وقعة النهروان أو الخوارج

علي بن الحسين الهاشمي

وقعة النهروان أو الخوارج

المؤلف:

علي بن الحسين الهاشمي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة المفيد للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: مؤسسة المفيد للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٤

والله ما رأيت ظفراً ولا خوراً ، هلم فاشهد على نفسك. واقرر بما كتب في هذه الصحيفة. فانه لا رغبة بك عن الناس قال بلى والله ان بي لرقبة عنك في الدنيا ، وفي الآخرة. ولقد سفك الله بسيفي هذا دماء رجال ما أنت بخير منهم عندي ولا احرم دماً قال عمار بن ربيعة. فنظرت الى ذالك الرجل وكأنما قصع على أنفه الحمم (١) وهو الأشعث بن قيس. ثم قال : ولكن قد رضيت بما صنع علي أمير المؤمنين (ع) ودخلت فيما دخل ، فيه ، وخرجت مما خرج منه فانه لا يدخل الا في هدى وصواب.

( التقاء الحكمين )

كان التقاء الحكمين. بدومة الجندل. وقيل بغيرها ، في سنة ثمان وثلاثين ، وكان قد بعث علي (ع) بعبدالله بن العباس وشريح بن هاني الهمداني. في أربعماءة رجل فيهم أبو موسى الأشعري. وبعث معوية بعمرو بن العاص. ومعه شرحبيل بن الصمة. في أربعماءة. واجتمع الكل في صعيد واحد.

__________________

(١) القصع : الضرب والدلك. والحمم. الرماد والفحم. وكل ما احترق من النار واحدته حمة.

٤١

( وصية ابن عباس لأبي موسى )

ذكر المسعودي. قال : ابن عباس لأبي موسى. ان الناس أبوا غيرك. واني لأظن ذلك لشرير أدبهم. وقد ضم داهية العرب معك. ان نسيت فلا تنس ان علياً بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان. وليس فيه خصلة تباعده من الخلافة ، وليس في معوية خصلة تقربه من الخلافة (٢).

( معوية يوصي عمرو بن العاص )

ذكر المسعودي. قال : وصى معوية عمرواً حين فارقه. وهو يريد الاجتماع بأبي موسى. فقال : يا عبدالله ، ان أهل العراق قد أكرهوا علياً على أبي موسى. وأنا وأهل الشام راضون بك. وقد ضم اليك رجل طويل اللسان قصير الرأي. فخذ الجد ، وطبق المفصل. ولا تلقه بأريك كله.

__________________

(٢) مروج الذهب ج ٢ ص ٢٧٦.

٤٢

( أوان المكر والخديعة )

عندما التقى الحكمان. ابو موسى الأشعري. وعمرو بن العاص. قال : عمرو لأبي موسى تكلم وقل خيراً فقال أبو موسى. بل تكلم أنت يا عمرو. فقال عمرو. ما كنت لأفعل وأقدم نفسي قبلك ولك حقوق كلها واجبة. لسنك وصحبتك رسول الله (ص) وانت ضيف. فحمد الله أبو موسى واثنى عليه. وذكر ما حل بالإسلام. والخلاف الواقع بأهله. فقال إليه عمرو. وقال : ان للكلام أولا وآخراً. ومتى تنازعنا الكلام خطباً لم نبلغ آخره حتى ننسى أوله ، فاجعل ما كان من كلام نتصادر عليه في كتاب يصير اليه أمرنا ، قال : فاكتب. فدعا عمرو بصحيفة وكاتب ، وكان الكاتب غلاماً لعمرو. فتقدم اليه ليبدأ به اولاً دون ابي موسى. لما أراد المكر به. ثم قال له بحضرة الجماعة : اكتب فانك شاهد علينا. ولا تكتب شيئاً يأمرك به أحدنا حتى تستأمر الآخر فيه. فاذا أمرك فأكتب. واذا

٤٣

نهاك فانته حتى يجتمع رأينا. اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما تقاضى عليه فلان وفلان. فكتب وبدأ لعمرو. فقال له عمرو. لا أم لك اتقدمني قبله. كأنك جاهل بحقه؟ فبدأ باسم عبدالله بن قيس.

