مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٥

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي


المحقق: الشيخ محمّد باقر الخالصي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

«المهذّب والجواهر» على ما نقل (١) فقالوا : إنّه يصلّي مستلقياً متوجّهاً إلى البيت المعمور. ويعرف بالضراح بالضاد المعجمة المضمومة. وفي «الخلاف (٢)» الإجماع على ذلك.

وظاهر «الفقيه (٣) والخلاف (٤)» جواز ذلك وإن لم يضطرّ. وصريح «النهاية (٥)» في مكان المصلّي و «الجواهر والمهذّب» على ما نقل في «المهذّب البارع (٦)» تقييد ذلك بحال الضرورة. وعن «الجامع (٧)» لا تجوز الصلاة على سطحها إلّا لضرورة. وفي «كشف اللثام (٨)» في مكان المصلّي قد تظهر الحرمة من «الفقيه والنهاية والخلاف والجواهر والسرائر» لإيجابهم الاستلقاء والايماء ، ولذا فرضت في الثلاثة الأخيرة في المضطرّ ، انتهى. وقد سمعت ما في «الفقيه والخلاف» وأمّا «السرائر (٩)» فإنّما نسب الإيماء فيها إلى الرواية بعد أن اختار الصلاة قائماً ، وقد نصّ على كراهتها عليه في «النهاية (١٠) والشرائع (١١) والدروس (١٢)» وغيرها (١٣)

__________________

(١) الناقل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٣٧ ، وهو موجود في المهذّب ج ١ بحث القبلة ص ٨٥ ، وجواهر الفقه : في مسائل الصلاة ص ٢٠ مسألة ٥٦.

(٢) الخلاف : كتاب الصلاة مسألة ١٨٨ ج ١ ص ٤٤١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : باب القبلة ذيل ح ٨٤٥ ج ١ ص ٢٧٤.

(٤) الخلاف : كتاب الصلاة مسألة ١٨٨ ج ١ ص ٤٤١.

(٥) النهاية : في ما يجوز الصلاة فيه ص ١٠١.

(٦) لم يحك هذا القول في المهذّب البارع عن المهذّب والجواهر وإنما حكاه عنه من غير ذكر مأخذه. نعم هو موجود فيهما ، راجع المهذّب في القبلة ج ١ ص ٨٥ والجواهر : سائل الصلاه ص ٢٠ مسألة ٥٦.

(٧) الجامع للشرائع : في القبلة ص ٦٤.

(٨) كشف اللثام : في مكان المصلّي ج ٣ ص ٣٠٥ ٣٠٦.

(٩) السرائر : في مكان المصلّي ج ١ ص ٢٧١.

(١٠) النهاية : في ما يجوز الصلاة فيه ص ١٠١.

(١١) شرائع الإسلام : في مكان المصلّي ج ١ ص ٧٢.

(١٢) الدروس الشرعية : في مكان المصلّي درس ٣١ ج ١ ص ١٥٤.

(١٣) كالمهذّب البارع : في القبلة ج ١ ص ٣٠٨.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي «جامع المقاصد (١)» أنه المشهور. وفي «السرائر (٢)» قيّد الصلاة قائماً بحال الضرورة. وسيجي‌ء تمام الكلام في مكان المصلّي.

هذا وقد منع إجماع الخلاف جماعة كالمحقّق (٣) والمصنّف (٤) واليوسفي (٥) وغيرهم (٦) لأنه جوّز نفسه في «المبسوط» الصلاة قائماً كالصلاة في جوفها. قال المحقّق والمصنّف وغيرهما : يلزم من ذلك وجوب أن يصلّي قائماً على السطح ، لأنّ جوازها قائماً على السطح يستلزم الوجوب ، لأنّ القيام شرط مع الإمكان. وقال في «كشف اللثام (٧)» فيه أنه إن كانت القبلة مجموع الكعبة فعند القيام يفوته الاستقبال وعند الاستلقاء القيام والركوع والسجود والرفع منهما ، فيجوز عند الضرورة التخيير بينهما وإن لا يتعيّن شي‌ء منهما لتضمن كلّ منهما فوات ركن ، انتهى فتأمّل.

وفي «جامع المقاصد (٨) وروض الجنان (٩)» أنه يراعى بروز شي‌ء منها وإن قلّ في جميع أحواله حتّى الركوع والسجود ، فلو خرج بعض بدنه عنها أو ساواها في بعض الحالات كما لو حاذى رأسه نهايتها حال السجود بطلت صلاته.

بيان : احتجّ الشيخ في «الخلاف (١٠)» بقول الرضا عليه‌السلام في خبر عبد السلام بن صالح : «ولكن يستلقي على قفاه ويفتح عينيه إلى السماء .. الحديث (١١)» وهو على

__________________

(١) جامع المقاصد : في مكان المصلّي ج ٢ ص ١٣٦.

(٢) السرائر : في مكان المصلّي ج ١ ص ٢٧١.

(٣) المعتبر : في القبلة ج ٢ ص ٦٨.

(٤) منتهى المطلب : في القبلة ج ٤ ص ١٦٦ ١٦٧.

(٥) كشف الرموز : في القبلة ج ١ ص ١٣٣.

(٦) كالعاملي في مدارك الأحكام : في القبلة ج ٣ ص ١٢٦.

(٧) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٣٧ ١٣٨.

(٨) جامع المقاصد : في القبلة ج ٢ ص ٥٠.

(٩) روض الجنان : في الاستقبال ص ٢٠٢ السطر الأخير وص ٢٠٣ س ١.

(١٠) الخلاف : كتاب الصلاة مسألة ١٨٨ ج ١ ص ٤٤١.

(١١) وسائل الشيعة : ب ١٩ من أبواب القبلة ح ٢ ج ٣ ص ٢٤٨.

٢٨٢

وكذا المصلّي على جبل أبي قبيس ، ولو خرج بعض بدنه عن جهة الكعبة بطلت صلاته ،

______________________________________________________

ضعفه يحتمل أن يكون مختصّاً بمن كان فوق حائط الكعبة بحيث لا يمكنه التأخّر عنه ولا إبراز شي‌ء منها أمامه ، فلا يصلح للتمسّك به في إسقاط القيام والركوع والسجود والرفع منهما عن القادر عليهما ، مع ما عرفت من أنّ القبلة هي الجهة وموضع البيت من الأرض السابعة إلى السماء ، والإجماع منعقد على استقبال الجهة في المواضع المنخفضة عن البنية والمرتفعة عليها. قال في «كشف اللثام (١)» ويخدش الكلّ ما مرَّ من احتمال كون القبلة مجموع الكعبة.

قوله قدّس الله تعالى روحه : (وكذا المصلّي على جبل أبي قبيس) وكذا المصلّي في موضع منخفض عن الكعبة فإنّه يستقبل الجهة أيضاً وتصحّ صلاته ولا نعرف فيه خلافاً بين أهل العلم كما في «المنتهى (٢)» وهو إجماع من المسلمين كما في «كشف اللثام (٣)». وفي «المفاتيح (٤)» لا خلاف في صحّة صلاة من صلّى على جبل أبي قبيس.

