البرهان في علوم القرآن - ج ٢

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٢

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد : ٤٢). قال (١) : وكل واحدة من هذه الصفات لا تقع هذا الموقع إلا بعد أن تجري مجرى الاسم الصريح».

(الرابع عشر :) خطاب الواحد بلفظ الجمع. كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً) (المؤمنون : ٥١) إلى قوله : (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) (المؤمنون : ٥٤) فهذا خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده ، إذ لا نبي معه قبله ولا بعده. وقوله [تعالى] (٢) : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل : ١٢٦) خاطب به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بدليل قوله : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ ...) الآية (النحل : ١٢٧).

وقوله : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى ...) (النور : ٢٢) الآية ؛ خاطب بذلك أبا بكر الصديق لما حرم مسطحا رفده حين تكلم في حديث الإفك (٣).

وقوله [تعالى] (٢) : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا) (هود : ١٤) والمخاطب (٤) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا ، لقوله : (قُلْ فَأْتُوا) (هود : ١٣).

وقوله [تعالى] : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) (الشعراء : ٢١). وجعل منه بعضهم قوله تعالى : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) (المؤمنون : ٩٩) أي «ارجعني» ؛ وإنما خاطب (٥) الواحد المعظّم بذلك ؛ لأنه يقول : نحن فعلنا ، فعلى هذا الابتداء خوطبوا بما في الجواب.

وقيل (٦) : (رَبِ) استغاثة و (ارْجِعُونِ) خطاب للملائكة ، فيكون التفاتا أو جمعا لتكرار

__________________

(١) في المطبوعة (وقال).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) حديث الإفك ، ونزول الآية في شأن أبي بكر رضي‌الله‌عنه أخرجه البخاري في الصحيح ٥ / ٢٦٩ ، كتاب الشهادات (٥٢) ، باب تعديل النساء بعضهن بعضا (١٥) ، الحديث (٢٦٦١). ومسلم في الصحيح ٤ / ٢١٢٩ ، كتاب التوبة (٤٩) ، باب في حديث الإفك ... (١٠) ، الحديث (٥٦ / ٢٧٧٠) ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه ، فأيّتهنّ خرج سهمها أخرج بها معه ، فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي ...».

(٤) في المخطوطة (إذ المخاطب).

(٥) في المخطوطة (خوطب).

(٦) في المخطوطة (وقال).

٣٦١

القول ؛ كما قال : «قفا نبك» (١). وقال السهيلي (٢) : «هو قول من حضرته الشياطين وزبانية العذاب ، فاختلط ولا يدري ما يقول من الشطط ، وقد اعتاد أمرا يقوله في الحياة ، من ردّ الأمر إلى المخلوقين». ومنه قوله تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ...) الآية (الزخرف : ٣٢) وهذا مما لا تشريك فيه.

وقال المبرد في «الكامل» (٣) : «لا ينبغي أن يستعمل ضمير الجمع في واحد من المخلوقين على حكم الاستلزام ، لأن ذلك كبر ، وهو مختصّ به سبحانه». ومن هذا ما حكاه [١١٥ / أ] الحريري في شرح «الملحة» (٤) عن بعضهم أنه [منع] (٥) من إطلاق لفظة «نحن» على غير الله تعالى من المخلوقين ، لما فيها من التعظيم ، وهو غريب. وحكى بعضهم خلافا في نون الجمع الواردة في كلامه سبحانه [وتعالى] (٥) ، فقيل : جاءت للعظمة [التي] (٦) يوصف بها سبحانه ، وليس لمخلوق أن ينازعه فيها ؛ فعلى هذا يكره للملوك استعمالها في قولهم : «نحن نفعل كذا». وقيل في علتها : إنها [لما] (٦) كانت تصاريف أقضيته تجري على أيدي خلقه تنزل (٧) أفعالهم منزلة فعله ، (٨) [فلذلك ورد الكلام مورد الجمع] (٨) ، فعلى هذا تجوز مباشرة النون لكل من لا يباشر بنفسه. فأما قول العالم : «نحن نبيّن» و «نحن نشرح» فمفسوح له فيه ؛ لأنّه يخبر بنون الجمع عن نفسه وأهل مقالته.

__________________

(١) شطرة من بيت قاله امرؤ القيس في ديوانه ص ٢٩ (طبعة صادر ببيروت) في أول معلقته المشهورة فصارت المعلقة تعرف بها ، وتمام البيت :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدّخول فحومل

(٢) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد تقدم في ١ / ١٥٥.

(٣) انظر الكامل ١ / ٤٦٦ (بتحقيق محمد أحمد الدالي) بتصرّف.

(٤) الحريري هو أبو محمد القاسم بن علي بن محمد ، صاحب «المقامات» تقدم التعريف به في ١ / ١٦٤. وكتابه «ملحة الأعراب في صناعة الإعراب» طبع في القاهرة عام ١٢٩٢ ه‍ / ١٨٧٥ م و ١٢٩٣ ه‍ / ١٨٧٦ م و ١٣٠٠ ه‍ / ١٨٨٢ م بمطبعة بولاق ، وطبع في لبنان ، بدير القمر ، بتصحيح ملحم إبراهيم النجار ١٢٨٨ ه‍ / ١٨٧١ م ، وفي دلهي بالهند عام ١٣١٢ ه‍ / ١٨٩٤ م ، وفي القاهرة ١٣٤٥ ه‍ / ١٩٢٦ م بمطبعة عيسى الحلبي ، وصوّر في بيروت بدار الفكر ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤. وانظر قوله فيه ص ١٣ (طبعة بولاق).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) ساقطة من المطبوعة.

(٧) في المطبوعة (تنزلت).

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٣٦٢

وقوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) (الأنعام : ١٣٠) والمراد الإنس ؛ لأنّ الرسل لا تكون إلا من بني آدم. وحكى بعضهم فيه الإجماع ، لكن عن الضحاك أنّ من الجن رسولا اسمه يوسف ، لقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ) (فاطر : ٢٤) واحتج الجمهور بقوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) (الأنعام : ٩) ليحصل الاستئناس ، وذلك مفقود (١) في الجنّ ، وبقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ...) الآية (آل عمران : ٣٣) وأجمعوا أنّ المراد بالاصطفاء النبوة.

