البرهان في علوم القرآن - ج ٢

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٢

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

(الثاني) (١) : الحال المؤكدة ؛ وهي الآتية على حال واحدة ، عكس المبيّنة ، فإنها لا تكون إلا منتقلة ، وهي لتأكيد الفعل كما سبق في المصدر المؤكد لنفسه ؛ وسمّيت مؤكدة لأنها تعلم قبل ذكرها ؛ [فيكون ذكرها] (٢) توكيدا ، لأنها (٣) معلومة من ذكر صاحبها. كقوله تعالى : (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (مريم : ٣٣). وقوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (العنكبوت : ٣٦) (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) (النمل : ١٩) لأن معنى «تبسم» ضحك مسرورا. وقوله : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) (النساء : ٧٩) (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (البقرة : ٨٣) وذكر الإعراض للدلالة على تناهي حالهم في الضلال ، ومثله (أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (البقرة : ٨٤) إذ معنى الإقرار أقرب من الشهادة ولأن الإعراض والشهادة حالان لهم عند التولي والإقرار. وقوله : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) (ق : ٣١) وقوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (هود : ١٠٨) فإنه حال مؤكدة لقوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) (هود : ١٠٨) وبهذا يزول الإشكال في أن شرط الحال الانتقال ؛ ولا يمكن ذلك هنا ؛ [فإنا] (٤) نقول : ذلك شرط في غير المؤكدة ولما لم يقف ابن جني على ذلك قدّر محذوفا ، أي معتقدا خلودهم فيها ؛ لأن اعتقاد ذلك أمر ثابت عند غير المؤمنين ، فلهذا ساغ مجيئها غير منتقلة.

ومنهم من نازع في التأكيد في بعض ما سبق ؛ لأن الحال المؤكدة مفهومها مفهوم عاملها ، وليس كذلك التبسم والضحك ، فإنه قد يكون من غير ضحك ، بدليل قوله : «تبسم تبسّم الغضبان». وكذلك التولية والإدبار في قوله تعالى : (وَلَّى مُدْبِراً) (النمل : ١٠) (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) (التوبة : ٢٥) فإنهما بمعنيين مختلفين ، فالتولية أن يولي الشيء ظهره ، والإدبار أن يهرب منه ، فليس كل مولّ مدبرا ، ولا كل مدبر مولّيا.

ونظيره قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (النمل : ٨٠) فلو كان أصمّ مقبلا لم يسمع ، فإذا ولّى ظهره كان أبعد له من السماع (٥) ، فإذا

__________________

(١) هذا الأمر الثاني مما يلتحق بالتأكيد الصناعي وقد تقدم الأول ص ٤٩١.

(٢) ساقط من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (لا أنها).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (الاسماع).

٥٠١

أدبر مع ذلك كان أشدّ لبعده عن السماع. ومن الدليل على أن التولّي لا يتضمن الإدبار قوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (البقرة : ١٤٤) فإنه بمعنى الإقبال. وقوله : (وَلَمْ يُعَقِّبْ) (النمل : ١٠) إشارة إلى استمراره في الهروب وعدم رجوعه ، يقال : فلان ولّى إذا رجع ، وكل راجع معقب ، وأهل التفسير يقولون : لم يقف ولم يلتفت.

وكذلك قوله : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) (النساء : ٧٩) قيل : ليست بمؤكدة ، لأن الشيء المرسل قد لا يكون رسولا ، كما قال تعالى : (إِذْ أَرْسَلْنا) (١) عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (الذاريات : ٤١) وقوله : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) (البقرة : ٩١) جعلها كثير من المعربين مؤكدة ؛ لأن صفة الحق التصديق. قيل : ويحتمل أن يريدوا به تأكيد العامل ، وأن يريدوا به تأكيد ما تضمنته الجملة.

ودعوى التأكيد غير ظاهرة ؛ لأنه يلزم من كون الشيء حقّا في نفسه أن يكون مصدّقا لغيره ، والفرض أن القرآن العزيز فيه الأمران ؛ وهو كونه حقا وكونه مصدّقا لغيره من الكتب ، فالظاهر أن (مُصَدِّقاً) حال مبينة لا مؤكدة ، ويكون العامل فيها (الْحَقُ) لكونه بمعنى الثابت ، وصاحب الحال الضمير الذي تحمّله (الْحَقُ) لتأوله بالمشتق.

وقوله : (قائِماً بِالْقِسْطِ) (آل عمران : ١٨) ف (قائِماً) حال مؤكدة ؛ لأن الشاهد به «لا إله إلا هو قائم بالقسط» ، فهي لازمة مؤكدة وقد وقعت بعد الفعل والفاعل. قال ابن أبي الربيع (٢) : ويجوز أن يكون حالا على جهة [١٤١ / أ] أخرى ، على معنى «شهد الله أنه منفرد بالربوبية وقائم بالقسط» فإنه سبحانه [وتعالى] (٣) بالصفتين لم ينتقل عنهما ، فهو متصف بكل واحدة منهما في حال الاتصاف بالأخرى ، وهو سبحانه لم يزل (٤) بهما لأن صفاته ذاتية قديمة.

__________________

(١) تصحفت في المخطوطة إلى (وأرسلنا).

(٢) هو عبيد الله بن أحمد بن عبيد الله ، أبو الحسين بن أبي الربيع : إمام أهل النحو في زمانه ، أخذ القراءات عن محمد بن أبي هارون التيمي ، وقرأ النحو على الدّباج ، والشلوبين وأخذ عنه محمد بن عبيدة الإشبيلي ، وإبراهيم الغافقي وغيرهما. من تصانيفه «شرح الجمل» و «شرح الإيضاح» قال السيوطي : «لم يشذّ عنه مسألة في العربية» ت ٦٨٨ ه‍ (بغية الوعاة ٢ / ١٢٥).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (لا يزل).

٥٠٢

(فائدة) قال صاحب «المفصّل» (١) : لا تقع المؤكدة إلا بعد الجملة الاسمية ، وهو خلاف قول أبي عليّ (٢) : إنها تكون بعد الجملتين ؛ محتجا بما سبق ، وكذا بقوله (٣) تعالى : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (النمل : ٨٠) وقوله [تعالى] (٤) : (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) (النمل : ١٠) ف (مُدْبِرِينَ) و (مُدْبِراً) حال مؤكدة لفعل التولية.

[فصل] (٥) في أدوات التأكيد

* الأول : [التأكيد ب «إنّ»] (٥) قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) (فاطر : ٥) وقوله [تعالى] : (١٤٣) : (اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج : ١) وهي أقوى من التأكيد باللام كما قاله عبد القاهر في «دلائل الإعجاز» (٦) قال : وأكثر مواقع «إنّ» بحكم الاستقراء هو الجواب ؛ لكن بشرط أن يكون للسائل فيه ظن بخلاف ما أنت تجيبه به ؛ فأما أن تجعل مردّ الجواب أصلا فيها فلا بأنه يؤدي إلى (٧) قولك : «صالح» في جواب : كيف زيد؟ حتى تقول : إنه صالح ، ولا قائل (٨) به ، بخلاف اللام فإنه لا يلحظ فيها غير أصل الجواب.

