البرهان في علوم القرآن - ج ٢

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٢

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

__________________

الأزهر عام ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٣ م) والمعجزة القرآنية لمحمد العفيفي (طبع بمؤسسة دار العلوم في الكويت ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٦ م) ومعجزة الأرقام والترقيم في القرآن الكريم لعبد الرزاق نوفل طبع في القاهرة عام ١٣٩٧ ه‍ / ١٩٧٧ م ، وبدار الكتاب العربي في بيروت ١٤٠٣ ه‍ / ١٩٨٣ م) والإعجاز في نظم القرآن لمحمود السيد شيخون (طبع بالمكتبة الأزهرية في القاهرة ١٣٩٨ ه‍ / ١٩٧٨ م) وتسعة عشر دلالات جديدة في إعجاز القرآن لرشاد خليفة (طبع بدار الفكر في دمشق ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٧٩ م) وقبس من الإعجاز لهشام عبد الرزاق الحمصي (طبع بدار الثقافة في دمشق ١٣٩٩ ه‍ / ١٩٧٩ م) والقرآن وإعجازه التشريعي لمحمد إسماعيل إبراهيم (طبع بدار الفكر العربي في القاهرة ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٧٩ م) وألوان من الإعجاز القرآني لمحمد وفا الأميري (طبع بدار الرضوان في حلب ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨٠ م) ونظرية إعجاز القرآن عند عبد القاهر الجرجاني لمحمد حنيف فقيهي (طبع بالمكتبة العصرية في بيروت ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨٠ م) الإعجاز الطبي لمحمد متولي الشعراوي (طبع بدار التراث العربي في القاهرة وبدار اللواء في الرياض) وله معجزة القرآن (طبع بمطبعة أخبار اليوم في القاهرة ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م) والإعجاز العددي للقرآن الكريم لعبد الرزاق نوفل (طبع بدار الكتاب العربي في بيروت عام ١٤٠٣ ه‍ / ١٩٨٣ م) والنظم القرآني في سورة الرعد لمحمد بن سعد (طبع بعالم الكتب في القاهرة ونظم القرآن والكتاب للحداد طبع في بغداد ومنع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز لمحمد مختار الشنقيطي (طبع بمطبعة المدني في القاهرة) وإعجاز القرآن لمنير سلطان (طبع بمنشأة المعارف في الاسكندرية) ومع القرآن في إعجازه وبلاغته لعبد القادر حسين (طبع بدار التراث العربي في القاهرة وبدار اللواء في الرياض) والقرآن بين الحقيقة والمجاز والإعجاز لمحمد عبد الغني حسن (طبع في القاهرة) والإعجاز النحوي في القرآن الكريم لفتحي الدجني (طبع بمطبعة الفلاح في الكويت) وإعجاز القرآن لمحمد علي المعلم.* ومن الكتب المؤلفة في إعجاز القرآن سوى ما ذكره الزركشي : «الاحتجاج لنظم القرآن وغريب تأليفه وبديع تركيبه» للجاحظ أبي عثمان عمرو بن بحر ت ٢٥٥ ه‍ (ذكره في كتابه الحيوان ١ / ٩ ، وانظر الفهرست لابن النديم : ٤١) * «نظم القرآن» لأحمد بن داود ، أبي حنيفة الدينوري ت ٢٨٢ ه‍ (معجم الأدباء ٣ / ٢٩) * «إعجاز القرآن في نظمه وتأليفه» لأبي عبد الله محمد بن زيد بن علي الواسطي (ت ٣٠٦ ه‍) شرحه عبد القاهر الجرجاني ت ٤٧١ ه‍ (الفهرست : ٢٢٠) * «نظم القرآن» لأبي علي الحسن بن علي بن نصر ت ٣١٢ ه‍ (الفهرست : ٤١) * «نظم القرآن» لأحمد بن سهل البلخي ، أبي زيد ت ٣٢٢ ه‍ (الفهرست : ١٥٣) «نظم القرآن» لابن الإخشيد ، أحمد بن علي ت ٣٢٦ ه‍ (الفهرست : ٤١) * «إعجاز القرآن» لابن درستويه ، أبي محمد عبد الله بن جعفر بن محمد ت ٣٣٠ ه‍ (الفهرست : ٦٣) * «إعجاز القرآن» للباهلي ، أبي عمر محمد بن عمر بن سعيد البصري؟ (الفهرست : ٢١٩) * «إعجاز القرآن» لعبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني ت ٣٨٦ ه‍ (معجم مصنفات القرآن ١ / ١٤٦).* «الكلام في وجوه إعجاز القرآن» الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان (ت ٤١٣ ه‍ وذكره النجاشي في كتاب الرجال : ٢٨٤ ، وآغا بزرك في الذريعة ٢ / ٢٣٢ باسم إعجاز القرآن) * «المغني في إعجاز القرآن» القاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي (ت ٤١٥ ه‍) نشره امين الخولي بمكتبة وهبة في القاهرة ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٦ م* «نظم السور» لأبي العلاء المعري ت ٤٤٩ ه‍ (معجم الأدباء ٣ / ١٦١) * «دلائل الإعجاز في المعاني والبيان» أو «إعجاز

