البرهان في علوم القرآن - ج ٣

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٣

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩

معطوفا على (فَاسْتَفْتِهِمْ) (الآية : ١١) في أول السورة ؛ وقال في قول بعضهم [في] (١) : (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) (المدثر : ٣٦) : إنه حال من فاعل (قُمْ) (المدثر : ٢) في أول هذه السورة ، هذا من بدع التفاسير وهذا الذي ذكره في الصافات منه.

ومن العجب دعوى بعضهم كسر همزة «إن» في قوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (ص : ٦٤) على جواب القسم في قوله تعالى : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (ص : ١) ، حكاه الرمانيّ (٢).

فإن قيل : أين خبر «إن» في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ ...) [الآية] (٣) (فصلت : ٤١) قيل الخبر : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (فصلت : ٤٤).

فوائد

٣ / ٦٤ قال ابن عمرون (٤) : لا يجوز وقوع الاعتراض بين واو العطف وما دخلت عليه ؛ وقد أجازه قوم في (٥) «ثم» و «أو» (٥) فتقول : «زيد قائم ثم والله عمرو».

وقوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما (٦) [فَلا تَتَّبِعُوا.) (النساء : ١٣٥) جواب الشرط فقوله : (فَاللهُ أَوْلى بِهِما)] (٦) (النساء : ١٣٥) اعتراض بين الشرط وجوابه مع أن فيه فاء والجملة مسندة ل «يكن».

قال الطيبي (٧) : سئل الزمخشريّ عن قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (المدثر : ٥٥) : أهو

__________________

(١) ساقط من المخطوطة.

(٢) هو علي بن عيسى بن علي ، أبو الحسن النحوي المعروف بالرّماني تقدمت ترجمته في ١ / ١١١.

(٣) ساقط من المطبوعة.

(٤) هو محمد بن محمد بن أبي علي ، جمال الدين ، ابن عمرون ، تقدم التعريف به في ٣ / ٢٢.

(٥) اضطربت العبارة في المخطوطة كما يلي (وأو لأنّ أو لا يقمن معا بأنفسهنّ).

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٧) هو الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي الإمام المشهور ، كان ذا ثروة من الإرث والتجارة فلم يزل ينفق ذلك في وجوه الخيرات إلى أن كان في آخر عمره فقيرا ، وكان كريما متواضعا حسن المعتقد شديد الردّ على الفلاسفة والمبتدعة مظهرا فضائحهم ، كثير الحياء ملازما للجماعة من تصانيفه «شرح المشكاة» و «شرح الكشاف» وغيرها توفي سنة (٧٤٣ ه‍) (ابن حجر ، الدرر الكامنة ٢ / ٦٨).

١٤١

اعتراض؟ قال : لا ، لأن من شرط الاعتراض أن يكون بالواو ونحوها ؛ وأما بالفاء فلا. وفهم صاحب «فرائد القلائد» (١) من هذا اشتراط الواو ، فقال : وقد ذكر الزمخشري : (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) (مريم : ٤١ و٥٦) هذه الجملة اعتراض بين البدل وبين المبدل منه ، أعني «إبراهيم» و «إذ» قال : هذا معترض لأنه اعتراض (٢) بدون الواو بعيد عن الطبع وعن الاستعمال ، وليس كما قال ، فقد يأتي بالواو كما سبق في الأمثلة ، وبدونها (٣) كقوله سبحانه : (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (النحل : ٥٧). وقد اجتمعا في قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (الواقعة : ٧٥ ـ ٧٦ ـ ٧٧).

القسم الثالث والعشرون الاحتراس

٣ / ٦٥ وهو أن يكون الكلام محتملا لشيء بعيد ، فيؤتى بما يدفع ذلك الاحتمال ؛ كقوله تعالى : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) (القصص : ٣٢) ، فاحترس سبحانه بقوله : (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) (القصص : ٣٢) عن إمكان أن يدخل في ذلك البهق (٤) والبرص.

وقوله تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (المائدة : ٥٤) فإنه لو اقتصر على وصفهم بالذلة وهو السهولة لتوهّم أن ذلك لضعفهم ، فلما قيل : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (المائدة : ٥٤) علم أنها منهم تواضع ؛ ولهذا عدّى «الذل» بعلى لتضمنه معنى العطف.

__________________

(١) هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد ، البدر أبو محمد العيني ، الحلبي الأصل العينتابي المولد ثم القاهري الحنفي ولد في السابع عشر من رمضان سنة (٧٦٢ ه‍) في عينتاب فنشأ بها وقرأ القرآن ، وأكمل الدين ونظر في الصرف والعربية والمنطق ، وسمع عن العسقلاني «الشاطبية» وعلى الزين العراقي «صحيح مسلم» و «الإلمام» ، وهو إمام عالم فاضل مشارك في علوم وعنده حشمة ومروءة وعصبية وديانة ولم يزل ملازما للجمع والتصنيف حتى مات سنة (٨٥٥ ه‍) من مصنفاته «عمدة القاري شرح صحيح البخاري» و «فرائد القلائد» (السخاوي ، الضوء اللاّمع ٥ / ١٣١) وأما كتابه فقد طبع في مصر باسم «فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد» وهو المعروف بالشواهد الصغرى ، سنة ١٢٩٧ ه‍ / ١٨٧٩ م (سركيس ، معجم المطبوعات ص : ١٤٠٤).

(٢) في المخطوطة «لأن الاعتراض».

(٣) في المخطوطة «وبدونه».

(٤) البهق : بياض دون البرص ، يعتري الجسد بخلاف لونه ليس من البرص (ابن منظور ، لسان العرب ١٠ / ٢٩).

١٤٢

وكذلك قوله تعالى [١٧٣ / أ] : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح : ٢٩).

وقوله تعالى : (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل : ١٨) فقوله : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل : ١٨) احتراس بيّن أنّ من عدل سليمان وفضله وفضل جنوده أنّهم لا يحطمون نملة فما فوقها إلا بألاّ يشعروا بها.

وقد قيل : إنما كان تبسم سليمان سرورا بهذه الكلمة منها ؛ ولذلك أكّد التبسم بالضحك ؛ لأنهم يقولون : تبسّم كتبسم الغضبان ، لينبه على أن تبسمه تبسم سرور.

ومثله قوله تعالى : (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الفتح : ٢٥) التفات إلى أنهم لا يقصدون ضرر مسلم.

