البرهان في علوم القرآن - ج ٢

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٢

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

١ ـ منها : أن [١٣٣ / ب] تأتي على طريقة وضع الشرطيّ (١) المتّصل الذي يوضع شرطه تقديرا لتبيين مشروطه تحقيقا ، كقوله [تعالى] (٢) : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) (الزخرف : ٨١) وقوله [تعالى] (٢) : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ) (الأنبياء : ٢٢) وقوله [تعالى] (٢) : (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ) (الإسراء : ٤٢).

٢ ـ ومنها أن تأتي على طريق تبيين الحال ، على وجه يأنس به المخاطب ، وإظهارا للتناصف في الكلام ، كقوله تعالى : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) (سبأ : ٥٠).

٣ ـ ومنها تصوير أن المقام لا يصلح إلا بمجرّد فرض الشرط ؛ كفرض الشيء المستحيل ، كقوله تعالى : (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) (فاطر : ١٤) والضمير للأصنام. ويحتمل منه ما سبق في قوله تعالى : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) (الزخرف : ٨١).

٤ ـ ومنها لقصد التوبيخ والتجهيل في ارتكاب مدلول الشرط وأنه واجب الانتفاء ، حقيق ألا يكون ، كقوله تعالى : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) (الزخرف : ٥) فيمن [قرأ] (٣) بكسر «إن» ، فاستعملت «إن» في مقام الجزم ، بكونهم (مُسْرِفِينَ) لتصوّر أن الإسراف ينبغي أن يكون منتفيا ، فأجراه لذلك مجرى المحتمل المشكوك.

٥ ـ ومنها تنبيه المخاطب وتهييجه ، كقوله تعالى : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة : ١٧٢) والمعنى عبادتكم لله تستلزم شكركم له ، فإن كنتم ملتزمين (٤) عبادته فكلوا من رزقه واشكروه (٥) ، وهذا كثيرا ما يورد في الحجاج والإلزام ، تقول : «إن كان لقاء الله حقا فاستعدّ له». وكذا قوله [تعالى] (٦) : (إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) (الأنعام : ١١٨).

__________________

(١) في المخطوطة (الشرط).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة. وهي قراءة حمزة ونافع والكسائي ، والباقون بفتحها. (التيسير ص ١٩٥).

(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (متلومين).

(٥) في المخطوطة (واشكروا له).

(٦) ليست في المخطوطة.

٤٦١

٦ ـ ومنها التغليب ، كقوله [تعالى] : (١) : (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) (الحج : ٥) وقوله [تعالى] (١) : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) (البقرة : ٢٣) فاستعمل «إن» مع تحقق الارتياب (٢) منهم ؛ لأن الكلّ لم يكونوا مرتابين ، فغلّب [غير] (٣) المرتابين منهم على المرتابين ؛ لأن صدور الارتياب من غير الارتياب مشكوك في كونه ، فلذلك (٤) استعمل «إن» على حدّ قوله : (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) (الأعراف : ٨٩).

واعلم أن [إن] (٣) لأجل أنها لا تستعمل إلا في المعاني المحتملة كان جوابها معلقا على ما يحتمل أن يكون وألا يكون ، فيختار فيه أن يكون بلفظ المضارع المحتمل للوقوع وعدمه ، ليطابق اللفظ والمعنى ، فإن عدل عن المضارع إلى الماضي (٥) لم يعدل إلا لنكتة ، كقوله [تعالى] (٦) : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) (الممتحنة : ٢) فأتى الجواب مضارعا ، وهو (يَكُونُوا) (٧) وما عطف عليه ، وهو (يَبْسُطُوا) مضارعا أيضا ، وأنه قد (٨) عطف عليه «ودّوا» بلفظ الماضي ، وكان قياسه المضارع ؛ لأن المعطوف على الجواب جواب ، ولكنه لما لم يحتمل ودادتهم لكفرهم من الشك فيها (٩) [ما] يحتمله أنهم إذا ثقفوهم صاروا (١٠) لهم أعداء ، وبسطوا (١١) أيديهم إليهم بالقتل ، وألسنتهم بالشتم ـ أتى فيه بلفظ الماضي ؛ لأن ودادتهم في ذلك مقطوع بها ، وكونهم أعداء وباسطي الأيدي والألسن بالسوء مشكوك ، لاحتمال أن يعرض ما يصدّهم عنه ، فلم يتحقق وقوعه.

وأما «إذا» فلما (١٢) كانت في المعاني المحققة غلب (١٣) لفظ الماضي معها ، لكونه أدلّ

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (الأسباب).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (فكذلك).

(٥) في المخطوطة (المضارع).

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (بابه).

(٨) في المخطوطة (بابه ثم).

(٩) في المخطوطة (فيما) و (ما) ساقطة من المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (يكونوا).

(١١) في المخطوطة (وبسطوا إليكم أيديهم ...).

(١٢) في المخطوطة (قلّما).

(١٣) في المخطوطة (غلب على لفظ ...).

٤٦٢

على الوقوع باعتبار لفظه في (١) المضارع ؛ قال تعالى : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) (الأعراف : ١٣١) بلفظ الماضي مع «إذا» في جواب الحسنة حيث أريد مطلق الحسنة ، لا نوع منها ، ولهذا عرّفت تعريف العهد ، ولم تنكّر كما نكّر المراد به نوع منها في قوله تعالى : (٢) [(وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (النساء : ٧٨) وكما نكّر الفعل حيث أريد به نوع في قوله تعالى] (٢) (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ) (النساء : ٧٣) وبلفظ المضارع مع «إنّ» [في] (٣) جانب السيئة وتنكيرها [١٣٤ / أ] بقصد النوع.

وقال تعالى : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (الروم : ٣٦) لفظ الماضي مع «إذا» والمضارع مع «إن» إلا أنه نكّرت الرحمة ليطابق معنى الإذاقة بقصد نوع منها ، والسيئة بقصد النوع أيضا.

ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ) (الإسراء : ٦٧) أتى بإذا لمّا كان مسّ الضرّ لهم في البحر محققا ، بخلاف قوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) (فصلت : ٤٩) فإنه لم يقيّد مسّ الشر هاهنا ؛ بل أطلقه.

وكذلك [قوله تعالى] (٤) : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) (الإسراء : ٨٣) فإن اليأس إنما حصل عند تحقق مسّ الضرّ (٥) له ، فكان الإتيان (٦) [بإذا] (٧) أدلّ على المقصود من «إن» بخلاف قوله [تعالى] (٧) (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (فصلت : ٥١) فإنه لقلّة صبره وضعف احتماله في موقع الشر أعرض ، والحال في الدعاء ، فإذا تحقق وقوعه كان يئوسا ، وأما قوله : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) (النساء : ١٧٦) مع أن الهلاك محقق ، لكن جهل وقته ، فلذلك جيء «بإن» ومثله قوله [تعالى] (٨) : (أَفَإِنْ

__________________

(١) في المخطوطة (من).