بيان : يدلّ على ذلك خبر عبد الله بن سنان (٥) وخالد بن إسماعيل (٦) ومرسل الصدوق (٧).

قوله قدّس الله تعالى روحه : (ولو خرج بعض بدنه عن جهة الكعبة بطلت صلاته) لوجوب الاستقبال بجميع البدن كما في «نهاية الإحكام (٨)

__________________

(١) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٣٧.

(٢) منتهى المطلب : في القبلة ج ٤ ص ١٦٨.

(٣) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٣٨.

(٤) مفاتيح الشرائع : في وجوب استقبال القبلة ج ١ ص ١١٢.

(٥) وسائل الشيعة : ب ١٨ من أبواب القبلة ح ١ ج ٣ ص ٢٤٧.

(٦) وسائل الشيعة : ب ١٨ من أبواب القبلة ح ٢ ج ٣ ص ٢٤٧. وفيه «خالد بن أبي إسماعيل».

(٧) من لا يحضره الفقيه : باب ابتداء الكعبة .. ح ١٣١٧ ج ٢ ص ٢٤٦.

(٨) نهاية الإحكام : في القبلة ج ١ ص ٣٩٢ ٣٩٣.

٢٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والتحرير (١) والتذكرة (٢) والذكرى (٣) والبيان (٤) والموجز (٥) وكشف الالتباس (٦) وجامع المقاصد (٧) وفوائد القواعد (٨)». قال في «التذكرة (٩)» : وهو أحد وجهي الشافعي ، انتهى. فعلى هذا لو خرج إحدى يديه أو رجليه أو بعض منها بطلت صلاته كما في «كشف اللثام (١٠)». وعن «تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي (١١) ومجمع البيان (١٢)» أنّ المراد بالوجه في الآية الشريفة الذات وبتولية الوجه تولية جميع البدن.

قلت : قال في «القاموس (١٣)» : الوجه معلوم ومستقبل كلّ شي‌ء ونفس الشي‌ء. وقال في «كشف اللثام» : وتخصيص الوجه لمزيد خصوصية له في الاستقبال واستتباعه سائر البدن. ويؤيّده قوله تعالى : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ) (١٤) وقول الصادق عليه‌السلام (١٥) : «وبيته الّذي جعله قياماً للناس لا يقبل من أحد توجّهاً إلى غيره» وقول حمّاد أنه عليه‌السلام في بيان الصلاة له : «استقبل بأصابع رجليه جميعاً لم يحرّفهما عن القبلة (١٦)» انتهى (١٧)

__________________

(١) تحرير الأحكام : في القبلة ج ١ ص ٢٨ س ٢٢.

(٢) تذكرة الفقهاء : في القبلة ج ٣ ص ١١.

(٣) ذكرى الشيعة : القبلة ج ٣ ص ١٧٠.

(٤) البيان : في معرفة القبلة ص ٥٣.

(٥) الموجز الحاوي (الرسائل العشر) : في القبلة ص ٦٦.

(٦) كشف الالتباس : في القبلة ص ٨٧ س ٢٣ و ٢٤ (مخطوط في مكتبة ملك برقم ٢٧٣٣).

(٧) جامع المقاصد : في القبلة ج ٢ ص ٥١.

(٨) فوائد القواعد : في القبلة ص ٤٧ س ١١ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٤٢٤٢).

(٩) تذكرة الفقهاء : في القبلة ج ٣ ص ١١.

(١٠) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٣٨.

(١١) تفسير روج الجنان : تفسير سورة البقرة آية ١٤٤ ج ١ ص ٣٦٤ ٣٦٥.

(١٢) مجمع البيان : تفسير سورة البقرة آية ١٤٤ ج ١ ص ٢٢٧.

(١٣) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٢٩٥ مادة «الوجه».

(١٤) البقرة : ١٤٤.

(١٥) وسائل الشيعة : ب ٢ من أبواب القبلة ح ١٠ ج ٣ ص ٢١٨.

(١٦) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب أفعال الصلاة ح ١ ج ٤ ص ٦٧٣.

(١٧) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٣٩.

٢٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قلت : بل قد يقال كما قال الاستاذ (١) أدام الله تعالى حراسته : إنّ الوجه في تخصيص الوجه أنّ مدار صدق الاستقبال عليه ، ولذا لا يتحقّق فيما لا وجه له كالشجرة والحجر والجدار ونحوها ، انتهى. وأنت خبير بأنّ هذا لا يتمّ في قولهم يحرم استقبال القبلة في البول والغائط فإنّ جماعة (٢) منهم قالوا : إنّه لو انحرف عنها ببعض بدنه أو بفرجه لا يكفي في رفع الحرمة ، فليتأمّل. ونقل في «التذكرة (٣)» هنا عن الشافعي في ثاني وجهيه الاجتزاء في المقام بالاستقبال بالوجه.

هذا وفي «فوائد القواعد (٤)» المراد بالجهة في قول المصنّف عين الكعبة ، لأنّ الجهة إنّما تعتبر في البعيد ولا يتصوّر فيها خروج بعض البدن عنها دون بعض. قلت : يؤيّد ذلك أنه صرّح في «التذكرة (٥) ونهاية الإحكام (٦) والتحرير (٧) والذكرى (٨) والموجز (٩) وشرحه (١٠)» في المسألة بالمشاهد لها.

وفي «جامع المقاصد (١١)» في شرح عبارة الكتاب ما نصّه : ينبغي عود هذا إلى جميع ما سبق من عند قوله «والمشاهد لها» أي لو خرج بعض بدن كلّ واحد من هؤلاء أعني المشاهد لها والمصلّي في وسطها ولو بعد انهدامها إلى آخره بطلت

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) كالفاضل الهندي في كشف اللثام : في آداب الخلوة ج ١ ص ٢١٥ ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد : ج ١ ص ٩٩ ، والعاملي في مدارك الأحكام : ج ١ ص ١٥٩ والشهيد الثاني في المسالك : ج ١ ص ٢٨ والسبزواري في كفاية الأحكام : ص ٢.

(٣) تذكرة الفقهاء : في القبلة ج ٣ ص ١١.

(٤) فوائد القواعد : في القبلة ص ٤٧ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٤٢٤٢).

(٥) تذكرة الفقهاء : في القبلة ج ٣ ص ١١.

(٦) نهاية الإحكام : في القبلة ج ١ ص ٣٩٢.

(٧) تحرير الأحكام : في القبلة ج ١ ص ٢٨ س ٢٢.

(٨) ذكرى الشيعة : القبلة ج ٣ ص ١٧٠.

(٩) الموجز الحاوي (الرسائل العشر) : في القبلة ص ٦٦.

(١٠) كشف الالتباس : في القبلة ص ٨٧ س ٢٣ (مخطوط في مكتبة ملك برقم ٢٧٣٣).

