البرهان في علوم القرآن - ج ٣

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٣

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩

إليها الفعل وقطع (١) النظر عنه ، فلذلك (٢) أنّث الفعل في بعض الصور ، كقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (المائدة : ٣) ، وقول صاحب (٣) «التلخيص» : إن هذه الآية من باب دلالة العقل ممنوع (٤) ، لأن العقل لا يدرك محل الحلّ ولا الحرمة ، فلهذا جعلناه من دلالة العادة الشرعية.

ومنها : أن يدلّ العقل عليهما ، أي على الحذف والتعيين ، كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) (الفجر : ٢٢) ، أي أمره أو عذابه أو ملائكته ؛ لأن العقل دلّ على أصل الحذف ، والاستحالة مجيء البارئ عقلا ؛ لأن المجيء من سمات الحدوث. ودل العقل أيضا على التعيين ، وهو الأمر ونحوه ، وكلام الزمخشريّ (٥) يقتضي أنه لا حذف البتة ؛ فإنه قال : هذه الآية الكريمة تمثيل ؛ مثّلت حاله سبحانه وتعالى في ذلك (٦) بحال الملك الملك إذا حضر بنفسه.

وكقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ (٧) [لَفَسَدَتا) (الأنبياء : ٢٢) ؛ المقدمة الثانية وهو لكنها لم تفسد فلم يكن فيها آلهة إلا الله] (٧) ؛ لأنه في معرض التوحيد ، فعدم الفساد دليل على عدم تعدد الآلهة ، وإنما حذف لأن انتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم ضرورة ، ولذلك لم يذكر المقدمة الثانية عند استعمال الشرط بلوغا لها (٨).

ومنها : أن يدلّ العقل على أصل الحذف ، وتدلّ عادة الناس على تعيين المحذوف ،

__________________

(١) في المخطوطة (وقع).

(٢) في المخطوطة (فلذا).

(٣) هو محمد بن عبد الرحمن بن عمر قاضي القضاة جلال الدين القزويني قدم دمشق من بلاده هو وأخوه قاضي القضاة إمام الدين ، ثم ناب في القضاء بدمشق عنه ، ثم عن قاضي القضاء نجم الدين ابن صصرى ثم ولي خطابة دمشق ، وكان رجلا فاضلا متفننا له مكارم وسؤدد وهو مصنف كتاب «التلخيص في المعاني والبيان» و «الإيضاح (السبكي ، طبقات الشافعية ٥ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩) وكتابه طبع بشرح عبد الرحمن البرقوقي بالقاهرة بمطبعة النيل عام ١٣٢٢ ه‍ / ١٩٠٤ م وأعيد طبعه في القاهرة عام ١٣٥٠ ه‍ / ١٩٣٢ م ، وصور في بيروت بدار الكتاب العربي عام ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م و١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م ، وبدار الفكر عام ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م وانظر قوله ص ٢٢٠ ، الإيجاز والإطناب والمساواة.

(٤) في المخطوطة (مضمون) تصحيف.

(٥) انظر الكشاف ٤ / ٢١١.

(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (القمر) والتصويب من الكشاف.

(٧) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٨) في المخطوطة (يكون غالبا) بدل (بلوغا لها).

١٨١

كقوله تعالى : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) (يوسف : ٣٢) ؛ فإن يوسف عليه‌السلام ليس ظرفا للومهنّ (١) ؛ فتعيّن أن يكون غيره ؛ فقد دلّ العقل على أصل الحذف. ثم يجوز أن يكون الظرف حبّه ، بدليل : (شَغَفَها حُبًّا) (يوسف : ٣٠) ، أو مراودته (٢) بدليل : (تُراوِدُ فَتاها) (يوسف : ٣٠) ، ولكن (٣) العقل لا يعيّن واحدا منها (٤) ؛ بل العادة دلّت على أن المحذوف هو الثاني ، فإن الحبّ لا يلام (٥) عليه صاحبه ؛ لأنه (٦) يقهره ويغلبه ، وإنما (٧) اللوم فيما للنفس (٨) فيه اختيار ، وهو المراودة ، لقدرته على دفعها. ٣ / ١١٠

ومنها : أن تدلّ العادة على تعيين المحذوف ، كقوله تعالى : ([قالُوا] (٩) لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً) (آل عمران : ١٦٧) ، أي مكان قتال ، والمراد مكانا صالحا للقتال ، لأنهم كانوا أخبر الناس بالقتال ؛ والعادة تمنع أن يريدوا : لو نعلم حقيقة القتال ؛ فلذلك قدّره مجاهد : «مكان قتال».

وقيل : إنّ تعيين المحذوف هنا من دلالة السياق لا العادة.

ومنها : أن يدلّ اللفظ على الحذف ، والشروع في الفعل على تعيين المحذوف كقوله : (بِسْمِ اللهِ) (الفاتحة : ١) فإن اللفظ يدل على أن فيه حذفا ؛ لأنّ حرف الجر لا بدّ له من متعلق ودلّ الشروع على تعيينه ؛ وهو الفعل الذي جعلت (١٠) التسمية في مبدئه ؛ من قراءة ، أو أكل أو شرب ونحوه ، ويقدر في كل موضع ما يليق ، ففي القراءة : أقرأ ، وفي الأكل : آكل ؛ ونحوه.

وقد اختلف : هل يقدّر الفعل أو الاسم [١٨١ / أ]؟ وعلى الأول ، فهل يقدّر عام كالابتداء أو خاص كما ذكرنا؟

ومنها اللغة كضربت ؛ فإن اللغة قاضية أن الفعل المتعدّي لا بدّ له من مفعول ؛ نعم هي تدلّ على أصل الحدث لا تعيينه. وكذلك حذف المبتدإ والخبر (١١).

__________________

(١) في المخطوطة (للّوم).

(٢) في المخطوطة (فراودته).

(٣) في المخطوطة (لكن).

(٤) في المخطوطة (منهما).

(٥) في المخطوطة (يلزم).

(٦) في المخطوطة (فإنه).

(٧) في المخطوطة (وأما).

(٨) في المخطوطة (للتعيين).

(٩) ليست في المطبوعة.

(١٠) في المخطوطة (حصلت).

(١١) في المخطوطة (أو الخبر).