قال : ثم بدا لها رأي آخر فتركوا الصحيفة فأخذها عمرو : ووضعها تحت قدمه. واتفقا على خلع علي (ع) ومعوية. وأن يجعلا الأمر بعد ذلك شورى. يختار الناس رجلاً يصلح لها ، فقدم عمرو. أبا موسى ، فقال أبو موسى ، اني خلعت علياً ومعوية. فاستقبلوا امركم وتنحى. فقام عمرو من مكانه وقال : ان هذا قد خلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معوية. فقال أبو موسى مالك لا وفقك الله غدرت وفجرت. انما مثلك كمثل الحمار يحمل اسفاراً ، فقال عمرو. بل إياك يلعن الله. كذبت وغدرت. انما مثلك مثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث. ثم وكز أبا موسى فألقاه لجنبه. فلما رأى ذلك شريح بن هاني قنع عمرواً بالسوط (١) وتحول أبو موسى فاستوى على راحلته ولحق

__________________

(١) فكان شريح يقول : بعد ذلك. اني ما ندمت على شيء ندامتي اني ما ضربته بالسيف بدل السوط.

٤٤

بمكة. ولم يعد الى الكوفة (٢).

وانصرف عمرو. وأهل الشام الى معوية فسلموا عليه بالخلافة. ورجع ابن عباس. وشريح بن هاني الى علي (ع).

ولما بلغ علي ما كان من أمر ابي موسى وعمرو. قال : اني كنت تقدمت اليكم في هذه الحكومة. ونهيتكم عنها. فأبيتهم الا عصياني. فكيف رأيتم عاقبة أمركم اذ أبيتم علي؟ والله اني لأعرف من حملكم على خلافي والترك لأمري. ولو أشاء آخذه لفعلت ، ولكن الله من ورائه. وكنت أمرت به كما قال. اخو بيني خثعم.

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى

فلم يستبينوا الرشد الاضحى الغد

من دعا إلى هذه الخصومة فاقتلوه قتله الله. ولو كان تحت عمامتي هذه الا أن هذين الرجلين الخاطئين الذين اخترتموهما حكمين. قد تركا حكم الله. وحكما أنفسهما بغير حجة ولا حق معروف. فأماتا. ما أحيا القرآن. واحييا ما أماته ، وأختلف في حكمهما كلامهما. ولم يرشدهما

__________________

(٢) وكان ابن عباس يقول : قبح الله ابا موسى. وامرته بالرأي فما عقل ، وكان ابو موسى يقول. قد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكن اطمأننت اليه. وظننت انه لن يؤثر شيئاً على نصيحة الأمة.

٤٥

الله. ولم يوفقهما. فبرىء الله منهما ورسله وصالح المؤمنين. فتأهبوا للجهاد. واستعدوا للمسير. واصبحوا في عسكرهم ان شاء الله تعالى وقال : أيمن بن خزيم في أمر الحكمين مخاطباً أهل الشام (١).

لو كان للقوم رأي يعصمون به

من الضلال رموكم بابن عباس

لله در أبيه أيما رجل

ما مثله لفصال الخطب في الناس

لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن

لم يدر ما ضرب اخماس لاسداس

ان يخل عمرو به يقذفه في لجج

يهوى به النجم تيساً بين أتياس

أبلغ لديك ـ علياً ـ غير عاتبه

قول امرىء لا يرى بالحق من باس

ما الاشعري بمأمون أبا حسن

فاعلم هديت وليس العجز كالراس

فاصدم بصاحب الادنى زعيمهم

ان ابن عمك عباس هو الاسى

_________________

(١) كان ايمن معتزلاً لمعاوية. وكان هواه أن يكون هذا الأمر لأهل العراق.

٤٦

وقال : ابن عم لابي موسى حين شاهد شتم احدهما للآخر.

أبا موسى خدعت وكنت شيخاً

قريب القعر مدهوش الجنان

رمى عمرو. صفاتك يا بن قيس

بأمر لا تنوء به اليدان

وقد كنا نجمجم عن ظنون

فصرحت الظنون عن العيان

فعض الكف من ندم وماذا

يرد عليك عضك للبنان

وقال عمرو بن العاص لما خدع أبا موسى :

خدعت أبا موسى خديعة شيظم

يخادع شقباً في فلاة من الأرض (٢)

فقلت له أنا كرهنا كليهما

فنخلعهما قبل التلاتل والدحض (٣)

فطاوعني حتى خلعت اخاهم

وصار أخونا مستقيماً لدى القبض

وقال الراسبي : وهو من أهل حروراء ـ

ندمنا على ما كان منا ومن يرد

_________________

(٢) الشيظم : الطويل الجسم. الفتي من الناس والخيل والابل. والسقب ولد الناقة.