وقوله تعالى : (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود : ٤٤) ؛ فإنه سبحانه لما أخبر بهلاك من هلك بالطوفان ، عقّبهم (١) بالدعاء عليهم ، ووصفهم بالظلم ، ليعلم أن جميعهم كان مستحقّا للعذاب ، احتراس من ضعف يوهم أنّ الهلاك بعمومه ربما شمل من لا يستحق العذاب ؛ فلما ٣ / ٦٦ دعا على الهالكين ، ووصفهم بالظلم علم استحقاقهم لما نزل بهم وحل بساحتهم ، مع قوله أولا : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (هود : ٣٧).

وأعجب احتراس (٢) [وقع في القرآن] (٢) قوله تعالى مخاطبا لنبيّه عليه‌السلام : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ ...) الآية (القصص : ٤٤).

وقال حكاية عن موسى : (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) (مريم : ٥٢) ، فلما نفى سبحانه عن رسوله أن يكون بالمكان الذي قضى لموسى فيه الأمر عرّف المكان بالغربيّ ولم يقل في هذا الموضع (الْأَيْمَنِ) كما قال : (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ (٣) [الطُّورِ الْأَيْمَنِ] (٣)) (مريم : ٥٢) أدبا مع النبي (٤) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينفى عنه كونه بالجانب الأيمن ، أو يسلب عنه لفظا مشتقّا من اليمن ، أو (٥) مشاركا لمادته (٥) ، ولما أخبر عن موسى عليه‌السلام ذكر الجانب الأيمن تشريفا

__________________

(١) في المخطوطة «عقّبه».

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) ساقط من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة «للنبي».

(٥) اضطربت العبارة في المخطوطة.

١٤٣

لموسى ؛ فراعى في المقامين حسن الأدب معهما ، تعليما للأمة ، وهو أصل (١) عظيم في الأدب في الخطاب.

وقوله : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (المنافقون : ١) فإنه لو اختصر لترك : (وَاللهُ يَعْلَمُ) ؛ لأن سياق الآية لتكذيبهم في دعوى الإخلاص في الشهادة ، لكن حسن ذكره رفع توهم أن التكذيب للمشهود به في نفس الأمر.

وقوله حاكيا عن يوسف عليه‌السلام : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) (يوسف : ١٠٠) ولم يذكر الجبّ مع أن النعمة فيه أعظم [من السجن] (٢) لوجهين :

٣ / ٦٧ أحدهما : لئلا يستحيي إخوته ، والكريم يغضي ؛ ولا سيّما في وقت الصفاء.

والثاني : لأن السجن كان باختياره ، فكان الخروج منه أعظم ، بخلاف الجب.

وقوله : (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) (المائدة : ١١٠) ؛ وإنما ذكر الكهولة مع أنه لا إعجاز فيه ؛ لأنه كان في العادة ، أنّ من يتكلم في المهد أنه لا يعيش ولا يتمادى به العمر ، فجعل الاحتراس بقوله : (وَكَهْلاً) (المائدة : ١١٠).

ومنه قوله : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) (النحل : ٢٦) ، والسقف لا يكون إلا من فوق ؛ لأنه سبحانه رفع الاحتمال الذي يتوهم من أن السقف قد يكون من تحت بالنسبة ؛ فإن كثيرا من السقوف يكون أرضا لقوم وسقفا لآخرين ؛ فرفع تعالى هذا الاحتمال بشيئين وهما قوله : (عَلَيْهِمُ) (النحل : ٢٦) ، ولفظة (خر) لأنها لا تستعمل إلا فيما [١٧٣ / ب] هبط أو سقط من العلوّ إلى سفل.

وقيل : إنما أكد ليعلم أنهم كانوا حالّين (٣) تحته ، والعرب تقول : خرّ علينا سقف ووقع علينا حائط ، (٤) [فجاء بقوله : (مِنْ فَوْقِهِمْ) (النحل : ٢٦) ، ليخرج هذا الشك الذي في كلامهم ، فقال : (مِنْ فَوْقِهِمْ) ، أي عليهم وقع] (٤) ؛ وكانوا تحته ، فهلكوا وما قتلوا.

__________________

(١) ساقط من المخطوطة.

(٢) ساقط من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة «خالدين».

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

١٤٤

وقوله تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة : ٢٢٣) ؛ لأنه لمّا كان يحتمل معنى «كيف» و «أين» احترس بقوله : (حَرْثَكُمْ) ؛ لأن الحرث لا يكون إلا حيث [تنبت] (١) البذور ، وينبت الزرع ، وهو المحل المخصوص.

وقوله : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) (الزخرف : ٣٩) ؛ وذلك لأن الاشتراك في المصيبة يخفف منها ، ويسلي عنها ؛ فأعلم سبحانه أنه لا ينفعهم ذلك.

فائدة

٣ / ٦٨ عاب قدامة (٢) على ذي الرّمة (٣) قوله :

ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى

ولا زال منهلاّ بجرعائك القطر

فإنه لم يحترس ، وهلاّ (٤) قال كما قال طرفة :

فسقى ديارك غير مفسدها

[صوب الغمام وديمة تهمي] (٥)

وأجيب بأنه قدّم الدعاء بالسلامة للدار.

وقيل : لم يرد بقوله : «ولا زال منهلاّ» اتصال الدوام بالسّقيا من غير إقلاع ، وإنّما ذلك بمثابة من يقول : ما زال فلان يزورني ، إذا كان متعاهدا له بالزيارة.

__________________

(١) ساقط من المخطوطة.

(٢) هو قدامة بن جعفر بن قدامة الكاتب ، تقدمت ترجمته في ١ / ١٥٦.

(٣) هو غيلان بن عقبة بن بهيس بن مسعود العدوي من مضر ، أبو الحارث ذو الرمة شاعر من فحول الطبقة الثانية في عصره ، قال أبو عمرو بن العلاء : «فتح الشعر بامرئ القيس وختم بذي الرمّة» وكان شديد القصر دميما يضرب لونه إلى السواد ، أكثر شعره تشبيب وبكاء أطلال ، وامتاز بإجادة التشبيه. توفي بأصبهان وقيل بالبادية سنة (١١٧ ـ ه) (ابن قتيبة ، الشعر والشعراء ص : ٣٥٠) و (الزركلي ، الأعلام ٥ / ١٢٤)

(٤) في المخطوطة «وهذا».