(١١) جامع المقاصد : في القبلة ج ٢ ص ٥١.

٢٨٥

والصفّ المستطيل إذا خرج بعضه عن سمت الكعبة تبطل صلاة ذلك البعض ، لأنّ الجهة معتبرة مع البُعد ومع المشاهدة العين.

______________________________________________________

صلاته ، إلّا أنّ قوله : «عن جهة الكعبة» قد يشعر باختصاص الحكم بالمصلّي على جبل أبي قبيس.

قوله قدّس الله تعالى روحه : (والصفّ المستطيل إذا خرج بعضه عن سمت الكعبة تبطل صلاة ذلك البعض) عندنا كما في «التذكرة (١) وكشف اللثام (٢)» قربوا من الكعبة أم بعدوا خلافاً للحنفية مطلقاً والشافعية في الأخير.

وفي «الذكرى (٣)» لو استداروا صحّ للإجماع عليه عملاً في كلّ الأعصار السالفة ، نعم يشترط أن لا يكون المأموم أقرب إلى الكعبة من الإمام. وبه حكم في «الدروس (٤) والبيان (٥)» واستحسنه «صاحب المدارك (٦)» واستشكل فيه المصنّف في «التذكرة (٧)».

فرع : قال في «الدروس (٨)» : لو صلّيا داخلها واستدبر أحدهما صاحبه أمكن الصحّة إذا علم أفعاله وشاهده ولو في بعض الأحيان.

هذا وليعلم أنه لا فرق في هذا الصفّ المستطيل الخارج بعضه عن سمت الكعبة ومحاذاتها بين أن يكون في المسجد الحرام أو غيره حيث يشاهد الكعبة أو يكون بحكم المشاهد ، لأنه مع المشاهدة وحكمها يجب عليه استقبال العين فمن لم يحاذها لم يستقبل القبلة.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : في القبلة ج ٣ ص ١١.

(٢) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٣٩.

(٣) ذكرى الشيعة : القبلة ج ٣ ص ١٦١.

(٤) الدروس الشرعية : في القبلة درس ٣٤ ج ١ ص ١٥٨.

(٥) البيان : في الاستقبال إلى الكعبة ص ٥٣.

(٦) مدارك الأحكام : في القبلة ج ٣ ص ١٢٦.

(٧) تذكرة الفقهاء : في القبلة ج ٣ ص ١٠.

(٨) الدروس الشرعية : كتاب الصلاة في القبلة درس ٣٤ ج ١ ص ١٥٨.

٢٨٦

والمصلّي بالمدينة ينزّل محراب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزلة الكعبة.

______________________________________________________

[حكم محاريب المعصومين عليهم‌السلام]

قوله قدّس الله تعالى روحه : (والمصلّي بالمدينة ينزّل محراب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزلة الكعبة) فلا اجتهاد فيه في جهة القبلة ولا في التيامن والتياسر لعدم الخطاء عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعند من جوّزه من العامّة قال (١) : لا يقرّ عليه فهو صواب قطعاً ، وإن غلب على الظنّ وجوب التيامن أو التياسر فهو وهم قطعاً. وليس المراد وجوب استقباله حيث يشاهد وبطلان صلاة من لم يحاذه لفساده ضرورة وإن روي : «أنه زويت له الأرض حتّى نصب المحراب بإزاء الميزاب (٢)» للاتفاق على أنّ قبلة البعيد عن الكعبة إنّما هي سمتها والخبران سلّم فغايته علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعين فلا يدلّ على توجّهه إليها فضلاً عن غيره كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك.

وفي «كشف اللثام (٣)» وإنّما خصّ محرابه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة لأنه أقرب إلى الضبط من سائر المحاريب المنسوب إليه أو إلى أحد الأئمّة صلوات الله عليهم نصبها أو صلاةً إليها ، انتهى. وقال الشيخ نجيب الدين إنّه وقع في محرابه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة بعض تغيير.

وفي «نهاية الإحكام (٤) والذكرى (٥) وجامع المقاصد (٦) وكشف الالتباس (٧)» أنّ مسجد الكوفة لا اجتهاد فيه ، لأنه نصبه أمير المؤمنين وصلّى هو إليه والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، فلو تخيّل الماهر أنّ فيه تيامناً أو تياسراً فخياله

__________________

(١) فتح العزيز بهامش المجموع : ج ٣ ص ٢٢٤.

(٢) صحيح مسلم : ح ٢٨٨٩ ج ٤ ص ٢٢١٥.

(٣) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٤٠.

(٤) نهاية الإحكام : في القبلة ج ١ ص ٣٩٤.

(٥) ذكرى الشيعة : القبلة ج ٣ ص ١٦٧.

(٦) جامع المقاصد : في القبلة ج ٢ ص ٥٢.

(٧) كشف الالتباس : في القبلة ص ٨٩ س ١٢ (مخطوط في مكتبة ملك برقم ٢٧٣٣).

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

باطل لا يجوز له ولا لغيره العمل به. ونحوه ما في «البيان (١) والنفلية (٢) وإرشاد الجعفرية (٣) والعزّية والمسالك (٤) والروض (٥) والمقاصد العلية (٦) ومجمع البرهان (٧) وشرح الشيخ نجيب الدين». بل في «إرشاد الجعفرية (٨)» أنّ المشهور أنّ محراب مسجد الكوفة قد نصبه أمير المؤمنين عليه‌السلام فلا يتصوّر فيه الخطاء فلا اجتهاد فيه. وفي «مجمع البرهان (٩)» نقل حكاية التواتر في ذلك وقال : إنّ الدليل على تقديمه على العلامات ظاهر. وفي «رسالة صاحب المعالم وشرحها (١٠)» وتعلم يقيناً بمحراب المعصوم كمحراب مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن حصل له بعض التغيير ومحراب مسجد الكوفة إلى أن قال : ويتعيّن المحراب المذكور للاتباع مع وجوده بغير خلاف ، انتهى كلامهما. وفي «الإيضاح (١١)» أنّ مسجد أمير المؤمنين عليه‌السلام لا اجتهاد فيه. وفيه (١٢) وفي «آيات المولى الأردبيلي (١٣)» أنّ الأصحاب يقولون إنّ قبلة الكوفة يقينية لأنه ثبت بالتواتر صلاة المعصوم فيه بتلك القبلة. والعجب أنّا نرى الجدي في الكوفة خلف المنكب لا خلف الكتف كما قاله المحقّق الثاني ، انتهى.

بيان : قد يقال ثبت بأخبار هؤلاء الأجلّاء أنّ محراب مسجد الكوفة نصبه أمير المؤمنين عليه‌السلام وصلّى إليه هو والحسن والحسين عليهما‌السلام والكبرى لا كلام فيها (١٤)

__________________

(١) البيان : في القبلة ص ٥٤.

(٢) النفلية : في سنن المقدّمات (التاسعة في القبلة) ص ١٠٧.

