البرهان في علوم القرآن - ج ٢

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٢

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ [وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ]) (١) (الأنعام : ١٤١) إلى قوله : (مُتَشابِهاً) ، وهو على اشتباكه (٢) غير متشابه. وكذلك سياق معاني القرآن العزيز قد تتقارب المعاني ويتقدم الخطاب بعضه على بعض ، ويتأخر بعضه عن بعض ؛ لحكمة الله [تعالى] في ترتيب الخطاب والوجود ، فتشتبك المعاني وتشكل إلاّ على أولي الألباب ، فيقال في هذا الفن متشابه بعضه ببعض.

وأما المتشابه من القرآن العزيز فهو يشابه بعضه بعضا في الحق والصدق والإعجاز والبشارة والنذارة وكلّ ما جاء به وأنه من عند الله ، [فذمّ] (٣) سبحانه الذين يتبعون ما تشابه منه عليهم افتنانا وتضليلا ، فهم بذلك يتّبعون ما تشابه [منه] (٤) عليهم تناصرا وتعاضدا للفتنة والإضلال.

تفريعات

الأول : الأشياء [التي] (٥) يجب ردّها عند الإشكال إلى أصولها.

فيجب ردّ المتشابهات في الذات والصفات إلى محكم (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١).

ورد المتشابهات في الأفعال إلى قوله : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) (الأنعام : ١٤٩).

وكذلك الآيات الموهمة نسبة الأفعال لغير الله [تعالى] من الشيطان والنفس ، تردّ إلى محكم قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (الأنعام : ١٢٥).

وما كان [من] (٥) ذلك عن تنزل الخطاب ، أو ضرب مثال ، أو عبارة عن مكان [أو زمان] (٥) أو معيّة ، أو ما يوهم التشبيه ، فمحكم ذلك قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١) وقوله : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (النحل : ٦٠) وقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (الإخلاص : ١).

ومنه ضرب في تفصيل ذكر النبوة ووصف (٦) إلقاء الوحي ، ومحكمه قوله تعالى : (إِنَّا

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) في المخطوطة اشتباهه.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (وفضل).

٢٠١

نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر : ٩) وقوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) (النّجم : ٣).

ومنه ضرب في الحلال والحرام ، ومن ثم اختلف الأئمة في كثير من الأحكام بحسب فهمهم لدلالة القرآن.

ومنه شيء يتقارب فيه بين اللّمتين : لمّة الملك ولمّة الشيطان لعنه الله ، ومحكم ذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ...) (النحل : ٩٠) الآية ، ولهذا قال عقبه : (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل : ٩٠) أي عند ما يلقى العدو الذي لا يأمر بالخير بل بالشرّ والإلباس.

ومنه الآيات التي اختلف المفسرون [٨٦ / ب] فيها على أقوال كثيرة تحتملها الآية ، ولا يقطع على واحد من الأقوال ، وأنّ مراد الله منها غير معلوم لنا مفصّلا بحيث يقطع به.

الثاني : أنّ هذه الآية من المتشابه ـ أعني قوله : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) الآية (آل عمران : ٧) من حيث تردّد الوقف فيها بين أن يكون على (إِلاَّ اللهُ) وبين أن يكون على (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) (آل عمران : ٧) ، وتردّد الواو في (وَالرَّاسِخُونَ) بين الاستئناف والعطف ، ومن ثم ثار الخلاف في ذلك.

فمنهم من رجّح أنها للاستئناف ، وأن الوقف على (إِلاَّ اللهُ) وأنّ الله تعبّد من كتابه بما لا يعلمون ـ وهو المتشابه ـ كما تعبّدهم من دينه بما لا يعقلون ـ وهو التعبدات ـ ولأن قوله : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) متردّد بين كونه حالا فضلة ، وخبرا عمدة. والثاني أولى.

ومنهم من رجّح أنها للعطف ؛ لأنّ الله تعالى لم يكلّف الخلق بما لا يعلمون ؛ وضعّف الأول ، لأن الله لم ينزل شيئا من القرآن (١) إلا لينتفع به عباده ؛ ويدلّ به على معنى أراده ، فلو كان المتشابه لا يعلمه غير [الله] (٢) للزمنا ، ولا يسوغ لأحد أن يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يعلم المتشابه ؛ فإذا جاز أن يعرفه الرسول مع قوله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ) (آل عمران : ٧) جاز أن يعرفه الربانيون من صحابته ، والمفسّرون من أمته. ألا ترى أن ابن

__________________

(١) في عبارة المخطوطة زيادة وهي : (إلا لمنافع الخلق).

(٢) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.

٢٠٢

عباس كان يقول : «أنا من الراسخين في العلم» (١) ؛ ويقول عند قراءة قوله في أصحاب الكهف : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ) (الكهف : ٢٢) «أنا من أولئك القليل» (٢).

وقال مجاهد في قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (آل عمران : ٧) يعلمونه و (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) (آل عمران : ٧) ولو لم يكن للراسخين في العلم حظّ من المتشابه إلا أن يقولوا : (آمَنَّا) لم يكن لهم فضل على الجاهل ؛ [و] (٣) لأن الكلّ قائلون ذلك ، ونحن لم نر المفسرين إلى هذه الغاية توقّفوا عن شيء من القرآن فقالوا : هو متشابه لا يعلمه إلاّ الله ، بل أمرّوه على التفسير ، حتى فسّروا الحروف المقطعة.

