مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ١

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي

مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ١

المؤلف:

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي


المحقق: الدكتور خليل إبراهيم خليل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-3820-0
ISBN الدورة:
978-2-7451-3820-0

الصفحات: ٦٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

جعلت) الحال (قيدا له) ويعنى بالصفة هنا المعنى القائم بالغير لا الصفة النحوية ، أما دلالتها على الصفة المقارنة لما جعلت قيدا له ، فلأنها وضعت لتدل على الهيئة الحاصلة للفاعل أو المفعول فى حال التلبس بالفعل كما تقدم فى المثال ، والهيئة معنى قائم بالغير ، وكونها فى حال التلبس بالفعل المقيد بها هو معنى المقارنة ، وقولنا مثلا : جاء زيد غير راكب ، دال على هيئة هى غير الركوب ، وعلى تقدير التزام أنه لا يدل على الهيئة بل على نفيها ، فنقول : ما تقدم هو الأصل ، ووجود الحال على غير ذلك كما فى المثال نادر ، وأما كون تلك الصفة غير ثابتة فلأن كلامنا إنما هو فى الحال المنتقلة ، والانتقال يقتضى عدم الثبوت والدوام ، وإذا كان الأصل هى المفردة وهى تقتضى ما ذكر (وهو) أى : المضارع المثبت يفيد ما ذكر (كذلك) أى : كالحال المفردة امتنعت فيه الواو كما امتنعت فى المفردة ، وذلك لشبهه بها فى إفادته ما تقدم ، أعنى أنه دال على حصول صفة غير ثابتة مقارن ذلك الحصول لما جعلت الحال قيدا له ، كما دلت المفردة على ذلك.

ولما كانت دلالة المضارع على الصفتين وهما حصول صفة غير ثابتة ، وكون ذلك الحصول مقارنا لما جعلت الحال قيدا له ، فيها بعض الخفاء أشار إلى بيان ذلك فقال : (أما الحصول) أى : أما دلالة المضارع على الحصول المذكور ، وهو حصول صفة غير ثابتة (ف) يحصل الأمران أعنى : كون الصفة حاصلة وكونها غير ثابتة (ل) أجل (كونه فعلا مثبتا) من جهة كون المضارع مثبتا ، يفيد الحصول لمضمونه ووقوعه لا نفى ذلك المضمون لعدم النافى ، ومن جهة كونه فعلا يفيد عدم ثبوت ذلك الحصول وعدم دوامه ، وذلك لأن الفعل فى أصل وضعه يدل على التجدد المقتضى للعدم ، أما إفادته الحصول من جهة الإثبات فواضح ، وأما إفادته عدم الثبوت والدوام من جهة كونه فعلا والفعل يفيد التجدد ففيه نظر ؛ لأن غاية ما فى التجدد الوجود بعد العدم والمطلوب هو الانتفاء بعد الوجود ، والفعل لا يدل على ذلك وقد يجاب بأن الفعل يدل على التجدد وقتا فوقتا وفى ضمن ذلك الانتقال وعدم الثبوت ، ويرد بأن ذلك ليس أصلا فى الفعل بل الدلالة عليه بالقرائن ، وقد يجاب أيضا بأن المعنى الذى تقرر فيه سبق العدم الذى هو

٦٠١

مدلول الفعل غالبه الانتفاء والانتقال ، لا سيما فى أفعال المحاورات التى هى أفعال الحوادث ، فبنى ذلك الأمر على ذلك الغالب.

(وأما المقارنة) أى : وأما دلالة المضارع على المقارنة بين ذلك الحصول وما جعلت الحال قيدا له (ف) تحصل تلك المقارنة (ل) أجل (كونه) أى : الفعل (مضارعا) والمضارع يكون للحال الذى هو زمان النطق به ، كما يكون للاستقبال وذلك يقتضى مقارنة مضمونه لذلك الزمان ولو قيل بأنه فى أحدهما مجازا ، وبقولنا وذلك يقتضى مقارنة مضمونه لذلك الزمان يعلم ما فى ادعاء إفادة المضارعة للحال المفيدة للمقارنة من البحث ؛ لأنه يستفاد منه أن الحال الذى يدل عليها المضارع وتفيد مقارنة معناه له هو زمان التكلم وحقيقته أجزاء متعاقبة ، هى أواخر الماضى وأوائل المستقبل وهذا عند التوسع والتساهل ، وإلا فالحال هو الجزء الذى يصادف تمام النطق ، وإنما قلنا تمام النطق ؛ لأن الكلام لا يعتد به بدون تمامه فهو المعتبر ولو لا هذا الاعتبار لقيل الحال هو الأجزاء من الزمان التى تصادفها أجزاء النطق ، وإذا علم أن هذا هو الحال الذى يفيده المضارع وأن هذا إنما يفيد مقارنة مضمونه لوقت التكلم فهم أنه لا يدل على الحال التى هى حال مقارنة معنى الصفة لحكم الفاعل والمفعول الذى نحن بصدده ، والجواب عن ذلك بأن الحال فى الجملة يستروح منه معنى المقارنة لا يفيد ؛ لأن التعليل يصير وهميا لا حقيقيا ، فلا يثبت به مشابهة المضارع المثبت للحال الذى عللنا به امتناع الواو فيه وإذا تحقق أن المضارعة لا دخل لها فى الحال المفيدة للمقارنة التى نحن بصددها إذ هى حال مقارنة معنى الصفة لمضمون الفعل الذى جعلت قيدا له فى فاعل أو مفعول ، سواء كان ذلك الفعل ماضيا كقولك : جاء زيد راكبا ، أو مضارعا كيجيء راكبا حالا أو استقبالا علم أنه ينبغى أن يعدل فى تعليل امتناع الواو فى المضارع المثبت إلى علة أخرى ، كأن يقال امتناع الواو فيه ؛ لأنه على وزن اسم الفاعل لفظا أى : عدد حروفه كعدد حروف اسم الفاعل ، والساكن فيه فى مقابلة الساكن فيه والمتحرك كذلك كقولك : يحكم وحاكم وهو على تقديره فى المعنى ؛ لأن كلا منهما يصح أن يستعمل مكان الآخر مضيا وحالا واستقبالا فتقول : أنا حاكم مكان أحكم ، ويقع ذلك كثيرا ولو كان قد

٦٠٢

يدعى فى أحدهما أنه فى ذلك المعنى مجاز وهذا التعليل كاف ؛ لأن الغرض ضبط ما تقرر بتعليل مناسب ، وذلك ظاهر ، ثم إنا إذا نظرنا إلى التعليل المشار إليه فيما تقدم للربط بالواو ، وهو أنه إنما يعدل عن الضمير إليه عند وجود الحاجة إلى مزيد الربط لم ينطبق مع هذا الكلام إلا إذا فسرت الحاجة إلى مزيد الربط بعدم مشابهة الحال المفردة وفسر عدم الحاجة بالمشابهة والتفصيل الآتى يمكن حمله على ما يساعد ذلك ، وقد تقدم مبحث فى مقتضى ذلك التعليل فليراجع.