١٨٢

ومنها : تقدم ما يدلّ على المحذوف وما (١) في سياقه ، كقوله (٢) : (وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) (الصافات : ١٧٩) ، وفي (٣) موضع آخر نحو : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) (ص : ٧٥). وفي موضع : (أَلاَّ تَسْجُدَ) (الأعراف : ١٢). وكقوله : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ٣ / ١١١ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) (الأحقاف : ٣٥) أي هذا ، بدليل ظهوره في سورة إبراهيم ، فقال تعالى : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) (إبراهيم : ٥٢) ، ونظائره.

ومنها اعتضاده بسبب النزول ؛ كما في قوله (٤) تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) (المائدة : ٦) ، فإنه لا بدّ فيه من تقدير فقال زيد بن أسلم (٥) : أي قمتم من المضاجع ـ يعني النوم ـ وقال غيره : إنما يعني إذا قمتم محدثين.

واحتجّ لزيد بأن [هذه] (٦) الآية إنما نزلت بسبب فقدان (٧) عائشة رضي‌الله‌عنها عقدها ، فأخّروا الرحيل إلى أن أضاء الصبح ، فطلبوا الماء عند قيامهم من نومهم فلم يجدوه ؛ فأنزل الله هذه الآية (٨).

وبما رجّح من طريق النظر بأن الأحداث المذكورة (٩) بعد قوله : (إِذا قُمْتُمْ) (المائدة : ٦) الأولى أن يحمل قوله : (إِذا قُمْتُمْ) معنى غير الحدث ، لما فيه من زيادة الفائدة ، فتكون الآية جامعة للحدث ولسبب الحدث ؛ فإن النوم ليس بحدث بل سبب للحدث.

__________________

(١) في المخطوطة (أما).

(٢) في المخطوطة (كقوله له).

(٣) في المخطوطة (أو في).

(٤) في المخطوطة (كقوله).

(٥) هو الإمام الحجة القدوة أبو عبد الله العدوي العمري حدث عن والده أسلم مولى عمر ، وعن عبد الله بن عمر ، ومسلمة بن الأكوع وغيرهم ، وعنه سفيان الثوري ، والأوزاعي ، وابن عيينة ، وكان له حلقة للعلم في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ت ١٣٦ ه‍ (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ٥ / ٣١٦) ، وقوله أخرجه الطبري في التفسير ٦ / ٧٢.

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (بفقدان) بدل (بسبب فقدان).

(٨) من حديث عن عائشة رضي‌الله‌عنها أوله «خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء انقطع عقد لي ...» الحديث أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٤٣١ ، كتاب التيمم (٧) ، باب (١) ، الحديث (٣٣٤) ، ومسلم في الصحيح ١ / ٢٧٩ ، كتاب الحيض (٣) ، باب التيمم (٢٨) الحديث (١٠٨ / ٣٦٧).

(٩) في المخطوطة (مذكورة).

١٨٣

الوجه الرابع في شروطه :

فمنها : أن تكون (١) في المذكور دلالة على المحذوف ؛ إما من لفظه أو من سياقه ، وإلا لم يتمكّن (٢) من معرفته ، فيصير اللفظ مخلاّ بالفهم. ولئلا يصير الكلام لغزا فيهجّن في الفصاحة ، وهو معنى قولهم : لا بد (٣) أن يكون فيما أبقي دليل (٤) على ما ألقي.

وتلك الدلالة مقالية وحالية.

فالمقالية قد تحصل من إعراب اللفظ ، وذلك كما إذا كان منصوبا ، فيعلم أنّه لا بدّ ٣ / ١١٢ [له] (٥) من ناصب ، وإذا لم يكن ظاهرا لم يكن بدّ من أن يكون مقدّرا ، نحو : أهلا وسهلا ومرحبا ، أي وجدت أهلا ، وسلكت سهلا ، وصادفت رحبا. ومنه قوله [تعالى] (٦) : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (٦) (الفاتحة ٢) على قراءة النصب (٧). وكذلك قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) (النساء : ١) والتقدير : احمدوا الحمد ، واحفظوا الأرحام ؛ وكذلك قوله تعالى (٨) : ([صِبْغَةَ اللهِ] (٨) وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (البقرة : ١٣٨). (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) (الحج : ٧٨).

والحالية (٩) قد تحصل من النظر إلى المعنى والعلم (٩) ؛ فإنه لا يتمّ إلا بمحذوف ، وهذا يكون أحسن حالا من [النظم] (١٠) الأول لزيادة عمومه ، كما في قولهم : فلان يحلّ ويربط ، أي يحلّ الأمور ويربطها ، أي ذو تصرّف.

وقد تدل الصناعة النحوية على التقدير ؛ كقولهم في : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (القيامة : ١) : [إن] (١١) التقدير لأنا (١٢) أقسم لأنّ فعل (١٣) الحال لا يقسم عليه. وقوله تعالى :

__________________

(١) في المخطوطة (يكون).

(٢) في المخطوطة (تتمكن).

(٣) في المخطوطة (إلا) بدل (لا بد).

(٤) في المخطوطة (دليلا).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) وهي قراءة هارون العتكي ، ورؤية ، وسفيان بن عيينة (أبو حيان ، البحر المحيط ، ١ / ١٨).

(٨) في المخطوطة (وقوله) بدل (وكذلك قوله تعالى).

(٩) ليست في المخطوطة.

(١٠) تصحفت العبارة في المطبوعة إلى (قد تحصل من النظر إلى المعنى والنظر والعلم). وما أثبتناه من المخطوطة.

(١١) ساقطة من المخطوطة.

(١٢) في المخطوطة (لا أنا).

(١٣) في المخطوطة (فعله).

١٨٤

([تَاللهِ] (١) تَفْتَؤُا (٢) [تَذْكُرُ يُوسُفَ] (٢)) (يوسف : ٨٥) ، التقدير : لا تفتأ ؛ لأنه لو كان الجواب مثبتا (٣) لدخلت اللام والنون ، كقوله : (بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ) (التغابن : ٧).

وهذا كلّه عند قيام دليل واحد ، وقد يكون هناك أدلة يتعدّد التقدير بحسبها ، كما في قوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) (فاطر : ٨) ، فإنه يحتمل [تقدير] (٤) ثلاثة أمور :

٣ / ١١٣ أحدها : كمن لم يزيّن له سوء عمله ، والمعنى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) (فاطر : ٨) من الفريقين اللذين تقدم ذكرهما ، كمن لم يزين له»! ثمّ كأنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قيل له ذلك ، قال : لا ، فقيل : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (فاطر : ٨).

