البرهان في علوم القرآن - ج ٢

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٢

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

(مسألة) (١) قيل : للحكمة (٢) في تنزيه الله تعالى (٣) نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الشعر وجوه (٤) :

ـ أحدها : أنه سبحانه أخبر عن الشعراء بأنهم (فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) (الشعراء : ٢٢٥ ـ ٢٢٦) وأن للشعر شرائط لا يسمّى الإنسان بغيرها شاعرا ، كما قال بعضهم وقد سئل عن الشاعر (٥) ، فقال : إن هزل أضحك ، وإن جدّ كذب ، فالشاعر بين كذب وإضحاك. فنزّه الله نبيّه عن هاتين الخصلتين ، وعن كل أمر دنىء ، وإنا لا نكاد نجد [٩٣ / ب] شاعرا [إلا مادحا ضارعا] (٦) ، أو هاجيا ذا قذع ، وهذه أوصاف لا تصلح للنبي.

ـ والثاني : أن أهل العروض مجمعون كما قال ابن فارس (٧) ؛ على أنّه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع ، [إلا أن صناعة الإيقاع] (٨) تقسم الزمان بالنغم ، وصناعة العروض تقسمه بالحروف المتنوعة ، فلما كان الشعر ذا ميزان يناسب الإيقاع ، والإيقاع ضرب من الملاهي لم يصلح ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد قال : «لست من دد ولا دد مني» (٩).

وأما ما حكي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ألفاظ الوزن ، فالجواب عنها من وجهين :

أحدهما : أنه لم يقصد بها الشعر ، (١٠) [ومن حقيقة الشعر قصده ، قال ابن فارس (١١) :

__________________

(١) اقتبس الزركشي هذه المسألة من كتاب الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس ص ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ، باب الشعر ، بتصرف.

(٢) في المخطوطة (في الحكمة).

(٣) في المخطوطة (سبحانه).

(٤) في المخطوطة (وجوها).

(٥) في المخطوطة (الشعر).

(٦) العبارة ساقطة من المخطوطة.

(٧) انظر فقه اللغة ص ٢٣٠. باب الشعر.

(٨) العبارة ساقطة من المخطوطة.

(٩) الحديث ورد من طريقين : (الأولى) عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه ، أخرجها البخاري في الأدب المفرد ص ٢٦٦ ، باب الغناء واللهو (٣٤٠) ، الحديث (٧٨٦) ، والبيهقي في السنن الكبرى ١٠ / ٢١٧ ، كتاب الشهادات ، باب من كره كل ما لعب الناس به من الحزّة ... ، ورواه البزار عزاه له الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢٢٥ باب عصمته من الباطل والطبراني في الأوسط ١ / ٢٦٢ ، الحديث ٤١٥. وأخرجه أيضا ابن عساكر في التاريخ (عزاه له السيوطي في الجامع الصغير ٥ / ٢٦٥ ، المطبوع مع فيض القدير) وفيه زيادة وهي «... ولست من الباطل ولا الباطل مني». وأخرجه الدار قطني في الأفراد (ذكره السيوطي في جمع الجوامع ٦٤٠) (والثانية) عن معاوية رضي‌الله‌عنه ، أخرجها الطبراني (عزاه له الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢٢٦ ، باب عصمته من الباطل).

(١٠) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(١١) انظر فقه اللغة ص ٢٢٩ ، باب الشعر.

٢٤١

الشعر كلام موزون مقفى دالّ على معنى ، ويكون أكثر من بيت ، لأنه يجوز اتفاق شطر واحد بوزن يشبه وزن الشعر] من غير قصد.

والثاني : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أنشد شيئا من ذلك غيّره.

فصل في تنزيه الله القرآن عن أن يكون شعرا

مع أن الموزون في الكلام رتبته فوق رتبة المنظوم غير الموزون ؛ فإن كل موزون منظوم ولا (١) عكس ، وقال تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (يس : ٦٩) فأعلم سبحانه [وتعالى] (٢) أنه نزّه القرآن عن نظم الشعر والوزن ؛ لأن القرآن (٣) مجمع الحق ، ومنبع الصدق (٣) ، وقصارى أمر الشاعر التحصيل بتصوير الباطل في صورة الحق ، والإفراط (٤) في الإطراء ، والمبالغة في الذم والإيذاء دون إظهار الحق ، وإثبات الصدق منه كان بالعرض ، ولهذا قال تعالى : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) (الحاقة : ٤١) أي كاذب ، ولم يعن (٥) أنه ليس بشعر ؛ فإنّ وزن الشعر أظهر من أن يشتبه عليهم حتى يحتاج إلى أن ينفى عنه ، ولأجل شهرة الشعر بالكذب سمّى المنطقيون القياسات المؤدية في أكثر الأمر إلى البطلان والكذب شعرية.

فإن قيل (٦) : فقد وجد في القرآن وما وافق شعرا موزونا ، إما بيت تام ، أو أبيات ، أو مصراع ، كقول القائل :

وقلت لما حاولوا سلوتي

(هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) (٧)

وقوله : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) (سبأ : ١٣) قالوا : هذا من الرمل.

وكقوله : (مَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) (فاطر : ١٨) قالوا : هو من الخفيف.

__________________

(١) في المخطوطة (من غير).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) في المخطوطة تقديم وتأخير كما يلي (منبع الحق ومجمع الصدق).

(٤) تصحفت في المطبوعة إلى (والإفرط).

(٥) في المخطوطة (ولم يعبأ به).

(٦) انظر إعجاز القرآن للباقلاني ص ٥١ ـ ٥٢ ، فصل في نفي الشعر من القرآن.

(٧) سورة المؤمنون : ٣٦.

٢٤٢

وقوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (١) قالوا : هو من المتقارب ، (٢) [أي بإسقاط (مَخْرَجاً)] (٢).

وقوله : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) (٣)

ويشبعون حركة الميم فيبقى من الرجز ، وحكي أن أبا نواس (٤) ضمّنه فقال :

وفتية في مجلس وجوههم

ريحانهم ، قد عدموا التثقيلا

دانية عليهمو ظلالها

وذلّلت قطوفها تذليلا (٥)

وقوله تعالى : (وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) (٦) قالوا : هو من الوافر.

وقوله [تعالى] (٧) : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) (٨) قالوا : هو من الخفيف.