(٢) ما بين الحاصرتين ليس من المخطوطة.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (الشرّ).

(٦) في المخطوطة (الإثبات).

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) ليست في المخطوطة.

٤٦٣

ماتَ أَوْ قُتِلَ) (آل عمران : ١٤٤) فأتى بإن المقتضية للشك ، والموت أمر محقق ؛ لكن وقته [غير] (١) معلوم ، فأورد مورد المشكوك فيه ، المتردّد بين الموت والقتل.

وأما قوله [تعالى] (٢) : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (الفتح : ٢٧) مع [أن] (٣) مشيئة الله محققة ، فجاء على تعليم الناس كيف يقولون ، وهم يقولون في كلّ شيء على جهة الاتباع ، لقوله (٤) [تعالى] (٥) : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً* إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الكهف : ٢٣ ، ٢٤) فيقول الرجل في كل شيء [إن شاء الله ؛ على] (٥) مخبر (٦) به مقطوعا أو غير مقطوع ، وذلك سنّة متبعة.

ومثله قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» (٧) ويحتمل أن تكون للإبهام في وقت اللحوق متى يكون.

(تنبيه) : سكت البيانيون عما عدا «إذا» و (٨) «إن» وألحق (٨) صاحب (٩) «البسيط» وابن الحاجب «متى» بأن قال : لا تقول : متى طلعت (١٠) الشمس؟ مما علم أنه كائن ؛ بل تقول : متى تخرج أخرج. و [قال] (١١) الزمخشريّ في الفصل (١٢) بين

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (كقوله).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (يحزبه).

(٧) قطعة من حديث أخرجه مسلم في صحيحه من ثلاث طرق عن أبي هريرة ، وعائشة ، وبريدة ، رضي‌الله‌عنهم أما طريق أبي هريرة فأخرجها في ١ / ٢١٨ ، كتاب الطهارة (٢) ، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (١٢) ، الحديث (٣٩ / ٢٤٩) ، وأخرج طريق عائشة في ٢ / ٦٦٩ ، كتاب الجنائز (١١) ، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (٣٥) ، الحديث (١٠٢ / ٩٧٤). وطريق بريدة الحديث (١٠٤ / ٩٧٥).

(٨) عبارة المخطوطة (وإن الحق مع ...).

(٩) وهو الحسن بن شرف شاه ركن الدين الأسترآباذي عالم الموصل. كان من كبار تلامذة النصير الطوسي وكان مبجّلا عند التتار وجيها متواضعا حليما وتخرج به جماعة من الفضلاء ، وله من المصنفات «شرح المختصر» لابن الحاجب و «شرح الحاوي» و «شرح مقدمة ابن الحاجب» ثلاثة شروح : كبير وأوسط وصغير. ت ٧١٥ ه‍ (الدرر الكامنة ٢ / ١٦) ، وكتابه «البسيط» هو الشرح الكبير لكتاب «الكافية في النحو» لابن الحاجب ذكره صاحب كشف الظنون ٢ / ١٣٧٠.

(١٠) في المطبوعة (طلت).

(١١) ساقطة من المخطوطة.

(١٢) في المخطوطة (المفصل).

٤٦٤

«متى» و «إذ» (١) : إن «متى» للوقت المبهم و «إذا» (٢) للمعين ؛ لأنهما ظرفا زمان ، ولإبهام «متى» جزم بها دون «إذا».

* السادسة (٣) : قد يعلق الشرط بفعل محال يستلزمه محال آخر ، وتصدق الشرطية دون مفرديها ؛ أما صدقها فلاستلزام المحال ، وأما كذب مفرديها فلاستحالتهما.

وعليه قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (الزخرف : ٨١) وقوله [تعالى] (٤) : (لَوْ (٥) كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا) (الأنبياء : ٢٢) وقوله [تعالى] (٤) : (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ ...) الآية (الإسراء : ٤٢) وفائدة الربط بالشرط في مثل هذا أمران : أحدهما بيان استلزام إحدى القضيتين للأخرى ، والثاني أنّ اللازم منتف ، فالملزوم كذلك. وقد تبين بهذا أن الشرط يعلق (٦) به المحقق الثبوت ، والممتنع الثبوت ، والممكن الثبوت.

* السابعة (٧) : الاستفهام إذا دخل على الشرط ، (٨) [كقوله تعالى : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ) (آل عمران : ١٤٤) وقوله تعالى : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (الأنبياء : ٣٤) ونظائره : فالهمزة في موضعها ، ودخولها على أداة الشرط] (٨). والفعل الثاني الذي هو جزاء الشرط ليس جزاء للشرط ، وإنما هو المستفهم عنه والهمزة داخلة عليه تقديرا ، فينوى [به] (٩) التقديم ، وحينئذ فلا يكون جوابا ، بل الجواب محذوف ، والتقدير عنده : «أأنقلبتم (١٠) على أعقابكم أن مات محمد؟» لأنّ الغرض (١١) [انكار انقلابهم على أعقابهم بعد موته.

__________________

(١) زيادة في المخطوطة كما يلي (وإذ وإذا).

(٢) في المخطوطة (وإذ).

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (الخامسة).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة زيادة كلمة (قل) وهو تصحيف.

(٦) في المخطوطة (تعلق).

(٧) تصحفت في المخطوطة إلى (السادسة).

(٨) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٩) ليست في المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (انقلبتم).

(١١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٤٦٥

ويقول يونس (١) : قال كثير من النحويين ، إنهم يقولون : ألف الاستفهام دخلت في غير موضعها ؛ لأنّ الغرض] إنما [هو] (٢) : «أتنقلبون (٣) إن مات محمد». وقال أبو البقاء (٤) : «قال يونس (١) : الهمزة في مثل هذا حقّها (٥) أن تدخل على جواب الشرط ، تقديره : أتنقلبون (٦) إن مات [محمد] (٨) لأن الغرض التنبيه أو التوبيخ على هذا الفعل [١٣٤ / ب] المشروط ، ومذهب سيبويه (٧) الحقّ لوجهين : (أحدهما) أنك لو قدمت الجواب لم يكن للفاء وجه ؛ إذ لا يصح أن تقول (٨) : أتزورني (٩) فإن زرتك ، ومنه قوله : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (الأنبياء : ٣٤) ، (والثاني) أن الهمزة لها صدر الكلام (١٠) [و «إن» لها صدر الكلام] (١١) وقد وقعا في موضعهما ، والمعنى يتم بدخول الهمزة على جملة الشرط والجواب ؛ لأنهما كالشيء الواحد». انتهى.