وأجيب عن تمسّك الضحاك بالآية بأن البعضية صادقة بكون الرسل من بني آدم ، ولا يلزم إثبات رسل من الجن (٢) [بطريق إثبات نفر من الجن] (٢) يستمعون القرآن من رسل الإنس ، ويبلّغونه إلى قومهم ، وينذرونهم ، ويصدق على أولئك النفر من حيث إنهم رسل [الرسل] (٣). وقد سمى الله رسل عيسى بذلك حيث قال : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) (يس : ١٤) وفي «تفسير القرآن» لقوام السنة إسماعيل بن محمد بن الفضل الجوزي (٤) قال قوم : من الجن رسل ، للآية.

وقال الأكثرون : الرسل من الإنس ، ويجيء من الجن (٥) ، كقوله في قصة بلقيس : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (النمل : ٣٥) والمراد به واحد ، بدليل قوله : (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) (النمل : ٣٧) وفيه نظر ، من جهة أنه يحتمل أن يكون الخطاب لرئيسهم ؛ فإن العادة جارية لا سيما من الملوك ألا يرسلوا واحدا. وقرأ ابن مسعود : «ارجعوا إليهم» (٦) ، أراد الرسول ومن معه.

__________________

(١) في المخطوطة (موجود).

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) هو إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي التيمي أبو القاسم الطلحي (الملقب بالجوزي) قوام السنة. ولد سنة ٤٥٧ ه‍ إمام وقته وقدوة أهل السنة في زمانه ، كان أهل بغداد يقولون : «ما دخل بعد الإمام أحمد بن حنبل أفضل ولا أحفظ منه» ، وله تصانيف كثيرة منها التفسير الكبير واسمه «الجامع» و «شرح البخاري» و «شرح مسلم» وغيرها ت ٥٣٥ ه‍ (الداودي ، طبقات المفسرين ١ / ١١٢). وقال الذهبي في السيرة ٢٠ / ٨٤ نقلا عن الحافظ أبي موسى : «وله التفسير في ثلاثين مجلدا سماه «الجامع» وله «تفسير» آخر في أربع مجلدات وله «الموضح في التفسير» في ثلاث مجلدات ...».

(٥) في المخطوطة (في الخبر).

(٦) القراءة ذكرها الطبري في تفسيره ١٩ / ٩٨ ، وأبو حيان في البحر المحيط ٧ / ٧٤.

٣٦٣

وقوله : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) (النور : ٢٦) يعني عائشة وصفوان. وقوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء : ١٠٥) والمراد بالمرسلين نوح ، كقولك : فلان يركب الدوابّ ويلبس البرود ، وما له إلا دابة وبرد. قاله الزمخشري (١). وقوله [تعالى] (٢) : (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً) (التوبة : ٦٦) قال قتادة : «هذا رجل كان لا يمالئهم على ما كانوا يقولون في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسماه الله سبحانه [وتعالى] طائفة (٣)». وقال البخاري : «ويسمى الرجل طائفة». وقوله : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) (إبراهيم : ٣١) والمراد «خلّة» ، بدليل الآية الأخرى (البقرة : ٢٥٤) والموجب للجمع مناسبة رءوس الآي.

(فائدة) وأما قوله تعالى : (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) (الفرقان : ٧٤) فجوّز الفارسي (٤) فيه تقديرين : (أحدهما) : أن «إمام» هنا جمع ، لأنه المفعول الثاني لجعل ، والمفعول الأول جمع ، والثاني هو الأول ، فوجب أن يكون جمعا ، وواحده «آم» لأنه قد سمع هذا في واحده ، قال تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) (المائدة : ٢) فهذا [جمع] (٥) «آم» مسلّما وقياسه على حدّ قيام وقائم ، فأما أئمة فجمع «إمام» الذي هو مقدّر على حدّ عنان وأعنّة ، وسنان وأسنّة ، والأصل أيمّة ، فقلبت الياء. (والثاني) : أنه جمع لإمام (٦) ، لأن المعنى «أئمة» [١١٥ / ب] فيكون «إمام» على هذا واحدا ، وجمعه أئمة.

وقال ابن الضّائع (٧) : قيدت عن شيخنا الشّلوبين (٨) فيه احتمالين غير هذين : أن يكون

__________________

(١) انظر الكشاف ٣ / ١٢٠.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) قول قتادة ذكره الطبري في التفسير ١٠ / ١٢٠ (عن بعضهم). وذكره السيوطي في الدر المنثور ٣ / ٣٥٥ عن الكلبي.

(٤) هو أبو علي الفارسي ، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ، صاحب كتاب «الحجة في القراءات» ذكر قوله ابن منظور في لسان العرب ١٢ / ٢٦ مادة (أمم) وليس في القسم المطبوع من «الحجة».

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (لآم).

(٧) هو علي بن محمد بن علي الكتامي ، أبو الحسن المعروف بابن الضائع إمام في النحو بلغ الغاية فيه ولازم الشلوبين وفاق أصحابه بأسرهم ، وله في مشكلات «الكتاب» عجائب وقرأ ببلده أيضا الأصلين. وكان متقدما في هذه العلوم الثلاثة ، وله من التصانيف «شرح الجمل» و «شرح كتاب سيبويه» ت ٦٨٠ ه‍ بغية الوعاة ٢ / ٢٠٤).

(٨) هو عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأزدي الأندلسي النحوي المعروف بالشلوبين ، ولد سنة ٥٦٢ ه‍.

٣٦٤

مصدرا كالإمام ، وأن يكون من الصفات المجراة مجرى المصادر في ترك التثنية والجمع كحسب (١). ويحتمل أن يكون محمولا على المعنى ، كقولهم (٢) : دخلنا على الأمير وكسانا حلة ؛ والمراد : كلّ واحد حلّة ، وكذلك هو «واجعل كلّ واحد منّا إماما».

(الخامس عشر) : خطاب الواحد والجمع بلفظ الاثنين. كقوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) (ق : ٢٤) والمراد : مالك ، خازن النار. وقال الفرّاء (٣) : «الخطاب لخزنة النار والزبانية ؛ وأصل ذلك أن الرّفقة (٤) أدنى ما تكون من ثلاثة نفر ، فجرى كلام (٥) الواحد على صاحبيه». ويجوز أن يكون الخطاب للملكين الموكلين ، من قوله : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) (ق : ٢١). وقال أبو عثمان (٦) : «لما ثنّى الضمير استغنى عن أن يقول : ألق ألق ، يشير إلى إرادة التأكيد اللفظيّ». وجعل المهدويّ (٧) منه قوله تعالى : (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) (يونس : ٨٩) قال : الخطاب لموسى وحده لأنه الداعي ، وقيل : لهما ، وكان هارون قد أمّن على دعائه ، والمؤمّن أحد الداعيين.