وإنما قلنا لم ينطبق مع هذا الكلام إلى آخره ؛ لأن مقتضى ما تقدم أن الواو يؤتى بها مع الحاجة إلى الربط سواء شابهت تلك الجملة المفرد أولا إذ لا تنافى الحاجة مشابهة المفرد ومقتضى هذا الكلام سقوط الواو عند المشابهة ، كانت الحاجة إلى الربط أولا فلم يطابق ما تقدم هذا إلا إن رد إليه كما ذكرنا بأن تفسر الحاجة بعدم المشابهة وعدم الحاجة بالمشابهة ، ولما ورد ما ظاهره يناقض ما نقرر ، وهو أن الجملة المصدرة بالمضارع المثبت لا ترتبط بالواو أصلا أشار إلى الجواب عن ذلك فقال : (وأما ما جاء من) ما يوهم خلاف هذا نحو قول بعض العرب : (قمت وأصك وجهه) أى : فى حال كونى صاكا أى : ضاربا وجهه فإن ظاهره ارتباط ذلك المضارع المثبت ، وهو أصك بالواو (وقوله : فلما خشيت أظافيرهم) (١) أى : خشيت أن يصيبونى بأظافيرهم أى : أسلحتهم (نجوت وأرهنهم) أى : نجوت منهم بنفسى حالة كونى راهنا لهم (مالكا) وهو اسم رجل كما قيل أو اسم فرس فقوله : وأرهنهم جملة حالية مصدرة بالمضارع المثبت ، وقد ربطت بحسب الظاهر بالواو وزيادة على الضمير (فقيل) هو جواب أما أى : وأما ما ورد من نحو المثالين فعنه أجوبة ، فقيل فى الجواب عن ذلك أن الواو إنما دخلت فى الحقيقة على المبتدأ ، ولو كانت بحسب الظاهر إنما دخلت على

__________________

(١) البيت لعبد الله بن همام السلولى في إصلاح المنطق (٢٣١ ، ٢٤٩) ، خزانة الأدب (٩ / ٣٦) ، الشعر والشعراء (٢ / ٦٥٥) ، ومعاهد التنصيص (١ / ٢٨٥) ، ولسان العرب (رهن) ، ولهمام بن مرة فى تاج العروس (رهن) ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص (١٦٤) ورصف المبانى (٤٢٠) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٤٦).

٦٠٣

المضارع المثبت فالكلام (على حذف المبتدأ) فالجملة اسمية (أى) قمت (وأنا أصك و) نجوت و(أنا أرهنهم).

وهذا كما قيل فى قوله تعالى ـ حكاية عن موسى على نبينا وعليه الصلاة والسّلام ـ (يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ)(١) وقيل إن الآية ليست على تقديره ، بناء على أن الواو يجب دخولها على المضارع المدخول لقد فلا يحتاج لتقدير وإذا كان ما ذكره على تقدير المبتدأ اندفع ما يتوهم ؛ لأن الجملة حينئذ غير مصدرة بالمضارع المثبت ، لكن ورد عليه أن الجملة الاسمية إذا وردت حالا روعى فيها معنى التجدد من جهة المعنى ، فتدل على حصول صفة غير ثابتة وقد وجد فيها المضارع الدال على المقارنة فتتم فيها العلة المانعة للواو لوجود المشابهة بذلك للمفردة ، كذا أشير إليه ولا يخفى أن التجدد فى الاسمية عارض حينئذ لا مدلول لها حتى تكون كالمضارعة فى مشابهة المفرد ، وهذا الجواب عما ورد من مثل ما ذكر وهو تقدير المبتدأ هو مرتضى ابن مالك (وقيل) أيضا فى الجواب عن ذلك (الأول) يعنى قولهم : قمت وأصك وجهه (شاذ) لا يخرم القاعدة المبنية على الأكثر والآية الكريمة على هذا خارجة عما ذكر بوجود قد الموجبة لدخول الواو ، فيكون الكلام إنما هو فيما صدر بالمضارع المثبت بلا وقد ولكن يرد عليه قوله تعالى : (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ)(٢) أى : قالوا ذلك والحال أنهم كافرون بما وراءه وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(٣) أى : كفروا حال كونهم صادين عن سبيل الله فيتعين الجواب بتقدير المبتدأ أو بجعل الفعلين بمعنى المضى على أن الواو عاطفة ، كما يأتى فى الجواب الثالث (والثانى) يعنى قول الشاعر : نجوت وأرهنهم (ضرورة) لا تخرم القاعدة المبنية على التوسعة.

__________________

(١) الصف : ٥.

(٢) البقرة : ٩١.

(٣) الحج : ٢٥.

٦٠٤

(وقال) الشيخ (عبد القاهر) فى الجواب عما ذكر (هى) أى : الواو (فيهما) أى : فى قولهم : قمت وأصك وقوله : نجوت وأرهنهم (للعطف) لا للحال فليس المعنى قمت صاكا وجهه فى الأولى ، ولا المعنى فى الثانى نجوت راهنا لهم مالكا بل المعنى على العطف والمضارع بمعنى المضى (والأصل) فيهما قيل تحويل صيغة المضى قمت و(صككت) ونجوت (ورهنت) بعطف صككت على قمت ورهنت على نجوت ثم (عدل) عن لفظ الماضى المذكور (إلى) صيغة (المضارع حكاية للحال) أى : إنما عدل إلى صيغة المضارع لقصد حكاية الحال ، ومعنى حكاية الحال أن يقدر المعنى الماضى حاضرا الآن أو يقدر المتكلم نفسه حاضرا فيما مضى ، فيعبر عن ذلك المعنى بصيغة الحضور وهى صيغة المضارع ؛ لأنها تدل فى الأصل على أن المعنى موجود حال التكلم ، وإنما يعتبر ذلك إذا كان ذلك المعنى فيه غرابة وإعجاب فيقصد إلى إحضاره ليتعجب منه بما يمكن وهو الصيغة كما يقال : تعرض لى الأسد فأضربه بالسيف فأجهز عليه قصد الإحضار هذا المعنى الغريب ليتعجب منه وهو الإجهاز بالسيف على الأسد المتعرض ، وإذا كانت الواو للعطف لم يرد ما ذكر على القاعدة (وإن كان) الفعل مضارعا (منفيا) عطف على معنى قوله : إن كانت فعلية والفعل مضارع مثبت إذ هو فى تقدير : فإن كان الفعل مضارعا مثبتا فعطف عليه ، وإن كان منفيا.