٢٢١

__________________

القرآن» لعبد القاهر الجرجاني (ت ٤٧١ ه‍) طبع بتحقيق محمد عبده ، ومحمد رشيد رضا. ومحمد محمود الشنقيطي في القاهرة بمطبعة الترقي ومطبعة المنار في القاهرة ١٣١٩ ـ ١٣٢١ ه‍ / ١٩٠١ و ١٩٠٣ م ، وطبع بمطبعة الفتوح الأدبية في القاهرة ١٣٣١ ه‍ / ١٩١٢ م ، وطبع بتحقيق محمد بن تاويت بتطوان ، بالمطبعة المهدية عام ١٣٧٠ ه‍ / ١٩٥٠ م ، وطبع بتحقيق محمد رضوان الداية ومحمد فائز الداية في دمشق بدار قتيبة ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م وصورت دار المعرفة طبعة محمد عبده ومحمد رشيد رضا عام ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م* وله «الرسالة الشافية في إعجاز القرآن» طبعت مع ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للجرجاني ، والخطابي ، والرماني ، بتحقيق محمد خلف الله ، ومحمد زغلول سلام بدار المعارف في القاهرة ١٣٧٥ ه‍ / ١٩٥٥ م* وله «الشرح الصغير» وهو شرح كتاب الواسطي في إعجاز القرآن (ذكره السبكي في طبقات الشافعية ٥ / ١٥٠) * «التنبيه على إعجاز القرآن» لمحمد بن أبي القاسم البقالي ت ٥٦٢ ه‍ (ذكره القيسي في «تاريخ التفسير» ، وهو الكتاب نفسه المسمى «إعجاز القرآن» الذي ذكره السيوطي في طبقات المفسرين) * «إعجاز القرآن» لعلي بن زيد أبي الحسن بن أبي القاسم ت ٥٦٥ ه‍ (معجم الأدباء ٥ / ٢٠٨) * «إعجاز القرآن» أو «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» للإمام فخر الدين الرازي (ت ٦٠٦ ه‍) طبع بمطبعة الآداب في القاهرة ١٣١٧ ه‍ / ١٨٩٩ م و ١٣٧٧ ه‍ / ١٩٠٩ م ، وطبع بتحقيق زغلول سلام ومحمد هدارة بمنشأة المعارف في الإسكندرية ١٣٩٤ ه‍ / ١٩٧٣ م وطبع بتحقيق إبراهيم السامرائي ، ومحمد بركات بعمان عام ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م* «رسالة في بيان الإعجاز في سورة (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ)» للمطرزي برهان الدين أبي الفتح ناصر بن أبي المكارم (ت ٦١٠ ه‍) مخطوط ضمن مجموع في التيمورية : ٣٥٩ (معجم الدراسات القرآنية : ٩٩) * «البرهان في بيان القرآن» لموفق الدين بن قدامة المقدسي (ت ٦٤٠ ه‍) مخطوط مصدرها بمكتبة سليمان بن عبد الرحمن الحمدان بمكة المكرمة : ٤٢ وبجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض عمادة شئون المكتبات : ٢٢١٩ (أخبار التراث العربي : ٣٤ / ٤) * «التبيان في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن» لعبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني (ت ٦٥١ ه‍) طبع بتحقيق خديجة الحديثي ، وأحمد مطلوب مطبعة العاني في بغداد ١٣٨٥ ه‍ / ١٩٦٤ م* «البرهان في إعجاز القرآن» لابن أبي الأصبع ، زكي الدين أبي محمد عبد العظيم (ت ٦٥٤ ه‍) مخطوط في تشستربتي : ٤٢٥٥ (معجم الدراسات القرآنية : ٩٦) * وله «تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن» طبع بتحقيق حفني محمد شرف بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في القاهرة ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٣ م* «الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز» لعبد العزيز عز الدين بن عبد السلام السلمي الدمشقي (ت ٦٦٠ ه‍) طبع بالمطبعة العامرة في اسطنبول ١٣١٣ ه‍ / ١٨٩٥ م ، وبالمدينة المنورة بالمكتبة العلمية عام ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٦ م وصورته دار الفكر بدمشق ، ودار المعرفة ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ م ودار البشائر الإسلامية في بيروت ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ م* «إعجاز القرآن» لمحمد بن محمد بن إبراهيم بن سراقة ت ٦٦٢ ه‍ (ذكره السيوطي في الإتقان ١ / ٧) * «إيجاز البرهان في إعجاز القرآن» للخزرجي أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد ت ٧٠٩ ه‍ (ذكره القيسي في تاريخ التفسير) * «الطراز في علوم حقائق الإعجاز» أو «الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز» للمؤيد بالله عماد الدين يحيى بن حمزة العلوي (ت ٧٤٥ ه‍) طبع بتحقيق سيد علي المرصفي بالقاهرة عام ١٣٣٢ ه‍ / ١٩١٤ م وصور بدار الكتب العلمية في بيروت عام ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م* «إعجاز القرآن في آية (يا أَرْضُ

٢٢٢

ابن العربي (١) : ولم يصنّف مثله ، وكتاب الخطابيّ (٢) ، والرّمانيّ (٣) ، ...

__________________

ابْلَعِي) لابن الجزري محمد بن محمد (ت ٨٣٣ ه‍) مخطوط بدار الكتب الظاهرية : ٥٤٣٣ ومنه نسخة ميكروفيلمية بمركز البحث العلمي بمكة : ٢٤ (معجم الدراسات القرآنية : ٩٢) * «تبصير الرحمن وتيسير المنان ببعض ما يشير إلى إعجاز القرآن» للمهائمي علي بن أحمد بن علي الهندي (ت ٨٣٥ ه‍) طبع بدهلي عام ١٢٨٦ ه‍ / ١٨٦٧ م وبمطبعة بولاق في القاهرة ١٢٩٥ ه‍ / ١٨٧٦ م ، وصور بعالم الكتب في بيروت عن السابقة ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م* «معترك الأقران في إعجاز القرآن» لجلال الدين السيوطي (ت ٩١١ ه‍) طبع بتحقيق علي محمد البجاوي بدار الفكر العربي في القاهرة الجزء الأول عام ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٩ م ، والثاني ١٣٩٠ ه‍ / ١٩٧٠ م والثالث ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٣ م* «إعجاز القرآن» أو «رسالة في تحقيق إعجاز القرآن» لابن كمال باشا ، شمس الدين أحمد بن سليمان (ت ٩٤٠ ه‍) مخطوط ضمن مجموع بالمكتبة التيمورية : ١٦٨ ، وبمكتبة الأزهر ٧٨٥ مجاميع ٣٤٨٧ ، وجامعة برنستين ٥٤٣٧ تفسير (معجم الدراسات القرآنية : ٩٢ و ٩٩) * «البرهان في إعجاز القرآن» لأحمد فوزي الساعاتي (كان حيا قبل ١٣٤٢ ه‍) طبع بمطبعة الترقي في دمشق ١٣٤٣ ه‍ / ١٩٢٤ م* «إعجاز القرآن» لمحمد بن عبد المطلب بن واصل من أسرة أبي الخير من جهينة ت ١٣٥٠ ه‍ (معجم مصنفات القرآن ١ / ١٤٧).* «إعجاز القرآن والبلاغة النبوية» لمصطفى صادق الرافعي (ت ١٣٥٦ ه‍) طبع بمطبعة المقطم في القاهرة ١٣٤٨ ه‍ / ١٩٢٨ م وطبع بالمطبعة الرحمانية في القاهرة بتحقيق محمد سعيد العريان ١٣٤٩ ه‍ / ١٩٢٩ م ، وأعيد طبعه بمطبعة الاستقامة بالقاهرة عام ١٣٦٠ ه‍ / ١٩٤٠ م وبالمطبعة التجارية الكبرى في القاهرة ١٣٨٤ ه‍ / ١٩٦٥ م ، وصور بالأوفست بدار الكتاب العربي في بيروت ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م* «إعجاز القرآن وإقامة البرهان على شرح الإسلام» للهادي الخراساني الحائري (ت ١٣٦٩ ه‍) طبع بالنجف عام ١٣٤٨ ه‍ / ١٩٢٩ م* «إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز» لبديع الزمان سعيد النورسي (ت ١٣٨٧ ه‍) طبع بمطبعة النور في أنقرة ١٣٧٨ ه‍ / ١٩٥٨ م ، وطبع بدار العربية في بيروت ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٣ م.* «شرح رسالة في إعجاز القرآن» لمجهول مخطوط مصور في معهد المخطوطات بالكويت عن نسخة المكتبة الوطنية بإسبانيا (أخبار التراث العربي ١٠ / ٧) * «رسالة في أن القرآن معجز» لمجهول. مخطوط في جامعة برنستون رقم ٣٣٣ تفسير (معجم الدراسات القرآنية ص ٩٩).

(١) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله المعافري ، تقدم التعريف به في ١ / ١٠٩.

(٢) هو حمد بن محمد أبو سليمان تقدم التعريف به في ١ / ٣٤٣ ، وكتابه «بيان إعجاز القرآن» طبع في دلهي بالهند بتحقيق عبد العليم سنة ١٣٧٢ ه‍ / ١٩٥٣ م ، وطبع في القاهرة بدار التأليف بتحقيق عبد الله الصديق الغماري سنة ١٣٧٢ ه‍ / ١٩٥٣ م ، وطبع في القاهرة بدار المعارف بتحقيق محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام سنة ١٣٧٤ ه‍ / ١٩٥٥ م (معجم المنجد ١ / ١٢٤).

