أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٤

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٤

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٣٦

٢٤٣٧ ـ حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : حدّثني أبو الحسن الأثرم ، عن أبي عبيدة معمّر بن المثنى ، قال : إنّ عبد شمس حفر الطويّ وهي التي بأعلى مكة ، عند دار البيضاء دار محمد بن يوسف ، فقالت سبيعة بنت عبد شمس :

إنّ الطويّ إذا ذكرتم ماءها

صوب السماء عذوبة وصفاء

٢٤٣٨ ـ / وحدّثنا الزبير ، قال : حدّثني أبو الحسن الأثرم ، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ، قال : ثمّ احتفر أمية بن عبد شمس : الجفر ، فسمّاها : الجفر. وقال أمية :

أنا حفرت للحجيج الجفرا

وهو في وجه المسكن الذي كان لبني عبد الله بن عكرمة بن خالد بن عكرمة المخزومي ، وهي بطرف أجياد الكبير ، فاشترى ذلك المسكن ياسر خادم زبيدة ، فأدخله في المتوضئات التي عملها على باب أجياد.

وكانت لبني عبد شمس بئر يقال لها : أمّ جعلان ، موضعها دخل في المسجد الحرام(١).

__________________

٢٤٣٧ ـ نقله ياقوت في معجم البلدان ٤ / ٥١ عن الزبير بن بكّار.

وذكر البيت البلاذري في فتوح البلدان ص : ٦٦.

٢٤٣٨ ـ ذكره الأزرقي ٢ / ٢١٨ ، ٢٢٢ ، وابن هشام في السيرة ١ / ١٥٧ ، والبلاذري في فتوح البلدان ص : ٦٥ ، وياقوت في معجم البلدان ، ٢ / ١٤٧ نقلا عن الزبير مختصرا.

قلت : ولا وجود لهذه البئر اليوم ، لأنّ مدخل أجياد الكبير صار اليوم ميدانا من ميادين الحرم الشريف.

مدّت إليه مواسير عين زبيدة ، وبني فوقها مسجد صغير قبل أكثر من أربعين عاما ، فلعلّها هي بئر الطوي ، والله أعلم.

(١) الأزرقي ٢ / ٢١٨.

١٠١

وكانت لهم أيضا بئر يقال لها : العلوق ، عند دار أبان بن عثمان (١).

وكانت لبني أسد بن عبد العزّى بئر يقال لها : شفيّة. ويقال : سقية.

موضعها في دار أم جعفر (٢) ، يقال لها : بئر الأسود (٣). ولها يقول الحويرث ابن أسد.

٢٤٣٩ ـ كما حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، عن أبي الحسن الأثرم ، عن أبي عبيدة.

ماء شفيّه كصوب المزن

وليس ماؤها بطرق أجن

وكانت لبني جمح بئر يقال لها : سنبلة. كانت لخلف بن وهب ، في

__________________

٢٤٣٩ ـ ذكره البلاذري في فتوح البلدان ٢ / ٧٢٥ ، والبكري في معجم ما استعجم ٢ / ٧٢٥ ، والسهيلي في الروض ٢ / ١٢٨ ، وياقوت ٣ / ٣٥٣ نقلا عن أبي عبيدة.

وقوله : طرق ، أي : الماء الذي خيض فيه ، وبيل ، ويعر ، فكدّر. اللسان ١٠ / ٢١٦.

والأجن : الماء المتغيّر الطعم واللون.

(١) المرجع السابق ٢ / ٢١٨ ودار أبان بن عثمان هذه على رأس ردم عمر ، عند مسجد الجودرية.

(٢) هي زبيدة ، زوج الرشيد ، ودارها كانت عند باب الخيّاطين ، أي : مقابل باب ابراهيم الآن ، وقد دخلت هذه الدار في توسعات المسجد الحرام.

(٣) علّق الأستاذ ملحس على بئر (شفية) بأنّ الأزرقي وهم في تحديد موضعها ، وخلط بينها وبين بئر الأسود ، لأن شفيّة موضعها بين المأزمين على ما ذكر البلاذري وياقوت.

قلت : إنّ الواهم في ذلك هو الأستاذ ملحس ، وليس الأزرقي ، لأنّ (شفيّة) يقال لها : بئر الأسود ، وموضعها كما حدّده الأزرقي في دار زبيدة.

أمّا البئر التي بين المأزمين ، والأصحّ : على رأس المأزمين ـ مأزمي عرفة ـ هي : بئر (السقيا) وليست شفيّة. والسقيا حفرها عبد الله بن الزبير ، ولا زالت معروفة إلى اليوم وتقع على يمين النازل من عرفة على طريق رقم (٨) قبل صعوده ثنية المرار.

والأسود الذي نسبت إليه (شفية) قال الأستاذ ملحس : هو الأسود بن عبد الأسد المخزومي ـ أه وهذا وهم منه ـ رحمه الله ـ لأنّ الأسود الذي نسبت إليه البئر من بني أسد وليس من بني مخزوم. فهو إذن : الأسود ابن البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى الأسدي.

وقد ذكره على الصحة في موضع الآبار التي حفرت بعد زمزم في الجاهلية ٢ / ٢٢٤.

١٠٢

خط الحزامية ، بأسفل مكة ، قبالة دار الزبير بن العوام ـ رضي الله عنه ـ يقال لها اليوم : بئر أبيّ (١). ويقال إنّ النبي صلّى الله عليه وسلم بصق فيها ، والله أعلم كيف ذلك. ويقال : إنّ ماءها جيد من الصداع (٢) من حديث ابراهيم بن يحيى.

وكانت لهم عند ردم الجمحيّين بئر يقال لها : أمّ حردان ، ذكر أنه لا يدرى من حفرها ، ثم صارت لبني جمح. ويقال : هي لعبد الله بن صفوان (٣).

وكانت لبني سهم بئر يقال لها : مرمرم (٤) يقال : دخلت في المسجد الحرام حين وسّعه أبو جعفر أمير المؤمنين في ناحية بني سهم.

وكانت لبني سهم أيضا بئر يقال لها : الغمر ، لم يذكر موضعها (٥).

٢٤٤٠ ـ حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : حدّثني أبو الحسن الأثرم ، عن أبي عبيدة ، قال : فحفرت بنو سهم : الغمر ، فقال بعضهم :

نحن حفرنا الغمر للحجيج

تثجّ الماء أيّما ثجيج

وقد سمعنا في البئار حديثا جامعا (٦).

