مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ١

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي

مواهب الفتّاح في شرح تلخيص المفتاح - ج ١

المؤلف:

أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن محمّدابن يعقوب المغربي


المحقق: الدكتور خليل إبراهيم خليل
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-3820-0
ISBN الدورة:
978-2-7451-3820-0

الصفحات: ٦٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

وفضله على خلافه (١) : بتكرّر الإسناد إجمالا ثم تفصيلا ، وبوقوع نحو «يزيد» غير فضلة ، وبكون معرفة الفاعل كحصول نعمة غير مترقّبة ؛ لأنّ أوّل الكلام غير مطمع فى ذكره.

ذكر المسند :

وأما ذكره :

(٣١١) فلما مرّ (٢) ، أو أن يتعّين كونه اسما أو فعلا.

(٣١٢) وأما إفراده :

فلكونه غير سيى مع عدم إفادة تقوّى الحكم ، والمراد بالسيى نحو : زيد أبوه منطلق.

(٣١٥) وأما كونه فعلا :

فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة على أخصر وجه ، مع إفادة التجدّد ، كقوله [من الكامل ] :

أو كلّما وردت عكاظ قبيلة

بعثوا إلىّ عريفهم يتوسّم (٣)؟!

(٣١٧) وأمّا كونه اسما :

فلإفادة (٤) عدمهما ؛ كقوله [من البسيط ] :

لا يألف الدّرهم المضروب صرّتنا

لكن يمرّ عليها وهو منطلق (٥)

(٣١٨) وأما تقييد الفعل بمفعول ونحوه :

فلتربية الفائدة.

والمقيّد : فى نحو : (كان زيد منطلقا) هو (منطلقا) ، لا (كان).

__________________

(١) أى رجحان نحو (ليبك يزيد ضارع مبنيا للمفعول على خلافه يعنى ليبك يزيد ضارع ، مبنيّا للفاعل ناصبا ليزيد ورافعا لضارع).

(٢) أى : وأما ذكر المسند فلما مر فى ذكر المسند إليه.

(٣) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٦٥ وهو لطريف بن تميم العنبرى. عريف القوم : رئيسهم أو القيم بأمرهم. يتوسم : يتأمل.

(٤) أى عدم التقييد المذكور وإفادة التجدد يعنى لإفادة الدوام والثبوت لأغراض تتعلق بذلك.

(٥) البيت للنضر بن جؤية ، أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٦٥.

٤١

وأما تركه (١) :

فلمانع منها (٢).

(٣٢٠) وأما تقييده بالشرط :

فلاعتبارات لا تعرف إلا بمعرفة ما بين أدواته من التفصيل ، وقد بيّن ذلك فى علم النحو ، ولكن لا بدّ من النظر ـ ههنا ـ فى : «إن» ، و «إذا» ، و «لو» :

ف «إن» و «إذا» : للشرط فى الاستقبال ؛ لكن أصل (إن) عدم الجزم بوقوع الشرط ، وأصل (إذا) الجزم بوقوعه ، ولذلك كان النادر موقعا ل «إن» ، وغلب لفظ الماضى مع «إذا» ؛ نحو : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ)(٣) لأن المراد الحسنة المطلقة ؛ ولهذا عرّفت تعريف الجنس ، والسيئة نادرة بالنسبة إليها ؛ ولهذا نكّرت.

(٣٢٥) وقد تستعمل (إن) فى الجزم تجاهلا ، أو لعدم جزم المخاطب ؛ كقولك لمن يكذّبك : «إن» صدقت ، فماذا تفعل؟ ، أو لتنزيله منزلة الجاهل ؛ لمخالفته مقتضى العلم ، أو التوبيخ وتصوير أنّ المقام ـ لاشتماله على ما يقلع الشرط عن أصله ـ لا يصلح إلا لفرضه ، كما يفرض المحال ؛ نحو : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ)(٤) فيمن قرأ (إن) بالكسر ، أو تغليب غير المتّصف به على المتصف به ، وقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا)(٥) يحتملها.

(٣٣٠) والتغليب يجرى فى فنون كثيرة ؛ كقوله تعالى : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ)(٦) ، وقوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)(٧) ، ومنه : أبوان ، ونحوه.

__________________

(١) أى ترك التقييد.

(٢) أى من تربية الفائدة.

(٣) الأعراف : ١٣١.

(٤) الزخرف : ٥.

(٥) البقرة : ٢٣.

(٦) التحريم : ١١.

(٧) النمل : ٥٥.

٤٢

(٣٣٢) ولكونهما لتعليق أمر بغيره فى الاستقبال كان كلّ من جملتى كلّ فعلية استقبالية ، ولا يخالف ذلك لفظا إلا لنكتة ؛ كإبراز غير الحاصل فى معرض الحاصل لقوّة الأسباب ، أو كون ما هو للوقوع كالواقع ، أو التفاؤل ، أو إظهار الرغبة فى وقوعه ؛ نحو : «إن ظفرت بحسن العاقبة فهو المرام» ؛ فإنّ الطالب إذا عظمت رغبته فى حصول أمر ، يكثر تصوّره إياه ، فربّما يخيّل إليه حاصلا ؛ وعليه : (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)(١).

السكاكى : أو للتعريض ؛ نحو : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)(٢) ، ونظيره فى التعريض : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي)(٣) أى : وما لكم لا تعبدون الذى فطركم ؛ بدليل : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ووجه حسنه : إسماع المخاطبين الحقّ على وجه لا يزيد غضبهم ، وهو ترك التصريح بنسبتهم إلى الباطل ، ويعين على قبوله ؛ لكونه أدخل فى إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه.