وقوله تعالى : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً* فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) (العاديات : ١ و ٢) ونحو قوله : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً* فَالْحامِلاتِ وِقْراً* فَالْجارِياتِ يُسْراً) (الذاريات : ١ ـ ٣) وهو عندهم شعر من بحر البسيط.

وقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) (ق : ٤٠). وقوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران : ٩٢). وقوله تعالى : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً) (الكهف : ٢٢). وقوله [تعالى] (٩) : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ) (هود : ٤٣). وقوله [تعالى] (١١) : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) (المسد : ١).

__________________

(١) سورة الطلاق : ٢ ـ ٣.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) سورة الدهر : ١٤.

(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (ابن أبي نواس).

(٥) انظر أخبار أبي نواس لابن منظور ٢ / ٥٣.

(٦) سورة التوبة : ١٤.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) سورة الماعون : ١ ـ ٢.

(٩) ليست في المخطوطة.

٢٤٣

وقوله [تعالى] (١) : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) (الصف : ١٣). وقوله [تعالى] (١) : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) (الأنفال : ٣٨) وقوله [تعالى] (١) : (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى [فَبَغى عَلَيْهِمْ]) (٢) (القصص : ٧٦).

ويحكى أنه سمع أعرابيّ (٣) قارئا يقرأ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج : ١) قال : كسرت إنما قال (٤) :

يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم

زلزلة (٥) الساعة شيء عظيم

فقيل له : هذا القرآن وليس بشعر.

فالجواب ، قال القاضي أبو بكر (٦) : إن الفصحاء منهم لما أورد عليهم القرآن لو اعتقدوه شعرا لبادروا إلى معارضته ؛ لأن الشعر [٩٤ / أ] منقاد إليهم ، فلما لم يعمدوا إلى ذلك دلّ على أنهم لم يعتقدوا فيه ذلك ، فمن استدرك فيه شعرا زعم أنه خفي على أولئك النفر ، وهم ملوك الكلام مع شدة حاجتهم إلى الطعن في القرآن ، (٧) [والغض منه والتوصّل إلى تكذيبه] (٧) بكل ما قدروا عليه ، (٧) [فلن يجوز أن يخفى على أولئك وأن يجهلوه ويعرفه من جاء الآن] (٧) ، فهو بالجهل حقيق.

وحينئذ فالذي أجاب به العلماء عن هذا أنّ البيت الواحد وما كان على وزنه لا يكون شعرا ، وأقل الشعر بيتان فصاعدا ، وإلى ذلك ذهب أكثر أهل صناعة العربية من أهل الإسلام.

وقالوا أيضا : إنّ (٨) ما كان على وزن بيتين إلا أنه يختلف وزنهما وقافيتهما فليس بشعر. ثم منهم من قال : [إنّ] (٩) الرجز ليس بشعر أصلا ، لا سيما إذا كان مشطورا أو منهوكا (١٠).

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (أعرابيا).

(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (قيل).

(٥) في المخطوطة (إن زلزلة) والصواب حذف إن ليستقيم الوزن.

(٦) انظر إعجاز القرآن ص ٥٣ وما بعدها.

(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (إنما).

(٩) ساقطة من المخطوطة.

(١٠) تصحفت في المخطوطة إلى (مهنوكا).

٢٤٤

وكذا ما يقاربه في قلة الأجزاء ، وعلى هذا يسقط (١) السؤال. ثم نقول : إن الشعر إنما ينطلق متى قصد إليه على الطريق التي تعمد وتسلك (٢) ، ولا يصح أن يتّفق مثله إلا من الشعراء (٣) دون ما يستوي فيه العاميّ والجاهل ، وما يتفق من كل واحد ، فليس بشعر ؛ فلا يسمى صاحبه شاعرا ، وإلا لكان (٤) الناس كلهم شعراء ؛ لأن كلّ متكلم لا ينفك أن يعرض في جملة كلامه ما يتّزن بوزن الشعر.

وقيل : أقل ما يكون من الرجز شعرا أربعة أبيات ، وليس ذلك في القرآن بحال. قال القاضي (٥) : «وهذه الطريق التي سلكوها في الجواب معتمدة ، أو أكثرها. ولو كان ذلك شعرا لكانت النفوس تتشوق إلى معارضته ، لأن طريق الشعر غير مستصعب على أهل الزّمان.

(فصل)

مما يبعث على معرفة الإعجاز اختلافات المقامات وذكر في كلّ موضع ما يلائمه (٦) ، ووضع الألفاظ في كل موضع ما يليق به ، وإن كانت مترادفة ، حتى لو أبدل واحد (٧) منها بالآخر (٨) ذهبت تلك الطلاوة (٩) ، وفاتت تلك الحلاوة.

فمن ذلك أن لفظ «الأرض» لم ترد في التنزيل إلا مفردة ، وإذا ذكرت والسماء مجموعة (١٠) لم يؤت بها معها إلا مفردة ، ولما أريد الإتيان بها مجموعة قال : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) (الطلاق : ١٢) ، تفاديا من جمعها.

ولفظ «البقعة» لم تستعمل فيه إلا مفردة ، كقوله (١١) تعالى : (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) (القصص : ٣٠) فإن جمعت حسّن ذلك ورودها مضافة ، كقولهم : «بقاع الأرض».

وكذلك لفظ «اللب» أراد (١٢) به العقل [لم يرد إلا مجموعا] (١٣) كقوله تعالى :

__________________

(١) في المطبوعة (نسقط).

(٢) في المخطوطة (يتعهد ويسلك).

(٣) في المخطوطة (الشعر).

(٤) في المخطوطة (والإنكار).

(٥) انظر إعجاز القرآن ص ٥٥ ـ ٥٦.

(٦) في المخطوطة (يلازمه).

(٧) في المخطوطة (واحدا).

(٨) في المخطوطة (بالأخرى).

(٩) في المخطوطة (الطراوة).

(١٠) في المخطوطة (مجموعا).

(١١) في المخطوطة (لقوله).

(١٢) في المطبوعة (مرادا).

(١٣) العبارة ساقطة من المطبوعة.

٢٤٥

(وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (ص : ٤٣) (لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (الزمر : ٢١) فإنه يعذب [استعماله مجموعا] (١) دون الإفراد.