وقد رد النحويون على يونس بقوله [تعالى] (١٢) (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (الأنبياء : ٣٤) لا يجوز في (فَهُمُ*) أن ينوى به التقديم ؛ لأنه يصير التقدير : «أفهم»

__________________

(١) هو يونس بن حبيب أبو عبد الرحمن الضبيّ النحوي ولد سنة (٩٠) أخذ الأدب عن أبي عمرو بن العلاء وحماد بن سلمة ، وكان النحو أغلب عليه ، وسمع من العرب ، وروى سيبويه عنه كثيرا ، وسمع منه الكسائي والفراء ، وكانت حلقته بالبصرة ينتابها الأدباء وفصحاء العرب وأهل البادية. وله من التصانيف «اللغات» و «الأمثال» و «النوادر» وغيرها. ت ١٨٢ ه‍ (وفيات الأعيان ٧ / ٢٤٤).

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (ينقلبون).

(٤) هو عبد الله بن الحسين بن عبد الله ، أبو البقاء العكبري ، تقدمت ترجمته في ١ / ١٥٩. وانظر قوله في كتابه إملاء ما من به الرحمن ص ١ / ٨٨ (طبعة الميمنية بالقاهرة).

(٥) في المطبوعة : (أحقها) ، والتصويب من المخطوطة ، وهو الموافق لقول العكبري.

(٦) في عبارة العكبري كلمتان أسقطها الزركشي وهما : (على أعقابكم).

(٧) ليست في المخطوطة ، ولا عند العكبري.

(٨) انظر كتاب سيبويه ٣ / ٨٣ ، (بتحقيق عبد السلام محمد هارون) ، باب الجزاء إذا دخلت فيه ألف الاستفهام.

(٩) في المخطوطة (يقول) ، والتصويب من العكبري.

(١٠) في المخطوطة (إن تزورني) والتصويب من العكبري.

(١١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو موجود عند العكبري.

(١٢) ليست في المطبوعة.

٤٦٦

الخالدون فإن (١) مت؟» ، وذلك لا يجوز ، لئلا يبقى (٢) [الشرط بلا جواب ؛ إذ لا يتصور أن يكون الجواب محذوفا يدل عليه ما قبله ؛ لأنّ الفاء المتصلة بإن تمنعه من ذلك ؛ ولهذا يقولون : «أنت ظالم إن فعلت» ، ولا يقولون : «أنت ظالم فإن فعلت» ، فدلّ ذلك على أن أدوات الاستفهام إنما دخلت لفظا وتقديرا على جملة] (٢) الشرط والجواب.

الثامنة (٣) : إذا تقدم أداة الشرط جملة تصلح (٤) أن تكون (٥) جزاء ، ثم ذكر فعل الشرط ولم يذكر له جواب ، نحو : «أقوم (٦) إن قمت» ، و «أنت طالق إن دخلت الدار» ؛ فلا تقدير عند الكوفيين ، بل المقدّم هو الجواب ، وعند البصريين ، دليل الجواب. والصحيح هو الأول ؛ لأن الفاء لا تدخل عليه ، ولو كان جوابا لدخلت ؛ ولأنه لو كان مقدّما من تأخير لما افترق المعنيان ، وهما مفترقان ، ففي التقدم بني الكلام على الخبر ثم طرأ التوقف ، وفي التأخير بني الكلام من أوله على الشرط ؛ كذا قاله ابن السراج (٧) وتابعه ابن مالك (٨) وغيره.

ونوزعا في ذلك ؛ بل مع التقديم الكلام مبنيّ على الشرط ، كما لو قال : «له عليّ عشرة إلا درهما» فإنه لم يقرّ بالعشرة ، ثم أنكر منها درهما ، ولو كان كذلك لم ينفعه الاستثناء ، ثم زعم ابن السراج أنّ ذلك لا يقع إلا في الضرورة ، وهو مردود بوقوعه في القرآن ، كقوله : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة : ١٧٢) (٩) [وقوله : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) (الأنعام : ١١٨) وقوله (بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران : ١١٨) وهو كثير] (٩).

__________________

(١) في المخطوطة (أفإن).

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (السابعة).

(٤) في المخطوطة (يصح).

(٥) في المخطوطة (يكون).

(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (أقدم).

(٧) هو محمد بن السري بن سهل أبو بكر ابن السرّاج تقدمت ترجمته في ٢ / ٤٣٨ ، وانظر قوله في كتابه الأصول في النحو ٢ / ١٨٩ ، باب إعراب الفعل المعتل اللام.

(٨) هو محمد بن عبد الله بن مالك ، جمال الدين ، أبو عبد الله صاحب كتاب «التسهيل الفوائد» ، تقدمت ترجمته في ١ / ٣٨١.

(٩) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

٤٦٧

* التاسعة (١) : إذا دخل على أداة الشرط واو الحال لم يحتج إلى جواب (٢) ، نحو «أحسن إلى (٣) زيد وإن كفرك ، واشكره وإن أساء إليك» ، أي أحسن إليه كافرا لك ، واشكره مسيئا إليك. فإن أجيب الشرط كانت الواو عاطفة ؛ لا للحال ، نحو : أحسن إليه ، وإن كفرك فلا تدع الإحسان [إليه] (٤) واشكره وإن أساء إليك فأقم على شكره. ولو كانت الواو هنا للحال (٥) لم يكن هناك جواب.

قال ابن جني : وإنما كان كذلك ؛ لأن الحال فضلة ، وأصل (٦) وضع الفضلة أن تكون مفردا ، كالظرف والمصدر والمفعول به ، فلما كان كذلك لم يجب الشرط إذا وقع [في] (٧) موقع الحال ؛ لأنه لو أجيب لصار جملة ؛ والحال إنما هي فضلة ، فالمفرد أولى بها من الجملة ، والشرط وإن كان جملة فإنه يجري عندهم مجرى الآحاد : من حيث كان محتاجا إلى جوابه احتياج المبتدإ الى الخبر.

* العاشرة (٨) : الشرط والجزاء لا بدّ أن يتغايرا لفظا (٩) ، وقد يتحدان ، فيحتاج إلى التأويل ، كقوله : (إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ*) (الفرقان : ٧٠) والآية التي تليها : (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً) (الفرقان : ٧١) ثم قال : (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) (الفرقان : ٧١) فقيل على حذف الفعل ، أي من (١٠) أراد التوبة فإن التوبة معرضة له ، لا يحول بينه وبينها (١١) حائل.

[ومثله] (١٢) (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) (النحل : ٩٨) أي أردت. ويدلّ لهذا تأكيد التوبة بالمصدر.

وأما قوله [تعالى] : (١٢) (جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) (يوسف : ٧٥) فقال الزمخشري (١٣) : «يجوز أن يكون «جزاؤه» مبتدأ ، والجملة [١٣٥ / أ] الشرطية كما هي (١٤)

__________________

(١) تصحفت في المخطوطة إلى (الثامنة).

