو الضمير (٤) ـ لخلت الصلة من ضمير يعود على الموصول ؛ وذلك لا يجوز ؛ وكان في حكم المنطوق به ؛ فالدلالة عليه من وجهين : اقتضاء الفعل له ، واقتضاء الصلة إذا كان العائد.

ومنه قوله تعالى : وما عملت أيديهم (يس : ٣٥) في قراءة حمزة والكسائي (٥) بغيرها ، أي [ما] (٦) عملته ، بدليل قراءة الباقين ، ف «ما» في موضع خفض للعطف (٧) على (ثمره) (٨).

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (واستحسن).

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) تقديم وتأخير في المخطوطة وهو (الضمير وهو المفعول).

(٥) وأبي بكر والباقون بالهاء (التيسر : ١٨٤).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (بالعطف).

(٨) في المخطوطة (غيره).

٢٣٣

ويجوز أن تكون «ما» نافية ، والمعنى : ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم ؛ فيكون أبلغ في الامتنان. ويقوّي ذلك قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (الواقعة : ٦٣ ـ ٦٤) ؛ وعلى هذا فلا تكون الهاء مرادة ، لأنها غير موصولة.

وجعل بعضهم منه قوله تعالى : (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) (١) (المؤمنون : ٣٣) ، وهو فاسد ، لأن «شرب» يتعدّى بنفسه.

والغرض حينئذ بالحذف أمور :

منها : قصد الاختصار عند قيام القرائن ؛ والقرائن إما حالية كما في قوله تعالى : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (الأعراف : ١٤٣) ، لظهور [أن] (٢) المراد : أرني ذاتك. ويحتمل أن يكون هاب المواجهة بذلك ، ثم براه الشوق. ويجوز أن يكون أخّر ليأتي به مع الأصرح ؛ لئلا يتكرّر هذا المطلوب العظيم على المواجهة إجلالا.

ومنه قوله تعالى : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) (القصص : ٢٧) ؛ (٣) [الظاهر أنه متعدّ حذف مفعوله ؛ أي تأجرني] (٣) نفسك.

٣ / ١٦٤ وجعل منه السكاكيّ (٤) قوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) (القصص : ٢٣) فمن قرأ بكسر الدال (٥) من (يُصْدِرَ) فإنه حذف المفعول في خمسة مواضع ، والأقرب أنه من الضرب الثاني كما سنبيّنه (٦) فيه إن شاء الله [تعالى] (٧).

وقوله : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) (البقرة : ١٩٨) ، أي أنفسكم.

__________________

(١) تصحفت في المخطوطة إلى (تشربون منه).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٤) هو يوسف بن أبي بكر السكاكي تقدم في ١ / ١٦٣ ، وانظر مفتاح العلوم : ٢٢٩ ـ ترك المفعول «دلائل الإعجاز» للجرجاني ص ١٢٤.

(٥) قراءة ابن عامر وأبي عمرو «يصدر» بفتح الياء وضم الدال ، والباقون بضم الياء وكسر الدال (التيسير : ١٧١).

(٦) في المخطوطة (سنذكره).

(٧) ليست في المخطوطة.

٢٣٤

وقوله : (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) (السجدة : ١٤) ، أي فذوقوا العذاب.

وقوله : (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) (إبراهيم : ٣٧) ، أي ناسا أو فريقا.

وقوله : (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا) (البقرة : ٦١) ، أي شيئا.

وقوله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) (إبراهيم : ٤٨) ، أي غير السموات. وقوله : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) (الإسراء : ١١٠) ؛ على أن الدعاء بمعنى التسمية ؛ التي تتعدى (١) إلى مفعولين ؛ أي سمّوه الله ، أو سموه الرحمن ؛ أيّا ما تسمّوه (٢) ، فله الأسماء الحسنى ، إذ لو كان المراد بمعنى الدعاء المتعدي لواحد لزم الشرك إن كان مسمّى الله غير مسمّى الرحمن ؛ وعطف الشيء على نفسه إن كان عينه.

ومنها قصد الاحتقار كقوله : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (المجادلة : ٢١) ؛ أي الكفار.