ثانيها : تقدير : ذهبت نفسك عليهم حسرات فحذف الخبر لدلالة (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (فاطر : ٨).

ثالثها : تقدير : «كمن هداه الله» ، فحذف لدلالة : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (فاطر : ٨).

واعلم أنّ هذا [١٨١ / ب] الشرط إنما يحتاج إليه إذا كان المحذوف الجملة بأسرها ؛ نحو : (قالُوا سَلاماً) (هود : ٦٩) ، أي سلّمنا سلاما ، أو أحد ركنيها نحو : (قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) (الذاريات : ٢٥) أي «سلام عليكم أنتم قوم منكرون» ، فحذف خبر الأولى ومبتدأ الثانية.

وأمّا إذا كان المحذوف فضلة فلا يشترط لحذفه دليل ؛ ولكن يشترط ألاّ يكون في حذفه إخلال بالمعنى أو اللفظ ، كما في حذف العائد المنصوب ونحوه.

وشرط ابن مالك في حذف (٥) [الجار] (٦) أيضا أمن اللبس ، ومنع الحذف في نحو : رغبت [في] (٧) أن تفعل ، أو عن أن تفعل ، لإشكال المراد بعد الحذف.

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (مبينا).

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (حذفه).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) ساقطة من المطبوعة.

١٨٥

وأورد عليه (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) (النساء : ١٢٧) ، فحذف الحرف.

٣ / ١١٤ وجوابه أنّ النساء يشتملن على وصفين ، وصف الرغبة فيهنّ وعنهنّ ، فحذف للتعميم. وشرط بعضهم في الدليل اللفظيّ أن يكون على وفق المحذوف. وأنكر قول الفرّاء في قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) (القيامة : ٣ ـ ٤) أن التقدير : بلى حسبنا قادرين ، والحساب المذكور بمعنى الظنّ ، والمحذوف [بمعنى] (١) العلم ؛ إذ التردد في الإعادة كفر ، فلا يكون مأمورا به.

ويجاب بأن الحساب المقدّر بمعنى الجزم والاعتقاد ؛ لا بمعنى الظنّ ، وتقديره بذلك أولى ، لموافقته الملفوظ.

وقد يدلّ على المحذوف ذكره في مواضع أخر :

منها : وهو أقواها ، كقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) (٢) (الأنعام : ١٥٨) أي أمره ، بدليل قوله : (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) (النحل : ٣٣).

وقوله في آل عمران : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (آل عمران : ١٣٣) ، أي كعرض ؛ بدليل التصريح به في آية الحديد (٣).

وفيه إيجاز بليغ ؛ فإنه إذا كان العرض كذلك. فما ظنك بالطول! كقوله : (بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) (الرحمن : ٥٤).

وقيل : إنما أراد التعظيم والسّعة (٤) [لأحقيّة العرض ، كقوله :

كأنّ بلاد الله وهي عريضة

على الخائف المظلوم كفّة حابل] (٤)

ومنها : ألاّ يكون الفعل طالبا له بنفسه ، فإن كان امتنع حذفه كالفاعل ، ومفعول ما لم يسم فاعله ، واسم كان وأخواتها ، وإنما لم يحذف لما في ذلك من نقض الغرض.

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) تصحفت الآية في المخطوطة إلى (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله أو أمره).

(٣) وهي قوله تعالى (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الآية : ٢٥].

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة. والبيت في الأغاني لأبي الفرج ١٢ / ٢٧ ، ينسبه لعبد الله بن الحجاج. وعجزه في الأغاني : على الخائف المطرود كفة حابل.

١٨٦

ومنها : قال أبو الفتح بن جني (١) : «ومن حق الحذف أن يكون في الأطراف لا في الوسط ؛ لأن طرف الشيء أضعف من قلبه ووسطه ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) (الرعد : ٤١) ، وقال الطائي الكبير (٢) : ٣ / ١١٥

كانت هي الوسط الممنوع فاستلبت

ما حولها الخيل حتى أصبحت طرفا»

فكأنّ الطرفين سياج للوسط ومبذولان للعوارض دونه ، ولذلك تجد الإعلال عند التصريفيّين ، بالحذف منها ، فحذفوا الفاء في المصادر من باب وعد ، نحو العدة والزنة والهبة واللام في نحو اليد والدم والفم والأب والأخ ، وقلّما تجد الحذف في العين لما ذكرنا ، وبهذا يظهر لطف هذه اللغة العربية (٣).

تنبيهات

الأول : قد توجب صناعة النحو التقدير وإن كان المعنى غير متوقف عليه ؛ كما في قوله : «لا إله إلا الله» فإن الخبر محذوف ، وقدّره النحاة ب «موجود» أو «لنا».

وأنكره الإمام فخر الدين (٤) ، وقال : هذا كلام (٥) لا يحتاج إلى تقدير ، وتقديرهم فاسد ، لأن نفي الحقيقة مطلقة أعمّ من نفيها مقيّدة ، فإنها إذا انتفت مطلقة كان ذلك دليلا على سلب الماهية مع القيد ، وإذا انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر.

ولا معنى لهذا الإنكار ؛ فإن تقدير «في الوجود» ، يستلزم نفي كلّ إله غير الله قطعا فإنّ العدم لا كلام فيه ، فهو في الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة (٦) لا مقيّدة (٧). ثم لا بدّ من تقدير خبر لاستحالة مبتدأ بلا خبر ، ظاهرا أو مقدرا ؛ وإنما يقدّر النحويّ القواعد [١٨٢ / أ] حقها وإن

__________________

(١) انظر الخصائص ٢ / ١٦٦ باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني.

(٢) هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي ، أبو تمام ، الشاعر الأديب أحد أمراء البيان ولد في جاسم من قرى حوران بسورية ورحل إلى مصر ... ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنين حتى توفي ٢٣١ ه‍ (الأعلام ٢ / ١٦٥). والبيت في ديوانه ٢ / ٣٧٤.

(٣) في المخطوطة (الغريبة).

(٤) في التفسير الكبير ٤ / ١٧٤ (المسألة الثامنة).

(٥) في المخطوطة (الكلام).

(٦) في المخطوطة (مطلقا).

(٧) في المخطوطة (مقيد).