(٣) هو أبو الحسن علي بن عيسى بن علي تقدم التعريف به في ١ / ١١١ ، وكتابه «النكت في إعجاز القرآن» طبع في دلهي الهند بتحقيق عبد العليم سنة ١٣٥٣ ه‍ / ١٩٣٤ م ، وطبع في القاهرة دار المعارف بتحقيق محمد خلف الله وزغلول سلام ضمن (ثلاث رسائل في إعجاز القرآن» سنة ١٣٧٤ ه‍ / ١٩٥٥ م (معجم المنجد ١ / ١٢٤ ، ذخائر التراث العربي ١ / ٥٤١).

٢٢٣

و «البرهان» لعزيزي (١) وغيرهم.

وهو علم جليل [القدر] (٢) ، عظيم القدر (٣) ، لأن نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معجزتها الباقية القرآن ، وهو يوجب الاهتمام بمعرفة الإعجاز ، قال تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (إبراهيم : ١) وقال سبحانه : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (التوبة : ٦) فلولا أن سماعه [إياه] (٤) حجة عليه لم يقف أمره على سماعه ، ولا تكون حجة إلا وهي معجزة. وقال تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ* أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) (العنكبوت : ٥٠ و ٥١) فأخبر أنّ الكتاب آية من آياته ، وأنه كاف في الدلالة ، قائم مقام معجزات غيره وآيات سواه من الأنبياء.

ولما جاء به صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم ـ وكانوا أفصح الفصحاء ومصاقع الخطباء ـ تحدّاهم على أن يأتوا بمثله ، وأمهلهم طول السنين فلم يقدروا ، يقال : تحدّى فلان فلانا إذا دعاه إلى أمر ليظهر عجزه فيه ونازعه الغلبة في قتال أو كلام غيره ، ومنه «أنا حديّاك» ، أيّ ابرز لي وحدك (٥).

واعلم أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحدّى العرب قاطبة بالقرآن حين (٦) قالوا : افتراه ، فأنزل الله عزوجل عليه : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [مُفْتَرَياتٍ]) (٧) (هود : ١٣) فلما عجزوا عن الإتيان بعشر (٨) سور تشاكل القرآن ، قال تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ) (٩) مِثْلِهِ (يونس : ٣٨) ثم كرر هذا فقال : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (البقرة : ٢٣) أي من كلام مثله ، وقيل : من بشر مثله (١٠) ، ويحقق القول الأول

__________________

(١) هو عزيزي بن عبد الملك الشافعي أبو المعالي المعروف بشيذلة تقدم التعريف به في ١ / ١١٢ ، وكتابه «البرهان في متشابه القرآن» حققه ناصر بن سليمان العمر كرسالة ماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض (أخبار التراث العربي ٧ / ٢٤) وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ٢٤١ وسماه «البرهان في مشكلات القرآن».

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) عبارة المخطوطة (عظيم الخطر).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) عبارة المخطوطة (أو أبرز لك وحدي).

(٦) في المخطوطة (حيث).

(٧) ليست في المطبوعة.

(٨) تصحفت في المطبوعة إلى (بنشر سور).

(٩) الآية في المطبوعة والمخطوطة (قل فأتوا بسورة من مثله) والصواب ما أثبتناه كما في القرآن الكريم.

(١٠) عبارة المخطوطة (وقيل من بشر مثله ، أي من كلام مثله).

٢٢٤

الآيتان السابقتان ؛ فلما عجزوا عن أن يأتوا بسورة تشبه القرآن على كثرة الخطباء فيهم والبلغاء ، قال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء : ٨٨) فقد ثبت أنه تحدّاهم به ، وأنهم لم يأتوا بمثله لعجزهم عنه ، لأنهم لو قدروا على ذلك لفعلوا ، ولما عدلوا إلى العناد تارة والاستهزاء أخرى ، فتارة قالوا : سحر وتارة قالوا : شعر وتارة [قالوا] (١) : «أساطير الأولين» كل ذلك من التحيّر والانقطاع.

قال [ابن أبي] (٢) طالب مكيّ (٣) في «اختصاره نظم القرآن للجرجاني» (٤) ، قال المؤلف : أنزله بلسان عربي مبين بضروب من النّظم مختلفة على عادات العرب ، ولكن الأعصار تتغير وتطول ، فيتغير النظم عند المتأخرين لقصور أفهامهم ، [٩٠ / أ] والنظر كله جار على لغة العرب ، ولا يجوز أن ينزله على نظم ليس من لسانهم ؛ لأنه لا يكون حجة عليهم ، بدليل قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (٥) (يونس : ٣٨) وفي قوله : (بَلْ كَذَّبُوا [بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ]) (٦) وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ (يونس : ٣٩) فأخبر أنهم لم يعلموه لجهلهم به ؛ وهو كلام عربي.

قال أبو محمد (٧) : لا يحتمل أن يكون جهلهم إلا من قبل أنهم أعرضوا عن قبوله ، ولا يجوز أن يكون نزل بنظم لم يعرفوه ؛ إذ لا يكون عليهم حجة ، وجهلنا بالنظم لتأخرنا عن رتب القوم الذي نزل عليهم جائز ، ولا يمنع. فمن نزل عليهم كان يفهمه إذا تدبّره لأنه بلغته ، ونحن إنما نفهم بالتعليم. انتهى.

وهذا الذي قاله مشكل ، فإنّ كبار الصحابة رضي‌الله‌عنهم حفظوا البقرة في مدة متطاولة ؛ لأنهم كانوا يحفظون مع التفهم. وإعجاز القرآن ذكر من وجهين : (أحدهما) :

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) زيادة يقتضيها النص ، ليست في الأصول.

(٣) هو مكي بن أبي طالب حمّوش بن محمد القيسي تقدم التعريف به في ١ / ٢٧٨.

(٤) ذكره القفطي في إنباه الرواة ٣ / ٣١٦ وسماه «انتخاب كتاب الجرجاني في نظم القرآن وإصلاح غلطه».

(٥) في المخطوطة زيادة (بسورة من مثله) وليست من القرآن الكريم.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) هو مكي بن أبي طالب المتقدم.

٢٢٥

إعجاز متعلق بنفسه. (والثاني) : بصرف الناس عن معارضته. ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله معجز ، واختلفوا في إعجازه ، فقيل : إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات ، وإنّ العرب كلّفت في ذلك ما لا تطيق ، وفيه وقع عجزها. والجمهور على أنه إنما وقع بالدّال على القديم وهو الألفاظ.

فإذا ثبت ذلك فاعلم أنه لا يصحّ التحدي بشيء مع جهل المخاطب الجهة التي وقع بها التحدي ، ولا يتجه قول القائل لمثله : إن صنعت خاتما كنت قادرا على أن تصنع مثله ؛ إلا بعد أن يمكّنه من الجهة التي تدّعي عجز المخاطب عنها.

فنقول : الإعجاز في القرآن العظيم إما أن يعني بالنسبة إلى ذاته ، أو إلى عوارضه من الحركات والتأليف ، أو إلى مدلوله أو إلى المجموع ، أو إلى أمر خارج عن ذلك ؛ لا جائز أن يكون الإعجاز حصل من جهة ذوات الكلم (١) المفردة فقط ؛ لأن العرب قاطبة كانوا يأتون بها ؛ ولا جائز أن يكون الإعجاز وقع بالنسبة إلى العوارض من الحركات والتألف فقط ؛ لأنه يحوج إلى ما تعاطاه مسيلمة من الحماقة : «إنّا أعطيناك الجواهر* فصل لربّك وهاجر* إن شانئك هو الكافر».

