وقعة النهروان أو الخوارج

علي بن الحسين الهاشمي

وقعة النهروان أو الخوارج

المؤلف:

علي بن الحسين الهاشمي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة المفيد للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: مؤسسة المفيد للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٤

( وقائع أرجان )

قال المبرد. واجتمع الخوارج بأرجان. فبايعوا الزبير بن علي وهو من بني سليط بن يربوع من رهط ابن الماحوز. فرأى فيهم انكساراً شديداً وضعفاً بيناً فخطبهم وحرضهم على القتال : قال : ثم تحمل لمحاربة المهلب فنفحهم المهلب نفحة فرجعوا فأكمن للمهلب في غمض من غموض الأرض يقرب من عسكره مائة فارس ليغتالوه. فسار المهلب يوماً يطوف بعسكره ويتفقد سواده فوقف على جبل. فقال ان من التدبير لهذه المارقة أن تكون قد أكمنت في سفح هذا الجبل كمناً. فبعث عشرة فوارس فاطلعوا على المائة فلما علموا أنهم قد علموا بهم قطعوا القنطرة ونجوا وكسفت الشمس فصاحوا بهم يا أعداء الله لو قامت القيامة لجددنا في جهادكم. ثم يئس الزبير من ناحية المهلب فضرب إلى ناحية اصفهان. ثم كر راجعاً الى أرجان. وقد جمع جموعاً ، فكانت الوقعة. وقتل ابن

١٠١

الماحوز. قال : ووجه المهلب بعقب هذه الوقعة رجلاً من الازد برأس عبيد الله بن بشير بن الماحوز الى الحرث بن عبدالله بن أبي ربيعة القباع ، فلما صار بكربج دينار لقيه حبيب وعبد الملك وعلي بنو بشير (١) بن الماحوز. فقالوا له ما الخبر ولا يعرفهم. فقال قتل الله المارق ابن الماحوز وهذا رأسه معي فوثبوا عليه فقتلوه وصلبوه. ودفنوا الرأس.

__________________

(١) كان علي بن بشير وسيماً جسيماً. دخل على الحجاج فعرفه فأمر بقتله ووهب ابنه الأزهر وابنته لأهل الأزدي المقتول. ثم وهبوهما لزينب بنت أمير.

١٠٢

[ وقائع الخوارج في فارس ]

قال الراوي : ما زال المهلب دائباً في قتال الخوارج في ولاية الحرث بن القباع حتى عزل الحرث وولى مصعب بن الزبير. فكتب اليه ان أقدم علي واستخلف ابنك المغيرة ففعل ثم مضى الى مصعب وكتب مصعب إلى المغيرة بولايته. وكتب إليه انك لم تكن كأبيك فانك كاف لما وليتك فشمر واتزر وجد واجتهد ، ثم اشخص المهلب الى الموصل. هذا والخوارج يغيرون ويعيثون وكثر فسادهم ، فسال مصعب أصحابه وشاورهم. قال من يستكفي امر الخوارج. فقال : قوم ول عبيد الله بن ابي بكرة. وقال : قوم ول عمر بن عبيد بن معمر ، وقال : قوم ليس لهم الا المهلب فأردده اليهم.

قال وولي عليهم عمر بن عبيد الله وولاه فارساً. والخراج بارجان وعليهم الزبير بن علي السليطي فشخص

١٠٣

اليهم فقاتلهم. وألح عليهم حتى أخرجهم عنها فألحقهم بأصبهان ، ثم اتوا سابور فقصدهم فأقام هناك. فلما كان ذات ليلة بيته الخوارج. فخرج اليهم فحاربهم حتى أصبح فلم يظفروا منه بشيء فأقبل على ملك بن حسان. فقال كيف رأيت؟. قال قد سلم الله عز وجل. ولم يكونوا يطمعون من المهلب بمثلها. فقال أما انكم لو ناصحتموني مناصحتكم المهلب لرجوت أن أنفي هذا العدو ولكنكم تقولون قرشي حجازي بعيد الدار خيره لغيرنا فتقاتلون معي تعذيراً.