(٣٤٢) و(لو) : للشرط فى الماضى ، مع القطع بانتفاء الشرط ؛ فيلزم ، عدم الثبوت والمضى فى جملتيها ؛ فدخولها على المضارع فى نحو : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)(٤) ، لقصد استمرار الفعل فيما مضى وقتا فوقتا ؛ كما فى قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(٥) وفى نحو : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ)(٦) ؛ لتنزيله منزلة الماضي ؛ لصدوره عمن لا خلاف فى إخباره ؛ كما فى (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٧) ، أو لاستحضار الصورة ؛ كما فى قوله تعالى : (فَتُثِيرُ سَحاباً)(٨) استحضارا

__________________

(١) النور : ٣٣.

(٢) الزمر : ٦٥.

(٣) يس : ٢٢.

(٤) الحجرات : ٧.

(٥) البقرة : ١٥.

(٦) الأنعام : ٢٧.

(٧) الحجر : ٢.

(٨) الروم : ٤٨.

٤٣

لتلك الصورة البديعة الدالّة على القدرة الباهرة.

(٣٥٢) وأما تنكيره :

فلإرادة عدم الحصر والعهد ؛ كقولك : زيد كاتب ، وعمرو شاعر ، أو للتفخيم ؛ نحو : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(١) ، أو للتحقير (٢).

(٣٥٣) وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف :

فلكون الفائدة أتمّ ؛ كما مر.

وأما تركه :

فظاهر ممّا سبق.

(٣٥٤) وأما تعريفه :

فلإفادة السامع حكما على أمر معلوم له بإحدى طرق التعريف بآخر مثله ، أو لازم حكم كذلك (٣) ؛ نحو : «زيد أخوك» ، وعمرو المنطلق باعتبار تعريف العهد أو الجنس ، وعكسهما (٤). والثاني (٥) : قد يفيد قصر الجنس على شيء تحقيقا ؛ نحو : زيد الأمير ، أو مبالغة لكماله فيه ؛ نحو : عمرو الشجاع.

(٣٦٠) وقيل : الاسم متعيّن للابتداء ؛ لدلالته على الذات ، والصفة للخبريّة ؛ لدلالتها على أمر نسبى :

وردّ بأنّ المعنى : الشخص الذى له الصفة صاحب الاسم.

(٣٦١) وأما كونه جملة :

فللتقوّى ، أو لكونه سببا ، كما مر.

__________________

(١) البقرة : ٢.

(٢) نحو : ما زيد شيئا.

(٣) أى : على أمر معلوم بآخر مثله.

(٤) أى : عكس المثالين المذكورين وهما : أخوك زيد والمنطلق عمرو.

(٥) يعنى : اعتبار تعريف الجنس.

٤٤

واسميّتها وفعليّتها وشرطيّتها : لما مرّ (١).

وظرفيّتها : لاختصار الفعلية ؛ إذ هى مقدّرة بالفعل ؛ على الأصح.

(٣٦٥) وأما تأخيره :

فلأنّ ذكر المسند إليه أهمّ ؛ كما مر.

(٣٦٦) وأما تقديمه :

فلتخصيصه (٢) بالمسند إليه ؛ نحو : (لا فِيها غَوْلٌ)(٣) أى : بخلاف خمور الدنيا ؛ ولهذا لم يقدّم الظرف فى نحو : (لا رَيْبَ فِيهِ)(٤) ؛ لئلا يفيد ثبوت الريب فى سائر كتب الله تعالى.

أو التنبيه من أول الأمر ـ على أنه خبر لا نعت ؛ كقوله [من الطويل ](٥) :

له همم لا منتهى لكبارها

وهمّته الصّغرى أجلّ من الدّهر!

أو التفاؤل ؛ أو التشويق إلى ذكر المسند إليه ؛ كقوله [من البسيط ] :

ثلاثة تشرق الدّنيا ببهجتها

شمس الضّحى وأبو إسحاق والقمر (٦)

تنبيه

(٣٧٣) كثير ممّا ذكره فى هذا الباب (٧) ـ والذى قبله (٨) ـ غير مختصّ بهما ؛ كالذّكر

__________________

(١) يعنى : أن كون المسند جملة للسببيّة أو للتقوى ، وكون تلك الجملة اسمية للدوام والثبوت. وكونها فعلية للتجدد والحدوث والدلالة على أحد الأزمنة الثلاثة على أخصر وجه. وكونها شرطية للاعتبارات المختلفة الحاصلة من أدوات الشرط.

(٢) أى : لقصر المسند إليه على المسند.

(٣) الصافات : ٤٧.

(٤) البقرة : ٢.

(٥) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٧٨. وقيل : إنه لحسان. والصحيح أنه لبكر بن النطاح فى أبى دلف.

(٦) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٧٩. والبيت لمحمد بن وهيب فى مدح المعتصم. والشاهد تقديم ثلاثة وهو المسند.

(٧) يعنى : باب المسند.

(٨) يعنى : باب المسند إليه.

٤٥

والحذف وغيرهما ، والفطن إذا أتقن اعتبار ذلك فيهما ، لا يخفى عليه اعتباره فى غيرهما.

أحوال متعلّقات الفعل

(٣٧٦) الفعل مع المفعول كالفعل مع الفاعل ، فى أنّ الغرض من ذكره معه (١) إفادة تلبّسه به ، لا إفادة وقوعه مطلقا ؛ فإذا لم يذكر (٢) معه ، فالغرض إن كان إثباته لفاعله أو نفيه عنه مطلقا (٣) : نزل منزلة اللازم ، ولم يقدّر له مفعول ؛ لأن المقدّر كالمذكور ، وهو ضربان ؛ لأنه إما أن يجعل الفعل مطلقا كناية (٤) عنه متعلقا بمفعول مخصوص ، دلّت عليه قرينة أو لا (٥) :

(٣٧٨) الثانى : كقوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٦).