(السادس عشر) : خطاب الاثنين بلفظ الواحد. كقوله تعالى : ([قالَ] (٨) فَمَنْ

__________________

كان إماما في علم النحو ، مستحضرا له غاية الاستحضار ، يقال : «كان خاتمة أئمة النحو» وكانت إقامته بإشبيلية من مصنفاته «شرح المقدمة الجزولية» وكتاب في النحو سمّاه «التوطئة» ت ٦٤٥ ه‍ وفيات الأعيان ٣ / ٤٥١).

(١) في المخطوطة (فحسب).

(٢) في المخطوطة (كقوله).

(٣) انظر معاني القرآن ٣ / ٧٨ ، في الكلام على الآية (٢٤) من سورة ق ، بتصرّف.

(٤) في المخطوطة (الوقفة).

(٥) في المخطوطة (الكلام).

(٦) هو بكر بن محمد بن بقية الإمام أبو عثمان المازني الإمام اللغوي ، روى عن : أبي عبيدة ، والأصمعي ، وأبي زيد. وروى عنه : المبرّد ، والفضل بن محمد اليزيدي وجماعة. وكان إماما في العربية متسعا فيها وفي الرواية. وقد ناظر الأخفش في أشياء كثيرة فقطعه ، قال المبرّد : «لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان». من تصانيفه «علل النحو» و «تفاسير كتاب سيبويه» و «الديباج» ت ٢٤٨ ه‍ (بغية الوعاة ١ / ٤٦٣).

(٧) هو أحمد بن عمّار بن أبي العباس ، تقدم التعريف به في ١ / ٤٨٨.

(٨) ليست في المطبوعة.

٣٦٥

رَبُّكُما يا مُوسى) (طه : ٤٩) أي «ويا هارون» ، وفيه وجهان : (أحدهما) : أنه أفرد موسى [عليه‌السلام] (١) بالنداء بمعنى التخصيص والتوقف ؛ إذ كان هو صاحب عظيم الرسالة وكريم الآيات. ذكره ابن عطية. (والثاني) : لما كان هارون أفصح لسانا منه على ما نطق به القرآن ثبت عن جواب الخصم الألدّ. ذكره صاحب «الكشاف» (٢). وانظر إلى الفرق بين الجوابين.

ومثله : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) (طه : ١١٧) قال ابن عطية : إنّما أفرده بالشقاء من حيث [كان] (٣) المخاطب أولا والمقصود في الكلام. وقيل بل ذلك لأن الله [تعالى] (٤) جعل الشقاء في معيشة الدنيا في حيّز الرجال ، ويحتمل الإغضاء عن ذكر المرأة ، ولهذا قيل : «من الكرم ستر الحرم». وقوله (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الشعراء : ١٦).

ونحوه في وصف الاثنين بالجمع قوله تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) (التحريم : ٤) وقال : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) (الحج : ١٩) ولم يقل : «اختصما». وقال (٥) : (فَتابَ عَلَيْهِ) (البقرة : ٣٧) ولم يقل : «عليهما» اكتفاء بالخبر عن أحدهما بالدلالة عليه.

(السابع عشر) : خطاب الجمع بعد الواحد. كقوله تعالى : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا ...) الآية (يونس : ٦١) فجمع ثالثها (٦) ، والخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال ابن الأنباريّ : «إنما جمع في الفعل الثالث ليدلّ على أن الأمة داخلون مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده ، وإنما جمع تفخيما له وتعظيما ، كما في قوله [تعالى] (٧) : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) (البقرة : ٧٥)».

وكذلك قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس : ٨٧) فثنّى في الأول (٨) ، ثم جمع ، ثم أفرد ،

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٥.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (وقوله).

(٦) في المخطوطة (ثالثا).

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (أولا).

٣٦٦

لأنه خوطب أولا موسى وهارون ، لأنّهما المتبوعان ، ثم سيق الخطاب عاما لهما ولقومهما باتخاذ المساجد والصلاة فيها ؛ لأنّه واجب عليهم ، ثمّ خصّ موسى بالبشارة تعظيما له.

(الثامن عشر) خطاب عين والمراد [غيره] (١). كقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) (الأحزاب : ١) الخطاب له والمراد المؤمنون : لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان [١١٦ / أ] تقيا ، وحاشاه من طاعة الكافرين والمنافقين. والدليل على ذلك قوله في سياق الآية : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (الأحزاب : ٢).

وقوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) (يونس : ٩٤) بدليل قوله في صدر الآية : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) (يونس : ١٠٤). ومنهم من أجراه على حقيقته وأوّله ، قال أبو عمر الزاهد (٢) في «الياقوتة» : «سمعت الإمامين ثعلب والمبرّد يقولان : معنى (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ) أي قل يا محمد [للكافر] (٣) : إن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود ؛ إنهم أعلم به (٤) من أجل أنهم أصحاب كتاب. وقوله [تعالى] (٥) (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة : ٤٣) قال ابن فورك (٦) : معناه وسّع الله عنك على وجه الدعاء ، و (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) تغليط على المنافقين وهو في الحقيقة عتاب راجع إليهم ؛ وإن كان في الظاهر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كقوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) (يونس : ٩٤).

وقوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) (عبس : ١) قيل إنه أمية (٧) ؛ وهو الذي تولى دون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ألا ترى أنه لم يقل : «عبست»! وقوله : (لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (الزمر : ٦٥) وقوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (البقرة : ١٤٥).

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) هو محمد بن عبد الواحد المعروف بالزاهد تقدم التعريف به وبكتابه «ياقوتة الصراط» في ١ / ٣٩٣. النوع الثامن عشر معرفة غريبه.

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (بهم).

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) محمد بن الحسن بن فورك ، تقدم في ١ / ٣٢٤.

(٧) قال ابن العربي : «وأما قول علمائنا : إنه الوليد بن المغيرة ، وقال آخرون : إنه أمية بن خلف ، فهذا

٣٦٧

وبهذا يزول الإشكال المشهور في أنّه : كيف يصح خطابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع ثبوت عصمته عن ذلك كله؟ ويجاب أيضا بأن ذلك على سبيل الفرض ، والمحال يصحّ فرضه لغرض. والتحقيق أن هذا ونحوه من باب خطاب العام من غير قصد شخص معين ؛ والمعنى اتفاق جميع الشرائع على ذلك. ويستراح حينئذ من إيراد هذا السؤال من أصله.