قال الراوي : ثم زحف الى الخوارج من غد ذلك اليوم فقاتلهم قتالاً شديداً حتى ألجأهم الى قنطرة فتكاثف الناس عليها حتى سقطت فأقام حتى أصلحها. ثم عبروا. وتقدم ابنه عبيد الله بن عمر وأمه من بني سهم بن عمرو ابن هصيص بن كعب فقاتلهم حتى قتل. فقال قطري لا تقاتلوا عمر اليوم فانه موتور. ولم يعلم عمر بقتل ابنه حتى أفضى الى القوم ، وكان مع ابنه النعمان بن عباد. فصاح به يا نعمان أين ابني. فقال احتسبه فقد استشهد رحمه الله صابراً مقبلاً غير مدبر. فقال انا الله وإنا اليه راجعون. ثم حمل على الخوارج حملة لم ير مثلها وحمل أصحابه بحملته فقتلوا في وجههم ذلك تسعين رجلاً من

١٠٤

الخوارج ، وحمل على قطري فضربه على جبينه ففلقه. وانهزمت الخوارج وانتهبها. فلما استقروا. قال لهم قطري أما أشرت عليكم بالإنصراف. فجعلوه وجوههم حتى خرجوا من فارس فتلقاهم في ذلك الوقت. الفزر بن مهزم العبدي فسألوه عن خبره وأرادوا قتله. فأقبل على قطري. فقال اني مؤمن مهاجر. فسأله عن أقاويلهم فأجاب اليها عنه ففي ذلك يقول في كلمة له :

وشدوا وثاقي ثم ألجوا خصومتي

الـى قطري ذي الـجبين المفلق

وحاججتهم فـي دينهم وحججتهم

ومـا دينهم غيـر الهوى والتخلق

ثم أن الخوارج تراجعوا وتكاتفوا وعادوا الى ناحية أرجان. فسار اليهم عمر وكتب الى مصعب. أما بعد فاني قد لقيت الأزارقة. رزق الله عبيد الله بن عمر الشهادة ووهب له السعادة ورزقنا عليهم الظفر فتفرقوا شذر مذر. وبلغتني عنهم عودة. فيممتهم وبالله أستعين وعليه أتوكل. قال : ثم سار اليهم ومعه عطية بن عمر ومجاعة بن سعيد. فالتقوا فألح عليهم حتى أخرجهم وانفرد من أصحابه فعمد له أربعة عشر رجلاً منهم. من شجعانهم وفي يده عمود فجعل لا يضرب رجلاً منهم ضربة إلا صرعه فركض اليه ـ قطري ـ على فرس طمر. وعمر على مهر فاستعلاه قطري

١٠٥

بقوة فرسه حتى كاد يصرعه فبصر به مجاعة. فاسرع اليه فصاحت الخوارج بقطري يا أبا نعامة ان عدو الله قد رهقك فانحط قطري عن قربوسه فطعنه مجاعة وعلى قطري درعان فهتكهما وأسرع السنان في رأس قطري فكشط عنه جلده ونجا. وارتحل القوم الى أصفهان فأقاموا برهة ثم رجعوا الى الأهواز ، وقد ارتحل عمر بن عبيد الله الى اصطخر.

١٠٦

[ غارات الخوارج ]

قال الراوي : وعاد المهلب الى الأهواز وحارب ـ الخوارج ـ حتى أخرجهم منها وفروا الى أصبهان. والوالي عليها عتاب بن ورقاء الرياحي. فأقام الخوارج هناك يجبون القرى ، قال وخرج مصعب من البصرة يريدهم. وأقبل عمر بن عبيد الله يريدهم. فتنحى الخوارج الى السوس. ثم أتوا المدائن. فقتلوا أحمر طي. وكان شجاعاً. وكان من فرسان عبيد الله بن الحر ففي ذلك يقول الشاعر :

تركتم فتى الفتيان أحمر طيء

بساباط لـم يعطف عليه خليل

ثم ان الخوارج رجعوا عامدين الى الكوفة فلما خالطوا سوادها وواليها الحرث بن عبدالله القباع فتثاقل عن الخوارج. وكان جباناً فذمره ابراهيم بن الأشتر ولامه الناس فخرج متحاملا حتى أتي النخيلة ففي ذلك يقول الشاعر :

