أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٤

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٤

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٣٦

حتى نثلها بغا الكبير ، وأحكمها وبنى بحذائها سقاية يسقى فيها الماء ، واتّخذ عندها مسجدا يصلّى فيه.

وكان أبو موسى ـ رضي الله عنه ـ نزل الشعب حين انصرف من الحكمين (١).

٢٤٧٢ ـ فحدّثنا حسين بن حسن ، قال : ثنا عبد الوهاب الثقفي ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، قال : أخبرني أبو الزبير ، أن طاوسا أخبره ، أنّ أبا موسى ـ رضي الله عنه ـ حين تفرّق هو وعمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ حين حكم الحكمين ، فطاف هو وطاوس ، فزعم طاوس أنّ رجلا اعترض لأبي موسى ـ رضي الله عنه ـ فقال : يا أبا موسى أهذه الفتنة التي كانت تذكر؟ قال : ما هذه إلّا حيضة من حيضات الفتن ، وبقيت الردّاح المطبقة ، من أشرف لها أشرفت له ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي ، والصامت خير من المتكلّم ، والنائم خير من المستيقظ.

٢٤٧٣ ـ وحدّثني محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا القدّاح سعيد بن سالم ، قال : كان فلان الأعمى يسكن في شعب الجزّارين ، وكانت له فيه زوجة ، فبلغه أنّ عمر بن أبي ربيعة أطاف ببيته ، فقال لقائده : صلّ بي الجمعة إلى

__________________

٢٤٧٢ ـ إسناده صحيح.

ذكره الهندي في كنز العمّال ١١ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ وعزاه لنعيم بن حمّاد في الفتن.

وقوله : الرداح : أي : الثقيلة. لسان العرب ٢ / ٤٤٨.

٢٤٧٣ ـ نقله الفاسي في العقد الثمين ٦ / ٣١٧ عن الفاكهي.

(١) الأزرقي ٢ / ٢٧٢ ، وهذه البئر قلنا إنّها (بئر غيلمة) وكان عندها حوض تسمّيه العامة : حوض أبي طالب ، وقد أزيلا عند توسعة شارع المسجد الحرام.

١٤١

جنب عمر ، فلمّا انصرف من الجمعة ، أخذ بحاشية ثوب عمر ثم صاح :

ألا من يشتري جارا نؤوما

بجار لا ينام ولا ينيم

ويلبس بالنهار ثياب إنس

وتحت الليل شيطان رجيم

فقال له عمر : أقلنيها فهي التوبة ، فأرسله.

وقبر آمنة بنت وهب بن عبد مناف في هذا الشعب ، شعب أبي دبّ.

/ وقال بعضهم قبرها في دار رائعة (١). وقال بعضهم : بل قبرها بالأبواء.

٢٤٧٤ ـ حدّثنا محمد بن علي ، قال : ثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحق في حديثهما : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، قال : ماتت أم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالأبواء بين مكة والمدينة ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن ست سنين.

قال ابن حميد في حديثه : وكانت قدمت المدينة على أخواله صلّى الله عليه وسلم من بني عدي بن النجار تزيره إياهم ، فماتت وهي راجعة إلى مكة.

والقول الأول (٢) أثبت عند أهل مكة أن يقال : ماتت بمكة من أجل الحديث.

__________________

٢٤٧٤ ـ إسناده منقطع.

وابن حميد ، هو : محمد بن حميد. وسلمة ، هو : ابن الفضل الأبرش.

رواه ابن إسحاق في السيرة ص : ٦٥ ، وابن سعد ١ / ١١٦ ، والبيهقي في الدلائل ١ / ١٨٨ كلّهم من طريق : عبد الله بن أبي بكر بن حزم به. وذكره البلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٩٤ ، والصالحي في سبل الهدى ٢ / ١٦٣.

(١) دار رائعة ، ويقال : رابغة ، مقابل دار الحمّام بأصل قرن مسقلة. ذكرها الفاكهي في الرباع.

والأبواء : تقدّم التعريف بها.

(٢) يريد الفاكهي بالقول الأول : شعب أبي دبّ. وقد ضعّف ابن سعد والبلاذري هذا القول ، وقال البلاذري : هو غير ثبت. والحديث الذي أشار إليه الفاكهي تقدّم برقم (٢٣٧٧) وانظر تعليقنا عليه.

١٤٢

الحجون (١) : الجبل المشرف بحذاء مسجد الجن ، ويعرف اليوم بمسجد الحرس ، وفيه ثنية تسلك من حائط عوف من عند الماجلين اللّذين فوق دار مال الله إلى شعب الجزّارين. وبأصله في شعب الجزّارين كانت المقبرة في الجاهلية (٢). وفيه عاد النبي صلّى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ في مرضه بمكة عام الفتح (٣) ، وفيه يقول الجرهمي (٤) ما يقول.

٢٤٧٥ ـ وحدّثني محمد بن إدريس ، قال : ثنا الحميدي ، قال : ثنا سفيان ، قال : سمعت [عمرو](٥) يحدّث ، عن عكرمة ، عن رجل من قريش أنّهم كانوا في سفينة ، فحجبهم الريح ، أو قال : كسرت نحو جزائر فرسان.

قال الرجل : فبينا أنا أمشي إذ لقيني شيخ ، فسألني : ممّن أنت؟ قلت : رجل من قريش من أهل مكة. قال : فتنفّس ، ثم قال : واها لمكة ، ثم أنشأ يقول :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بلى نحن كنا أهلها فأزالنا

صروف الليالي والجدود العواثر

قال : قلت : من أنت يرحمك الله؟ قال : امرؤ من جرهم.

وفي الحجون يقول كثير بن كثير في الإسلام :

__________________

٢٤٧٥ ـ فيه من لم يسمّ.

والبيتان مشهوران ينسبان ضمن قصيدة طويلة لمضاض بن عمرو بن الحارث الجرهمي ، وقيل : غيره. وقد ذكرهما الأزرقي ١ / ٩٧ ، وانظر شفاء الغرام ١ / ٣٧٥.

(١) يتبيّن من وصف الفاكهي للحجون أنّه ما بين ثنية أبي مرحب ، إلى دحلة الجنّ.

وهذا الموضع يسمّى اليوم (برحة الرّشيدي) وانظر تعاليقنا على مبحث مقبرة مكة. وهذا هو الحجون الجاهلي.

(٢) راجع مبحث مقبرة مكة.

(٣) أنظر الأحاديث (٢٣٨٣) ، (٢٣٨٥) ، (٢٣٨٦) ، (٢٣٨٧) وغيرها.

(٤) هو : مضاض بن عمرو.

(٥) في الأصل (أبا عمرو) وهو خطأ ، فهو عمرو بن دينار.