وكذلك قوله : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (الأحزاب : ٤) وفي موضع آخر : (فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) (آل عمران : ٣٥) استعمل «الجوف» في الأول «والبطن» في الثاني مع اتفاقهما في المعنى ، ولو استعمل أحدهما (٢) في موضع (٣) الآخر لم يكن له من الحسن والقبول عند الذوق ما لاستعمال (٤) كل واحد منهما في موضعه.

وأما بالنسبة إلى المقامات ، فانظر إلى مقام الترغيب ، وإلى مقام الترهيب ؛ فمقام الترغيب كقوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (الزمر : ٥٣) نجده تأليفا لقلوب العباد ، وترغيبا لهم في الإسلام.

قيل : وكان سبب (٥) نزولها أنه أسلم عياش (٦) بن أبي ربيعة ، والوليد بن الوليد ، ونفر معهما ، ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا قال : وكنا [نقول : قوم] (٧) لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا أبدا ، فنزلت فكتب بها عمر بن الخطاب إليهم [رضي‌الله‌عنه] (٧) حين فهم قصد (٨) الترغيب ، فآمنوا وأسلموا وهاجروا. ولا يلزم دلالتها على مغفرة الكفر ، لكونه من الذنوب ، فلا يمكن حملها على فضل الترغيب في الإسلام (٩) [وتأليف القلوب له لوجوه :

منها أن قوله : (يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) عامّ دخله التخصيص بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) (النساء ، ٤٨) فيبقى معتبرا فيما عداه] (٩) ومنها أن لفظ «العباد» مضافا (١٠) إليه في القرآن مخصوص (١١) بالمؤمنين ، قال تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ [بِها عِبادُ اللهِ]) (١٢) (الدهر : ٦).

__________________

(١) العبارة ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المطبوعة (في أحدهما في ...).

(٣) في المخطوطة (الوضع).

(٤) في المخطوطة (باستعمال) بدل (ما لاستعمال).

(٥) انظر أسباب النزول للواحدي ص ٢٤٨.

(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (عباس).

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (مفيد).

(٩) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (يضاف).

(١١) في المخطوطة (مخصوصا).

(١٢) ليست في المخطوطة.

٢٤٦

فإن (١) قلت : فلم يكونوا مؤمنين حال الترغيب! قلت : كانوا مؤمنين قبله ؛ بدليل سبب نزولها ، وعوملوا [٩٤ / ب] هذه المعاملة من الإضافة مبالغة في الترغيب.

وأما مقام الترهيب فهو مضادّ له ؛ كقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) (النساء : ١٤) ويدل على قصد مجرد الترهيب بطلان النصوصية من ظاهرها على عدم المغفرة لأهل المعاصي ؛ لأنّ «من» للعموم لأنها (٢) في سياق الشرط ، فيعمّ (٣) في جميع المعاصي فقد حكم عليهم بالخلود ، وهو ينافي المغفرة ، وكذلك كلّ مقام يضاد الآخر ، ويعتبر التفاضل بين العبارتين من وجوه :

(أحدها) المعاني الإفرادية ؛ بأن يكون بعضها أقوى دلالة وأفخم (٤) مسمّى ، وأسلس لفظا ونحوه.

(الثاني) : المعاني الإعرابية أن يكون مسمّاها أبلغ معنى ؛ كالتمييز مع البدل في قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) (مريم : ٤) مع اشتعل الرأس شيبة ؛ وهذا أبلغ من : «اشتعل شيب الرأس».

(الثالث) : مواقع التركيب ، كقوله تعالى : (وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) (النحل : ٥١) فإن الأولى جعل «اثنين» مفعول : «يتخذوا» و «إلهين» صفة له تقدمت (٥) فانتصبت على الحال ، والتقدير : اتخذوا إلهين اثنين ، لأن «اثنين» أعمّ من «إلهين».

فصل في اشتمال القرآن على أنواع الإعجاز

وهو أن يقع التركيب بحيث لا يمتنع أن يوجد ما هو أشدّ تناسبا ولا اعتدالا (٦) [في] (٧) إفادة ذلك المعنى. وقد اختلف في أنّه : هل تتفاوت (٨) فيه مراتب الفصاحة؟ واختار القاضي أبو بكر ابن الطيب في كتاب «الإعجاز (٩)» المنع ، وأنّ كل كلمة موصوفة بالذروة العليا ،

__________________

(١) في المخطوطة (قال).

(٢) في المخطوطة (لأن من).

(٣) اضطربت في المخطوطة إلى (ذم).

(٤) في المخطوطة (وأفحم).

(٥) في المخطوطة (فقدمت).

(٦) في المخطوطة (اعتدالى).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (مقارب).

(٩) انظر إعجاز القرآن ص ٣٥ وما بعدها ، الوجه الثالث من فصل في جملة وجوه من إعجاز القرآن.

٢٤٧

وإن كان بعض الناس أحسن إحساسا له من بعض ؛ وهذا كما أن بعضهم يفطن (١) للوزن بخلاف بعض.

واختار أبو نصر بن القشيري (٢) في «تفسيره» التفاوت (٣) فقال : «وقد ردّ على الزجاج (٤) وغيره تضعيفهم قراءة (وَالْأَرْحامَ) (٥) (النساء : ١) بالجرّ : هذا من الكلام مردود عند أئمة الدين ؛ لأن القراءات السبع متواترة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإذا ثبت فمن ردّ ذلك (٦) فكأنما ردّ على النبوّة ، وهذا مقام محذور ، لا يقلد فيه أئمة اللّغة والنحو. ولعلّهم أرادوا أنه

__________________

(١) في المخطوطة (تفطن).

(٢) هو عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن أبو نصر القشيري الشافعي ، إمام الأئمة في التفسير والأصول. لازم إمام الحرمين حتى أحكم عليه المذهب ، والخلاف ، والأصول. سمع الحديث من أبيه وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم الزنجاني وجماعة. وله : «التيسير في التفسير» ت ٥١٤ ه‍ (الداودي ، طبقات المفسرين ١ / ٢٩١). وتفسيره مخطوط في ليدن مكتبة بريل رقم : ٦٤٣ ، (انظر تذكرة النوادر : ٢٤) وقد نقل قوله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٥ / ٤.

(٣) في المخطوطة (التقارب).