__________________

٢٤٤٠ ـ نقله ياقوت ٤ / ٢١١ عن أبي عبيدة ، وذكره البلاذري في فتوح البلدان ص : ٦٧ ، والبكري ٢ / ٧٢٦ ، والسهيلي في الروض ٢ / ١٢٨.

(١) بئر (سنبلة) كانت في عهد الفاسي تسمّى (بئر النبي) صلّى الله عليه وسلم ، ولعلّها البئر التي أدخلت في المسجد الحرام ويقال لها (بئر الداودية) وموضعها بين باب ابراهيم وبين باب الوداع. لا زالت قائمة في أقبية المسجد الحرام.

(٢) الأزرقي ٢ / ٢١٩ ، والبلاذري في فتوح البلدان ص : ٦٦ ، وسيرة ابن هشام ١ / ١٥٨ ، وياقوت ٣ / ٢٦١.

(٣) الأزرقي ٢ / ٢١٩ ، ولا وجود لهذه البئر اليوم ، إذ أنّ جانب بني جمح ، وهو الشقّ الغربي المطلّ على المسجد الحرام كلّه هدم ، وأصبح فضاء واسعا من المؤمل إلحاقه بالمسجد الحرام.

(٤) كذا في الأصل ، وعند الأزرقي (رمرم).

(٥) الأزرقي ٢ / ٢٢٠ ، وابن هشام في السيرة ١ / ١٥٨.

(٦) الأزرقي ٢ / ٢٢٠.

١٠٣

ويقال : كان أول من حفر بئرا مرّة ، حفر بئرا يقال لها : اليسيرة ، خارجة من الحرم ، فكانوا يشربون منها دهرا ، إذا كثرت الأمطار فشربوا ، وإذا قحطوا ذهب ماؤها. وكانوا يشربون من أغادير في رؤوس الجبال (١) وحفر مرّة بئرا أخرى يقال لها الرواء ، وهما خارجتان من مكة ، في بواديها ، مما يلي عرفة ، وهم يومئذ حول مكة.

ثم حفر كلاب بن مرّة : خمّا ، ورمّا ، والجفر ، وهذه بئار كلاب بن مرّة ، وكلّها خارجا من مكة (٢).

ثم كان قصيّ حين جمع قريشا بمكة ، وأهل مكة على ما كان عليه الآباء من الشرب في رؤوس الجبال ، ومن هذه الآبار الخارجة من مكة ، فلم يزل الأمر على ذلك حتى هلك قصيّ ثم ولده كانوا يفعلون ذلك حتى هلك أعيان بني قصيّ : عبد الدار ، وعبد مناف ، وعبد العزّى ، وعبد بنو قصيّ ، فخلف أبناؤهم في قومهم على ما كان من فعلهم.

ويقال : إنّه لما حفر أمية بن عبد شمس الجفر لنفسه ، حفر ميمون بن الحضرمي (٣) بئره ، وكانت آخر بئر حفرت من هذه البئار في الجاهلية ، ولم يكن بمكة يومئذ ماء يشرب إلّا زمزم ، وبئر ميمون ، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ / يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(٤) ، فقال :

__________________

(١) الأزرقي ٢ / ٢٢٠ ، وفتوح البلدان ص : ٦٤ ، وعنده : حفرها لؤي بن غالب.

(٢) الأزرقي ٢ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، وفتوح البلدان ص : ٦٤.

(٣) إسم الحضرمي : عبد الله بن عمّار بن أكبر بن ربيعة بن مالك الحضرمي. وكان عبد الله الحضرمي ـ أبوه ـ قد سكن مكة وحالف حرب بني أمية. وميمون هو : أخو العلاء ، الصحابي الجليل الذي استعمله النبي صلّى الله عليه وسلم على البحرين. أنظر الإصابة ٢ / ٤٩١. وفتوح البلدان ص : ٦٥ ، ومعجم البلدان ١ / ٣٠٢.

(٤) سورة الملك (٣٠).

١٠٤

والله أعلم : إنّ تلك الآبار كانت تغور فيذهب ماؤها (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) وزمزم ماؤها معين (١).

٢٤٤١ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر قال : ثنا سفيان ، عن الكلبي ، في قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) قال : نزلت في زمزم ، وبئر ميمون بن الحضرمي ، وكانت بئرا جاهلية.

٢٤٤٢ ـ حدّثنا عبد السلام بن عاصم ، قال : ثنا جرير ، عن ليث ، قال : كان طاوس ليلة الصدر يبيت من وراء بئر ميمون إلى مكة.

وقال بعض شعراء أهل مكة في بئر ميمون هذه :

يا بئر ميمون قد هيّجت لي طربا

يا ليت ميمون لم تحفر له بير

فلو تراها وقد جاد الربيع بها

وأنبتت من أفانين وتنوير

يا بئر ميمون لا أخطتك غادية

تغدو عليك بسحّ غير مبرور (٢)

٢٤٤٣ ـ حدّثنا ابن أبي عمر ، قال : قال سفيان : وهي بئر ميمون بن

__________________

٢٤٤١ ـ ذكره ابن حجر في الفتح ٨ / ٦٦١ وعزاه للفاكهي بسنده.

وذكره السيوطي في الدرّ ٦ / ٤٩ ، ونسبه لابن المنذر والفاكهي.

٢٤٤٢ ـ إسناده ضعيف.

٢٤٤٣ ـ شعب عثمان ، هو : حيّ الروضة اليوم ، وصدره أعلى بستان الجفّالي ، ومسيله يفرع في أصل جبل المنحنى (العيرة). (ومقيصرا) اسم رجل ، ويريد (حائط مقيصرة) وهو بستان كان يشغل أعلى مدخل الملاوي على الطريق العام الصاعد إلى منى ، مقابل جبل سقر ، المشرف على حيّ (الخنساء).

وأنت ترى أنّ بئر ميمون احتلّت أهميّة كبيرة ، فهي كانت البئر الثانية في مكة بعد زمزم ، وبهما فسّر جماعة من المفسّرين قوله تعالى (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) وقد احتلّ

(١) الأزرقي ٢ / ٢٢٢ ، وفتوح البلدان ص : ٦٥.

(٢) الأبيات فيها إقواء.

١٠٥

الحضرمي ، أخي عمرو بن الحضرمي وكانت بئرا جاهلية ، وفيها يقول القائل :

إلى بئر ميمون فما حاز حوزها

إلى شعب عثمان فاسقي مقيصرا

__________________

موضع بئر ميمون أيضا أهميّة تاريخيّة ، حيث عنده عسكر الحجّاج في قتاله لابن الزبير ، وعنده مات أبو جعفر المنصور ، وغسّل بمائه ، إلى غير ذلك ، ولذلك نرى وجوب تحديد موضعه على الإستطاعة.