١٠٧

ان القباع سار سيراً نكراً

يسير يـوماً ويقيم شهراً

وجعل يعد الناس بالخروج ولا يخرج. والخوارج يعيثون. حتى أنهم أخذوا امرأة فقتلوا أباها بين يديها. وكانت جميلة. ثم أرادوا قتلها فقالت أتقتلون من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين. فقال قائل منهم دعوها. فقالوا قد قتنتك؟ ثم قدموها فقتلوها. ثم قربوا اخرى وهم بحذاء القباع والجسر معقود بينهما فقطعه القباع وهو في ستة آلاف والمرأة تستغيث به وتقول : علام تقتلونني؟ فوالله ما فسقت ولا كفرت ولا ارتددت. والناس يتفلتون الى الخوارج والقباع يمنعهم فلما خاف أن يعصوه. أمر عند ذلك بقطع الجسر. فأقام بين دهاباً ودبيري خمسة أيام والخوارج بقربه. وهو يقول للناس في كل يوم. اذا لقيتم العدو غداً فأثبتوا أقدامكم واصبروا. فان اول الحرب الترامي. ثم اشراع الرماح ثم السلة فثكلت رجلاً امه فر من الزحف. فقال بعضهم لما أكثر عليهم أما الصفة فقد سمعناها فمتى يقع الفعل. وقال الراجز :

ان القباع سار سيراً ملسا

بين دبـاها ودبيري خمساً

قال : واخذ الخوارج حاجتهم. وكان شأن القباع التحصن منهم. ثم انصرفوا. وساروا من فورهم الى

١٠٨

اصفهان. ورجع القباع الى الكوفة. وكان على اصبهان عتاب بن ورقاء. قال وأقام الخوارج يغادون عتاب بن ورقاء الحرب ويراوحونه حتى اطال عليهم المقام. ولم يظفروا منه بكبير. فلما كثر ذلك عليهم انصرفوا. وصاروا لا يمرون بقرية بين اصفهان والأهواز. الا استباحوها وقتلوا من فيها. وعزم مصعب ابن يرسل اليهم المهلب. فلما أحس به الزبير بن علي. خرج الى الري. وبها يزيد بن الحرث بن رؤيم فحاربه ثم حصره. فلما طال عليه الحصار خرج اليه فكان الظفر للخوارج. وقتل يزيد بن الحرث بن رؤيم. ونادى يؤمئذ ابنه حوشباً ففر عنه وعن امه لطيفة.

قال ثم انحط الزبير بن علي على اصفهان فحصر بها عتاب بن ورقاء الرياحي سبعة أشهر ، وعتاب يحاربه في بعضهن. فلما طال به الحصار قال لأصحابه ما تنظرون؟ والله ما تؤتون من قلة. وانكم لفرسان عشائركم. ولقد حاربتموهم مراراً فنتصفتم منهم وما بقي مع هذا الحصار الا أن تفنى ذخائركم فيموت احدكم فيدفنه أخوه. ثم يموت أخوه فلا يجد من يدفنه فقاتلوا القوم. وبكم قوة من قبل أن يضعف أحدكم عن أن يمشي الى قرنه. فلما أصبح الغد. صلى بهم الصبح. ثم خرج الخوارج. وهم غارون. وقد نصب لواء لجاربة يقال لها ياسمين. فقال من أراد البقاء فليلحق بلواء ياسمين. ومن أراد الجهاد فيخرج معي.

١٠٩

فخرج في الفين وسبعمائة فارس. فلم يشعر بهم الخوارج حتى غشوهم فقاتلوهم بجد لم ير الخوارج منهم مثله فعقروا خلقاً. وقتلوا الزبير بن علي رئيسهم. وانهزمت الخوارج فلم يتبعهم عتاب.