(٣) المطالب المظفّرية : في القبلة ص ٧٨ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

(٤) مسالك الأفهام : في القبلة ج ١ ص ١٥٧.

(٥) روض الجنان : في الاستقبال ص ١٩٥ السطر الأخير وص ١٩٦ السطر الأوّل.

(٦) المقاصد العليّة : في سنن المقدّمات (السادس في القبلة) ص ٨٨ س ١٢ (مخطوط في المكتبة الرضوية برقم ٨٩٣٧).

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : في الاستقبال ج ٢ ص ٦٦.

(٨) المطالب المظفّرية : في القبلة ص ٧٨ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

(٩) مجمع الفائدة والبرهان : في الاستقبال ج ٢ ص ٦٦.

(١٠) الاثنا عشرية : في الاستقبال ص ٦١ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٥١١٢).

(١١ و ١٢) إيضاح الفوائد : في أحكام القبلة ج ١ ص ٨١.

(١٣) زبدة البيان : في القبلة ص ٦٧ ٦٨.

(١٤) يعني بالكبرى : كلما ثبت نصبه من المحاريب بيد عليّ عليه‌السلام فهو حجّة وقبلة. وصغراها : محراب الكوفة نصبه عليّ عليه‌السلام. والقضية من قضايا الشكل الأوّل الذي هو بديهيّ الانتاج عند المنطقيّين.

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واحتمال وقوع بعض التغيّر فيه ينفيه الأصل ، على أنه لا يضرّ كما سمعت نقل وقوع مثل ذلك في محراب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فإن قلت : قبلة محراب مسجد الكوفة تخالف العلامات الّتي ذكرها الفقهاء لأهل العراق.

قلت : هذه العلامات على اختلافها حتّى قال جماعة : إنّ بينها تدافعاً واختلاف الأصحاب فيها وفي أهلها كما يأتي إن شاء الله تعالى تقريبية لا تحقيقية كما نصّوا عليه كما يأتي أيضاً ، على أنّ أكثر الأصحاب ذكرها لأهل العراق والمفيد (١) والديلمي (٢) والمحقّق في «النافع (٣)» أنها لأهل المشرق والعجلي (٤) أنها للعراق وفارس وخراسان وخوزستان ومن والاهم. وفي «إزاحة العلّة» للشيخ الجليل أبي الفضل شاذان بن جبرئيل أنّ هذه العلامات لأهل العراق وخراسان إلى جيلان وجبال الديلم وما كان في حدوده مثل الكوفة وبغداد وحلوان إلى الري وطبرستان إلى جبل سابور وإلى ما وراء النهر إلى خوارزم إلى الشاش وإلى منتهى حدوده (٥). وليس منهم خوزستان ولا فارس. ثمّ إنّا لا نسلّم مخالفة المحراب المذكور للجدي كما يتوهّم ، لأنّ جعل الجدي على المنكب الأيمن لا نسلّم أنه يوجب الانحراف عن محراب مسجد الكوفة إلى اليسار. وذلك لأنّ إذا قلنا إنّ المنكب مجمع عظم العضد والكتف كما في «الصحاح (٦) والقاموس (٧)» وجملة من كتب الأصحاب (٨) لم يكن هناك انحراف ، لأنّ من وقف في محراب

__________________

(١) المقنعة : في القبلة ص ٩٦.

(٢) المراسم : في معرفة القبلة ص ٦٠.

(٣) المختصر النافع : في القبلة ص ٢٣.

(٤) السرائر : في أحكام القبلة ج ١ ص ٢٠٨.

(٥) نقله عنه المجلسي في بحار الأنوار : في القبلة ج ٨٤ ص ٧٧.

(٦) الصحاح : ج ١ ص ٢٨٨ مادة «نكب».

(٧) القاموس المحيط : ج ١ ص ١٣٤ مادة «نكب».

(٨) مدارك الأحكام : في القبلة ج ٣ ص ١٢٨ ، المقاصد العليّة : في سنن المقدمات (السادس في القبلة) ص ٩١ س ٢٠ (مخطوط في المكتبة الرضوية برقم ٨٩٣٧) ، رياض المسائل : كتاب الصلاة في أحكام القبلة ج ٣ ص ١٢٢.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مسجد الكوفة كان الجدي على منكبه بهذا المعنى كما شاهدناه.

وقد نصّ على ذلك الشهيد الثاني (١) قال : لأنّ الكوكب في غاية ارتفاعه يكون على دائرة نصف النهار ، فيكون حينئذٍ جعل الجدي على الكتف موجباً لاستقبال نقطة الجنوب وكون المشرق والمغرب على اليمين واليسار ، فإذا جعل خلف المنكب كان الوجه منحرفاً عن نقطة الجنوب نحو المغرب وسمت قبلة الكوفة وبغداد والمشهدين والحلّة يميل عن نقطة الجنوب ميلاً بيّناً لزيادتها على مكّة المشرّفة طولاً وعرضاً وهو موجب لذلك ، وممّا يدلّ عليه محراب مسجد الكوفة الّذي صلّى فيه الأئمّة صلوات الله عليهم. ومثل ذلك قال المولى الأردبيلي في «آيات أحكامه (٢)» وتلميذه (٣).

وهو يوافق قول الصادق عليه‌السلام في مرسل «الفقيه (٤)» : «اجعله على يمينك وإذا كنت في طريق الحجّ فاجعله على كتفيك» ولا ينافيه قول أحدهما عليهما‌السلام في خبر محمّد (٥) : «اجعله في قفاك وصلّ» لأنه ينطبق عليه بنوع من التأويل.

نعم ، إن قلنا إنّ المنكب ما بين الكتف والعنق كما في «نهاية ابن الأثير (٦) وإرشاد الجعفرية (٧)» كان هناك انحراف إلى جهة اليسار ، لكن قال الشيخ نجيب الدين : لا دليل على هذا التفسير. وقد تعجّب الأردبيلي من المحقّق الثاني حيث فسّر المنكب بالتفسير الثاني وقال (٨) : إنّه موافقة لقبلة مسجد الكوفة ، لأنه إذا وضع الجدي خلف الكتف الأيمن كانت قبلة مسجد الكوفة متيامنة ، فلا توافق بينهما.

__________________

(١) روض الجنان : في الاستقبال ص ١٩٧ س ١١ ٢٥.

(٢) زبدة البيان : في القبلة ص ٦٦.

(٣) مدارك الأحكام : في القبلة ج ٣ ص ١٢٨ ١٢٩.

(٤) من لا يحضره الفقيه : باب القبلة ح ٨٦٠ ج ١ ص ٢٨٠.

(٥) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب القبلة ح ١ ج ٣ ص ٢٢٢. وفيه «وصلّه» بدل «وصل».

(٦) نهاية ابن الأثير : ج ٥ ص ١١٣ مادة «نكب».

(٧) المطالب المظفّرية : في القبلة ص ٧٩ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : في الاستقبال ج ٢ ص ٧٤.

