وقعة النهروان أو الخوارج

علي بن الحسين الهاشمي

وقعة النهروان أو الخوارج

المؤلف:

علي بن الحسين الهاشمي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة المفيد للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: مؤسسة المفيد للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٤

فقتل. وضارب شبيب حتى صرع عن فرسه فوقع بين رجاله فجاء حتى انتهى الى موقف صالح فوجده قتيلاً فنادى الي يا معشر المسلمين فلاذوا به فقال لأصحابه ليجعل كل رجل منكم ظهره الى ظهر صاحبه وليطاعن عدوه اذا قدم عليه حتى ندخل هذا الحصن ونرى راينا ففعلوا ذلك. حتى دخلوا الحصن وهو سبعون رجلاً مع شبيب. وأحاط بهم الحرث بن عميرة ممسياً. وقال لأصحابه احرقوا الباب فاذا صار جمراً فدعوه فانهم لا يقدرون على الخروج حتى نصبح فنقتلهم ففعلوا ذلك بالباب. ثم انصرفوا الى معسكرهم فقال شبيب لاصحابه يا هؤلاء ما تنتظرون؟ فوالله ان اصبحوكم انه لهلاككم. فقالوا له مرنا بأمرك. فقال لهم بايعوني ان شئتم أو بايعوا من شئتم منكم. ثم اخرجوا بنا حتى نشد عليهم في عسكرهم فانهم آمنون منكم. واني أرجو أن ينصركم الله عليهم. قالوا ابسط يدك فبايعوه. فلما جاؤا الى الباب وجدوه جمراً فأتوه باللبود فبلوها بالمآء ثم القوها عليه وخرجوا فلم يشعر الحرث بن عميرة الا وشبيب وأصحابه يضربونهم بالسيوف في جوف عسكرهم فضارب الحرث حتى صرع واحتمله أصحابه وانهزموا وخلوا لهم المعسكر وما فيه ومضوا حتى نزلوا المدائن. وكان ذلك أول جيش هزمه شبيب.

١٤١

[ وقائع شبيب بن يزيد الشيباني ]

كان شبيب يكنى بأبي الصحارى. وكان بأرض الموصل والجزيرة فقصد عبد الملك بن مروان بالشام وطلب منه أن يساوي عطاءه وعطاء الأشراف فأنكره عبد الملك. فقال شبيب يوشك أن يعرفني فخرج من وقته الى صالح بن مسرح رأس الخوارج. فجعله صالح من قواده وحارب معه الأمويين. حتى اذا قتل صالح بن مسرح. جمع شبيب الصالحية وأصحابه من بني شيبان وغلب على حد كسكران المدائن فتحصن منه أهلها. فأنتهب المدائن الا الاولى واصاب دواب من دواب الجند وقتل من ظهر له ولم يدخل البيوت. ثم أتى فقيل له هذا سورة قد أقبل اليك فخرج في أصحابه حتى أتوا مصارع اخوانهم الذين قتلهم علي بن ابي طالب (ع) فاستغفروا لهم وتبرؤا من علي وأصحابه وبكوا فأطالوا البكاء ثم عبروا جسر النهروان فنزلوا من جانبه الشرقي وجاء سورة حتى نزل بنفطر انا وجاءته

١٤٢

عيونه فأخبروه بمنزل شبيب بالنهروان. فدعا سورة رؤوس أصحابه. فقال لهم ان الخوراج قلما يلقون في صحراء وعلى ظهر الا انتصفوا وقد حدثت انهم لا يزيدون على مائة رجل وقد رأيت أن أنتخبكم وأسير في ثلثمائة رجل منكم من أقويائكم وشجعانكم فأبيتهم فانهم آنسون من بياتكم واني والله ارجوا ان يصرعهم الله مصارع اخوانهم في النهروان من قبل. فقالوا اصنع ما أحببت. فاستعمل على عسكره حازم بن قدامة. وانتخب ثلاثمائة من شجعان أصحابه ثم أقبل بهم حتى قرب من النهروان وبات وقد أذكى الحرس ثم بيتهم. فلما دنا أصحاب سورة منهم نذروا بهم فاستووا على خيولهم وتعبوا تعبيتهم. فلما انتهى اليهم سورة وأصحابه اصابوهم ، وقد نذروا فحمل عليهم سورة فصاح شبيب بأصحابه فحمل عليهم حتى تركوا له العرصة. وحمل شبيب وجعل يضرب ويقول : من ينك العيرينك نياكاً. فرجع سورة مفلولاً قد هزم فرسانه وأهل القوة من أصحابه وأقبل نحو المدائن وتبعه شبيب حتى انتهى سورة الى بيوت المدائن والنتهى شبيب اليهم وقد دخل الناس البيوت وخرج ابن ابي عصيفر وهو امير المدائن يومئذ في جماعة فلقيهم في شوارع المدائن ورماهم الناس بالنبل والحجارة من فوق البيوت. ثم سار شبيب الى تكريت.