وعكس هذا أن يكون الخطاب (١) عاما ، والمراد الرسول ، قوله : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ...) [الآية] (٢) (الأنبياء : ١٠) بدليل قوله في سياقها : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس : ٩٩).

وأما قوله في سورة الأنعام : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (الآية : ٣٥) فليس من هذا الباب. قال ابن عطية : «ويحتمل أن يكون التقدير : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) في ألا تعلم أن الله لو شاء لجمعهم. ويحتمل أن يهتم بوجود كفرهم الذي قدّره الله وأراده». ثم قال : «ويظهر تباين ما بين قوله تعالى لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) وبين قوله عزوجل لنوح عليه‌السلام : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (هود : ٤٦) وقد تقرر أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل الأنبياء. وقال مكّي والمهدويّ : الخطاب بقوله : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (الأنعام : ٣٥) للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمراد أمته (٣) ، وهذا ضعيف ولا يقتضيه اللفظ. وقال قوم : وقّر نوح عليه‌السلام لسنّه وشيبه. وقال قوم : جاء الحمل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقربه من الله ومكانته ، كما يحمل العاتب على قريبه أكثر من حمله على الأجانب. قال : والوجه القويّ عندي في الآية هو أنّ ذلك لم يجيء بحسب النبيين ، وإنما جاء بحسب الأمر من الله ، ووقع النبي عنهما والعقاب (٤) فيهما».

(التاسع عشر) خطاب الاعتبار كقوله تعالى حاكيا عن صالح لما هلك قومه : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)

__________________

كله باطل وجهل من المفسرين الذين لم يتحققوا الدين وذلك أن أمية والوليد كانا بمكة وابن أم مكتوم كان بالمدينة ، ما حضر معهما ولا حضرا معه ، وكان موتهما كافرين أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر ولم يقصد قط أمية المدينة ولا حضر عنده مفردا ولا مع أحد». (أحكام القرآن ٤ / ١٩٠٦). وانظر تفسير القرطبي ١٩ / ٢١٢.

(١) في المطبوعة (المراد).

(٢) ليس في المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (منه).

(٤) في المخطوطة (والعتاب).

٣٦٨

(الأعراف : ٧٩) خاطبهم بعد هلاكهم ؛ إمّا لأنهم يسمعون [١١٦ / ب] ذلك كما فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأهل بدر وقال : «والله ما أنتم بأسمع منهم (١)» ، وإما للاعتبار كقوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) (العنكبوت : ٢٠) وقوله : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) (الأنعام : ٩٩).

(العشرون) : خطاب الشخص ثم العدول إلى غيره. كقوله : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) (هود : ١٤) الخطاب (٢) للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال للكفار : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) (هود : ١٤) بدليل قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (هود : ١٤). وقوله : (ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا) (النساء : ٣). قاله ابن خالويه : في كتاب «المبتدأ» (٣) [كذا بخط المصنف] (٤).

(الحادي والعشرون) خطاب التلوين. وسماه الثعلبي (٥) المتلون ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (الطلاق : ١) (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) (طه : ٤٩) وتسميه أهل المعاني الالتفات ؛ وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى بأقسامه.

(الثاني والعشرون) خطاب الجمادات خطاب من يعقل. كقوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (فصلت : ١١) تقديره : «طائعة». وقيل : لما كانت ممّن يقول ، وهي حالة عقل ، جرى الضمير في (طائِعِينَ) عليه ، كقوله : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (يوسف : ٤). وقد اختلف أن هذه المقالة حقيقة ، بأن جعل لها

__________________

(١) قطعة من حديث عن ابن عمر رضي‌الله‌عنهما أخرجه البخاري في الصحيح ٣ / ٢٣٢ ، كتاب الجنائز (٢٣) ، باب ما جاء في عذاب القبر (٨٦) ، الحديث (١٣٧٠) قال : «اطلع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أهل القليب فقال : وجدتّم ما وعد ربّكم حقّا؟ فقيل له : تدعو أمواتا! فقال ...».

(٢) في المخطوطة (فالخطاب).

(٣) في المخطوطة (المبتدئ). وابن خالويه ، هو الحسين بن أحمد بن حمدان أبو عبد الله الهمذاني إمام في اللغة والعربية وغيرهما من العلوم الأدبية ، قدم بغداد فأخذ عن : أبي بكر ابن الأنباري ، وابن مجاهد ، وأبي عمر الزاهد وغيرهم ، وعنه أخذ : ابن غلبون ، والحسن بن سليمان. من مصنفاته «الممدود والمقصور» و «الجمل في النحو» و «الاشتقاق» ت ٣٧٠ ه‍ (السبكي ، طبقات الشافعية ٢ / ٢١٢). وكتابه ذكره ابن النديم في الفهرست ص ٩٢ ، والقفطي في إنباه الرواة ٢ / ٣٦٩ ـ ٣٦٠).

(٤) ما بين الحاصرتين من المخطوطة.

(٥) في المطبوعة (كقولهم) وهو تصحيف.

٣٦٩

حياة وإدراكا يقتضي نطقها ، أو مجازا ، بمعنى [أنه] (١) ظهر فيها من اختيار الطاعة والخضوع بمنزلة هذا القول على قولين ، قال ابن عطية : والأول أحسن ، لأنه لا شيء يدفعه (٢) ، والعبرة فيه أتم ، والقدرة [فيه] (٣) أظهر.

ومنه قوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) (سبأ : ١٠) فأمرها كما تؤمر الواحدة [المخاطبة] (٤) المؤنثة (٥) لأن جميع ما لا يعقل كذلك يؤمر.

* (الثالث والعشرون) : خطاب التهييج. كقوله : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة : ٢٣) ولا يدل على أن من لم يتوكل [على الله] (٦) ينتفي عنهم (٧) الإيمان ، بل حثّ لهم على التوكل. وقوله : (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (التوبة : ١٣). وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة : ٢٧٨) فإنه سبحانه وصفهم بالإيمان عند الخطاب ثم قال : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فقصد حثهم على ترك الربا ، وأن المؤمنين حقهم أن يفعلوا ذلك.

وقوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الأنفال : ١) [وقوله] (٨) : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (يونس : ٨٤) [وقوله] (٨) : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) (الأنفال : ٤١). وهذا أحسن من قول من قال : «إن» هاهنا بمعنى : «إذ».

* (الرابع والعشرون) خطاب الإغضاب. كقوله تعالى : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة : ٩).

وقوله : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (الكهف : ٥٠). وقوله [تعالى] (٩) : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) (النساء : ٨٩).

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (له يدفعه).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (المؤمنة).

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) في المخطوطة (عنه).

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) ليست في المخطوطة.

٣٧٠

* (الخامس والعشرون) خطاب التشجيع والتحريض. وهو الحث على الاتّصاف بالصفات الجميلة ، كقوله [تعالى] (١) : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف : ٤) وكفى بحثّ الله سبحانه تشجيعا على منازلة (٢) الأقران ، ومباشرة الطعان. وقوله تعالى : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (آل عمران : ١٢٥). وقوله تعالى : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) (الأنفال : ١٦) وكيف لا يكون للقوم صبر والملك الحق جل جلاله قد وعدهم بالمدد (٣) الكريم فقال : (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران : ١٢٦) وقوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) (النساء : ١٠٤).

وقد جاء في مقابلة هذا القسم ما يراد منه الأخذ بالحزم والتأنّي بالحرب والاستظهار عليها بالعدّة [١١٧ / أ] كقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة : ١٩٥) وقوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال : ٦٠). ونحو (٤) ذلك في الترغيب والترهيب ما جاء في قصص الأشقياء تحذيرا لما نزل من العذاب ، وإخبارا للسعداء [ترغيبا] (٥) فيما صاروا إليه من الثواب.

* (السادس والعشرون) : خطاب التنفير (٦). كقوله تعالى : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات : ١٢) فقد جمعت هذه الآية أوصافا وتصويرا لما يناله المغتاب من عرض من يغتابه على أفظع وجه ؛ وفي ذلك محاسن كالاستفهام الذي معناه التقريع والتوبيخ ، وجعل ما هو الغاية في الكراهة موصولا بالمحبة ، وإسناد الفعل إلى (أَحَدُكُمْ). وفيه إشعار بأن أحدا لا يحب ذلك. ولم يقتصر على تمثيل الاعتبار بأكل لحم الإنسان حتى جعله «أخا» ولم يقتصر على لحم الأخ حتى جعله «ميتا» وهذه مبالغات عظيمة ، ومنها أن المغتاب غائب وهو لا يقدر على الدفع لما قيل فيه فهو كالميت.

* (السابع والعشرون) خطاب التحنّن والاستعطاف. كقوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (مبارزة).

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (بالمرد).

(٤) في المخطوطة (وغير).

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (التعيير).

٣٧١

الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ (١) [إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً] (١)) (الزمر : ٥٣).

* (الثامن والعشرون) خطاب التحبيب. نحو : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ) (مريم : ٤٢). (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ) (لقمان : ١٦). (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) (طه : ٩٤). ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا عباس يا عم رسول الله» (٢).

* (التاسع والعشرون) : خطاب التعجيز. نحو : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (البقرة : ٢٣) (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) (الطور : ٣٤). (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) (هود : ١٣). (فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ) (آل عمران : ١٦٨). وجعل منه بعضهم : ([قُلْ] (٣) كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) (الإسراء : ٥٠) وردّ (٤) ابن عطية بأن التعجيز يكون حيث يقتضي بالأمر فعل ما لا يقدر عليه المخاطب ؛ وإنما معنى الآية : كونوا بالتوهّم والتقدير كذا.

* (الثلاثون) : التحسير والتهلف : كقوله تعالى : (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) (آل عمران : ١١٩).

* (الحادي والثلاثون) : التكذيب [نحو قوله] (٥) : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (آل عمران : ٩٣) (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ) (الأنعام : ١٥٠).

* (الثاني والثلاثون) : خطاب التشريف. وهو كلّ ما في القرآن العزيز مخاطبة بقل ، كالقلاقل. وكقوله : (قُلْ آمَنَّا) (آل عمران : ٨٤) وهو تشريف منه سبحانه لهذه الأمة ؛ بأن

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.

(٢) قطعة من حديث أخرجه أحمد في المسند ١ / ٢٠٩ ، عن العباس بن عبد المطلب قال : «أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله! علّمني شيئا أدعو به. فقال : سل العفو والعافية. قال : ثم أتيته مرة أخرى فقلت : يا رسول الله علمني شيئا أدعو به فقال : يا عباس يا عم رسول الله سل الله العافية في الدنيا والآخرة».

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (وردّه).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

٣٧٢

يخاطبها بغير واسطة لتفوز بشرف المخاطبة ؛ إذ ليس من الفصيح أن يقول الرسول (١) للمرسل إليه قال لي المرسل : قل كذا وكذا ؛ ولأنه لا يمكن إسقاطها ؛ فدل على أن المراد بقاؤها ، ولا بدّ لها من فائدة ، فتكون أمرا من المتكلّم للمتكلّم بما يتكلم به أمره شفاها (٢) بلا واسطة ؛ كقولك لمن تخاطبه : افعل كذا.

* (الثالث والثلاثون) : خطاب المعدوم. ويصحّ ذلك تبعا لموجود ، كقوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ) (الأعراف : ٢٦) فإنه خطاب لأهل ذلك الزمان ، ولكلّ من بعدهم ، وهو على نحو ما يجري من الوصايا في خطاب الإنسان لولده وولد ولده ما تناسلوا ، بتقوى الله وإتيان طاعته. قال الرمّاني (٣) في «تفسيره» : وإنما جاز خطاب المعدوم لأن الخطاب يكون بالإرادة للمخاطب دون غيره ، وأما قوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) فعند الأشاعرة أن وجود العالم حصل بخطاب «كن».

وقالت الحنفية : التكوين أزليّ قائم بذات البارئ سبحانه ، وهو تكوين لكل جزء من أجزاء العالم عند وجوده ، لا أنه يوجد عند «كاف ونون». وذهب فخر الإسلام شمس الأئمة (٤) منهم إلى أنّ خطاب «كن» موجود عند إيجاد كل شيء ، فالحاصل عندهم في إيجاد الشيء شيئان : الإيجاد [١١٧ / ب] وخطاب «كن».

واحتج الأشاعرة بظاهر قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) [وقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)] (٥)

__________________

(١) في المخطوطة (المرسل).