__________________

(١) قال صاحب كشف الظنون ٢ / ١٧٧٤ : («المفصّل» في النحو للزمخشري ، جعله على أربعة أقسام : الأول في الأسماء ، الثاني في الأفعال ، الثالث في الحروف ، الرابع في المشترك من أحوالها ، ثم اختصره وسمّاه «الأنموذج» وله في بعض مشكلات المفصل كتاب آخر ، وهو كتاب عظيم القدر ، وقد اعتنى عليه أئمة هذا الفن فشرحه ...) وذكر شروحاته طبع بعناية المستشرق السويدي بروخ J.P.Brach في ليبسك عام ١٢٧٦ ه‍ / ١٨٥٩ م ، وطبع بتصحيح حمزة فتح الله بمطبعة الكواكب في الاسكندرية عام ١٢٩١ ه‍ / ١٨٧٤ م ، وطبع بتحقيق المستشرق T.jann) مع شرح ابن يعيش) في ليبسك عام ١٢٩٣ ه‍ / ١٨٧٦ م ، وصور عام ١٢٩٧ ه‍ / ١٨٧٩ من عن طبعةJ.P.Broch ، وطبع بتحقيق المولوي محمد يعقوب راسبوري بدهلي عام ١٣٠٩ ه‍ / ١٨٩١ م ، وطبع بتصحيح محمد بدر النعساني الحلبي بالقاهرة ١٣٢٣ ه‍ / ١٩٠٥ م وشرح أبياته في ذيل سماه «المفضّل في شرح أبيات المفصل» وقوم بتحقيقه مؤخرا كمال جبري أمين (انظر أخبار التراث العربي ٢ / ١٦ و ٢٩ / ٢٧) وانظر قول الزمخشري في الكتاب ص ٦٢.

(٢) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ، أبو علي الفارسي ، تقدم في ١ / ٣٧٥.

(٣) في المخطوطة (يقول).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) هو عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني ، وانظر قوله في كتابه ص ٢٤٢ وما بعدها (بتصحيح محمد رشيد رضا) باب اللفظ والنظم ، فصل في «إن» ومواقعها.

(٧) عبارة المخطوطة (وإنما لم يستقم) بدل (لأنه يؤدي إلى).

(٨) في المخطوطة (فلا).

٥٠٣

وقد يجيء مع التأكيد في تقدير سؤال السائل (١) إذا تقدمها من الكلام ما يلوح نفسه للنفس ، كقوله تعالى : (اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج : ١) أمرهم بالتقوى ثم علّل وجوبها مجيبا لسؤال مقدّر بذكر الساعة ، واصفا لها بأهول وصف ، ليقرر عليه الوجوب. وكذا قوله تعالى : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (هود : ٣٧) أي [لا] (٢) تدعني في شأنهم واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك ، لأنهم محكوم عليهم بالإغراق ، وقد جفّ به القلم فلا سبيل إلى كفه عنهم.

ومثله في النهي عن الدعاء لمن وجبت شقاوته قوله تعالى : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود : ٧٦) ومنه قوله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (يوسف : ٥٣) فإن قوله [تعالى] : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) أورث للمخاطب حيرة : كيف لا ينزّه نفسه مع كونها مطمئنة زكية! فأزال حيرته بقوله تعالى : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ) في جميع الأشخاص (بِالسُّوءِ) إلا المعصوم. وكذا قوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (التوبة : ١٠٣).

واعلم أن كل جملة (٣) صدّرت ب «إنّ» [لاظهار فائدة ، الأولى] (٤) مفيدة للتعليل وجواب سؤال مقدر ؛ فإنّ الفاء يصح أن تقوم فيها مقام (٥) [«أن» مفيدة للتعليل ، حسن تجريدها عن كونها جوابا للسؤال المقدر كما سبق من الأمثلة. وإن صدّرت لإظهار فائدة ، الأولى لم يصح قيام الفاء مقامها] (٥) كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (الأنبياء : ١٠١) بعد قوله : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) (الأنبياء : ١٠٠).

ومن فوائدها تحسين ضمير الشأن معها إذا فسّر بالجملة الشرطية ما لا يحسن بدونها ، كقوله : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) (يوسف : ٩٠) (أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ [وَرَسُولَهُ]) (٦) (التوبة : ٦٣) (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً [بِجَهالَةٍ]) (٦) (الأنعام : ٥٤). (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ)

__________________

(١) في المخطوطة (سائل).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (صلة).

(٤) ساقط من المطبوعة.

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٦) ليست في المخطوطة.

٥٠٤

(المؤمنون : ١١٧) وأما حسنه بدونها في قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (الاخلاص : ١) فلفوات الشرط.

* الثاني : [«أنّ»] (١) المفتوحة نحو «علمت أن زيدا قائم» وهي حرف مؤكد كالمكسورة ؛ نصّ عليه النحاة. واستشكله بعضهم قال : لأنك لو صرّحت بالمصدر المنسبك منها لم يفد توكيدا ؛ ويقال : التوكيد (٢) للمصدر المنحل لأن محلها مع ما بعدها المفرد (٣) ؛ وبهذا يفرق بينها وبين «إنّ» المكسورة ؛ فإن التأكيد في المكسورة للإسناد ، وهذه لأحد الطرفين.

* الثالث : «كأنّ» وفيها التشبيه المؤكد إن كانت بسيطة ، وإن كانت مركبة [١٤١ / ب] من كاف التشبيه و «أن» ، فهي متضمنة لأنّ فيها ما سبق وزيادة. قال الزمخشريّ (٤) : والفصل بينه وبين الأصل ـ أي بين قولك : «كأنه أسد» : وبين «أنه كالأسد» ـ [أنك] (٥) (٦) [مع كأنّ بان على] (٦) التشبيه من أول [الأمر] (٥) وثمّ بعد مضي صدره على الإثبات. وقال الإمام في «نهاية الإيجاز» (٧) : اشترك (٨) «الكاف» و «كأنّ» في الدلالة على التشبيه ، «وكأنّ» أبلغ ، و (٩) بذلك جزم حازم في «منهاج] (٩) البلغاء» وقال : وهي إنّما تستعمل حيث يقوى الشّبه ؛ حتى يكاد الرائي يشكّ في أن المشبّه هو المشبه به أو غيره ، ولذلك قالت بلقيس : (كَأَنَّهُ هُوَ) (النمل : ٤٢).

الرابع : «لكنّ» لتأكيد الجمل (١٠) ، ذكره ابن عصفور (١١) والتنوخيّ في

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (التأكيد).