أمّا الفاسي فقد قال في الشفاء ١ / ٣٤٣ عندما عدّد الآبار التي بين المعلاة ومنىّ «ومنها بئر ميمون بن الحضرمي أخي العلاء بن الحضرمي ، وهي التي الآن بالسبيل المعروف بسبيل الستّ بطريق منى ، وممن عمّرها المظفّر ـ صاحب أربل ـ في سنة أربع وستمائة على ما وجدت بخط عبد الرحمن بن أبي حرمي المكي في حجر بهذه البئر يتضمّن عمارة صاحب أربل لها وعرّفها ببئر ميمون الحضرمي»أه ثم قال الفاسي في موضع آخر ١ / ٣١٤ «جبل العيرة : بقرب السبيل الذي يقال له : سبيل الستّ».

قلت : وجبل العيرة ، هو المسمّى اليوم (جبل المنحنى) يقابل الآن قصر الملك فيصل ، الذي هو مقرّ إمارة مكة حاليا.

وقد حدّد الحربي وغيره المسافة بين بئر ميمون وبين الحرم بميلين ، وبين بئر ميمون وبين منى بميلين أيضا. باعتبار أن الميل (٣٥٠٠) ذراعا.

ثم حرّر إبراهيم رفعت المسافة بين باب بني شيبة وبين سبيل الستّ فكانت (٣٦٧٥) مترا ، ثم بين سبيل الستّ وبين منى فكانت (٣١٢٠) مترا. (أنظر مرآة الحرمين ١ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩).

وقد حرّرت أنا المسافة بين باب الصفا الأعلى ، إلى جبل العيرة فكانت (٣٥٠٠) مترا ، ومن جمرة العقبة إلى جبل العيرة فكانت (٣٣٥٠) مترا وكل ذلك بالسيارة.

وعلى هذا فموضع بئر ميمون اليوم دخل في قصر الملك فيصل الذي هو مقرّ الإمارة اليوم.

ويؤيد ما ذهبنا إليه أدلّة كثيرة منها :

ما ذكره الفاكهي أن ثبير غيناء يشرف على بئر ميمون. ومن وقف عند الموضع الذي حدّدناه يرى ثبيرا مشرفا عليه إشرافا.

ومنها ما ذكره الحربي في المناسك ص : ٥٠٣ في وصفه لطريق منى قال : «وقبل أن تبلغ بئر ميمون طريق آخر إلى منى ، يمنة الطريق»أه. قلت : والذي يعنيه الحربي هو طريق الملاوي الآن يفترق له من القصر الملكي القديم ، المعروف ب (قصر السقاف).

ومنها : ما ذكره الفاكهي عن القصور التي أصبحت بالقرب من بئر ميمون.

وإنّ الأهميّة التاريخيّة التي اكتسبها بئر ميمون هو : ثروة مائه وعذوبته ، وكونه في

١٠٦

٢٤٤٤ ـ حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : حدّثني أبو الحسن الأثرم ، عن أبي عبيدة ، قال : وحفرت بنو عبد الدار : أمّ أحراد ، فقالت أميمة بنت عميلة بن السبّاق بن [عبد الدار](١) امرأة العوّام بن خويلد :

نحن حفرنا البحر أمّ أحراد

ليست كبذّر النزور الجماد

قال فأجابتها ضرّتها صفية :

نحن حفرنا بذّر

تسقي الحجيج الأكبر

من مقبل ومدبر

وأنتم أحرادكم لم تذكر

وحفرت بنو مخزوم : سقيا ، بئر هشام بن المغيرة (٢).

__________________

مفترق طرق مكة العليا ، طريق : منى ومزدلفة وعرفات ، ثم طريق : نجد والعراق ، ثم طريق : الطائف.

فأطلق بئر ميمون على موضع البئر ، وعلى المنطقة المحيطة به من ثبير غيناء إلى الخرمانية ومن جبل العير إلى جبل العيرة. يؤيّد ذلك ما أورده الفاكهي من أخبار وقعت في هذه المنطقة التي حدّدناها ، ثم يضيفها إلى بئر ميمون. أنظر الأخبار ١٦٧١ و ٢٤٨٣ و ٢٥٠٦.

وأغرب البكري في تحديده لبئر ميمون بأنّها بين البيت والحجون ـ أنظر معجمه ٢ / ١٢٨٥ ـ. كما وهم الأستاذ البلادي في تحديده لموضع هذا البئر بين الخرمانية والحجون ، لأنّ ذلك لا يتّفق مع ما أسلفنا من أدلّة ، وخاصة ما ذكره الحربي من أنّ موضع بئر ميمون بعد اختراق طريق منى الأيمن.

٢٤٤٤ ـ ذكره البلاذري في فتوح البلدان ص : ٦٦ ، والبكري في معجمه ٢ / ٧٢٥ ، والسهيلي ٢ / ١٢٥ ، وذكره الأزرقي ٢ / ٢٢٢ مختصرا ونقله عنه الفاسي في الشفاء ١ / ٩٠ ، وأنظر ابن هشام في السيرة ١ / ١٥٧.

(١) في الأصل (عبد الله) وهو خطأ.

(٢) ذكره الأزرقي ٢ / ٢٢٣ ، والبلاذري في فتوح البلدان ص : ٦٧ ، وكلاهما لم يذكر موضع هذه البئر أيضا. ولا أعلم بئرا جاهلية بهذا الإسم إلّا البئر التي عند بستان الخمّاشية ، المستأجرة من إدارة المياه.

وهو سقيا عبد الله بن الزبير الواقعة على يمين النازل من عرفات على الطريق رقم (٧) ، وقد اندثر البستان وبقيت البئر وآثاره ، وعلى يمينك شعب يقال هو (شعب السقيا) ، وعلى فم هذا الشعب بئر لا زالت قائمة إلى اليوم ، أفاد الأزرقي ، والفاكهي أنّها بئر جاهلية ، نثلتها خالصة مولاة الخيزران.

فعرفت ببئر (خالصة) وكانت تسمّى (السقيا) فلعلّها هي والله أعلم.

١٠٧

وحفرت بنو تيم : الحفير ، وهي بئر عبد الله بن جدعان (١).