١٤٣

لما صار شبيب الى تكريت وجه الحجاج الجزل وهو عثمان بن سعيد في أربعة آلاف فسار الجزل نحو المدائن وهو يظن أن شبيباً هناك حتى اذا وصلها لم يجد فسأل عنه فأخبرانه توجه الى تكريت فلحقه والتقى معه في أرض خوخي. ووقعت بينهما المعركة فهرب شبيب بأصحابه وصار الجزل يطارده بكتائبه وجاء كتاب من الحجاج الى الجزل يحضه على قتالهم وكان قد سمع الحجاج أن الجزل يراوغ الخوارج. قال : فارسل الحجاج سعيد بن المجالد اميراً بدله وعهد اليه اذا التقى بالمارقة أن يزحف عليهم ولا يناظرهم ولا يطاولهم ولا يصنع صنع الجزل. وكان الجزل يومئذ قد انتهى في طلب شبيب الى النهروان. وقد لزم عسكره وخندق عليهم. فجاء سعيد حتى دخل عسكر أهل الكوفة اميراً. فقام فيهم خطيباً. فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال : يا أهل الكوفة انكم قد عجزتم ووهنتم وأغضبتم عليكم أميركم أنتم في طلب هذه الأعاريب العقف منذ شهرين قد أخربوا بلادكم وكسروا خراجكم وأنتم حذرون في جوف هذه الخنادق ولا تزايلونها الا أن تبلغكم أنهم قد ارتحلوا عنكم ونزلوا بلداً سوى بلدكم اخرجوا على اسم الله اليهم. ثم خرج وخرج الناس معه. فقال الجزل ما تريد أن تصنع قال : اقدم على شبيب وأصحابه في هذه الخيل فقال له الجزل أقم أنت في جماعة الناس فارسهم وراجلهم ولا

١٤٤

تفرق أصحابك ودعني اصحر له فان ذلك خير لك وشر لهم فقال سعيد بل تقف أنت في الصف وأنا اصحر له. فقال الجزل اني بريء من رأيك هذا سمع الله ومن حضر من المسلمين. فقال سعيد هو رأيي ان أصبت فيه فالله وفقني وان أخطأت فيه فأنتم براء. فوقف الجزل في صف الكوفة. وقد جعل على ميمنتهم عياض بن ابي ليينة الكندي وعلى وعلى ميسرتهم عبد الرحمن بن عوف وأبا حميد الراسبي ووقف الجزل في جماعتهم واستقدم سعيد بن مجالد والناس معه. وقد أخذ شبيب الى نزار الدور فنزل قطيطاً وأمر دهقانها أن يشوي لهم غنماً ويعدلهم غذاء ففعل. وأغلق مدينة قطيطاً ولم يفرغ الدهقان من طعامه حتى أحاط ابن مجالد فصعد الدهقان ثم نزل وقد تغير لونه. فقال شبيب ما بالك؟ قال قد جاءك جمع عظيم. قال ابلغ شواؤك؟ قال لا. قال دعه يبلغ ثم أشرف الدهقان اشرافة اخرى ثم نزل فقال قد أحاطوا بالجوسى. قال هات شواءك فجعل يأكل غير مكترث بهم. ولا فزع (١) فلما فرغ. قال لأصحابه قوموا الى الصلاة وقام فتوضأ فصلى بأصحابه صلاة الأولى ولبس درعه وتقلد سيفه وأخذ عموده الحديد. ثم قال اسرجوا لي بغلتي فقال أخوه أفي مثل هذا اليوم

__________________

(١) اراد أن يريه ثبات جنانه.