(٢) اضطربت الكلمة في المخطوطة.

(٣) هو علي بن عيسى بن علي ، أبو الحسن الرمّاني تقدم التعريف به في ١ / ١٥١ ، و «تفسيره» ذكره ياقوت في معجم الأدباء ٥ / ٢٨١ ، ومنه نسخة مخطوطة في القدس برقم ٢٩. (معجم الدراسات القرآنية ص ٢٥٨).

(٤) هو محمد بن أحمد بن أبي سهل أبو بكر شمس الأئمة. وفخر الإسلام ، كان إماما علامة حجة متكلما مناظرا أصوليا مجتهدا لازم عبد العزيز الحلواني وأخذ عنه حتى تخرج به وصار أوحد زمانه ، وتفقه عليه برهان الأئمة عبد العزيز بن عمر بن مازه ، وركن الدين مسعود بن الحسن وغيرهما. من مصنفاته «المبسوط» خمسة عشر مجلدا أملاه وهو في الجب سجينا و «شرح السير الكبير» وغيرها (ت ٤٩٠ ه‍) (اللكنوي ، الفوائد البهية : ١٥٨).

(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

٣٧٣

(يس : ٨٢). وقوله : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (البقرة : ١١٧). ولو حصل (١) وجود العلم (٢) بالتكوين لم يكن في خطاب «كن» فائدة عند الإيجاد.

وأجاب الحنفية بأنا نقول لموجبها ولا تستقل بالفائدة ؛ كالمتشابه ، فيقول بوجود خطاب «كن» عند الإيجاد في (٣) غير تشبيه ولا تعطيل.

__________________

(١) في المخطوطة (جعل).

(٢) في المخطوطة (العالم).

(٣) في المخطوطة (من).

٣٧٤

النّوع الثالث والأربعون

في (١) بيان حقيقته ومجازه (٢) (٣)

[الحقيقة]

لا خلاف أنّ كتاب الله يشتمل على الحقائق ، وهي كلّ كلام بقي على موضوعه

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) المجاز باب من أبواب البلاغة وأصول الفقه ، يمكن الرجوع فيه لمصادرهما ، ويلاحظ أن الزمخشري هو أول من اهتم ببيان الأوجه البلاغية في القرآن في تفسيره «الكشاف» «وللتوسع في هذا النوع انظر : الفهرست لابن النديم ص ٤١ ، الكتب المؤلفة في معاني شتى من القرآن ، وص ٥٩ : أخبار أبي عبيدة ، والإلمام في بيان أدلة الأحكام للعزّ بن عبد السلام ص ٢٣٥ ، في ضروب من المجاز ، والإشارة إلى الإيجاز له أيضا ، والفوائد المشوّق إلى علوم القرآن لابن القيم ، والإتقان للسيوطي ٣ / ١٠٩ ، النوع الثاني والخمسون : في حقيقته ومجازه ، والتحبير في علم التفسير له أيضا ص ٩٤ ، النوع الحادي والأربعون : المجاز ، ومفتاح السعادة لطاش كبري زادة ٢ / ٤١٣ ، وكشف الظنون ٢ / ١٥٩٠ والفوز الكبير في أصول التفسير للدهلوي ص ٨٢ ـ ٨٤. الباب الثاني ، الفصل الخامس : في المحكم والمتشابه ، والكناية والتعريض ، والمجاز العقلي. وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٤٩٦ ، علم معرفة حقيقة القرآن ومجازها ، وإيضاح المكنون للبغدادي ٢ / ٤٢٨ ، ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح ص ٣٢٧ ـ ٣٣٣ ، الباب الرابع ، الفصل الثالث ، مسألة المجاز والكناية في القرآن ، والمجاز والكناية في القرآن مقال لحامد محسن في مجلة الأزهر ، مج ٢٠ ، ع ٤ ، ١٣٦٨ ه‍ / ١٩٤٨ م ، والمجاز والكناية في القرآن مقال لمحمد محمد البحيري في مجلة الأزهر ، مج ٢٠ ، ع ٧ ، ١٣٦٨ ه‍ / ١٩٤٩ م.

(٣) ومن الكتب المؤلفة في هذا النوع : «مجاز القرآن» لقطرب ، محمد بن المستنير ت ٢٠٦ ه‍ (ذكره ياقوت في معجم الأدباء ١٩ / ٥٢) * «مجاز القرآن» لأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت ٢١٠ ه‍) طبع بتحقيق فؤاد سيزكين بمكتبة الخانجي في القاهرة ١٣٧٥ ه‍ / ١٩٥٤ م في ٢ مج ، ثم طبع بدار الفكر بالقاهرة ١٣٩١ ه‍ / ١٩٧١ م ، وصوّر بمؤسسة الرسالة في بيروت ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م (تنبيه) عنوان كتاب أبي عبيدة يوحي بأنه من مصادر الحقيقة والمجاز في القرآن ، ولكنه في الواقع كتاب في «غريب القرآن» وهو يستعمل في تفسير الكلمة عبارة «مجازه كذا» ويعني بها معناه ، ولا يعني بها «المجاز» المصطلح عليه عند البلاغيين* «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن

٣٧٥

كالآيات التي لم يتجوز فيها ؛ و [هي] (١) الآيات الناطقة ظواهرها بوجود الله تعالى وتوحيده وتنزيهه ، والداعية إلى أسمائه وصفاته ، كقوله [تعالى] (٢) : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ...) الآية (الحشر : ٢٢).

وقوله : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) (النمل : ٦٠) (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً ...) (النمل : ٦١) (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ ...) (النمل : ٦٢) (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (النمل : ٦٣) (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (النمل : ٦٤). وقوله تعالى : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (يس : ٧٨). وقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) (الواقعة : ٥٨) (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) (الواقعة : ٦٣) (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) (الواقعة : ٦٨) (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) (الواقعة : ٧١).

[قيل] (٣) : ومنه الآيات التي لم تنسخ ، وهي كالآيات المحكمات ، والآيات المشتملة ، ولا تقديم فيه ولا تأخير ، كقول القائل : أحمد الله على نعمائه وإحسانه ، وهذا أكثر الكلام ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (البقرة : ٤) وأكثر ما يأتي من الآي على هذا.