ثم ان الخوارج أداروا أمرهم بينهم. فارادوا تولية عبيدة بن هلال فقال أدلكم على من هو خير لكم مني من يطاعن في قبل ويحمي في دبر. عليكم بقطري بن الفجـأة المازني. فبايعوه. فوقف بهم وقالوا له يا أمير المؤمنين امض بنا الى فارس. فقال : ان بفارس عمر بن عبيد الله بن معمر ولكن نصير الى الأهواز. فان خرج مصعب بن الزبير دخلناها. فأتوا الأهواز. ثم ترفعوا عنها الى ايذج. وكان مصعب قد عزم على الخروج الى باجمير. فقال : لأصحابه. ان قطرياً قد أطل علينا وان خرجنا عن البصرة دخها. فبعث الى المهلب فقال. اكفنا هذا العدو. فخرج اليهم المهلب فلما أحس به قطري تيمم نحو كرمان. فأقام المهلب بالأهواز ثم كر قطري عليه وقد استعد. فكان الخوارج في جميع حالاتهم أحسن عدة ممن يقاتلهم بكثرة السلاح وكثرة الدواب وحصانة الجنن. فحاربهم المهلب فنفاهم الى رام هرمز ، وكان مصعب قد خرج الى باجمير او قتل فأتى خبر مقتله الخوارج بمسكن. ولم يأت المهلب

١١٠

وأصحابه فتواقفوا يوماً على الخندق. فناداهم الخوارج ما تقولون في مصعب؟ قالوا : امام هدى. قالوا فما تقولون في عبد الملك؟ قالوا ضال مضل. فلما كان بعد يومين أتى المهلب قتل مصعب. وان أهل الشام اجتمعوا على عبد الملك وورد عليه كتاب عبد الملك بولايته. فلما تواقفوا ناداهم الخوارج ما تقولون في مصعب؟ قالوا : لا نخبركم. قالوا فما تقولون في عبد الملك؟ قالوا إمام هدى. قالوا : يا اعداء الله. بالأمس ضال مضل. واليوم امام هدى. يا عبيد الدنيا عليكم لعنة الله.

١١١

( واقعة الأهواز )

قال الراوي : ولما ولي خالد بن عبدالله بن أسيد وقدم البصرة فأراد عزل المهلب ، فأشير عليه بأن لا يفعل. وقيل له انما أمن أهل هذا المصر بأن المهلب بالأهواز. وعمر بن عبيد الله بفارس. فقد المهلب تنحى عمر. وان نحيت المهلب لم تأمن على الصرة فابي الا عزله. فقدم المهلب البصرة. وخرج خالد إلى الأهواز. فأشخصه. فلما صار بكربج دينار لقيه قطري فمنعه حط أثقاله وحاربه ثلاثين يوماً. أقام قطري بازائه وخندق على نفسه. فقال المهلب ان قطرياً ليس بأحق بالخندق منك فعبر دجيلاً الى شق نهر تيري. واتبعه قطري فصار إلى مدينة نهر تيري فبنى سورها وخندق عليها. فقال المهلب لخالد خندق على نفسك. فاني لا آمن عليك البيات. فقال : يا أبا سعيد الأمر أعجل من ذلك. فقال المهلب لبعض ولده اني أرى أمراً ضايعاً. ثم قال لزياد بن عمرو خندق علينا. فخندق المهلب وأمر

١١٢

بسفنه ففرغت وأبى خالد أن يفرغ سفنه. فقال المهلب لفيروز حصين سر معنا فقال : يا أبا سعيد الحزم ما تقول غير أني أكره أن افارق اصحابي. قال فكن بقربنا. قال : أما هذه فنعم وقد كان عبد الملك كتب الى بشر بن مروان يأمره أن يمد خالداً بجيش كثيف. أميره عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث لعنه الله. ففعل فقدم عليه عبد الرحمن. فأقام قطري يغاديهم القتال ويراوحهم أربعين يوماً فقال المهلب لمولى لأبي عيينة انتبذ لي ذلك النأوس فبت عليه في كل ليلة فمتى أحسست خبراً من الخوارج أو حركة أو صهيل خيل فاعجل الينا فجاءه ذات ليلة. فقال قد تحرك القوم. فجلس المهلب بباب الخندق وأعد قطري سفناً فيها حطب فاشعلها ناراً وأرسلها على سفن خالد ، وخرج في أدبارها. حتى خالطهم. فجعل لا يمر برجل الا قتله. ولا بدابة إلا عقرها. ولا بقسطاط الا هتكه. فأمر المهلب يزيد فخرج في مائة فارس. يقاتل وأبلى يومئذ وخرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأبلى بلاء حسناً ، وخرج فيروز حصين في مواليه فلم يزل يرميهم بالنشاب هو ومن معه فأثر أثراً جميلاً. فصرع يزيد بن المهلب يؤمئذ وصرع عبد الرحمن فحامى عنهما اصحابهما حتى ركبا. وسقط فيروز حصين في الخندق فأخذ بيد رجل من الأزد فاستنقذه. فوهب له فيروز حصين عشرة آلاف