السّكّاكىّ : ثم إذا كان المقام خطابيّا (٧) لا استدلاليّا (٨) ، أفاد ذلك (٩) مع التعميم (١٠) ؛ دفعا للتحكّم (١١) :

والأول (١٢) : كقول البحترىّ فى المعتزّ بالله [من الخفيف ] :

شجو حسّاده وغيظ عداه

أن يرى مبصر ويسمع واعي (١٣)

أى : أن يكون ذو رؤية ، وذو سمع ، فيدرك محاسنه وأخباره الظاهرة الدالّة على استحقاقه

__________________

(١) أى : من ذكر كل من الفاعل والمفعول مع الفعل ، أو ذكر الفعل مع كل منهما.

(٢) أى : المفعول به مع الفعل المتعدى.

(٣) أى : من غير اعتبار عموم فى الفعل أو خصوص فيه ، ومن غير اعتبار تعلقه من وقع عليه.

(٤) أى عن ذلك الفعل.

(٥) أى أو لا يجعل ذلك.

(٦) الزمر : ٩.

(٧) أى يكتفى فيه بمجرد الظن.

(٨) يطلب فيه اليقين البرهانى.

(٩) أى كون الغرض ثبوته لفاعله أو نفيه عنه مطلقا.

(١٠) أى فى أفراد الفعل.

(١١) اللازم من حمله على فرد دون آخر.

(١٢) وهو أن يجعل الفعل مطلقا كناية عنه متعلقا بمفعول مخصوص.

(١٣) البيت أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٨١.

٤٦

الإمامة دون غيره ؛ فلا يجدوا إلى منازعته سبيلا.

وإلا (١) وجب التقدير بحسب القرائن.

ثم الحذف :

(٣٨٤) إمّا للبيان بعد الإبهام ـ كما فى فعل المشيئة ـ ما لم يكن تعلقه به غريبا ؛ نحو : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)(٢) بخلاف نحو [من الطويل ] :

ولو شئت أن أبكى دما لبكيته ...

وأما قوله (٣) [من الطويل ] :

ولم يبق منّى الشّوق غير تفكّرى

فلو شئت أن أبكى بكيت تفكّرا

فليس منه ؛ لأنّ المراد بالأول البكاء الحقيقىّ.

(٣٨٨) وإمّا لدفع توهّم إرادة غير المراد ابتداء ؛ كقوله (٤) [من الطويل ] :

وكم ذدت عنّى من تحامل حادث

وسورة أيّام حزرن إلى العظم!

إذ لو ذكر اللحم ، لربّما توهّم قبل ذكر ما بعده أن الحزّ لم ينته إلى العظم.

(٣٨٩) وإما لأنه أريد ذكره ثانيا على وجه يتضمّن إيقاع الفعل على صريح لفظه ؛ إظهارا لكمال العناية بوقوعه (٥) عليه (٦) ؛ كقوله (٧) [من الخفيف ] :

قد طلبنا فلم نجد لك فى السّؤ

دد والمجد والمكارم مثلا

ويجوز أن يكون السبب ترك مواجهة الممدوح بطلب مثل له.

(٣٩١) وإمّا للتعميم مع الاختصار ؛ كقولك : قد كان منك ما يؤلم ، أى : كلّ أحد ؛ وعليه :

__________________

(١) أى وإن لم يكن الغرض عند عدم ذكر المفعول المتعدى المسند إلى فاعله إثباته لفاعله أو نفيه عنه مطلقا بل قصد تعلقه بمفعول غير مذكور.

(٢) الأنعام : ١٤٩.

(٣) هو للجوهرى من شعراء الصاحب بن عباد.

(٤) البيت للبحترى ، أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٨٢.

(٥) أى الفعل الثانى.

(٦) أى على المفعول.

(٧) البيت للبحترى التخريج السابق.

٤٧

(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ)(١).

(٣٩٢) وإمّا لمجرّد الاختصار عند قيام قرينة ؛ نحو : أصغيت إليه ، أى : أذني ؛ وعليه : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)(٢) أى : ذاتك.

(٣٩٣) وإما للرعاية على الفاصلة ؛ نحو : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(٣).

(٣٩٤) وإما لاستهجان ذكره ؛ كقول عائشة رضى الله عنها : (ما رأيت منه ؛ ولا رأى منّي) (٤) أى : العورة.

(٣٩٤) وإما لنكتة أخرى.

(٣٩٥) ـ وتقديم مفعوله ، ونحوه عليه : لردّ الخطأ فى التعيين ؛ كقولك : «زيدا عرفت» لمن اعتقد أنك عرفت إنسانا ، وإنه غير زيد ، وتقول لتأكيده لا غيره ؛ ولذلك (٥) لا يقال : «ما زيدا ضربت ولا غيره» ، ولا : «ما زيدا ضربت ، ولكن أكرمته» .

وأما نحو : «زيدا عرفته» فتأكيد إن قدّر المفسّر قبل المنصوب ؛ وإلا فتخصيص.

وأمّا نحو : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ)(٦) : فلا يفيد إلا التخصيص ؛ وكذلك قولك : «بزيد مررت» .

(٣٩٩) والتخصيص لازم للتقديم غالبا ؛ ولهذا يقال فى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٧) معناه :

__________________

(١) يونس : ٢٥.

(٢) الأعراف : ١٤٣.

(٣) الضحى : ٣.