(٢) في المخطوطة (لجواب) بدون إلى.

(٣) في المخطوطة (إليه) بدل (إلى زيد).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) تكررت العبارة في المخطوطة في هذا الموضع كما يلي (... للحال نحو أحسن إليه وإن كفرك).

(٦) في المخطوطة (وأصله).

(٧) ساقطة من المطبوعة.

(٨) تصحفت في المخطوطة إلى (التاسعة).

(٩) في المخطوطة (أيضا).

(١٠) في المخطوطة (ممن).

(١١) في المطبوعة (بينها).

(١٢) ليست في المخطوطة.

(١٣) انظر الكشاف ٢ / ٢٦٨.

(١٤) في المخطوطة (في).

٤٦٨

خبره على إقامة الظاهر مقام المضمر ، والأصل : «جزاؤه من وجد في رحله فهو هو» فوضع الجزاء (١) [موضع «هو»]» (٢). وقوله : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) (الأعراف : ١٧٨) قدّره ابن عباس : «من يرد الله هدايته» (٣) ، فلا (٤) يتحد الشرط والجزاء. ومثله قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (المائدة : ٦٧) وقد سبق فيها أقوال كثيرة.

وقد يتقاربان في المعنى ، كقوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) (آل عمران : ١٩٢) وقوله : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) (آل عمران : ١٨٥) وقوله : (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) (محمد : ٣٨). والنكتة في ذلك كلّه تفخيم الجزاء ، والمعنى أن الجزاء هو الكامل البالغ النهاية ، يعني : من يبخل في أداء ربع العشر فقد بالغ في البخل ، وكان هو البخيل في الحقيقة.

* الحادية عشرة (٥) : في اعتراض الشرط على الشرط ، وقد عدّوا من ذلك آيات شريفة ، بعضها مستقيم وبعضها بخلافه.

(الآية الأولى) : قوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) [وجنات] (٦) .. (الواقعة : الآية ٨٨ ، ٨٩) قال الفارسيّ : «قد اجتمع هنا شرطان وجواب واحد ؛ فليس يخلو : إمّا أن يكون جوابا لأمّا ، أو لإن [دون أما] (٧) (٨) [ولا يجوز أن يكون جوابا لهما ؛ لأنا لم نر شرطين لهما جواب واحد ؛ ولو كان هذا لجاز شرط واحد له جوابان] (٨) ولا يجوز أن يكون جوابا لأن دون «أمّا» لأن «أمّا» لم تستعمل بغير جواب ، فجعل جوابا لأمّا ، فتجعل «أمّا» وما بعدها جوابا لإن». وتابعه ابن مالك في كون الجواب لأمّا.

وقد سبقهما إليه إمام الصناعة سيبويه ، ونازع بعض المتأخرين في [عدّ] (٩) هذه الآية

__________________

(١) في المخطوطة (موضع الخبر) بدل (فوضع الجزاء).

(٢) ساقط من المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (بهدايته).

(٤) في المخطوطة (لئلا).

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (العاشرة).

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) ساقطة من المطبوعة.

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٩) ساقطة من المخطوطة.

٤٦٩

من هذا ، قال : وليس من الاعتراض أن يقرن الثاني بفاء الجواب (١) [لفظا ؛ نحو إن تكلم زيد فإن أجاد فأحسن إليه ؛ لأن الشرط الثاني ، وجوابه جواب الأول. أو يقرن بفاء الجواب] (١) تقديرا كهذه (٢) الآية الشريفة ؛ لأن الأصل (٣) [عند النحاة : «مهما يكن من شيء ، فإن كان المتوفّى من المقربين فجزاؤه روح» ، فحذف «مهما» وجملة شرطها ، وأنيب عنها «أمّا» فصار «أمّا» فإن كان» مفردا من ذلك لوجهين :

(أحدهما) أنّ الجواب لا يلي أداة الشرط بغير فاصل.

(وثانيهما) أن الفاء في الأصل] (٣) للعطف ؛ فحقها أن تقع بين سببين ، وهما المتعاطفان ؛ فلما أخرجوها من باب العطف ، حفظوا عليها المعنى الآخر ، وهو التوسّط ، فوجب أن يقدم شيء (٤) مما في حيّزها عليها إصلاحا للفظ ، فقدمت جملة الشرط الثاني لأنها كالجزاء الواحد ، كما قدم (٥) المفعول في [قوله تعالى] (٦) : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (الضحى : ٩) فصار (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ) (الواقعة : ٨٨ و ٨٩) فحذفت الفاء التي في جواب «إن» لئلا يلتقي [فاءان] (٦) ، فتلخّص أنّ جواب «أمّا» ليس محذوفا ، بل مقدّما بعضه على الفاء ، فلا اعتراض.

(الآية الثانية) : قوله تعالى عن نوح : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ (٧) [إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) (هود : ٣٤) وإنما يكون من هذا لو كان (لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) مؤخرا بعد الشرطين ، أو لازما أن يقدّر كذلك ، وكلا الأمرين منتف. أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلأنّ (لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ)] (٧) (هود : ٣٤) جملة تامة ، أمّا على مذهب الكوفيين فمن [شرط] (٨) مؤخر وجزاء مقدم ، وأمّا على مذهب البصريين فالمقدم دليل الجزاء ، والمدلول عليه محذوف فيقدر بعد شرطه ، فلم يقع الشرط الثاني معترضا ؛ لأن

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (هذه).

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (شيئا).

(٥) في المخطوطة (تقدم).

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٨) ساقطة من المخطوطة.

٤٧٠

المراد بالمعترض ما اعترض بين الشرط وجوابه ، وهنا ليس كذلك ؛ فإنّ على مذهب الكوفيين لا حذف والجواب مقدّم ، وعلى قول البصريين الحذف (١) بين الشرطين.

(وهنا فائدة) ؛ وهي أنه لم عدل عن «إن نصحت» إلى ([إِنْ] (٢) أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ)؟ وكأنه ـ والله أعلم ـ أدب مع الله تعالى ، حيث أراد الإغواء. وقد أحسن الزمخشري (٣) فلم يأت بلفظ الاعتراض في الآية ؛ بل سماه مرادفا ؛ وهو صحيح ، وقال : إن قوله تعالى : (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) ، جزاؤه ما دلّ عليه قوله : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي). وجعل ابن مالك تقدير الآية : «إن أردت (٤) أنصح لكم» مرادا [ذلك] (٥) منكم. لا ينفعكم نصحي ، وهو يجعله من باب الاعتراض ، وفيه ما ذكرنا.