١١٣

درهم. وأصبح عسكر خالد كأنه حرة سوداء فجعل لا يرى الا قتيلاً أو صريعاً. فقال للمهلب يا أبا سعيد كدنا تفتضح. فقال خندق على نفسك فان لا تفعل عادوا اليك ، فقال اكفني أمر الخندق. فجمع له الأخماس فلم يبق شريف الا عمل فيه. فصاح بهم الخوارج والله لولا هذا الساحر المزوني. لكان الله قد دمر عليكم. وكانت الخوارج تسمى المهلب الساحر لأنهم كانوا يدبرون الأمر فيجونه قد سبق الى نقض تدبيرهم فقال فيه أعشى همدان.

ويوم أهوازك لا تنسه

ليس الثنا والذكر بالدائر

قال : ومضى قطري الى كرمان وانصرف خالد الى البصرة. وأقام قطري بكرمان أشهراً ثم عمد لفارس. وخرج خالد الى الأهواز. وندب للناس رجلاً فجعلوا يطلبون المهلب. فقال خالد ذهب المهلب بحظ هذا المصر ، اني قد وليت أخي قتال الأزارقة. فولى أخاه عبد العزيز ، واستخلف المهلب على الأهواز في ثلثمائة ومضى عبد العزيز في ثلاثين الفاً ، والخوارج بدر ابجرد. فجعل عبد العزيز ، يقول في طريقه يزعم أهل البصرة أن هذا الأمر لا يتم إلا بالمهلب فسيعلمون ، قال ـ صعب بن زيد. فلما خرج عبد العزيز عن الأهواز جاءني كردوس حاجب المهلب. فقال أجب الأمير. فجئت الى المهلب

١١٤

وهو في سطح وعليه ثياب هروية فقال : يا صعب أنا ضائع كأني انظر الى هزيمة عبد العزيز واخشى أن توافيني الأزارقة ولا جند معي. فابعث رجلاً من قبلك يأتيني بخبرهم سابقاً به الي. فوجهت رجلاً يقال له عمران بن فلان. فقلت أصحب عسكر عبد العزيز. واكتب الي بخبر يوم يوم. فجعلت أورده على المهلب. فلما قاربهم عبد العزيز وقف وقفة. فقال له الناس. هذا يوم صالح فينبغي أن تترك أيها الأمير حتى نطمئن ثم نأخذ اهبتنا فقال كلا. الأمر قريب. فنزل الناس على غير امره. فلم يستتم النزول حتى ورد عليهم سعد الطلايع في خمسمائة فارس. كأنهم خيط ممدود فناهظهم عبد العزيز فواقفوه ساعة ثم انهزموا عنه مكيدة فأتبعهم فقال له الناس لا تتبعهم فانا على غير تعبية فأبى لفم يزل في آثارهم حتى اقتحموا عقبة فاقتحمها وراءهم والناس ينهونه ويأبى ، وكان لهم كمين فخرج الكمين واقتتلوا فقتل عبس بن طلق وقتل مقاتل وقتل الضبيعي صاحب الشرطة.

فانحاز عبد العزيز واتبعهم الخوارج على فرسخين يقتلونهم كيف شاؤا. وكان عبد العزيز قد خرج معه بأم حفص ابنة المنذر بن الجارود امرأته فسبوا النساء يومئذ واخذوا أسرى لا تحصى فقذفوهم في غار بعد أن شدوهم وثاقاً ثم سدوا عليهم بابه حتى ما توافيه.