(٤) أخرجه الطبرانى فى الصغير (ص ٢٧) ومن طريقه أبو نعيم (٨ / ٢٤٧) والخطيب (١ / ٢٢٥) وفى سنده بركة بن محمد الحلبي ، ولا بركة فيه ، فإنه كذاب وضاع. وقد ذكر الحافظ بن حجر له هذا الحديث فى اللسان (٢ / ١٣) وقال : تفرد به بركة ، وعدّه من أباطيله. وقال ابن عدى فى مختصر الكامل ص ١٩٤ : وسائر أحاديث بركة مناكير باطلة كلها ، لا يرد بها غيره ، وله من الأحاديث البواطل عن الثقات غير ما ذكرته ، وهو ضعيف كما قال عبدان راجع آداب الزفاف للشيخ الألبانى ص ٣٤.

(٥) فى بعض النسخ ولهذا.

(٦) فصلت : ١٧.

(٧) الفاتحة : ٥.

٤٨

نخصّك بالعبادة والاستعانة ، وفى : (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ)(١) معناه : إليه لا إلى غيره.

ويفيد فى الجميع ـ وراء التخصيص ـ اهتماما بالمقدّم ؛ ولهذا يقدّر فى (باسم الله) مؤخّرا.

وأورد : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(٢) :

وأجيب : بأنّ الأهمّ فيه القراءة ، وبأنّه متعلّق ب (اقرأ) الثانى ، ومعنى الأول : أوجد القراءة.

(٤٠٥) وتقديم بعض معمولاته على بعض لأنّ أصله التقديم ، ولا مقتضى للعدول عنه ؛ كالفاعل فى نحو : «ضرب زيد عمرا» ، والمفعول الأوّل فى نحو : «اعطيت زيدا درهما» . أو لأنّ ذكره أهمّ ؛ كقولك : «قتل الخارجىّ» فلان. أو لأنّ فى التأخير إخلالا ببيان المعنى ؛ نحو : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ)(٣) فإنه لو أخّر (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ*) عن قوله : (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) ـ لتوهّم أنه من صلة (يكتم) ؛ فلا يفهم أنه منهم.

أو بالتناسب ؛ كرعاية الفاصلة ؛ نحو : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى)(٤).

القصر

(٤٠٨) القصر (٥) : حقيقيّ (٦) ، وغير حقيقيّ (٧) وكل منهما نوعان : قصر الموصوف على (٨) الصفة ، وقصر الصفة على الموصوف (٩) ـ والمراد (١٠) : المعنويّة (١١) ، لا النعت (١٢) ـ :

__________________

(١) آل عمران : ١٥٨.

(٢) العلق : ١.

(٣) غافر : ٢٨.

(٤) طه : ٦٧.

(٥) هو تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص.

(٦) أى : بحسب الحقيقة وفى نفس الأمر بألا يتجاوزه إلى غيره أصلا.

(٧) أى : بحسب الإضافة إلى شيء آخر بألا يتجاوز إلى ذلك الشيء ، وإن أمكن أن يتجاوزه إلى شيء آخر فى الجملة.

(٨) وهو ألا يتجاوز الموصوف تلك الصفة إلى صفة أخرى ، لكن يجوز أن تكون تلك الصفة لموصوف آخر.

(٩) وهو ألا تتجاوز تلك الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر ، لكن يجوز أن يكون لذلك الموصوف صفات أخرى.

(١٠) أى : بالصفة هنا.

(١١) وهى المعنى القائم بالغير.

(١٢) وهو التابع الذى يدل على معنى فى متبوعه غير الشمول.

٤٩

والأول (١) من الحقيقى : نحو : «ما زيد إلا كاتب» إذا أريد أنه لا ـ يتّصف بغيرها ؛ وهو لا يكاد يوجد ؛ لتعذّر الإحاطة بصفات الشيء.

والثانى : كثير ؛ نحو : «ما فى الدار إلا زيد» ، وقد يقصد به (٢) المبالغة ؛ لعدم الاعتداد بغير المذكور.

(٤١٦) والأول من غير الحقيقى : تخصيص أمر بصفة دون أخرى ، أو مكانها.

(٤١٧) والثانى : تخصيص صفة بأمر دون آخر ، أو مكانه.

فكلّ منهما ضربان ، والمخاطب بالأول من ضربى كلّ (٣) : من يعتقد الشركة ، ويسمى : قصر إفراد ؛ لقطع الشركة.

وبالثاني (٤) : من يعتقد العكس ، ويسمى : قصر قلب ؛ لقلب حكم المخاطب ، أو تساويا (٥) عنده ، ويسمّى : قصر تعيين.

(٤٢٢) وشرط قصر الموصوف على الصفة إفرادا : عدم تنافى الوصفين ، وقلبا : تحقّق تنافيهما ، وقصر التّعيين أعمّ.

[طرق القصر ]

(٤٢٥) وللقصر طرق :

منها : العطف ؛ كقولك فى قصره إفرادا : «زيد شاعر لا كاتب» ، أو : «ما زيد كاتبا بل

__________________

(٤) أى : قصر الموصوف على الصفة.

(٥) أى بالثانى.

(٦) أى من قصر الصفة على الموصوف وقصر الموصوف على الصفة ، ويعنى بالأول التخصيص بشيء دون شيء.

(٧) أى : والمخاطب بالثانى أعنى التخصيص بشيء من ضربى كل من القصرين.

(٨) عطف على قوله : يعتقد العكس.

٥٠

شاعر» ، وقلبا : «زيد قائم لا قاعد» ، أو : «ما زيد قاعدا بل قائم» ، وفى قصرها : «زيد شاعر لا عمرو» ، أو : «ما عمرو شاعرا بل زيد» .

(٤٢٨) ومنها : النفى والاستثناء ؛ كقولك فى قصره : «ما زيد إلا شاعر» ، و: «ما زيد إلا قائم وفى قصرها» : «ما شاعر إلا زيد» .