(الآية الثالثة) : قوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ..) الآية (الأحزاب : ٥٠) وهي كالتي قبلها ، لتقدّم الجزاء أو دليله على الشرطين ، فالاحتمال فيها كما قدمنا. وقال الزمخشريّ (٦) : «شرط في الإحلال [١٣٥ / ب] هبتها نفسها ، وفي الهبة إرادة الاستنكاح ، كأنه قال (٧) : أحللناها لك إن وهبت نفسها لك ، وأنت تريد أن تنكحها ، لأن إرادته هي قبول الهبة ، وما به (٨) تتم». وحاصله أن الشرط الثاني مقيّد للأول. ويحتمل أن يكون من الاعتراض ، كأنه قال : إن وهبت نفسها ، إن أراد النبيّ ، أحللناها ، فيكون جوابا للأول ، ويقدّر جواب الثاني محذوفا.

(الآية الرابعة) : قوله تعالى : (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (٩) (يونس : ٨٤) وغلط من جعلها من الاعتراض ، لأن الشرط الأول اقترن بجوابه ، ثم أتى بالثاني بعد ذلك ، وإذا ذكر جواب الثاني تاليا له فأيّ اعتراض هنا؟ ولهذا قال المجوّزون لهذه المسألة : إن الجواب المذكور للأول ، وجواب الثاني تاليا فأيّ اعتراض هنا؟ ولهذا قال المجوّزون لهذه المسألة : إن الجواب المذكور للأول ، وجواب الثاني محذوف (١٠) [لدلالة الأول وجوابه عليه ، والتقدير في الآية : «إن كنتم مسلمين فإن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا» ، فحذف الجواب] (١٠) لدلالة السابق عليه.

__________________

(١) في المخطوطة (الحرف).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) انظر الكشاف ٢ / ٢١٤.

(٤) في المخطوطة (أن أنصح) بزيادة (أن).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) انظر الكشاف ٣ / ٢٤٢.

(٧) في المخطوطة (فإنه).

(٨) في المخطوطة (بها).

(٩) تصحفت في المخطوطة إلى (مؤمنين).

(١٠) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٤٧١

(الآية الخامسة) : قوله تعالى : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ* إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) (محمد : ٣٦ و ٣٧) وكلام ابن مالك يقتضي أنها من الاعتراض ؛ وليس كذلك ، بل عطف فعل الشرط على فعل آخر.

(الآية السادسة) : قوله تعالى : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) (الفتح : ٢٥) إلى قوله : (لَعَذَّبْنَا) وهذه الآية هي العمدة في هذا الباب ، فالشرطان وهما «لو لا» ، و «لو» قد اعترضا ، وليس معهما إلاّ جواب واحد ، وهو متأخّر عنهما وهو (لَعَذَّبْنَا).

(الآية السابعة) : قوله تعالى : (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) (البقرة : ١٨٠) وهذه تأتي على مذهب الأخفش (١) ، فإنه يزعم (٢) أن قوله تعالى : (الْوَصِيَّةُ) على تقدير الفاء ، أي «فالوصية» ، فعلى هذا يكون مما نحن فيه ، فأما إذا رفعت (الْوَصِيَّةُ) ب (كُتِبَ) فهي كالآيات السابقة في حذف الجوابين.

(تنبيه) ذكر بعضهم ضابطا في هذه المسألة (٣) فقال : إذا دخل الشرط على الشرط ، فإن كان الثاني بالفاء فالجواب المذكور جوابه ، وهو وجوابه جواب الشرط الأول ، كقوله [تعالى] (٤) : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ [عَلَيْهِمْ]) (٤) (البقرة : ٣٨). وإن كان بغير الفاء ، فإن كان الثاني متأخرا في الوجود عن الأول ، كان مقدرا بالفاء وتكون الفاء جواب الأول ، والجواب المذكور جواب الثاني ، نحو «إن دخلت المسجد إن صليت فيه فلك أجر» تقديره : «فإن صليت فيه» فحذفت الفاء لدلالة الكلام عليها. وإن كان الثاني متقدما في الوجود على الأول ، فهو في نية التقديم وما قبله جوابه ، والفاء مقدرة فيه ، كقوله تعالى : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) (هود : ٣٤) تقديره : «إن أراد الله أن يغويكم ، فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي».

وأما إن لم يكن أحدهما (٥) متقدما في الوجود ، وكان كل واحد منهما صالحا لأن يكون

__________________

(١) هو سعيد بن مسعدة ، أبو الحسن ، الأخفش الأوسط ، انظر قوله في كتابه معاني القرآن ١ / ١٥٨ (بتحقيق فائز فارس) في الكلام على الآية (١٨٠) من سورة البقرة. وانظر إعراب القرآن للنحاس ١ / ٢٨٢ (بتحقيق زهير غازي زاهد).

(٢) في المخطوطة (زعم).

(٣) في المخطوطة (الآية).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (أخذهما).

٤٧٢

هو المتقدم ، والآخر متأخرا ، كقوله [تعالى] (١) : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ) (الأحزاب : ٥٠) كان الحكم راجعا إلى التقدير والنية ، فأيّهما قدّرته الشرط كان الآخر جوابا له. وإن كان مقدّرا بالفاء كان المتقدم في اللفظ أو (٢) المتأخر ، فإن قدرنا الهبة شرطا كانت الإرادة جوابا ، ويكون التقدير : «إن وهبت نفسها للنبيّ فإن (٣) أراد النبي أن يستنكحها» (٤) [وإن قدّرنا الإرادة شرطا كانت الهبة جزاء ، وكان التقدير : «إن أراد النبي أن يستنكحها] (٤) فإن وهبت نفسها للنبي». وعلى كلا التقديرين ، فجواب الشرط الذي هو الجواب محذوف ، والتقدير : «فهي حلال لك». وقس عليه ما يرد عليك من هذا الباب.

(فائدة) قال ابن جني في كتاب «القد» (٥) يجوز أن يسمى الشرط يمينا ، لأن كل واحد منهما مذكور لما بعده (٦) [وهو جملة مضمومة إلى أخرى ، وقد جرت الجملتان مجرى الجملة الواحدة ؛ فمن هنا يجوز أن يسمى الشرط يمينا ، ألا ترى أن كلّ واحد منهما مذكور لما بعده!] (٦).

[الرابع] القسم وجوابه (٧)

وهما جملتان بمنزلة الشرط وجوابه ؛ وسنتكلم عليه في الأساليب إن شاء الله تعالى في باب التأكيد (٨). والقسم لفظة لفظ الخبر ، ومعناه الإنشاء والالتزام (٩) بفعل المحلوف عليه أو تركه [١٣٦ / أ] وليس بإخبار عن شيء وقع أو لا يقع ، وإن كان لفظه [لفظ] (١٠) المضيّ أو الاستقبال (١١) وفائدته. تحقّق الجواب عند السامع وتأكده ليزول عنه التردد فيه.

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (والمتأخر).