(٣) التلاتل : الشدائد ، والدحض الزلق والزلل.

٤٧

سوى الحق لا يدرك هواه ويندم

خرجنا على أمر فلم يك بينا

وبين علي غير غاب مقوم

وضرب يزيل الهام عن مستقره

كفاحاً كفاحاً بالصفيح المصمم

فجاء علي بالتي ليس بعدها

مقال لذي حلم ولا متحلم

رمانا بمر الحق اذ قال جئتم

الي بشيخ للأشاعر قشعم

فقلتم رضينا بابن قيس وما لنا

رضاً غير شيخ ناصح الجيب مسلم

وقال : ابن عباس يكون مكانه

فقالوا له لا لا إلا بالتهجم

فما ذنبه فيه وأنتم دعوتم

اليه علياً بالهوى والتقحم

فاصبح عبدالله بالبيت عائذاً

يريد المنى بين الحطيم وزمزم

٤٨

( علي (ع) والحرورية )

لما رجع علي (ع) من صفين الى الكوفة ، أقام الخوارج فيها حتى اجتمعوا وخرجوا الى حروراء. فتنادوا ـ لا حكم إلا لله ـ ولو كره المشركون الا ان علياً ومعوية أشركا في حكم الله. فارسل اليهم علي (ع) عبدالله بن عباس فناظرهم وكلمهم فلم يرجعوا عما هم عليه فرجع إلى علي (ع) وأخبره بخبرهم ، فقال (ع) ما رأيتهم؟ فقال ابن عباس والله ما أدري ما هم ، فقال (ع) : أرأيتهم منافقين. فقال ما سيماهم سيماء منافقين ان بين أعينهم لأثر السجود يتأولون القرآن. فقال (ع) دعوهم ما لم يسفكوا دماً أو يغصبوا مالاً ، قال أرباب التاريخ وكانوا اثني عشر الفاً. فخرج اليهم علي (ع) في ازار ورداء راكباً بغلته. فقيل له يا أمير المؤمنين القوم شاكون في السلاح. تخرج اليهم وأنت اعزل ، فقال (ع) انه ليس بيوم قتالهم.

٤٩

حتى اذا وصل الى حروراء ، اجتمعوا عليه. فأول ما قال لهم. يا قوم. ليس اليوم أوان قتالكم. وستفترقون. حتى تصيروا أربعة آلاف. فتخرجون علي في مثل هذا اليوم وفي مثل هذا الشهر فأخرج اليكم بأصحابي فأقاتلكم حتى لا يبقى منكم الا دون عشرة. ويقتل من أصحابي يومئذ دون عشرة هكذا أخبرني رسول الله (ص) قال : فلم يبرح من مكانه حتى تبرأ بعضهم من بعض. وتفرقوا الى أن صاروا أربعة آلاف بالنهروان ، وكان مما قال لهم في ذلك اليوم ما هذا الذي أحدثتم وما تريدون قالوا نريد أن نخرج نحن وأنت ومن كان معنا بصفين ثلاث ليال ونتوب إلى الله من أمر الحكمين. ثم نسيرك الى معوية فنقاتله. حتى يحكم الله بيننا وبينه. فقال علي (ع) فهلا قلتم هذا حين بعثنا الحكمين. وأخذنا منهم العهد واعطينا هموه الا قلتم هذا ، قالوا كنا رأينا قد طالت الحرب علينا واشتد البأس وكثر الجراح. وكل الكراع والسلاح. فقال لهم أفحين اشتد البأس عليكم عاهدتم. فلما وجدتم الجمام قلتم ننقض العهد. ان رسول الله (ص) كان يفي للمشركين بالعهد. أفتأمرونني بنقصه. فمكثوا مكانهم لا يزال الرجل منهم يرجع الى علي (ع) والآخر يخرج من عند علي لهم ، حتى اذا جاء أحدهم ذات يوم الى المسجد وعلي (ع)

٥٠

جالس وحوله أصحابه. فصاح ـ لا حكم إلا لله ولو كره المشركون ـ فتلفت الناس ، ثم صاح لا حكم إلا لله ولو كره المنافقون ، فرفع علي رأسه إليه ، ثم صاح الرجل ، لا حكم إلا لله ولو كره أبو حسن ، فقال (ع) ان أبا حسن لا يكره أن يكون الحكم لله. ثم قال حكم الله انتظر فيكم ، فقال له الناس هلا ملت يا أمير المؤمنين (ع) فأفنيتم؟ فقال انهم لا يفنون وان منهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة.