(٤٢٩) ومنها : إنّما ؛ كقولك فى قصره : «إنما زيد كاتب» ، و: «إنما زيد قائم» ، وفى قصرها : «إنّما قائم زيد» ؛ لتضمّنه (١) معنى : (ما) و(إلّا) ؛ لقول المفسّرين (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ)(٢) بالنصب ، معناه : ما حرّم عليكم إلا الميتة. وهو المطابق لقراءة الرفع (٣) ؛ لما مر (٤) ، ولقول النحاة : (إنّما) لإثبات ما يذكر بعده ، ونفى ما سواه. ولصحة انفصال الضمير معه ؛ قال الفرزدق [من الطويل ] :

أنا الذّائد الحامى الذّمار وإنّما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي (٥)

(٤٣٥) ومنها : التقديم ؛ كقولك فى قصره : «تميمى» أنا ، وفى قصرها : «أنا كفيت مهمّك» .

(٤٣٦) وهذه الطرق تختلف من وجوه ؛ فدلالة الرابع بالفحوى ، والباقية بالوضع.

(٤٣٧) والأصل فى الأول : النّصّ على المثبت والمنفى ـ كما مرّ ـ فلا يترك إلا كراهة الإطناب ؛ كما إذا قيل : «زيد يعلم النحو» ، والتصريف ، والعروض أو : «زيد يعلم النحو» ، وعمرو وبكر فتقول فيهما : «زيد يعلم النحو لا غير» أو نحوه.

وفى الثلاثة الباقية : النّصّ على المثبت فقط.

والنفى لا يجامع الثاني ؛ لأنّ شرط المنفى ب «لا» : ألّا يكون منفيّا قبلها بغيرها. ويجامع الأخيرين ، فيقال : «إنما أنا تميمى لا قيسيّ» ؛ و: «هو يأتينى لا عمرو» ؛ لأنّ النفى فيهما غير مصرّح به ؛ كما يقال : (امتنع زيد عن المجيء لا عمرو).

__________________

(١) هذا بيان لسبب إفادة إنما القصر.

(٢) النحل : ١١٥.

(٣) أى : رفع الميتة.

(٤) فى تعريف المسند من أن المنطلق زيد وزيد المنطلق يقيد قصر الانطلاق على زيد.

(٥) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٩١ الذمار : العهد.

٥١

السكاكى : «شرط مجامعته للثالث : ألّا يكون الوصف مختصّا بالموصوف ؛ نحو : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)(١)» .

عبد القاهر : «لا تحسن فى المختصّ ؛ كما تحسن فى غيره» ؛ وهذا أقرب.

(٤٤٣) وأصل الثانى : أن يكون ما استعمل له ممّا يجهله المخاطب وينكره ، بخلاف الثالث ؛ كقولك لصاحبك ـ وقد رأيت شبحا من بعيد ـ : «ما هو إلا زيد» إذا اعتقده غيره مصرّا.

(٤٤٤) وقد ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب ؛ فيستعمل له الثانى إفرادا ؛ نحو : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)(٢) أى : مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبرّى من الهلاك ، نزل استعظامهم هلاكه منزلة إنكارهم إياه ، أو قلبا ؛ نحو : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)(٣) فالمخاطبون ـ وهم الرسل ، عليهم الصلاة والسّلام ـ لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرا ، ولا منكرين لذلك ؛ لكنهم نزلوا منزلة المنكرين ؛ لاعتقاد القائلين أنّ الرسول لا يكون بشرا ، مع إصرار المخاطبين على دعوى الرسالة. وقولهم : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)(٤) : من باب مجاراة الخصم ؛ ليعثر ؛ حيث يراد تبكيته لا لتسليم انتفاء الرسالة ، وكقولك : «إنّما هو أخوك» لمن يعلم ذلك ، ويقرّ به ، وأنت تريد أن ترقّقه عليه.

(٤٤٩) وقد ينزل المجهول منزلة المعلوم ؛ لادعاء ظهوره ؛ فيستعمل له الثالث ؛ نحو : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ)(٥) ؛ لذلك جاء : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ)(٦) ؛ للردّ عليهم مؤكّدا بما ترى.

ومزيّة (إنّما) على العطف : أنه يعقل منها الحكمان معا ، وأحسن مواقعها التعريض ؛ نحو : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٧) ؛ فإنه تعريض بأن الكفّار ـ من فرط جهلهم ـ كالبهائم ، فطمع

__________________

(١) الأنعام : ٣٦.

(٢) آل عمران : ١٤٤.

(٣) إبراهيم : ١٠.

(٤) إبراهيم : ١١.

(٥) البقرة : ١١.

(٦) البقرة : ١٢.

(٧) الرعد : ١٩.

٥٢

النظر منهم كطمعه منها.

(٤٥٢) ثم القصر كما يقع بين المبتدأ والخبر ـ على ما مر ـ يقع ما بين الفعل والفاعل نحو : «ما قام إلا زيد» وغيرهما ، ففى الاستثناء يؤخّر المقصور عليه مع أداة الاستثناء ، وقل تقديمهما بحالهما ؛ نحو : «ما ضرب إلّا عمرا زيد» (١) ، و «ما ضرب إلا زيد عمرا» (٢) ؛ لاستلزامه قصر الصفة قبل تمامها.

(٤٥٥) ووجه (٣) الجميع : أن النفى فى الاستثناء المفرّغ يتوجّه إلى مقدّر ، وهو مستثنى منه عامّ مناسب للمستثنى فى جنسه وصفته ، فإذا أوجب منه المقدّر شيء ب (إلا) ، جاء القصر ، وفى (٤٥٧) «إنّما يؤخّر المقصور عليه» ؛ تقول : «إنّما ضرب زيد عمرا» ، ولا يجوز تقديمه على غيره للالتباس و «غير» ك «إلّا» فى إفادة القصرين ، وفى امتناع مجامعة (لا).