١٤٥

تركب بغلة؟ قال نعم أسرجوها فركبها. ثم قال : يا فلان انت على الميمنة. وأنت يا فلان على الميسرة. وانت يا مضاد يعني أخاه على القلب وأمر الدهقان ففتح الباب في وجوههم فخرج اليهم وهو يحكم وحمل حملة عظيمة فجعل سعيد وأصحابه يرجعون القهقري حتى صار بينهم وبين الدير ميل. وشبيب يصيح اتاكم الموت الزؤام فاثبتوا وسعيد يصيح يا معشر همدان الي اي انا ابن ذي مران. فقال شبيب لمضاد ويحك استعرضهم استعراضاً فانهم قد تقطعوا واني حامل على أميرهم وأثكلنيك الله ان لم اثكل ولده.ثم حمل على سعيد فعلاه بالعمود ثم سقط ميتاً. وانهزم أصحابه ولم يقتل يومئذ من الخوارج الا رجل واحد وانتهى قتل سعيد الى الجزل. فناداهم ايها الناي الي الي وصاح عياض بن ابي ليينة أيها الناس ان يكن اميركم هذا القادم هلك فهذا اميركم الميمون النقيبة أقبلوا اليه فمنهم من أقبل اليه ومنهم من ركب فرسه منهزماً. وقاتل الجزل يومئذ قتالاً شديداً حتى صرع وحامى عنه خالد بن نهيك وعياض بن ابي ليينة حتى استنقذاه مرتثاً. وأقبل الناس منهزمين حتى دخلوا الكوفة وأتى بالجزل جريحاً حتى دخل المدائن. فكتب الجزل الى الحجاج ما كان من أمر سعيد ومقتله وفل عسكره. فأجابه الحجاج شاكراً له صنعه وأرسل

١٤٦

اليه جبار بن الاعز الطبيب ليداويه ويعالج جراحاته : قال ابن ابي الحديد وأما شبيب فاقبل حتى قطع دجلة عند الكرخ وأخذ بأصحابه نحو الكوفة. وبلغ الحجاج مكانه بحمام أعين فبعث اليه سويد بن عبد الرحمن السعدي وجهزه بألفي فارس منتخبين. وقال اخرج الى شبيب فالقه ولا تتبعه فخرج بالناس بالسبخة وبلغه أن شبيباً قد أقبل فسار نحوه كأنما يساق الى الموت هو وأصحابه. وأمر الحجاج عثمان بن قطن فعسكر بالناس في السبخة ونادى الا برأت الذمة من رجل من هذا الجند بات الليلة بالكوفة ولم يخرج الى عثمان بن قطن بالسبخة. فبينا سويد بن عبد الرحمن يسر في الألفين الذين معه وهو يعبيهم ويحرضهم اذ قيل قد غشيك شبيب. فنزول ونزل معه جل أصحابه وقدم رايته. فأخبر أن شبيباً لما علم بمكانه تركه ووجد مخاضة فعبر الفرات يريد الكوفة من غير الوجه الذي سويد بن عبد الرحمن به. ثم قيل أما تراهم فنادى في أصحابه فركبوا في آثارهم. فأتى شبيب دار الرزق فنزلها. وقيل له أن أهل الكوفة بأجمعهم معسكرون. فلما بلغهم مكان شبيب ماج الناس بعضهم الى بعض وجالوا وهموا بدخول الكوفة حتى قيل هذا سويد بن عبد الرحمن في آثارهم قد لحقهم وهو يقاتلهم في الخيل. ومضى شبيب حتى أخذ على شاطىء الفرات. ثم أخذ على الأنبار. ثم دخل دقوقاً. ثم ارتفع