٢٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، لو جعل الجدي على المنكب بالتفسير الأوّل وافق قبلته على الظاهر. وتمام الكلام يأتي إن شاء الله تعالى.

وقال في «المدارك (١)» : إنّ المحقّق في «المعتبر» اعتبر لأهل المشرق أوّلاً الجدي خلف المنكب الأيمن. ثمّ قال : إنّ الجدي ينتقل والدلالة القوية القطب الشمالي فإذا حصل القطب الشمالي جعله العراقي خلف اذنه اليمنى دائماً. ثمّ قال في «المدارك» : إنّ بين الكلامين تخالفاً واعتبار محراب مسجد الكوفة يساعد على الأوّل ، انتهى.

قلت : هذا الّذي ذكره المحقّق (٢) أوّلاً ذكره أكثر الأصحاب (٣) فعلى ما في «المدارك» يكون المحراب موافقاً لما ذكره أكثر الأصحاب ، فليتأمّل.

هذا كلّه مضافاً إلى ما ذكره المصنّف في «التذكرة (٤)» والصيمري في «كشف الالتباس (٥)» من إجماع الأصحاب على جواز التعويل على المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين ، ولا يجب عليه الاجتهاد إلّا إذا علم أنها بنيت على الغلط ، وأين العلم فيما نحن فيه؟ بل الأمر بالعكس ، على أنه لا يحصل إلّا للحاذق بعلم الهيئة كما نصّ عليه جماعة (٦) بل قد منع المصنّف في «نهاية الإحكام (٧)» من الاجتهاد في المحاريب المنصوبة في بلاد الإسلام في اليمنة واليسرة كما يأتي. قال : ولو اجتهد فأدّاه اجتهاده إلى خلافها فإن كانت بنيت على القطع لم يجز العدول إلى الاجتهاد

__________________

(١) مدارك الأحكام : في القبلة ج ٣ ص ١٢٩.

(٢) المعتبر : في القبلة ج ٢ ص ٦٩.

(٣) منهم المحقّق الحلّي في المختصر النافع : في القبلة ص ٢٣ ، والشهيد الأول في الدروس الشرعية : في القبلة ج ١ ص ١٥٩ درس ٣٤ ، والبحراني في الحدائق الناضرة : في القبلة ج ٦ ص ٣٨٩.

(٤) تذكرة الفقهاء : في المستقبل ج ٣ ص ٢٥.

(٥) كشف الالتباس : في القبلة ص ٨٩ س ١٣ (مخطوط في مكتبة ملك برقم ٢٧٣٣).

(٦) منهم : المحقّق الكركي جامع المقاصد : في القبلة ج ٢ ص ٥٢ ، مجمع الفائدة والبرهان : في الاستقبال ج ٢ ص ٦٧ ، والسبزواري كفاية الاحكام : في القبلة ص ١٥ س ٣٦.

(٧) نهاية الإحكام : في القبلة ج ١ ص ٣٩٣.

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

وإلّا جاز (١). قال في «كشف اللثام (٢)» لعلّ استمرار صلاة المسلمين إليها من غير معارض دليل البناء على القطع. ولا عبرة بالعلائم في قرية خربة لا يعلم أنها قرية المسلمين أو غيرهم ، انتهى.

وفي «الذكرى (٣)» أنّ وجه المنع أنّ احتمال إصابة الخلق الكثير أقرب من احتمال إصابة الواحد ، وقد وقع في زماننا اجتهاد بعض علماء الهيئة في قبلة مسجد دمشق وأنّ فيها تياسراً عن القبلة مع انطواء الأعصار الماضية على عدم ذلك وجاز ترك الخلق الكثير الاجتهاد في ذلك ، لأنه غير واجب عليهم ولا يدلّ مجرّد صلاتهم على تحريم اجتهاد غيرهم وإنّما يعارض اجتهاد العارف أن لو ثبت وجوب الاجتهاد على الكثير أو ثبت وقوعه وكلاهما في حيّز المنع بل لا يجب الاجتهاد قطعاً ، انتهى.

قلت : وما نحن فيه يعارض اجتهاد العارف فعل المعصوم الّذي نقله جماعة (٤) ونقل إنّه المشهور كما سمعت.

هذا كلّه مضافاً إلى ما نقله صاحب «كشف اللثام (٥)» عن بعض معاصريه من أنه نصب آلة واستعلم بها جهة البلاد إلى الكعبة فاستعلم أنّ بغداداً والكوفة وسرّ من رأى وتبريز وكوبا وبلغار وباب الأبواب وتفليس وأردبيل قبلتهم الركن الشامي وأنه العراقي أيضاً كما يأتي نقل ذلك. وفي هذا ما يؤيّد صحّة محراب الكوفة كمالا يخفى.

هذا أقصى ما يقال من جانب المستدلّ على عدم وجوب التياسر في مسجد الكوفة. ويرد عليه (٦) أنه على هذا يجب على أواسط العراق تحرّي قبلة مسجد

__________________

(١) نهاية الإحكام : في القبلة ج ١ ص ٣٩٣.

(٢) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٧٤.

(٣) ذكرى الشيعة : القبلة ج ٣ ص ١٦٨.

(٤) منهم : الشهيد الثاني مسالك الافهام : في القبلة ج ١ ص ١٥٧ ، والبحراني في الحدائق الناضرة : في القبلة ج ٦ ص ٣٨٦.

(٥) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٤١.

(٦) ظاهر العبارة أنّه يردّ على كشف اللثام بذلك من نفسه ولكن مفاده موجود في مدارك الأحكام : ج ٣ ص ١٢٩.

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الكوفة ، لأنه لا يعدل عن العلم إلى غيره. مع أنّ محاريب مساجدها منصوبة على جعل الجدي خلف الكتف الأيمن وأعظم شاهد على ذلك قبول الأئمّة صلوات الله عليهم والمسجد المنسوب إلى مولانا الهادي عليه‌السلام في سرّ من رأى شرّفها الله تعالى فإنّه منصوب على جعل الجدي على الكتف. وأنه قد روي في بعض الأخبار (١) أنّ قبلة مسجد الكوفة غيّرت عن قبلة نوح عليه‌السلام. وأنّ بعض الأجلّاء الأعلام (٢) قال : إنّ الوجه في استحباب التياسر أو وجوبه لأهل العراق أنّ قبلة مسجد الكوفة متيامنة وبقية المساجد تابعة له والتقية منعت عن التصريح بذلك فورد الأمر بالتياسر لأهل العراق تنبيهاً على ذلك بأحسن وجه.