الإنشاء (٤)

(٤٥٩) إن كان طلبا استدعى مطلوبا غير حاصل وقت الطلب ، وأنواعه كثيرة :

(٤٦٠) منها التمنّي (٥) ، واللفظ الموضوع له (ليت) ، ولا يشترط إمكان المتمنّى (٦) ؛ تقول : «ليت الشباب يعود» ! ، وقد يتمنّى ب (هل) ؛ نحو : «هل لى من شفيع؟!» حيث يعلم أن لا شفيع له ، وب (لو) ؛ نحو : «لو تأتيني ؛ فتحدّثني» ! ؛ بالنصب.

السكاكى : كأنّ حروف التنديم والتخصيص ، وهى : (هلّا) ، و(ألّا) بقلب الهاء همزة ، و(لو لا) و(لو ما) : مأخوذة منهما (٧) مركبتين مع (لا) و(ما) المزيدتين ؛ لتضمّنهما معنى التمنّي ؛

__________________

(١) أى : فى قصر الفاعل على المفعول ، وفى بعض النسخ : ما ضرب عمرا زيد ، وهو خطأ.

(٢) فى قصر المفعول على الفاعل. وفى بعض النسخ (وما ضرب زيد عمرا).

(٣) أى السبب فى إفادة النفى والاستثناء فيما بين المبتدأ والخبر والفاعل والمفعول وغير ذلك.

(٤) هو الكلام الذى ليس لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه.

(٥) هو طلب حصول شيء على سبيل المحبة.

(٦) ويشترط ذلك فى الترجى.

(٧) أى : من هل ولو اللتين للتمنى.

٥٣

ليتولّد منه فى الماضى التنديم ؛ نحو : «هلّا أكرمت زيدا» ! ، وفى المضارع التخصيص ؛ نحو : «هلا تقوم!. وقد يتمنّى ب (لعل) فيعطى حكم (ليت) ؛ نحو : «لعلّى أحجّ ؛ فأزورك» ؛ بالنصب ؛ لبعد المرجوّ عن الحصول.

(٤٦٦) ومنها : الاستفهام ؛ وألفاظه الموضوعة له : (الهمزة) و(هل) و(ما) و(من) و(أيّ) و(كم) و(كيف) و(أين) و(أنّى) و(متى) و(أيّان) :

ف «الهمزة» : لطلب التصديق ؛ كقولك : «أقام زيد؟» ، و «أزيد قائم؟» ، أو التصوّر ، كقولك : «أدبس فى الإناء أم عسل؟» ، «أفى الخابية دبسك أم فى الزّقّ؟» ؛ ولهذا (١) لم يقبح : أزيد قام؟ وأعمرا عرفت؟ والمسئول عنه بها : هو ما يليها ؛ كالفعل فى : أضربت زيدا؟ والفاعل فى : أأنت ضربت زيدا؟ والمفعول فى : أزيدا ضربت؟ (٤٧٠) و «هل» : لطلب التصديق فحسب ؛ نحو : هل قام زيد؟ وهل عمرو قاعد؟ ولهذا امتنع : هل زيد قام أم عمرو؟ وقبح : هل زيدا ضربت؟ لأنّ التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل دون : «هل زيدا ضربته؟» ، لجواز تقدير المفسّر قبل (زيدا).

وجعل السكاكىّ قبح : «هل رجل عرف؟» لذلك ، ويلزمه ألا يقبح : «هل زيد عرف؟» . وعلّل غيره قبحهما بأنّ (هل) بمعنى «قد» فى الأصل.

وترك الهمزة قبلها لكثرة وقوعها فى الاستفهام.

(٤٧٣) وهى تخصص المضارع بالاستقبال ، فلا يصحّ : «هل تضرب زيدا وهو أخوك؟» ، (٤٧٦) ولاختصاص التصديق بها ، وتخصيصها المضارع بالاستقبال : كان لها مزيد اختصاص بما كونه زمانيّا أظهر ؛ كالفعل ؛ ولهذا كان (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ)(٢) أدلّ على طلب الشكر من : «فهل تشكرون؟» ، «فهل أنتم تشكرون؟» ؛ لأن إبراز ما سيتجدّد فى معرض الثابت أدلّ على كمال العناية بحصوله ، ومن : «أفأنتم شاكرون؟» ؛ وإن كان للثبوت ؛ لأن (هل) أدعى للفعل من «الهمزة» ؛ فتركه معها أدلّ على ذلك ؛ ولهذا لا يحسن : «هل زيد منطلق؟» إلا من البليغ.

(٤٧٩) وهى قسمان :

__________________

(١) أى لمجيء الهمزة لطلب التصور.

(٢) الأنبياء : ٨٠.

٥٤

بسيطة : وهى التى يطلب بها وجود الشيء ، كقولنا : «هل الحركة موجودة؟» .

ومركبة : وهى التى يطلب بها وجود شيء لشيء ؛ كقولنا : «هل الحركة دائمة؟» .

(٤٨٠) والباقية : لطلب التصوّر فقط :

قيل : فيطلب ب «ما» شرح الاسم ؛ كقولنا : ما العنقاء؟ أو ماهية المسمّى ؛ كقولنا : ما الحركة؟ وتقع (هل) البسيطة فى الترتيب بينهما (١).

(٤٨٢) وب (من) : العارض المشخّص لذى العلم ؛ كقولنا : من فى الدار؟

وقال السكاكى : يسأل ب (ما) عن الجنس ؛ تقول : ما عندك؟ ، أى : أى أجناس الأشياء عندك؟

وجوابه : كتاب ونحوه ، أو عن الوصف ؛ تقول : ما زيد؟ وجوابه : الكريم ونحوه ، وب «من» عن الجنس من ذوى العلم ؛ تقول : من جبريل؟ أى : أبشر هو أم ملك أم جنّيّ؟ : وفيه نظر (٢).