١٤٧

الى أداني آذربيجان. وخرج الحجاج من الكوفة الى البصرة حيث فقد شبيب. واستخلف على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة. فما شعر الناس الا بكتاب ما دارست دهقان بابل مهروذ الى عروة بن المغيرة بن شعبة. ان تاجراً من تجار أهل بلادي أتاني يذكر أن شبيباً يريد أن يدخل الكوفة في أول هذا الشهر المستقبل واحببت اعلامك لترى رأيك واني لم ألبث بعد ذلك اذ جاءني اثنان من جيراني فحدثاني أن شبيباً قد نزل خازبار. فأخذ عروة كتابه وأدرجه وسرح به الى الحجاج الى البصرة فلما قرأه الحجاج أقبل جاداً الى الكوفة واقبل شبيب حتى انتهى الى قرية ـ حربي ـ على شاطىء دجلة فعبرها. وقال لأصحابه يا هؤلاء ان الحجاج ليس بالكوفة وليس دون أخذها شيء ان شاء الله. فسيروا بنا نبادر الحجاج الى الكوفة فالعجل العجل. فطوى الحجاج المنازل مسابقاً لشبيب الى الكوفة فسبقه ونزلها صلاة العصر. ونزل شبيب السبخة صلاة العشاء الآخرة فأصاب هو وأصحابه من الطعام شيئاً يسيراً. ثم ركبوا خيولهم فدخل شبيب الكوفة في أصحابه حتى انتهى الى السوق. وشد حتى ضرب القصر بعموده. فحدث جماعة أنهم رأوا أثر ضربة شبيب بالعمود بباب القصر. ثم اقبل حتى وقف عند باب المصطبة وأنشد.

١٤٨

وكأن حافرها بـكل ثنية

فرق يكيل به شحيح معدم

ثم أقحم هو وأصحابه المسجد الجامع ولا يفارقه قوم يصلون

فيه فقتل منهم جماعة. ثم خرج ومر بطريقه بدار حوشب. وكان على شرطة الحجاج فوقف على بابه ومعه جماعته فصاحوا ان الأمير يدعوك فظن أن الحجاج يدعوه فخرج غلامه وأخرج برذونه ليركبه ونزل حوشب فاذا هو بشبيب واصحابه فعلجوا اليه فغلق الباب في وجوههم وقتلوا غلامه وأخذوا برذونه وانصرفوا. ثم مروا بمسجد بني ذهل فلقوا ذهل ابن الحرث وكان يصلي في مسجد قومه فصادفوه منصرفاً الى منزله فقتلوه. ثم خرجوا متجهين الى الردمة. وأمر الحجاج فنودي يا خيل الله اركبي وابشري وهو فوق القصر ينادي وهناك مصباح مع غلام له قائم. وكان أول من جاء من الناس عثمان بن قطن ومعه مواليه وناس من أهله. وقال اعلموا الأمير مكاني أنا عثمان بن قطن فيأمرني بأمره. وجاء بعض الناس حتى الصباح. وكان عبد الملك بن مروان بعث محمد بن موسى بن طلحة على سجستان وكتب له عهده اليها. وكان قد أمر والحجاج أن يسرح له الفي فارس. فهيأ له العسكر وقال له أن شبيباً في طريقك فناجزه فاستجاب له وبعث الحجاج بشر بن غالب الأسدي في ألفي رجل وزياد بن قدامة في ألفين. وأبا الضرّيس مولى تميم في ألف من الموالي وأعين صاحب حمام أعين ـ مولى لبشر

١٤٩

بن مروان في ألفين رجل. وجماعة غيرهم. فاجتمعت تلك الامراء في أسفل الفرات. وترك شبيب الوجه الذي فيه جماعة هؤلاء القواد وأخذ نحو القادسية فوجه الحجاج زجر بن قيس في جريدة خيل تقاوم عدتها ألف وثمانمائة ، فارس. وقال له اتبع شبيباً حتى تواقعه حيثما أدركته فخرج زجر بن قيس حتى انتهى الى السليحين وبلغ شبيباً مسيره اليه. فاقبل نحوه فالتقيا وقد جعل زجر على ميمنته عبيد الله بن كنار. وكان شجاعاً. وعلى ميسرته عدي بن عدي بن عميرة الكندي. وجمع شبيب خيله كلها كبكبة واحدة. ثم اعترض بها الصف يوجف وجيفاً حتى انتهى الى زجر فنزل زجر فقاتل حتى صرع. وانهزم أصحابه وظن انه قد قتل. فلما كان الليل وأصابه البرد قام يمشي حتى دخل قرية فبات بها وحمل منها الى الكوفة وبوجهه أربع عشرة ضربة فمكث أياماً حتى أتى الحجاج وعلى وجهه القطن فأجلسه معه على السرير. وقال أصحاب شبيب لشبيب وهم يظنون أنهم قد قتلوا زجراً. قد هزمنا جندهم وقتلنا اميرهم. فانصرف بنا الآن موفورين. فقال لهم ان قتلكم هذا الرجل وهزيمتكم هذا الجند قد أرعب هؤلاء الامراء. فاقصدوا بنا قصدهم فوالله لئن نحن قتلناهم ما دون قتل الحجاج وأخذ الكوفة شيء. فقالوا له نحن طوع لأمرك ورأيك. قال الراوي فانقض بهم جاداً نحو عين التمر واستخبر عن القوم فعرف اجتماعهم في رود آباد في أسفل الفرات على أربعاً وعشرين فرسخاً من الكوفة.