(٣) في المخطوطة (لمفرد).

(٤) في المفصل : ٣٠١. بتصرف. باب (كأنّ) من أصناف الحروف المشبهة للفعل.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) عبارة المخطوطة (مع إنه كأن باق).

(٧) كتاب «نهاية الايجاز» للفخر الرازي ؛ محمد بن عمر تقدم التعريف به في ٢ / ٤٧٦.

(٨) في المخطوطة (أشرك).

(٩) تصحفت العبارة في المخطوطة : (وقد أكد حزم جازم في جزم منهاج) وحازم هو ابن محمد القرطاجني ، تقدم التعريف به وبكتابه في ١ / ١٥٥.

(١٠) في المخطوطة : (للتأكيد المجرّد).

(١١) هو علي بن مؤمن بن محمد ، أبو الحسن ، تقدم في ١ / ٤٦٦.

٥٠٥

«الأقصى» (١) وقيل : للتأكيد مع الاستدراك. وقيل : للاستدراك المجرد ، وهي أن يثبت لما بعدها حكم يخالف ما قبلها ؛ ومثلها «ليت» و «لعلّ» و «لعنّ» في لغة بني تميم ؛ لأنهم يبدلون همزة «أن» المفتوحة عينا ؛ وممن ذكر أنها من المؤكدات : التنوخي.

الخامس : لام الابتداء نحو : (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) (إبراهيم : ٣٩) وهي تفيد تأكيد مضمون الجملة ، ولهذا زحلقوها في باب «إنّ» عن صدر الجملة كراهية ابتداء الكلام بمؤكدين ؛ ولأنّها تدلّ بجهة التأكيد ، وإنّ تدلّ بجهتين : العمل والتأكيد ، والدالّ بجهتين مقدّم على الدال (٢) بجهة كنظيره في الإرث وغيره. وإذا جاءت (٣) مع «إنّ» [كان] (٤) بمنزلة تكرار الجملة ثلاث مرات ، لأن [إنّ] (١٦٩) أفادت التكرير مرتين ؛ فإذا دخلت اللام صارت ثلاثا. وعن الكسائي أنّ اللام لتوكيد الخبر «وإنّ» لتأكيد (٥) الاسم ؛ وفيه تجوّز ، لأن التأكيد إنما هو للنسبة (٦) لا للاسم والخبر.

السادس : الفصل ، وهو من مؤكدات الجملة ؛ وقد نص سيبويه (٧) على أنه يفيد التأكيد ، وقال في قوله تعالى : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) (الكهف : ٣٩) (أَنَا) وصف للياء في (تَرَنِ) يزيد تأكيدا وهذا صحيح ، لأن المضمر يؤكد الضّمير ، وأما تأكيد المظهر بالمضمر فلم يعهد ، ولهذا سماه بعضهم «دعامة» ، لأنه يدعم به الكلام ، أي يقوى ، ولهذا قالوا : لا يجاء مع التوكيد ، فلا يقال : «زيد نفسه هو الفاضل». ووافق على ذلك ابن الحاجب (٨) في «شرح المفصّل» وخالف في «أماليه» (٩) فقال : ضمير الفصل ليس توكيدا ،

__________________

(١) هو محمد بن محمد ، زين الدين التنوخي ، تقدم التعريف به وبكتابه «الأقصى القريب» في ٢ / ٤٤٨.

(٢) في المخطوطة (المولي).

(٣) في المخطوطة (اجتمعت).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (لتوكيد).

(٦) في المخطوطة (بنسبته).

(٧) الكتاب ٢ / ٣٩٢ (بتحقيق عبد السلام محمد هارون) ، باب ما يكون فيه هو وأنت وأنا ونحن وأخواتهنّ فصلا.

(٨) هو أبو عمرو عثمان بن عمر بن الحاجب ، تقدم ذكره في ١ / ٤٦٦ ، وكتابه «الإيضاح في شرح المفصل» طبع بتحقيق موسى بناي العكيلي ، بمطبعة المجمع العلمي الكردي ببغداد (كرسالة دكتوراه) عام ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٦ م ، وأعادت طبعه وزارة الأوقاف العراقية عام ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م (ذخائر التراث العربي ١ / ٨٢ ، وفهرست الكتب النحوية : ٤٨).

(٩) تقدم التعريف به في ١ / ٥١١.

٥٠٦

لأنه لو كان ، فإما لفظيا أو معنويا ، لا جائز أن يكون لفظيا ، لأنّ اللفظيّ إعادة اللفظ الأول كزيد زيد ، أو معناه كقمت ، والفصل ليس هو المسند إليه ولا معناه لأنه ليس مكنيّا عن المسند إليه ، ولا مفسرا ، ولا جائز أن يكون معنويا ، لأن ألفاظه محصورة ، كالنفس والعين ، وهذا منه نفي للتوكيد الصناعي ولبس للكلام (١).

وفي «البسيط» للواحديّ (٢) عند قوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة : ٥) قال سيبويه (٣) : دخل الفصل في قوله [تعالى] : (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) (المزمل : ٢٠) قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ [بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ]) (٤) (آل عمران : ١٨٠) وفي قوله [تعالى] : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ) (سبأ : ٦) وفي قوله تعالى : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) (الأنفال : ٣٢) وذكر أن هذا بمنزلة ما في قوله [تعالى] : (فَبِما رَحْمَةٍ) (آل عمران : ١٥٩) انتهى.

السابع : ضمير البيان (٥) للمذكر ، والقصة للمؤنث ، ويقدمونه قبل الجملة نظرا لدلالته (٦) على تعظيم الأمر في نفسه ، والإطناب فيه ، ومن ثمّ قيل له : الشأن والقصة ، وعادتهم إذا أرادوا ذكر جملة قد يقدمون قبلها ضميرا يكون كناية عن تلك الجملة ، وتكون الجملة خبرا عنه ، ومفسرة (٧) له ، ويفعلون ذلك في مواضع التفخيم ، والغرض منه أن يتطلع (٨) [١٤٢ / أ] السامع إلى الكشف عنه وطلب تفسيره ، وحينئذ تورد (٩) الجملة

__________________

(١) عبارة المخطوطة (فليس الكلام).

(٢) هو علي بن أحمد ، أبو الحسين الواحدي ، صاحب التفسير الكبير المسمّى ب «البسيط» تقدم التعريف به وبكتابه في ١ / ١٠٥.

(٣) انظر الكتاب ٢ / ٣٩٢ (بتحقيق عبد السلام محمد هارون).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (الشأن).

(٦) في المخطوطة (للدلالة).

(٧) في المخطوطة (ومفسرا).

(٨) في المخطوطة (يطلع).

(٩) في المخطوطة (يورد).