ومنها قصد التعميم ؛ ولا سيما إذا كان في حيّز النفي ، كقوله تعالى : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس : ١٠١). وكذا (وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) (٣) (الأعراف : ٧٢) وكثيرا ما يعتري الحذف في رءوس الآي نحو : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (البقرة : ١٠٢).

و (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) (الأعراف : ٥٨).

(أَفَلا) [١٩١ / ب](تَسْمَعُونَ) (القصص : ٧١).

(أَفَلا تُبْصِرُونَ) (القصص : ٧٢).

(أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (البقرة : ٧٧).

(إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (البقرة : ١٤).

(فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة : ٢٢).

وكذا (٤) كلّ موضع كان الغرض (٥) إثبات المعنى الذي دلّ عليه الفعل لفاعل غير متعلّق بغيره.

__________________

(١) في المخطوطة (الذي يتعدى).

(٢) في المخطوطة (تسمونه).

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (وما أنتم بمؤمنين).

(٤) في المخطوطة (وكذا).

(٥) في المخطوطة (اللفظ).

٢٣٥

ومنه قوله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) (يونس : ٢٥) ، أي كلّ أحد (١) ، لأن الدعوة عامة والهداية خاصة.

وأما قوله تعالى : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (المطففين : ٣) ، فكال ووزن يتعديان إلى مفعولين : أحدهما باللام ، والتقدير : كالوا لهم ووزنوا لهم ، وحذف المفعول الثاني لقصد التعميم.

وما ذكرناه من كون «هم» منصوبا في الموضع بعد اللام هو (٢) الظاهر ، وقرره ابن الشجري في «أماليه (٣)» ، قال : «وأخطأ بعض المتأولين حيث زعم أن (٤) [«هم»] (٥) ضمير مرفوع أكدت به الواو كالضمير في قولك : «خرجوا هم» ، ف «هم» على هذا التأويل عائد على المطفّفين.

ويدلّ على بطلان هذا القول أمران :

٣ / ١٦٦ أحدهما : عدم ثبوت الألف [بعد الواو] (٦) في «كالوهم» و «وزنوهم» ؛ ولو كان كما قال لأثبتوها في خط المصحف ؛ كما أثبتوها في قوله تعالى : (خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) (البقرة : ٢٤٣) (قالُوا) (٧) لِنَبِيٍّ لَهُمُ (البقرة : ٢٤٦) ونحوه.

والثاني أن تقدم ذكر «النّاس» يدلّ على أنّ الضمير راجع إليهم ؛ فالمعنى : (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) (المطففين : ٢) وإذا كالوا للناس أو وزنوا للناس يخسرون».

وجعل الزمخشريّ (٨) من حذف المفعول قوله (٩) تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ

__________________

(١) في المخطوطة (واحد).

(٢) في المخطوطة (وهو).

(٣) الأمالي الشجرية ١ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤ (فصل حذف الحرف).

(٤) في المخطوطة (أنه).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) ساقطة من المطبوعة.

(٧) تصحفت في المخطوطة إلى (وقالوا).

(٨) الكشاف ١ / ١١٤.

(٩) في المخطوطة زيادة (منه قوله).

٢٣٦

فَلْيَصُمْهُ) (البقرة : ١٨٥) ؛ أي في المصر. وعند أبي عليّ أن الشهر ظرف ، والتقدير فمن شهد منكم [المصر] (١) في الشهر.

ومنها تقدم مثله في اللفظ ؛ كقوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) (الرعد : ٣٩) ، أي ويثبت ما يشاء.

فلما كان المفعول الثاني بلفظ الأول في عمومه واحتياجه إلى الصلة (٢) جاز حذفه ، لدلالة ما ذكر عليه ، كقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ) (المؤمنون : ٩٦).

وقوله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) (إبراهيم : ٤٨) أي غير السموات.

وقوله : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) (الحديد : ١٠) ، أي ومن (٣) أنفق من بعده وقاتل ؛ بدليل ما بعده.