١٤٣

كم بذاك الحجون من حيّ صدق

من كهول أعفّة وشباب (١)

وقال الأعشى (٢) في الحجون :

فما أنت من أهل الحجون ولا الصفا

ولا لك حقّ الشرب من ماء زمزم

وقال الكميت بن [زيد](٣) يذكره :

وإن لنا بمكة أبطحيها

وما بين الأخاشب والحجونا

وفي الحجون يقول أبو طالب (٤) :

جزى الله رهطا بالحجون تبايعوا

على ملأ يهدي بخير ويرشد

قعودا لدى خطم الحجون كأنهم

مقاولة بل هم أعزّ وأمجد

وقال ضرار (٥) بن الخطاب يوم الفتح يذكر الحجون :

يا نبيّ الهدى إليك لجا

حيّ قريش [ولات](٦) حين لجاء

حين ضاقت عليهم سعة الأرض

وعاداهم أهل السماء

والتقت حلقتا البطان عليهم

ثم غودروا بالصيلم الصلماء

إنّ سعدا يريد قاصمة الظهر

بأهل الحجون والبطحاء

__________________

(١) تقدّم ضمن أبيات في ذكر مقبرة مكة.

(٢) الأعشى ، هو : ميمون بن قيس بن جندل ، وهو : الأعشى الكبير ، أدرك الإسلام ولم يسلم. أخباره في الأغاني ٩ / ١٠٨ ، والمرزباني ص : ٤٠١ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٥٧.

وهذا البيت في ديوانه ص : ١٢٣ ضمن قصيدة يهجو فيها عمر بن عبد الله بن المنذر.

(٣) في الأصل (يزيد) وهو خطأ ، تقدّمت ترجمته بعد الأثر (٢٤٠٩).

(٤) البيتان في سيرة ابن هشام ٢ / ١٨ ضمن قصيدة له. والمقاولة : الملوك. اللسان ١١ / ٥٧٥.

(٥) ضرار بن الخطّاب بن مرداس القرشي الفهري ، صحابي ، فارس ، شاعر أسلم يوم الفتح ، ولم يكن في قريش أشعر منه ، استشهد في وقعة أجنادين. الإصابة ٢ / ٢٠١ ، وتهذيب ابن عساكر ٧ / ٣٢.

وأبياته في الاستيعاب ٢ / ٢٠٢ ، والإصابة ٢ / ٢٠١ نقلا عن الزبير بن بكّار.

(٦) في الأصل (واي) والتصويب من المرجعين السابقين. وقوله : البطان ، هو : حزام القتب الذي يجعل تحت بطن البعير. و (الصيلم الصلماء) : الداهية الشديدة. أنظر : حسن الصحابة ١ / ٣٢ ـ ٣٣.

١٤٤

كداء (١) : الجبل المشرف على الوادي ، مقابل مقبرة أهل مكة اليوم ، تحته بيوت عبد الرحمن بن يزيد ، وابن خلف مولى العبّاس بن محمد ، وهو ممتدّ إلى دار الأراكة.

/ شعب الصفيّ (٢) : وهو الذي يقال له : صفيّ السباب ، وهو فيما بين الراحة.

__________________

(١) كذا في الأصل ، وهكذا في الأصل الذي اعتمده الفاسي في شفاء الغرام ١ / ٣١١ ، وأرى أنّ وجود هذه الترجمة هنا وهم من النساخ ، لا أنسبه للفاكهي ، لأنّ ما هو مذكور في شرح الترجمة هذه سيذكره الفاكهي في (ثنية كدى) ـ ريع الرسّام اليوم ـ ودار ابن خلف مولى العباس ، ودار الأراكة ذكرهما الفاكهي وحدّد موضعهما على ثنية (كدى) ولو لا وجود هذه الترجمة في أصل الفاسي لحذفتها من هنا ، وراجع ما كتبه الفاكهي عن ثنية (كدى).

(٢) تقدّم تحديدنا لموضع شعب الصفيّ في مبحث المحصّب ، وبيّنا أنّه الشعب الذي يسمّى اليوم الجميّزة ، وفيه ثلاث حارات : حارة العمّر (بنو عامر) ، وحارة البياشة ، وحارة بني سلول. وسألت بعض قدماء سكان هذا الشعب عن وجود عيون ماء فيه فأفادني أن في أقصى هذا الشعب كان الماء ينساب انسيابا بيّنا ، وأدركه بعض مشايخ ذلك الحيّ ، وسمّاه لي بعضهم : مصافي ـ والله أعلم بصحّة ذلك ـ وإن كان ذلك صحيحا فهو يؤكّد أنّ في هذا الشعب كانت حوائط ، وقد تقدّم ذكر الفاكهي لحائط الصفيّ.

أمّا جبل الراحة الذي هو حدّ شعب الصفيّ الأسفل : فهو الجبل الذي يقابل ركن مقبرة المعلاة من الناحية الشمالية الشرقية. ويقابل أيضا أول عمائر الأشراف بالجعفريّة المشرفة على المقبرة ، ويقال لهذا الجبل الآن : (جبل العداويين). وأما نزّاعة الشوى ـ الحدّ الأعلى لشعب الصفيّ ـ فهو القرن الذي يشرف على البيّاضيّة ، ويفصل بين الجميّزة وبين البيّاضية ، والمسجد الذي صلّي فيه على أبي جعفر المنصور لا زال قائما إلى اليوم في أصل هذا القرن ، وبجنبه قصر البيّاضيّة.

وأمّا : صفيّ السباب (وصفيّ : جمع صفاة ، والسباب : بكسر السين وتخفيف الباء ـ بمعنى : الشتم ـ) فقد ذهبت اليوم ، وأثرها لا زال ظاهرا ، يتوسّط فوّهة شعب الجميّزة مشرفا على الطريق العام ، على يمين الخارج من مكة إلى منى ، وبجنبه يجلس عمدة حيّ الجميّزة ، وأقيم بجنبه محطّة ضخّ لمياه عين زبيدة ، واضح لمن تأمّله.

هذا هو شعب الصفيّ ، وقد غمره العمران حتى لا تكاد تجد موضعا لبناء فيه.

وقد ذهب الشريف محمد بن فوزان ـ رحمه الله ـ فيما أخبرنا به شفويّا ، والأستاذ البلادي في كتبه معجم معالم الحجار ٥ / ٦٠ ، ومعالم مكة التاريخية ص : ١٤٦ ، وأودية مكة ص : ١١١ إلى أنّ شعب الصفيّ هو في الجهة الأخرى ، على يسار الصاعد من مكة لا على يمينه ، وهو الشعب الذي فيه مسجد الإجابة ، ويقال لهذا الشعب اليوم : (شعبة النور) أو (شعبة الحرّث) أو (الشعبة) بدون إضافة.