وقد يجاب عن الأوّل (٣) بالتزام الوجوب ولا ضير فيه مع موافقته لجعل الجدي على المنكب الأيمن لا الكتف. قولك : إنّ محاريبها جميعاً على خلاف ذلك ، قلنا : إن سلّم فالوجه فيه ما اشتهر بين الأصحاب من وجوب التياسر أو استحبابه. وأمّا قبور الأئمّة صلوات الله عليهم فشأنها لمكان التصرّف في البنيان والشبابيك شأن المساجد بل الحضرة الشريفة في سرّ من رأى وشبّاكها والسرداب الشريف على خلاف الجهة قطعاً وما ذاك إلّا لمكان التصرّف في البنيان المستحدث ، وأمّا قبل ذلك فقبورهم بإزاء الكعبة قطعاً ، لأنّ المعصوم لا يدفنه إلّا معصوم. وأمّا مسجد مولانا الهادي عليه‌السلام فلم يشتهر أنه نصب محرابه أو صلّى فيه كما اشتهر ذلك في مسجد الكوفة فلا معارضة. سلّمنا ولكن نقول : لعلّ وقوعه بإزاء الكعبة في الموضع المذكور إنّما يلائم وضع الجدي على الكتف كما أنّ وقوع مسجد الكوفة بإزاء الكعبة إنّما يلائم وضعه على المنكب ولا مانع من ذلك ، على أنّ في الأوّل كفاية في رفع المعارضة. وأمّا ما ورد في بعض الأخبار ففيه على إجماله وعدم ذكره في الكتب الأربعة أنه لا يقوى على مقاومة ما أخبر به جماعة من أجلّاء الأصحاب كما سمعت مع انطباق نقلهم على العلامة المشتهرة بينهم أعني جعل الجدي خلف

__________________

(١) كتاب الغيبة للطوسي : ص ٢٨٣.

(٢) بحار الأنوار : في القبلة ج ٨٤ ص ٧٧.

(٣) مدارك الأحكام : في القبلة ج ٣ ص ١٢٨ ١٢٩.

٢٩٣

وأهل كلّ أقليم يتوجّهون إلى ركنهم. فالعراقي وهو الّذي فيه الحجر لأهل العراق ومن والاهم ،

______________________________________________________

المنكب الأيمن موافقته لقوله عليه‌السلام «ضعه على يمينك (١)» مضافاً إلى نقل الشهرة ونفي الخلاف في ذلك كما مرَّ. والأخبار الّذي أشرنا إليها ما روي عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث له : «ويلٌ لبانيك بالمطبوخ المغيّر قبلة نوح (٢)» وما رواه محمّد بن إبراهيم النعماني في حديث عنه عليه‌السلام : «أما إنّ قائمنا إذا قام كسره وسوّى قبلته (٣)» وروى الصدوق في «الفقيه» مرسلاً : «إنّ حدّ مسجد الكوفة آخر السراجين. قيل له : مَن غيّره؟ قال : أوّل ذلك الطوفان ثمّ غيّره أصحاب كسرى ثمّ غيّره زياد ابن أبي سفيان (٤)». هذا ما وجدناه من أخبار المسألة.

وأمّا ما ذكره بعض الأجلّاء فليس في الأخبار ولا في كلام الأصحاب إشارة إلى ذلك أصلاً بل الوارد في التياسر خبران (٥) وهما معلّلان بما يبعد عن ذلك بفراسخ ، وروي عن الرضا عليه‌السلام (٦) أنه علّل التياسر باتّساع الحرم من جهة اليسار كما في الخبرين المشار إليهما ، وبعد فالمسألة محلّ تأمّل والله سبحانه هو العالم بحقائق أحكامه.

[قبلة أهل العراق]

قوله قدّس الله تعالى روحه : (وأهل كلّ أقليم يتوجّهون إلى ركنهم. فالعراقي وهو الّذي فيه الحجر لأهل العراق ومن والاهم) كون الركن الّذي فيه الحجر ركن أهل العراق

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب القبلة ح ٢ ج ٣ ص ٢٢٢ وفيه «ضعه» بدل «اجعله».

(٢) كتاب الغيبة للطوسي : ص ٢٨٣.

(٣) كتاب الغيبة للنعماني : باب ما جاء في ذكر الشيعة .. ص ٢١٧ ح ٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه : باب فضل المساجد .. ح ٦٩١ ج ١ ص ٢٣٠.

(٥) وسائل الشيعة : ب ٤ من أبواب القبلة ح ١ و ٢ ج ٣ ص ٢٢١.

(٦) مستدرك الوسائل : ب ٣ من أبواب القبلة ح ١ ج ٣ ص ١٨٠.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قال به الأصحاب قاطبة كما في «كشف اللثام (١)». وفي «فوائد الشرائع (٢)» صرّحوا به. وفي «المقنعة (٣)» الركن العراقي لأهل العراق والمشرق. وفي «المراسم (٤) والنافع (٥)» الركن الشرقي لأهل المشرق.

وفي «جامع المقاصد (٦) وحاشية الميسي والمسالك (٧)» قولهم الركن العراقي الّذي فيه الحجر لأهل العراق مجاز وتوسّع ، لأنّ قبلتهم الباب وما قاربه لا الركن. وفي «فوائد الشرائع (٨)» في قولهم هذا توسّع ، لأنّ أهل العراق لا يتوجّهون إلى نفس هذا الركن ، بل هذا الكلام تقريبي ، فإنّ قبلة البعيد إمّا الجهة أو الحرم على اختلاف القولين ، وكلاهما لا ينطبق على هذا كما لا يخفى ، انتهى.

قلت : لعلّ المراد أنّ حقّ توجّههم الصحيح في الواقع الّذي ليس له ميل أصلاً ولا انحراف أن يكون إلى الركن الّذي يليهم وإن اكتفى منهم بالتوجّه إلى الجهة لأنّ البُعد يمنع من العلم بذلك ، أو يراد بتوجّههم إلى الركن توجّههم إلى جهته. وفي «إرشاد الجعفرية (٩)» قبلة أهل العراق ما بين الباب والمقام لا الركن وأنّ إطلاقهم الركن المذكور للعراقي تجوّز ، إذ هو في الحقيقة لأهل الشرق.

وفي «حواشي الشهيد» للشامي من الميزاب إلى الباب وللعراقي منه إلى نصف اليماني ولليماني إلى نصف الغربي وللغربي منه إلى الميزاب.

وفي «الذكرى (١٠)» عن كتاب «إزاحة العلّة» أنّ العراق وخراسان وما كان

__________________

(١) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٤١.

(٢) فوائد الشرائع : في القبلة ص ٢٩ س ١٧ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٦٥٨٤).

(٣) المقنعة : في القبلة ص ٩٦.

(٤) المراسم : في القبلة ص ٦٠.

(٥) المختصر النافع : في القبلة ص ٢٣.

(٦) جامع المقاصد : في القبلة ج ٢ ص ٥٣.

(٧) مسالك الأفهام : في القبلة ج ١ ص ١٥٣.

(٨) فوائد الشرائع : في القبلة ص ٢٩ س ١٧ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٦٥٨٤).

(٩) المطالب المظفرية : في القبلة ص ٨٠ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

(١٠) ذكرى الشيعة : القبلة ج ٣ ص ١٦٤.