(٤) انظر قول الزجاج في كتابه إعراب القرآن ٢ / ٦ ـ ٧ (بتحقيق عبد الجليل عبده شلبي ، طبعة عالم الكتب ببيروت ١٤٠٨ ه‍ / ١٩٨٨ م) قال (وَالْأَرْحامَ) : القراءة الجيّدة نصب الأرحام. المعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، فأما الجرّ في الأرحام فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر ، وخطأ أيضا في أمر الدين عظيم ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا تحلفوا بآبائكم. فكيف يكون تساءلون به وبالرحم على ذا؟. رأيت أبا إسحق إسماعيل بن إسحاق يذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم ، وأن ذلك خاص لله ـ عزوجل ـ على ما أتت به الرواية.

فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الجر إلا بإظهار الجار ، يستقبح النحويّون : مررت به وزيد ، وبك وزيد ، إلا مع إظهار الخافض حتى يقولوا بك وبزيد ، فقال بعضهم : لأن المخفوض حرف متّصل غير منفصل ، فكأنّه كالتنوين في الاسم ، فقبح أن يعطف باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه. وقد فسر المازي هذا تفسيرا مقنعا فقال : الثاني في العطف شريك للأول ، فإن كان الأول يصلح شريكا للثاني وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكا له. قال : فكما لا تقول مررت بزيد و «ك» فكذلك لا يجوز مررت بك وزيد.

وقد جاز ذلك في الشعر ، أنشد سيبويه :

فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيّام من عجب

(٥) وهي قراءة حمزة ، والباقون بنصبها (التيسير : ٩٣) وانظر تفسير القرطبي ٥ / ٣ ـ ٤.

(٦) في المخطوطة (فمن رد بعد ذلك).

٢٤٨

صحيح فصيح ؛ وإن كان غيره أفصح منه ، [قال] (١) فإنا لا ندّعي أن كل (٢) ما في القرآن على أرفع الدرجات في الفصاحة.

وإلى هذا نحا الشيخ عز الدين (٣) في كتاب «المجاز» وأورد سؤالا فقال (٤) : فإن قلت : فلم لم يأت القرآن جميعه بالأفصح والأملح؟ وقال : فيه إشكال [يسّر الله] (٥) حلّه. قال القاضي صدر الدين موهوب الجزري (٦) [رحمه‌الله] (٧) : وقد وقع لي حلّ هذا الإشكال بتوفيق الله تعالى فأقول : البارئ جلت قدرته له أساليب مختلفة على مجاري تصريف أقداره ، فإنّه كان قادرا على إلجاء المشركين إلى الإقرار بنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال تعالى : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (الشعراء : ٤) ، ولكنّه سبحانه أرسل رسوله على أساليب الأسباب والمسببات ، وجاري العوائد الواقعة من أهل الزمان ، ولذلك (٨) تكون حروب الأنبياء سجالا بينهم وبين الكفار ، ويبتدئ أمر الأنبياء بأسباب خفيفة ، ولا تزال تنمى وتشتد ، كلّ ذلك يدلّ على أن أساليبهم في الإرسال على ما هو المألوف والمعتاد من أحوال غيرهم.

إذا عرف ذلك كان مجيء القرآن [العزيز] (٩) بغير الأفصح والأملح (١٠) جميعه ؛ لأنه تحدّاهم بمعارضته على المعتاد فلو وقع على غير المعتاد لكان ذلك نمطا غير النّمط الذي أراده الله عزوجل في الإعجاز.

ولما كان الأمر على ما وصفنا جاء القرآن على نهج إنشائهم الخطب ، والأشعار وغيرها ،

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (كلما).

(٣) العز بن عبد السلام تقدم التعريف به في ١ / ١٣٢ ، وكتابه «مجازات القرآن» مخطوط بالأزهر ٢٦ / ٣٢٢ أتراك (معجم الدراسات القرآنية : ٣٣٤) ، وانظر الإشارة إلى الإيجاز ص ١٣٢.

(٤) في المخطوطة (قال).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (صدر الدين ابن الجزري). وهو موهوب بن عمرو بن موهوب الجزري القاضي الشافعي صدر الدين ولد سنة ٥٧٠ ه‍. قدم الشام ، وتفقه على شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام ، وقرأ على السخاوي ، وكان فقيها بارعا أصوليا أدبيا قدم الديار المصرية وولي بها القضاء ، وسار سيرة مرضية. ت ٦٦٥ ه‍ بالقاهرة (السبكي ، طبقات الشافعية ٥ / ١٦٢).

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (وكذلك).

(٩) ليست في المطبوعة.

(١٠) في المخطوطة (الأملح) بدون الواو.

٢٤٩

ليحصل لهم التمكن من المعارضة ثم يعجزوا عنها ، فيظهر الفلج بالحجة ، لأنّهم (١) لو لم [٩٥ / أ] يتمكنوا لكان لهم أن يقولوا : قد أتيت بما لا قدرة لنا عليه ؛ فكما لا يصح من أعمى معارضة المبصر في النظر ، لا يحسن من البصير أن يقول : غلبتك أيها الأعمى بنظري ؛ فإنّ للأعمى أن يقول : إنما تتمّ (٢) لك الغلبة لو كنت أنظر (٣) وكان نظرك أقوى من نظري ؛ فأما إذا فقد أصل النظر فكيف تصح [معنى] (٤) المعارضة! (فإن قلت) : فلو كانت المعجزة شيئا لا يقدر عليه البشر ، كإحياء الموتى وأمثاله [فكيف] (٥) كان ذلك أدعى إلى الانقياد؟ (قلت) : هذا السؤال سبق الجواب عنه في الكلام ، وإنّ أساليب الأنبياء تقع على نهج أساليب غيرهم.

(فإن قلت) : فما ذكرته يدلّ على أن عجز العرب عن معارضته إنما كانت لصرف دواعيهم ، مع أن المعارضة كانت مقدورة لهم. (قلت) : قد ذهب بعض العلماء إلى ذلك ، ولكن لا أراه حقا ، ويندفع السؤال المذكور. وإن كان الإعجاز في القرآن بأسلوبه (٦) الخاص به ؛ إلاّ أن الذين قالوا : بأن (٧) المعجز فيه هو الصّرفة مذهبهم أن جميع أساليبه جميعا ليس على نهج أساليبهم ؛ ولكن شاركت أساليبهم في أشياء (٨) :

(منها) أنه بلغتهم. (ومنها) أن آحاد الكلمات قد كانوا يستعملونه في خطبهم وأشعارهم ، ولكن تمتاز بأمور أخر ؛ منها غرابة نظمه الخاص الذي [ليس] (٩) مشابها لأجزاء الشعر وأوزانه وهزجه ورجزه وغير ذلك من ضروبه ؛ فأما توالي نظمه من أوله إلى آخره ، بأن يأتي بالأفصح والأملح ؛ فهذا مما وقعت فيه المشاركة لكلامهم (١٠) ؛ فبذلك امتاز هذا المذهب عن مذهب من يقول : إنه كان جميعه مقدورا لهم ، وإنما صرفت دواعيهم عن المعارضة. انتهى.