قال : ونودي على السبي يومئذ فغولي بأم حفص فبلغ بها رجل سبعين الفاً. وذلك الرجل من مجوس كانوا أسلموا

١١٥

ولحقوا بالخوارج ففرض لكل واحد منهم خمسمائة فكاد يأخذها. فشق ذلك على قطري. وقال ما ينبغي لرجل مسلم أن يكون عنده سبعون الفاً. ان هذه فتنة فوثب اليها أبو الحديد العبدي فقتلها ، فأتى به قطري فقال يا أبا الحديد مهيم (١) فقال يا أمير المؤمنين رأيت المؤمنين قد تزايدوا في هذه المشركة فخشيت عليهم الفتنة. فقال قطري أصبت وأحسنت فقال رجل من الخوارج :

كفانا فتنـة عظمت وجـلت

بـحمد الله سيف ابـي الحديد

اهـاب المسلمون بها وقالوا

على فرط الهوى هل من مزيد

فزاد ابو الحديد بنصل سيف

رقيـق الحـد فعل فتى رشيد

قال : صعب بن يزيد بعثني المهلب لآتيه بالخبر فصرت الى قنطرة أربك. فلم احس خبراً فسرت مهجراً إلى أن أمسيت فلما أظلمنا سمعت كلام رجل عرفته من الجهاضم فقلت ما وراءك؟. فقال الشر. قلت فأين عبد العزيز؟ قال امامك. فلما كان آخر الليل اذا أنا بزهاء خمسين فارساً معهم لواء. فقلت من هذا فقالوا هذا لواء عبد العزيز. فتقدمت اليه وسلمت عليه وقلت أصلح الله

__________________

(١) قوله مهيم حرّف استفهام معناه ما الخبر وما الأمر؟

١١٦

الأمير لا يكبرن عليك ما كان. فانك كنت في شر جند وأخبثه. قال لي أو كنت معنا؟ قلت لا ولكن كأني شاهد امرك. قال كأنك كنت معنا؟ قلت أرسلني المهلب لآتيه بخبرك ، ثم تركته وأقبلت الى المهلب فقال لي ما وراءك؟ قلت ما يسرك. , قد هزم وفل جيشه ، فقال ويحك وما يسرني من هزيمة رجل من قريش وفل جيش من المسلمين. قلت قد كان ذاك ساءك. أو سرك. فوجه رجلاً الى خالد يخبره. قال الرجل فلما أخبرت خالداً. قال كذبت ولؤمت. ودخل رجل من قريش فكذبني وقال لي خالد. والله لهممت ان اضرب عنقك. قلت أصلح الله الأمير ان كنت كاذباً فاقتلني. وان كنت صادقاً فأعطني مطرف هذا المتكلف فقال خالد لبئسما أخطرت به دماك. قال فما برحت حتى دخل بعض الفل ، وقدم عبد العزيز سوق الأهوازا. فأكرمه المهلب وكساه وقدم معه على خالد واستخلف ابنه حبيباً. وقال له تحسس عن الأخبار. فان أحسست بخبر الأزارقة قريباً منك فانصرف الى البصرة فلم يزل حبيب مقيماً والأزارقة تدنوا منه حتى بلغوا قنطرة أربك. فانصرف الى البصرة على نهر تيري فلما دخلها أعلم خالد. فغضب عليه واستتر جيب في بني هلال بن عامر بن صعصعة. وتزوج هناك امرأة هلالية.

وكتب خالد الى عبد الملك يعذر عبد العزيز. وقال للمهلب ما ترى عبد الملك صانعاً بي؟ قال يعز لك. قال أتراه قاطعاً رحمي؟ قال نعم اتته هزيمة أمية اخيك من

١١٧

البحرين وتأتيه هزيمة اخيك عبد العزيز من فارس. وكتب عبد الملك الى خليفته بالكوفة أن يعقد لعبد الرحمن بن مخنف على ثمانية آلاف من كل ربع الفين. ويوجه مدداً الى المهلب. فلحق بالمهلب. فلما أحس الأزارقة بدنوه منهم انكشفوا عن الفرات فأتبعهم المهلب الى سوق الأهواز فنفاهم عنها. ثم تبعهم الى رامهرمز فهزمهم منها. فدخلوا فارس. وأبى يزيد ابنه في وقايعه هذه بلاء حسناً تقدم فيه. وهز ابن احدى وعشرين سنة. فلما صار القوم بفارس. وجه اليهم ابنه المغيرة فقال له عبد الرحمن بن صبح. أيها الأمير ليس برأي قتل هذه الاكلب. ولئن والله قتلتهم لتقعدن في بيتك. ولكن طاولهم وكل بهم. فقال ليس هذا من الوفاء. فلم يلبث برام هرمز الا شهراً حتى أتاه موت بشر. فاضطرب الجند على ابن مخنف. فوجه الى محمد بن اسحق بن الأشعث وابن زحر واستحلفهما أن لا يبرحا فحلفا به ولم يفيا ، فجعل الجند من أهل الكوفة يتسللون. حتى اجتمعوا بسوق الأهواز. وأراد أهل البصرة الإنسلال من المهلب. فخطبهم. فقال : انكم لستم كأهل الكوفة. انما تذبون عن مصركم وأموالكم وحرمكم. فأقام منهم قوم وتسلل منهم ناس كثير. وكان خالد بن عبدالله خليف بشر بن مروان. فوجه مولى به بكتاب منه إلى من بالأهواز يحلف فيه بالله مجتهداً لئن لم يرجعوا الى مراكزهم