ولو كان الإعجاز راجعا إلى (٢) الإعراب والتأليف المجرد لم يعجز صغيرهم عن تأليف ألفاظ معربة فضلا عن كبيرهم ، لا جائز أن يقع بالنسبة إلى المعاني فقط ؛ لأنها ليست من صنيع البشر ، وليس لهم قدرة على إظهارها ؛ من غير ما يدلّ عليها ، (٣) [وأيضا لقالوا : لقد قلنا مثله ولكن لم نلفظ بما يدل عليه] (٣) ولا جائز أن ترجع إلى المجموع لأنا قد بيّنا بطلانه بالنسبة إلى كل واحد ، فيتعين أن يكون الإعجاز لأمر خارج غير ذلك.

وقد اختلف فيه على أقوال :

(إحداها) ـ وهو قول النظام (٤) لا إن الله صرف العرب عن معارضته وسلب عقولهم ، وكان مقدورا لهم ؛ لكن عاقهم أمر خارجيّ ، فصار كسائر المعجزات.

__________________

(١) في المخطوطة (الكملة).

(٢) في المطبوعة (في).

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) هو إبراهيم بن سيّار ، أبو إسحاق النظام ، شيخ المعتزلة. تكلّم في القدر ، وانفرد بمسائل وهو شيخ

٢٢٦

وهو قول فاسد بدليل قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء : ٨٨) فإنّه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم ، ولو سلبوا (١) القدرة لم يبق فائدة لاجتماعهم ، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى ، وليس عجز الموتى بكبير يحتفل بذكره ، هذا مع أن الاجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن ، فكيف يكون معجزا غيره وليس فيه صفة إعجاز ؛ بل المعجز هو الله [تعالى] ، حيث سلبهم قدرتهم عن الإتيان بمثله.

وأيضا يلزم من القول بالصّرفة فساد آخر ، وهو زوال الإعجاز (٢) بزوال زمان التحدّي ، وخلوّ القرآن من الإعجاز ؛ وفي ذلك خرق لإجماع الأمة ، فإنهم أجمعوا على بقاء معجزة الرسول العظمى ، ولا معجزة له باقية سوى القرآن ، وخلوّه من الإعجاز يبطل كونه معجزة.

قال القاضي أبو بكر (٣) : «ومما يبطل القول بالصرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة ـ وإنما منع منها الصّرفة ـ لم يكن الكلام معجزا ، [وإنّما يكون المنع معجزا] (٤) فلا يتضمن الكلام فضلا على غيره في نفسه. [٩٠ / ب] وليس هذا بأعجب مما ذهب إليه فريق منهم أن الكلّ قادرون على الإتيان بمثله ؛ وإنما تأخروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلّموه لوصلوا إليه ، ولا بأعجب من قول فريق منهم إنه لا فرق بين كلام البشر وكلام الله في هذا الباب. وزعم قوم أنّ ابن المقفع عارض القرآن ، وإنما وضع حكما» (٥).

* (الثاني) أن وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاص به ، لا مطلق التأليف ، وهو بأن

__________________

الجاحظ ، قال بعضهم : كان النظام على دين البراهمة المنكرين للنبوة والبعث ويخفي ذلك وله نظم وترسل وتصانيف منها : «الجواهر والأعراض» و «حركات أهل الجنة» و «الطفرة» و «الوعيد» وغيرها. ورد أنه سقط من غرفة وهو سكران سنة ٢٢٠ ه‍ (سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥٤١).

(١) في المطبوعة تحرف اللفظ إلى (سئلوا).

(٢) تحرفت في المخطوطة إلى (الاعداد).

(٣) هو محمد بن الطيب أبو بكر الباقلاني تقدم في ١ / ١١٧ ، وانظر قوله في كتابه «إعجاز القرآن» ص ٣٠.

(٤) ليست في المخطوطة ، والعبارة في إعجاز القرآن (وإنما يكون المنع هو المعجز).

(٥) انظر قول الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن ص ٣٠ ـ ٣٢ أواخر فصل في بيان وجه الدلالة على أن القرآن معجز.

٢٢٧

اعتدلت مفرداته تركيبا وزنة ، وعلت مركّباته معنى ، بأن يوقع كل فن في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى. واختاره ابن الزّملكانيّ في «البرهان» (١).

* (الثالث) ما فيه الإخبار عن الغيوب المستقبلة ، ولم يكن ذلك من شأن العرب ، كقوله تعالى : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) (الفتح : ١٦) وقوله في [قصة] (٢) أهل بدر : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ [الدُّبُرَ]) (٣) (القمر : ٤٥) وقوله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) (الفتح : ٢٧) وكقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) (النور : ٥٥) وقوله : (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ) (الروم : ١ و ٢) وغير ذلك مما أخبر به بأنه سيقع فوقع. وردّ هذا القول بأنه يستلزم أن الآيات التي لا خبر فيها بذلك لا إعجاز فيها ؛ وهو باطل ، فقد جعل الله كل سورة معجزة بنفسها.

* (الرابع) ما تضمن من إخباره عن قصص الأولين وسائر المتقدمين ، حكاية من شاهدها وحضرها ، وقال : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا ...) الآية (هود : ٤٩). وهو مردود بما سبق ، نعم هذا والذي قبله من أنواع الإعجاز ، لا (٤) أنه منحصر فيه.

* (الخامس) إخباره عن الضمائر من غير أن يظهر ذلك منهم بقول أو فعل ، كقوله : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) (آل عمران : ١٢٢) وقوله : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ) (المجادلة : ٨) [وقوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ]) (٥) إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ ... الآية (الأنفال : ٧) وكإخباره عن اليهود أنهم لا يتمنون الموت أبدا.

__________________

(١) ابن الزملكاني هو عبد الواحد بن عبد الكريم تقدم التعريف به في ١ / ١٣٥ ، وكتابه «البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن» طبع في بغداد مطبعة العاني بتحقيق خديجة الحديثي وأحمد مطلوب سنة ١٣٩٤ ه‍ / ١٩٧٤ م (معجم المنجد ٥ / ٨٠).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) عبارة المطبوعة (إلا أنه منحصر فيه).

(٥) ليست في المطبوعة.

٢٢٨

* (السادس) وصحّحه ابن عطية (١) وقال : «إنه [الذي] (٢) عليه الجمهور والحذّاق ـ (٢) [وهو الصحيح في نفسه ـ وأن التحدي إنما وقع بنظمه ، وصحة معانيه ، وتوالي فصاحة ألفاظه ،] (٢) ووجه إعجازه أن الله [تعالى قد] (٣) أحاط بكل شيء علما ، وأحاط بالكلام كلّه علما ؛ فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته ، أي لفظة تصلح أن تلي الأولى ، ويتبين المعنى بعد المعنى ، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره. والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول ، ومعلوم بالضرورة أن أحدا من البشر لا يحيط بذلك ، وبهذا (٤) يبطل قول من قال : إن العرب كان في قدرتها الإتيان بمثل [القرآن] (٥) ، فلما جاءهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه.

والصحيح أن الإتيان [بمثل] (٦) القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين ، ولهذا ترى البليغ ينقّح الخطبة أو القصيدة حولا ، ثم ينظر فيها ، فيغيّر فيها ، وهلم جرّا. وكتاب الله سبحانه لو نزعت منه لفظة ، ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم توجد.