(٣) في المخطوطة (فأراد) بدل (فإن أراد).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٥) تقدم التعريف بالكتاب في ٢ / ٣٩٩.

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٧) هذا هو القسم الرابع من أقسام الكلام ، وقد تقدم القسم الأول وهو : الخبر ص ٤٢٥ ، والقسم الثاني وهو : الاستخبار ص ٤٣٣ ، والقسم الثالث وهو : الشرط ص ٤٥٣.

(٨) في المخطوطة (التوكيد) ، وانظر ص ٤٨٥ من هذا الجزء.

(٩) في المخطوطة (الاستلزام).

(١٠) ساقطة من المطبوعة.

(١١) في المخطوطة (والاستقبال).

٤٧٣

[الخامس] الأمر

حيث وقع في القرآن كان (١) بغير الحرف ، كقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (البقرة : ٤٣) (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) (النمل : ١٨) (اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) (النساء : ٦٦) (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) (الأنعام : ١٤١).

وجاء بالحرف في مواضع يسيرة على قراءة بعضهم (٢) : فبذلك فلتفرحوا (يونس : ٥٨) (٣) [ووجهه أنه من باب حمل المخاطب على الغائب إلى الخطاب ، فكأنه لا غائب ولا حاضر ؛ وذلك لأن قوله تعالى : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا (يونس : ٥٨)] (٣) فيه خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع المؤمنين ، وخطاب الله تعالى مع النبيّ للمؤمنين كخطاب الله تعالى لهم ؛ فكأنهما اتحدا في الحكم ووجود الاستماع والاتباع ، فصار المؤمنون كأنهم مخاطبون في المعنى ، فأتى باللام كأنه يأمر قوما غيبا ، وبالتاء للخطاب كأنه يأمر حضورا.

ويؤيد (٤) هذا قوله تعالى في أول الآية : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ...) الآية (يونس : ٥٧) فصار المؤمنون مخاطبين (٥) ، ثم قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ) (يونس : ٥٨) ينبغي أن يكون فرحهم ، فصاروا مخاطبين من وجه دون وجه.

ونظيره : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ [بِرِيحٍ]) (٦) (يونس : ٢٢) إلا أن ذلك جعل في كلمتين وحالتين ؛ وهذا في كلمة واحدة. [وحالة واحدة] (٧) ومنها قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) (الحشر : ١٨) ومنها قوله تعالى : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) (الزخرف : ٧٧).

[السادس] النفي

هو شطر الكلام كله ، لأن الكلام إما إثبات أو نفي ، وفيه قواعد :

__________________

(١) في المخطوطة (إن كان).

(٢) وهي قراءة رويس ووافقه المطوّعي والحسن (إتحاف فضلاء البشر : ٢٥٢) وانظر المختصر في شواذ القراءات لابن خالويه : ٥٧.

(٣) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (ويزيد).

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (مخاطبون).

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) ساقطة من المطبوعة.

٤٧٤

(الأولى) : في الفرق بينه وبين الجحد ، قال ابن الشجري (١) : «إن كان النافي صادقا فيما قاله ، سمّي كلامه نفيا ، وإن كان يعلم كذب ما نفاه كان جحدا ؛ ((٢) فالنفي أعمّ ، لأن كلّ جحد نفي من غير عكس ؛ فيجوز أن يسمى الجحد نفيا ، لأن النفي أعمّ ، ولا يجوز أن يسمى النفي جحدا (٢)). فمن النفي : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) (الأحزاب : ٤٠). ومن الجحد نفي فرعون وقومه لآيات موسى عليه‌السلام ، قال [الله] (٣) تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ* وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (النمل : ١٣ ، ١٤) ، أي وهم يعلمون أنها من عند الله».

وكذلك إخبار الله عمّن كفر من أهل الكتاب : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) (المائدة : ١٩) فأكذبهم الله بقوله : (٤) [(فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ) (المائدة : ١٩)] (٤) (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) (الأنعام : ٢٤) وقوله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) (التوبة : ٧٤) فأكذبهم الله بقوله : (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) (التوبة : ٧٤).

قال : «ومن العلماء من لا يفرق بينهما ، والأصل [فيه] (٥) ما ذكرته (٦)».

* (الثانية) : زعم بعضهم أنّ من شرط صحة النفي عن الشيء صحة اتصاف المنفيّ عنه بذلك الشيء ، ومن ثمّ قال بعض الحنفية : إنّ النهي عن الشيء يقتضي الصحة ، وذلك باطل ؛ بقوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (٧) (البقرة : ١٤٤) (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (مريم : ٦٤) (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة : ٢٥٥) (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) (الأنعام : ١٤)

__________________

(١) هو هبة الله بن علي بن محمد أبو السعادات ابن الشجري العلوي ، أحد أئمة النحو ، وله معرفة تامّة باللغة كان فصيحا حلو الكلام ، حسن البيان والإفهام ، قرأ الحديث على الحسين بن المبارك الصيرفي ، ومحمد بن سعيد بن نبهان وغيرهما وانتفع عليه جماعة. من مصنفاته «الأمالي» و «الانتصار» و «شرح اللمع». ت ٥٤٢ ه‍ (إنباه الرواة ٣ / ٣٥٦). وانظر قوله في أماليه ١ / ٢٥٦ ، في المجلس الثالث والثلاثين : تفسير أبيات الخنساء وغير ذلك.

(٢) كذا عبارة الزركشي وفيها تصرف في النقل عن ابن الشجري ، وأما كلام ابن الشجري بنصّه فهو : «فالنفي إذن أعمّ من الجحد ؛ لأن كل جحد نفي ، وليس كل نفي جحدا ...».

(٣) اسم الجلالة ليس في المخطوطة.

(٤) الآية ليست في المطبوعة.

(٥) ساقطة من المطبوعة ، وهي من المخطوطة ، وفي لفظ ابن الشجري.

(٦) في المخطوطة (ذكرنا) ، وعبارة ابن الشجري : (ذكرت لك).

(٧) في المخطوطة (تعملون) وهي في البقرة : ٧٤.

٤٧٥

ونظائره. والصواب أن انتفاء الشيء عن الشيء قد يكون لكونه لا يمكن منه عقلا ، وقد يكون لكونه لا يقع منه مع إمكانه ، فنفي الشيء عن الشيء لا يستلزم إمكانه [له] (١).