١٥٠

[ من وقايع شبيب ]

قصد شبيب بأصحابه روذ آباد حيث اجتمع هناك قواد الحجاج ولما بلغ الحجاج مسير شبيب اليهم بعث اليهم ان جمعكم قتال فأمير الناس زائدة بن قدامة. فانتهى اليهم شبيب. وفيهم سبعة امراء ، على جماعتهم زائدة بن قدامه. وقد عبىء كل أمير أصحابه على حدة وهو واقف في أصحابه فاشرف شبيب على الناس وهو على فرس له أغر كميت فنظر الى تعبيتهم. ثم رجع إلى أصحابه وأقبل في ثلاث كتائب يزحف بها. حتى اذا دنا من الناس مضت كتيبة فيها سويد بن سليم فوقفت بازاء ميمنة زائدة بن قدامة وفيهما زياد بن عمرو العتكي. ومضت كتيبة فيها مضاد أخو شبيب فوقفت بازاء الميسرة وفيها بشر بن غالب الأسدي. وجاء شبيب في كتيبة حتى وقف مقابل القوم في القلب فخرج زائدة بن قدامة يسير في الناس بين الميمنة والميسرة. يحرض الناس ويقول عباد الله انكم الطيبون الكثيرون. وقد

١٥١

نزل بكم الخبيثون القليلون فاصبروا جعلت لكم الفداء انما حملتان أو ثلاث ثم هو النصر ليس دونه شيء الا ترونهم والله لا يكونون مائتي رجل انما هم أكلة رأس وهم السراق المراق انما جاؤكم ليهريقوا دماءكم. وياخذوا فيئكم. فلا يكونوا على أخذه أقوى منكم على معه وهم قليل. وانتم كثير وهم أهل فرقة وانتم اهل جماعة. فضوا الأبصار واستقبلوهم بالأسنة ، ولا تحملوا عليهم حتى آمركم ثم انصرف الى موقفه. فحمل سويد بن سليم على زياد بن عمرو العتكي فكشف صفة وثبت زياد قليلاً ثم ارتفع سويد عنهم يسيراً ثم كر علهم ثانية. فقال فروة بن لقسط الخارجي اطعنا ذلك اليوم ساعة فصبروا لنا حتى ظننت انهم لن يزولوا. وقاتل زياد بن عمرو قالاً شديداً. ولقد رأيت سويد بن سليم يومئذ وانه لأشد العرب قتالاً وأشجعهم. وهو واقف لا يعرض لهم. ثم ارتفعنا عنهم فاذا هم يتقوضون احملوا عليهم. فارسل الينا شبيب خلوهم لا تحلموا عليهم حتى يخفوا فتركناهم قليلاً. ثم حملنا عليهم الثلاثة فانهزموا فنظرت الى زياد بن عمرو وانه ليضرب بالسيوف وما من سيق يضرب به الا نبا عنه ولقد اعتروه اكثر من عشرين سيفاً وهو محفف فما ضره شيء منها. ثم انهزم وانتهينا الى محمد بن موسى بن طلحة أمير سجستان عند المغرب وهو