ونحن تتبيّن لنا البراعة في أكثره ، ويخفى [علينا] (٥) وجهها في مواضع ، لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق ، وجودة القريحة. وقامت الحجة على العالم بالعرب ؛ إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة ، كما قامت الحجة في معجزة عيسى بالأطبّاء ، ومعجزة موسى بالسّحرة ، فإن الله تعالى إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبرع ما تكون في زمن النبي الذي أراد [إظهاره] (٧) فكان السحر في مدة موسى [عليه‌السلام] (٨) قد انتهى إلى غايته ، وكذا الطب في زمان عيسى ، والفصاحة في مدة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم». (٩)

__________________

(١) هو عبد الحق بن غالب المشهور بابن عطية تقدم التعريف به في ١ / ١٠١ انظر قوله في مقدمة تفسيره المسمى بالمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ١ / ٧١ ـ ٧٣.

(٢) ليست في المخطوط.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) في مقدمة تفسير ابن عطية ١ / ٧٢ عبارة مكملة لمعنى الكلام وهي (فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة وبهذا النطق ...)

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) ليست في المخطوطة.

(٨) ليست في المطبوعة.

(٩) انتهى قول ابن عطية.

٢٢٩

(السابع) : أن وجه الإعجاز الفصاحة ، وغرابة الأسلوب ، والسلامة من جميع العيوب ، وغير ذلك مقترنا [٩١ / أ] بالتحدّي ، واختاره الإمام فخر الدين (١) ؛ وهو قريب مما سبق ، وقد قال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (الإسراء : ٨٨) والمراد : بمثل نظمه ؛ بدليل قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (البقرة : ٢٣) وقول من قال : إن الضمير في ([مِنْ]) (٢) مِثْلِهِ عائد على الله [تعالى] (٣) ضعيف ، [بقوله : (بِعَشْرِ سُوَرٍ]) (٢) مِثْلِهِ (هود : ١٣) والسياق واحد.

* (الثامن) : ما فيه من النظم والتأليف والترصيف ، وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب ، ومباين لأساليب خطاباتهم ، واختاره القاضي أبو بكر (٤). قال : «ولهذا لم يمكنهم معارضته». قال : (٥) «ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التي (٦) ادّعوها في الشعر ؛ لأنه ليس مما يخرق العادة ، بل يمكن استدراكه بالتعلّم (٧) والتدريب والتصنع له (٨) ، كقول الشعر ، ورصف (٩) الخطب ، وصناعة الرسالة ، والحذق في البلاغة ، وله طريق يسلك (١٠) ... فأما شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذى عليه ، ولا إمام يقتدى به ، ولا يصح وقوع مثله اتفاقا ...». قال : «ونحن نعتقد أن الإعجاز في بعض القرآن أظهر ، وفي بعض أدقّ وأغمض».

ثم قال القاضي (١١) : «فإن قيل : ما الذي وقع التحدي به؟ أهو الحروف المنظومة؟ أو

__________________

(١) هو محمد بن عمر بن الحسين المشهور بفخر الدين الرازي تقدم التعريف به في ١ / ١٠٦ وانظر قوله حول الإعجاز في تفسيره الكبير ١ / ١١٥ ـ ١١٦ في الكلام على قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) [البقرة : ٢٣] وله كتاب أيضا في الإعجاز اسمه «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» تقدم في الكتب المؤلفة في هذا النوع.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) انظر قول أبي بكر الباقلاني في كتابه «إعجاز القرآن» ص ٣٥ فصل في جملة وجوه إعجاز القرآن ، الوجه الثالث

(٥) انظر قوله هذا في إعجاز القرآن ص ١١١ ـ ١١٢ ، فصل في ذكر البديع من الكلام. بتصرف.

(٦) في المخطوطة (الذي).

(٧) في المخطوطة (بالعلم).

(٨) في المخطوطة (به).

(٩) في المخطوطة (ووصف).

(١٠) في المخطوطة (المسلك).

(١١) انظر إعجاز القرآن ص ٢٦٠ ، فصل فيما يتعلق به الإعجاز.

٢٣٠

الكلام القائم بالذات؟ أو غيره؟ قلنا (١) : الذي تحدّاهم به (٢) [أن يأتوا على الحروف التي هي نظم القرآن منظومة حكمها ، متتابعها كتتابعها ، مطّردة كاطّرادها ، ولم يتحدّهم إلى] (٢) أن يأتوا بالكلام القديم الذي لا مثل له».

وقال بعض الأئمة : ليس الإعجاز المتحدّى به إلا في النظم ، لا في المفهوم؟ لأن المفهوم لم يمكن الإحاطة به ، ولا الوقوف على حقيقة المراد (٣) منه ، فكيف يتصور أن يتحدّى بما لا يمكن الوقوف عليه ، إذ هو يسع (٤) كل شيء فأي شيء قوبل به ادّعى أنه غير المراد ، ويتسلسل!

(التاسع) : أنه شيء لا يمكن التعبير عنه ، وهو اختيار السّكاكيّ (٥) حيث قال في «المفتاح» : «واعلم أن شأن الإعجاز يدرك ولا يمكن وصفه ، كاستقامة الوزن تدرك (٦) ولا يمكن وصفها ، وكالملاحة. وكما يدرك طيب النغم العارض لهذا الصوت (٧) ، ولا طريق إلى تحصيله لغير (٨) ذوي الفطر السليمة إلاّ بإتقان علمي المعاني والبيان والتمرّن فيهما (٩)».

وقال أبو حيان التوحيدي (١٠) في «البصائر» : «لم أسمع كلاما ألصق بالقلب ، وأعلق بالنفس من فصل تكلّم به بندار بن الحسين الفارسي (١١) ـ وكان بحرا في العلم ـ وقد سئل عن

__________________

(١) في إعجاز القرآن : قيل.

(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٣) عبارة المخطوطة (على حقيقته والمراد).

(٤) في المخطوطة (مع) بدل (هو يسع).

(٥) هو يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي أبو يعقوب السكاكي تقدمت ترجمته في ١ / ١٦٣. وانظر قوله في كتابه مفتاح العلوم ص ٤١٦ ، بتصرف.

(٦) في المخطوطة (يدرك).

(٧) في المخطوطة (العيوب).

(٨) في المخطوطة (بغير).

(٩) في المخطوطة (فيها).

(١٠) هو علي بن محمد بن العباس أبو حيان التوحيدي تقدمت ترجمته في ١ / ٣٤٢. وكتابه «البصائر» تقدم التعريف به في ١ / ٤١٤.

(١١) هو بندار بن الحسين الشيرازي أبو الحسين الشافعي ، شيخ الصوفية ، القدوة. صحب الشبلي ، وكان ذا أموال فأنفقها وتزهّد ، وله معرفة في الكلام والنظر ، وهو خادم الإمام أبي الحسن الأشعري ، قال الخطيب : «كان بندار من أهل الفضل المتميزين بالمعرفة والعلم» وكان عالما بالأصول. ت ٣٥٣ ه‍ (السبكي ، طبقات الشافعية ٢ / ١٩٠).

٢٣١

موضع الإعجاز من القرآن فقال : هذه مسألة فيها حيف (١) على [المفتى] (٢) ، وذلك أنه شبيه بقولك : ما موضع الإنسان من الإنسان؟ فليس للإنسان موضع من الإنسان ؛ بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته ، ودللت على ذاته ، كذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء منه إلاّ وكان ذلك المعنى آية في نفسه ، ومعجزة لمحاوله ، وهدى لقائله ؛ وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كلامه وأسراره في كتابه ، فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده».