وقوله : (فالأمران) جوابه أى : فالأمران جائزان يعنى على السواء ولا ترجيح لأحدهما ، ويعنى بالأمرين : الإتيان بالواو وتركه وبعضهم رجح الترك والمراد بالنفى هنا النفى بما أو بلا ، لا النفى بلن ؛ لأنها تخلص للاستقبال ، والجملة الحالية يجب تجريدها عن علم الاستقبال كحرف التنفيس ولن ، وإنما أوجبوا تجريدها عن علامة الاستقبال ؛ لأن كونها حالية وصف ذاتى لها وحرف الاستقبال يحقق لها كونها استقبالية والحالية والاستقبالية متنافيان فى الجملة فكرهوا أن يقارن وصفها الذاتى ما يوجب منافاته فى الجملة ، وإنما قلنا فى الجملة ، لأن الحالية فى الجملة الفعلية واستقباليتها لا تنافى بينهما فى الحقيقة إذ المراد بحاليتها كونها تضمنت قيدا وقع حكم الفاعل أو المفعول فى حال وجود ذلك القيد وهذا لا ينافى الاستقبال لصحة التقييد بالمعنى الاستقبالى والماضى

٦٠٥

والحالى فيقال : يجيء زيد غدا راكبا وجاء أمس راكبا وهو حاضر الآن راكبا ، وإنما ينافى الاستقبال حال التكلم والحال هذه لا تدل على وقت التكلم فتقرر أنهم إنما كرهوا الجمع بين متنافيين فى الجملة ولو كان لا تنافى بينهما فى الحقيقة باعتبار الحالة الراهنة كذا ذكر هذا المعنى ويرد بأن هذا التنافى الوهمى إن روعى بين لفظ الحال ولفظ الاستقبال ، فلم يوجدا معا وإن روعى بين معنى الحال ومعنى الاستقبال ، فهو موجود فى الفعل المضارع المجعول حالا ، ولو لم يتصل بعلامة الاستقبال ، ولذلك قيل فى التعليل إن الفعل المجعول حالا قيد للعامل فى صاحب الحال بجميع أجزائه الدلالية ، فإذا دل على حدث استقبالى أفاد أن ذلك العامل مقيد بحدث استقبالى باعتبار ذلك العامل ، بمعنى أن المقيد كأنه يقول يقع مضمون ذلك العامل فى حال كونه مقيدا بوقوع حدث هو كذا بعده ، وإذا دل على حدث ما ضوى فكذلك ، فإذا قلت : يجيء زيد سيركب كان المعنى إذا وقع مجيئه فإنه يقع فى حال تقييده بوقوع ركوبه بعد ذلك المجيء وإذا قلت : جاء زيد ركب كان المعنى أن مجيئه وقع فى حال كونه مقيدا بركوب قبله ، والتقييد بما فيه القبلية والبعدية ينافى وضع الحال ؛ لأنها للمقارنة ، ولذلك شرط فى الفعل الماضى اتصاله بقد المقربة للمقارنة فتصحح الحالية لجرها إلى الاتصال وتأول المنفى الماضى بما يقتضى المقارنة على ما سيأتى وشرط التجريد من علامة الاستقبال.

والحاصل أن المعتبر فيما يفهم من عرف العربية فى الفعل الذى هو الحال مدلوله الماضوى أو الاستقبالى ، باعتبار ما جعل قيدا له لا باعتبار زمن التكلم فإنه ملغى الاعتبار فى الفعل ، والتقدم والتأخر فى الحال ممنوع ، فوجبت قد فى الماضى لتحصل المقارنة أو ما يجرى مجراها ، والتجريد من علم الاستقبال لتحصل أيضا وهذا التعليل تام إن سلم أنه يفهم فى العربية أن الاستقبال والمضى فى الفعل الواقع حالا إنما هما باعتبار العامل وأن قد تقرب له ، وهو محل نظر فيتأمل.

ثم مثل للأمرين الجائزين على السواء ، أعنى : الإتيان بالواو وتركه فى المضارع المنفى ، فقال : الأول (كقراءة) ابن ذكوان) في قوله تعالى : (فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ)

٦٠٦

بالتخفيف) أى : بتخفيف النون فى لا تتبعان فإنها تكون حينئذ نون الرفع ولا تكون لا ناهية بل تكون نافية فتكون الجملة حالية بالواو لا معطوفة إذ هى خبرية حينئذ ولا تعطف على الأمر الذى هو إنشاء وإذا كانت حالية كان المعنى فاستقيما فى حال كونكما غير متبعين سبيل الذين لا يعلمون ، ومعلوم أن الحال مؤكدة ؛ لأن الاستقامة تتضمن عدم اتباع سبيل الذين لا يعلمون ، وأما حمله فى قراءة التخفيف على أن النون هى النون الخفيفة الساكنة للتوكيد كسرت للساكن قبلها أو على أنها ثقيلة حذفت منها المدغمة ، فمما لا ينبغى التعريج عليه لضعف ارتكابه ، إذ ذلك مما لا دليل على صحته إذ هو تقدير عقلى محض ، وإنما قال على قراءة ابن ذكوان ؛ لأنه على قراءة العامة بالتشديد ليس مما نحن بصدده إذ تصير لا ناهية فيعطف فعل النهى على فعل الأمر قبله ، وهو استقيما.

(و) الثانى : وهو الفعل المضارع المنفى الوارد جملة حالا بلا (نحو) قوله تعالى : ((وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ)) (١) أى : أى شيء يثبت لنا ويتقرر فى حقنا ويكون مانعا لنا من الإيمان فى حال كوننا غير مؤمنين بالله تعالى أى : لا مانع لنا من الإيمان فى حال انتفائه ، بل ذلك إن وقع فبلا سبب ، فالعامل فى الحال هو العامل فى المجرور الذى هو الخبر ، وصاحب الحال هو الضمير المجرور فالفعل المنفى بلا جملة حالية ، ولم يتصل بالواو كما ترى ، ثم أشار إلى علة جواز الأمرين ، وأن ذلك يرجع إلى ما علل به فيما تقدم على ما فيه من البحث ، وهو مشابهته للمفرد فبين أن فيه طرفا من المشابهة ، وبه جاز الترك وطرفا من عدمه وبه جاز الإتيان بها فإن نظر إلى المشابهة سقطت الحاجة إلى مزيد الربط فسقطت الواو وإن نظر إلى عدمها ، جاءت الحاجة فجاءت الواو وهذا هو المنظور إليه فيما يأتى من التفصيل ولما تكافأت الجهتان جاز الأمران على السواء ، على أن الذى ينبغى على هذا أن لا تخيير بل يرتكب أحد الوجهين باعتبار النظر ولكن لم يراع ذلك ؛ لأن القصد تعليل ما وجد بما ينضبط به لا التعليل الموجب للإيجاد فقال : وإنما جاز الأمران (لدلالته) أى : المضارع المنفى (على المقارنة) لما تقدم أن الفعل (من

__________________

(١) المائدة : ٨٤.

٦٠٧

كونه مضارعا) يدل على الحال المستلزم للمقارنة ، وقد تقدم أنه أمر وهمى (دون الحصول) أى : ولم يدل على حصول صفة ، وإنما دل بالمطابقة على نفيها وإن كان نفى الصفة يستلزم حصول ضدها لكن المعتبر فى التعليل هو المطابقة ، التى هى الأصل فإذا قلت مثلا : جاء زيد ولا يتكلم ، فالذى دل عليه قولك ولا يتكلم بالمطابقة ، هو نفى الكلام وإن لزم منه ثبوت السكوت فلا يعتبر بكون الدلالة عليه التزامية ، وحيث شابه الحال المفردة بإفادة المقارنة ولم يشابهها بعدم إفادة حصول صفة روعيت الجهتان فجاز الأمران اللذان كل منهما مقتضى جهة ، كما فى المثالين.