وجعلا صفيّ السباب : هو الجبل المقابل لهذا الشعب ، الذي بجنبه المسجد المعروف بمسجد النوق.

١٤٥

والراحة : الجبل الذي يشرف على الوادي ، عليه المنارة. وبين نزاعة الشوى.

ونزّاعة الشوى : هو الجبل الذي بين شعب الصفيّ وشعب الخوز ، عليه بيوت القاسم بن أيمن ، وتحته المسجد الذي صلّي على أبي جعفر أمير المؤمنين عنده ، الذي عنده بيوت بني قطر ، وهو الذي يقول له أبو الفضلاء عبد الله بن خالد مولى الأخنس بن شريق فيما يزعمون :

إذا ما مررتم نحو نزّاعة الشوى

بيوت بني قطر فانفذوا أيّها الركب

ويقال لنزّاعة الشوى أيضا : قرن معدان. وابن قطر : مولى لبني عامر بن لؤي. ويقال : مولى لبني عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، أو لآل المتوكّل ابن أبي نهيك.

__________________

قلت : وهذا وهم منهما والذي ينقض ما ذهبا إليه أمور :

أ ـ أنّ الفاكهي والأزرقي ذكرا شعب الصفيّ في شقّ معلاة مكة اليماني ، والموضع الذي ذكراه هو في شقّ معلاة مكة الشامي.

ب ـ أنّ شعب الصفيّ كان فيه حائط لمعاوية ، وكانت فيه عين جارية ذكر ذلك الفاكهي والأزرقي ، ولم يذكر أحد أنّ في الشعبة ما يصلح ليكون حائطا ، ولم يذكروا أنّها كانت فيها عين.

ج ـ أنّ شعب الصفيّ كان مناخا للحجّاج يحصّبون فيه ، والشعبة لا تصلح لذلك لضيقها وقصرها ، بخلاف الجميّزة.

د ـ أنّ المحققين من المؤرّخين يجعلون الحدّ الأعلى للمحصّب هو الخرمانية ، والشعبة فوق ذلك فلا تدخل في حدّ المحصّب مع أنّ شعب الصفيّ هو جزء كبير من المحصّب ، بل منهم من قال : إن المحصّب هو شعب الصفيّ.

ه ـ أنّ الشعب الذي فيه مسجد الإجابة سمّاه الفاكهي والأزرقي : شعب آل قنفذ ، كما أنّ الأكمة الصخرية التي أمامه سمّياها : جبل غراب.

والذي يلاحظ على الأستاذ البلادي أنّه عندما ذكر شعب آل قنفذ في معجم معالم الحجاز ٥ / ٦٣ قال عنه : هو شعبة النور ... ونسمّيها أيضا شعبة الحرّث. ثم قال : وهذا تداخل يحدث التشويش ، ولكن ليس بالإمكان سواه. أه. قلت : ولو تأمل الأستاذ البلادي ولم يعجل لما خرج بهذه النتيجة المحيّرة ، فالمواضع هذه واضحة لمن مسك الحبل من رأسه على ما رسمه الفاكهي والأزرقي ـ رحمهما الله تعالى ـ في تقسيمهما أرض الحرم إلى أربعة أرباع فذكرا مواضع كل ربع بالتسلسل ـ في الغالب ـ ، حتى نهاية أرض الحرم.

١٤٦

وإنّما سمّي شعب السباب لأنّ أهل الجاهلية كانوا فيما يقال ـ والله أعلم ـ : إذا قضوا مناسكهم نزلوا المحصّب ليلة الحصبة ، فوقفت قبائل من العرب بفم الشعب ، وكانوا يتواعدون لتلك.

٢٤٧٦ ـ كما حدّثنا عبد الجبار بن العلاء ، عن بشر بن السري ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : وكانوا يخاف بعضهم بعضا يتواعدون هنالك ، فيقفون بفم الصفيّ ، فيتفاخرون بآبائهم وأيامهم ، ووقائعهم في الجاهلية.

٢٤٧٧ ـ فحدّثنا تميم بن المنتصر ، قال : ثنا إسحق الأزرق ، عن القاسم ابن عثمان ، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ في قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ)(١) قال : كانوا يذكرون آباءهم في الحجّ ، فيقول بعضهم : كان أبي يطعم الطعام ، ويقول بعضهم : كان أبي يضرب بالسيف ، ويقول بعضهم : كان أبي يجزّ نواصي بني فلان. ويقال : ويقوم من كل قبيلة شاعرهم ، وخطيبهم ، فيقول : فينا فلان ، وفينا فلان ، ولنا يوم كذا ، ووقعنا ببني فلان يوم كذا ، ثم يقوم الشاعر ، فينشد ما قيل فيهم من الشعر ، ثم

__________________

٢٤٧٦ ـ إسناده صحيح.

ذكره السيوطي في الدرّ المنثور ١ / ٢٣٢ بنحوه وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه ، والضياء في المختارة.

٢٤٧٧ ـ إسناده حسن.

القاسم بن عثمان ، ذكره ابن حبّان في ثقات التابعين ٥ / ٣٠٧ ، وقال : ربما أخطأ.

وذكره البخاري في الكبير ٧ / ١٦٥ ، وابن أبي حاتم ٧ / ١١٤ وسكتا عنه.

رواه الطبري في التفسير ٢ / ٢٩٦ عن تميم بن المنتصر ، به. وذكره السيوطي في الدرّ ١ / ٢٣٢ وعزاه للفاكهي.

(١) سورة البقرة (٢٠٠).

١٤٧

يقول من يفاخرنا فليأت بمثل فخرنا ، فمن كان يريد المفاخرة من القبائل قام فذكر مثالب تلك القبيلة ، وما فيها من المساوئ ، وما ذكرت به ، يردّ عليه ما قال. ثم يفخر هو بما فيه ، وفي قومه ، فكان ذلك من أمرهم حتى جاء الله ـ عزّ وجلّ ـ بالإسلام ، وأنزل في كتابه على نبيّه صلّى الله عليه وسلم يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) يعني : دعوا هذه المفاخرة ، والمكاثرة ، واذكروا الله ـ عزّ وجلّ ـ (١).

٢٤٧٨ ـ حدّثنا عبد الجبار بن العلاء ، قال : ثنا بشر بن السري ، قال : ثنا سعيد بن مسلم ، قال : سألت عكرمة عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) ، قال كما أذكر أبي؟ فقال : لا ولا نعمة ، ولكن كما يذكرك أبوك ، فإن الوالد موكّل بالولد.