(٥) هو طرفة بن العبد بن سفيان وهو صاحب المعلقة المشهورة ومطلعها «لخولة أطلال ببرقة ثمهد» وله بعدها شعر حسن وليس عند الرواة من شعره إلا القليل وكان في حسب من قومه جريئا على هجائهم وهجاء غيرهم ، وكان قد تناول بهجائه عمرو بن هند فأرسل إليه وكتب إلى عامله في البحرين فقتله (ابن قتيبة ، الشعر والشعراء ١٠٣ وأما بيت الشّعر في (ديوانه ، طبعة دار صادر ص : ٨٨).

١٤٥

القسم الرابع والعشرون

التذييل

مصدر «ذيّل» للمبالغة ؛ وهي لغة ، جعل الشيء ذيلا للآخر. واصطلاحا أن (١) يؤتى بعد تمام (١) الكلام بكلام مستقل في معنى الأول ؛ تحقيقا لدلالة منطوق الأول ، أو مفهومه ؛ ليكون معه كالدليل ليظهر المعنى عند من لا يفهم ؛ ويكمل عند من فهمه.

٣ / ٦٩ كقوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) (سبأ : ١٧) ، ثم قال عز من قائل : (وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ) (سبأ : ١٧) ، أي هل يجازي ذلك الجزاء الذي يستحقه الكفور إلا الكفور ؛ فإن جعلنا الجزاء عاما كان الثاني مفيدا فائدة زائدة.

وقوله : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (الإسراء : ٨١).

وقوله : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (الأنبياء : ٣٤).

وقوله : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ* إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر : ١٣ ـ ١٤).

فقوله : (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر : ١٤) تذييل لاشتماله على ... (٢)

وقوله (٣) : (فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) (المؤمنون : ٤٦).

وقوله : (فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) (الأعراف : ١٣٣).

وجعل القاضي أبو بكر في كتابه «الإعجاز» (٤) منه قوله تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (القصص : ٤).

وقوله ؛ (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) (القصص : ٨).

__________________

(١) عبارة المخطوطة «أن يأتي بتمام».

(٢) بياض في المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (قوله).

(٤) هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد البصري المالكي الأصولي تقدمت ترجمته في ١ / ١١٧ ، وأما كتابه «الإعجاز» فقد تقدم ذكره في ١ / ١٤٥.

١٤٦

ويحتمل أن يكون من التعليل.

وقوله : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) (الزخرف : ٢٢) ، فقوله : (وَكَذلِكَ) (الزخرف : ٢٣) ، تذييل ، أي فذلك شأن الأمم مع الرسل ، وقوله : ٣ / ٧٠ (ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) (الزخرف : ٢٣) [تفسير للتذييل] جعل (١) التذييل هنا من التفسير.

القسم الخامس والعشرون

التتميم

وهو أن يتم الكلام ، فيلحق به ما يكمّله ، إما مبالغة ، أو احترازا ، أو احتياطا.

وقيل : هو أن يأخذ في معنى فيذكره غير مشروح ؛ وربما كان السامع لا يتأمله ليعود المتكلّم إليه شارحا ؛ كقوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (الإنسان : ٨) ، فالتتميم في قوله : (عَلى حُبِّهِ) (الإنسان : ٨) ، جعل الهاء كناية عن الطعام مع اشتهائه.

وكذلك قوله : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) (البقرة : ١٧٧).

وكقوله تعالى [١٧٤ / أ] : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) (النساء : ١٢٤) ، فقوله : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (النساء : ١٢٤) تتميم في غاية الحسن.

القسم السادس والعشرون

الزيادة

والأكثرون ينكرون إطلاق هذه العبارة في كتاب الله ، ويسمونه التأكيد. ومنهم من يسميه بالصلة. ومنهم من يسميه المقحم.

قال ابن جني : «كل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة ٣ / ٧١ أخرى. وبابها الحروف والأفعال».

__________________

(١) في المخطوطة «فجعل» وما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

١٤٧

كقوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) (المائدة : ١٣). (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) (آل عمران : ١٥٩).

وقوله : (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) (مريم : ٢٩) (١) [قيل : (كانَ) هاهنا زائدة ؛ وإلا لم يكن فيه إعجاز ؛ لأن الرجال كلهم كانوا في المهد ،] (١) وانتصب (صَبِيًّا) على الحال.

وقال ابن عصفور (٢) : هي في كلامهم زيدت في وسط الكلام للتأكيد ؛ وهي مؤكدة للماضي في (قالُوا).

ومنه زيادة «أصبح» ، قال حازم (٣) : «إن كان الأمر الذي ذكر أنه أصبح فيه [لم] (٤) يكن أمسى فيه ، فليست زائدة ، وإلا فهي زائدة ؛ كقولك : أصبح العسل حلوا».

وأجاب الرمّاني (٥) عن قوله : (فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) (المائدة : ٥٣) ، «فإن العادة أن من به علة تزاد عليه بالليل يرجو الفرج عند الصباح ، فاستعمل «أصبح» لأن الخسران جعل لهم في الوقت الذي يرجون فيه الفرج ، فليست زائدة».

وهو معنى قول غيره : «إنها تأتي للدوام واستمرار الصفة ، كقوله تعالى : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ) (الأحقاف : ٢٥) ، (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ) (القصص : ٨٢).

وأما قوله تعالى : (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) (النحل : ٥٨) [فهو على] (٦) الأصل ، لظهور الصفة نهارا ، والمراد الدوام أيضا ، أي استقرت له الصفة نهاره.

٣ / ٧٢ واعلم أن الزّيادة واللغو من عبارة البصريين ، والصلة والحشو من عبارة الكوفيين ،

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) هو علي بن مؤمن أبو الحسن ابن عصفور تقدمت ترجمته في ١ / ٤٦٦.

(٣) هو حازم بن محمد. تقدمت ترجمته في ١ / ١٥٥.

(٤) ساقط من المطبوعة.

(٥) هو علي بن عيسى أبو الحسن الرمّاني تقدمت ترجمته في ١ / ١١١.

(٦) عبارة المخطوط «فعلى».

١٤٨

قال سيبويه عقب قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ) (النساء : ١٥٥) : إن «ما» لغو ، لأنها لم تحدث شيئا.