(وكذا) أى : وكما يجوز الإتيان بالواو وتركه فى المضارع المنفى يجوز الإتيان بالواو وتركه أيضا (إن كان) أى : الفعل الذى صدرت به الجملة الحالية فعلا (ماضيا لفظا) ومعنى معا (أو) كان ذلك الفعل ماضيا (معنى) فقط كما إذا كانت صيغته صيغة المضارع ولكن نفى بما يرده فى المعنى ماضويا والذى يرده ماضويا هو لم ولما فالأول وهو الذى يكون ماضيا لفظا ومعنى مقترنا بالواو (نحو قوله تعالى) إخبارا عن نبى الله زكريا على نبينا وعليه الصلاة والسّلام ((أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ)) (١) أى : كيف يوجد لى غلام مولود والحال أنى بلغنى الكبر ، وامر أتى عاقر والسؤال ليس على وجه الشك فى المقدور بل سؤال فرح وتعجب فجملة بلغنى الكبر جملة حالية ، وفعلها ماض اقترنت بالواو وغير مقترن ، نحو قوله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)(٢) فجملة حصرت صدورهم ، جملة حالية وفعلها ماض لم يقترن بالواو ، أى : جاؤكم فى حال كونهم حصرت صدورهم ، أى : ضاقت عن قتالكم مع قومهم أو قتال قومهم معكم.

والثانى وهو أن يكون الفعل ماضيا معنى فقط ، بأن نفى بلم أو لما فيه أربعة أقسام : المنفى بلم مع الواو ، والمنفى بها بدون الواو والمنفى بلما مع الواو ، والمنفى بها بدون الواو ، وقد مثل للأقسام الثلاثة الأول ولم يمثل للرابع وكان ذلك لعدم وجدان

__________________

(١) آل عمران : ٤٠.

(٢) النساء : ٩٠.

٦٠٨

مثال مما يستشهد به ولكن يقتضيه القياس ، فأما مثال الأول وهو النفى بلم مع الواو ، فأشار إليه عاطفا له على ما تقدم بقوله (و) ك (قوله) تعالى حكاية عن مريم عليها‌السلام ((أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)) (١) أى : كيف يكون لى غلام والحالة أنى أعلم حينئذ أنى لم يمسسنى بشر فيما مضى ، وبهذا التقدير يعلم أن العامل فى الحال إن قيد بحال يعلم مضيها أى : يسبقها ذلك العامل وجب تأويلها بما يفيد المقارنة وأن من نص على أن ذلك جائز ولم يبين فكلامه ظاهرى مخالف لأصل وضع الحال وأما الثانى وهو المنفى بلم بدون الواو فأشار إليه بقوله (و) ك (قوله) تعالى : ((فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)) (٢) أى : انقلبوا فى حال كونهم لم يمسسهم سوء فى ذلك الانقلاب ، وأما الثالث وهو المنفى بلما مع وجود الواو فأشار إليه بقوله (و) ك (قوله) تعالى : ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ)) (٣) أى : أم ظننتم دخول الجنة والحال أنكم ما أتاكم مثل الذين خلوا من قبلكم ، وأما الرابع وهو أن يكون منفيا بلما دون الواو فلم يمثل له كما ذكرنا وقد استشهد له بقوله :

فقالت له العينان سمعا وطاعة

وحدرتا كالدر لما يثقب (٤)

ثم أشار إلى العلة فى جواز الأمرين أعنى الإتيان بالواو وتركه فى الماضى المثبت وفى الماضى المنفى فقال : (أما) الماضى (المثبت ف) جواز الأمرين فيه (لدلالته على الحصول) المتقدم وهو حصول صفة غير ثابتة فاللام فيه للعهد وقد تضمن هذا الكلام شيئين : كون الحاصل صفة ، وكون تلك الصفة غير ثابتة أى : غير دائمة وإنما أفاد هذين الشيئين (لكونه فعلا مثبتا) فمن كونه ثابتا لا منفيا يفيد الحصول ومن كونه فعلا والفعل يقتضى التجدد

__________________

(١) مريم : ٢٠.

(٢) آل عمران : ١٧٤.

(٣) البقرة : ٢١٤.

(٤) البيت بلا نسبة في لسان العرب (١١ / ٥٧٢ ، ٥٧٧) (قول) وتاج العروس (قول).

٦٠٩

المستلزم للعدم ، يفيد عدم الثبوت فيشبه الحال المفردة فى دلالته على حصول صفة غير ثابتة (دون المقارنة) فلم يشبهها فيها إذ لا يدل على تلك المقارنة (لكونه) فعلا (ماضيا) فلا يدل على الحال المتضمنة للمقارنة ، كما يدل عليها المضارع فحصول المشابهة فى الحصول المذكور يقتضى سقوط الواو ، وعدم حصول المشابهة فى المقارنة يقتضى الإتيان بالواو (ولهذا) أى : ولأجل انتفاء إفادته المقارنة المبعد له عن كونه كالحال الأصلية (شرط) فيه أعنى : الماضى المثبت (أن يكون مع قد) حال كونها (ظاهرة أو) حال كونها (مقدرة) فالظاهرة كقوله تعالى ـ حكاية عن زكريا عليه‌السلام ـ (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) والمقدرة كقوله تعالى : ((أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)) أى : قد حصرت وإنما شرط قد فى الماضى ليقرب بها من الحال المقتضية للمقارنة ، ورد بأن المراد المقارنة لا مقاربة تلك المقارنة والأصح ذلك فى الماضى المجرد عن قد ؛ لأنه إنما يدل على التقدم عن الحال لا على البعد منها.

نعم وجود قد أوكد فى تلك المقاربة لكن التأكيد لا يدل على الوجوب ، ويشترط فى الماضى الموالى لقد أن لا يكون مواليا ل «إلا» أو متلوا بأو فلا يقال : ما جاء إلا قد ضحك ، ولا : لأضربنه قد ذهب أو مكث وهذا التعليل لجواز الأمرين جار على مقتضى ما تقدم ، ولا يخفى عليك ما فيه من البحث كما تقدم ، إذ الحال التى انتفت عن الماضى ويدل عليها المضارع وتقرب قد إليها وهى زمان التكلم ، خلاف الحال التى نحن بصددها وهى بيان أن زمان حصول الصفة هو زمان حصول مضمون العامل فى ذين ، فإنها تصح مضيا واستقبالا كما تصح حال التكلم ، بل هذه الحال التى نحن بصددها ربما بعدت قد عنها كما إذا قلت : جاء زيد فى السنة الماضية قد ركب فإن مجيئه فى السنة الماضية فى حال الركوب ينافيه قرب الركوب من زمن التكلم الذى هو مفاد قد والجواب عن ذلك كما تقدم ، وهو الذى فى المطول بأن المراد أن المضى والحال فى الجملة متنافيان ، فأتى بعقد المقربة للحال فى الجملة تقدم رده وأنه وهمى محض وتقدم أن الأولى فى الجواب اعتبار المضى باعتبار العامل فى الحال والتقريب بقد باعتباره ، وتقدمت الإشارة إلى خفائه وكذا لا يخفى البحث كما تقدم فى كون الفعل

٦١٠

إنما يستلزم بتجدده سبق الانتفاء لا تأخره الذى هو المراد من عدم الثبوت ، وقد تقدم فيه الجواب ولا يخلو من ضعف.