٥٠٧

المفسرة له. وقد يكون لمجرد التعظيم ، كقوله [تعالى] : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا) (طه : ١٤) وقد يفيد معه الانفراد ، نحو قوله [تعالى] : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (الاخلاص : ١) أي المنفرد بالأحدية. قال جماعة من النحاة : (هُوَ) ضمير الشأن و (اللهُ) مبتدأ ثان و (أَحَدٌ) خبر المبتدأ الثاني ، والمبتدأ الثاني وخبره خبر الأول ، ولم يفتقر إلى عائد لأنّ الجملة تفسير له ، ولكونها مفسرة لم يجب تقديمها عليه ، وقيل : هو كناية عن «الله» لأنهم سألوه أن يصف ربّه فنزلت.

ومنه : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) (الجن : ١٩) ويجوز تأنيثه إذا كان في الكلام مؤنث ، كقوله [تعالى] : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) (الحج : ٤٦) فالهاء في (فَإِنَّها) ضمير القصة و (تَعْمَى الْأَبْصارُ) في موضع [رفع] (١) خبر [إن] (١) وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) (الشعراء : ١٩٧) بقراءة الياء (٢) و (أَنْ يَعْلَمَهُ) مبتدأ و (آيَةً) الخبر ، والهاء ضمير القصة ، وأنث لوجود (آيَةً) في الكلام.

الثامن : تأكيد الضمير ؛ ويجب أن يؤكد المتصل بالمنفصل إذا عطف عليه كقوله [تعالى] : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (البقرة : ٣٥) و

قوله [تعالى] : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ) (المائدة : ٢٤) وقيل : لا يجب التأكيد ، بل يشترط الفاصل بينهما بدليل قوله [تعالى] : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) (الأنعام : ١٤٨) فعطف (آباؤُنا) على المضمر المرفوع ؛ وليس هنا تأكيد بل فاصل وهو (لا). وهذا لا حجة فيه ؛ لأنها دخلت بعد واو العطف ؛ والذي يقوم مقام التأكيد إنما يأتي قبل واو العطف ، كالآيات المتقدمة بدليل قوله (٣) [(فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) (هود : ١١٢).

ومنهم من لم يشترط فاصلا ، بدليل قوله] (٣) : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) (الأعراف : ١١٥) فأكّد السحرة ضمير أنفسهم في الإلقاء دون ضمير موسى ؛ حيث لم يقولوا : «إما أن تلقي أنت». وفيه دليل على أنهم أحبوا التقديم في الإلقاء لعلمهم بأنهم

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (قراءة) ، وقراءة ابن عامر بالتاء ، والباقون بالياء (التيسير ص ١٦٦).

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٥٠٨

يأتون بسحر عظيم يقرر (١) عظمته في أذهان الحاضرين فلا يرفعها (٢) ما يأتي بعدها على زعمهم. وإنما ابتدءوا بموسى فعرضوا عليه البداءة بالإلقاء على عادة العلماء والصناع في تأدبهم مع قرنائهم! ومن ثم قيل : تأدّبوا تهذّبوا. وأجيب بأنه إنما لم يؤكّد في الآية لأنه استغنى عن التأكيد بالتصريح بالأوليّة في قوله : (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) (طه : ٦٥) وهذا جواب بياني لا نحويّ. فإن قيل : ما وجه هذا الإطناب؟ وهلاّ (٣) قالوا : «[إما أن تلقي وإمّا] (٤) أن نلقي» (٥)؟ فالجواب من وجهين : أحدهما : لفظيّ ، وهو المزاوجة لرءوس الآي على سياق خواتمها ، من أول السورة إلى آخرها.

(والثاني) : معنوي ، وهو أنه سبحانه أراد أن يخبر عن قوة أنفس السحرة واستطالتهم عند أنفسهم على موسى ؛ فجاء عنهم باللفظ أتمّ (٦) وأوفى منه في إسنادهم الفعل إليه. ذكر ذلك ابن جنّي في «خاطريّاته» (٧) ثم أورد سؤالا وهو : إنا نعلم أن السحرة لم يكونوا أهل لسان فيذهب بهم هذا (٨) المذهب من صيغة الكلام! وأجاب بأن جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللسان من القرون الخالية إنما هو من معروف معانيهم ؛ وليست بحقيقة ألفاظهم ، ولهذا (٩) لا يشك في أن قوله (٩) تعالى : (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) (طه : ٦٣) أن هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم.

التاسع : تصدير الجملة بضمير مبتدأ يفيد التأكيد ؛ ولهذا قيل بإفادة الحصر ، ذكره

__________________

(١) في المخطوطة (فقرر).

(٢) في المخطوطة (يرفعا).

(٣) في المخطوطة (وهذا).

(٤) ساقط من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (يلقي).

(٦) في المخطوطة (ثم).

(٧) تقدم التعريف بالكتاب في ٢ / ٤٣٦.

(٨) في المخطوطة (من هذا).

(٩) عبارة المخطوطة (... ولهذا لا شك أن في قوله ...).

٥٠٩

الزمخشري في مواضع من «كشّافه». قال (١) في قوله تعالى : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (البقرة : ٤) معناه الحصر ، أي لا يؤمن بالآخرة إلا هم. وقال في قوله (٢) : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) (الأنبياء : ٢١) أن معناه لا ينشر إلا هم [١٤٢ / ب] ، وإن المنكر عليهم ما يلزمهم حصر الألوهية فيهم. ثم خالف هذه القاعدة لمّا خالف مذهبه الفاسد في قوله تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (البقرة : ١٦٧) فقال (٣) : هم هنا بمنزلتها في قوله :

هم يفرشون اللّبد كل طمرّة (٤)

في دلالته على قوة أمرهم فيما أسند إليهم ، لا على الاختصاص. انتهى.

وبيانه أن مقتضى قاعدته في هذه الآية يدلّ على خروج المؤمنين الفسّاق من النار ؛ وليس هذا معتقده ، فعدل عن ذلك إلى التأويل للآية بفائدة (٥) تتم له ، فجعل الضمير المذكور يفيد تأكيد نسبة الخلود لهم لا اختصاصه (٦) بهم ؛ وهم عنده بهذه المثابة لأن عصاة المؤمنين وإن خلّدوا في النار على زعمه إلا أن الكفّار عنده أحق بالخلود وأدخل في استحقاقه من عصاة المؤمنين ، فتخيل في تخريج الآية على قاعدة مذهبه من غير خروج عن قاعدة أهل المعاني في اقتضاء تقديم الضمير الاختصاص. والجواب عن هذا أنّ إفادة تقديم الضمير المبتدإ للاختصاص والحصر أقوى وأشهر عندهم من إفادة مجرد التمكن في الصفة.