وقوله : (وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) (الصافات : ١٧٩) أي أبصرهم ، بدليل قوله : (وَأَبْصِرْهُمْ) (الصافات : ١٧٥). وسبق عن ابن ظفر (٤) السرّ في ذكر المفعول في الأول وحذفه في الثاني في هذه الآية الشريفة أن الأولى اقتضت نزول العذاب بهم يوم بدر ، فلما تضمنت التشفّي قيل : (أَبْصِرْهُمْ). وأما الثاني فالمراد بها يوم الفتح ؛ واقترن بها مع الظهور عليهم تأمينهم والدعاء إلى إيمانهم ؛ فلم يكن وقتا للتشفّي بل للبروز ؛ فقيل له : (أَبْصِرْ) ، والمعنى : فسيبصرون منّك عليهم.

وقوله : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ) (الأعراف : ٤٤) ، أي وعدكم ربكم ؛ فحذف لدلالة قوله قبله : (ما وَعَدَنا رَبُّنا) (الأعراف : ٤٤) ، قاله الزمخشري (٥).

وقد يقال : أطلق ذلك ليتناول كلّ ما وعد الله من الحساب والبعث والثواب والعقاب وسائر أحوال القيامة ؛ لأنهم كانوا يكذّبون [بذلك] (٦) أجمع ، ولأن الموعود كلّه مما ساءهم ؛

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة وبياض في موضعها.

(٢) عبارة المخطوطة (واحتياطه للعلة).

(٣) في المخطوطة (من).

(٤) هو أبو عبد الله بن ظفر بن محمد الصقلي تقدم في ٢ / ١٦٧.

(٥) في الكشاف ٢ / ٦٤.

(٦) ساقطة من المخطوطة.

٢٣٧

وما نعيم أهل الجنة إلا عذاب لهم ، فأطلق لذلك ليكون (١) من الضرب الآتي.

وقوله : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ) (الزمر : ٢٢).

ومنها رعاية الفاصلة ، نحو : (وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (الضحى : ١ ـ ٢ ـ ٣) [١٩٢ / أ] [أي ما قلاك] (٢) ، فحذف [المفعول] (٢) ، لأن فواصل الآي على الألف.

ويحتمل أنه للاختصار لظهور المحذوف [فيما] (٣) قبله ؛ أي أفمن (٤) شرح الله صدره للإسلام كمن أقسى قلبه ؛ فحذف لدلالة : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ) (الزمر : ٢٢).

ومنها البيان بعد الإبهام كما في مفعول المشيئة والإرادة ، فإنهم لا يكادون يذكرونه ، كقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) (البقرة : ٢٠).

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) (الأنعام : ٣٥).

٣ / ١٦٨ (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (النحل : ٩).

(فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) (الشورى : ٢٤).

(مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) (الأنعام : ٣٩).

(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (السجدة : ١٣).

التقدير : لو شاء الله أن يفعل [ذلك] (٥) لفعل.

وشرط ابن النحوية (٦) في حذفه دخول أداة الشرط عليه كما سبق من قوله (٧) : (فَإِنْ (٨) يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) (الشورى : ٢٤).

__________________

(١) في المخطوطة (فيكون).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (فمن).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) هو محمد بن يعقوب بن إلياس بدر الدين ابن النحوية الدمشقي صاحب كتاب «إسفار الصباح» تقدم التعريف به في ٣ / ٢٠٩.

(٧) في المخطوطة (وقوله).

(٨) تصحفت في المخطوطة (إن).

٢٣٨

[و] (١) (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) (الأنفال : ٣١).

(مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الأنعام : ٣٩).

والحكمة في كثرة حذف مفعول المشيئة المستلزمة لمضمون الجواب لا يمكن أن تكون إلا مثيلة (٢) الجواب ؛ ولذلك كانت الإرادة كالمشيئة في جواز اطّراد حذف مفعولها ؛ صرح به الزمخشريّ في تفسير سورة البقرة (٣) ، وابن الزّملكاني (٤) في «البرهان» ، والتنوخي (٥) في «الأقصى» : كقوله : [تعالى] : (٦) (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) (الصف : ٨) ، وإنما حذفه لأن في الآية قبلها ما يدلّ على أنهم أمروا لكذب ؛ وهو بزعمهم (٧) إطفاء نور الله ، فلو ذكر أيضا لكان كالمتكرر ؛ فحذف وفسّر بقوله : (لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) ٣ / ١٦٩ (الصف : ٨) ؛ وكان في الحذف تنبيه على هذا المعنى الغريب.