(وأما) الماضى (ينتفى) بلما أو غيرها (ف) جواز الأمرين فيه أعنى : الإتيان بالواو وتركه إنما هو (لدلالته) أى : الماضى المنفى (على المقارنة) فأشبه بتلك الدلالة الحال المفردة لدلالتها عليها (دون الحصول) فلم يشبهها فيه لعدم دلالته عليه فمن حيث الإشباه بالمفردة فى المقارنة ، يستدعى سقوط الواو كما فى المفردة ومن حيث عدم الإشباه فى الحصول الذى وجد فى المفردة يستدعى الإتيان بها.

(أما الأول) أى : أما دلالته على المقارنة (فلأن) النفى على هذا الفرض إما أن يكون بلما أو بغيرها وأيا ما كان تلزم المقارنة أما لما فالأمر فيها واضح لأن (لما) إنما هى (للاستغراق) فى النفى فيما مضى إلى أن يتصل بزمن الحال ، وهو حال التكلم ، فإذا قيل : لما يقدم زيد فالمعنى أن زيدا انتفى عنه القدوم فيما مضى واستمر إلى الآن أى : إلى وقت التكلم ، ولا يجوز أن يقال لما يقدم بالأمس ، وقدم الآن ؛ لأن وضعه لما لإفادة الاتصال بزمن التكلم على وجه التأكيد والقصد الأصلى فلا يقبل التخصيص بغيره ، كما فى النفى بغيرها ، كما يأتى وقد بنينا على أن ما يدل على زمن التكلم ـ وهو الحال ـ يفيد المقارنة على ما فيه من البحث السابق.

(و) أما (غيرها) أى : غير لما كلم وما ، فدلالته على المقارنة (ل) ما فيه من (انتفاء متقدم) على زمن الحال وهو وقت التكلم (مع) زيادة (أن الأصل) أى : الأمر الكثير فى ذلك النفى بعد تحققه (استمراره) ؛ لأن الكثير فيما تحقق وثبت بقاؤه ، لتوقف عدمه على وجود سببه ، ونفى السبب أكثر من وجوده ؛ لأن العدميات أكثر فيظن ذلك البقاء ما لم يظهر مغير ، وسيأتى زيادة تحقيق لذلك واحترزنا بقولنا ما لم يظهر مغير مما إذا ظهر فلا يكون الأصل بقاءه ، كما إذا شوهد انتفاء ذلك النفى ، فلا يدل على المقارنة ، ويعلل حينئذ جواز الأمرين بعلة أخرى ولأجل صحة وجود المغير فى غير لما لا يكون قولك مثلا فيما إذا لم يضرب زيد بالأمس ، وعلم ضربه الآن لم يضرب زيد أمس لكنه ضرب اليوم تناقضا ، بل يكون تخصيصا لذلك الأصل وإن كان الأصل بقاء

٦١١

النفى الواقع إلى زمن التكلم (ف) حينئذ (تحصل به) أى : بالنفى الموصوف بأن الأصل بقاؤه أو بكون الأصل فيه بقاءه (الدلالة عليها) أى : تحصل بالاستمرار الدلالة على المقارنة (عند الإطلاق) من التقييد بما يدل على التغيير وانقطاع النفى وإنما حصلت المقارنة بالاستمرار إلى زمن التكلم لأنا بنينا على أن الدلالة على حال التكلم كما فى المضارع تدل على المقارنة ، وقد علمت ما فيه فإذا قلت جاء لم يتكلم أو ما تكلم أفاد المقارنة للنفى ، بسبب كون الأصل استمراره (بخلاف) الماضى (المثبت) فلا يفيد الاستمرار المقتضى للمقارنة لا وضعا ولا استصحابا ، كما فى الماضى المنفى أما عدم إفادته ذلك وضعا فظاهر (فإن وضع) أى : لأن وضع (الفعل) كائن (على) قصد (إفادة) مطلق (التجدد) الذى هو مطلق الثبوت بعد الانتفاء ، فإنك إذا قلت : ضرب مثلا كفى فى صدقه وقوع الضرب فى جزء من أجزاء الزمان بخلاف ما إذا قلت ما ضرب فإنه يفيد استغراق النفى لجميع أجزاء الزمان إما لمراعاة الأصل كما تقدم وإما لأن الفعل حينئذ كالنكرة المنفية بلا فى سياق النفى ، فإذا لم يشهد الفعل المثبت إلا بمطلق التجدد والماضى فرد من أفراد الفعل لم يفد أزيد من ذلك وضعا وهو الاستمرار ، بخلاف المنفى (و) أما عدم إفادته ذلك بالاستصحاب كما يفيده النفى ف (تحقيقه) أى : بيانه (أن استمرار العدم) الذى هو مفاد الماضى المنفى (لا يفتقر إلى) وجود (سبب) بل إلى نفى وجود السبب فسهل فيه الاستصحاب المؤدى إلى المقارنة (بخلاف استمرار الوجود) الذى هو مفاد الماضى المثبت فإنه يفتقر إلى سبب موجود لا إلى نفى السبب ، لما تقرر أن العدم فى حق الممكن يكفى فيه نفى السبب ؛ لأنه أصل له ووجوده لا بد له من سبب موجود ، وأما استمراره ليفيد فيه وجودا إثر وجود فلا بد له من سبب موجود مستمر ليجدد الوجودات ، فصعب فيه الاستمرار فلهذا لم يعتبر فى المثبت الاستصحاب واعتبر فى المنفى وعلى هذا لا يرد أن يقال : كما أن المنفى يدل على حصول نفى الفعل واستصحب ، لأن الأصل بعد تحقق الشيء استمراره كذلك المثبت يدل على حصول الفعل فيستصحب ؛ لأن الأصل بقاؤه ما لم يظهر مغير وذلك لأنا نقول الاستصحاب فى الإثبات صعب لما ذكر بخلاف النفى ، فاعتبر دوامه بالأصل ولم يعتبر فى المثبت وإنما