وذكر الطبري أيضاً. ان علياً لما دخل الكوفة. دخلها ومعه كثير من الخوارج ـ ( المحكمة ) وقد تخلف منهم في النخيلة وغيرها خلق كثير لم يدخلوا الكوفة فدخل حرقوص بن زهير السعدي. وزرعة بن برج الطائي. وهما من رؤوس الخوارج على علي (ع) فقال له حرقوص تب من خطيئتك. وأخرج بنا الى معوية نجاهده. فقال (ع) اني كنت نهيت عن الحكومة فأبيتم ثم الآن تجعلونها ذنباً اما أنها ليست بمعصية ولكنها عجز من الرأي وضعف في التدبير وقد نهيتكم عنه ، فقال له زرعة أما والله لئن لم تتب من تحكيمك الرجال لأقتلنك اطلب بذلك وجه الله ورضوانه. فقال له علي (ع) بؤساً لك ما أشقاك كأني بك قتيلاً تسفى عليك الرياح قال زرعة وددت انه ذلك.

٥١

قال : وخرج علي (ع) يخطب الناس فصاح به الخوارج من جوانب المسجد لا حكم إلا لله ، وصاح به خارجي ( ولقد أوحى اليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) فقال علي (ع) ( فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ).

قال وانصرفت الخوارج. وقد فارقوا الكوفة يريدون النهروان. وصاروا يعبثون في الأرض فساداً يقتلون البريء والضعيف.

٥٢

( الخوراج في النهروان )

قال المبرد. ثم مضى القوم إلى « النهروان ». وقد كانوا ارادوا المضي الى المدائن. فمن طريف أخبارهم انهم أصابوا في طريقهم مسلماً ونصرانياً فقتلوا المسلم لأنه عندهم كافر. واستوصوا بالنصراني. وقالوا احفظوا ذمته بينكم ، ووثب رجل منهم على رطبة كانت قد سقطت من نخلة فأخذها ووضعها في فيه فصاحوا به فلفظها تورعاً ، وعرض لرجل منهم خنزير فضربه فقتله. غضبوا عليه وقالوا له هذا فساد في الأرض. وانكر واقتل الخنزير وجاء لأمير المؤمنين (ع) كتاب من قرظة بن كعب الأنصاري ، وكان أحد عماله يخبره بأن خيلاً مرت من قبل الكوفة متوجهة ، وأن رجلاً من دهاقين أسفل الفرات كان هناك وقد مروا به. فقالوا له أمسلم أنت؟ قال الحمد لله ، فقالوا له ما تقول في علي (ع) قال : أقول أنه أمير المؤمنين وسيد

٥٣

البشر ووصي رسول الله (ص) فقالوا له كفرت يا عدو الله. ثم حملت عليه عصابة منهم فقطعوه بأسيافهم ، : قال. ولقيهم عبدالله بن خباب في عنقه مصحف على حمار ومعه امرأته وهي حامل ، فقالوا له ان هذا الذي في عنقك ليأمرنا بقتلك. فقال لهم ما أحياه القرآن فأحيوه. وما أماته فأميتوه ، فقالوا له حدثنا عن أبيك قال سمعت أبي يقول. قال : رسول الله (ص) ستكون بعدي فتنة يموت قلب الرجل كما يموت بدنه يمسي مؤمناً ويصبح كافراً. فكن عبدالله المقتول ولا تكون القاتل. قالوا فما تقول في أبي بكر وعمر فأثنى عليهما خيراً ، قالوا فما تقول في علي (ع) بعد التحكيم. وفي عثمان في السنين الست الأخيرة فأثنى خيراً قالوا فما تقول في التحكيم والحكومة. قال ان علياً أعلم بالله منكم وأشد توقياً عن دينه. وأنفذ بصيرة. فقالوا له انك لست بمتبع الهدى. انما تتبع الرجال على ايمانهم ، قال ثم قربوه إلى شاطىء النهر فأضجعوه وذبحوه ، وجاؤا الى زوجته ، وكانت حبلى فشقوا بطنها واستخرجوا جنينها فذبحوه.