١١٨

عصاة لا يظفر بأحد منهم الا قتله. فجاء مولاه فجعل يقرأ الكتاب عليهم ولا يرى في وجوههم قبوله. فقال اني لأرى وجوهاص ما القبول من شأنها. فقال له ابن زحرايها العبد اقرأ ما في الكتاب وانصرف إلى صاحبك فانك لا تدري ما في أنفسنا. وجعلوا يستعجلونه في قراءته. ثم قصد واقصد الكوفة. فنزلوا النخيلة وكتبوا إلى خليفة بشر يسألونه أن يأذن لهم في الدخول فأبى فدخلوها بغير اذن. فلم يزل المهلب ومن معه من قواده وابن مخنف في عدد قليل. فلم ينشبوا الى أن ولى الحجاج العراق. فدخل الكوفة قبل البصرة وذلك في سنة خمس وسبعين.

قال الراوي : ولما رأى المهلب كثرة الناس عليه. قال اليوم قوتل هذا العدو. ولما رأى ذلك قطري. قال : انهضوا بنا نريد السردان فتحصن فيها. فقال عبيدة بن هلال أو نأتي سابور ، وخرج المهلب في آثارهم. فأتى أرجان. وخاف أن يكونوا قد تحصنوا بالسردان. وليست بمدينة. ولكن محدقة منيعة. فلم يصب بها أحداً. فخرج نحوهم فعسكر بكازرون. واستعدوا لقتاله. وخندق على نفسه. ثم وجه إلى عبد الرحمن بن مخنف. خندق على نفسك فوجه إليه خنادقنا سيوفنا. فوجه إليه المهلب أني لا آمن عليك البيات. فقال ابنه جعفر ذاك أهون علينا من ضرطة جمل. فأقبل المهلب على ابنه المغيرة. فقال لم يصيبوا

١١٩

الرأي ولم يأخذوا بالوثيقة ، فلما أصبح القوم غادوه الحرب. فبعث الى ابن مخنف يستمده فأمده بجماعة وجعل عليهم ابنه جعفراً. فجاؤا وعليهم أقبية بيض جدد. فقاتلوا يومئذ حتى عرف مكانهم. وحاربهم المهلب وأبلى بنوه يومئذ كبلاء الكوفيين أو أشد. ثم نظر الى رئيس منهم. يقال له صالح بن مخراق. وهو ينتخب قوماً من جلة العسكر. حتى بلغوا اربعمائة. فقال لابنه المغيرة ما يعد هؤلاء الا للبيات ، وانكشف الخوارج. والأمر للمهلب عليهم. وقد كثر فيهم القتل والجراح ، فقال المهلب لابنه المغيرة اني اخاف البيات على بني تميم. فانهض اليهم وكن فيهم. فأتاهم المغيرة. فقال له الحريش بن هلال يا أبا حاتم. ايخاف الأمير أن يؤتى من ناحيتنا. قل له فليلبث آمناً فانا كافوه ما قبلنا انشاء الله.

قال الراويي : ولما انتصف الليل وقد رجع المغيرة الى ابيه سرى صالح بن مخراق في القوم الذين اعدهم الى ناحية بني تميم ومعه عبيدة بن هلال وهو يقول :

اني لمذك للشراة نارها

ومانع ممن أتاها دارها

فوجد بني تميم ايقاظاً متحارسين. فخرج اليهم الحريش بن هلال وهو يقول :

لقد وجدتم وقـراً انجاداً

١٢٠