وقد سبق اختيار القاضي (١١). أنه ليس على أساليبهم البتة فيبقى السؤال بحاله.

__________________

(١) في المخطوطة (فإنهم).

(٢) في المخطوطة (يتم).

(٣) في المطبوعة (قادرا).

(٤) ساقطة من المطبوعة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (في أسلوبه).

(٧) في المخطوطة (أن).

(٨) في المخطوطة (الأشياء).

(٩) ساقطة من المخطوطة.

(١٠) في المخطوطة (فكلامهم).

(١١) انظر الإعجاز للقاضي الباقلاني ص ٣٥ وما بعدها.

٢٥٠

(تنبيه) ذكر (١) ابن أبي الحديد : «اعلم أن معرفة الفصيح والأفصح ، والرشيق والأرشق ، والجليّ والأجلى ، والعليّ والأعلى من الكلام أمر لا يدرك إلا بالذوق ، ولا يمكن إقامة الدلالة المنطقية عليه ، وهو بمنزلة جاريتين : إحداهما بيضاء مشربة حمرة ، دقيقة الشفتين ، نقية الشعر ، كحلاء العين ، أسيلة الخد ، دقيقة الأنف ، معتدلة القامة ، والأخرى دونها في هذه الصفات والمحاسن ؛ لكنّها أحلى في العيون والقلوب منها ، وأليق وأملح ، ولا يدرى لأيّ سبب كان ذلك ، لكنه (٢) بالذوق والمشاهدة يعرف ، ولا يمكن تعليله (٣).

وهكذا (٤) الكلام ؛ نعم يبقى الفرق بين الوصفين أنّ حسن الوجوه وملاحتها ، وتفضيل بعضها على بعض يدركه كلّ من له عين صحيحة ؛ وأما الكلام فلا يعرفه إلاّ بالذوق ، وليس كلّ من اشتغل بالنحو أو باللغة أو بالفقه كان من أهل الذوق ، وممّن يصلح لانتقاد الكلام ؛ وإنما أهل الذوق هم الذين اشتغلوا بعلم البيان وراضوا أنفسهم بالرسائل والخطب والكتابة والشعر ، وصارت لهم بذلك دربة وملكة تامة ؛ فإلى أولئك ينبغي [أن يرجع] (٥) في معرفة الكلام ، وفضل بعضه على بعض».

__________________

(١) في المخطوطة (ذكره) ، وهو عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن أبي الحديد المدائني المعتزلي ، أخو موفق الدين ، وهو من أعيان الشيعة ، وله ديوان مشهور. روى عنه الدمياطي. من تصانيفه «الفلك الدائر على المثل السائر» ونظم «فصيح ثعلب» وشرح «نهج البلاغة» في عشرين مجلدات ٦٥٥ ه‍ (الكتبي ، فوات الوفيات ٢ / ٢٥٩).

(٢) في المخطوطة (ولكنه).

(٣) في المخطوطة (تعليقه).

(٤) في المخطوطة (وهذا).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

٢٥١

النوع التاسع والثلاثون

معرفة وجوب تواتره

لا خلاف أن كلّ ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترا في أصله وأجزائه ، وأمّا في محله (١) ووضعه وترتيبه ، فعند المحققين من علماء أهل السنة كذلك ، أي يجب أن يكون متواترا ، فإن العلم اليقينيّ حاصل أن العادة قاضية بأن مثل هذا الكتاب العزيز ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنه الهادي للخلق إلى الحق المعجز الباقي على صفحات الدهر ، الذي هو أصل الدين القويم ، والصراط المستقيم ، فمستحيل (٢) ألا يكون [٩٥ / ب] متواترا في ذلك كله.

إذ الدواعي تتوافر على نقله على وجه التواتر ، وكيف لا وقد قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر : ٩) والحفظ إنما يتحقق بالتواتر ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (المائدة : ٦٧) ، والبلاغ العام إنما هو بالتواتر [فما] (٣) لم (٤) يتواتر ، مما (٥) نقل آحادا نقطع بأنه ليس من القرآن.

وذهب كثير من الأصوليين إلى أنّ التواتر شرط في ثبوت ما هو من القرآن بحسب أصله ، وليس بشرط في محله ووضعه وترتيبه ، بل يكثر فيها نقل الآحاد ، وهو الذي يقتضيه صنع (٦) الشافعي في إثبات البسملة من (٧) كل سورة.

__________________

(١) في المخطوطة (حكمه).

(٢) في المخطوطة (ويستحيل).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (فلم).

(٥) في المخطوطة (فما).

(٦) في المخطوطة (صنيع).

(٧) في المخطوطة (في).

٢٥٢

وردّ بأن الدليل السابق يقتضي التواتر في الجميع ، ولأنه لو لم يشترط لجاز سقوط كثير من القرآن المكرر ؛ وثبوت كثير مما ليس بقرآن. (أما الأول) فلأنّا لو لم نشترط التواتر في المحلّ جاز ألا يتواتر كثير من المتكررات الواقعة في القرآن ، مثل : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (الرحمن : ١٣) و (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (المرسلات : ١٥). (وأما الثاني) فلأنه إذا لم يتواتر بعض القرآن بحسب المحل جاز إثبات ذلك البعض في الموضع بنقل الآحاد.

وقال القاضي أبو بكر في «الانتصار» (١) : «ذهب قوم من الفقهاء والمتكلمين إلى إثبات قرآن حكما لا علما بخبر الواحد دون الاستفاضة ، وكره ذلك أهل الحق ، وامتنعوا منه. وقال قوم من المتكلمين : إنه يسوغ إعمال الرأي والاجتهاد في إثبات قراءة ، وأوجه وأحرف ، إذا كانت تلك الأوجه صوابا في اللغة العربية ، وإن لم يثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأها ، بخلاف موجب رأي القياسيين ، واجتهاد المجتهدين. وأبى ذلك أهل الحق وأنكروه ، وخطّئوا من قال بذلك ، وصار إليه».