١٨٧

كان المعنى مفهوما ، وتقديرهم هنا أو غيره ليروا صورة التركيب من حيث اللفظ مثالا ، لا من حيث المعنى ، ولهم تقديران : إعرابيّ ، وهو الذي خفي [على المعترض] (١) ، ومعنويّ وهو الذي ألزمه ، وهو غير لازم. ٣ / ١١٦

ومن المنكر في هذا أيضا قول ابن الطّراوة (٢) : إن (٣) الخبر في هذا «إلا الله» ، وكيف يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة! الثاني : اعتبر أبو الحسن (٤) في الحذف التدريج حيث أمكن ؛ ولهذا قال في قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) (البقرة : ٤٨) : إن أصل الكلام : «يوم لا تجزي فيه» فحذف حرف الجرّ ، فصار «تجزيه» ، ثم حذف [حرف] (٥) الضمير فصار «تجزي».

وهذا ملاطفة في الصناعة ، ومذهب سيبويه أنه حذف فيه دفعة واحدة.

وقال (٦) أبو الفتح في «المحتسب» (٧) : وقول أبي الحسن أوثق في النفس وآنس من أن يحذف الحرفان معا في وقت واحد.

الثالث : المشهور في قوله تعالى : (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ) (البقرة : ٦٠) ، أنه معطوف على جملة محذوفة ، التقدير : «فضرب فانفجرت» ، ودلّ «انفجرت» على المحذوف ، لأنه يعلم من الانفجار أنه قد ضرب.

وكذا : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) (الشعراء : ٦٣) ، إذ لا جائز أن يحصل الانفجار والانفلاق دون ضرب.

__________________

(١) العبارة ساقطة من المخطوطة وكتب مكانها (المعنى).

(٢) هو أبو الحسين سليمان بن عبد الله المالقي ، تقدم التعريف به في ٢ / ٣٢٦.

(٣) في المخطوطة (لأن).

(٤) انظر معاني القرآن ١ / ٨٨ ، باب إضافة الزمان إلى الفعل.

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (قال).

(٧) تقدم التعريف بالكتاب في ١ / ٤٨١. وانظر قوله في الخصائص ٢ / ٤٧٣ باب في ملاطفة الصيغة.

١٨٨

٣ / ١١٧ وابن عصفور يقول في [مثل] (١) هذا : إنّ حرف العطف المذكور مع المعطوف (٢) [هو الذي كان مع المعطوف] (٢) عليه ، وإنّ المحذوف هو المعطوف عليه ، وحذف حرف العطف من المعطوف ، فالفاء في «انفلق» هو (٣) فاء الفعل المحذوف وهو «ضرب» فذكرت فاؤه وحذف فعلها وذكر فعل «انفلق» (٤) وحذفت فاؤه ليدلّ المذكور على المحذوف ؛ وهو تحيّل (٥) غريب.

الخامس في أقسامه :

الأول : الاقتطاع ، وهو ذكر حرف من الكلمة وإسقاط الباقي ، كقوله :

درس المنا بمتالع فأبان

أي المنازل ، وأنكر صاحب (٦) «المثل السائر» ورود هذا النوع في القرآن العظيم ، وليس كما قال.

وقد جعل منه بعضهم فواتح السور ؛ لأن كل حرف منها يدلّ على اسم من أسماء الله

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) العبارة ساقطة من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (هي).

(٤) في المخطوطة (الفلق).

(٥) في المخطوطة (تخيل).

(٦) هو نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد ضياء الدين أبو الفتح الشيباني الخزرجي المعروف بابن الأثير ولد بجزيرة ابن عمر عام ٥٥٨ ه‍ ، مهر في النحو واللغة وعلم البيان ، واستكثر من حفظ الشعر ، وزر للأفضل على ابن السلطان صلاح الدين ، من مصنفاته «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» و «الوشي المرقوم في حل المنظوم» و «المعاني المخترعة في صناعة الإنشاء» ت ٦٣٧ ه‍ (السيوطي ، بغية الوعاة ٢ / ٣١٥). وكتابه طبع في القاهرة ببولاق عام ١٢٨٢ ه‍ / ١٨٦٥ م في بيروت عام ١٢٩٢ ه‍ / ١٨٧٥ م ، وفي القاهرة بالمطبعة البهية وبهامشه أدب الكاتب ١٣١٢ ه‍ / ١٨٩٤ م ، وفي القاهرة بمطبعة مصطفى الحلبي عام ١٩٣٥ ه‍ / ١٩٣٩ م بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، وطبع في القاهرة بتحقيق أحمد الحوفي وبدوي طبانة بمكتبة نهضة مصر عام ١٣٧١ ه‍ / ١٩٥١ م ، و١٣٧٩ ه‍ / ١٩٥٩ م وفي الرياض بدار الرفاعي عام ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م (ذخائر التراث العربي ١ / ٤١). وانظر قوله في ٢ / ١١٣ (طبعة مصطفى الحلبي).

١٨٩

تعالى ، كما روى ابن عباس «الم» معناه : «أنا الله أعلم وأرى» (١) ، و «المص» أنا الله أعلم وأفصّل (٢) ؛ وكذا الباقي.

وقيل في قوله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) (المائدة : ٦) : إن الباء هنا أول كلمة «بعض» ثم حذف الباقي (٣) ، كقوله :

قلت لها قفي [لنا] (٤) قالت قاف (٥)

أي وقفت ، وفي الحديث : «كفى بالسيف شا» (٦) أي شاهدا.

٣ / ١١٨ وقال الزمخشري (٧) في قوله : «م (٨) الله» في القسم : إنها «أيمن» (٩) التي تستعمل في القسم ، حذفت نونها.

ومن هذا الترخيم ، ومنه : قراءة بعضهم (١٠) : يا مال (الزخرف : ٧٧) على لغة من ينتظر ، ولمّا سمعها بعض السلف قال : ما أشغل (١١) أهل النار عن الترخيم! وأجاب بعضهم بأنهم لشدة ما هم فيه عجزوا عن إتمام الكلمة.

الثاني : الاكتفاء وهو أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط ؛ فيكتفى بأحدهما عن الآخر ، ويخصّ بالارتباط العطفيّ غالبا ؛ فإن الارتباط خمسة أنواع : وجوديّ ، ولزوميّ ، وخبريّ ، وجوابيّ ، وعطفيّ.

__________________

(١) أخرجه الطبري في التفسير ١ / ٦٧ ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ١ / ٢٢ وقال : «أخرجه وكيع وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس».