والأولى اجتناب مثل هذه العبارة في كتاب الله تعالى ، فإنّ مراد النحويين بالزائد من جهة الإعراب ، لا من جهة المعنى ، فإن قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (آل عمران : ١٥٩) معناه : «ما لنت لهم إلا رحمة» ؛ وهذا قد جمع نفيا وإثباتا ، ثم اختصر على هذه الإرادة ، وجمع فيه بين لفظي الإثبات وأداة النفي التي هي «ما».

وكذا قوله تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) (النساء : ١٧١) ف «إنّما» هاهنا حرف تحقيق وتمحيق ، إنّ هنا للتحقيق ، وما للتمحيق فاختصر ، والأصل : «ما الله اثنان فصاعدا ، وأنه إله واحد».

وقد اختلف في وقوع الزائد في القرآن ؛ فمنهم من أنكره ، قال الطرطوشي في «العمد» (١) : «زعم المبرّد (٢) وثعلب (٣) ألاّ صلة في القرآن ، والدّهماء من العلماء والفقهاء والمفسّرين على إثبات الصّلات في القرآن ، وقد وجد ذلك على وجه لا يسعنا إنكاره فذكر كثيرا».

وقال ابن الخباز في «التوجيه» (٤) : «وعند ابن السراج (٥) أنه ليس في كلام العرب زائد ، لأنه تكلّم بغير فائدة ، وما جاء منه حمله على التوكيد».

ومنهم من جوّزه وجعل وجوده كالعدم ؛ وهو أفسد الطرق. ٣ / ٧٣

وقد ردّ على فخر الدين الرازي (٦) قوله : إنّ المحققين على أن المهمل لا يقع في كلام

__________________

(١) تصحفت عبارة المطبوعة إلى (الطرطوسي في العمدة). والتصويب من المخطوطة ، وهو محمد بن الوليد الطرطوشي تقدم التعريف به في ٢ / ١١٣ ، وبكتابه في ٢ / ٤١٢.

(٢) هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر أبو العباس المبرد تقدم ذكره في ٢ / ٤٩٧.

(٣) هو أحمد بن يحيى بن يسار أبو العباس ثعلب تقدمت ترجمته في ١ / ٣٠٩.

(٤) ابن الخباز هو أحمد بن الحسين بن أحمد الإربلي تقدم ذكره في ٣ / ١٤. وأما كتابه «التوجيه» فقد ذكره صاحب كشف الظنون ١ / ٥٠٤ باسم «التوجيه في النحو».

(٥) هو محمد بن السري تقدمت ترجمته في ٢ / ٤٣٨.

(٦) هو محمد بن عمر بن الحسين الرازي الشافعي ، تقدمت ترجمته في ١ / ١١٦. وانظر قوله في التفسير ٩ / ٦٢ عند قوله تعالى (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ...) الآية. بتصرف.

١٤٩

الله سبحانه ؛ (١) [فأما في قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) (آل عمران : ١٥٩) فيمكن أن تكون استفهامية للتعجب ، والتقدير «فبأي رحمة»؟ فجعل الزائد مهملا ،] (١) وليس كذلك ، لأن الزائد ما أتي [به] (٣) لغرض التقوية والتوكيد ، والمهمل ما لم تضعه العرب ، وهو ضدّ المستعمل ، وليس المراد من الزيادة [ما أتى] (٤) حيث ذكرها النحويون إهمال اللفظ ، ولا كونه لغوا فتحتاج إلى التنكّب (٥) عن التعبير بها إلى غيرها ؛ فإنّهم (٦) إنما سمّوا «ما» (٦) زائدة هنا لجواز تعدّي العامل قبلها إلى ما بعدها ، [لا] (٧) لأنها ليس لها معنى.

وأما ما قاله في الآية : إنّها للاستفهام [١٧٤ / ب] التعجّبي ، فقد انتقد عليه بأن قيل : تقديره «فبأي رحمة» دليل على أنه جعل «ما» مضافة للرحمة ، وأسماء الاستفهام التعجبي لا يضاف منها غير «أيّ» ؛ وإذا لم تصح الإضافة كان ما بعدها بدلا منها ، والمبدل من اسم الاستفهام يجب معه ذكر همزة الاستفهام ، وليست الهمزة مذكورة ، فدل على بطلان هذه الدعوى ؛ وسنبين في فصل زيادة الحروف الفائدة في إدخال «ما» هاهنا ، فانظره هناك.

تنبيهات

الأول : أهل الصناعة يطلقون الزائد على وجوه : منها ما يتعلق به هنا وهو ما أقحم تأكيدا (٨) ، نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (آل عمران : ١٥٩) (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً) (البقرة : ٢٦) (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١).

٣ / ٧٤ ومعنى كونه زائدا أنّ أصل المعنى حاصل بدونه دون التأكيد ؛ فبوجوده حصل فائدة التأكيد ، والواضع الحكيم لا يضع الشيء إلا لفائدة.

وسئل بعض العلماء عن التوكيد بالحرف ، وما معناه ؛ إذ إسقاط الحرف لا يخلّ بالمعنى؟ فقال : هذا يعرفه أهل الطباع إذ يجدون أنفسهم بوجود الحرف على معنى زائد لا

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) ساقط من المطبوعة.

(٥) في المخطوطة «التنكيت».

(٦) عبارة المخطوطة «ما سمّوها».

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) في المخطوطة للتأكيد.

١٥٠

يجدونه بإسقاط الحرف ، قال : ومثال ذلك مثال العارف بوزن الشعر طبعا ؛ فإذا تغير البيت بزيادة أو نقص أنكره وقال : أجد نفسي على خلاف ما أجده بإقامة الوزن ، فكذلك هذه الحروف تتغير نفس المطبوع عند نقصانها ، ويجد نفسه بزيادتها على معنى بخلاف ما يجدها بنقصانه.

الثاني : حق الزيادة أن تكون في الحرف (١) وفي الأفعال كما سبق ؛ وأما الأسماء فنصّ أكثر النحويين على أنها لا تزاد. ووقع في كلام كثير من المفسّرين الحكم عليها في بعض المواضع بالزيادة ، كقول الزمخشري في قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (البقرة : ٩) إن اسم الجلالة (٢) مقحم ، ولا يتصوّر مخادعتهم لله تعالى.