وقد نص الجرجانيّ في «دلائل الإعجاز» (٧) على أن إفادة تقديم الفاعل على الفعل للاختصاص جليلة وأما إرادة تحقيق الأمر عند السامع أنهم بهذه الصفة ، وأنهم متمكنون منها فليست جليلة (٨) ، وإذا كان كذلك فلا يعدل عن المعنى الظاهر إلا بدليل ، وليس هنا ما يقتضي إخراج الكلام عن معناه الجليّ ، كيف وقد صحت الأحاديث وتواترت على أن العصاة

__________________

(١) انظر الكشاف ١ / ٢٤.

(٢) انظر الكشاف ٣ / ٧٠٦.

(٣) انظر الكشاف ١ / ١٠٦.

(٤) في المخطوطة (ظهيرة). والبيت ذكره الجرجاني في دلائل الإعجاز : ١٠٠.

(٥) في المخطوطة (لفائدة).

(٦) في المخطوطة (لاختصاصه).

(٧) انظر دلائل الإعجاز للجرجاني ص : ٩٦ ـ ١١١ ، فصل التقديم والتأخير.

(٨) في المخطوطة (جلية).

٥١٠

يخرجون من النار بشفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشفاعة (١) غيره ، حتى لا يبقى فيها موحّد أبدا! فهذه الآية فيها دليل لأهل السنة على انفراد الكفار بالخلود في النار واختصاصهم بذلك ، والسنّة المتواترة ، موافقة ، ولا دليل للمخالف سوى قاعدة الحسن والقبيح العقليين وإلزامهم الله تعالى مما لا ينبغي لهم أن يلزموه من عدم العفو وتحقيق العقاب والخلود الأبديّ للمؤمنين (٢) في النار. نعوذ بالله من ذلك!

(فائدة) : لا تخصّ (٣) إفادة الحصر بتقديم الضمير المبتدإ ، بل هو كذلك إذا تقدم الفاعل ، أو المفعول ، أو الجار أو المجرور المتعلقات بالفعل ؛ ومن أمثلته قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) (الملك : ٢٩) فإن الإيمان لما لم يكن منحصرا في الإيمان بالله بل لا بدّ معه من رسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر ، وغيره مما يتوقف صحة الإيمان عليه بخلاف التوكل فإنه لا يكون إلا على الله وحده لتفرّده بالقدرة والعلم القديمين الباقيين ـ قدم الجار والمجرور فيه ليؤذن باختصاص التوكل من العبد على الله دون غيره ، لأن غيره لا يملك ضرا ولا نفعا فيتوكل عليه ؛ ولذلك قدم الظرف في قوله : (لا فِيها غَوْلٌ) (الصافات : ٤٧) ليفيد النفي عنها فقط واختصاصها بذلك ، بخلاف تأخيره في : (لا رَيْبَ [فِيهِ]) (٤) (البقرة : ٢) لأن نفي الريب لا يختص بالقرآن بل سائر الكتب المنزلة ، كذلك.

* العاشر : منها «هاء» التنبيه في النداء نحو : «يأيّها» (٥) [قال سيبويه : وأما الألف والهاء اللتان لحقتا «أيا» توكيدا فكأنك كررت «يا» مرتين إذا قلت : «يأيها»] (٥) وصار الاسم تنبيها. هذا كلامه. وهو حسن جدا ، وقد وقع عليه الزمخشري (٦) فقال : وكلمة التنبيه المقحمة بين الصفة وموصوفها لفائدة تبيين معاضدة (٧) حرف النداء ومكاتفته (٨) بتأكيد معناه ووقوعها عوضا مما يستحقه (٩) ، أي من الإضافة.

__________________

(١) في المخطوطة (وبشفاعة).

(٢) في المخطوطة (للمؤمن النار).

(٣) في المخطوطة (تختص).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٦) انظر المفصل ص ٣٠٩ ، في القسم الثالث من الكتاب ، وهو قسم الحروف ، فصل حروف النداء.

(٧) في المخطوطة (مقاصده).

(٨) في المخطوطة (ومخالفته).

(٩) في المخطوطة (تستحقه).

٥١١

* الحادي عشر «يا» الموضعة للبعيد [١٤٣ / أ] إذا نودي بها القريب الفطن قال الزمخشري (١) : إنّه للتأكيد المؤذن بأن الخطاب الذي يتلوه معتنى به جدا.

* الثاني عشر : «الواو» ، زعم الزمخشري (٢) أنها تدخل على الجملة الواقعة صفة لتأكيد ثبوت الصفة بالموصوف ، كما تدخل على الجملة الحالية ، كقوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) (الحجر : ٤) وقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ) (٣) سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ (الكهف : ٢٢) والصحيح أن الجملة الموصوف بها لا تقترن بالواو ؛ لأن الاستثناء المفرّغ لا يقع في الصفات بل الجملة حال من (قَرْيَةٍ) لكونها عامة بقديم (إِلاَّ) عليها.

الثالث عشر : «إما» المكسورة ، كقوله [تعالى] : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) (البقرة : ٣٨) أصلها «إن» الشرطية زيدت «ما» تأكيدا. وكلام الزجاج (٤) يقتضي أن سبب اللحاق (٥) نون التوكيد. وقال الفارسي (٦) : الأمر بالعكس ؛ لمشابهة فعل الشرط بدخول «ما» للتأكيد بالفعل المقسم عليه من جهة أنها كالعدم في القسم لما فيها من التأكيد. وجميع ما في القرآن من الشرط بعد «إما» توكيده بالنون.

قال أبو البقاء (٧) : وهو القياس ، لأن زيادة «ما» مؤذنة بإرادة شدة التوكيد. واختلف النحاة : أتلزم (٨) النون المؤكدة فعل الشرط عند وصل «إما» أم لا؟ فقال المبرّد والزجاج : يلزم ولا تحذف إلا ضرورة. وقال سيبويه (٩) [وغيره : لا تلزم فيجوز إثباتها وحذفها ، والإثبات أحسن. ويجوز حذف «ما» وإثبات النون ، قال سيبويه] (٩) : إن شئت (١٠) لم تقحم النون ، كما أنك إذا شئت لم تجئ (١٠) بها. انتهى.

__________________

(١) في المفصّل ص ٣٠٩ [باب] ومن أصناف الحرف حروف النداء.

(٢) الكشاف ٢ / ٣١٠ سورة الحجر ، و ٢ / ٣٨٥ سورة الكهف.

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (سيقولون).

(٤) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ١ / ١١٧ ، في كلامه على الآية ٣٨ من سورة البقرة.

(٥) في المخطوطة (لحاق).

(٦) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علي الفارسي ، تقدم في ١ / ٣٧٥.

(٧) هو عبد الله بن الحسين ، أبو البقاء العكبري ، وانظر إملاء ما منّ به الرحمن ١ / ١٩ (طبعة الميمنية بالقاهرة ١٣٠٦ ه‍) في الكلام على الآية (٣٨) من سورة البقرة.

(٨) في المخطوطة (أن نلزم).