(٢) أخرجه الطبري في التفسير ٨ / ٨٥ ، وذكره السيوطي في الدرّ المنثور ٣ / ٦٧ قال : «أخرجه ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات.

(٣) في المخطوطة (الباء).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) البيت للوليد بن عقبة ذكره ابن جني في الخصائص ١ / ٣٠. وعجزه لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف وقد تقدم ذكر هذه الشطرة في ١ / ٢٦٢.

(٦) أخرجه بلفظه عبد الرزاق في المصنف ٩ / ٤٣٤ ، عن الحسن مرسلا كتاب العقول ، باب الرجل يجد على امرأته رجلا ، الحديث (١٧٩١٨).

(٧) في المفصل ص ٣٤٤ ـ ٣٤٦.

(٨) في المطبوعة (من). تصحيف.

(٩) في المخطوطة (من).

(١٠) وهي قراءة ابن مسعود ، انظر الكشاف ٣ / ٤٢٦.

(١١) في المخطوطة (أغنى).

١٩٠

ثم ليس المراد الاكتفاء بأحدهما كيف اتفق ؛ بل لأنّ فيه نكتة تقتضي الاقتصار عليه.

و [العلم] (١) المشهور في مثال هذا النوع قوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (النحل : ٨١) أي والبرد ، هكذا قدّروه. وأوردوا عليه سؤال الحكمة من تخصيص الحرّ بالذّكر. وأجابوا بأن الخطاب للعرب ، وبلادهم حارة ، والوقاية عندهم من الحرّ أهمّ ؛ لأنه أشدّ [من] (٢) البرد عندهم.

والحقّ [١٨٢ / ب] أن الآية ليست من هذا القسم ، فإنّ البرد ذكر الامتنان (٣) بوقايته قبل ذلك صريحا في قوله : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها) (النحل : ٨٠) وقوله : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) (النحل : ٨١) ، وقوله في صدر السورة : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) (النحل : ٥). ٣ / ١١٩

فإن قيل : فما الحكمة في ذكر الوقايتين بعد قوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً) (النحل : ٨١) ، فإن هذه وقاية الحرّ ، ثم قال : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) (النحل : ٨١) ، فهذه وقاية البرد على (٤) عادة العرب؟

قيل : لأنّ ما تقدم بالنسبة إلى المساكن ، وهذه إلى الملابس [نعم اعملوا في الآية] (٥) ، وقوله : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) (النحل : ٨١) (٦) ولم يقل السهل (٦) وفيه الجوابان السابقان.

وأمثلة هذا القسم كثيرة ؛ كقوله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (الأنعام : ١٣) فإنّه قيل : المراد : «وما تحرك» ، وإنما آثر ذكر السكون لأنه أغلب الحالين على (٧) المخلوق من (٨) الحيوان والجماد ، ولأن الساكن أكثر عددا من المتحرك. أو لأنّ (٩) [كل] (١٠) متحرك (١١) يصير إلى السكون ، ولأن السكون هو الأصل ، والحركة طارئة.

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (الامتثال).

(٤) في المخطوطة (عن).

(٥) العبارة ليست في المطبوعة.

(٦) تصحفت في المطبوعة إلى (ولم يذكره السهيلي).

(٧) في المخطوطة (من).

(٨) في المخطوطة (على).

(٩) في المخطوطة (ولأن).

(١٠) ساقطة من المخطوطة.

(١١) في المخطوطة (المتحرك).

١٩١

وقوله : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) (آل عمران : ٢٦) تقديره «والشرّ» إذ مصادر الأمور كلها بيده جلّ جلاله ؛ وإنما آثر ذكر الخير ؛ لأنه مطلوب [العباد] (١) ومرغوبهم إليه ؛ أو لأنه أكثر وجودا في العالم من الشر ؛ ولأنه يجب في باب الأدب (٢) ألاّ يضاف إلى الله تعالى ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والشرّ ليس إليك» (٣).

وقيل : إن الكلام إنما ورد ردّا على المشركين فيما أنكروه مما وعده الله به على لسان جبريل ، من فتح بلاد الروم وفارس ؛ ووعد (٤) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه بذلك ؛ فلما كان الكلام في الخير خصّه بالذكر باعتبار الحال [بالذكر] (٥).

٣ / ١٢٠ وقوله : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (البقرة : ٣) أي والشهادة ؛ لأن الإيمان بكلّ منهما واجب ، وآثر الغيب لأنه أبدع (٦) ، ولأنه يستلزم الإيمان بالشهادة من غير عكس.

ومثله : (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً* عالِمُ الْغَيْبِ) (الجن : ٢٥ ـ ٢٦) ، أي والشّهادة ، بدليل التصريح به في موضع آخر.

وقوله : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) (البقرة : ٢٠) ؛ فإنه سبحانه ذكر أولا الظلمات والرعد والبرق ، وطوى الباقي.

ومنه قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ) (الإسراء : ٦٧) أي والبرّ ، وإنما آثر ذكر البحر لأن ضرره أشدّ.

وقوله : (وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) (الصافات : ٥) ، أي والمغارب.

وقوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) (البقرة : ٢٧٣) ، أي ولا غير إلحاف.

وقوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) (آل عمران : ١١٣) ، أي وأخرى غير قائمة.

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (الآداب).

(٣) أخرجه من حديث طويل عن علي رضي‌الله‌عنه ، أوله ، أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال : وجهت وجهي مسلم في الصحيح ١ / ٥٣٤ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦) ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامة (٢٦) ، الحديث (٢٠١ / ٧٧١).

(٤) في المخطوطة (ووعيد).

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (أمدح).

١٩٢

وقوله : (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام : ٥٥) ، أي والمؤمنين.

وقوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة : ٢) ، أي والكافرين. قاله ابن الأنباري ، ويؤيده قوله : (هُدىً لِلنَّاسِ) (البقرة : ١٨٥).

وقوله : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) (البقرة : ٤١) ، قيل : المعنى وآخر كافر به ، فحذف ٣ / ١٢١ المعطوف لدلالة قوة الكلام ، من جهة أن أول الكفر وآخره سواء ، وخصّت الأولوية بالذكر لقبحها بالابتداء.

وقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ [ما يُمْسِكُهُنَ]) (١) (الملك : ١٩) ، أي ويبسطن ، قاله الفارسيّ.