قال القاضي : «وقد ردّ الله عنه طعن الطاعنين ، واختلاف الضالّين ، وليس المعتبر في العلم بصحة النقل والقطع على فنونه بألاّ يخالف فيه مخالف ؛ وإنما المعتبر في ذلك مجيئه عن قوم بهم ثبت التواتر ، وتقوم الحجة ، سواء اتفق على نقلهم أو اختلف فيه ؛ ولهذا لا يبطل النقل إذا ظهر واستفاض ، واتفق عليه إذا حدث خلاف في صحته لم يكن من قبل».

وبذلك يسقط اعتراض الملحدين في القرآن ، وذلك دليل على صحة نقل القرآن وحفظه وصيانته من التغيير ، ونقض (٢) مطاعن الرافضة فيه من دعوى الزيادة والنقص ، كيف وقد قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر : ٩) وقوله : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (القيامة : ١٧) وأجمعت (٣) [الأمة] (٤) أن المراد بذلك حفظه على المكلّفين للعمل به وحراسته من وجوه الغلط والتخليط ، وذلك وجب القطع على صحة نقل مصحف الجماعة وسلامته.

__________________

(١) كتاب «الانتصار لنقل القرآن» لأبي بكر الباقلاني تقدم التعريف به في ١ / ٢٧٨. وقد ذكر قوله السيوطي مختصرا في الاتقان ١ / ٢١٦ ، النوع الثاني والعشرون ... معرفة المتواتر.

(٢) في المخطوطة (وبعض).

(٣) في المخطوطة (وأجيب).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

٢٥٣

(فصل)

والمعوذتان من القرآن واستفاضتهما كاستفاضة جميع القرآن ، وأما ما روي عن ابن مسعود (١). قال القاضي أبو بكر (٢) : «فلم يصح عنه أنهما ليسا بقرآن ، ولا حفظ عنه أنه حكّهما (٣) وأسقطهما (٤) من مصحفه لعلل وتأويلات».

قال القاضي : «ولا يجوز أن يضاف إلى عبد الله أو إلى أبيّ بن كعب ، أو زيد أو عثمان أو عليّ ، أو واحد من ولده أو عترته جحد آية أو حرف من كتاب الله وتغييره أو قراءته على خلاف الوجه المرسوم في مصحف الجماعة بأخبار الآحاد ، وأن ذلك لا يحلّ ، ولا يسمع ، بل لا تصلح إضافته إلى أدنى المؤمنين في عصرنا ، فضلا عن إضافته إلى رجل من الصحابة ، وإن كلام القنوت المروي عن أبيّ بن كعب أثبته في مصحفه لم تقم حجة (٥) بأنه قرآن منزل ؛ بل هو ضرب من الدعاء ، وأنه لو كان قرآنا لنقل نقل القرآن ، وحصل العلم [٩٦ / أ] بصحته ، وأنه يمكن أن يكون منه كلام كان قرآنا منزلا ثم نسخ وأبيح الدعاء به ، وخلط بكلام ليس بقرآن ، (٦) [ولم يصح ذلك عنه ، وإنما روي عنه أنه أثبته في مصحفه ، وقد ثبت في مصحفه ما ليس بقرآن] (٦) ؛ من دعاء وتأويل.

وقال النووي في «شرح المهذب (٧)» : «أجمع المسلمون على أن المعوّذتين والفاتحة

__________________

(١) أخرج أحمد ، والبزار ، والطبراني ، وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود «أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب الله إنما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتعوذ بهما ، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما». قال البزار : «ولم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة وقد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف» (الدرّ المنثور ٦ / ٤١٦).

(٢) نقل قوله السيوطي في الإتقان ١ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ في النوع الثاني والعشرين.

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (حكمها).

(٤) اضطربت في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (الحجة).

(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٧) انظر المجموع شرح المهذب للنووي ٣ / ٣٩٦ ، كتاب الصلاة ، فصل في مسائل مهمة تتعلق بقراءة الفاتحة وغيرها ، المسألة العاشرة والأخيرة.

٢٥٤

من القرآن ، وأن من جحد منها شيئا كفر ؛ وما نقل عن ابن مسعود (١) باطل ، وليس بصحيح (١). وقال ابن حزم في أول كتابه (٢) «المحلّى» : هذا كذب على ابن مسعود موضوع ، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زرّ بن حبيش عنه ، وفيها المعوذتان والفاتحة».

وقال القاضي أبو بكر بن الطيب في كتاب «التقريب (٣)» : لم ينكر عبد الله بن مسعود كون المعوذتين والفاتحة من القرآن ، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف وإثبات الحمد ، لأنه كانت السنة عنده ألاّ يثبت إلا ما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإثباته وكتبه ، ولم نجده كتب ذلك ولا سمع أمره به. وهذا تأويل منه ، وليس جحدا لكونهما قرآنا».

وفي «صحيح ابن حبان (٤)» عن زرّ : قلنا لأبيّ بن كعب : إن ابن مسعود لا يكتب في مصحفه المعوذتين ، فقال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال لي جبريل : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (الفلق : ١) فقلتها ، و [قال لي] (٥) : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (الناس : ١) فقلتها ، فنحن نقول ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

__________________

(١) تقديم وتأخير في المخطوطة (ليس بصحيح باطل).

(٢) انظر المحلّى ١ / ١٣ ، المسألة (٢١) ، من كتاب التوحيد (طبعة دار الآفاق ببيروت).

(٣) تقدم التعريف بالكتاب في ١ / ٣٨٣.

(٤) انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٢ / ٨٤ ، ذكر الإخبار عما يستحب للمرء قراءة المعوذتين في أسبابه ، الحديث (٧٩٤). ورواه بلفظ آخر في ٦ / ٣٠٢ ، ذكر الأمر بالرجم للمحصنين إذا زنيا قصد التنكيل بهما ، الحديث (٤٤١٢). والحديث أخرجه البخاري في ٨ / ٧٤١ ، كتاب التفسير (٦٥) ، سورة (١١٣) الحديث (٤٩٧٦) ، وأخرجه أحمد ، والنسائي ، وابن الضريس ، وابن الأنباري ، وابن مردويه (الدر المنثور ٦ / ٤١٦).