٢٤٧٩ ـ وأخبرني الحسن بن محمد الزعفراني ، عن حجّاج بن محمد ، عن ابن جريج ، عن عطاء (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) قال : أبه ، أمه.

٢٤٨٠ ـ وحدّثنا أبو بشر ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان عن عاصم ، عن أبي وائل ، في قوله ـ عزّ وجلّ ـ (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ

__________________

٢٤٧٨ ـ إسناده صحيح.

سعيد بن مسلم ، هو : ابن بانك المدني.

٢٤٧٩ ـ إسناده صحيح.

رواه الطبري ٢ / ٢٩٧ من طريق : حجّاج بن محمد ، به. وذكره السيوطي في الدرّ ١ / ٢٣٢ وعزاه لابن أبي حاتم.

٢٤٨٠ ـ إسناده صحيح.

رواه الطبري ٢ / ٢٩٦ ، ٢٩٨ من طريق : محمد بن بشّار ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، به.

(١) الأزرقي ٢ / ٢٧٤.

١٤٨

آباءَكُمْ) قال : كان أهل الجاهلية يذكرون أفعال آبائهم في الناس ، فنزلت : (مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) [هب لنا](١) غنما ، تهب (٢) لنا إبلا (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) فلما نزلت هذه الآية / كفّتهم عن ذلك ، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد خطبهم.

٢٤٨١ ـ حدّثنا عبد الجبار بن العلاء قال : ثنا سفيان ، عن أيوب ، عن عكرمة ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «لا تفتخروا بآبائكم الذين موّتوا في الجاهلية ، فو الله لجعل يدهده الخرء بأنفه خير من آبائكم الذين موّتوا في الجاهلية».

وفي هذا الشعب يقول كثير بن كثير :

سكنوا الجزع جزع بيت أبي موسى

إلى النخل من صفيّ السباب (٣)

ويقال : إنّ شعب عمرو بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد ما بين شعب الخوز إلى نزّاعة الشوى إلى الثنية التي تهبط في شعب الخوز يعرف اليوم بشعب [النوبة](٤).

__________________

٢٤٨١ ـ رجاله ثقات ، لكنّه مرسل.

رواه أحمد ١ / ٣٠١ ، والطبراني في الكبير ١١ / ٣١٩ ، وابن عدي في الكامل ٢ / ٧١٩

(١) سقطت من الأصل ، وألحقتها من الطبري.

(٢) كذا في الأصل ، وفي الطبري (هب).

(٣) أنظر مباحث مقبرة مكة.

(٤) سقطت من الأصل ، وألحقتها من الأزرقي. والذي اتّضح لي من دراسة هذه الشعاب الثلاثة (شعب الخوز ، وشعب بني كنانة ، وشعب عمرو بن عبد الله بن خالد بن أسيد) ما يلي :

إن شعب بني كنانة يمتدّ من البيّاضية يمينا إلى قرب الثنية التي تهبط من شعب عامر على شعب الخوز. أمّا شعب الخوز فيأخذ مفضى هذه الثنية يسارا ويمينا ، ثم يأخذ مفضى البيّاضية الأيسر للداخل إليها من الخرمانية ، ثم يستمرّ هذا الشعب يسارا حتى يصل إلى ريع التنك.

أمّا شعب عمرو : فهو الملاوي اليوم إلى أن يصل إلى ثبير الخضراء الذي يسيل منه شعب الملاوي ، والله أعلم.

١٤٩

شعب بني كنانة : من المسجد الذي صلّي فيه على أبي جعفر ، إلى الثنية (١) التي تهبط على شعب الخوز. ويقال : إنّ أبا جعفر أمير المؤمنين لما صلّي عليه ، دفن في مقبرة أهل مكة التي عند العقبة (٢).

٢٤٨٢ ـ حدّثنا أبو يحيى عبد الله بن أحمد بن أبي مسرّة ، قال : حدّثني محمد بن عبيدة الشويفعي ، قال : حدّثني اسماعيل بن عبيد الله بن أبي صالح ، مولى عبد الله بن عامر ، قال : توفّي أبو جعفر يوم التروية سنة ثمان وخمسين ومائة ، وصلّي عليه عند الخطيم (٣) في مسجد هناك ، وضرب على المقبرة ـ يعني : مقبرة مكة ـ سرادق ، ثم أتي بنعشه ، فأدخل في السرادق ، فلما فرغ من دفنه ، ورجع الناس ، ورفع السرادق ، وإذا بقبرين واحد في أعلى المقبرة ، وواحد في أسفلها ، مما يلي المسجد ، ثم بنى عليهما جنبذان (٤).

قال لي يا أبو يحيى : أدركت أحد الجنبذين أنا. قال : ثم حجّ المهدي بعد ذلك ، فرأيته جاء إلى الجنبد الأعلى في المقبرة ، فوقف على ذلك القبر ، والناس خلفه فصلّى عليه.

__________________

كلّهم من طريق : هشام الدّستوائي ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس. وذكره الهيثمي في المجمع ٨ / ٨٥ وعزاه لأحمد والطبراني في الأوسط والكبير بنحوه ، وقال : ورجال أحمد رجال الصحيح. وذكره السيوطي في الكبير ١ / ٨٩٧ وعزاه لأحمد والطبراني.

٢٤٨٢ ـ في إسناده من لم أعرفه.

(١) وقد سهل فيها طريق للسيارات يهبط على شعب عامر.

(٢) العقبة ، هي : ثنية كداء (ريع الحجون) اليوم.

(٣) ويقال له : الخطم أيضا ، وهو الذي سمّاه الفاكهي سابقا : نزّاعة الشوى.

(٤) واحدهما : جنبذ ، هي في الأصل : المكان المستدير المرتفع يشبه القبّة. وهي فارسيّة معرّبة. تاج العروس ٢ / ٥٥٥.

١٥٠

وفي وجه شعب الخوز دار (١) لبابة بنت علي ، ومحمد بن سليمان بن علي.

وفي هذه الدار كان يسكن عبيد الله بن قثم ، وهو يومئذ والي مكة مع زوجته لبابة بنت علي ، وفيها رأى الرؤيا التي أفزعته.