٢٤٤٥ ـ وحدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : حدّثني أبو الحسن الأثرم ، عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى ، قال : حفرت بنو تيم : الحفير ، فقال بعضهم :

الله سخّر لنا الحفيرا

بحرا يجيش ماؤه غزيرا

٢٤٤٦ ـ حدّثنا عبد الله بن عمران ، قال : ثنا سعيد بن سالم القدّاح ، قال : قال عثمان ـ يعني : ابن ساج ـ : أخبرني محمد بن إسحق ، قال : ولمّا انتشرت قريش ، وكثر ساكن مكة ، قبل حفر عبد المطلب زمزم ، قلّت على الناس المياه ، واشتدّت عليهم فيه المؤنة ، فحفر عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ : الطويّ ، وهي البئر التي بأعلى مكة ، عند دار محمد بن يوسف البيضاء ، وحفر هاشم بن عبد مناف : بذّر وهي البئر التي عند المستنذر ، بخطم الخندمة ، على فم شعب أبي طالب ، وزعموا أنه حين حفرها قال : لأجعلنّها بلاغا للناس ، وحفر : سجلة ، وهي بئر المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف التي كانوا يسقون عليها بين الصفا والمروة ، ويزعم بنو نوفل أنّ مطعم ابن عديّ كان ابتاعها من أسد بن هاشم ، ويزعم بنو هاشم أنما وهبها حين ظهرت زمزم ، واستغنوا بها عن تلك الآبار. وحفر أمية بن عبد شمس : الجفر ، فلما حفرت بنو عبد شمس آبارا وسقت عليها ، حفرت قبائل من قريش آبارا يسقون عليها ويشربون منها / فحفرت بنو أسد بن عبد العزى

__________________

٢٤٤٥ ـ ذكره ياقوت في المعجم ٢ / ٢٧٧ نقلا عن معمر بن المثنى ، وذكره البلاذري في الفتوح ص : ٦٧ باختلاف يسير.

٢٤٤٦ ـ إسناده حسن إلى ابن إسحاق.

وأنظر سيرة ابن هشام ١ / ١٥٦ ـ ١٥٧ ، والأزرقي ٢ / ٢٢١ ، وما بعدها.

(١) ذكره البلاذري في الفتوح ص : ٦٧ ، وسمّاها الأزرقي ٢ / ٢٢٣ (الثريّا).

١٠٨

[سقية](١) بئر بني أسد ، وحفرت / بنو جمح : سنبلة ، وهي بئر خلف بن وهب ، وحفرت بنو سهم : الغمر ، وهي بئر بني سهم ، وكانوا يسقون عليها ، ويبارون بها ويقولون فيها الأشعار. وكان بعضهم يأخذ على بئره الأجر من بعض الناس. قال : فلما حفر عبد المطلب : زمزم ترك الناس أو عامّتهم تلك الآبار ، وأقبلوا على زمزم لمكانها من البيت ، ولأنّها بئر اسماعيل ـ عليه السلام ـ ابن خليل الله ابراهيم ـ صلّى الله على نبيّنا محمد وعليه وسلّم ـ ولفضل مائها على سائر المياه في العذوبة والكثرة.

٢٤٤٧ ـ حدّثني عبد الملك بن محمد ، عن زياد بن عبد الله ، عن ابن إسحق ، نحو ذلك وزاد فيه : قال : وقد قالت [خالدة](٢) بنت هاشم تذكر سجلة :

نحن حفرنا يا لقوم سجله

في دارنا ذات فصول سهله

نابتة فوق سقائها بقله

تسقي الحجيج زعلة فزعله

وزاد فيه : وحفر عبد شمس : الطوي ، وهي البئر التي عند دار الحجاج ابن يوسف.

وقال عبد شمس بن عبد مناف حين حفر بئره : الطويّ قال :

إنّ الطويّ إذا ذكرتم ماءها

صوب السحاب عذوبة لا يترك

كانت عطاء من قدير مالك

يسقي بها الحجّاج ليست تفرك

__________________

٢٤٤٧ ـ الشعر هكذا في الأصل وفيه اضطراب ، وورد في فتوح البلدان ص : ٦٥ ، والسهيلي في الروض ٢ / ١١٤ ، والبكري ٢ / ٧٢٤ ـ ٧٢٥ ، وياقوت ٣ / ١٩٣ بشكل آخر. وقوله : (زعلة فزعلة) قال البكري : أي : جرعة فجرعة.

(١) في الأصل (سقاية) وهو تصحيف ، صوبته من ابن هشام وقد ذكرها الفاكهي سابقا (شفيّة) بالشين المعجمة والفاء ، وكله ذلك وارد.

(٢) في الأصل (خالته) والتصويب من فتوح البلدان ، ومعجم البلدان.

١٠٩

فلأسخرنّ من التتار وذكرها

بملوحة يسقون منها الهلّك (١)

ولأفخرنّ بأنّ بئري ذكرها

أكناف قيصر لا تباع فتملك

وقال أميّة بن عبد شمس حين حفر بئره : الجفر لنفسه :

هممت همّا أن أموت غمّا

حفرت جفرا ودفنت خمّا

والجفر لا بد بأن تطما

حتى يرى الأمر لنا خضمّا

ونعرف الحقّ إذا ألمّا

نحن وليناكم فلم نذمّا

ثمّ فرجنا الهمّ بعد ما أهمّا

ثمّ قمعنا الأبلح الغشمّا

حتى تركنا سمعه أصمّا

والحقّ لا بدّ بأن يحمّا

حتّى يكون أمرنا أعمّا

لأن قومي فرجوا المهمّا

وزاد فيه : وكان بعضهم فيما ذكروا يأخذ على بئره الأجر من بعض الناس ، فقال الحويرث بن أسد بن عبد العزى لشفيّة بئر بني [أبيه](٢) يفخر بشفيّة :

هذي الشفيّة قد عرفتم فضلها

مثل الصياح مصيبة للفاجر (٣)

كانت عطاء لا ينال وفضلها

باد لعمرك زينة للذاكر

صوب السماء فلا يذاق كطعمها

إلّا المدام عمارة للعامر

فيها نفاخر من أتانا فاخرا

وهي المغاث لبدونا والحاضر

وقال شاعر بني سهم يذكر الغمر ، بئر بني سهم :

ماذا يقول الفاخرون بمائهم

جهلا وبئري ذكرها لا ينفد

__________________

(١) البيت كذا في الأصل ، وفي معناه غموض.

(٢) في الأصل (أمية) وهو تصحيف.

(٣) البيت كذا في الأصل.