وحكى في «التذكرة» (٢) عن بعض أهل التأويل في قوله [تعالى] (٣) : (أَكادُ أُخْفِيها [لِتُجْزى]) (٣) (طه : ١٥) (٤) [أنّ المعنى : «أكاد أظهرها أخفيها لتجزى» ، فحذف «أظهرها» لدلالة «أخفيها» عليه.

قال : وعندي] (٤) أن المعنى : «أزيل خفاءها» ، فلا حذف.

وقوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (البقرة : ٢٨٥) ، أي بين أحد وأحد.

وقوله : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) ، (الحديد : ١٠) (٤) [أي ومن أنفق بعده وقاتل] (٤) ، لأن الاستواء يطلب اثنين ؛ وحذف المعطوف لدلالة الكلام عليه ؛ ألا تراه قال بعده : (٥) [(أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ] (٥) وَقاتَلُوا) (الحديد : ١٠).

وقوله : (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ (٦) [وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً] (٦)) (النساء : ١٧٢) ، أي ومن لا (٧) يستنكف ولا يستكبر (٧) ؛ بدليل التقسيم بعده [١٨٣ / أ] بقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) (النساء : ١٧٣) (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا) (٨) (النساء : ١٧٣).

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) الكتاب لأبي علي الفارسي تقدم التعريف به في ٢ / ٣٩٤.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٦) عبارة المخطوطة (لا يستكبر ولا يستخسر).

(٧) الآية في المخطوطة (والذين كفروا).

١٩٣

وقوله : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) (الأعراف : ١٧) ، فاكتفى هنا بذكر الجهات الأربع عن الجهتين.

وقوله : (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) (فصلت : ١٤) ، الاكتفاء بجهتين عن سائرها.

وقوله : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (الشعراء : ٢٢) ، أي ولم تعبدني.

وقوله : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) (النساء : ١٧٦) [والمعنى] (١) أي ولا والد ؛ بدليل أنه أوجب للأخت النصف ؛ وإنما يكون ذلك مع فقد الأب ؛ فإن الأب يسقطها.

وقوله : (فَأَمَّا) (٢) مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (القصص : ٦٧) ولم يذكر القسم الآخر الذي تقتضيه «أما» ؛ إذ وضعها (٣) لتفصيل كلام مجمل ؛ وأقل أقسامها قسمان ، ولا ينفكّ عنهما في جميع القرآن إلا في موضعين هذا أحدهما ؛ والتقدير : وأما من لم يتب ولا يؤمن ولم يعمل صالحا فلا يكون من المفلحين. والثاني في آل عمران : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) (آل عمران : ٧) إلى [قوله] (٤) (إِلاَّ اللهُ) (آل عمران : ٧) هذا أحد القسمين ، والقسم الثاني ما بعده ، وتقديره : وأما الراسخون في العلم فيقولون.

وقوله : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) (البقرة : ٥٩) ، أي وفعلا غير الذي أمروا [به] (٥) ؛ لأنهم أمروا بشيئين : بأن يدخلوا الباب سجّدا ، وبأن يقولوا حطّة ، فبدّلوا القول في «(٦) حنطة» «حطة» (٦) وبدّلوا الفعل بأن دخلوا يزحفون على أستاههم ؛ ولم يدخلوا ساجدين ؛ والمعنى : إرادتنا حطة ، أي حط عنّا ذنوبنا.

٣ / ١٢٣ وقوله : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ* وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ* وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ)

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (إلا).

(٣) في المخطوطة (إذا وضع) بدل (إذ وضعها).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) تقديم وتأخير في المخطوطة إلى (حطة حنطة).

١٩٤

(فاطر : ١٩ ـ ٢٠ ـ ٢١) ، قال (١) ابن عطية : دخول «لا» على نية التكرار كأنه قال : ولا الظلمات [والنور] (٢) ، ولا النور والظلمات ، واستغنى بذكر الأوائل عن الثواني ؛ ودلّ بمذكور الكلام على متروكه.

وقوله : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (البقرة : ١٨٧).

فإن قيل : ليس للفجر خيط أسود ، إنما الأسود من الليل.

فأجيب : إن (مِنَ الْفَجْرِ) (البقرة : ١٨٧) متصل بقوله : (الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) (البقرة : ١٨٧) والمعنى : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الفجر من الخيط الأسود من الليل ؛ لكن حذف «من الليل» (٣) لدلالة الكلام عليه ثم لوقوع الفجر (٣) في موضعه ؛ لأنه لا يصح أن يكون (مِنَ الْفَجْرِ) متعلقا [بالخيط] (٤) الأسود (٥) ؛ ولو وقع (مِنَ الْفَجْرِ) في موضعه متصلا بالخيط الأبيض لضعفت الدلالة على المحذوف ؛ وهو «من الليل» فحذف «من الليل» للاختصار ، وأخّر «من الفجر» للدلالة عليه.

الثالث : من هذا قسم يسمى الضمير والتمثيل ؛ وأعني بالضمير أن يضمر من القول المجاور [به] (٦) لبيان (٧) أحد جزءيه ؛ كقول الفقيه : النبيذ مسكر فهو حرام ، فإنّه (٨) أضمر «وكل مسكر حرام».

ويكون في القياس الاستثنائي ، كقوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا) (الأنبياء : ٢٢).

وقوله : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران : ١٥٩) ؛ وقد شهد الحسّ والعيان أنهم ما انفضوا من حوله (٩) ؛ وهي المضمرة ؛ وانتفى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه فظّ غليظ [القلب] (١٠).

__________________

(١) في المخطوطة (وقال).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) عبارة المطبوعة (لدلالة الكلام ثم عليه ولوقوع الفجر).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (بأسود).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (البيان).

(٨) في المخطوطة (وإنه).

(٩) في المخطوطة (قوله).

(١٠) ليست في المخطوطة.

١٩٥

٣ / ١٢٤ وقوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (الأنفال : ٢٣) ؛ المعنى لو أفهمتهم لما أجدى فيهم التّفهيم ؛ فكيف وقد سلبوا القوة الفاهمة! فعلم بذلك أنهم مع انتفاء الفهم أحقّ بفقد القبول والهداية.

الرابع : أن يستدلّ بالفعل لشيئين وهو في الحقيقة لأحدهما ؛ فيضمر للآخر (١) [١٨٣ / ب] فعل يناسبه ؛ كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) (الحشر : ٩) أي واعتقدوا الإيمان.

وقوله [تعالى] (٢) : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) (الفرقان : ١٢) ، أي وشمّوا لها زفيرا.