(٥) ليست من المخطوطة.

٢٥٥

النوع الأربعون

في بيان معاضدة السّنة للقرآن

اعلم أنّ القرآن والحديث أبدا متعاضدان على استيفاء الحق وإخراجه من مدارج الحكمة ؛ حتى إن كلّ واحد منهما يخصّص عموم الآخر ، ويبين إجماله.

ثم منه ما هو ظاهر ، ومعه ما يغمض ، وقد اعتنى بإفراد ذلك بالتصنيف : الإمام أبو الحكم ابن برّجان في كتابه المسمى ب «الإرشاد (١)» وقال : ما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من شيء فهو في القرآن ، أو فيه أصله ، قرب أو بعد ، فهمه من فهمه ، وعمه عنه [من عمه] (٢) ، قال الله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام : ٣٨).

ألا تسمع إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث الرجم : «لأقضينّ بينكما بكتاب الله [تعالى]» (٣) ، وليس في نصّ كتاب الله الرجم. وقد أقسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يحكم بينهما بكتاب الله ، ولكن الرّجم فيه تعريض مجمل في قوله [تعالى] : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ) (النور : ٨). وأما تعيين الرجم من عموم ذكر العذاب ، وتفسير هذا المجمل ، فهو مبيّن بحكم الرسول وأمره [به] (٤) ؛ وموجود في عموم قوله : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر : ٧) وقوله : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (النساء : ٨٠).

__________________

(١) ابن برّجان هو عبد السلام بن عبد الرحمن بن عبد السلام تقدم التعريف به وبكتابه «الإرشاد في التفسير» في ١ / ١١١.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١١ / ٥٢٣ كتاب الأيمان والنذور (٨٣) ، باب كيف كانت يمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... (٣) ، الحديث (٦٦٣٣) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٣ / ١٣٢٤ ـ ١٣٢٥ كتاب الحدود (٢٩) ، باب من اعترف ... (٥) الحديث (٢٥ / ١٦٩٧ ـ ١٦٩٨).

(٤) ليست في المخطوطة.

٢٥٦

وهكذا حكم جميع قضائه ، وحكمه على طرقه التي أتت عليه ، وإنما يدرك الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه ، ويبلغ منه الراغب فيه حيث بلّغه ربه تبارك وتعالى ؛ لأنه واهب النعم ، ومقدّر القسم.

وهذا البيان من العلم جليل ، وحظه من اليقين جزيل ، وقد نبّهنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم على هذا المطلب في مواضع كثيرة من خطابه.

* منها : حين ذكر ما أعدّ الله تعالى لأوليائه في الجنة فقال : «فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، بله ما اطلعتم عليه» ، ثم قال : «اقرءوا إن شئتم : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (السجدة : ١٧)» (١).

* ومنها : «قالوا : يا رسول الله ، ألا نتّكل وندع العمل؟ فقال : اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له ، ثم قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (الليل : ٥ ـ ١٠)» (٢).

* ووصف الجنة فقال : «فيها شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ، ولا يقطعها. ثم قال : اقرءوا إن شئتم : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) (الواقعة : ٣٠)» (٣).

__________________

(١) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٨ / ٥١٥ ـ ٥١٦ كتاب التفسير (٦٥) ، سورة السجدة (٣٢) باب (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ ...) (١) ، الحديث (٤٧٨٠) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٧٥ كتاب الجنة (٥١) ، الحديث (٤ / ٢٨٢٤) ، وعن قوله «بله ما اطلعتم عليه» قال ابن حجر العسقلاني في الفتح ٨ / ٥١٧ (وأصح التوجيهات ... ، أنها بمعنى غير وذلك بيّن لمن تأمّله).

(٢) الحديث متفق عليه من رواية علي رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٨ / ٧٠٩ كتاب التفسير (٦٥) ، سورة (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (٩٢) باب (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (٧) ، الحديث (٤٩٤٩) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢٠٣٩ كتاب القدر (٤٦) ، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه ... (١) ، الحديث (٦ / ٢٦٤٧).

(٣) الحديث متفق عليه من طريقين : (الأولى) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٣١٩ ـ ٣٢٠ كتاب بدء الخلق (٥٩) ، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (٨) ، الحديث (٣٢٥٢) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٧٥ كتاب الجنة ... (٥١) ، باب إن في الجنة شجرة ... (١) ، الحديث (٧ / ٢٨٢٦) ، و (الثانية) من حديث سهل بن سعد رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١١ / ٤١٥ كتاب الرقاق (٨١) ، باب صفة الجنة والنار (٥١) الحديث (٦٥٥٢) وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٧٦ الحديث (٨ / ٢٨٢٧).

٢٥٧

فأعلمهم مواضع حديثه من القرآن ، ونبههم على مصداق خطابه من الكتاب ، ليستخرج علماء أمته معاني حديثه طلبا لليقين ، ولتستبين لهم السبيل ، حرصا منه عليه‌السلام على أن يزيل عنهم الارتياب ، وأن يرتقوا في الأسباب. ثم بدأ رضي‌الله‌عنه [٩٦ / ب] بحديث : «إنما الأعمال بالنيات» (١) وقال موضعه نصّا في قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) (الإسراء : ١٨) إلى قوله : (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الإسراء : ١٩).

ونظيرها في هود (الآية : ١٥) والشورى (الآية : ٢٠).

وموضع التصريح به قوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) (البقرة : ٢٢٥) و (بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) (المائدة : ٨٩).

وأما التعريض فكثير ، مثل قوله : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (النساء : ١٣٩) (٢) ([مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً)] (٢) (فاطر : ١٠) قد علم الله عزوجل أنهم كانوا يريدون الاعتزاز ، لأن الإنسان مجبول على طلب العزة ؛ فمخطئ أو مصيب. فمعنى الآية والله أعلم : بلّغ هؤلاء المتخذين الكافرين أولياء من دون الله من ابتغاء العزة بهم ، أنهم قد أخطئوا مواضعها وطلبوها في غير مطلبها ، فإن كانوا يصدقون أنفسهم في طلبها فليوالوا الله جل جلاله ، وليوالوا من والاه (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون : ٨). فكان ظاهر آية النساء تعريضا لظاهر آية المنافقين ، وظاهر آية [سورة] (٣) المنافقين تعريضا بنصّ الحديث المرويّ.