٢٤٨٣ ـ حدّثنا أبو يحيى عبد الله بن أحمد ، قال : ثنا خالد بن سالم مولى ابن صيفي المكي ، قال : أخبرني ابراهيم بن سعيد بن صيفي المخزومي ، وكان صديقا لعبيد الله بن قثم ، قال : أرسل إليّ عبيد الله بن قثم وهو أمير مكة نصف النهار ، وكان نازلا ببئر ميمون (٢) ، في دار لبابة بنت علي ، زوجته ، وهي معه ، فأتيته وهو مذعور ، فقال : يا أبا إسماعيل إنّي رأيت والله عجبا في قائلتي ، خرج إليّ وجه إنسان من هذا الجدار ، فقال :

بينما الحيّ وافرون بخير

حملوا خيرهم على الأعواد

أنا والله ميّت. قال : قلت : كلا ، هذا والله من الشيطان. قال : لا والله. قال : قلت : فينعى غيرك. قال : من؟ قلت : لعلّ غيرك. قال : كأنّك تعرّض بلبابة بنت علي ، هي والله خير مني. قال : فو الله ما مكثنا إلّا شهرا أو نحوه ، حتى ماتت لبابة ، فقال لي : يا أبا إسماعيل ، هو ما قلت. قال : ثم أقمنا سنة ، فأرسل إليّ في مثل ذلك الوقت ، فأتيته ، فقال : قد والله خرج إليّ ذلك الوجه بعينه ، فقال :

/ بينما الحيّ وافرون بخير

حملوا خيرهم على الأعواد

أنا والله ميت ، قال : قلت : كلا إن شاء الله. قال : ليس ها هنا لبابة أخرى تعلّلني بها. قال : فمكثنا شهرا أو نحوه ثم مات.

__________________

٢٤٨٣ ـ نقله الفاسي في العقد الثمين ٥ / ٣١٦ عن الفاكهي.

(١) رجّحنا أنّ موضع هذه الدار هو قصر الإمارة القديم الذي كان يسمّى (قصر الملك سعود).

(٢) لا يريد هنا موضع البئر ، وإنّما يريد المنطقة التي يطلق عليها اسم بئر ميمون على ما أوضحنا سابقا.

١٥١

٢٤٨٤ ـ وحدّثني أبو عبيدة محمد بن محمد بن خالد المخزومي ، قال : أخبرني زكريا بن زكريا بن مسلمة بن مطر ، وغيره ، أنّ عبيد الله بن قثم ـ وهو يومئذ والي مكة ـ قال : رأيت في منامي أنّ رجلا وقف بين يديّ فقال :

بينما الحيّ وافرون بخير

حملوا خيرهم على الأعواد

قال : فظننت أنّه يعنيني بذاك ، وقلت : نعيت إليّ نفسي ، ثم ذكرت أنّ لبابة بنت علي بن عباس زوجته ، فقلت : إنّها خير منّي ، وأنّها التي تموت ، وأقمت شهرين أو ثلاثة بذلك ، ثم ماتت ، فأقمت بعدها أشهرا أو نحوها فإذا بذاك الرجل قد مثل بين يديه فقال :

فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى

تأهّب لأخرى بعدها فكأن قدي

قال : فبعث حين رأى ذلك إلى ابراهيم بن سعيد بن صيفي ، وإلى زكريا ابن الحارث بن أبي مسرّة ، فذكر ذلك لهما ، فتوجّعا له ، وقالا له : يقيك الله أيّها الأمير ، قال : فلم يلبث إلّا يسيرا حتى مات ، وأوصى إلى يحيى بن عمر الفهري ، وكان على شرطه.

قال أبو عبيدة : وكان يسكن في دار لبابة بنت علي زوجته حذاء شعب الخوز وفيها رأى الرؤيا.

شعب الخوز : يقال له شعب بني المصطلق جانبي الثنية التي بشعب الخوز بأصلها بيوت سعيد بن عمر بن ابراهيم الخيبري ، وبين شعب بني كنانة التي فيه بيوت ابن صيفي ، إلى الثنية التي تهبط على شعب عمرو (١) الذي فيه بئر ابن أبي سمير.

__________________

٢٤٨٤ ـ نقله الفاسي في العقد الثمين ٥ / ٣١٦ ـ ٣١٧ عن الفاكهي.

(١) تقدّم قبل قليل تحديدنا لشعب الخوز ، وشعب عمرو. والثنية التي أشار إليها الفاكهي هنا هي التي تسمّى اليوم : ريع التنك.

١٥٢

وإنّما سمّي : شعب الخوز لأن نافع بن الخوزي ، مولى عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث الخزاعي ، نزله ، وكان أول من بنى فيه.

٢٤٨٥ ـ حدّثنا أبو يحيى عبد الله بن أحمد ، قال : ثنا خالد بن سالم مولى بني صيفي ، قال : جاء رجل من أهل العراق على نجيب له برحل ، ومعه غلام ، وتحته خرج ، فقال : أين الخطيم (١) فدلّوه على الخطيم ، الذي على باب شعب الخوز ، فنزل عن نجيبه ، وتوسّد رداءه ، واستلقى في التراب ثم رفع عقيرته يغني :

إنّي سمعت من الفجاج مناديا

من ذا يعين على الفتى المعوان

حانت منيّته وعجّل دفنه

بالخطم عند منازل الركبان

قال : ثم قال : من يدلّني على قبر ابن سريج؟ فقال فتى من الخزاعيين : هو بموضع من نخلة ، وأنا أدلّك عليه ، فاخرج معي. قال : فأردفه خلف غلامه ، وخرج به حتى أتى به أرض عبد الملك من نخلة ، فأوقفه على قبر [ابن](٢) سريج ، قال : فنزل فترحّم عليه ، وأمر غلامه فحطّ رحل راحلته ، ونحرها ، وأخرج عشرين دينارا فدفعها إلى الخزاعي ، فقال : شأنك بالناقة

__________________

٢٤٨٥ ـ في إسناده من لم أعرفه.

ذكره أبو الفرج في الأغاني ١ / ٣٢٠ ـ ٣٢٣ بنحوه.

وهذه الثنية تهبط على شعب عثمان ، لا على شعب عمرو بن عثمان ، وترى الفاكهي يخلط هنا بين شعب عمرو وشعب عثمان لتقاربهما ، بل إنّ شعب الخوز ، وشعب بني كنانة ، وشعب عمرو كلها متداخلة مع بعضها وليس بينها حدود طبيعيّة تفصلها عن بعضها.

وبئر ابن أبي السمير لا وجود لها اليوم ، وقد تقدّم الكلام عنها ، ويغلب على ظنّي أنّ موضعها قريب من منزل حامد أزهر اليوم بالروضة.

(١) هو نزّاعة الشوى الذي مرّ ذكره.

(٢) في الأصل (أبي). وهو المغنّي المشهور.

١٥٣

المنحورة ، وبرحلها. قال : ثم ركب على [](١) ورجع وغلامه يمشي / خلفه إلى مكة. قال الخزاعي : فبعت لحم الجزور من أهل القرية ، ورجعت برحلها وعشرين دينارا.

شعب عثمان (٢) : هو الشعب الذي فيه طريق منى ، يسلك من شعب الخوز ، بين شعب الخوز وبين الخضراء ، ومسيله يفرع في أصل العيرة ، وفيه بئر ابن أبي سمير.