وقوله تعالى : (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ) (الحج : ٤٠) ، والصلوات لا تهدّم ؛ فالتقدير : ولتركت (٣) صلوات.

وقوله : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) [الآية] (٤) (الواقعة : ١٧) فالفاكهة ولحم الطير والحور العين لا تطوف ، وإنما يطاف بها.

وأما قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) (يونس : ٧١) ، فنقل ابن فارس (٥) عن البصريين أن الواو بمعنى «مع» أي [مع] (٦) شركائكم ، كما يقال : لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها ؛ أي مع فصيلها.

وقال الآخرون : أجمعوا أمركم وادعوا شهداءكم (٧) ، اعتبارا بقوله تعالى : (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) (هود : ١٣).

واعلم أن تقدير فعل محذوف للثاني ليصحّ العطف (٨) [هو قول الفارسي والفراء وجماعة من البصريين والكوفيين لتعذّر العطف] (٨). وذهب أبو عبيدة (٩) والأصمعي واليزيدي (١٠) وغيرهم إلى أن ذلك من عطف المفردات ، وتضمين العامل معنى ينتظم (١١) المعطوف والمعطوف عليه

__________________

(١) في المخطوطة (الآخر).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (لتركت).

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) هو أحمد بن فارس بن زكريا تقدم التعريف به في ١ / ١٩١.

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) في المخطوطة (شركاءكم).

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٩) هو معمر بن المثنى تقدم التعريف به في ١ / ٣٨٣.

(١٠) في المخطوطة (الزندي).

(١١) في المخطوطة (يتضمن).

١٩٦

جميعا ؛ فيقدّر آثروا الدار والإيمان ، ويبقى النظر في أنه : أيهما (١) أولى؟ ترجيح الإضمار أو ٣ / ١٢٥ التضمين؟ واختار الشيخ أبو حيّان (٢) تفصيلا حسنا وهو : إن كان العامل الأول تصحّ نسبته إلى الاسم الذي يليه حقيقة كان الثاني محمولا على الإضمار ؛ لأنه أكثر من التضمين ؛ نحو «يجدع الله أنفه وعينيه ، أي ويفقأ عينيه فنسبة الجدع إلى الأنف حقيقة ؛ وإن كان لا يصحّ فيه ذلك كان العامل مضمّنا معنى ما يصحّ نسبته إليه ؛ لأنه لا يمكن الإضمار ؛ كقولهم :

علفتها تبنا وماء باردا (٣)

وجعل ابن مالك من هذا القبيل قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (البقرة : ٣٥) قال : لأنّ فعل أمر المخاطب لا يعمل في الظاهر ؛ فهو (٤) على معنى «اسكن أنت ولتسكن زوجك» ، لأن شرط المعطوف أن يكون صالحا لأن يعمل فيه ما عمل في المعطوف عليه ، وهذا متعذر هنا ؛ لأنه لا يقال : «اسكن زوجك».

ومنه قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ) (البقرة : ٢٣٣) ولا يصحّ أن يكون «مولود» معطوفا على «والدة» لأجل تاء المضارعة ، أو للأمر ؛ فالواجب في ذلك أن نقدّر مرفوعا بمقدر من جنس المذكور ، أي ولا يضارّ مولود [له] (٥).

وقوله تعالى : (وَالطَّيْرَ) (سبأ : ١٠) ، قال الفراء (٦) : التقدير : «وسخرنا له الطير» عطفا على قوله : (فَضْلاً) وقيل : هو مفعول معه ، ومن رفعه فقيل : على المضمر في (أَوِّبِي) (٧) ، وجاز ذلك لطول الكلام بقوله : (مَعَهُ) ، وقيل : بإضمار فعل أي ولتؤوب معه الطير. ٣ / ١٢٦

الخامس : أن يقتضي الكلام شيئين فيقتصر على أحدهما ؛ لأنه المقصود ؛ كقوله تعالى

__________________

(١) في المخطوطة (أيما).

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٤٧ بتصرف.

(٣) البيت لذي الرمّة وصدره : لما حططت الرّحل عنها واردا كذا في خزانة الأدب للبغدادي ١ / ٤٩٩ ، وفي الإنصاف ٢ / ٦١٣ ، صدر البيت عجزه حتى شتت همالة عيناها.

(٤) في المخطوطة (فهي).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في معاني القرآن ٢ / ٣٥٥.

(٧) تصحفت في المطبوعة إلى (آتي).

١٩٧

حكاية عن فرعون : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) (طه : ٤٩) ، ولم يقل : «وهارون» (١) لأن موسى المقصود المتحمل أعباء الرسالة ، كذا قاله ابن عطية.

وغاص الزمخشريّ فقال (٢) : أراد أن يتم الكلام فيقول : «وهارون» ، ولكنه تكل عن خطاب هارون توقيا لفصاحته وحدّة جوابه ووقع خطابه ؛ إذ الفصاحة تنكّل الخصم عن الخصم للجدل (٣) ، وتنكّبه عن معارضته.

السادس : أن يذكر شيئان ، ثم يعود الضمير إلى أحدهما دون الآخر ، كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) (الجمعة : ١١) ، قال الزمخشريّ (٤) : تقديره : إذا رأوا تجارة [انفضوا إليها] (٥) ، أو لهوا انفضوا إليه ؛ فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه.

ويبقى عليه سؤال ؛ وهو أنه : لم أوثر ذكر التجارة (٦)؟ وهلاّ أوثر اللهو؟

وجوابه ما قاله الراغب (٧) في تفسير سورة البقرة [١٨٤ / أ] : إن التجارة لما كانت [سبب] (٨) انفضاض الّذين نزلت فيهم هذه الآية أعيد الضمير إليها. ولأنه قد تشغل التجارة عن العبادة ما لا يشغله اللهو.

واختلف في مواضع : منها قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) (التوبة : ٣٤) ، فإنه سبحانه ذكر الذهب والفضة ، وأعاد الضمير على الفضة وحدها ؛ لأنها أقرب المذكورين ؛ ولأنّ الفضّة أكثر وجودا في أيدي الناس ؛ والحاجة إليها أمسّ ، فيكون كنزها أكثر ، وقيل أعاد الضمير على المعنى ؛ لأن المكنوز دنانير ودراهم وأموال. ٣ / ١٢٧

ونظيره : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) (الحجرات : ٩) ؛ لأنّ الطائفة جماعة. وقيل : من عادة العرب إذا ذكرت شيئين مشتركين في المعنى تكتفي بإعادة (٩) الضمير على أحدهما استغناء بذكره عن الآخر اتكالا (١٠) على فهم السامع ، كقول حسّان.