١١٠

فضلت بئاركم بصوب سحابة

على صلة الطريق ترصد

فيها عذوبة ماء مزن فارس

فلها عذوبته وليست تفسد

/ وقال شاعر بني جمح يمتدح : سنبلة بئر خلف بن وهب الجمحي :

نحن حفرنا بئر صدق سنبله

ثمّ تركناها برأس القنبله

تصبّ ماء مثل فيض العنبله

ليست كبذّر لا ولا كالحرمله

تسقي عبيطا عندها كاليعمله

ثمّ سقينا الناس عند المسهله

صوب سحاب ربّنا هو أنزله (١)

وقال الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف يفخر على خداش بن عبد الله ابن قيس في شيء كان بينه وبينه ، ويذكر فضل بين عبد مناف :

نحن حفرنا في أباطح مكة

حفيرا لطول الدهر عند العواقب

نسقي بها الحجيج في كلّ ضيقة

إذا عطشوا ينزون نزو الجنادب

وإن على أسيافنا السّمّ من يعد

يبؤ بخسف أن يبؤ غير غالب

ويرجع مذموما ملوما مقصّرا

خداش لئيما كعبه غير راتب

لنا مكرمات من ينلها منا غدا

تقصر لذا تلك الأمور المصاعب

إذا فزع الحي التهامون أرفضوا

إلينا رجالا بين راض وعاتب (٢)

وقالت صفية بنت عبد المطلب ـ رضي الله عنها ـ بعد ذلك بزمان وهي تفاخر أميمة بنت عميلة بن [السباق](٣) بن عبد الدار ، وكانتا عند العوام بن خويلد ضرّتين تفخر إحداهما على الأخرى :

__________________

(١) الأبيات في معجم البكري ٢ / ٧٢٥ ، ٧٥٩ ، والروض الأنف ٢ / ١٢٨ ، ومعجم البلدان ٣ / ٢٦١.

(٢) الأبيات كذا في الأصل وفي بعضها اضطراب.

(٣) في الأصل (عبد السباق) وهو خطأ.

١١١

نحن حفرنا بذّر بجانب المستنذر

الطيب العذب الذي لم يمقر

كانت بلاغا للحجيج الأكبر

وأمّ أحرادكم لم تذكر

ونحن نسقي عند كلّ صرصر

مثل سحاب ماؤه لم يقصر

أو كغرير المزن عند الأحجر

نسقي بغير الجعل لمّا نفخر

قال : فأجابتها أميّة بنت عميلة بن السباق بن عبد الدار تقول (١) :

نحن حفرنا البئر أمّ أحراد

نسقي الحجيج كدم الفصاد

دما عبيطا ليس من أعواد

ثم يسيح الماء في الجماد

سيح سحاب سال في رماد

أتفخري ببذرك الرهاد؟

٢٤٤٨ ـ حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : حدّثني أبو الحسن الأثرم ، عن أبي عبيدة ، قال : فلما إحقفا عبد المطلب زمزم عفوا هذه المياه ـ يعني : لما أظهرها عبد المطلب ـ.

ذكر

الآبار التي حفرت بعد زمزم في الجاهلية

فمنها بئر في دار محمد بن يوسف البيضاء ، حفرها عقيل بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في حق المقوّم بن عبد المطلب ، [ويقال](٢) حفرها عبد شمس بن عبد مناف ونثلها عقيل بن أبي طالب ، يقال له : الطويّ ،

__________________

٢٤٤٨ ـ ذكره ابن هشام في السيرة ١ / ١٥٨.

(١) أنظر معجم البكري ٢ / ٧٢٥ ، وفتوح البلاذري ص : ٦٦ ، والروض الأنف ٢ / ١٢٥.

(٢) سقطت من الأصل ، وأضفتها من الأزرقي.

١١٢

ويقال : بل حفرها قصيّ ونثلها بعده أبو لهب (١). وبئر الأسود بن البختري ، كانت على باب دار الأسود عند الخياطين ، دخلت في دار زبيدة الكبيرة عند الخيّاطين ، والبئر قائمة في سفل الدار إلى اليوم (٢).

وركايا قدامة بن مظعون / حذاء أضاة القبط (٣) بعرنة في شقها الذي يلي مكة.

وبئر حويطب بن عبد العزّى في بطن وادي مكة بين يدي داره (٤).

وبئر الصلاصل بفم شعب البيعة عند عقبة منى (٥) ، ولها يقول أبو طالب (٦) :

ونسلمه حتى نصرّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وينهض قوم في الحديد اليكم

نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل

__________________

(١) الأزرقي ٢ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، وقد تقدّم ذكرها في الآبار الجاهلية.

(٢) الأزرقي ٢ / ٢٢٤ وقد تقدّم ذكرها.

(٣) الإضاءة : الماء المستنقع من سيل أو غيره. معجم البلدان ١ / ٢١٤ ، وسيأتي ذكر هذا الموضع وسبب تسميته بذلك في المباحث الجغرافية ـ ووقع عند الأزرقي (إضاءة النبط) بالنون. ولا أعلم لهذه البئر وجودا اليوم.

(٤) الأزرقي ٢ / ٢٢٤ ، وحويطب بن عبد العزي بن أبي قيس بن عبدودّ ، من بني عامر بن لؤي ، صحابي أسلم يوم الفتح ، وهو أحد المجدّدين لأنصاب الحرم ، وقد مضت ترجمته. ودار حويطب ذكرها الفاكهي في رباع بني عامر بن لؤي ، ورباعهم تقابل رباع بني هاشم ، فرباع بني هاشم على يمين الصاعد لوادي مكة ، وهم على يسار الصاعد ، أي أنّ موضع رباعهم هو سوق الجودريّة الآن ودار حويطب موضعها أعلى من دار الحمّام التي آلت لمعاوية ـ رضي الله عنه ـ فيكون موضعها قبل وصولك لأول الردم ـ ردم عمر ، رضي الله عنه ـ فموضعها في أول سوق الجودرية الآن. ولا أعلم أنّ في هذا الموضع بئرا اليوم ، والعلم عند الله.

(٥) شعب البيعة لا زال معروفا بمنى ، وهو على يسارك إذا جئت من منى من مكة ، قبل أن تصل إلى جمرة العقبة ، ويبعد عن الجمرة أقلّ من ٥٠٠ م.

وبئر الصلاصل كانت قائمة قبل أعوام قليلة ، ثم غطّيت حين وسّع طريق الجمرات ، فدخلت فيه ، وهي على يسار الداخل إلى شعب البيعة.