(الثالثة) : المنفيّ ما ولي حرف النفي ، فإذا قلت : «ما ضربت زيدا» كنت نافيا للفعل الذي هو ضربك إياه ، وإذا قلت : «ما أنا ضربته» ، كنت نافيا لفاعليتك للضرب. (فإن قلت) : الصورتان (٢) دلتا على نفي الضرب ، فما الفرق بينهما؟ (قلت) : من وجهين : (أحدهما) : أن الأولى نفت ضربا خاصا ، وهو ضربك إياه ، ولم تدلّ على وقوع ضرب غيرك ولا عدمه ، إذا نفي الأخصّ لا يستلزم نفي الأعم ولا ثبوته. والثانية نفت كونك ضربته ، ودلّت على أن غيرك ضربه ، بالمفهوم. (الثاني) : أن الأولى دلت على نفي ضربك له بغير واسطة ، والثانية دلت على نفيه بواسطة. وأما قوله [١٣٦ / ب](ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ) (المائدة : ١١٧).

(الرابعة) : إذا كان الكلام عاما ونفيته ، فإن تقدّم حرف النفي أداة العموم ، كان نفيا للعموم ، وهو لا ينافي الإثبات الخاص ، فإذا قلت : «لم أفعل كلّ ذا ؛ بل بعضه» استقام (٣) ، وإن تقدّم صيغة العموم على النّفي ، فقلت : «كلّ ذا لم أفعله» كان النفي عاما ، ويناقضه الإثبات الخاص. وحكى الإمام (٤) في «نهاية الإيجاز» عن الشيخ عبد القاهر أن نفي العموم يقتضي [خصوص] (٥) الإثبات ، فقوله : «لم أفعل كلّه» يقتضي أنه فعل بعضه. قال : وليس كذلك إلا عند من [يقول] (٥) بدليل الخطاب ، بل الحقّ أن نفي العموم كما لا يقتضي عموم النفي لا يقتضي خصوص الإثبات.

(الخامسة) : أدواته كثيرة ، قال الخويّي (٦) : وأصلها «لا» و «ما» (٧) لأن النفي إما

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (الضرورتان).

(٣) في المخطوطة (استفهام).

(٤) الإمام هو محمد بن عمر الفخر الرازي صاحب التفسير وكتابه «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» طبع بمطبعة الآداب في القاهرة عام ١٣١٧ ه‍ / ١٨٩٩ م ، وعام ١٣٢٧ ه‍ / ١٩٠٩ م ، وطبع بتحقيق زغلول سلام ومحمد هدارة بمنشأة المعارف في الاسكندرية عام ١٣٩٤ ه‍ / ١٩٧٣ م وطبع بتحقيق إبراهيم السامرائي ، ومحمد بركات أبو علي في عمّان عام ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٧) تصحفت في المخطوطة إلى (الجويني) ، وهو أحمد بن خليل بن سعادة الخويّي الشافعي تقدمت ترجمته في ١ / ١٠٨.

(٨) في المخطوطة (ما ولا).

٤٧٦

في الماضي ، وإما في المستقبل ، والاستقبال أكثر من الماضي أبدا ، و «لا» أخف من «ما» فوضعوا الأخفّ للأكثر. ثم إن النفي في الماضي إما أن يكون نفيا واحدا مستمرا ، وإما أن يكون نفيا فيه أحكام متعدّدة ، وكذلك النفي في المستقبل ، فصار النفي على أربعة أقسام ، واختاروا له أربع كلمات : «ما» ، «لم» (١) [«لن» ، «لا». وأما «إن» و «لما» فليسا بأصليين.

ف «ما» و «لا» في الماضي والمستقبل متقابلان ، و «لم» و «لن» في الماضي والمستقبل متقابلان ، و «لم»] (١) كأنه مأخوذ من «لا» و «ما» لأن (٢) «لم» نفي للاستقبال (٣) لفظا ، فأخذ اللام من «لا» التي هي لنفي الأمر في المستقبل ، والميم من «ما» التي هي لنفي الأمر في الماضي ، وجمع بينهما إشارة [إلى أنّ في «لم»] (٤) المستقبل (٥) والماضي ، وقدم اللام على الميم إشارة إلى (٦) أن «لا» هو أصل النفي ، ولهذا ينفى بها في أثناء الكلام ، فيقال : «لم يفعل زيد ولا عمرو» و «لن أضرب زيدا ولا عمرا».

أما (٧) «لما» فتركيب (٨) بعد تركيب ، كأنه قال : «لم» و «ما» لتوكيد معنى النفي في الماضي وتفيد الاستقبال أيضا ، ولهذا تفيد «لمّا» الاستمرار (٩) ، كما قال الزمخشري (١٠) : «إذا قلت : «ندم زيد ولم ينفعه الندم» أي حال الندم لم ينفعه وإذا قلت : «ندم زيد ولمّا ينفعه الندم» أي حال الندم ، واستمر عدم نفعه». قلت : وقال الفارسي : «إذا نفي بها الفعل اختصت بنفي الحال ، ويجوز أن يتسع فيها فينفي بها الحاضر (١١) ، نحو : «ما قام وما قعد» قال الخوييّ : والفرق بين النفي «بلم» (١٢) [و «ما» أنّ النفي ب «ما» كقولك : «ما قام زيد» معناه أن وقت الاخبار هذا الوقت ؛ وهو إلى الآن ما فعل ، فيكون النفي في الماضي ، وأن النفي ب «لم»] (١٣) كقولك : «لم يقم» تجعل المخبر نفسه بالعرض متكلما في الأزمنة الماضية ، ولأنّه يقول في كل زمان في تلك الأزمنة : أنا أخبرك بأنه لم يقم. وعلى هذا فتأمل السرّ في قوله

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (كان).

(٣) في المخطوطة (للاستفهام).

(٤) ساقط من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (للمستقبل).

(٦) في المخطوطة (على).

(٧) في المخطوطة (ما).

(٨) في المخطوطة (فتركبت).

(٩) في المخطوطة (استمرار).

(١٠) انظر قوله في المفصّل : ٣٠٧ ، ومن أصناف الحرف حروف النفي.

(١١) في المخطوطة (الخاطر).

(١٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٤٧٧

[تعالى] (١) : (لَمْ) (٢) يَتَّخِذْ وَلَداً (الإسراء : ١١١) وفي موضع آخر : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) (المؤمنون : ٩١) ، لأن الأول في مقام طلب الذكر والتشريف به للثواب ، والثاني في مقام التعليم ، وهو لا يفيد إلاّ بالنفي عن جميع الأزمنة.

وكذلك قوله : (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) (مريم : ٢٨) وقوله : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) (مريم : ٢٠) فإنّ مريم كأنها قالت : إني تفكرت في أزمنة وجودي ومثلتها (٣) في عيني : «لم أك بغيا» (٤) فهو أبلغ في التنزيه ؛ فلا يظنّ ظان أنها تنفي نفيا كلّيا ؛ مع أنها نسيت بعض أزمنة وجودها (٥) [وأما هم لما قالوا : (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) ما كان يمكنهم أن يقولوا : نحن تصورنا كلّ زمان من أزمنة وجود أمّك ، وننفي عن كلّ واحد منها كونها بغيّا لأن أحدا لا يلازم غيره ، فيعلم كل زمان من أزمنة وجوده ، وإنما قالوا لها : إن أمّك اشتهرت عند الكلّ ، حتى حكموا عليها حكما واحدا عامّا أنّها ما بغت في شيء من أزمنة وجودها] (٥).