٥٤

( المنجم )

قال : وعزم علي (ع) على الخروج لحربهم ، وكان ابو أيوب الأنصاري على ميمنته فجاءه رجل منجم كان في أصحابه فقاله يا أمير المؤمنين (ع) لا تسر في هذه الساعة. وسر على ثلاث ساعات مضين من النهار ، فانك ان سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك أذى وضر شديد. وان سرت في الساعة التي أمرتك بها ظهرت وظفرت وأصبت ما طلبت ، فقال له أتدري ما في بطن فرسي هذه أذكر أم أنثى؟؟. قال ان حسبت علمت. فقال (ع) من صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن. قال الله تعالى : ( ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ) ثم قال : ان محمداً (ص) ما كان يدعي علم ما أدعيت علمه. تزعم انك تهدي الى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها وتصرف عن الساعة التي يحيق

٥٥

السوء بمن سار فيها فمن صدقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله جل وعز في صروف المكروه عنه. وينبغي للموقن بأمرك ان يوليك الحمد دون الله جل جلاله. لأنك بزعمك هديته إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها. وصرته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن آمن بك في هذا لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ضداً ونداً ، اللهم لا طير إلا طيرك. ولا ضير الا ضيرك ولا إله غيرك ثم نخالف ونسير في الساعة التي نهيتنا عنها. ثم اقبل على الناس فقال : أيها الناس. إياكم والتعلم للنجوم. إلا ما يهتدي به في ظلمات البر والبحر إنما المنجم كالكاهن والكاهن كالكافر والكافر في النار ، أما والله ان بلغني انك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبداً ما بقيت ولأحرمنك العطاء قال ثم سار في الساعة التي نهاه عنها المنجم. فظفر بأهل النهروان وظهر عليهم ثم قال. لو لم نسر في الساعة التي نهانا عنها المنجم. لقال الناس. سار في الساعة التي أمر بها المنجم فظفر وظهر. أما أنه ما كان لمحمد (ص) ولا لنا من بعده حتى فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر. أيها الناس توكلوا على الله وثقوا به فانه يكفي من سواه.

٥٦

( وقعة النهروان (١) )

كانت وقعة النهروان ثالثة الوقايع في خلافة علي أمير المؤمنين (ع) بعد وقعة الجمل. وصفين. لها أهميتها في تاريخ فجر الإسلام والصدر الأول كانت تلك الوقعة بين علي أمير المؤمنين (ع) وبين طائفة يقال لهم. الخوارج. أو المارقة. أو الشراة. تلك الطائفة التي تعصبت بعصابة الجهل والغرور. وقد أظهرت الشغب والفساد في المجموعة الإسلامية حينذاك. وكان محورها شرذمة من المنافقين. من الذين يضمرون الغل على علي أمير المؤمنين (ع) دأبها النفاق والانشقاق عليه. والتخاذل

__________________

(١) النهروان بفتح النون والراء. ثلاث قوى. اعلا وأوسط وأسفل. وبين واسط وبغداد وقيل : هو النهر الذي كانت عليه الواقعة. قرب المدائن ، وكانت الواقعة في التاسع من شهر صفر سنة ثمان وثلاثين ، وصادف ذلك اليوم يوم النيروز.

٥٧

والتخادع بين أصحابه (ع) فسمموا أفكار تلك الطائفة المغرورة بآرائها الشيطانية. حتى صارت تعتقد أنها هي الطائفة المسلمة ليس إلا. والمسلمون كلهم كفار مشركون. وصاروا الى النهروان. فمشى اليهم علي (ع) بجيشه حينذاك فوعظهم وحذرهم سوء المصير. فما رجعوا ولا ارتدعوا بل شرعوا الرماح وسلوا السيوف في وجهه (ع) وقالوا الحرب الحرب. يا علي لا نريد الا قتلك كما قتلنا عثمان ، فأفلجهم (ع) بالحجج والأدلة من الكتاب والسنة فما ازدادوا الا غياً ، فعند ذلك زحف اليهم بجيشه حتى أتى على آخرهم فملأ النهر من دمائهم والموقع من أشلائهم. وكان عددهم أربعة آلاف ولا يحيط المرك السيء ، إلا بأهله.