(٦) البيتان ضمن قصيدة طويلة ، ذكرها ابن هشام في السيرة ١ / ٢٩٤. وأنظر الأزرقي ٢ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

١١٣

والبئر التي [تعرف ببئر](١) خالصة مولاة الخيزران في المسيل الذي يفرع بين مأزمي عرفة ، ومسجد ابراهيم.

وبئر أجياد في دار زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي.

بئر خمّ : (٢) جاهلية ، وهي لآل زريق بن وهب الله المخزومي ، جدّ أبي القاسم العائذي.

ذكر

الآبار الإسلاميّة

بئر أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ على باب شعب أبي دبّ بالحجون ، حفرها حين انصرف من الحكمين ، ثم اندملت فلم تزل مدمولة حتى نثلها بغا مولى أمير المؤمنين في سنة اثنتين وأربعين ومائتين ، على يد وكيله ابن شلقان وهي قائمة إلى اليوم (٣).

__________________

(١) في الأصل : (التي ببيت خالصة) ، وهو تحريف. وبئر خالصة قلنا هي السقيا ، وخالصة إنّما نثلتها وعمّرتها ، وقد تقدّم تحديد موضعها في الآبار الجاهلية. وانظر الأزرقي ٢ / ٢٢٤.

(٢) بئر خمّ : لا زالت قائمة إلى اليوم ، وعلى يسار الخارج من مكة بعد التقاء طرق : ربع كديّ ، وريع بخش ، وأنفاق باب الملك ، وموضعها قرب التقاء هذا الطريق الدائري الثالث. وتقع الآن ضمن أسوار حجز السيارات بكديّ ، وهي دون الميثب ، أقيمت عليها حجرة حديثة صغيرة ، وعليها مضخة ماء. وقد ذكرها الفاكهي في المباحث الجغرافية في شق مسفلة مكة اليماني قبل الأثر (٢٥١١) وحدّد موضعها فقال : خمّ قريبة من الميثب ، حفرها مرّة بن كعب بن لؤي ... الخ.

وتطلق لفظة (خمّ) على الغدير الذي عند الجحفة ، وعلى شعب خمّ الذي هو عند بركة ماجن ، وسيأتي ، وعلى بئر حفرها عبد شمس في البطحاء ، وعلى بئر عند ردم بني جمح. أنظر معجم البكري ١ / ٥١٠ ، وياقوت ٢ / ٣٨٩ ، ومتّفق ياقوت ص : ١٤٠.

(٣) هذه البئر ، غالب ظني أنّها البئر التي كانت تسمّى (بئر غيلمة) بفوّهة دحلة الجنّ ، وكانت العامة تسمّيها (حوض أبي طالب) وقد دثرا وأدخلا عندما ما وسّع شارع المسجد الحرام. وأنظر الأزرقي ٢ / ٢٢٥ ، والبلاذري في الفتوح ص : ٦٨ ، وياقوت ١ / ٣٠٢ حيث نقل هذا الخبر عن الفاكهي.

١١٤

وبئر آل شوذب ، كانت على باب المسجد ، عند باب آل شيبة ، فدخلت في المسجد الحرام حين وسّعه المهدي في خلافته ، وهي في الزيادة الأولى التي كان وليها جعفر بن سليمان في سنة إحدى وستين ومائة.

وشوذب : مولى لمعاوية ـ رضي الله عنه ـ (١).

والبرود : بفخّ ، أسفل من شعب المبيّضة حفرها خراش بن أمية ، محرّش ، ويقال : محرّش الكعبي فيما يقولون ، ولها يقول الشاعر :

بين البرود وبين بلدح نلتقي (٢)

وبئر بكّار بذي طوى ، عند ممادر بكّار. وبكّار رجل من أهل العراق كان يسكن مكة (٣).

__________________

(١) الأزرقي ٢ / ٢٢٥ ، والبلاذري ص : ٦٨.

(٢) الأزرقي ٢ / ٢٢٦ ، والبلاذري ص : ٦٨. والبرود في الأصل : هو الجبل الذي قتل عنده الحسن بن علي بن الحسين بن حسن بن علي بن أبي طالب ، يوم فخّ ، ويعرف اليوم ب (جبل الشهيد) وهو يشرف على حيّ الشهداء من الغرب ، وهناك خمس آبار قديمة لا زالت قائمة على يسار الذاهب إلى التنعيم يشرف عليها جبل البرود ، إثنتان منها لا زالت أمانة العاصمة تضخّ منهما المياه ، واحدها يقال له : بئر الكردي ، وثلاثة منها معطّلة ، فيها مياه آسنة ، ولم أستطع أن أجزم أيّها هو البرود.

وهناك برود آخر في مجتمع طريق حجّاج العراق ونجد ـ سابقا ـ تقع اليوم على يمين الذاهب من الطريق المزفّت إلى الجعرانة ، قبل الجعرانة بخمسة كيلومترات تقريبا ، وتبعد عن طريق الجعرانة أكثر من كيلو متر واحد شرقا ، يسلك إليها من طريق ترابي. وهناك في ـ هذا الموضع بئر عظيمة ، وقفت عليها ، وبقربها حياض واسعة ، وآثار سدود ، وقنوات للمياه ، تصل بين هذه الحياض وبين مجرى عين يذهب حتى يلتقي مع مجرى عين زبيدة الآتي من المشاش ، عند الريع الأخضر. وقد أشار الفاكهي إلى نحو ذلك فيما تقدّم. والبئر وصفها ابراهيم رفعت في مرآة الحرمين ١ / ٣٧٠ حيث قال (والبئر مطوية بالحجارة المنحوتة ، قطرها ستة أمتار ، وعمقها اثنا عشر مترا ، ماؤها عذب ، لا يزيد ارتفاعه في قاعه عن خمسين سنتيما) قلت : عندما وقفت عليها رأيت ماءها ثرّا ، وقد غطّيت البئر بألواح من الحديد ، وأقيمت عليها مضخّة مياه ، وبنيت عندها حجرة صغيرة لهذه المضخّة ، وقد كان معي الشريف محمد بن فوزان ـ رحمه الله ـ يوم وقفت على هذه البئر.

وقد وهم الأستاذ ملحس عندما جعل بئر البرود التي ذكرها الأزرقي والفاكهي هنا هي : البردان ، فقد أبعد ـ رحمه الله ـ في ذلك كل البعد ، فالبردان عين بأعلى نخلة اليمانية (المضيق) اليوم ، وليست كما حدّدها الفاكهي بفخّ.