١٥٢

قائم في أصحابه فقابلناه قتالاً شديداً وصبر لنا. ثم أن مضاداً. حمل على بشر بن غالب في اليسرة فصبر وكرم وابلى ونزل معه رجال من اهل البصرة نحو خمسين فضاربوا بأسيافهم. ثم انهزم أصحابه فشددنا على أبي الضريس فهزمناه. ثم انتهينا الى موقف أعين ثم شددنا على اعين فهزمناهم حتى انتهينا الى زائدة بن قدامة. فلما انتهوا اليه نزل ونادى يا اهل الاسلام الأرض الأرض. الا لا يكونوا على كفرهم اصبر منكم على ايمانكم. فقاتلوا عامة الليل الى السحر. ثم أن شبيباً شد على زائدة بن قدامة في جماعة من أصحابه فقتله. وقتل ربضة حوله من أهل الحفاظ. ونادى شبيب في أصحابه ارفعوا السيف وادعوهم الى البيعة فدعوهم عند الفجر الى البيعة. قال عبد الرحمن بن جندب فكنت فيمن تقدم فبايعه بالخلافة وهو واقف على فرس اغر كميت وخيله واقفة دونه. وكل من جاء ليبايعه ينزع سيفه عن عاتقه ويؤخذ سلاحه ثم يدنو من شبيب فيسلم عليه بأمرة المؤمنين. ثم يبايع فانا كذلك حتى اذا ضاء الفجر ومحمد بن موسى بن طلحة في أقصى العسكر مع أصحابه. وكان الحجاج قد جعل موقفه آخر الناس. وزائدة بن قدامة بين يديه. ومقام محمد بن موسى مقام الأمير على الجماعة كلها. فأمر محمد مؤذنه فاذن. فلما سمع شبيب الاذان. قال ما هذا؟ قيل هذا ابن طلحة لم يبرح قال : ظننت أن

١٥٣

حمقه وخيلاءه سيحملانه على هذا ؛ نحوا هؤلاء عنا وانزلوا بنا. فلنصل فنزل وأذن هو ثم استقدم فصلى بأصحابه وقرأ ( ويل لكل همزة لمزة ) و ( أرأيت الذي يكذب بالدين ). ثم سلم وركب وأرسل الى محمد بن موسى بن طلحة انك امرؤ مخدوع قد اتقى بك الحجاج المنية وانت لي جار بالكوفة ولك حق فانطلق لما أمرت به ولك الله أن لا اسوءك فأبى الا محاربته فأعاد عليه الرسول فأبى الا قتاله : فقال شبيب كأني بأصحابك لو التقت حلقتا البطان لأسلموك وصرعت مصرع أمثالك فاطعني وانصرف لشأنك فاني انفس بك عن القتل. فأبى وخرج بنفسه ودعا الى البراز فبرز له البطين ثم قعنب بن سويد وهو يأبى الا شبيباً. فقالوا لشبيب انه قد رغب عنا اليك. قال فما ظنكم بمن يرغب عن الاشراف. ثم برز له وقال له انشدك الله يا محمد في دمك فان لك جواراً فأبى الا قتاله فحمل عليه بعموده الحديدي وكان في اثنا عشر رطلاً فهشم رأسه وبيضة كانت عليه فقتله ونزل اليه فكفنه ودفنه وتتبع ما غنم الخوارج من عسكره فبعث به الى أهله. واعتذر الى أصحابه. وقال هو جاري بالكوفة ولي ان أهب ما غنمت فقال له أصحابه ما دون الكوفة الآن احد يمنعك فنظر فاذا أصحابه قد فشا فيهم الجراح فقال ليس عليكم اكثر مما قد فعلتم. وخرج على نفر ثم خرج بهم نحو بغداد يطلب جانباً.

١٥٤

( من وقائع شبيب )

قال ابن ابي الحديد وسار شبيب الى نفر فظن الحجاج انه قصد المدائن وهي باب الكوفة. ومن أخذ المدائن كان ما في يديه من أرض الكوفة اكثر. وقد هاله ذلك فبعث الى عثمان بن قطن فسرحه الى المدائن وولاه منبرها والصلاة ومعونة خوخى كلها وخراج الاستان فجاء مسرعاً حتى نزل المدائن وعزل الحجاج ابن عصيقر عن المدائن وكان الجزل مقيماً بها يداوي جراحاته. ودعى الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث. فقال له انتخب الناس فأخرج ستمائة من قومه من كندة. واخرج من سائر الناس ستة آلاف. واستحثه الحجاج على الشخوص فخرج بعسكره يدبر بدير عبد الرحمن. فلما استتموا هناك كتب اليهم الحجاج كتاباً قرىء عليهم. والكتاب فيه تهديد ووعيد وحث على القتال. قال وارتحل عبد الرحمن بالناس حتى مر بالمدائن فنزل بها يوماً ليشتري اصحابه منها