وينبغي أن يتمهل في تقدير مفعول المشيئة ؛ فإنه يختلف المعنى بحسب التقدير ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (السجدة : ١٣) ؛ فإن التقدير كما قاله عبد القاهر [الجرجاني] (٨) : ولو شئنا أن نؤتي كلّ نفس هداها لآتيناها ، لا يصحّ إلا على ذلك ؛ لأنه إن لم يقدر [ل (شِئْنا)] (٩) هذا المفعول أدّى والعياذ بالله إلى أمر عظيم ، وهو نفي أن يكون لله مشيئة على الإطلاق ؛ لأن من شأن «لو» أن يكون الإثبات بعدها نفيا ، ألا ترى أنك إذا قلت : لو جئتني أعطيتك ، كان المعنى على أنه لم يكن مجيء ولا إعطاء ؛ وأما قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) (الأعراف : ١٧٦) ؛ فقدّره النحويون : فلم نشأ فلم نرفعه.

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (مشيئة).

(٣) الكشاف ١ / ٤٣.

(٤) هو محمد بن علي بن عبد الواحد تقدم التعريف به في ١ / ١٣٥ ، وبكتابه في ٢ / ٢٢٨.

(٥) هو محمد بن محمد التنوخي تقدم التعريف به وبكتابه في ٢ / ٤٤٨.

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) في المخطوطة (يزعم).

(٨) ساقط من المخطوطة ، وانظر كتابه دلائل الإعجاز ص ١٢٦ ، حذف المفعول به باب من الإضمار والحذف بابا يسمى الإضمار على شريطة التفسير. مع تصرف في النقل.

(٩) ليست في المطبوعة.

٢٣٩

وقال ابن الخبّاز (١) : «الصواب أن يكون التقدير «فلم نرفعه فلم نشأ» ، لأنّ نفي اللازم يوجب نفي الملزوم ، فوجود (٢) الملزوم يوجب وجود اللازم ؛ فيلزم من وجود المشيئة وجود الرفع ، ومن نفى الرفع نفى المشيئة ؛ وأما نفي الملزوم فلا يوجب نفي اللازم ، ولا وجود اللازم وجود الملزوم». انتهى.

ويؤيده قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا) (الأنبياء : ٢٢) ، فإن المقصود [منه] (٣) انتفاء وجود الآلهة لانتفاء لازمها وهو الفساد.

ويمكن توجيه كلام النحويين بأنهم جعلوا الأوّل شرطا للثاني ، لأنّهم عدوّا «لو» من حروف الشرط ، وانتفاء الشرط يوجب انتفاء المشروط. وقد يكون الشرط مساويا للمشروط ؛ بحيث يلزم من وجوده وجود المشروط ، ومن عدمه عدمه. والمقصود في الآية تعليل عدم الرفع بعدم المشيئة لا العكس.

٣ / ١٧٠ وأوضح منه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [١٩٢ / ب] (الأعراف : ٩٦) ، جعل انتفاء الملزوم سببا لانتفاء اللازم ؛ لأن «كذبوا» ملزوم عدم الإيمان والتقوى ؛ فأخذهم (٤) بذلك ملزوم عدم فتح بركات السماء والأرض عليهم. والفاء في قوله (فَأَخَذْناهُمْ) للسببية ، وجعل التكذيب سببا لأخذهم بكفرهم ؛ ولعلّ ذلك يختلف باختلاف المواد ووقوع الأفراد ، مع أن القول ما قاله ابن الخباز. وأما ما جاء على خلافه فذلك من خصوص المادة ، وذلك لا يقدح في القضية الكلية ؛ ألا ترى أنا نقول : الموجبة الكلية لا تنعكس كلية [مع أنها تنعكس كليّة] (٥) في بعض المواضع ، كقولنا : كل إنسان ناطق ، ولا يعدّ ذلك مبطلا للقاعدة.

__________________

(١) هو أحمد بن الحسين شمس الدين ابن الخباز تقدم التعريف في ٣ / ١٤.

(٢) في المخطوطة (ووجود).

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (وفأخذناهم).

(٥) العبارة بين الحاصرتين ليست في المخطوطة.

٢٤٠