والفداحية (٣) : فيما بين شعب عثمان وشعب الخوز ، وهي مختصر طريق منى سوى الطريق العظمى.

العيرة (٤) : ومقابله جبل يقال له : العير ، الذي بأصله دار صالح بن العباس بن محمد ، وكانت قبله لخالصة ، ويقال هو العيرة أأيضا.

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) شعب عثمان : هو الشعب الذي يقع فيه حيّ الروضة اليوم ، وصدره يسمّى اليوم : بستان الجفّالي ، حيث فيه قصر الشيخ ابراهيم الجفّالي وبستانه ، ومستودعات تابعة لبعض تجاراته. ومن سلك شعب الخوز ثم شعب عمرو (الملاوي) ثم شعب عثمان (الروضة) استطاع أن يصل إلى منى من غير الطريق العظمى ، حيث يصعد الثنية (الخضراء) التي عندها منزل حامد أزهر ثم يمضي مصعدا إلى منى.

والخضراء التي ذكرها الفاكهي ، هي الثنية الخضراء ، وسمّاها بعضهم : الخضيراء ـ بالتصغير ـ حتى لا تلتبس بالثنية الخضراء التي تسمّى اليوم (ريع الكحل).

والثنية الخضراء هذه قد سهّلت اليوم ، وأقيم عندها جسر يربط امتداد شارع الأبطح بالشارع المؤدّي إلى العزيزية ، ويمرّ من تحت هذا الجسر الشارع الآتي من أنفاق شعب عامر ، والملاوي والذاهب إلى منى عن طريق أنفاق الملك فهد في أصل جبل ثبير.

وقد وهم الأستاذ البلادي عند ما جعل رأس شعب عثمان هو : ريع المسكين ، فإذا كان رأسه ريع المسكين فكيف يفرع سيله في أصل جبل العيرة؟.

(٣) الفدّاحية : يغلب على ظنّي أنها طريق ريع التنك ، فهي الطريق التي تصل بين شعب الخوز وشعب عثمان.

(٤) العيرة : جبل مشهور يسمّى اليوم (جبل المنحنى) و (جبل الشيبي) وهو الجبل الذي يفصل بين الروضة والملاوي ، ويشرف على قصر الملك فيصل ـ رحمه الله ـ ، الذي فيه اليوم امارة منطقة مكة.

أمّا العير : فهو جبل يقابل العيرة من ناحية الشمال وعليه قلعة مشهورة ، تسمّى (قلعة المعابدة) ويسمّيه بعضهم : (جبل المعابدة) وسيأتي تحديده في ذكر شقّ معلاة مكة الشامي ـ إن شاء الله ـ.

١٥٤

٢٤٨٦ ـ وله يقول الحارث بن خالد المخزومي ، كما حدّثنا الزبير بن أبي بكر :

أقوى من آل ظليمة الحزم

فالعيرتان فأوحش الخطم

أظليم إنّ مصابكم رجلا

أهدى السلام إليكم ظلم

خطم الحجون (١) : يقال له الخطم ، والذي أراد الحارث الخطم دون سدرة آل أسيد (٢). الذي تقدّم ذكره في هذه الورقة (٣) ليس بخطم الحجون ، والحزم (٤) : أمامه متياسرا عن طريق العراق.

رباب (٥) : القرن في أصل الخندمة بين بيوت عثمان بن عبد الله وبين

__________________

٢٤٨٦ ـ ذكره الأزرقي ٢ / ٢٨٦ ، وأبو الفرج في الأغاني ٩ / ٢٢٥ وياقوت ٢ / ٣٧٩ ، والفاسي في العقد الثمين ٤ / ١٤ نقلا عن الزبير بن بكّار.

(١) خطم الحجون : يغلب على ظنّي أنه الجبل الذي يقع بين مستشفى الملك فيصل بالششة وبين حيّ الروضة مقابل لجبل العيرة من ناحيته الشرقية.

وعليه أقيمت مصانع ثلج الخياط ، وهو أقرب الجبال المنفصلة بين العيرتين.

والحزم : هو الجبل الصغير الذي يقابل جبل الخطم شمالا ، بين مستشفى الملك فيصل وبين قصره ، وبين الحزم والخطم طريق منى العظمى ، وفي أصل الحزم مقبرة من مقابر مكة ، توقّف الدفن فيها اليوم.

وأرى أن الأستاذ البلادي وهم عند ما جعل خطم الحجون هو : ما حازت مقبرة أهل مكة (مقبرة الحجون) باتّجاه أذاخر وعن يمين الأبطح (معالم مكة ص : ٩٥) فالحجون الذي يريده الأزرقي والفاكهي غير الحجون الذي عناه الأستاذ البلادي ، والحجون عندهما جزء من جبل الخندمة ، وهو الحجون الجاهلي ، ثم إنّ هذا الذي وصفه البلادي سمّاه الأزرقي والفاكهي (جبل أبي دجانة) أو (جبل البرم).

(٢) سيأتي التعريف به ، ومجتمع سدرة خالد هي ما سمّي اليوم (ميدان العدل).

(٣) يريد ما ذكره في نزّاعة الشوى ، وقد سمّاه (الخطيم) بالتصغير.

(٤) في الأزرقي : الحزم : (سدرة أمامه) فأضاف لفظة السدرة.

(٥) رباب : سوف يذكره الفاكهي مرّة أخرى ، واتّضح لي أنه آخر الجبال في سلسلة جبل الخندمة من جهة الشمال وهو الجبل الذي يشرف على مستشفى الملك فيصل من الشرق ، وليس بينه وبين ثبير إلّا شعب الرخم. وصار اليوم منقطعا انقطاعا كليّا عن سلسلة قرن الخندمة الذي يبدأ من منزل حامد أزهر ، وتنتهي بالرباب. وذلك لتسهيل الثنية الخضراء ، والثنية الأخرى التي كانت مدرجا تصعده الابل في طريق منى العظمى بالقرب من مستشفى الملك فيصل بالششة.

١٥٥

العيرة ، ويقال لذلك الشعب شعب عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد.

المفجر (١) : ما بين الثنية التي يقال لها الخضراء إلى خلف دار يزيد بن منصور ، يهبط على حياض ابن هشام التي بمفضى مأزمي منى إلى الفجّ الذي يلقاك على يمينك إذا أردت منى ، يفضي بك إلى بئر نافع بن علقمة وبيوته ، حتى تخرج على ثور.

وبالمفجر موضع يقال له : بطحاء قريش ، كانت قريش في الجاهلية وأول الإسلام يتنزّهون به ، ويخرجون إليه غدوة وعشيّة ، وذلك الموضع بذنب المفجر في مؤخره يصبّ فيه ما جاء من سيل الفدفدة (٢).