ذكر أرباب التاريخ. انه لما وصل علي (ع) بجيشه الى ـ النهروان ـ قال : اقبل اليه رجل من أصحابه. وكان على مقدمته. يركض. وقال له : يا أمير المؤمنين (ع) البشرى. قال (ع) ما بشراك قال : ان القوم عبروا النهر لما بلغهم وصولك. فابشر فقد منحك الله أكتافهم. فقال (ع) الله أنت رأيتهم قد عبروا. قال نعم. فاحلفه ثلاثاً. وفي كلها يقول نعم. فقال (ع) والله ما عبروا ولن يعبروه. وان مصارعهم لدون النطفة. والذي فلق الحبة

٥٨

وبرأ النسمة. لن يبلغوا الا ثلث ولا قصر بوران حتى يقتلهم الله. وقد خاب من افترى. قال : ثم أقبل فارس آخر يركض. فقال كقول الأول. فلم يكترث (ع) بقوله. وجاءت الفرسان كلها تركض. وتقول مثل ذلك. فقام علي (ع) واعتلى متن بغلته. قال : فقال شاب من الناس قلت في نفسي والله لأكونن قريباً منه. فان كانوا قد عبروا النهر لأجعلن سنان رمحي في صدره. أيدعي علم الغيب ولا يصدق بهذا الجمع. قال : فما انتهى علي (ع) الى النهر وجد القوم لم يعبروه. وقد كسروا جفون سيوفهم. وعرقبوا خيلهم. وجثوا على ركبهم. وتحكموا تحكيمة واحدة بصوت له زجل. قال : فنزل ذلك الشاب إلى أمير المؤمنين (ع) وقبل رجله. وقال : يا أمير المؤمنين (ع) اني قد شككت فيك آنفاً. واني تائب الى الله واليك فاغفر لي. فقال : علي (ع) ان الله هو يغفر الذنوب فاستغفره (١).

وذكر المبرد في الكامل. قال لما وافقهم علي (ع) بالنهروان. قال (ع) لأصحابه لا تبدؤهم بقتال حتى يبدؤكم. قال فحمل منهم رجل على جيش علي (ع) فقتل

__________________

(١) البحار ج الثامن طبع كمباني.

٥٩

منهم ثلاثة. فخرج عليه علي (ع) فضربه فقتله. فلما خالطه سيفه. قال : يا حبذا الروحة الى الجنة فقال عبدالله بن وهب الراسبي والله ما أدري الى الجنة أم إلى النار ، فقال رجل منهم من بني سعد إنما حضرت اغتراراً بهذا الرجل ـ يعني عبدالله بن وهب ـ وأراه الآن قد شك واعتزل عن الحرب بجماعة من الناس. قال ومال ألف منهم إلى جهة أبي أيوب الأنصاري. وكان على ميمنة علي (ع) قال ثم استنطقهم علي (ع) بقتل ابن خباب فأقروا به. فقال (ع) انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة فتكبتوا كتائب وأقرت كل كتيبة بما أقرت به الأخرى. من قتل ابن خباب وقالوا : لنقتلنك كما قتلناه فقال : والله لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا وأنا أقدر على قتلهم به لقتلتهم : ثم التفت إلى أصحابه. وقال : شدوا عليهم فأنا أول من يشد عليهم ، قال ثم رفع يديه ورأسه الى السمآء وقال : اللهم اشهد ـ ثلاثاً ـ اني قد أنذرتهم. وقد أعذر من أنذر. اللهم وبك العون وإليك المشتكى. وعليك التكلان وإياك نذرأ في نحورهم. أبى القوم إلا تمادياً في الباطل ويأبى الله إلا الحق. فأين يذهب بكم عن حطب جهنم وعن طيب المغنم. التفت الى أصحابه. وقال : فاستعدوا لعدوكم فانكم غالبوهم باذن الله تعالى. ثم قرأ عليهم آخر سورة آل عمران.

٦٠