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

في حدوده مثل الكوفة وبغداد وحلوان إلى الري ومرو وخوارزم يستقبلون بين الباب والمقام وأهل شمشاط والجزيرة إلى الباب وأهل البصرة والأهواز وفارس وسجستان إلى التبت إلى الصين يستقبلون ما بين الباب والحجر الأسود.

قال في «كشف اللثام (١)» بعد ما نقل عنه مثل ذلك : ولا ينافي اتّفاق هذه البلاد في جهة القبلة اختلافها في العروض والأقاليم فإنّ الكلّ في سمت واحد من الكعبة. نعم أورد عليه بعض المعاصرين (٢) أنّها لو كانت كذلك لم يكن سمت قبلة العراقي أقرب إلى نقطة الجنوب منه إلى مغرب الاعتدال ، بل كان الأمر بالعكس ، وهو إنّما يرد لو كانت هذه البلاد أقلّ عرضاً من مكّة أو مساوية لها. ثمّ إنّه وضع آلة يستعلم بها نسبة البلاد إلى جهات الكعبة فاستعلم منها أنّ الحجر الأسود إلى الباب في جهة بعض بلاد الهند كبهلوازة. والباب في جهة بعضها كدهلي وأكرة وباناس والعين وتهامة ومنصورة سند ومن الباب إلى منتصف هذه الضلع في جهة الإحساء والقطيف والبحرين وقندهار وكشمير وملتان وبست وسجستان وكرمان وبدخشان وتبت وخان بالق وشيراز وبلخ وفارياب ومنه إلى السدس الرابع جهة هراة وختن وبيش بالق ويزد ومرو وقراقرم وترشيز وتون وسمرقند وكاشغر وسرخس وكش وخُجَندة وبخارى ورامهرمز وطوس وبناكت والمالقة وسبزوار ومنه إلى السدس الخامس جهة اصبهان والبصرة وكاشان والاسترآباد وكركانج وقم والري والساري وقزوين وساوه ولاهيجان وهمدان والسدس الأخير المنتهي إلى الشامي جهة كوبا مدينة روس وشماخي وبلغار وباب الأبواب وبرذعه وتفليس وأردبيل وتبريز وبغداد والكوفة وسرّ من رأى فخطأ الأصحاب قاطبة في قولهم إنّ ركن الحجر قبلة أهل العراق وزعم أنّ قبلتهم الشامي وأنه العراقي أيضاً. والجواب أنّ العراق وما والاه لما ازدادت على مكّة طولاً وعرضاً فلهم أن يتوجّهوا إلى ما يقابل الركن الشامي إلى ركن الحجر. وبالجملة إلى أيّ

__________________

(١) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٤٠ ١٤٢.

(٢) لم نعثر على هذا لمعاصر للفاضل الهندي باسمه ورسمه.

٢٩٦

وعلامتهم جعل الفجر على المنكب الأيسر ، والمغرب على الأيمن ،

______________________________________________________

جزء من هذا الجدار من الكعبة فبأدنى تياسر يتوجّهون إلى ركن الحجر وهو أولى بهم من أن يشرفوا على الخروج عن سمت الكعبة خصوصاً ، وسيأتي أنّ الحرم في اليسار أكثر ، ثمّ إنّ تقليل الانتشار مهمّ ، فإذا وجدت علامة تعمّ جميع ما في هذا السمت من الكعبة في البلاد كانت أولى بالاعتبار من تمييز بعضها من بعض تيامناً وتياسراً ، فلذا اعتبروا علامة توجّه الجميع إلى ركن الحجر وإن كان يمكن اعتبار علامة في بعضها تؤدّيه إلى الشامي أو ما يقرب منه. واعلم أنّ ركن الحجر منحرف عن مشرق الاعتدال قليلاً فيما بينه وبين الباب يحاذي المشرق ، انتهى ما في كشف اللثام.

هذا وفي «جامع المقاصد (١)» المراد ب «من والاهم» من كان في سمتهم كأهل خراسان ، نصّ عليه الأصحاب ، انتهى. وفي «المسالك (٢)» المراد ب «من والاهم» من كان في جهتهم بحيث يقاربهم في طول بلدهم وهم أهل خراسان ومن ناسبهم كما ذكره جماعة من الأصحاب وإن كان التحرير التامّ يقتضي احتياجهم إلى زيادة انحراف يسير نحو المغرب. وفي «كشف اللثام (٣)» المراد ب «من والاهم» من كان في جهتهم إلى أقصى المشرق وجنبيه ممّا بينه وبين الشمال والجنوب. وفي «المدارك (٤)» كون قبلة خراسان والكوفة واحدة بعيد جدّاً ، انتهى. ويأتي ما في «الروض» وغيره.

قوله قدّس الله تعالى روحه : (وعلامتهم جعل الفجر على المنكب الأيسر ، والمغرب على الأيمن) هذه العلامة ذكرها الأصحاب

__________________

(١) لم نعثر على هذه العبارة بتمامها فيه وإنّما الموجود قوله : من كان في سمتهم من البلاد الّتي وراءهم ، فراجع. جامع المقاصد : في القبلة ج ٢ ص ٥٣.

(٢) مسالك الأفهام : في القبلة ج ١ ص ١٥٣.

(٣) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٤٠.

(٤) مدارك الأحكام : في القبلة ج ٣ ص ١٣٠.

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كما في «المقاصد العليّة (١) والمدارك (٢)». وفي «كشف اللثام (٣)» نسبة ذلك إلى الأكثر. وقال في «الروض (٤)» : إنّها مشهورة.

وفي «السرائر (٥) والبيان (٦) والتنقيح (٧) والجعفرية (٨) وإرشادها (٩) ورسالة صاحب المعالم (١٠) والمدارك (١١)» وغيرها (١٢) تقييد الفجر والمغرب بالاعتداليّين. ونسب ذلك في «روض الجنان» تارةً إلى كثير من الأصحاب واخرى إلى المشهور (١٣). وأطلق المفيد (١٤) والديلمي (١٥) والشيخ (١٦) والمحقّق (١٧) وغيرهم (١٨).

وقال الفاضل البهائي فيما كتبه على «رسالة صاحب المعالم» : هذا القيد ذكره بعض المتأخّرين ولا وجه له ، بل إذا جعل المصلّي مغرب أيّ يوم اتّفق ومشرقه على يمينه ويساره بنسبة واحدة حصل ما هو المقصود من موافقة نقطة الجنوب. ونِعم ما فعل القدماء من الإطلاق وعدم التقييد بهذا القيد المقلّل للفائدة الخفي على أكثر الناس. وظنّ الخروج عن الجهة لولاه توهّم. وقد أوضحنا ذلك في الحبل المتين ، انتهى.

__________________

(١) المقاصد العلية : في القبلة ص ٩١ س ١٣ (مخطوط في المكتبة الرضوية برقم ٨٩٣٧).

(٢) مدارك الأحكام : في القبلة ج ٣ ص ١٢٧.