(٤٨٤) وب «أيّ» عما يميّز أحد المتشاركين فى أمر يعمّهما ؛ نحو : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً)(٣) أى : أنحن أم أصحاب محمّد (عليه‌السلام)؟.

(٤٨٥) وب «كم» : عن العدد ؛ نحو : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ)(٤).

وب «كيف» : عن الحال.

وب «أين» : عن المكان.

وب «متى» : عن الزمان.

(٤٨٦) وب «أيّان» : عن الزمان المستقبل ، قيل : وتستعمل فى مواضع التفخيم ؛ مثل : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ)(٥).

__________________

(١) أى بين (ما) التى لشرح الاسم والتى لطلب الماهية.

(٢) إذ لا نسلم أنه للسؤال عن الجنس وأنه يصح فى جواب من جبريل أن يقال : ملك ، بل يقال : ملك من عند الله ونحوه مما يفى تشخصه.

(٣) مريم : ٧٣.

(٤) البقرة : ٢١١.

(٥) القيامة : ٦.

٥٥

(٤٨٧) و «أنّى» : تستعمل تارة بمعنى «كيف» ؛ نحو : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(١) ، وأخرى بمعنى «من أين» ؛ نحو : (أَنَّى لَكِ هذا)(٢).

(٤٨٨) ثم إن هذه الكلمات كثيرا ما تستعمل فى غير الاستفهام ؛ كالاستبطاء ؛ نحو : كم دعوتك؟ ، والتعجّب ؛ نحو : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)(٣) ، والتنبيه على الضلال ؛ نحو : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)(٤) ، والوعيد ؛ كقولك لمن يسىء الأدب : «ألم أؤدّب فلانا؟» إذا علم المخاطب ذلك ، والتقرير بإيلاء المقرّر به الهمزة ؛ كما مر (٥) ، والإنكار كذلك ؛ نحو : (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ)(٦) ؛ (أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا)(٧) ؛ ومنه : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ)(٨) أى : الله كاف عبده ؛ لأنّ إنكار النفى نفى له ، ونفى النفى إثبات ؛ وهذا مراد من قال : «إنّ الهمزة فيه للتقرير بما دخله النفى لا بالنفي» .

(٤٩٣) ولإنكار الفعل صورة أخرى ، وهى نحو : أزيدا ضربت أم عمرا؟ لمن يردّد الضرب بينهما. والإنكار : إمّا للتوبيخ ، أى : ما كان ينبغى أن يكون ؛ نحو : أعصيت ربّك؟ أو لا ينبغى أن يكون ؛ نحو : أتعصى ربّك؟ أو للتكذيب ، أى : لم يكن ؛ نحو : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ)(٩) ، أو لا يكون ؛ نحو : (أَنُلْزِمُكُمُوها)(١٠) والتهّكم ؛ نحو : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا)(١١) ، والتحقير ؛ نحو : مّن هذا؟ والتهويل ؛ كقراءة ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ : (وَلَقَدْ

__________________

(١) البقرة : ٢٢٣.

(٢) آل عمران : ٣٧.

(٣) النمل : ٢٠.

(٤) التكوير : ٢٦.

(٥) فى حقيقة الاستفهام من إيلاء المسئول عنه الهمزة.

(٦) الأنعام : ٤٠.

(٧) الأنعام : ١٤.

(٨) الزمر : ٣٦.

(٩) الإسراء : ٤.

(١٠) هود : ٢٨.

(١١) هود : ٨٧.

٥٦

نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ)(١) بلفظ الاستفهام ، ورفع «فرعون» ؛ ولهذا قال : (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ ،) والاستبعاد ؛ نحو : (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ)(٢).

(٤٩٩) ومنها : الأمر ، والأظهر : أنّ صيغته من المقترنة باللام ؛ نحو : «ليحضر زيد وغيرها» ؛ نحو : أكرم عمرا ، ورويد (٣) بكرا ، موضوعة لطلب الفعل استعلاء ؛ لتبادر الفهم عند سماعها إلى ذلك المعنى.

(٥٠٢) وقد تستعمل لغيره ؛ كالإباحة ؛ نحو : جالس الحسن أو ابن سيرين ، والتهديد ؛ نحو : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)(٤) ، والتعجيز ؛ نحو : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(٥) ، والتسخير ؛ نحو : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(٦) ، والإهانة ؛ نحو : (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً)(٧) ، والتسوية ؛ نحو : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا)(٨) ، والتمنّي ؛ نحو [من الطويل ] :

ألا أيّها اللّيل الطّويل ألا انجلى (٩)

والدعاء ؛ نحو : ربّ اغفر لى ، والالتماس ؛ كقولك لمن يساويك رتبة : «افعل بدون الاستعلاء» .

(٥٠٩) ثم الأمر : قال السكاكى : «حقّه الفور» ؛ لأنه الظاهر من الطلب ، ولتبادر الفهم عند الأمر بشيء بعد الأمر ؛ بخلافه إلى تغيير الأمر الأول ، دون الجمع ، وإرادة التراخي ؛ وفيه نظر.

__________________

(١) الدخان : ٣٠ ـ ٣١.

(٢) الدخان : ١٣ ـ ١٤.

(٣) فالمراد بصيغته : ما دل على طلب فعل غير كف استعلاء سواء كان اسما أو فعلا.

(٤) فصلت : ٤٠.

(٥) البقرة : ٢٣.

(٦) البقرة : ٦٥.

(٧) الإسراء : ٥٠.

(٨) الطور : ٥٠.

(٩) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ١١٧ ، وعزاه لامرئ القيس. وعجزه : بصبح ، وما الإصباح منك بأمثل.