الثالث : حقها أن تكون آخرا وحشوا ؛ وأما وقوعها أوّلا فلا لما فيه من التناقض ، إذ قضية الزيادة إمكان اطّراحها ، وقضية التصدير الاهتمام ، ومن ثم ضعّف قول بعضهم [بزيادة «لا»] (٣) في قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (القيامة : ١). وأبعد منه قول آخر : إنها بمعنى «إلاّ» ، والظاهر أنها ردّ لكلام تقدّم في إنكار البعث ، أي ليس الأمر كما تقولون ، ثم قال بعده : (أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (القيامة : ١) ، وعليه فيجوز الوقف على «لا» وفيه بعد.

فصل

٣ / ٧٥ الزيادة إما أن تكون لتأكيد النفي ، كالباء في خبر ليس وما ، أو لتأكيد الإيجاب كاللام الداخلة على المبتدإ.

وحروف الزيادة سبعة : إنّ ، وأن ، ولا ، وما ، ومن ، والباء ، واللام. بمعنى أنها تأتي في بعض الموارد زائدة ؛ لا أنّها (٤) لازمة للزيادة. ثم ليس المراد حصر الزوائد (٥) فيها ، فقد زادوا الكاف وغيرها ؛ بل المراد أن الأكثر في الزيادة أن تكون بها.

__________________

(١) في المخطوط «الحروف».

(٢) في المخطوط «الله».

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة «لأنها».

(٥) في المخطوطة «الزيادة».

١٥١

فأما إن الخفيفة فتطّرد زيادتها مع ما النافية ، كقول امرئ القيس (١) :

حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا فما إن من حديث ولا صال

أي فما حديث. فزاد «إن» للتوكيد ، قال الفراء (٢) : إن الخفيفة زائدة ، فجمعوا بينها وبين ما النافية ، تأكيدا للنفي ، فهو بمنزلة تكرارها (٣) ، فهو عند الفراء من التأكيد اللفظي ، وعند سيبويه من [التأكيد] (٤) المعنوي.

[وقيل] (٥) : قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) (الأحقاف : ٢٦) : أنها زائدة. وقيل نافية ؛ والأصل «في الذي ما مكناكم فيه» بدليل : (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) (الأنعام : ٦) ؛ وكأنه إنما عدل عن «ما» لئلا تتكرر فيثقل اللفظ.

ووهم ابن الحاجب (٦) ؛ حيث زعم أنها تزاد بعد «لما» الإيجابية ؛ وإنما تلك في «أن» المفتوحة.

٣ / ٧٦ وأما أن المفتوحة [١٧٥ / أ] فتزاد بعد لما الظرفية ، كقوله تعالى : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) ، (العنكبوت : ٣٣) وإنما حكموا بزيادتها ؛ لأن «لما ظرف زمان ؛ ومعناها وجود الشيء لوجود غيره ؛ وظروف الزمان غير المتمكنة لا تضاف إلى المفرد «وأن» المفتوحة تجعل الفعل بعدها في تأويل المفرد ، فلم تبق «لمّا» مضافة إلى الجمل (٧) ؛ فلذلك حكموا بزيادتها.

وجعل الأخفش (٨) من زيادتها قوله تعالى : (وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ)

__________________

(١) هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو الكندي وهو من أهل نجد من الطبقة الأولى قال لبيد بن ربيعة : «أشعر الناس ذو القروح» يعني امرأ القيس (الترجمة وافية في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة الدينوري ص : ٤٩). وأما بيت الشّعر فهو من قصيدة مطلعها «ألا عم صباحا» في ديوانه ص : ١٤١ طبعة دار صادر. بيروت.

(٢) هو يحيى بن زياد بن عبد الله الفرّاء تقدمت ترجمته في ١ / ١٥٩.

(٣) في المخطوطة «تكررها».

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس ، أبو عمرو بن الحاجب الكردي ، تقدمت ترجمته في ١ / ٤٦٦.

(٧) في المخطوطة «الجملة».

(٨) هو الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي تقدم ذكره في ١ / ١٣٤.

١٥٢

(إبراهيم : ١٢) ، (وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (البقرة : ٢٤٦). وقيل : بل هي مصدرية ؛ والأصل «وما لنا في ألاّ نفعل كذا»! فليست زائدة ؛ لأنها عملت النصب في المضارع.

وأما «ما» فتزاد بعد خمس كلمات من حروف الجر ؛ فتزاد بعد «من» و «عن» غير كافة لهما عن العمل ، وتزاد بعد الكاف ، وربّ ، والباء ؛ كافة تارة وغير كافة أخرى.

[فأما] (١) الكافة إما أن تكفّ عن عمل النصب والرفع ؛ وهي المتصلة بإنّ وأخواتها ؛ نحو : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) (النساء : ١٧١). (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) (الأنفال : ٦). وجعلوا منها : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (فاطر : ٢٨) ؛ ويحتمل أن تكون موصولة بمعنى «الذي» و «العلماء» خبر ، والعائد مستتر في «يخشى» ، وأطلقت «ما» على جماعة العقلاء ، كما في قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (النساء : ٣). ٣ / ٧٧

وإما أن تكفّ عن عمل الجر ، كقوله تعالى : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) (الأعراف : ١٣٨) (٢) [وقيل : بل موصولة ؛ أي «كالذي هو لهم آلهة»] (٢).

وغير الكافة تقع بعد الجازم ؛ نحو [قوله تعالى] (٣) : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) (الأعراف : ٢٠٠) ، (أَيًّا ما تَدْعُوا) (الإسراء : ١١٠) ، (أَيْنَما تَكُونُوا) (النساء : ٧٨).

وبعد الخافض ؛ حرفا كان [نحو] (٤) : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) (آل عمران : ١٥٩). (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) (المائدة : ١٣) (عَمَّا قَلِيلٍ) (المؤمنون : ٤٠) ، (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) (نوح : ٢٥) ، أو اسما ، نحو : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) (القصص : ٢٨).

«وتزاد بعد أداة الشرط ؛ جازمة كانت ، نحو : (٥) [(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) (النساء : ٧٨). أو غير جازمة ، نحو] (٥) : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ) (فصلت : ٢٠).

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) ساقط من المخطوطة.

(٤) ساقط من المخطوطة.