٦١٢

اعتبر الدوام لأحدهما دون الآخر ولم يعتبر مطلق التحقق فى كل منهما ، لأنهم قصدوا أن يكون الإثبات والنفى على طرفى النقيض ، ولا يتحقق التناقض بينهما إلا باعتبار أحدهما عاما والآخر جزئيا وجعل العموم فى النفى لسهولته كما تقدم ، وإذا ورد النفى على النفى جعل النفى الوارد عاما والمورود عليه جزئيا كالإثبات ليتحقق التناقض فتحقق بهذا أن لا مقارنة فى المثبت ، لعدم استصحابه لزمن التكلم ونحن بنينا على أن مقارنة زمانه هو المعتبر على ما تقدم فيه ولكن فيه الحصول ، وأن المنفى فيه المقارنة لاستصحابه لزمن حال التكلم وليس فيه حصول صفة ، بل نفى حصولها وإلى بيانه أشار بقوله : (وأما الثانى) يعنى عدم دلالته على حصول صفة (فلكونه) أى : الفعل المذكور (منفيا) والمنفى إنما يدل النفى فيه بالمطابقة على نفى صفة لا على ثبوتها ، وكون الثبوت حاصلا باللزوم غير معتبر فتقرر بهذا أن المنفى يشبه الحال المفردة فى إفادة المقارنة ، فاستحق بذلك سقوط الواو ولا يشبهها فى الدلالة على حصول صفة غير ثانية ، فاستحق بذلك الإتيان بها فجاز الأمران فيه كما جاز فى المثبت وقد علم مما تقرر أن الدلالة فيه على المقارنة حيث نفى بلما أقوى منها ، حيث نفى بغيرها سواء قلنا إن النفى بغيرها إنما أفاد الاستغراق بالأصالة كما مشي عليه المصنف أو قلنا إنما أفاده لكون الفعل فى معنى النكرة فى سياق النفى ، وهو أولى ، وذلك لأن الدلالة على الاتصال بزمن الحال فى النفى بلما مقصود وضعا متأكد القصد ، كما مر ولذلك يقال : إن الاتصال بزمن التكلم فيها قطعى بخلاف النفى بغيرها ، فهو بالالتزام الأصلى أو بالوضع من غير تأكد ، قصد الدلالة فالدلالة فيه ليست قطعية ، بل ظنية بالأصالة أو بطريق العموم هذا كله إنما هو إن كانت الجملة الحالية فعلية.

(و) أما (إن كانت) الجملة الحالية (اسمية فالمشهور) عند علماء العربية (جواز تركها) أى : ترك الواو فيها ، ويتضمن جواز الترك جواز الإتيان بها ؛ لأن الجواب فى الأصل يقابل الوجوب والامتناع ونص على جواز الترك لأنه هو المختلف فيه وأما الإتيان فلم يقل أحد بامتناعه فى الجملة الاسمية إلا لعارض كما سينبه عليه ، وإنما جاز

٦١٣

الترك فى الجملة الاسمية (لعكس) أى : لأجل أنها تحقق فيها عكس (ما مر فى) الفعل (الماضى المثبت) والذى مر فى الماضى المثبت هو دلالته على حصول صفة غير ثابتة دون المقارنة ، وعكسه الموجود فى الجملة الاسمية هو دلالتها على المقارنة من جهة إفادتها الدوام والثبوت المقتضى للاستمرار حتى فى زمن التكلم ، وقد بنينا على أن المقارنة يقتضيها الحصول زمن التكلم على ما فيه من البحث ، من غير أن تدل على حصول صفة غير ثابتة ؛ لأن الفرض دوامها فلا يمكن عدم الثبوت فتشبه المفردة ، من جهة إفادة المقارنة وذلك يستدعى سقوط الواو ، ولا تشبهها من جهة عدم دلالتها على حصول صفة غير ثابتة ، وذلك يستدعى وصلها بالواو ، فلما أن وجد فيها الداعى لكل منهما جاز الأمران كما مر فى غيرها وذلك (نحو) قولك فى سقوطها (كلمته فوه إلى فىّ) أى : حال كونى مشافها له ، ويجوز أن يقال وفوه إلى فىّ بالواو بلا إشكال وأما وجوب سقوطها فى الاسمية المعطوفة على المفردة كقوله تعالى : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ)(١) فلعروض كراهية الجمع بين واو الحال التى أصلها للعطف ، إذهى للربط الذى هو كالعطف ، وحرف العطف الذى هو أو وورد على ما ذكر من التعليل فى الجملة الاسمية وهو أنها تدل على المقارنة دون الحصول نحو : جاءنى زيد وعمرو يتكلم مما أخبر فيها بالمضارع المثبت ، فإنه يدل كما تقدم على الحصول والمقارنة معا ، فينتقض ما ذكر فى الجملة الاسمية وقد يجاب بأن التعليل ناظر إلى أصل الجملة الاسمية وذلك كاف ؛ لأن هذه الأمور بيان لعلل ما وقع لمجرد الضبط بالمناسبة ، لا بيان للأمور المثبتة للأحكام وإلا فكل ما ذكر المصنف محتمل عند التحقيق كما تقدم.

وورد أيضا أن كون الجملة الاسمية للدوام والثبوت يقتضى خروج الكلام عما نحن بصدده ؛ لأن الكلام فى الحال المنتقلة وأما غيرها فقد تقدم امتناع الواو فيها مطلقا ، وقد يجاب أيضا بما أشير إليه من أن ذلك منظور فيه للأصل واكتفى بذلك على وجه التوسع ، وإلا فكونها منتقلة يمنع ذلك الأصل (وأن دخولها) هو عطف على قوله جواز أى : المشهور جواز الترك ، والمشهور أيضا أن دخول الواو فى تلك الجملة الاسمية (أولى)

__________________

(١) الأعراف : ٤.

٦١٤

من تركها فيها (لعدم دلالتها على عدم الثبوت مع ظهور الاستئناف فيها) أى : وإنما قلنا دخولها أولى ؛ لأن الجملة الاسمية ليس فيها دلالة على عدم الثبوت للصفة ، بل على الثبوت والدوام لها ، لكونها اسمية وذلك مفادها مع زيادة ظهور الاستئناف فيها دون الفعلية فإنّ الفعلية ولو كانت مستقلة ، لكن حاصلها الفعل والفاعل ، وذلك حاصل الحال المفردة المشتقة بخلاف الاسمية ، فقد يكون جزآها جامدين ، فلا يكون حاصلها كحاصل المفردة التى لا استئناف فيها ، فكان الاستئناف فيها أظهر منه فى الفعلية وإذا بعدت عن المفردة من دلالتها على الثبوت والدوام ، ومن ظهور الاستئناف (فتحسن) فيها حينئذ (زيادة رابط) هو الواو لظهور انفصالها على العامل فى صاحب الحال ، والانفصال يحتاج إلى مزيد ربط بخلاف الاتصال وذلك (نحو) قوله تعالى : ((فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) (١) فجملة (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة حالية مصدرة بالواو على وجه الأولوية ، وقوله : تعلمون ، يحتمل أن يكون المراد به وأنتم من أهل العلم والمعرفة أى : ومن شأن العالم التمييز بين الأشياء ، فلا يدعى مساواة الحق للباطل ، فيكون بمنزلة اللازم إذ لا يطلب له مفعولا حينئذ ، ويحتمل أن يكون المراد وأنتم تعلمون ما بين الله تعالى وبين الأنداد التى تدعونها من التفاوت الكلى ؛ لأنهم مخلوقون عجزة والله خالق قادر فكيف تجعلونهم أندادا له وقد صرح المصنف فى هذا الكلام بمشهورية جواز ترك الواو فى الجملة الاسمية من غير تفصيل بين ما فيه ظرف مقدم ، وما لا ، وبين ما فيها حرف ابتداء مقدم وما لا ، وبين ما عطفت على مفرد وما لا ، ومن غير أن يشترط فى الجواز ظهور تأويلها بالمفرد.

وكلام الشيخ عبد القاهر يخالف ذلك فإنه حكم فى غير المبدوءة بالظرف ، وغير المبدوءة بحرف الابتداء وغير المعطوفة على مفرد بوجوب الإتيان بالواو فيمتنع تركها إلا لظهور التأويل بالمفرد وأشار المصنف إلى كلامه فقال : (وقال عبد القاهر : إن كان المبتدأ) فى الجملة الاسمية الحالية (ضمير ذى الحال وجبت الواو) فيها سواء حين

__________________

(١) البقرة : ٢٢.