١٥٥

حوائجهم. ثم خرج بالناس نحو شبيب. فلما دنا منه ارتفع شبيب عنه الى دقوقاء وشهر زور فخرج عبد الرحمن في طلبه. حتى اذا كان على تخوم تلك الأرض أقام. وقال انما هو في أرض الموصل فليقاتل امير الموصل وأهلها عن بلادهم او فليدعوا. وبلغ ذلك الحجاج فكتب اليه أما بعد فاطلب شبيباً واسلك في اثره اين سلك حتى تدركه فتقتله. أو تنفيه عن الأرض. فانما السلطان سلطان امير المؤمنين والجند جنده والسلام. فلما قرأ عبد الرحمن الكتاب خرج في طلب شبيب فكان شبيب يدعه حتى اذا دنا منه ليبيته تركه فيتبعه عبد الرحمن. فاذا بلغ شبيباً انه قد تحمل وسار يطلبه. كر في الخيل نحوه فاذا انتهى اليه وجده قد صف خيله ورجاله المرامية فلا يصيب له غرة ولا غفلة. فيمضي ويدعه وكان شبيب يسير في الأرض الغليظة الوعرة وعبد الرحمن يتبعه فاذا دنا منه سار شبيب حتى صار الى خانقين وجلولاء. ثم اقبل على تامراً فصار الى التبت ونزل على تخوم الموصل. ثم اقبل على تامراً فصار الى التبت ونزل على تخوم الموصل. ليس بينه وبين الكوفة الا نهر حولايا وجاء عبد الرحمن حتى نزل بشرقي حولايا. وهم في ذادان الاعلى من ارض خوخى. ونزل في غوامير من النهر ونزلها عبد الرحمن حيث نزلها وهي تعجبه. يرى انها مثل الخندق الحصين. فأرسل شبيب الى عبد الرحمن ان هذه الايام أيام عيد لنا ولكم : فان رأيتم ان توادعونا حتى تمضي هذه الأيام

١٥٦

فعلتم. فأجابه عبد الرحمن الى ذلك. ولم يكن شيء احب الى عبد الرحمن من المطاولة والموادعة. فكتب عثمان بن قطن الى الحجاج يخبره. فأجابه الحجاج انك أنت الأمير. فسر الى الناس فانت اميرهم وعاجل المارقة حتى تلقاهم والسلام. فخرج عثمان حتى قدم على عبد الرحمن ومن معه وهم معسكرون علىنهر حولايا قريباً من التبت. وذلك يوم التروية فباتوا ليلتهم حتى اذا أصبحوا صار عثمان يعبىء الناس. ثم أقام حتى صلى بالناس الغداء. ثم خرج بالخيل فنلز يمشي بالرجال. وخرج شبيب ومعه يومئذ مائة واحد وثمانون رجلاً. فقطع اليهم النهر. وكان في ميمنة أصحابه. وجعل على الميسرة سويد بن سليم وجعل في القلب مضاداً أخاه وزحفوا. وكان عثمان بن قطن يقول لأصحابه فيكثر. قل لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت أو القتل واذاً لا تمتعون الا قليلاً. ثم قال شبيب لاصحابه اني حامل على ميسرتهم مما يلي النهر فاذا هزمتها. فتحمل صاحب ميسرتي على ميمنتهم ولا يبرح صاحب القلب حتى يأتيه امري. ثم حمل في ميمنة أصحابه مما يلي النهر على ميسرة عثمانبن قطن. انهزموا. ونزل عقيل بن شداد مع طائفة من أهل الحفاظ فقاتل حتى قتل وقتلوا معه. ودخل شبيب عسكرهم وحمل سويد بن سليم في ميسرة شبيب على عثمان بن قطن فهزمها. وعليها خالد بن نهيك