(٣) بئر بكّار : موضعها في الحفاير اليوم ، وثنية الحزنة : هي (ريع الحفاير) الآن ، وسيذكر الفاكهي

١١٥

وبئر وردان مولى المطلب بن أبي وداعة ، بذي طوى عند سقاية سراج بفخ (١). وسراج : مولى لبني هاشم. وفي هذا الموضع يقول بعض الشعراء :

إلى [مبيت] سراج فالبرود فما

حازت بلادح ذات النّخل والسدر

وبئر لابن هشام ببئر ميمون ، تدعى الهشامية ، وراء الدار التي كانت لأم عيسى بنت سهيل ، مقابلة دار محمد بن داود (٢).

وبئر لكثير بن الصلت في داره التي بالثنيّة وهي دار طاقة (٣).

وبئر عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ بقعيقعان.

وبئر لمعاوية ـ رضي الله عنه ـ على حمّامه عند دار الحمّام (٤).

وبئر لعبد الله بن عامر : في شعب ابن عامر (٥).

وبئر السقيا : فوق مأزمي عرفة ، عند مسجد ابراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ من عرنة ، كانت جاهلية حفرتها خالصة (٦).

__________________

انّك إذا هبطت من ريع الحزنة نهبط على المادر ـ الحفاير ـ بئر بكار.

يوجد الآن جنوب مسجد الطبيشي بالحفاير بئر قديمة مدمولة ، في وسط ملتقى أزقّة هناك ، فلعلّها هي ، إذ ينطبق عليها وصف الفاكهي والله أعلم ، ولعلّ الأستاذ ملحس قد وهم في جعل هذه البئر هي بئر طوى ، لأنّه وهم قبلها في تحديد ثنية الحزنة حيث جعلها : ريع أبي لهب ، فجرّه هذا الخطأ إلى خطأ آخر ـ رحمه الله ـ.

(١) ذكره الأزرقي ٢ / ٢٢٦ ، والبلاذري في فتوحه ص : ٦٨.

(٢) تقدّم تحديدنا لموضع بئر ميمون ، وأنّها دخلت في قصر الإمارة اليوم المعروف ب (قصر الملك فيصل) وكذلك فيه موضع دار محمد بن داود ، لأنّه كان يقابل جبل العيرة (المنحنى) ، وحول بئر ميمون آبار عديدة.

(٣) يريد بالثنيّة هنا هي (كدى) الثنية السفلى بالشبيكة.

(٤) تقدّم ذكرنا لدار الحمّام ، وأنّها إحدى الدور الستّ المقطورة التي كان يملكها معاوية ، وأنّ موضعها اليوم يقع في سوق الجودرية.

(٥) كان في شعب عامر أكثر من بئر ، فقد كانت على فوّهته بئر ، وفي أقصاه بئر يقال لها (بئر الحمام) بتخفيف الميم ، موضعها مقابل المسجد الكبير بهذا الشعب ، فلا أدري أيّهما بئر ابن عامر.

(٦) تقدّم ذكرها في الآبار الجاهلية.

١١٦

والياقوتة : التي بمنى حفرها أبو بكر الصدّيق ـ رضي الله عنه ـ في خلافته فعملها الحجّاج بعد مقتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ فيما يزعمون ، وضرب فيها وأحكمها (١).

وآبار (٢) عمرو بن عثمان : التي بمنى في شعب عمرو ، ومنها يشرب اليوم الناس بمنى ، ويسكبون الماء في مضاربهم.

وبئر الشركاء : بأجياد لبني مخزوم (٣).

وبئر عكرمة : بأجياد الصغير ، في الشعب الذي يقال له : الأيسر (٤).

وبئر ابن المرتفع.

٢٤٤٩ ـ حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : محمد بن المرتفع بن النضر / بن الحارث صاحب بئر ابن المرتفع بمكة.

وبئر ابن المرتفع التي فوق الأنصاب إلى طريق العراق ، وتعرف ببئر ابن

__________________

٢٤٤٩ ـ ذكره ابن الكلبي في جمهرة النسب ١ / ٧٤ ، والبلاذري في فتوح البلدان ص : ٢٤.

قلت : ويكاد يغلب على ظنّي أنّ بئر ابن المرتفع هي بئر البرود العظيمة ، لأنّها في طريق العراق ، ولأنّها فوق الأنصاب ، ولأنّها مطوية بحجارة منحوتة جيدة العمارة ، ولأنّها من أعذب المياه كما ذكر الفاكهي. وقد تقدّم قبل قليل وصفنا لبئر البرود ، والله أعلم.

(١) ذكره الأزرقي ٢ / ٢٢٤ ، وذكر في ٢ / ١٨٥ أنّ ما بين وسط حياض الياقوتة وبين حدّ محسر ألفا ذراع ، أي : أقلّ من كيلومتر واحد. وما بين جمرة العقبة وحدّ محسر سبعة آلاف ومائتا ذراعا. فيكون بعد الياقوتة عن جمرة العقبة خمسة آلاف ومائتا ذراع ، أي أقلّ من ثلاث كيلو مترات ـ ولا تعرف اليوم ـ.

(٢) كذا في الأصل ، بصيغة الجمع ، وفي الأزرقي بالافراد ، وشعب عمرو بن عثمان بن عفان في منى ولعلّه ما يسمّى الآن بحارة قريش بمنى فهي التي ينطبق عليها هذا الوصف.

والآبار في (حارة قريش) خمسة آبار ، ولكنّها لا تعرف بهذا الإسم اليوم.

(٣) الأزرقي ٢ / ٢٢٤.

(٤) المصدر السابق ٢ / ٢٢٥ ، وقد سمّي هذا الشعب في مواضع شقّ مسفلة مكة اليماني : شعب المتّكأ ، وذكر أنّه بأقصى شعب أجياد الصغير ، وأنّ هذه البئر حفرتها زينب بنت سليمان بن علي.

١١٧

المرتفع اليوم ، لرجل يقال له : ابن حوس (١) ، وقد عمرها ابن عثمان المكي ، وسوّاها ، وهي من أعذب المياه.

وآبار (٢) الأسود بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي في أصل ثنية أم قردان.

وبئر يقال لها : الطلوب كانت لعبد الله بن صفوان ، ويقال : بل كانت لعمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية في شعب عمرو بالرمضة ، دون الميثب (٣).

__________________

(١) كذا في الأصل ولم أعرف ابن حوس هذا ، ولعلّ في العبارة سقطا ، ولا يزال (حوّاس) يطلق على واد عند البرود يصبّ في المغمّس وعلى منطقة قرب بئر البرود يقال لها (خريبات حوّاس) وهذا مما يدعم ما ذهبنا إليه في بئر ابن المرتفع. ولم أعرف ابن عثمان المكي المذكور بعد.