(٩) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(١٠) تصحفت العبارة في المطبوعة كالتالي : (إن ثبتت لم تقحم النون ، كما أنك إذا أثبت لم تجئ بما)

٥١٢

وجاء السماع بعدم النون بعد «إما» كقول الشاعر :

فإما تريني ولي لمّة

فإن الحوادث أودى بها (١)

* الرابع عشر : «أمّا» المفتوحة ، قال الزمخشريّ (٢) في قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) (البقرة : ٢٦) إنها تفيد التأكيد.

* الخامس عشر : «ألا» الاستفتاحية ، كما صرح به الزمخشريّ (٣) ، في قوله تعالى :

(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) (البقرة : ١٢) ويدلّ عليه قولهم : إنها للتحقيق (٤) ، أي تحقيق الجملة بعدها ، وهذا معنى التأكيد ، قال الزمخشريّ : ولكونها بهذا المنصب من التحقيق لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم ، نحو : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس : ٦٢).

* السادس عشر : «ما» النافية ، نحو : ما زيد قائما (٥) أو قائم ، على لغة تميم ، جعل سيبويه (٦) فيها معنى التوكيد ؛ لأنه جعلها في النفي جوابا ل «قد» في الإثبات ، كما أن [قد] (٧) فيها معنى التوكيد ، فكذلك ما جعل جوابا لها ؛ ذكره ابن الحاجب (٨) في «شرح المفصّل».

* السابع عشر : «الباء» في الخبر ؛ نحو ما زيد بمنطلق ، قال الزمخشريّ في «كشافه

__________________

والتصويب من كتاب سيبويه ٣ / ٥١٥ (بتحقيق عبد السلام محمد هارون) باب النون الثقيلة والخفيفة.

(١) البيت للأعشى ، وهو في ديوانه ص ١٢٠ (طبعة رودلف جاير ، فينّا ١٩٢٧ م) وهو من شواهد سيبويه في الكتاب ٢ / ٤٦ ، والبغدادي في الخزانة ٤ / ٥٧٨ ، والعيني ٢ / ٤٦٦ و ٤ / ٣٢٧ ، وابن يعيش في شرح المفصل ٥ / ٩٥ و ٩ / ٦ و ٤١ ، وابن الشجري في أماليه ٢ / ٣٤٥ ، ومعنى البيت : إن كنت قد رأيتني فيما مضى ولي لمة فينانة فإن حوادث الدهر قد غيّرتها وذهبت بها. ويروى صدر البيت كالتالي : «فإمّا تري لمّتي بدّلت».

(٢) انظر الكشاف ١ / ٥٧.

(٣) انظر الكشاف ١ / ٣٣.

(٤) في المخطوطة (لتحقيق).

(٥) في المخطوطة (قائم).

(٦) انظر كتاب سيبويه ١ / ٥٧ ، (بتحقيق عبد السلام هارون) باب ما أجري مجرى ليس في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز ، ثم يصير إلى أصله.

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) هو عثمان بن عمر بن يونس. أبو عمرو ، تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦ ، وبكتابه في ٢ / ٥٠٦.

٥١٣

القديم» (١) : هي عند البصريين لتأكيد النفي. وقال الكوفيون : قولك : ما زيد بمنطلق ، جواب إن زيدا لمنطلق ، «ما» بإزاء «إنّ» والباء [بإزاء] (٢) اللام ؛ والمعنى راجع إلى أنها للتأكيد ؛ لأن اللام لتأكيد (٣) الإيجاب ، فإذا كانت بإزائها كانت لتأكيد النفي. هذا كله في مؤكدات الجملة الاسمية.

وأما (٤) مؤكدات الفعلية فأنواع :

* (أحدها) : «قد» فإنها حرف تحقيق وهو معنى التأكيد ، وإليه أشار الزمخشريّ (٥) في قوله [تعالى] : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (آل عمران : ١٠١) معناه (٦) لا محالة. وحكى الجوهريّ (٧) عن الخليل أنه لا يؤتى بها في شيء إلا إذا كان السامع متشوقا إلى سماعه ، كقولك لمن يتشوق سماع [قدوم زيد : قد] (٨) قدم زيد ، فإن لم يكن ، لم يحسن المجيء بها ، بل تقول : قام زيد. [وقال بعض النحاة في] (٩) قوله (٩) تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) (الإسراء : ٨٩) [وقال بعض النحاة] (١٠) في قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) (البقرة : ٦٥) «قد» في الجملة الفعلية المجاب بها القسم ، مثل «إنّ» و «اللام» في الاسمية المجاب بها في إفادة التأكيد. [١٤٣ / ب] وتدخل على الماضي ؛ نحو (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (١١) (الشمس : ٩)

__________________

(١) تقدم الكلام عن الكشاف القديم في ١ / ١٦٤.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (لتوكيد).

(٤) في المخطوطة (فأما).

(٥) الكشاف ١ / ٢٠٦.

(٦) في المخطوطة (هذا).

(٧) هو إسماعيل بن حماد الجوهري ، تقدم التعريف به في ١ / ٣٧٣.

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٩) في المخطوطة (أما قوله).

(١٠) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(١١) في المخطوطة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون : ١].

٥١٤

والمضارع ، نحو : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ [الَّذِي يَقُولُونَ]) (١) (الأنعام : ٣٣) (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) (النور : ٦٤) قال الزمخشريّ (٢) : دخلت قد لتوكيد العلم. ويرجع ذلك لتوكيد الوعيد ، وبهذا يجاب عن قولهم : إنما تفيد التعليل (٣) [مع المضارع. وقال ابن أبان (٤) : تفيد مع المستقبل التعليل] (٣) في وقوعه أو متعلقه ، فالأولى كقولك : زيد قد يفعل كذا ، وليس ذلك منه بالكثير ، والثاني كقوله [تعالى] : (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) (النور : ٦٤) المعنى والله أعلم : أقل معلوماته ما أنتم عليه.

* (ثانيها) (٥) : السين التي للتنفيس ، قال سيبويه (٦) في قوله تعالى : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ [وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ]) (٧) (البقرة : ١٣٧) معنى السين أن ذلك كائن لا محالة ، وإن تأخر إلى حين. وجرى عليه الزمخشريّ (٨) فقال في قوله تعالى : (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) (التوبة : ٧١) السين تفيد وجود الرحمة لا محالة ، فهي تؤكد الوعد ، كما تؤكد الوعيد ، في قولك : «سأنتقم منك يوما» يعني أنك لا تفوتني (٩) وإن تبطّأت (١٠).

ونحوه : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (مريم : ٩٦) (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (الضحى : ٥) (سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) (النساء : ١٥٢) لكن قال في قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (١١) معنى الجمع بين حرفي التأكيد [والتأخير] (١٢) أن العطاء كائن لا محالة وإن تأخر. وقد اعترض عليه بأن وجود الرحمة مستفاد من الفعل لا من السين ، وبأن الوجوب المشار إليه بقوله : «لا محالة» (١٣) لا إشعار للسين به. وأجيب بوجهين :

__________________

(١) ليس في المطبوعة.