٦١٥

كانت مبدوءة بضمير ذى الحال كان خبر ذلك الضمير فعلا (نحو) قولك : (جاء زيد وهو يسرع أو) كان خبره اسما نحو قولك : جاء زيد (وهو مسرع) ؛ لأن المضارع وفاعله فى تأويل اسم الفاعل وضميره ، فتجب الواو فى الحالين ، وذلك لما تقرر أن أمر الواو وجودا وعدما فى الجملة يدور على كونها ليست فى حكم المفردة ، أو فى حكمها فالجملة لا يترك فيها الواو حتى تدخل فى جملة العامل بأن تكون من متعلقاته ومن قيوده وصلته ، وتنتظم إليه فى إثباته وتقدر تقدير المفرد فى أن لا تستأنف لها إثباتا زائدا على إثبات العامل ، بل تضاف إليه كما فى المفردة ، بمعنى أنك إذا قلت : جاء زيد راكبا ، فالمثبت هو المجيء حال الركوب ، لا مجيء مقيد بإثبات مستأنف للركوب كما هو مقتضى أصل الجملة الحالية ، فإذا كانت الجملة بمنزلة هذا المفرد فى عدم استئناف إثبات لها بل أدخلت فى ثبوت العامل ، كقولك : جاء زيد يسرع ، فإن المقصود الحكم بإثبات المجيء حال السرعة لا الحكم بإثبات مجيء مقيد بإثبات مستأنف للسرعة ، سقطت الواو لما تقدم أن المضارع مع فاعله فى تأويل اسم الفاعل وضميره ، وإن لم تكن بمنزلة المفرد أتى بها وذلك كالتى صدرت بضمير ذى الحال فإنها لا يمكن إدخالها فى حيز العامل إدخالا تكون فيه كالمفردة فى أن لا يستأنف لها إثبات ، فإنك إذا قلت : جاء زيد وهو يسرع أو وهو مسرع لم تستطع أن تدعى أن السرعة لم تستأنف لها إثباتا زائدا على إثبات المجيء ؛ لأنك أعدت المسند إليه بذكر ضميره المنفصل كان بمنزلة إعادة لفظه فقولك : وهو يسرع ، بمنزلة وزيد يسرع وإعادة لفظه إنما تكون لقصد استئناف إثبات حديث عنه إذ لو لم تقصد ذلك الاستئناف لوجب أن تقول مسرعا أو يسرع ؛ لأن المضارع كالوصف فمن أول وهلة يكون داخلا فى ثبوت العامل كما قررناه آنفا ، ولو قصدت هذا المعنى ـ أعنى : ضمها إليه ضم المفردة ـ كنت قد تركت المبتدأ بمضيعة وجعلته لغوا فى البين أعنى : فيما بين الحال وعاملها ؛ لأن القصد حينئذ إلى نفس تلك الحال المفردة التى ليس لها فى صيغة التركيب إثبات زائد على إثبات عاملها.

٦١٦

فقولك : وهو مسرع ، إذا لم تقصد فيه استئناف الإثبات بمنزلة ما لو قلت جاء زيد وعمرو يسرع أمامه ، ثم تزعم أنك لم تستأنف كلاما ، ولا أنشأت للسرعة المنسوبة لعمرو إثباتا وإنما أتيت بمتعلق من متعلقات الكلام أعنى : المتعلق الذى لا يمكن استقلاله عن تقرير نسبة العامل فيه.

فتقرر بهذا أن الجملة الاسمية لما كانت لقصد استئناف النسبة والاستئناف يشتمل على الانفصال ، والانفصال فيها يستدعى إذا جعلت حالا ربطها بالواو كان القياس فيها ربطها بالواو ليحصل وصلها بما قبلها فإن عدل عن الواو فلضرب من التأويل كما فى قوله تعالى : (بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ)(١) بترك الواو فيها لتأويل أن الواو كحرف العطف فلا يجتمع مع حرف عطف آخر ، أو لضرب من التشبيه بالمفرد كما فى قولك : كلمته فوه إلى فى ؛ لأنه يتبادر منه أن المعنى مشافها ، وكذلك قوله تعالى : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)(٢) أى : متعادين وهذا التأويل لا يحسن فى نحو : جاء زيد هو يسرع ، ولذلك قيل إن إسقاط الواو فيه خبيث ، وذلك لأن التأويل فيه ليس باستخراج معنى من الجملة يعبر عنه بالمفرد قد باح به السياق فعدل عنه لمعنى فى الجملة كالتصريح بعداوة بعضهم بعضا المفيد للتفريع على التعادى من الإبعاض مع شمول الجنس لهم بخلاف قولنا : متعادين ، فليس صريحا فى ذلك ولو اقتضاه وإنما التأويل بإسقاط الضمير الذى هو كالتكرار فلا فائدة للإتيان به ثم تأويله بالإسقاط ، بخلاف التأويل فى الجملتين إنما هو من جهة المعنى المدلول عليه بالسياق وليس سهل الإخراج ، إذ ليس بإسقاط ما هو كالتكرار وقوله : أى : قول القائل جاء زيد وهو يسرع ، بمنزلة : جاء زيد وزيد يسرع ، وهو بمنزلة : جاء زيد وعمرو يسرع أمامه مشتمل على تشبيه جاء زيد وهو يسرع بما كرر فيه لفظ زيد أو ذكر موضع الضمير أجنبى ، ومعلوم أن المشبه لا يقوى قوة المشبه به وذلك يقتضى أن ما ذكر فيه لفظ صاحب

__________________

(١) الأعراف : ٤.

(٢) البقرة : ٣٦.

٦١٧

الحال أو ذكر موضعه أجنبى أقوى فى منع الواو مما ذكر فيه الضمير المنفصل وظاهر كلام المصنف خلافه.

فإن قيل : الجملة الحالية فى موضع المفرد دائما فكيف يتحقق كون بعضها فيها استئناف نسبة والاستئناف موجب للواو ، وبعضها فيها مشابهة للمفرد المسقطة للواو وإمكان المفرد فى موضع كل جملة ظاهر حتى إنك إذا قلت : جاء زيد والشمس طالعة فهو تأويل جاء زيد مصاحبا لطلوع الشمس ، بل تقول حينئذ ـ إذا كانت فى موضع المفرد ـ فأى فائدة للعدول إلى الجملة أصلا (قلت) أما العدول إلى الجملة فعند تعلق الغرض بمفادها ، كما إذا كان المقام مقام إنكار تقرر مضمون الجملة فيعدل إلى الجملة ؛ لأنها أقوى دلالة على ثبوته كما تقدم ، وأما تحقق كون بعضها أظهر فى الاستئناف دون بعض ، فيحتاج إلى الواو فى البعض الأول دون الثانى ، فالتى كان فى تأويلها تمحل من جهة أن المقصود بالذات فيها هو النسبة أو جهة بعدها عن التأويل معنى ولفظا لعدم إشعارها بذلك المؤول به تظهر أولويتها بحال الجمل الذى هو الاستئناف ، والتى سهل تأويلها لدلالة السياق عليه وعلى قصده لا يظهر ذلك فيها ، فقربت من حال المفرد وهو عدم الاستئناف فليتأمل.