(٢) كذا في الأصل بصيغة الجمع ، وكذلك في الأزرقي ٢ / ٢٩٣ عند ذكره لثنية أمّ قردان ، ويظهر أنّها أكثر من بئر. وقد جاء تحديد موضع هذه الآبار عند البلاذري في الفتوح ١ / ٦٨ حيث قال : وبئر الأسود ـ نسبت إلى الأسود بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ـ وهي بقرب بئر خالصة ، مولاة أمير المؤمنين المهدي ـ أه كلامه. ونقل الأستاذ ملحس مضمون كلام البلاذري هذا ، معتمدا عليه في تحديد موضع آبار الأسود المخزومي. قلت : وقد تقدّم تحديدنا لموضع بئر خالصة ، وأنّها لا تزال قائمة في فم شعب السقيا على يمين النازل من عرفة على طريق رقم (٧).

وعلى ما تقدّم فموضع آبار الأسود هناك بالقرب من بئر ابن الزبير بالخمّاشية.

وفي ذلك عندي نظر ، لأنّ البلاذري أراد أن يعني أنّ ثنية أم قردان هي الثنية الهابطة على شعب السقيا ، والهابطة كذلك على آبار الأسود ، وهذا بعيد لأنّ الأزرقي والفاكهي عند ما ذكرا شعب السقيا وبئر خالصة ذكراها في شق معلاة مكة اليماني ، وعندما ذكرا ثنية أم قردان ذكراها في شق مسفلة مكة اليماني ، وشتان بين الشقين. ويوجد اليوم ريع خلف جبل بشيم ب (١) كم يقال له (ريع القرادي) ، يسيل على (وادي السلولي) أوقفنا عليها الشيخ حسن بن سالم الخزاعي ـ شيخ خزاعة اليوم ـ فلعلّها المقصودة بأم قردان. ثم إن ما يسيل عليه الريع هذا من أرض أصبح اليوم مزرعة وموضع كسارة للحجارة يملكها سليمان خياط.

(٣) بئر الطلوب : هذه البئر بالرمضة دون الميثب ، والرمضة ما يسمّى اليوم بقوز النكّاسة ، وهو جزء من المسفلة يخترقه الطريق الدائري الثالث ، والميثب مطلّ على قوز النكّاسة من الشرق ، وهذه البئر لا زالت موجودة على يسارك وأنت متّجه إلى أسفل مكة ، وهي البئر الموجودة في بستان الشيخ عبد الله أحمد كعكي ، وهي بئر قديمة كبيرة ، وقد خطّط هذا البستان وأصبح منطقة سكنية.

١١٨

وبئر أم النعمان ، بذي طوى (١) ، كانت الناس يشربون منها في الفتنة ، زمن اسماعيل بن يوسف الطالبي.

٢٤٥٠ ـ حدّثنا عبد السلام بن عاصم ، قال : ثنا أبو زهير ، قال : ثنا ابن إسحق عن نافع ، أنّ ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كان إذا قدم مكة نزل بذي طوى.

٢٤٥١ ـ وحدّثنا ابن أبي مسرّة ، قال : ثنا ابراهيم بن محمد الشافعي ، قال : ثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن الضحّاك بن عثمان ، عن أيوب بن موسى ، عن سعيد بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قال : إنّ النبي صلّى الله عليه وسلم كان يقصر الصلاة بالعقيق إذا خرج إلى مكة ، ويقصر بذي طوى إذا خرج من مكة.

__________________

٢٤٥٠ ـ إسناده حسن.

أبو زهير ، هو : عبد الرحمن بن مغراء. وابن إسحاق ، هو : محمد ، وهو ثقة إلّا أنّه مدلس ، وقد عنعن هنا ، لكن تابعه موسى بن عقبة.

رواه البخاري ٣ / ٥٩٢ من طريق : موسى بن عقبة ، عن نافع ، به.

٢٤٥١ ـ إسناده منقطع.

أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص ، روى عن سعيد بن العاص ، ولم يدركه. تهذيب الكمال ١ / ١٣٦.

رواه أبو داود في المراسيل (تحفة الأشراف ٤ / ١٦) من طريق : الفضيلي ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، به.

(١) لعلّها بئر (ذي طوى) المشهورة اليوم بجرول ، وتقابل مبنى مستشفى الولادة ، ويقوم عليها بناء عثماني قديم كتب عليه (بئر طوى). وعن فتنة الطالبي أنظر تاريخ ابن جرير ١١ / ١٣٦ ، والعقد الثمين ٣ / ٣١٢.

١١٩

ذكر

ما عمل بمكة من سقايات بعد الآبار

حياض المزدلفة ، عملها عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ (١).

السداد التي بالنصع وبطن الأفيعية في طرف النخيل ، عملها ، الحجّاج بن يوسف ، يقال لها : السداد الأعظم ، منها سد يقال له : أثال (٢).

سداد أبي جراب ، أسفل من عقبة منى دون القبور ، على يمين الذاهب إلى منى. وأبو جراب اسمه : عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أميّة الأصغر ، عمله في ولاية ابراهيم بن هشام على مكة والمدينة ، بغير إذن ابراهيم ابن هشام ، فكتب ابراهيم إلى عامله بمكة ، أن يقف أبا جراب في الشمس حتى يدفن بئره ، ففعل ذلك ، فاستعان أبو جراب أهل مكة حتى غوروا تلك البئر ، ودفنوا ذلك السد (٣).

__________________

(١) لا وجود لها الآن.

(٢) سداد الحجّاج لا زالت قائمة إلى اليوم في شعب عمرو بن عبد الله بن خالد بن أسيد الذي يطلق عليه اليوم : (المعيصم) اثنان على يمينك وأنت نازل من المزدلفة ، والآخر الكبير ، وهو : أثال على يسارك ، واللذان في يمينك قائمان في ثبير النصع ، وما فاض منهما يسكب في وادي أفيعية. وسوف يأتي وصف السداد في المباحث الجغرافية ـ إن شاء الله ـ وانظر الأزرقي ٢ / ٢٨١.

(٣) ذكره ياقوت في معجم البلدان ٣ / ١٩٦ ـ ١٩٧ نقلا عن الفاكهي.

وأمّا القبور التي ذكرها فلا زالت موجودة إلى الآن على يمينك وأنت صاعد إلى منى ، قبل أن تصل إلى ما يقابل شعب البيعة ، قرب بيت يعرف ب (بيت صدقي) آلت ملكيّته للدولة الآن.

١٢٠