ومن ذلك حديث جبريل في الإيمان والإسلام (٤) ، بيّن فيه أن الشهادة بالحق والأعمال

__________________

(١) الحديث متفق عليه من رواية عمر رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٩ كتاب بدء الوحي (١) باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) ، الحديث (١) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٣ / ١٥١٥ ـ ١٥١٦ كتاب الإمارة (٣٣) ، باب قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنما الأعمال بالنية» (٤٥) ، الحديث (١٥٥ / ١٩٠٧).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ١١٤ كتاب الإيمان (٢) ، باب سؤال جبريل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... (٣٧) ، الحديث (٥٠) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٣٩ كتاب

٢٥٨

الظاهرة هي الإسلام ، وأن عقد القلب على التصديق بالحق هو الإيمان ، وهو نصّ الحديث الذي رواه ابن أبي شيبة في «مسنده» (١) : الإسلام ظاهر والإيمان في القلب موضعه من القرآن : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ]) (٢) (آل عمران : ٨٣) وقوله : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (المجادلة : ٢٢) [ونظائرها] (٣) (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (المجادلة : ٢٢) قال : وبنيت هاتين الصفتين على الصفات العليا صفات الله ـ تعالى ظهورها ـ من الأسماء الحسنى : اسم السلام ، واسم المؤمن.

ومن ذلك (٤) حديث ضمام بن ثعلبة : «أفلح إن صدق» (٥) في قوله : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (التوبة : ٩١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قال لا إله الا الله حرّمه الله على النار» (٦) (٧) [في قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) (الأنعام : ٨٢) وهو مفهوم من قوله : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) (الصافات : ٣٥) فأخبر أنهم دخلوا النار] (٧) من

__________________

الإيمان (١) ، باب بيان الإيمان والإسلام ... (١) ، الحديث (٥ / ٩). ولفظه عند البخاري : «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بارزا يوما للناس ، فأتاه رجل فقال : ما الإيمان؟ قال : الإيمان أن تؤمن الله ...».

(١) هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة تقدم التعريف به في ١ / ٢٧٦ وكتابه «المسند» مخطوط بمكتبة المدينة استانبول برقم (٣٣٣ ـ ٣٣٤) (المنجد ، معجم ما ألف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ص ٢٦٥).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) عبارة المخطوطة (نذكر حديث ضمام ...).

(٥) ضمام هو ابن ثعلبة السعدي من بني سعد بن بكر صحابي جليل بعثه قومه رسولا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنهم ليسأل عن شعائر الاسلام فكان خير وافد (ابن حجر الإصابة ٢ / ٢٠٢ الترجمة ٤١٧٨) ، وحديثه في الصحيحين من رواية طلحة بن عبيد الله رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ١٠٦ كتاب الإيمان (٢) ، باب الزكاة من الإسلام ... (٣٤) ، الحديث (٤٦) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٤٠ ـ ٤١ كتاب الإيمان (١) ، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (٢) ، الحديث (٨ / ١١) ، ولفظهما «جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أهل نجد ... ، فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة ...

(٦) الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ٢ / ٢١٥ الحديث (١٣٨٦) من رواية سعد بن عبادة رضي‌الله‌عنه.

(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

٢٥٩

أجل استكبارهم وإبائهم من قول : «لا إله إلا الله» ، مفهوم هذا أنهم إذا قالوها مخلصين بها حرّموا على النار.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» (١) في قوله تعالى : (حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) (الذاريات : ٢٤) وقوله : ([وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى] (٢) وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (النساء : ٣٦) وهذه الأربع كلمات جمعن حسن الصحبة للخلق ؛ لأن من كفّ سره وأذاه ، وقال خيرا أو صمت عن الشر وأفضل على جاره ، وأكرم ضيفه ، فقد نجا من النار ، ودخل الجنة إذا كان مؤمنا [بالله] (٢) ، وسبقت له الحسنى ، فإن العاقبة مستورة ، والأمور بخواتيمها ؛ ولهذا قيل : لا يغرنّكم صفاء الأوقات ، فإن تحتها غوامض الآفات.

وقوله : «رأس الكفر نحو المشرق» (٣) في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ* فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى ...) الآية (الأنعام : ٧٥ و ٧٦) فأخبر أن الناظر في ملكوت الله لا بد له من ضروب الامتحان ، وأن الهداية يمنحها (٤) الله للناظر بعد التبري منها ، والمعصوم من عصمه الله ، قال [الله] (٥) تعالى : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الصافات : ٩٩) وقال : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) (مريم : ٤٩) وطلوع الكواكب نحو المشرق ومن هناك إقبالها ، وذلك أشرف (٦) لها وأكبر لشأنها عند المفتونين (٧) ، وغروبها إدبارها ، وطلوعها بين قرني الشيطان من

__________________

(١) الحديث متفق عليه من طريقين : (الأولى) من رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، أخرجها البخاري في الصحيح ١٠ / ٤٤٥ كتاب الأدب (٧٨) ، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره (٣١) ، الحديث (٦٠١٨) ، وأخرجها مسلم في الصحيح ١ / ٦٨ كتاب الإيمان (١) ، باب الحث على إكرام ... (١٩) ، الحديث (٧٥ / ٤٧) ، و (الثانية) من رواية أبي شريح الكعبي رضي‌الله‌عنه أخرجها البخاري في المصدر السابق ، الحديث (٦٠١٩) ، وأخرجها مسلم في الصحيح ٣ / ١٣٥٣ كتاب اللقطة (٣١) ، باب الضيافة ونحوها (٣) ، الحديث (١٤ ـ ١٥ / ٤٨).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٣٥٠ كتاب بدء الخلق (٥٩) ، باب خير مال المسلم ... (١٥) ، الحديث (٣٣٠١) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٧٢ كتاب الإيمان (١) ، باب تفاضل أهل الإيمان .. (٢١) الحديث (٨٥ / ٥٢).

(٤) في المخطوطة (وأن الهداية منحة الله).

(٥) لفظ الجلالة ليس في المطبوعة.

(٦) عبارة المخطوطة (ومن هناك أشرف لها).

(٧) في المطبوعة (عند المعنيين).

٢٦٠