__________________

(١) في المخطوطة (هارون).

(٢) في الكشاف ٢ / ٤٣٥. بتصرف.

(٣) في المخطوطة (الجدلي).

(٤) في الكشاف ٤ / ٩٩.

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (العادة).

(٧) الأصفهاني تقدم التعريف فيه في ١ / ٢١٨.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) في المخطوطة (باعتبار).

(١٠) في المخطوطة (إشكالا).

١٩٨

إن شرخ الشّباب (١) والشّعر الأس

ود ما لم يعاص كان جنونا (٢)

ولم يقل «يعاصا».

ومنها قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) (الأحزاب : ٩) وقد جعل ابن الأنباري (٣) في كتاب «الهاءات» ضمير (لَمْ تَرَوْها) راجعا إلى الجنود.

ونقل عن قتادة قال : «هم الملائكة» (٤) ، والأشبه أن يأتي هنا بما سبق.

ومنها قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ) (التوبة : ٦٢) فقيل : «أحقّ» خبر عنهما ، وسهل إفراد الضمير بعدم إفراد «أحقّ» وأنّ إرضاء الله سبحانه إرضاء لرسوله.

وقيل : «أحق» خبر عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه.

وقيل : العكس ، وإنما أفرد (٥) الضمير لئلا يجمع بين اسم الله ورسوله في ضمير واحد ، كما جاء في الحديث : «قل ومن يعص الله ورسوله (٦)» قال الزمخشري (٧) : قد يقصدون ذكر الشيء فيذكرون قبله ما هو سبب منه ، ثم يعطفونه عليه مضافا إلى ضميره ، وليس [لهم] (٨) قصد إلى الأول كقوله : سرّني زيد وحسن حاله ؛ والمراد حسن حاله. وفائدة هذا الدلالة على قوة الاختصاص بذكر المعنى ، ورسول الله أحق أن يرضوه. ويدلّ عليه ما تقدمه من قوله : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ) (التوبة : ٦١) ؛ ولهذا وحد الضمير ، ولم يثنّ. ٣ / ١٢٨

ومنها قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) (الأنفال :

__________________

(١) في المخطوطة (النبات).

(٢) البيت في الديوان ١ / ٢٣٦. مطلع القصيدة رقم (١١٣).

(٣) هو محمد بن القاسم أبو بكر بن الأنباري النحوي تقدم التعريف به ١ / ٢٠٩. وكتابه الهاءات ذكره البغدادي في تاريخ بغداد ٣ / ١٨٤ ، وقال : «إنه في ألف ورقة» ، وقال بروكلمان في دائرة المعارف الإسلامية ـ الترجمة العربية الأولى ـ : «كتاب في الآيات القرآنية التي استبدلت الهاء فيها تاء» مخطوط بباريس انظر : فهرس دار الكتب الوطنية بباريس : ٦٥١ و٦٥٢ ومن المحتمل أن يكون هذا الكتاب ملخصا من كتاب الهاءات في كتاب الله.

(٤) أخرجه الطبري في التفسير ٢١ / ٨١.

(٥) في المخطوطة (أفردوا).

(٦) تقدم تخريج الحديث في ١ / ٣٤٣ ، معرفة الوقف والابتداء.

(٧) في الكشاف ٢ / ١٦٠ ، بتصرف.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

١٩٩

٢٠) ومنها قوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) (البقرة : ٤٥) ؛ فقيل : الضمير للصلاة لأنها أقرب المذكورين. وقيل : أعاده على المعنى ؛ وهو الاستعانة المفهومة من استعينوا. وقيل : المعنى على التثنية ؛ وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه.

ومنها قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) (النساء : ١١٢) ؛ وهو نظير آية الجمعة كما سبق.

وفي هاتين الآيتين لطيفتان : وهما (١) أنّ الكلام لما اقتضى إعادة الضمير على أحدهما أعاده في آية الجمعة على التجارة ، وإن كانت أبعد ، ومؤنثة أيضا ؛ لأنها أجذب للقلوب عن طاعة الله من اللهو ؛ لأن المشتغلين بالتجارة أكثر من المشتغلين باللهو ؛ أو لأنها أكثر نفعا من اللهو ، أو لأنها كانت أصلا واللهو تبعا ، لأنه ضرب بالطبل لقدومه (٢) ، كما جاء في «صحيح البخاري» : «أقبلت عير يوم الجمعة (٣)» ، وأعاده في قوله : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) (النساء : ١١٢) على الإثم رعاية لمرتبة القرب والتذكير ؛ فتدبر ذلك.

وأما قوله تعالى : (٤) (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) (المزمل : ٢٠) [١٨٤ / ب] فقيل الأصل تحصوها وقوله] (٤) (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) (يونس : ٥٨) ، أي بذلك القول.

٣ / ١٢٩ السابع : الحذف المقابليّ : وهو أن يجتمع في الكلام متقابلان ، فيحذف من [كل] (٥) واحد منهما مقابله ؛ لدلالة الآخر عليه ، كقوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (هود : ٣٥) ، الأصل : فإن (٦) افتريته فعليّ إجرامي وأنتم برآء منه ، وعليكم إجرامكم وأنا بريء مما تجرمون فنسبة قوله تعالى : «إجرامي» ، وهو الأوّل إلى قوله : «وعليكم إجرامكم» ـ وهو الثالث ـ كنسبة قوله : «وأنتم برآء منه» ـ وهو الثاني (٧). إلى قوله تعالى : (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (هود : ٣٥) ، وهو الرابع ، واكتفى من كلّ متناسبين بأحدهما.

__________________

(١) في المخطوطة (وهي).

(٢) في المخطوطة (لقدومها).

(٣) أخرجه في ٨ / ٦٤٤ ، كتاب التفسير (٦٥) ، باب (إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً) (٢) الحديث (٤٨٩٩).

(٤) ما بين الحاصرتين ليس بالمطبوعة.

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (إن).

(٧) تكررت في المطبوعة عبارة (إلى قوله وعليكم إجرامكم وهو الثالث كنسبة قوله وأنتم برآء منه وهو الثاني).

٢٠٠