١٥٧

الكندي. فنزل خالد وقاتل قتالاً شديداً فحمل عليه شبيب من ورائه فلم يثن حتى علاه بالسيف فقتله ومشى عثمان بن قطن وقد نزلت معه العرفاء والفرسان واشراف الناس نحو القلب وفيه اخو شبيب في نحو من ستين رجلاً فلما دنا منهم وأصحابه حتى فرقوا بينهم. وحمل شبيب ورائهم بالخيل فما شعروا الا والرماح في أكتافهم تكبهم لوجوههم وعطف عليهم سويد بن سليم ايضاً في خيله وقاتل عثمان فأحسن القتال. ثم ان الخوارج شدوا عليهم فأحاطوا بعثمان وحمل عليه مضاد اخو شبيب فضربه ضربة بالسيف فاستدار لها وسقط وهو يقول : وكان أمر الله قدراً مقدوراً فقتل وقتل معه العرفاء ووجوه الناس وقتل من كنده يومئذ مائة وعشرون رجلاً. وقتل ما سائر الناس نحو الف. ووقع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الى الأرض فعرفه ابن ابي سبرة. فنزل واركبه وصار رديفاً له ودخل بعدها الكوفة مستتراً من الحجاج الى أن أخذ له الأمان؟

١٥٨

[ وقعة الأنبار ]

قال : وقصد شبيب بعد ان اشتد عليه الحر. ماء النهروان. فصيف بها ثلاثة اشهر. وبعدها قصد المدائن في نحو من ثلثمائة رجل وعلى المدائن يومئذ المطرف بن المغيرة بن شعبة فجاء حتى نزل قناطر حذيفة بن اليمان. فبلغ الحجاج ذلك فكتب الى عبد الملك. اما بعد فان شبيباً قد شارف المدائن وإنما يريد الكوفة. وقد عجز أهل العراق عن قتاله في مواطن كثيرة في كلها تقتل امراءهم. وتفل خيولهم. وأجنادهم. فان رأى أمير المؤمنين أن يبعث الي حنداً من جند الشام ليقاتلوا عدوهم ويأكلوا بلادهم فعل ان شاء الله. فلما اتى عبد الملك كتابه بعث الى سفيان بن الأبرد في اربعة آلاف وبعث اليه حبيب بن عبد الرحمن بن مذحج في الفين وسرحهم نحوه حين أتاه الكتاب. وقد كان الحجاج بعث الى عتاب بن ورقاء الرياحي ليأتيه. وكان على خيل الكوفة مع المهلب ـ ودعا الحجاج أشراف أهل

١٥٩

الكوفة منهم زهرة بن جوية وقبيصة بن والق. فقال متى ترون ان ابعث على هذا الجيش؟ قالوا رأيك ايها الأمير افضل. قال : اني قد بعثت الى عتاب بن ورقاء وهو قادم عليكم الليلة فيكون هو الذي يسير بالناس. فقال زهرة بن جوية اصلح الله الامير رميتهم بحجرهم لا والله لا يرجع اليك حتى يظفرا ويقتل. فقال قبيصة بن والق واني مشير عليك أيها الأمير بأي اجتهدته نصيحة لك ولأمير المؤمنين ولعامة المسلمين. ان الناس قد تحدثوا ان جيشاً قد وصل اليك من الشام لأن أهل الكوفة قد هزموا. وهان عليهم الفرار والعار من الهزيمة فكأنما قلوبهم في صدور قوم آخرين فان رأيت أن تبعث الى الجيش الذي قد أمددت به من أهل الشام فليأخذوا حذرهم ولا يثبتوا بمنزل الا وهم يرون أنهم يبيتون فان فعلت فانك انما تحارب حولاً قلباً محلالاً مظعاناً. ان شبيباً بينا هو في أرض اذا هو في اخرى ولا آمن ان يأتيهم وهم غارون فان يهلكوا يهلك العراق كله. فقال الحجاج الله أبوك ما احسن ما رأيت : وما أصح ما أشرت به فبعث الى الجيش الورد عليه من الشام كتاباً قرؤه. وقد نزلوا هيت. وهو أما بعد. فاذا حاذيتم هيت فدعوا طريق الفرات والأنبار وخذوا على عين التمر حتى تقدموا الكوفة إن شاء الله. فاقبل القوم سراعاً. وقدم عتاب بن ورقاء في الليلة التي قال الحجاج انه فيها قادم. فأمره الحجاج

١٦٠