شعب حوّاء (٣) : في طرف المفجر على يسارك وأنت ذاهب إلى المزدلفة ، وفي ذلك الشعب البئر التي يقال لها : كرّ آدم ، حفرها آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيما يقال : والله أعلم.

واسط : قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المأزمين ، فضرب حتى

__________________

(١) الثنية الخضراء سبق تحديدنا لها ، وعلى هذا يكون المفجر تلك الأراضي المنبسطة التي تبدأ من هذه الثنية ثم إلى مدخل مأزمي منى مما يلي الششة ثم يأخذ يمينا حتى يصل إلى دقم الوبر عند مزدلفة ، وحديقة البلدية التي بين العزيزية ومزدلفة ، ثم يأخذ يمينا إلى الطريق الدائري الثالث الموصل إلى مزدلفة ، ثم يستمرّ إلى ثور ، ثم بعد ثور بطحاء قريش. وهي الأرض المنبسطة الواقعة جنوب ثور.

وعلى ذلك فالمفجر تقوم عليه الأحياء الآتية :

أ ـ الجزء الأعظم من الششة.

ب ـ منطقة محبس الجنّ.

ج ـ منطقة العزيزية بكاملها.

د ـ شارع كديّ عند ثور.

ه ـ بطحاء قريش التي تعرف بهذا الاسم إلى اليوم.

(٢) الفدفدة : سيأتي التعريف بها في مسفلة مكة اليماني.

(٣) شعب حوّاء : الذي أراه أنّه هو الشعب الصغير الذي يفرع من دقم الوبر إلى جهة العزيزية ، وهو شعب صغير ، ولا وجود لشعب في هذه المنطقة سواه ، ويمرّ فيه مجرى عين زبيدة القديم. أمّا البئر فقد أدركناها في السبعينات من هذا القرن الهجري ، ولا أعلم عنها شيئا الآن.

١٥٦

ذهب (١). ويقال : الذي ضرب فيه عبد الله بن صفوان الجمحي الطويل.

ويقال : واسط الجبلان اللذان دون العقبة (٢).

وقال بعض المكيّين : بل تلك الناحية من بركة القسرى إلى العقبة تسمّى واسط [المقيم](٣).

٢٤٨٧ ـ فحدّثني أحمد بن محمد بن حمزة بن واصل ، عن أبيه ، قال : إنّ عبد المجيد بن أبي رواد قال لأحمد بن ميسرة ، وهو في طريق منى ، ووقف به على واسط في هذا الموضع ، فقال : يا أحمد ، أتعرف واسطا؟ قال : لا.

قال : فضرب برجله الأرض على بقية جبل ، فقال : هذا واسط الذي يقول فيه كثيّر عزّة :

خليليّ أمّا أهل عزّة بكرة

فبانوا وأمّا واسط فمقيم

وقال بعض أهل مكة : واسط القرن الذي على يسار من ذهب إلى منى ، دون الخضراء ، في وجهه / مما يلي الطريق بيوت مبارك بن يزيد ، مولى الأزرق

__________________

٢٤٨٧ ـ نقله ياقوت في معجم البلدان ٥ / ٣٥٢ عن الفاكهي.

(١) هذا هو التحديد الأول لواسط ، ويفيد أنّ هذا القرن لا وجود له الآن فقد ذهب قبل زمن الفاكهي ، وقد يكون مثل القرن الذي كان خلف جمرة العقبة فأزيل ، ويكون موضعه على يسار الداخل إلى شعب البيعة عند بئر الصلاصل.

(٢) كأنّه يريد بهذا التحديد الجبلين اللذين هما شمال وجنوب العقبة ، وهذا فيه بعد لأنّ واسطا جبل واحد وليس جبلين.

(٣) في الأصل (القيم) والتصحيح من الأزرقي. وبركة القسري تقع في جبل ثقبة الذي يسمّى اليوم (الغسّالة) وما بين بركة القسري هذه إلى العقبة هو ما يشمله هذا التحديد ، وفيه بعد أيضا لأنّ ما بين هذين الغايتين أكثر من جبل وأكثر من شعب ، والمسافة بينهما في حدود (٥) كم ، إلّا أن يقال : إنّ قائل هذا القول أراد ببركة القسري هي بئر القسري ، الواقعة أسفل جمرة العقبة الذي تهبط عليه الثنية القادمة من شعب الرخم ، وعند ذلك يستقيم المعنى.

١٥٧

ابن عمرو ، وفي ظهره دار محمد بن عمر بن ابراهيم الحميري (١) ، ويحتجّون في ذلك بقول مضاض بن عمرو الجرهمي.

٢٤٨٨ ـ أخبرنا محمد بن إدريس ، قال : ثنا الحميدي ، قال : كان سفيان ربما أنشد هذا الشعر :

وأبدلنا زيد بها دار غربة

بها الخوف باد ، والعدوّ المحاصر

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ولم يتربّع واسطا فجنوبه

إلى المنحنى [من ذي](٢) الأراكة حاضر

قال الحميدي : كان يزيد هذا في حديث أبي حمزة الثمالي عن عكرمة.

قال ابن إدريس ، قال الحميدي : وواسط الجبل الذي يجلس عنده المساكين إذا ذهبت إلى منى. وقال : إن آخر من سهّله (٣) وضرب فيه خالصة مولاة الخيزران.

الرباب (٤) : القرن الذي عند ثنية الخضراء ، بأصل ثبير غيناء ، عند

__________________

٢٤٨٨ ـ أنظر الخبر (٢٤٧٥).

(١) عند الأزرقي (الخيبري) ولم أقف على ترجمته. وعلى هذا القول فواسط يجعلونه ما سمّيناه (الحزم) وهو قبل مستشفى الملك فيصل ، على يسارك وأنت مصعد إلى منى.

(٢) في الأصل (دون الأراكة) والتصويب من معجم ياقوت حيث نقل هذا الشعر عن الفاكهي كما صوّبناه ، وهكذا جاءت الرواية في الأغاني والأزرقي.

(٣) كأنّ الحميدي ـ رحمه الله ـ يجعل واسطا هو الثنية التي تقع في طريق الششة شرق مستشفى الملك فيصل ، وكانت هذه الثنية إلى زمن قريب مدرّجا تصعده الإبل ، ثم سهّل هذا المدرّج اليوم وأصبح شبه ميدان فسيح يقع فيه تقاطع طريق الششة منى ، وطريق الملاوي منى ، الذاهب إلى أنفاق الملك فهد ، ولم يعد أثر لهذه الثنية.