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

١٥٣

وبين المتبوع وتابعه ؛ نحو : (مَثَلاً ما بَعُوضَةً) (البقرة : ٢٦) ، قال الزّجاج (١) : «ما حرف زائد للتوكيد عند جميع البصريين» [انتهى] (٢). ويؤيّده سقوطها في قراءة ابن مسعود و «بعوضة» بدل. وقيل «ما» اسم نكرة صفة ل «مثلا» ، أو بدل و «بعوضة» [عطف بيان]» (٣) وقيل في قوله : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (البقرة : ٨٨) بأنها زائدة لمجرد تقوية الكلام ؛ نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ) (آل عمران : ١٥٩) و «قليلا» في معنى النفي ، أو لإفادة التقليل كما في نحو أكلت أكلا ما» ، وعلى هذا فيكون «فقليلا بعد قليل» (٤). ٣ / ٧٨

وأما «لا» فتزاد مع الواو بعد النفي ، كقوله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) (فصلت : ٣٤) ؛ لأن «استوى» من الأفعال التي تطلب اسمين أي لا تليق بفاعل واحد ؛ نحو «اختصم» ، فعلم أن «لا» زائدة. وقيل : دخلت في السيئة لتحقّق أنه (٥) لا تساوي الحسنة (٦) [السيئة ، ولا السيئة الحسنة] (٦).

وتزاد بعد «أن» المصدرية ؛ كقوله : (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (الحديد : ٢٩) ؛ أي ليعلم ؛ ولو لا تقدير الزيادة لانعكس المعنى ، فزيدت «لا» لتوكيد النفي. قاله ابن جني (٧).

واعترضه ابن ملكون (٨) : «بأنه ليس هناك نفي حتى تكون هي مؤكدة له». ورد عليه الشّلوبين (٩) : «بأن هنا ما معناه النفي» ؛ وهو ما وقع عليه العلم من قوله : (أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى

__________________

(١) هو إبراهيم بن السري بن سهل تقدم ذكره في ١ / ١٠٥.

(٢) ساقط من المطبوعة.

(٣) هذا كلام ابن هشام في كتابه مغني اللبيب ١ / ٣١٤ (بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد). وما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.

(٤) مغني اللبيب لابن هشام ١ / ٣١٦ ، وعبارة المخطوط «تقليلا بعد تقليل» وهو الصواب.

(٥) في المخطوطة «أنها».

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٧) هو عثمان بن جنّي ، أبو الفتح النحوي تقدم ذكره في ١ / ٣٦١.

(٨) هو إبراهيم بن محمد بن منذر بن سعيد بن ملكون ، أبو إسحاق الحضرمي ، قال ابن الزبير : «أستاذ نحوي جليل» روى عن أبي الحسن شريح وأبي مروان بن محمد ، وأجاز له القاسم بن بقي روى عنه ابن حوط الله وابن خروف والشلوبين من تصانيفه «شرح الحماسة» و «النكت على تبصرة الصّيمري». توفي سنة (٥٨٤ ه‍) (السيوطي ، بغية الوعاة ١ / ٤٣١).

(٩) عبارة المطبوع «السّكوني» والتصويب ما جاء في المخطوطة. والشلوبين تقدم ذكره في ٢ / ٣٦٤.

١٥٤

شَيْءٍ) (الحديد : ٢٩) ؛ ويكون هذا من وقوع النفي على العلم ، (١) [والمراد ما وقع عليه العلم] (١) كقوله : «ما علمت أحدا يقول ذلك إلا زيدا» فأبدلت من الضمير الذي في «يقول» ما بعد «إلا» ؛ وإن كان البدل لا يكون إلا في النفي ؛ فكما كان النفي هنا واقعا على العلم ، وحكم لما وقع عليه العلم (٢) [بحكمه ، كذلك يكون تأكيد النفي أيضا على ما وقع عليه العلم ، ويحكم للعلم بحكم النفي ، فيدخل على العلم توكيد النفي ، والمراد تأكيد نفي ما دخل عليه العلم] (٢).

٣ / ٧٩ وإذا كانوا قد زادوا «لا» في الموجب المعنى لما توجه عليه فعل منفيّ في المعنى ؛ كقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ) (الأعراف : ١٢) ، المعنى «أن تسجد» ، فزاد «لا» تأكيدا للنفي المعنوي الذي تضمنه «منعك» ؛ فكذلك تزاد «لا» في العلم الموجب توكيدا للنفي الذي تضمنه الموجّه عليه.

قال الشّلوبين (٣) : وأما زيادة [١٧٥ / ب] «لا» في قوله : (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (الحديد : ٢٩) ؛ فشيء متفق عليه ؛ وقد نصّ عليه سيبويه ، ولا يمكن أن تحمل الآية إلا على زيادة «لا» فيها ، لأن ما قبله من الكلام وما بعده يقتضيه.

ويدل عليه قراءة ابن عباس وعاصم الجحدري (٤) : «ليعلم أهل الكتاب» وقرأ ابن مسعود وابن جبير «لكي يعلم» (٥) وهاتان القراءتان تفسير لزيادتها ؛ وسبب النزول يدل على ذلك أيضا ؛ وهو أن المشركين كانوا يقولون : إن الأنبياء منّا ، وكفروا مع ذلك بهم (٦) ، فأنزل الله تعالى : (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ ...) (الحديد : ٢٩) الآية.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) تقدم ذكره في ٢ / ٣٦٤.

(٤) في المطبوعة «عاصم والحميدي» والتصويب ما ورد في المخطوطة «عاصم الجحدري» والجحدري هو : عاصم بن أبي الصباح العجاج تقدم ذكره في ١ / ٣٤٧. ذكر قراءته ابن خالويه في كتابه «مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع» ص : ١٥٣ قال : «ليي يعلم بياءين الجحدري كأنه قلب الهمزة ياء» انتهى. وذكره أبو حيّان في البحر المحيط ٨ / ٢٢٩ عند تفسير قوله تعالى (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ ...) الآية قال : « ... والجحدري لينيعلم أصله «لأن يعلم» قلب الهمزة ياء لكسرة ما قبلها وأدغم النون في الياء بغير غنة».

(٥) ذكرها ابن خالويه في كتابه «مختصر في شواذ القرآن» ص : ١٥٢. «شواذ سورة الحديد» وأبو حيّان في «البحر المحيط» ٨ / ٢٢٩. آخر تفسير سورة الحديد.

(٦) أورد سبب النزول بمعناه الطبري في جامع البيان ٢٧ / ١٤٣ عند تفسير الآية. والقرطبي أيضا في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ٢٦٨ ، ولكن ورد في الموضعين أن اليهود هم الذين قالوا ذلك وهو الصواب.