__________________

موسى الكاظم (ت ٤٠٦ ه‍) طبع بتصحيح حسين علي محفوظ بمجلس الشوري في طهران ١٣٧٢ ه‍ / ١٩٥٣ م ، وطبع بتحقيق محمد عبد الغني حسن بدار إحياء الكتب العربية في القاهرة ١٣٧٤ ه‍ / ١٩٥٥ م ، وطبع بتحقيق مكي السيد جاسم بمكتبة الخلاني ببغداد ١٣٧٥ ه‍ / ١٩٥٦ م وصوّر بدار الأعلمي في بيروت. ويسميه بروكلمان ٢ / ٦٤ : «مجازات القرآن» ويسمى أيضا «مجاز القرآن» * «الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز» لعزّ الدين ، عبد العزيز بن عبد السلام (ت ٦٦٠ ه‍) طبع بالمطبعة العامرة باسطنبول ١٣١٣ ه‍ / ١٨٩٥ م في (٢٣١) ص ، وطبع طبعة أخرى بالمكتبة العلمية بالمدينة المنوّرة ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٦ م في (٢٩٦) ص ، وصوّر بدار الفكر في دمشق ، وبدار المعرفة في بيروت وبدار البشائر الإسلامية في بيروت ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ م عن طبعة اسطنبول ، ومنه نسخة في الأزهر : ٢٦ / ٣٢٢ أتراك باسم «مجازات القرآن» وقد اختصره السيوطي* «مجاز الفرسان إلى مجاز القرآن» للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت ٩١١ ه‍) ذكر في كتابه الإتقان ٣ / ١٠٩ أنه اختصر به كتاب العز بن عبد السلام* «المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع» لعبد العزيز المطعني. طبع بمكتبة وهبة في القاهرة ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م* «المجازات القرآنية ومناهج بحثها» لمحمد كامل البصير ، رسالة دكتوراه من جامعة القاهرة كلية الآداب ١٣٩٥ ه‍ / ١٩٧٥ م.

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) ساقطة من المخطوطة.

٣٧٦

[المجاز]

وأما المجاز (١) [فاختلف في وقوعه في القرآن ، والجمهور على الوقوع ، وأنكره جماعة ، منهم ابن القاص (٢) من الشافعية ، وابن خويزمنداذ (٣) من المالكية ، وحكي عن داود الظاهريّ (٤) وابنه ، وأبي مسلم الأصبهاني (٥). وشبهتهم أن المتكلّم لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز] (١) إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير ، وهو مستحيل على الله [سبحانه] (٦). وهذا باطل ، ولو وجب خلوّ القرآن من المجاز لوجب خلوّه من التوكيد والحذف ، وتثنية القصص وغيره ، ولو سقط المجاز من القرآن سقط شطر الحسن.

وقد أفرده بالتصنيف الإمام أبو محمد بن عبد السلام (٧) ، وجمع فأوعى.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٢) هو أحمد بن أبي أحمد أبو العباس ابن القاص الطبري الشافعي ، إمام عصره ، كان إماما جليلا ، أخذ الفقه عن ابن سريج ، أقام بطبرستان وأخذ عنه علماؤها ، من تصانيفه «التلخيص» و «أدب القاضي» و «المواقيت» و «المفتاح» ت ٣٣٥ ه‍ (السبكي ، طبقات الشافعية ٢ / ١٠٣).

(٣) هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن خويز سماه بهذا الاسم أبو إسحاق الشيرازي المالكي ، وقال القاضي عياض : «رأيت على كتبه تكنيته بأبي عبد الله وفي نسبته محمد بن أحمد بن علي بن إسحاق» (ترتيب المدارك ٢ / ٦٠٦) وفي لسان الميزان ٥ / ٢٩١. هو محمد بن علي بن إسحاق بن خويز ، أبو عبد الله وفي الوافي بالوفيات ٢ / ٥٢ ، هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن خويزمنداذ البصري المالكي ، تفقه بأبي بكر الأبهري وسمع الحديث يروي عن أبي داسة ، وقد تكلم فيه أبو الوليد الباجي من تصانيفه «أصول الفقه» و «أحكام القرآن» وكتاب كبير في «الخلاف» ت ٣٩٠ ه‍ تقريبا.

(٤) هو داود بن علي بن خلف إمام المذهب الظاهري تقدم التعريف به في ٢ / ٣١٧ ، وبابنه محمد بن داود في ٢ / ١١٥.

(٥) هو محمد بن بحر الأصفهاني أبو مسلم ، من فقهاء المعتزلة ، كان كاتبا مترسلا بليغا متكلما معتزليا عالما بالتفسير وبغيره من صنوف العلم ثم صار عامل أصبهان وعامل فارس للمقتدر يكتب له ويتولى أمره ، وله من التصانيف «جامع التأويل لمحكم التنزيل» و «الناسخ والمنسوخ» وكتاب في النحو وغيرها ت ٣٢٢ ه‍ (معجم الأدباء ١٨ / ٣٥).

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) كتاب العز بن عبد السلام في مجاز القرآن هو «الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز» طبع في اسطنبول بالمطبعة العامرة عام ١٣١٣ ه‍ / ١٨٩٥ م ، وفي المدينة المنورة المكتبة العلمية عام ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٦ م ، وصوّر في دمشق بدار الفكر وفي بيروت بدار المعرفة ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ م وفي بيروت بدار البشائر الإسلامية عام ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ م.

٣٧٧

وأما (١) معناه ، فقال الحاتميّ (٢) : معناه طريق القول ، ومأخذه مصدر «جزت مجازا» كما يقال : «قمت مقاما». قال الأصمعيّ : كلام العرب إنما هو مثال شبه الوحي (٣).

وله سببان : (أحدهما) الشّبه ، ويسمّى المجاز اللغويّ وهو الذي يتكلم فيه الأصوليّ.

(والثاني) الملابسة (٤) ، وهذا هو الذي يتكلم فيه أهل اللسان ؛ ويسمّى المجاز العقلي ، وهو أن تسند (٥) الكلمة إلى غير ما هي له أصالة بضرب من التأويل ، كسبّ زيد أباه ، إذا كان سببا فيه. والأول مجاز في المفرد ؛ وهذا مجاز في المركب.

ومنه قوله تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) (الأنفال : ٢) ونسبت (٦) الزيادة التي هي فعل الله إلى الآيات لكونها سببا فيها. وكذا قوله [تعالى] (٧) : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) (فصلت : ٢٣) وقوله : (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) (القصص : ٤) والفاعل غيره ، ونسب الفعل إليه لكونه الآمر به.