(العاشر) : وهو قول حازم (٣) في «منهاج البلغاء» : «إن الإعجاز فيه من حيث استمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها (٤) في جميعه استمرارا لا توجد له فترة ، ولا يقدر عليه أحد من البشر ، وكلام العرب ومن تكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلا في الشيء اليسير المعدود ، ثم تعرض الفترات الإنسانية ، فتقطع (٥) طيب الكلام ورونقه ، فلا تستمر لذلك (٦) الفصاحة في جميعه ، بل توجد في تفاريق وأجزاء منه ، والفترات في الفصاحة تقع للفصيح ، إما بسهو يعرض له في الشيء من غير أن يكون جاهلا به ، أو من جهل به ، أو من سآمة تعتري فكره ، أو من [٩١ / ب] هوى للنفس يغلب عليها فيما يحوش عليها خاطره ، من اقتناص المعاني سمينا كان أو غثّا ، فهذه آفات لا يخلو منها الإنسان الفاضل والطبع الكامل ، وهو قريب مما ذكره ابن الزّملكاني وابن عطية (٧)».

(الحادي عشر) : قال الخطّابي (٨) في كتابه ـ وإليه ذهب الأكثرون من علماء

__________________

(١) في المخطوطة (حرف).

(٢) ساقطة من المخطوطة.

(٣) هو الإمام حازم القرطاجني تقدم التعريف به وبكتابه في ١ / ١٥٥.

(٤) في المخطوطة (حالاتها).

(٥) في المخطوطة (فقطع).

(٦) في المخطوطة (يستمر كذلك) بدل (تستمر لذلك).

(٧) انظر مقدمة تفسيره المحرر الوجيز ١ / ٧١ ، نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن.

(٨) هو حمد بن محمد أبو سليمان الخطابي تقدمت ترجمته في ١ / ٣٤٣. وكتابه «بيان إعجاز القرآن» طبع بتحقيق د. عبد العليم ١٣٧٢ ه‍ / ١٩٥٣ م دلهي ـ الهند ، وطبع بتحقيق عبد الله الصديق الغماري بدار التأليف في القاهرة عام ١٣٧٢ ه‍ / ١٩٥٣ م ، وطبع بتحقيق محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام بدار المعارف القاهرة عام ١٣٧٤ ه‍ / ١٩٥٥ م (معجم المنجد ١ / ١٢٤ ، معجم مصنفات القرآن ١ / ١٥١ و ١ / ١٥٢).

٢٣٢

النظر ـ : «إنّ وجه الإعجاز فيه من جهة (١) البلاغة ، لكن لما صعب عليهم تفصيلها صغوا (٢) فيه إلى حكم الذوق والقبول عند النفس». قال : «والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة ، ومراتبها في درجة البيان متفاوتة ، فمنها البليغ (٣) الرصين الجزل ، ومنها الفصيح القريب السهل ، ومنها الجائز الطلق الرّسل (٤) ، وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود. فالقسم الأول أعلاه ، والثاني أوسطه ، والثالث أدناه وأقربه ، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصّة ، وأخذت من كل نوع شعبة ، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف [نمط] (٥) من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة ، وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادّين ؛ لأن العذوبة نتاج السهولة ، والجزالة والمتانة يعالجان نوعا من الوعورة (٦) ؛ فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبوّ كلّ منهما عن (٧) الآخر فضيلة خصّ بها القرآن ، ليكون آية بيّنة لنبيه.

وإنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور :

منها أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف المعاني ، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على [تلك] (٨) الألفاظ ، ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض ، فيتوصلوا (٩) باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها ، إلا أن يأتوا بكلام مثله.

وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة : لفظ حامل ، ومعنى به قائم ، ورباط لهما ناظم. وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة ؛ حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه ، ولا ترى نظما أحسن تأليفا وأشد تلاؤما (١٠) وتشاكلا من نظمه. وأما معانيه ، فكل ذي لبّ يشهد له بالتقديم في أبوابه ، والرقي في (١١) أعلى درجاته. وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام ، وأما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير.

__________________

(١) في المخطوطة (حجة).

(٢) في المخطوطة (وضعوا).

(٣) في المخطوطة (التبليغ).

(٤) في المخطوطة (المرسل).

(٥) زيادة من «البيان» لصحة المعنى.

(٦) في المخطوطة (الدعوى).

(٧) في المخطوطة (من).

(٨) ساقطة من المخطوطة.

(٩) في المخطوطة (فيتوصل).

(١٠) اضطربت في المخطوطة.

(١١) في المخطوطة (إلى).

٢٣٣

فخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف ، مضمّنا أصحّ المعاني ، من توحيد الله تعالى وتنزيهه في صفاته ، ودعاء (١) إلى طاعته ، وبيان لطريق عبادته في تحليل وتحريم ، وحظر وإباحة ، ومن وعظ وتقويم ، وأمر بمعروف ونهي عن منكر ، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق ، وزجر عن مساويها ، واضعا (٢) كلّ شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه ، ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه ، مودعا أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن عصى وعاند منهم ، منبئا عن الكوائن المستقبلة في (٣) الأعصار الماضية من الزمان ، جامعا في ذلك بين الحجة والمحتجّ له ، والدليل (٤) والمدلول عليه ، ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا إليه ، وإنباء عن وجوب ما أمر به ونهى عنه.

ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور ، والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق ، أمر تعجز عنه قوى البشر ، ولا تبلغه قدرتهم ، فانقطع الخلق دونه ، وعجزوا عن معارضته بمثله ، ومناقضته (٥) في شكله ، ثم صار المعاندون له يقولون مرة : إنه شعر لمّا رأوه منظوما ، ومرّة إنه سحر لما رأوه معجوزا عنه ، غير مقدور عليه. [وقد] (٦) كانوا [٩٢ / أ] يجدون له وقعا في القلب ، وقرعا في (٧) النفس ، يريبهم ويحيرهم (٧) ، فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعا من الاعتراف ، ولذلك (٨) قالوا : إن له لحلاوة (٩) ، وإن عليه لطلاوة. وكانوا مرة لجهلهم [وحيرتهم] (١٠) يقولون : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفرقان : ٥) مع علمهم أن صاحبهم أمّيّ وليس بحضرته من يملي أو يكتب شيئا ؛ ونحو ذلك من الأمور التي أوجبها العناد والجهل والعجز.

وقد حكى الله [تعالى] (١١) عن بعض مردتهم ، وهو الوليد بن المغيرة المخزومي (١٢) ،

__________________

(١) في المخطوطة (ودعا).

(٢) في المخطوطة (ووضع).

(٣) في المخطوطة (وفي).

(٤) في المخطوطة (فالدليل).

(٥) في المخطوطة (أو مناقضته).

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) عبارة المخطوطة (النفوس ترميهم وتخيرهم).

(٨) في المخطوطة (وكذلك).

(٩) في المخطوطة (حلاوة).

(١٠) ساقطة من المخطوطة.

(١١) ليست في المخطوطة.

(١٢) هو عدو الله الوليد بن المغيرة بن عبد الله المخزومي كان من كبار المعاندين لدين الله أحد رؤساء قريش

٢٣٤

أنه لما طال فكره في القرآن وكثر ضجره منه ، وضرب (١) له الأخماس من رأيه في الأسداس (٢) ، فلم يقدر على أكثر من قوله : (إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ) (المدثر : ٢٥) عنادا وجهلا به ، وذهابا عن الحجة ، وانقطاعا دونها.