١٥٥

و [منه] (١) : (ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ) (الأعراف : ١٢) ، بدليل الآية الأخرى : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) (ص : ٧٥) ؛ وليس المعنى : ما منعك من ترك السجود؟ فإنه ترك ، فلا يستقيم التوبيخ عليه.

وقيل : ليست بزائدة من وجهين :

أحدهما : أنّ التقدير ما دعاك إلى ألاّ تسجد؟ لأنّ الصارف عن الشيء داع إلى تركه ، فيشتركان في كونهما من أسباب عدم الفعل.

٣ / ٨٠ الثاني : أنّ التقدير ما منعك من ألاّ تسجد ، وهذا أقرب مما قبله ؛ لأن فيه إبقاء المنع على أصله ، وعدم زيادتها أولى ؛ لأن حذف حرف الجر مع «أن» كثير كثرة لا تصل إلى المجاز ، والزيادة في درجته.

قالوا : وفائدة زيادتها تأكيد الإثبات ؛ فإن وضع «لا» نفي ما دخلت عليه ، فهي معارضة للإثبات ؛ ولا يخفى أنّ حصول الحكم مع المعارض أثبت مما إذا لم يعترضه المعارض ، أو أسقط معنى ما كان من شأنه أن يسقط.

ومنه : (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلاَّ تَتَّبِعَنِ) (طه : ٩٢ ـ ٩٣).

وقيل : وقد تزاد قبل القسم ، نحو : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) (المعارج : ٤٠) (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (الواقعة : ٧٥) ، (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (القيامة : ١) ؛ أي أقسم بثبوتها.

وضعّف في الأخيرة ، بأنها (٢) وقعت صدرا ، بخلاف ما قبلها ، لوقوعها بين الفاء ومعطوفها.

وقيل : زيدت توطئة لنفي الجواب ؛ أي لا أقسم بيوم القيامة ، فلا يتركون سدى.

ورد بقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ...) (البلد : ١) الآيات ، فإن جوابه مثبت ، وهو : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) (البلد : ٤).

وقيل غير زائدة.

__________________

(١) ساقط من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة «لأنها».

١٥٦

وقيل : هي ردّ لكلام قد تقدّم من الكفّار ، فإنّ القرآن كلّه كالسورة الواحدة ، فيجوز أن يكون الادّعاء في سورة ، والردّ عليهم في أخرى ؛ فيجوز الوقف على «لا» هذه.

واختلف في قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ) (الأنعام : ١٥١). ٣ / ٨١

فقيل : زائدة ليصحّ المعنى ؛ لأنّ المحرّم الشّرك.

وقيل : نافية أو ناهية.

وقيل : الكلام تمّ عند قوله : (حَرَّمَ رَبُّكُمْ) (الأنعام : ١٥١) ، ثم ابتدأ : (عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ) (الأنعام : ١٥١).

وقوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام : ١٠٩) ؛ فيمن فتح الهمزة (١) ، فقيل «لا» زائدة ، وإلا لكان عذرا للكفار.

وردّه الزّجاج (٢) بأنها نافية في قراءة الكسر ، فيجب ذلك في قراءة الفتح.

وقيل : نافية وحذف المعطوف ؛ أي وأنهم يؤمنون.

وقوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (الأنبياء : ٩٥).

وقيل : «لا» زائدة ، والمنع (٣) : ممتنع على أهل قرية قدّرنا إهلاكهم [لكفرهم] (٤) أنهم لا يرجعون عن الكفر إلى قيام الساعة.

وعلى هذا ف «حرام» خبر مقدم وجوبا لأن المخبر عنه «أن وصلتها».

٣ / ٨٢ وقوله تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ* وَلا

__________________

(١) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر بخلاف عنه (أَنَّها إِذا جاءَتْ ...) بكسر الهمزة ، والباقون بفتحها. (الداني ، التيسير ص : ١٠٦).

(٢) هو إبراهيم بن السري بن سهل تقدمت ترجمته في ١ / ١٠٥. وقوله ورد في كتابه إعراب القرآن ١ / ١٣٢. وانظر تفصيلا للمسألة في المغني لابن هشام ١ / ٢٥١.

(٣) في المخطوطة «والمعنى».

(٤) ساقط من المخطوطة.

١٥٧

يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) (آل عمران : ٧٩ ـ ٨٠) على قراءة من نصب (يَأْمُرَكُمْ) (١) عطفا على (يُؤْتِيَهُ) ف «لا» زائدة مؤكّدة لمعنى النفي السابق.

وقيل : عطف على (يَقُولَ) ، والمعنى : ما كان لبشر أن ينصبه الله للدعاء إلى عبادته وترك الأنداد ، ثم يأمر الناس [١٧٦ / أ] بأن يكونوا عبادا له ، ويأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا.

وقيل : ليست زائدة لأنه عليه الصلاة والسلام كان ينهى قريشا عن عبادة الملائكة ، وأهل الكتاب عن عبادة عزير وعيسى ؛ فلما قالوا له : أنتخذك ربّا؟ قيل لهم : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكمة ، ثم يأمر الناس بعبادته ، وينهاهم عن عبادة الملائكة والأنبياء.

وأما «من» فإنّها تزاد في الكلام الوارد بعد نفي أو شبهه ؛ نحو : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها) (الأنعام : ٥٩). (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (الملك : ٣). (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) (المؤمنون : ٩١).

٣ / ٨٣ وجوّز الأخفش (٢) زيادتها مطلقا ؛ محتجّا بنحو قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (الأنعام : ٣٤). (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (نوح : ٤). (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) (الحج : ٢٣ ، الكهف : ٣١). (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) (البقرة : ٢٧١).

وأما «ما» في نحو قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (آل عمران : ١٥٩) ، وقوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) (المائدة : ١٣) ف «ما» في هذين الموضعين زائدة ؛ إلاّ أنّ فيها فائدة جليلة ؛ وهي أنه لو قال : فبرحمة (٣) [من الله لنت لهم ، وبنقضهم لعنّاهم ، جوّزنا أنّ اللين واللعن كانا للسببين المذكورين ولغير ذلك ، فلما أدخل «ما» في الموضوعين قطعنا بأن اللين لم يكن إلاّ للرحمة ، وأن اللعن لم يكن إلا لأجل نقض الميثاق] (٣).