(٣) كشف اللثام : في القبلة ج ٣ ص ١٤٢.

(٤) روض الجنان : في الاستقبال ص ١٩٧ س ٢.

(٥) السرائر : في أحكام القبلة ج ١ ص ٢٠٨.

(٦) البيان : في القبلة ص ٥٣.

(٧) التنقيح الرائع : في القبلة ج ١ ص ١٧٤.

(٨) الرسالة الجعفرية : في القبلة ج ١ ص ١٠٤.

(٩) المطالب المظفّرية : في القبلة ص ٧٩ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

(١٠) الاثنا عشرية : في القبلة ص ٦١ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٥١١٢).

(١١) مدارك الأحكام : في القبلة ج ٣ ص ١٢٨.

(١٢) ككشف الالتباس : في القبلة ص ٩١ (مخطوط في المكتبة الرضوية برقم ٨٩٣٧).

(١٣) روض الجنان : في الاستقبال ص ١٩٦ س ١٦ وص ١٩٧ س ٢.

(١٤) المقنعة : في القبلة ص ٩٦.

(١٥) المراسم : في معرفة القبلة ص ٦٠ ٦١.

(١٦) النهاية : في معرفة القبلة ص ٦٣.

(١٧) المختصر النافع : في القبلة ص ٢٣.

(١٨) تذكرة الفقهاء : في القبلة ج ٣ ص ١٢.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي «الحبل المتين» نقل عن والده أنه مخلّ ونقل صورة كلامه فقال : إطلاق القوم المشرق والمغرب لا قصور فيه وتقييد هؤلاء المشايخ نوّر الله مراقدهم غير محتاج إليه ، بل هو مقلّل للفائدة ، وما ظنّوه من أنّ الإطلاق مقتضٍ للاختلاف الفاحش في الجهة ليس كذلك ، لأنّ مراد القدماء أنّ العراقي يجعل مغرب أيّ يوم شاء على يمينه ومشرق ذلك اليوم بعينه على يساره. وهذا لا يقتضي شيئاً من الاختلاف الّذي زعموه. وهو عامّ النفع في كلّ الأوقات لكلّ المكلّفين بخلاف القيد الّذي ذكروه ، فإنّه يقتضي أن لا تكون العلامة المذكورة إلّا لآحاد الناس القادرين على استخراج خطّ الاعتدال. ومع ذلك فليس أضبط ممّا ذكرنا إلّا مع تدقيق تامّ ، لأنّ استخراجه بالدائرة الهندية ونحوها تقريبي ، لابتنائه على موازاة مدارات الشمس للمعدّل. وهذا التقريب قريب ممّا ذكرناه كما لا يخفى. ولا داعي إلى التقييد ، ثمّ استجوده (١).

وقال تلميذه الشيخ نجيب الدين : هذا مشكل بحسب الظاهر باعتبار مخالفته في أكثر الأوقات للعلامات المذكورة للقبلة. وفي «رسالة الجهة (٢)» ربما لم يظهر منه ما ظهر هنا من الميل إلى اتّساع الدائرة في جهة القبلة ، وقد نقلنا تعريفه للجهة سابقاً ، وليس التفاوت الّذي بين اعتدالي المشرق والمغرب وعدمهما بأكثر من التفاوت الّذي بين حالتي الارتفاع والانخفاض وعدمهما في الجدي ، انتهى.

وفي «جامع المقاصد (٣) والعزّية» اختيار عدم التقييد بهذا القيد ، وأنّ المراد بكونهما علامة كونهما علامة في الجملة علامة محصّلة لجهة القبلة تقريباً من غير أن يعتبر كونهما الاعتداليّين.

وفي «حاشية الفاضل الميسي» التعويل على هذه العلامة مطلقاً مشكل جدّاً ، والضابط جعل مشرق الاعتدال على اليسار لأهل طرف العراق الغربية كالموصل.

__________________

(١) الحبل المتين : في القبلة ص ١٩٣.

(٢) الظاهر هي رسالة جهة القبلة (راجع دليل فهارس الكتب الخطّية لمكتبة المرعشي : ج ٢ ص ٢٠٦).

(٣) جامع المقاصد في القبلة ج ٢ ص ٥٦.

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قلت : وعلى ذلك حملها الشهيد الثاني (١) وأولاده وجماعة كما يأتي. وفي «مجمع البرهان (٢)» هذه العلامات لا نعرف حالها وبينها تدافع.

وفي «الروضة (٣)» إن اريد بالمغرب والمشرق الاعتداليّان أو الجهتان المصطلح عليهما وهما المتقاطعتان لجهتي الجنوب والشمال بخطّين بحيث يحدث عنهما زوايا قوائم كانت مخالفة لجعل الجدي خلف المنكب الأيمن كثيراً ، لأنّ الجدي حال استقامته يكون على دائرة نصف النهار المارّة بنقطتي الجنوب والشمال ، فجعل المشرق والمغرب على التقديرين على اليمين واليسار يوجب جعل الجدي بين الكتفين قضية للتقاطع ، فإذا اعتبر كون الجدي خلف المنكب الأيمن لزم الانحراف بالوجه عن نقطة الجنوب نحو المغرب كثيراً ، فينحرف بواسطته الجانب الأيمن عن المغرب نحو الشمال والجانب الأيسر عن المشرق نحو الجنوب ، فلا يصحّ جعلهما علامة لجهة واحدة إلّا أن يدّعى اغتفار هذا التفاوت وهو بعيد خصوصاً مع مخالفة علامة المشرق والمغرب للنصّ والاعتبار ، فهذه إمّا فاسدة الوضع أو تختصّ ببعض جهات العراق وهي أطرافه الغربية كالموصل وما والاها. فإنّ التحقيق أنّ جهتهم نقطة الجنوب ويلزم من ذلك كون المغرب والمشرق على اليمين واليسار. ولو اعتبرت العلامة المذكورة غير مقيّدة بالاعتدال ولا بالمصطلح بل بالجهتين العرفيّتين انتشر الفساد كثيراً بسبب الزيادة فيهما والنقصان الملحق لهما تارةً بعلامة الشام واخرى بعلامة العراق وثالثاً بزيادة عنهما. وتخصيصهما أيّ جهتي المشرق والمغرب العرفيّين بما يوافق جعل الجدي خلف المنكب يوجب سقوط فائدة العلامة ، انتهى. ونحوه ما في «المسالك (٤) والمقاصد العليّة (٥)».

__________________

(١) روض الجنان : في الاستقبال ص ١٩٧ السطر الأخير.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : في الاستقبال ج ٢ ص ٧٠.

(٣) الروضة البهية : في القبلة ج ١ ص ٥٠٧ ٥٠٩.

(٤) مسالك الأفهام : في القبلة ج ١ ص ١٥٣ ١٥٤.

(٥) المقاصد العليّة : في القبلة ص ٩١ ٩٢ (مخطوط في المكتبة الرضوية برقم ٨٩٣٧).

٣٠٠