(٢) ليس قوله في الكشاف الجديد ، ولعله في القديم.

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٤) هو أحمد بن أبان بن السيد اللغوي تقدم التعريف به في ١ / ٣٩٤.

(٥) في المخطوطة (الثاني).

(٦) كتاب سيبويه ١ / ٣٥ (بتحقيق عبد السلام محمد هارون) باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعول.

(٧) بقية الآية ليست في المطبوعة.

(٨) الكشاف ٢ / ١٦٢.

(٩) في المخطوطة (يفوتني).

(١٠) في المخطوطة (تباطأ).

(١١) الكشاف ٤ / ٢١٩.

(١٢) ساقطة من المخطوطة.

(١٣) في هذا الموضع من المخطوطة تكررت عبارة (وإن تأخر وقد اعترض عليه) التي تقدمت سابقا.

٥١٥

(أحدهما) : أن السين موضوعة للدلالة على الوقوع مع التأخر ، فإذا كان المقام ليس مقام تأخير لكونه بشارة (١) تمحضت لإفادة الوقوع ، وتحقيق الوقوع يصل الى درجة الوجوب. وفيه نظر لأن ذلك يستفاد (٢) من المقام لا من السين.

(والثاني) : أن السين يحصل بها ترتيب الفائدة ؛ لأنها تفيد أمرين : الوعيد والإخبار بطرقه ، وأنه متراخ ، فهو كالإخبار بالشيء مرتين ؛ ولا شك أن الإخبار بالشيء وتعيين طرقه مؤذن (٣) بتحققه عند المخبر به (٤).

* (ثالثها) : النون (٥) [الشديدة ؛ وهي بمنزلة ذكر الفعل ثلاث مرات ، وبالخفيفة ، فهي بمنزلة ذكره مرتين. قيل : وهذان النونان] (٥) لتأكيد الفعل في مقابلة تأكيد الاسم بإنّ واللام ؛ ولم يقع في القرآن التأكيد بالخفيفة إلاّ في موضعين : (وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) (يوسف : ٣٢) وقوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) (العلق : ١٥) ولما لم يتجاوز الثلاثة في تأكيد الأسماء فكذلك (٦) لم يتجاوزها في تأكيد الأفعال ، قال تعالى : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (الطارق : ١٧) لم يزد على ثلاثة : مهل ، وأمهل ، ورويدا ، كلّها بمعنى واحد ، وهنّ : فعلان واسم فعل.

* (رابعا) : (٧) «لن» لتأكيد النفي [كإنّ] (٨) في تأكيد الإثبات ؛ فتقول : لا أبرح ، فإذا أردت تأكيد النفي ، قلت : لن أبرح. قال سيبويه (٩) : هي جواب لمن قال : سيفعل. يعني والسين للتأكيد فجوابها كذلك.

وقال الزمخشريّ : «لن» تدل على استغراق النفي في الزمن المستقبل ، بخلاف [«لا»] (٨) [و] (١٠) كذا قال في «المفصل» (١١) : لن لتأكيد ما تعطيه ، لا من نفي المستقبل ،

__________________

(١) في المخطوطة (إشارة محضة).

(٢) في المخطوطة (مستفاد).

(٣) في المخطوطة (يؤذن).

(٤) في المخطوطة (الخبرية).

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (فلذلك).

(٧) في المخطوطة (رابعها).

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) كتاب سيبويه ٤ / ٢١٧ ، باب عدة ما يكون عليه الكلم.

(١٠) زيادة من المطبوعة.

(١١) انظر ص ٣٠٧ (حروف النفي).

٥١٦

وبنى على ذلك مذهب الاعتزال في قوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) (الأعراف : ١٤٣) قال (١) : هو دليل عن نفي الرؤية في الدنيا والآخرة ؛ وهذا الاستدلال حكاه إمام الحرمين (٢) في «الشامل» عن المعتزلة وردّ عليهم بقوله تعالى لليهود : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) (البقرة : ٩٤ ، ٩٥) ثم أخبر عن عامة الكفرة أنهم يتمنون الآخرة فيقولون : (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) (الحاقة : ٢٧) يعني الموت.

ومنهم من قال : لا تنفي الأبد ، ولكن (٣) إلى وقت ، بخلاف (٤) قول المعتزلة ، وأن (٥) النفي ب «لا» أطول من النفي ب «لن» ؛ لأنّ آخرها ألف ، وهو حرف يطول فيه النّفس ، فناسب طول المدة بخلاف لن ولذلك قال تعالى : (لَنْ تَرانِي) (الأعراف : ١٤٣) وهو مخصص (٦) بدار الدنيا. وقال : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (الأنعام : ١٠٣) وهو [١٤٤ / أ] مستغرق لجميع أزمنة الدنيا والآخرة ، وعلّل بأن الألفاظ تشاكل المعاني ولذلك اختصّت لا بزيادة مدة. وهذا ألطف من رأي المعتزلة ، ولهذا أشار ابن الزملكانيّ (٧) في «التبيان» بقوله : «لا» تنفي ما بعد ، «ولن» تنفي ما قرب ، وبحسب المذهبين أوّلوا الآيتين : قوله تعالى : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) (البقرة : ٩٥) (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً) (الجمعة : ٧).

ووجه القول الثاني أن (لا يَتَمَنَّوْنَهُ) جاء بعد الشرط في قوله [تعالى] : (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) (الجمعة : ٦) وحرف الشرط يعمّ كلّ الأزمنة ،

__________________

(١) الكشاف ٢ / ٨٩ عند تفسير الآية من سورة الأعراف.

(٢) هو عبد الملك بن أبي عبد الله الجويني ، إمام الحرمين تقدم ذكره في ١ / ٢٣ ، وكتابه «الشامل في أصول الدين» طبع بتحقيق هلموت كلويفر بدار الغرب في القاهرة عام ١٣٧٩ ه‍ / ١٩٥٩ م ، وطبع بتحقيق علي سامي النشار ، وسهير مختار ، وفيصل بدير عون بمنشأة المعارف في الاسكندرية عام ١٣٩١ ه‍ / ١٩٧١ م.

(٣) في المخطوطة (لكي).

(٤) في المخطوطة (عكس).

(٥) في المخطوطة (ان النفي).

(٦) في المخطوطة (مخصوص).

(٧) هو عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف تقدم التعريف به في ١ / ١٣٥ و ٢ / ٤٥٢ ، وكتابه «التبيان في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن» طبع بتحقيق أحمد مطلوب ود. خديجة الحدثي في بغداد ، بمطبعة العاني عام ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٤ م.