وانظر معجم البلدان ٥ / ٣٥٣ حيث نقل هذا الخبر عن السهيلي ، وعن الفاكهي. وأنظر المشترك وضعا لياقوت ص : ٤٣٣.

(٤) تقدّم قبل قليل ذكره للرباب ، وهناك جعله قريبا من العيرة ، وهنا جعله (بأصل ثبير ، دون بئر ميمون ، وأسفل من قصر المنصور) وهذا مشكل جدا ، فلا يمكن أن يكون بأصل ثبير ، ثم يكون قبل بئر ميمون ، وأسفل من قصر المنصور. لأنّ قصر المنصور كان بأصل جبل العير ، وهو جبل المعابدة

١٥٨

بيوت ابن لاحق ، مشرفة عليها ، وهي عند القصر الذي بنى محمد بن خالد بن برمك ، دون بئر ميمون بن الحضرمي ، وأسفل من قصر المنصور [أبي] جعفر.

[ذو](١) الأراكة : وكان هناك عرض فيما بينه وبين الخضراء وبين بيوت ابن ميسرة الزيات.

شعب الرخم (٢) : الشعب الذي بين الرباب وبين أصل ثبير غيناء ، وفي هذا الشعب يقول بعض أهل مكة :

يا طيب ملعبنا بالشعب بالرخم

إلى ثبير إلى بستان مسرور

إلى المسيل الذي يلقى منازلنا

إلى الأباطح فالقصرين فالدور (٣)

__________________

الذي عليه القلعة. وبئر ميمون دخل في قصر الملك فيصل ، وثبير موضعه مشهور ، فكيف يتوافق هذا كلّه؟!. وتحديده الأول للرباب ، أراه هو الصحيح ، وهو الذي يتوافق مع ما سيذكره في شعب الرخم ، إذ هو الشعب الذي بين ثبير وبين الرباب ، وأنت إذا صعدت في أصل ثبير على يسارك وأنت متّجه من مكة إلى أنفاق الملك فهد ـ إذا صعدت في ذلك الموضع ثم تأمّلت شعب الرخم من ذلك العلو لا تجد في الضفة الثانية لهذا الشعب إلّا جبل الرباب الذي سبق تحديده أول مرة ، والذي أراه أن الفاكهي هنا وكذلك الأزرقي ذكرا لفظا آخر غير الرباب فتصحّف على الناسخ فصار (الرباب) والله أعلم ـ.

(١) في الأصل (دون) وهو تصحيف صوّبته من الأزرقي. والعرض الذي ذكره الفاكهي يمتدّ بين الثنية الخضراء وبين أصل ثبير ، وهو عرض واسع يشكّل طرف المفجر من هذه الجهة.

(٢) هذا الشعب لم يغمره العمران إلّا من جهته الجنوبية امتدادا للششّة ، أمّا صدر الشعب ففتح بينه وبين شعب علي في منى نفقان يسمّان اليوم (أنفاق الملك فهد) ، وأقيم امتدادا لهذين النفقين في هذا الشعب جسور توصل بين فوّهة الأنفاق وبين الطريق الآتي من أنفاق الملاوي وشعب عامر. أمّا بطن الشعب فجعلت شوارع تدخل إلى منى وتخرج منها إلى طريق الطائف ـ عن طريق اليمانية ـ وطريق آخر يتّجه إلى شارع الحجّ ثم إلى المدينة ، ثم شارع آخر يتّجه إلى مكة عن طريق العدل. والثنيّة التي في هذا الشعب على يمينك وأنت متّجه إلى منى من هذا الشعب ، والتي تهبط على بئر القسري في أول منى ، وقد سهّلت وعرضت وجعلت من الشوارع المهمّة التي تدخل إلى منى وتخرج منها. ومن المشاريع المهمة في هذا الشعب هو تحويل مجرى سيله من وادي ابراهيم إلى وادي فخّ ، للتخفيف من وطأة السيل على الحرم الشريف.

(٣) كأنه يريد بالقصرين : قصر المنصور ، وقصر ابن برمك ، وبستان مسرور لم أعرف موضعه ، ولم يرد ذكره عند الفاكهي في حوائط مكة.

١٥٩

ولثبير يقول ابراهيم بن عبّاد :

وهل عائد ما قد مضى من زماننا

ليالي نعصي في الهوى ونطيع

ليالي قطوف اللهو دانية لنا

ومشربنا صاف ، ونحن جميع

ففجّ ثبير لا يرى البؤس بعدنا

وجاد عليه [صيّب](١) وربيع

الأثبرة :

ثبير غيناء (٢) : وهو المشرف على بئر ميمون بن الحضرمي ، وقلّته المشرفة على شعب علي ، وعلى شعب الحضارمة بمنى ، كان يسمّى في الجاهلية سميرا ، ويقال لقلّته : ذات القتادة ، وكان فوقه قتادة ، ولها يقول الحارث بن خالد المخزومي :

إلى طرف الجمار فما يليها

إلى طرف القتادة من ثبير (٣)

ولثبير يقول امرؤ القيس بن حجر الكندي :

كأنّ ثبيرا في عرانين وبله

[كبير](٤) أناس في [بجاد](٥) مزمّل

والوبل : [المطر](٦) ، [والبجاد](٥) : الكساء.

__________________

(١) في الأصل (صيف) وهو تصحيف.

(٢) لا زال معروفا إلى اليوم ، وهو من أعلى جبال مكة.

(٣) البيت في ديوان الحارث ص : ٦٧ ، ونقله جامعه من الأزرقي.

(٤) في الأصل (كثير) وهو تصحيف.

(٥) في الأصل (نجاد) وهو تصحيف أيضا. والبيت ورد في شرح القصائد العشر للخطيب التبريزي ص : ٧٢ ، وشرح الزوزني للمعلّقات السبع ص : ٥٤. وورد هذا البيت من رواية الأصمعي بلفظ : كأن أبانا في أفانين ودقه ... الخ. وهكذا جاءت الرواية في الديوان ص : ١٥٨ ، ومعجم البلدان لياقوت ١ / ٦٢ ، وورد في اللسان ١٣ / ٢٨٣ بعجز آخر. وقوله (عرانين) جمع : عرنين ، وهو الأنف ، استعاره لأوائل المطر لأن الأنوف تتقدّم الوجوه ، والوبل : جمع وابل ، وهو : المطر الغزير العظيم القطر. والبجاد : كساء مخطط ، ومزمّل ، أي : ملفف ، أراد أن يشبّه ثبيرا في أوائل المطر بسيّد أناس قد تلفف بكساء مخطط. أنظر شرح الزوزني.

(٦) في الأصل (الطمرد) وهو تصحيف شنيع.

١٦٠