وكقوله : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) (الأعراف : ٢٧) نسب النزع الذي هو فعل الله إلى إبليس [لعنه الله] (٨) ؛ لأن سببه أكل الشجرة ، وسبب أكلها وسوسته ومقاسمته إياهما إنه لهما لمن الناصحين. وقوله [تعالى] (٨) : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) (البقرة : ١٦) جعل التجارة الرابحة. وقوله : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) (محمد : ٢١) لأن الأمر هو المعزوم عليه بدليل : (فَإِذا عَزَمْتَ [فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ]) (٨) (آل عمران : ١٥٩).

وقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) (إبراهيم : ٢٨) فنسب الإحلال الذي هو فعل الله إلى أكابرهم ؛ لأنّ سببه كفرهم ، وسبب كفرهم أمر أكابرهم إياهم بالكفر.

__________________

(١) في المخطوطة (ما).

(٢) هو محمد بن الحسن بن المظفر أبو علي الحاتمي البغدادي أحد الأعلام المشاهير روى عن أبي عمر الزاهد ، وأدرك ابن دريد وأخذ عنه ، وكان من الحذّاق في اللغة والأدب ، شديد العارضة ، حسن التصرف في الشعر ، وله مع أبي الطيب المتنبي مخاطبة أقذعه فيها. ومن تصانيفه : «حلية المحاضرة» و «مختصر العربية» و «الرسالة الحاتمية» و «المجاز» وغيرها ت ٣٨٨ ه‍ (بغية الوعاة ١ / ٨٧).

(٣) في المخطوطة (بالوحي).

(٤) في المخطوطة (المناسبة).

(٥) في المخطوطة (يسمى).

(٦) في المخطوطة (نسب).

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) ليست في المخطوطة.

٣٧٨

وقوله تعالى : (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) (المزّمّل : ١٧) نسب الفعل إلى الظرف لوقوعه فيه. [١١٨ / أ] وقوله تعالى : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (الزلزلة : ٢). وقوله : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) (طه : ١١٧).

وقد يقال إن النزع والإحلال يعبّر بهما عن فعل ما أوجبهما ؛ فالمجاز إفراديّ لا إسناديّ. وقوله : (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) (المزّمّل : ١٧) يحتمل معناه : يجعل هوله ، فهو من مجاز الحذف.

وأما قوله [تعالى] (١) : (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (القارعة : ٧) فقيل على النّسب (٢) ، أي ذات رضا ، وقيل : بمعنى «مرضية» وكلاهما مجاز إفراد لا مجاز إسناد ؛ لأن المجاز (٣) في لفظ «راضية» لا في إسنادها (٣) ؛ ولكنهم كأنهم (٤) قدروا أنهم قالوا : رضيت عيشته ، فقالوا : «عيشة راضية».

وهو على ثلاثة أقسام :

(أحدها) : ما طرفاه حقيقتان ، نحو : أنبت المطر البقل ، وقوله تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) (الأنفال : ٢) وقوله : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (الزلزلة : ٢). (والثاني) : مجازيان نحو : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) (البقرة : ١٦) (والثالث) : ما كان أحد طرفيه مجازا دون الآخر ، كقوله [تعالى] (٥) : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) (إبراهيم : ٢٥) وقوله : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) (محمد : ٤). قال بعضهم : ومن شرط هذا المجاز أن يكون للمسند إليه شبه بالمتروك في تعلقه بالعامل.

وأنواع الإفراديّ في القرآن كثير يعجز العدّ عن إحصائها (٦). كقوله (٧) : (كَلاَّ إِنَّها

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (السبب).

(٣) العبارة في المخطوطة (في نفس راضية لا في نفس إسنادها).

(٤) في المخطوطة (كانوا).

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (إحصائه).

(٧) في المخطوطة زيادة في هذا الموضع لا يقتضيها سياق البحث وهي قوله تعالى (كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ...) الآية.

٣٧٩

لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى * تَدْعُوا) (المعارج : ١٥ ـ ١٧) قال : الدعاء من النار مجاز. وكقوله تعالى : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً ...) الآية (الروم : ٣٥) والسلطان هنا هو البرهان ، أي برهان (١) يستدلّون به ، فيكون صامتا ناطقا ، كالدلائل المخبرة ، والعبرة والموعظة.

وقوله : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) (القارعة : ٩) فاسم الأم الهاوية مجاز ؛ أي كما أنّ الأم كافلة لولدها وملجأ له ، كذلك أيضا النار للكافرين كافلة ومأوى ومرجع. وقوله : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (الذاريات : ١٠) (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (عبس : ١٧) (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون : ٤) والفعل في هذه المواضع مجاز أيضا لأنه بمعنى أبعده الله وأذله. وقيل : قهره وغلبه.

وهو كثير ، فلنذكر (٢) أنواعه لتكون ضوابط لبقية الآيات الشريفة (٣).

(الأول) : إيقاع المسبب موقع السبب (٤). كقوله تعالى : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً [يُوارِي سَوْآتِكُمْ]) (٥) (الأعراف : ٢٦) وإنما نزل سببه ، وهو الماء. وكقوله : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) (الأعراف : ٢٧). ولم يقل : «كما فتن أبويكم» ، لأن الخروج من الجنة هو المسبّب الناشئ عن الفتنة ، فأوقع المسبّب موقع السبب ، (٦) [أي لا تفتتنوا بفتنة الشيطان ، فأقيم فيه السبب مقام المسبب ، وهو سبب خاص ، فإذا عدم فيعدم المسبّب] (٦) فالنهي في الحقيقة لبني آدم ، والمقصود عدم وقوع هذا الفعل منهم ، فلما أخرج السبب من أن يوجد بإيراد النهي عليه ، كان أدلّ على امتناع النهي بطريق الأولى.

وقوله [تعالى] (٨) : (ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) (المؤمن : ٤١)

__________________

(١) في المخطوطة (برهانا).

(٢) في المخطوطة (قلت ذكر).

(٣) اقتبس الزركشي هذه الأنواع من كتاب الإشارة إلى الإيجاز باب المجاز فصول أنواع المجاز بتصرف في التقديم والتأخير.

(٤) وهو الفصل السادس والعشرون من أنواع المجاز عند العز بن عبد السلام انظر الإشارة إلى الإيجاز ص ٣٨.

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٨) ليست في المخطوطة.

٣٨٠