٥١٧

فقوبل ب «لا» ليعم (١) ما هو جواب له ، أي زعموا ذلك في وقت ما قيل لهم : تمنوا الموت ، وأما (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) (البقرة : ٩٥) فجاء بعد قوله : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً) (البقرة : ٩٤) أي إن كانت لكم الدار الآخرة فتمنوا الموت الآن (٢) ، استعجالا للسكون في دار الكرامة التي أعدّها الله لأوليائه وأحبائه. وعلى وفق هذا القول جاء قوله : (لَنْ تَرانِي) (الأعراف : ١٤٣).

(قلت) : والحق أن «لا» و «لن» لمجرد النفي عن الأفعال المستقبلة ، والتأبيد وعدمه يؤخذان من دليل خارج ، ومن احتجّ على التأبيد بقوله : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) (البقرة : ٢٤) وبقوله : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) (الحج : ٧٣) عورض بقوله : (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) (مريم : ٢٦) ولو كانت للتأبيد لم يقيّد منفيّها باليوم ، وبقوله : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) (البقرة : ٩٥) ولو كانت للتأبيد لكان ذكر الأبد تكريرا والأصل عدمه ، وبقوله : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) (طه : ٩١) لا يقال : هي مقيدة فلم تفد التأبيد ، والكلام عند الإطلاق ، لأن الخصم يدعي أنها موضوعة لذلك ، فلم تستعمل في غيره. وقد استعملت «لا» للاستغراق الأبديّ في قوله تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) (فاطر : ٣٦) وقوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة : ٢٥٥) (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) (البقرة : ٢٥٥) وقوله : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ [فِي سَمِّ الْخِياطِ]) (٣) (الأعراف : ٤٠) وغيره مما هو للتأبيد ، وقد استعملت فيه «لا» دون «لن» ؛ فهذا يدلّ على أنها لمجرد النفي ، والتأبيد يستفاد من دليل آخر. (٤)

__________________

(١) في المخطوطة (ليعلم).

(٢) في المخطوطة (لأن).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) وانظر الكلام على «لن» في «مغني اللبيب» ١ / ٢٨٤ حرف اللام لف. فقد استقى منه الزركشي ، كما سيذكر الزركشي «لن» في النوع السابع والأربعين ٤ / ٣٨٧.

٥١٨

فهرس الجزء الثاني

الموضوع

الصفحة

النوع الخامس والعشرون علم مرسوم الخط............................................................................ ٥

مسألة في کتابة القرآن بغر الخط العربي............................................................................. ١٥

اختلاف رسم الکلمات في المصحف والحکمة فه.................................................................... ١٥

الزائد وأقسامه:.................................................................................................. ١٦

القسم الأول : زادة الألف........................................................................................ ١٦

القسم الثاني : زادة الواو.......................................................................................... ٢٠

القسم الثالث : زادة الاء......................................................................................... ٢٠

الناقص وأقسامه:................................................................................................ ٢٢

القسم أول : حذف الألف....................................................................................... ٢٢

القسم الثاني: حذف الواو......................................................................................... ٢٩

القسم الثالث: حذف الاء........................................................................................ ٣٠

فصل [في حذف النون]........................................................................................... ٣٧

فصل فيما كتبت الألف فيه واوا على لفظ التفخيم................................................................... ٣٨

فصل في مدّ التاء وقبضها......................................................................................... ٣٩

فصل في الفصل والوصل.......................................................................................... ٤٤

فصل في بعض حروف الإدغام..................................................................................... ٤٩

فصل في حروف متقاربة تختلف في اللفظ لاختلاف المعنى.............................................................. ٥٣

فصل في کتابة فواتح السور........................................................................................ ٥٤

النوع السادس والعشرون معرفة فضائله.............................................................................. ٥٥

النوع السابع والعشرون معرفة خواصه................................................................................ ٦٢

تنبيه............................................................................................................ ٦٦

النوع الثامن والعشرون هل في القرآن شيء أفضل من شيء........................................................... ٦٧

فصل في أعظمة آة الکرسيّ...................................................................................... ٧٣

٥١٩

فائدة في أيّ آة في القرآن أرج؟.................................................................................. ٧٨

النوع التاسع والعشرون في آداب تلاوته وكيفيتها..................................................................... ٨١

فصل في کراهة قراءة القرآن بلاتدبر................................................................................. ٨٧

فصل في تعلم القرآن.............................................................................................. ٨٨

مسألة في جواز أخذ الأجر عل تعلم القرآن........................................................................ ٨٩

فصل في دوام تلاوة القرآن بعد تعلمه................................................................................ ٩١

مسألة في استحباب الاستاك والتطهر للقراءة........................................................................ ٩١

مسألة في التعوذ وقراءة البسملة عند التلاوة.......................................................................... ٩٢

مسألة.......................................................................................................... ٩٣

مسألة في قراءة القرآن في المصحف أفضل أم عل ظهر قلب؟.......................................................... ٩٣

مسألة في استحباب الجهر بالقراءة.................................................................................. ٩٥

مسألة في کراهة قطع القرآن لمکالمة الناس............................................................................ ٩٦

مسألة في حکم قراءة القرآن بالعجمة............................................................................... ٩٦

مسألة في عدم جواز القراءة بالشواذ................................................................................. ٩٨

مسألة في استحباب قراءة القرآن بالتفخم........................................................................... ٩٨

مسألة في فصل السور بعضها عن بعض............................................................................. ٩٩

مسألة في ترك خلط سورة بسورة.................................................................................... ٩٩

مسألة في استحباب استفاء الحروف عند القراءة.................................................................... ١٠١

فصل في ختم القرآن............................................................................................ ١٠١

مسألة في ختم القرآن في الشتاء وفي الصف....................................................................... ١٠٣

مسألة في التکبر بن السور ابتداء من سورة الضح................................................................ ١٠٣

مسألة في تکرر سورة الإخلاص.................................................................................. ١٠٤

مسألة فما فعله القارء عند ختم القرآن......................................................................... ١٠٤

فائدة......................................................................................................... ١٠٥

مسألة في آداب الاستماع....................................................................................... ١٠٥

مسألة في حکم من شرب شئا کتب من القرآن.................................................................... ١٠٥

مسألة : القام للمصاحف بدعة................................................................................. ١٠٦

مسألة في حکم الأوراق البالة من المصحف........................................................................ ١٠٦

مسألة في أحکام تتعلق باحترام المصحف وتبجله................................................................... ١٠٧

خاتمة......................................................................................................... ١١٠

النوع الثلاثون في أنه هل يجوز في التصانيف والرسائل والخطب استعمال بعض آيات القرآن؟......................... ١١١

مسألة : کره ضرب الأمثال بالقرآن.............................................................................. ١١٣

تنبه : لا جوز تعدي أمثلة القرآن................................................................................. ١١٤

٥٢٠