ثم قال الشيخ عبد القاهر : (وإن جعل نحو) قولك : (على كتفه سيف) مما تقدم فيه الظرف أو المجرور على اسم مرفوع (حالا) أى : إذا وقع موقع الحال كأن يقال : جاء زيد على كتفه سيف (كثر فيها) أى : كثر فى تلك الحال (تركها) أى : ترك الواو لعلة ستذكر ، وذلك (نحو) قول بشار (إذا أنكرتنى بلدة) (١) أى : أنكرنى أهلها بأن أنكروا فضلى ولم يعرفوا لى حقى (أو نكرتها* خرجت) من تلك البلدة التى أنكرنى أهلها (مع البازى) أى : خرجت منها فى بقية من الليل ، وكنى عن الخروج فى بقية من الليل بالخروج مع البازى ؛ لأنه كما قيل أبكر الطيور فى خروجها من وكورها ، وقوله :

__________________

(١) البيت أورده محمد بن على الجرجانى في الإشارات ص (١٣٦) ، والبيت فى ديوانه ص (٣ / ٤٩) والدلائل ص (١٥٧) ، والتبيان ص (١٢٠).

٦١٨

(على سواد) حال مؤكدة أى : خرجت فى ذلك الوقت حال كونى ملتبسا بشيء من الظلمة من غير أن أنتظر إسفار الصبح.

ولا شك أنه مثل قولك على كتفه سيف فى تقدم المجرور ، وتأخر اسم مرفوع ، وفى إعرابه احتمالان :

أحدهما : أن يجعل فاعلا بالظرف لاعتماده على صاحب الحال وعلى هذا فالظرف إما مقدر باسم الفاعل أو بالفعل.

وثانيهما : أن يجعل مبتدأ والمجرور قبله خبره قال الشيخ عبد القاهر : الوجه الأرجح من هذين أن يجعل فاعلا ، ورجح هذا الوجه لاستلزامه نفى تقديم ما أصله التأخير قال : وينبغى ههنا خصوصا أن الظرف فى تقدير اسم الفاعل دون الفعل اللهم إلا أن يقدر فعل ماض بقد.

قال المصنف فى الإيضاح : ولعله إنما اختار تقديره باسم الفاعل لرجوعه بذلك التقدير إلى الحال المفردة التى هى الأصل قال : ولذلك كثر ترك الواو يعنى ؛ لأن التقدير الجالب إلى الأصل راجح فيترجح موجبه وهو ترك الواو قال : وإنما جوز التقدير بالماضى لمجيئها بالواو قليلا بخلاف المضارع ، فلم يجوزه إذ لو قدرت به لم يجر بالواو أصلا ؛ لأنه مضارع مثبت كما تقدم ، وفى كلامه نظر ؛ لأنه إن أراد أن تقدير المفرد ومنع المضارع لعلة أخرى غير ما ذكر المصنف فلم يتبين بعد وإن أراد ما ذكر المصنف ورد عليه أن نحو : على كتفه سيف إن كان خبرا أو نعتا كأن يقال : زيد على كتفه سيف ومررت برجل على كتفه سيف ، فالأصل فيهما الإفراد فينبغى على هذا أن يقدر فيهما لهذه العلة أيضا وهى كون أصلهما الإفراد فلا يبقى معنى لقوله ، وينبغى أن يقدر ههنا خصوصا ، لأنه ينبغى أن يقدر فى غير ذلك أيضا ، فالواجب أن يبين سبب التقدير بالإفراد فى خصوص الحال لا سبب يعمه وغيره إذ لا يطابق كلامه ورد عليه أيضا أن تجويز تقدير المضارع لا يمنع وجود الواو ؛ لأنه عند وجود الواو يقدر بالماضى لا بالمضارع وعند انتفائه يقدر بالمضارع إن شئنا ولو كان تجويز تقدير ما يمتنع معه الواو مانعا من الواو ولمنع تجويز تقدير اسم الفاعل ؛ لأن الواو ممتنعة مع وجوده بالأخرى ،

٦١٩

وقد تبين بما ذكر أن لا مانع من تقدير المضارع ، فى نحو على كتفه سيف إن جعل الاسم مرفوعا على أنه فاعل ففيه حينئذ أربعة أحوال : جواز تقدير المضارع ، وجواز تقدير اسم الفاعل ـ وهو أرجح لنزوعه إلى الأصل ـ وجواز تقدير الماضى ، وجواز تقدير الجملة الاسمية فعلى التقديرين الأولين تمتنع الواو ؛ لأن اسم الفاعل مفرد ، والمضارع المثبت مثله فى المنع وعلى الأخيرين لا تجب ، بل تجوز لجواز الواو فى الجملة الاسمية وفى الماضى لا سيما مع قد وما يمتنع على التقديرين مع رجحان أحدهما لكونه الأصل ويجوز سقوطه على تقديرين آخرين كان الراجح والأكثر تركه وهذا هو الذى يظهر أن يقال فى تعليل كثرة سقوط الواو لا تقدير الحال بالإفراد فقط ، ولو كان مناسبا أيضا كما بينا ؛ لأن هذا مشتمل عليه وزيادة وقد علم أيضا مما تقرر أن وجه ترجح الشيخ لتقدير الإفراد فى خصوص الحال دون الخبر والنعت لم يتبين بعد فليفهم.

ثم ما ذكر من كثرة سقوط الواو من مثل على كتفه سيف إذا كان حالا إنما هو إذا كان صاحب الحال معرفة كما مثلنا ، وأما لو كان نكرة لوجبت الواو لئلا يلتبس الحال بالنعت كقولك : جاءنى رجل طويل وعلى كتفه سيف فتجب الواو هكذا وإلا كان نعتا ، وقال الشيخ عبد القاهر أيضا : (ويحسن الترك) أى : يحسن ترك الواو من غير وجوب فى الجملة الاسمية (تارة) أى : فى بعض الأحيان (ل) أجل (دخول حرف الابتداء) على تلك الجملة الاسمية وإنما حسن ترك الواو فيها حينئذ ؛ لكراهية اجتماع حرفين فيها وقيل : لأن دخول الحرف يحصل به نوع من الارتباط فإن عنى أن بعض الأحرف فى أصلها يفيد معنى الارتباط ، كتشبيه ما قبلها بما بعدها فى كأن ـ مثلا ـ أو تعليل ما قبلها بما بعدها كما فى إن ـ مثلا ـ ، فهذا لا يعم الحروف لورود حسن الترك فيما ليس فيه ذلك كلا التبرئة كما فى قوله تعالى : (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)(١) على أن هذا المعنى منتف عن هذه الأحرف حال كون جملها أحوالا إذ لا يخفى أن الجملة الحالية لا يشبه بها ، وإن عنى أنها سدت مسد الواو الرابطة فكأنها ربطت ، فقد عاد ذلك فى التحقيق إلى الاكتفاء بالحرف عن الواو كراهية لاجتماعهما ، فالتعليل

__________________

(١) الرعد : ٤١.

٦٢٠