ثم اعلم أن عمود البلاغة التي تجتمع لها هذه الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به ، الذي إذا أبدل مكانه غيره جاء منه ، إما تبدل (٣) المعنى الذي يفسد به الكلام ، أو إذهاب الرونق الذي تسقط به البلاغة ، وذلك أن في الكلام ألفاظا مترادفة متقاربة المعاني في زعم أكثر الناس ، كالعلم والمعرفة ، والشح والبخل ، والنعت والصفة ، وكذا بلى ونعم ، ومن وعن ، ونحوها من الأسماء والأفعال والحروف ؛ والأمر فيها عند الحذاق بخلاف ذلك ، لأن (٤) كل لفظة منها خاصة تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها ، وإن اشتركا في بعضها.

ولهذا قال أبو العالية (٥) في قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (الماعون : ٥) إنه الذي ينصرف ولا يدري عن شفع أو وتر ، فردّ عليه الحسن بأنه لو كان كذلك لقال : «الّذين هم في صلاتهم» فلم يفرّق أبو العالية بين «في» ، و «عن» حتى تنبّه له الحسن وقال : المراد به إخراجها عن وقتها.

(فإن قيل) : فهلاّ جعل في كل سورة نوعا من الأنواع؟ (قيل) : إنما أنزل القرآن على هذه الصفة من جمع أشياء مختلفة المعاني في السورة الواحدة ، وفي الآي المجموعة القليلة العدد ، ليكون أكثر لفائدته ، وأعمّ لمنفعته ، ولو كان لكل باب منه قبيل ، ولكل معنى سورة مفردة ، لم تكثر [عائدته] (٦) ، ولكان (٧) الواحد من الكفار المنكرين والمعاندين إذا سمع

__________________

لعنه الله فعن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : «دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر فسأله عن القرآن فلما أخبره خرج على قريش فقال يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة فو الله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي من الجنون وإن قوله لمن كلام الله» وقد أتاه أبو جهل لعنه الله إثر مقالته ليحرضه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما فكّر قال : إن هذا إلا سحر يؤثره عن غيره ، فنزلت (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) [المدّثّر : ١١] (ابن كثير ، التفسير ٤ / ٤٧٢).

(١) في المخطوطة (وضربه).

(٢) في المخطوطة (الأخماس).

(٣) في المخطوطة (تبديل).

(٤) في المخطوطة (وإن).

(٥) الرياحي تقدم التعريف به في ١ / ٢٩٩.

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) في المخطوطة (ولو كان).

٢٣٥

السورة لا تقوم (١) عليه الحجة به إلا في النوع الواحد الذي تضمنته السورة الواحدة فقط ، وكان في اجتماع المعاني الكثيرة في السورة الواحدة أوفر حظا ، وأجدى نفعا من التخيير لما ذكرناه.

قال الخطّابي : «وقلت : في إعجاز القرآن وجها ذهب عنه الناس وهو صنيعه بالقلوب ، وتأثيره في النفوس ، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ، ومن الروعة والمهابة في حال (٢) أخرى ما يخلص منه إليه. قال الله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) الآية (٣) (الحشر : ٢١) وقال (٤) تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) الآية (الزمر : ٢٣).

قلت : ولهذا أسلم جبير بن مطعم لما سمع قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للطّور حتى انتهى إلى قوله : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) (الطور : ٧) قال : خشيت أن يدركني العذاب. وفي لفظ : «كاد قلبي يطير فأسلم» (٥). وفي أثر آخر أن عمر لمّا سمع سورة طه (٦) أسلم ، وغير (٧) ذلك. وقد صنف بعضهم كتابا فيمن مات بسماع آية من القرآن.

__________________

(١) في المخطوطة (يقيم).

(٢) في المخطوطة (حالة).

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) في المخطوطة (وقوله).

(٥) في المخطوطة (كاد قلبي يطير) والحديث أخرجه مع ذكر الشاهد سعيد بن منصور وابن سعد (ذكره السيوطي في الدر المنثور ٦ / ١١٨ وأخرجه بأصله ـ دون ذكر الشاهد ـ الشافعي في الأم ٧ / ٢٠٦ ، باب القراءة في المغرب ، والحميدي في المسند ١ / ٢٥٤ ، أحاديث جبير بن مطعم. وأحمد في المسند ٤ / ٨٣ و ٨٥ ، أحاديث جبير بن مطعم ، والبخاري في الصحيح ٢ / ٢٤٧ ، كتاب الأذان (١٠) ، باب الجهر في المغرب (٩٩) ، الحديث (٧٦٥) ، وأخرجه في موضع آخر في ٨ / ٦٠٣ ، كتاب التفسير (٦٥) ، باب (١) ، الحديث (٤٨٥٤) ، باختلاف في الشاهد وهو قوله في هذا الحديث : «... فلما بلغ هذه الآية (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ...) وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩ : كتاب الصلاة ، باب القراءة في الصبح (٣٥) ، الحديث (١٧٤ / ٤٦٣).

(٦) الأثر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ / ٢٦٨ ، باب إسلام عمر رضي‌الله‌عنه.

(٧) في المخطوطة (إلى غير).

٢٣٦

(الثاني عشر) : وهو (١) قول أهل التحقيق (١) : إنّ الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال ، لا بكل [٩٢ / ب] واحد عن انفراده ؛ فإنه جمع كلّه (٢) ، فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع ، بل وغير ذلك مما لم يسبق.

فمنها الروعة التي له في قلوب السامعين وأسماعهم ، سواء المقرّين والجاحدين ، ثم إنّ سامعه إن كان مؤمنا به يداخله روعة في أول سماعه وخشية ، ثم لا [يزال] (٣) يجد في قلبه هشاشة إليه ، ومحبّة [له] (٤). وإن كان جاحدا وجد فيه مع ذلك الروعة نفورا وعيّا ؛ لانقطاع مادته بحسن سمعه.

ـ ومنها أنه لم يزل ولا يزال غضّا طريّا في أسماع السامعين ، وعلى ألسنة القارئين.

ـ ومنها ما ينتشر فيه عند تلاوته من إنزال الله إياه في صورة كلام هو مخاطبة من الله لرسوله تارة ، ومخاطبة أخرى [لخلقه] (٥) لا في صورة كلام يستمليه من نفسه من قد قذف [الوحي] (٦) في قلبه ، وأوحى إليه ما شاء أن يلقيه إلى عباده على لسانه ، فهو يأتي بالمعاني التي ألهمها بألفاظه التي يكسوها إياه ، كما يشاهد من الكتب المتقدمة.

ـ ومنها جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين ، لا يجتمعان غالبا في كلام البشر ؛ لأن الجزالة من الألفاظ التي (٧) لا توجد إلا بما يشوبها من القوة وبعض الوعورة (٨) ، والعذوبة منها ما يضادّها من السلاسة والسهولة ، فمن نحا نحو الصورة الأولى فإنما يقصد الفخامة والروعة في الأسماع ، مثل الفصحاء من الأعراب ، وفحول الشعراء منهم ، ومن نحا نحو الثانية قصد كون الكلام في السماع أعذب وأشهى وألذّ ، مثل أشعار المخضرمين ومن داناهم من المولّدين المتأخرين. وترى ألفاظ القرآن قد جمعت في نظمه كلتا الصفتين ، وذلك من أعظم وجوه البلاغة والإعجاز.

ـ ومنها جعله آخر الكتب غنيا عن غيره ، وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى

__________________

(١) في المخطوطة (قول المحققين) بدل (قول أهل التحقيق).

(٢) في المخطوطة (ذلك).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) في المخطوطة (الذي) بدل (التي لا).

(٨) في المخطوطة (الذعورة).

٢٣٧

بيان يرجع فيه [إليه] (١) ، كما قال تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (النمل : ٧٦).