وأما الباء فتزاد في الفاعل ؛ نحو «كفى بالله» ، أي كفى الله ، ونحو «أحسن بزيد»! إلا أنها في التعجب لازمة. ويجوز حذفها في فاعل (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) (الرعد : ٤٣) ، (وَكَفى بِنا

__________________

(١) عاصم وحمزة وابن عامر «ولا يأمركم» بنصب الراء ، والباقون برفعها ، وأبو عمرو على أصله في الاختلاس والإسكان. (الداني ، التيسير ص : ٨٩).

(٢) هو سعيد بن مسعدة المجاشعي أبو الحسن الأخفش تقدم ذكره في ١ / ١٣٤.

(٣) اضطربت العبارة في المخطوطة.

١٥٨

حاسِبِينَ) (الأنبياء : ٤٧) وإنما هو «كفى الله» و «كفانا» (١). وقال الزجاج (٢) : «دخلت لتضمّن «كفى» معنى اكتفي ؛ وهو حسن».

وفي المفعول ، نحو : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة : ١٩٥) ؛ لأن الفعل يتعدّى بنفسه ؛ بدليل قوله : (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) (الحجر : ١٩) ، ونحو : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) (مريم : ٢٥). (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) (العلق : ١٤). (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) (الحج : ١٥) ، (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) (الحج : ٢٥). (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (ص : ٣٣) ، أي يمسح السوق مسحا. ٣ / ٨٤

وقيل في الأول : ضمّن «تلقوا» معنى «تفضوا».

وقيل : المعنى لا تلقوا أنفسكم بسبب أيديكم ؛ كما يقال : لا تفسد أمرك برأيك.

وقيل في قوله تعالى : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) (المؤمنون : ٢٠) : إن الباء زائدة ؛ والمراد : «تنبت الدهن».

وفي المبتدإ ؛ وهو قليل ؛ ومنه عند سيبويه : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (ن : ٦).

وقال أبو الحسن (٣) : (بِأَيِّكُمُ) متعلّق باستقرار محذوف مخبر عنه بالمفتون ؛ ثم اختلف فقيل : «المفتون» مصدر بمعنى الفتنة ، وقيل : الباء ظرفية ، أي في أيّكم الجنون».

وفي خبر المبتدإ ؛ نحو : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) (يونس : ٢٧). وقال أبو الحسن : «الباء زائدة ، بدليل قوله في موضع آخر : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)» (الشورى : ٤٠).

وفي خبر ليس ؛ كقوله تعالى : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (القيامة : ٤٠). (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) (الزمر : ٣٦).

__________________

(١) في المخطوطة «وكيلا».

(٢) هو إبراهيم بن السري تقدم ذكر ترجمته في ١ / ١٠٥ وقوله ورد في كتابه إعراب القرآن ٣ / ٨٥٥. وانظر المغني لابن هشام ١ / ١٠٦.

(٣) هو سعيد بن مسعدة المجاشعي ، أبو الحسن الأخفش تقدمت ترجمته في ١ / ١٣٤ وأما قوله فقد أورده ابن هشام في كتاب مغني اللبيب ١ / ١١٠ ـ ١١١ ، وعبارة المغني جاءت على الشكل التالي « ... فقيل المفتون مصدر بمعنى الفتنة ، وقيل الباء ظرفية ، أي في أيّ طائفة منكم المفتون».

١٥٩

وقال ابن عصفور في «المقرّب» (١) : وتزاد في نادر كلام لا يقاس عليه ، كقوله تعالى : (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (القيامة : ٤٠) و (الأحقاف : ٣٣) انتهى.

٣ / ٨٥ ومراده الآية التي أولها : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ) (الأحقاف : ٣٣) ، ولذا (٢) صرّح به ابن أبي الربيع (٣) في القراءتين. ويدلّ على الزيادة الآية التي في (الاسراء) (٤) : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ) (الآية : ٩٩).

وزعم (٥) ابن النحاس (٦) أنه أراد الآية الأولى ، أعني قوله : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (القيامة : ٤٠) ، فاعتذر عنه بأنه : إنما قال ذلك وإن كان في خبر ليس لأن «ليس» هنا بدخول الهمزة عليها لم يبق معناها من النفي ، فصار الكلام تقريرا ويعني بقوله : «في نادر» في القياس لا في الاستعمال.

وأما اللام ، فتزاد معترضة بين الفعل ومفعوله ؛ كقوله :

وملكت ما بين العراق ويثرب

ملكا أجار لمسلم ومعاهد (٧)

__________________

(١) هو علي بن مؤمن بن محمد أبو الحسن بن عصفور الاشبيلي تقدمت ترجمته في ١ / ٤٦٦. وأما كتابه «المقرب» فقد طبع (بتحقيق أحمد عبد الستار الجواري وعبد الله الجبوري) بغداد رئاسة ديوان الأوقاف ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م ، وحققه أيضا برسالة ماجيستير (يعقوب يوسف الغنيم) دار العلوم ، جامعة القاهرة. (عبد الجبار ، ذخائر التراث العربي ١ / ١٩٠).

(٢) في المخطوطة «وكذلك».

(٣) هو أحمد بن سليمان بن أحمد أبو جعفر الكناني الأندلسي الطنجي ، المقرئ المعروف بابن أبي الربيع ، مسند القراء بالأندلس ، رحل وقرأ الروايات على أبي أحمد السامري وأبي بكر الأذفوني ، وأبي الطيب بن غلبون ، وأقرأ الناس ببجّانة والمرّية ، وعمّر دهرا طويلا توفي قبل سنة (١٤٤ ه‍) (الذهبي ، معرفة القراء الكبار ١ / ٣٩٨) وأما القراءتان فقد ذكرهما ابن جرير في تفسيره جامع البيان ٢٦ / ٢٣ ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٦ / ٢١٩ ، وأبو حيّان في البحر المحيط ٨ / ٦٨ عند تفسير سورة الأحقاف.

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة «وظن».

(٦) هو محمد بن إبراهيم ، ابن النحاس ، سيأتي التعريف به ص ٣٤٣.

(٧) البيت لابن ميّادة ، الرّماح بن أبرد بن ثوبان بن سراقة بن حرملة ، من قصيدة يمدح مطلعها :

من كان أخطأه الرّبيع فإنّما

نصر الحجاز بغيث عبد الواحد

فيها أمير المدينة عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك. انظر أخبار ابن ميّادة في كتاب الأغاني لأبي الفرج

١٦٠