وكذلك قوله تعالى : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) (٦) (الأنعام : ١٣١) وقوله : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً) (القصص : ٥٩) فإنه سبحانه لما قال : (بِظُلْمٍ) كان سبب حسن الهلاك قائما ، وأما الظلم فكان (٧) يتوقع في كلّ [زمن] (٨) الهلاك ؛ سواء كانوا غافلين أم لا ؛ لكن الله برحمته يمسك عنهم في كل زمان وافقته غفلتهم. وأما قوله : (وَأَهْلُها غافِلُونَ) (٦) وإن جد الظلم لكن لم يبق سببا مع الإصلاح ، فبقي (٩) النفي العام بعدم تحقيق المقتضى في كل زمان. وكذلك قوله : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ) (القصص : ٥٩) لأنه لما لم يذكر الظلم لم يتوقع الهلاك ، فلم يبق متكررا في كل زمان. وكذلك قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ) [١٣٧ / أ](لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (الأنفال : ٥٣) وقوله : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ) (الأنفال : ٣٣) [ذكر عند] (١٠) ذكر النعمة لم يكن إشارة إلى الحكم في كل زمان تذكيرا بالنعمة ، وقال

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (ولم).

(٣) في المخطوطة (أو مثلتها).

(٤) في المخطوطة (ألم).

(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (مصلحون).

(٧) في المخطوطة (وكان).

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) في المخطوطة (نفي).

(١٠) ساقطة من المخطوطة.

٤٧٨

تعالى : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ) (الأنفال : ٣٣) نفيا واحدا عاما عند ذكر العذاب ؛ لئلا يتكرر ذكر العذاب ؛ ويتكرر ذكر النعمة لا للمنة بل للتنبيه على سعة الرحمة.

وكذلك قال تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (الأحزاب : ٤) وقال : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج : ٧٨) (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ) (١) [وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ] (١) (المائدة : ١٠٣) وقوله تعالى : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) (مريم : ٧) وقال تعالى : (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) (مريم : ٣٢) وقال تعالى : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) (الكهف : ٩٠) في جميع مواضع ما حصل (٢) المذكور أمورا لا يتوقع تجددها ، (٣) وفي جميع المواضع لم يحصل (٣) توقع تجدد المذكور.

فاستمسك بما ذكرنا واجعله أصلا ؛ فإنه من المواهب الربانية.

(٤) [انتهى الجزء الأول من تجزئة المؤلف] (٤)

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (جعل).

(٣) عبارة المخطوطة (في جميع مواضع يجعل).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة ، وهو في جميع الأصول الخطية للكتاب.

٤٧٩

النوع السادس والأربعون

في (١) (ذكر ما تيسر من) (١) أساليب القرآن

وفنونه البليغة (٢)

وهو المقصود الأعظم من هذا الكتاب ، وهو بيت القصيدة ، ...

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٢) للتوسع في هذا النوع يمكن الرجوع لمصادر النوعين (٢١) و (٢٢) ولمصادر البلاغة العربية ، وأمّا فيما يتعلق ببلاغة القرآن فيمكن الرجوع للمصادر التالية : مقدمة تفسير ابن عطية المسمّى بالمحرر الوجيز ١ / ٧٤ فصل الإيجاز ، والإمام في بيان أدلة الأحكام للعزّ بن عبد السلام ، والإشارة إلى الإيجاز له أيضا ، والفوائد المشوّق إلى علوم القرآن لابن القيم ، والإتقان للسيوطي ، الأنواع ٢٩ و ٤٤ و ٤٦ و ٤٩ ـ ٥٨ ، والتحبير في علم التفسير له أيضا ، الأنواع ٤١ ـ ٤٣ ، و ٤٩ ـ ٥٠ و ٦٦ ـ ٨١ ومفتاح السعادة لطاش كبري ٢ / ٣٦٤ ، علم معرفة بيان الموصول لفظا الموصول معنى ، و ٢ / ٤٠٩ ـ ٤٥٤ : وجوه مخاطباته ، وحقيقة ألفاظه ومجازها ، وتشبيه القرآن واستعاراته ، وكناياته وتعريضه ، والحصر والاختصاص ، والإيجاز والإطناب ، والخبر والإنشاء ، وبدائع القرآن ، وكشف الظنون ١ / ٢٠٥ علم الإيجاز والإطناب ، و ١ / ٤٠٨ علم تشبيه القرآن واستعاراته ، والفوز الكبير في أصول التفسير لولي الله الدهلوي ص ٦٨ ـ ١٠٣ الفصلين الرابع والخامس من الباب الثاني. وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٤٩٢ : علم معرفة الإيجاز والإطناب و ٢ / ٤٩٤ : علم معرفة بيان الموصول لفظا والمفصول معنى ، وعلم معرفة بدائع القرائن ، وعلم معرفة تشبيه القرآن واستعاراته ، و ٤ / ٤٩٦ : علم معرفة حقيقة القرآن ومجازه ، وعلم معرفة حصر القرآن والاختصاص و ٢ / ٤٩٧ : علم معرفة الخبر والإنشاء ، ومناهل العرفان للزرقاني ٢ / ١٩٨ ـ ٢٠٥ المبحث السادس عشر : في أسلوب القرآن الكريم ، ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح ص : ٣٢٢ ـ ٣٢٧ في الباب الرابع ، الفصل الثالث ، مسألة تشبيه القرآن واستعاراته ، وأسلوب القرآن الحكيم وأثره في الأدب ، لصادق إبراهيم العرجون (مقال في مجلة الأزهر مج ٦ ، ع ٩ ، ١٣٥٤ ه‍ / ١٩٣٥ م) وأسلوب التمثيل في القرآن لعزّ الدين إسماعيل (مقال في مجلة الأزهر ، مج ٢٢ ، ع ١ ، ١٣٧٠ ه‍ / ١٩٥٠ م) وأسلوب القرآن الكريم ومفردات ألفاظه لمنير القاضي (مقال في مجلة المجمع العلمي العراقي ١٣٧٠ ه‍ / ١٩٥٠ م) والأسلوب القرآني لقاسم عباس النداف (مقال في مجلة الرسالة الإسلامية العراقية ، ع ١ ، س ١ ، ١٣٨٥ ه‍ / ١٩٦٦ م.

* ونذكر من الكتب المؤلفة في هذا النوع الكتب التالية : (وهي مرتّبة حسب التسلسل الزمني ضمن مجموعات حسب مواضيعها ، وقد رتّبت المواضيع على حروف المعجم).

٤٨٠