فصل (٢) في قدر المعجز من القرآن

قال القاضي أبو بكر (٣) : «ذهب عامة أصحابنا ، وهو قول أبي الحسن الأشعري في كتبه ، إلى أن أقلّ ما يعجز عنه من القرآن السورة قصيرة كانت أو طويلة ، أو ما (٤) كان بقدرها. قال : فإذا كانت الآية بقدر حروف سورة وإن كانت كسورة (٥) الكوثر فذلك معجز. قال : ولم يقم دليل على عجزهم عن المعارضة في أقل من هذا القدر.

وذهبت المعتزلة إلى أن كلّ سورة برأسها فهي معجزة. وقد حكي عنهم نحو قولنا ، إلا أن منهم من لم يشترط كون الآية بقدر السورة ، بل شرط الآيات الكبيرة (٦). وقد علمنا أنه تحدّاهم تحدّيا إلى السور كلّها ، ولم يخصّ. ولم يأتوا بشيء منها ، فعلم أن جميع ذلك معجز.

وأما قوله تعالى : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) (الطور : ٣٤) فلا يخالف هذا ؛ لأن الحديث التام لا تتحصل حكايته في أقل من كلمات سورة قصيرة. وهو يؤكد مذهب أصحابنا وإن كان قد يتأوّل قوله : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) على القبيل دون التفصيل.

(فإن قيل) : هل يعرف إعجاز السّور القصار بما يعرف به إعجاز [السور] (٧) الطوال؟ وهل يعرف كل قدر من القرآن بلغ الحدّ الذي قدّرتموه على ما تعرفون به إعجاز سورة البقرة ونحوها؟ (قلنا) : إن أبا الحسن الأشعري قد أجاب عن ذلك بأن كلّ سورة قد علم كونها معجزة بعجز العرب عنها. وسمعت بعض الكبراء من أهل هذا الشأن يقول (٨) : إنّه يصح (٩) أن يكون علم ذلك توقيفا والطريقة الأولى أسدّ (١٠) ، وتظهر فائدتهما في أن الأولى تبين أن ما

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (مسألة).

(٣) انظر إعجاز القرآن للباقلاني ص ٢٥٤ وما بعدها.

(٤) في المخطوطة (أو كان).

(٥) في المخطوطة (سورة).

(٦) في الإعجاز (الكثيرة).

(٧) ليست في المطبوعة.

(٨) في المخطوطة (يقولون).

(٩) في المخطوطة : إن ذلك يصح ...

(١٠) في المخطوطة (أشد).

٢٣٨

علم به كون جميع القرآن معجزا موجود في كل سورة ؛ قصرت أو طالت ، فيجب [٩٣ / أ] أن يكون الحكم في الكلّ واحدا. والأخرى تتضمن تقدير معرفة إعجاز القرآن بالطريق التي (١) سلكناها».

فصل (٢)

اعلم أنه سبحانه تحدّاهم أولا في الإتيان بمثله ، فقال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء : ٨٨) ثم تحدّاهم بعشر سور منه وقطع عذرهم بقوله : (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) (هود : ١٣) وإنما قال : (مُفْتَرَياتٍ) من أجل أنهم قالوا : لا علم (٣) لنا بما فيه من الأخبار الخالية ، والقصص البالغة ، فقيل لهم : (مُفْتَرَياتٍ) إزاحة لعللهم ، وقطعا لأعذارهم ، فعجزوا ، فردّهم من العشر إلى سورة واحدة (٤) من مثله ، مبالغة في التعجيز لهم ، فقال (٥) : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (البقرة : ٢٣) أي يشهدون لكم أنها في نظمه وبلاغته وجزالته ، فعجزوا.

فقال تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) (البقرة : ٢٤) مبالغة في التعجيز وإفحاما لهم (فَاتَّقُوا النَّارَ) (البقرة : ٢٤) وهذه مبالغة في الوعيد ، مع أن اللغة لغتهم ، والكلام كلامهم ، وناهيك بذلك أن الوليد بن المغيرة (٦) لعنه الله كان سيّد قريش ، وأحد فصحائهم لما سمعه أخرس لسانه ، وبلد جنانه ، وأطفئ بيانه ، وقطعت (٧) حجّته ، وقصم ظهره ، وظهر (٨) عجزه ، وذهل (٩) عقله ، حتى قال (١٠) : «قد عرفنا الشعر كلّه هزجه ورجزه وقريضه ،

__________________

(١) في المخطوطة (الذي).

(٢) في المخطوطة (مسألة).

(٣) في المخطوطة (نعلم).

(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (لما سورة) بدل (إلى سورة واحدة).

(٥) في المخطوطة (قال تعالى).

(٦) تقدم الكلام عنه في ٢ / ٢٣٤.

(٧) في المخطوطة (وقطع).

(٨) في المخطوطة (وأظهر).

(٩) في المخطوطة (وأذهل).

(١٠) انظر السيرة النبوية لابن هشام ١ / ٢٧٠ ، باب تحير الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن.

٢٣٩

ومقبوضه ومبسوطه ، فما [هو] (١) بالشعر! قالت له قريش : فساحر؟ قال : وما هو بساحر ، قد رأينا السّحّار وسحرهم ، فما هو بنفثه ولا عقده ، والله إن لقوله لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدق ، وإن أعلاه لمثمر ، وإنه ليعلو ولا يعلى ، سمعت قولا يأخذ القلوب.

قالوا : مجنون ، قال : لا والله ما هو بمجنون ، ولا بخنقه ولا بوسوسته (٢) ولا رعشته ، قالوا : كاهن. قال : قد رأينا الكهّان فما هو بزمزمة [الكهّان] (٣) ولا بسجعهم. ثم حملته الحميّة فنكص على عقبيه وكابر حسّه (٤) فقال : (إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ) (المدثر : ٢٤ و ٢٥).

(مسألة) التحدّي إنما وقع للإنس دون الجن ، [لأن الجنّ] (٥) ليسوا من أهل اللسان العربي الذي جاء القرآن على أساليبه ؛ وإنما ذكروا في قوله [تعالى] (٦) (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) (٧) [عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً] (٧) (الإسراء : ٨٨) تعظيما لإعجازه ، لأن الهيئة الاجتماعية لها من القوة ما ليس للأفراد ، فإذا فرض اجتماع جميع الإنس والجن ، وظاهر بعضهم بعضا ، وعجزوا عن المعارضة كان الفريق الواحد أعجز ، ونظيره في الفقه تقدّم (٨) الأخ الشقيق على الأخ للأب في ولاية النكاح ؛ مع أن الأمومة ليس لها مدخل في النكاح.

فصل (٩) في أنه هل يعلم إعجاز القرآن ضرورة

قال القاضي (١٠) : «ذهب أبو الحسن الأشعري إلى أن ظهور ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعلم ضرورة ، وكونه معجزا يعلم بالاستدلال ، وهذا المذهب يحكى عن المخالفين. والذي نقوله : إن الأعجمي لا يمكنه أن يعلم إعجازه إلا استدلالا ، وكذلك من ليس ببليغ ، فأما البليغ الذي أحاط بمذاهب العرب وغرائب الصنعة ، فإنه يعلم من نفسه ضرورة عجزه وعجز غيره عن الإتيان بمثله».

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (سوسته).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (سحة).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) تمام الآية ليس في المطبوعة.

(٨) في المخطوطة (يقدم).

(٩) في المخطوطة (مسألة).

(١٠) انظر إعجاز القرآن للباقلاني ص ٢٥٩.

٢٤٠