٥٧

(٥١١) ومنها : النهي (١) ، وله حرف واحد ، وهو (لا) الجازمة فى نحو قولك : «لا تفعل» ، وهو كالأمر فى الاستعلاء. وقد يستعمل فى غير طلب الكفّ (٢) أو الترك (٣) ؛ كالتهديد ؛ كقولك لعبد لا يمتثل أمرك : «لا تمتثل أمري!» .

(٥١٣) وهذه الأربعة (٤) يجوز تقدير الشرط بعدها ؛ كقولك : «ليت لى مالا أنفقه» (٥) وأين بيتك أزرك؟ (٦) وأكرمنى أكرمك (٧) ولا تشتمنى يكن خيرا لك (٨).

(٥١٤) وأما العرض (٩) ـ كقولك : ألا تنزل تصب خيرا ـ فمولّد من الاستفهام.

(٥١٥) ويجوز (١٠) فى غيرها لقرينة ؛ نحو : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ)(١١) أى : إن أرادوا أولياء بحق.

(٥١٧) ومنها : النداء ، وقد تستعمل صيغته (١٢) ؛ كالإغراء فى قولك لمن أقبل يتظلّم : يا مظلوم ، والاختصاص فى قولهم : أنا أفعل كذا أيها الرجل ، أى : متخصّصا من بين الرجال.

(٥١٩) ثم الخبر قد يقع موقع الإنشاء : إمّا للتفاؤل ، أو لإظهار الحرص فى وقوعه ، كما مر ، والدعاء بصيغة الماضى من البليغ ـ كقوله : رحمه‌الله تعالى ـ يحتملهما ، أو للاحتراز عن صورة الأمر ،

__________________

(١) وهو طلب الكف عن الفعل استعلاء.

(٢) أى عن الفعل كما هو مذهب البعض.

(٣) أى أو طلب الترك كما هو مذهب البعض ، فإنهم قد اختلفوا فى أن مقتضى النهى كف النفس عن الفعل بالاشتغال بأحد أضداده أو ترك الفعل وهو نفس ألا تفعل.

(٤) وهى التمنى والاستفهام والأمر والنهى.

(٥) فى ط ، د خفاجى ، وط الحلبى زيادة : (أى إن أرزقه أنفقه).

(٦) فى ط. د خفاجى ، وط الحلبى زيادة : (أى إن تعرفنيه أزرك).

(٧) فى ط. د خفاجى ، وط الحلبى زيادة : (أى إن تكرمنى أكرمك).

(٨) فى ط. د خفاجى ، وط الحلبى زيادة : (أى إلا تشتمنى يكن خيرا لك).

(٩) طلب الشيء بلا حث ولا تأكيد.

(١٠) فى ط. د خفاجى ، وط الحلبى زيادة : (تقدير الشرط).

(١١) الشورى : ٩.

(١٢) فى ط. د خفاجى ، وط الحلبى زيادة : (فى غير معناه).

٥٨

أو لحمل المخاطب على المطلوب بأن يكون ممّن لا يحبّ أن يكذّب الطالب (١).

تنبيه

(٥٢١) الإنشاء كالخبر فى كثير ممّا ذكر فى الأبواب الخمسة السابقة ؛ فليعتبره الناظر.

__________________

(١) أى ينسب إلى الكذب كقولك لصاحبك الذى لا يحب تكذيبك تأتينى غدا؟ مقام ائتنى.

٥٩

الفصل والوصل

(٥٢٤) الوصل عطف بعض الجمل على بعض ، والفصل تركه. فإذا أتت جملة بعد جملة ، فالأولى : إما يكون لها محل من الإعراب ، أو لا :

(٥٢٤) وعلى الأول : إن قصد تشريك الثانية لها فى حكمه ، عطفت عليها كالمفرد ؛ فشرط كونه مقبولا بالواو ونحوه : أن يكون بينهما جهة جامعة ؛ نحو : زيد يكتب ويشعر ، أو : يعطى ويمنع ؛ ولهذا عيب على أبى تمام قوله [من الكامل ] :

لا والّذى هو عالم أنّ النّوى

صبر وأنّ أبا الحسين كريم

(٥٢٧) وإلا : فصلت عنها ؛ نحو : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ؛) لم يعطف (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) على (إِنَّا مَعَكُمْ ؛) لأنه ليس من مقولهم.

(٥٢٩) وعلى الثانى : إن قصد ربطها بها على معنى عاطف سوى الواو ـ عطفت به ، نحو :

 «دخل زيد فخرج عمرو» ، أو : «ثمّ خرج عمرو» ؛ إذا قصد التعقيب ، أو المهلة.

(٥٣٥) وإلّا : فإن كان للأولى حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية ـ فالفصل ؛ نحو : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) الآية ، لم يعطف : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) على : (قالوا ؛) لئلا يشاركه فى الاختصاص بالظرف ؛ لما مرّ.

وإلّا : فإن كان بينهما كمال الانقطاع بلا إيهام ، أو الاتصال ، أو شبه أحدهما ـ فكذلك.

وإلّا فالوصل متعيّن :

(٥٣٧) أمّا كمال الانقطاع : فلاختلافهما خبرا وإنشاء ، لفظا ومعنى ؛ نحو [من البسيط ] :

وقال رائدهم أرسوا نزاولها

فكلّ حتف امرئ يجرى بمقدار

أو معنى فقط ؛ نحو : «مات فلان» ، رحمه‌الله! أو لأنه لا جامع بينهما ؛ كما سيأتى ،

(٥٤١) وأمّا كمال الاتصال : فلكون الثانية :

مؤكدة للأولى ؛ لدفع توهّم تجوّز ، أو غلط ؛ نحو : (لا رَيْبَ فِيهِ ؛) فإنه لّما بولغ فى وصفه

٦٠