(فإن قيل) : كيف يجوز في اللغة أن يعلم الراسخون ، والله يقول : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) وإذا أشركهم في العلم انقطعوا عن قوله : (يَقُولُونَ) لأنه ليس هنا عطف حتى يوجب للراسخين فعلين؟ (قلنا) : إنّ (يَقُولُونَ) هنا في معنى الحال كأنه قال :

(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) قائلين آمنا [به] (٤) ؛ كما قال الشاعر : (٥)

الرّيح تبكي شجوها

والبرق يلمع في غمامه

أي لامعا. (وقيل) المعنى «يعلمون ويقولون» فحذف واو العطف كقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) (القيامة : ٢٢) والمعنى يقولون علمنا وآمنّا ؛ لأن الإيمان قبل العلم محال إذ لا يتصور الإيمان مع الجهل وأيضا لو لم يعلموها لم يكونوا من الراسخين ، ولم يقع الفرق بينهم وبين الجهال.

__________________

(١) الأثر أخرجه الطبري في التفسير ٣ / ١٢٢ عند تفسير الآية من سورة آل عمران ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٧ وعزاه أيضا لابن المنذر وابن الأنباري.

(٢) الأثر أخرجه الطبري في التفسير ١٥ / ١٥٠ عند تفسير الآية (٢٢) من سورة الكهف ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٤ / ٢١٧ وعزاه أيضا لعبد الرزاق ، والفريابي ، وابن سعد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وللطبراني في «الأوسط».

(٣) ساقط من المطبوعة.

(٤) ساقط من المطبوعة.

(٥) هو يزيد بن زياد بن ربيعة الملقب بمفرغ الحميري أبو عثمان توفي سنة (٦٩ ه‍) ذكره أبو الفرج في الأغاني ١٧ / ٥١ ـ ٥٢ ، والبيت في ديوانه ص ٢٠٨ القصيدة رقم (٥١) قالها في محنته ، ومطلعها «أصرمت حبلك» ورواية الديوان للبيت (فالريح) ثم (الغمامة).

٢٠٣

الثالث : ومن هذا الخلاف نشأ الخلاف في أنه : هل في القرآن شيء لا تعلم الأمة تأويله؟ قال الرّاغب (١) في مقدمة «تفسيره» : وذهب عامة المتكلّمين إلى أن كلّ القرآن يجب أن يكون معلوما ، وإلا لأدى (٢) إلى إبطال فائدة الانتفاع به ، وحملوا قوله : (وَالرَّاسِخُونَ) بالعطف على قوله : (إِلاَّ اللهُ) ، وقوله : (يَقُولُونَ) جملة حالية.

قال : ذهب كثير من المفسّرين إلى أنه يصح أن يكون في القرآن بعض ما لا يعلم تأويله إلاّ (٣) الله ، قال ابن عباس : «أنزل الله القرآن على أربعة أوجه : حلال وحرام ، ووجه لا يسع أحدا جهالته ، ووجه تعرفه العرب ، ووجه تأويل لا يعلمه إلا الله» (٤).

وقال بعضهم : المتشابه اسم لمعنيين : (أحدهما : لما التبس من المعنى لدخول شبهه بعضه في بعض ، نحو قوله : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا ...) الآية (البقرة : ٧٠). (والثاني) : اسم لما يوافق بعضه بعضا ، ويصدّقه قوله تعالى : (كِتاباً مُتَشابِهاً) [٨٧ / أ](مَثانِيَ ...) الآية (الزمر : ٢٣).

فإن كان المراد بالمتشابه في القرآن الأول فالظاهر أنه لا يمكنهم الوصول إلى مراده ، وإن جاز أن يطلعهم عليه بنوع (٥) من لطفه ؛ لأنه (٥) اللطيف الخبير. وإن كان المراد الثاني جاز أن يعلموا مراده.

الرابع : (قيل) : ما الحكمة في إنزال المتشابه ممن أراد لعباده البيان والهدى؟

(قلنا) : إن كان ممن يمكن علمه فله فوائد ، منها : ليحثّ العلماء على النظر الموجب للعلم

__________________

(١) هو أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب الأصفهاني تقدم في ١ / ٢١٨ ، «وتفسيره» ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ٤٤٧ ، ومقدمة تفسيره طبعت باسم : «مقدمة تفسير الراغب الأصفهاني» بذيل كتاب تنزيه القرآن عن المطاعن ، في القاهرة بالمطبعة الجمالية ١٣٢٩ ه‍ / ١٩١١ م (معجم سركيس : ٩٢٣) ، ويحققه مؤخرا أحمد حسن فرحات (أخبار التراث العربي ٤ / ٢٤).

(٢) في المخطوطة (وإلا أدى).

(٣) تصحفت في المطبوعة إلى : «إلى».

(٤) أخرجه الطبري في «مقدمة تفسيره» ١ / ٢٦ القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب ، وذكره السيوطي في جمع الجوامع ١ / ١٥٦ وعزاه أيضا لأبي نصر السجزي ، ولابن المنذر ، ولابن الأنباري.

(٥) في المخطوطة تصحفت إلى (من لفظه لأن اللطيف).

٢٠٤

بغوامضه ، والبحث عن دقائق معانيه ، فإن استدعاء الهمم لمعرفة ذلك من أعظم القرب ، وحذرا مما قال المشركون : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) (الزخرف : ٢٢) ، وليمتحنهم ويثيبهم كما قال : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ...) الآية (الروم : ٢٧) وقوله (١) : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (سبأ : ٤) فنبّههم على أن أعلى المنازل هو الثواب ، فلو كان القرآن كلّه محكما لا يحتاج إلى تأويل لسقطت المحنة ، وبطل التفاضل ، واستوت منازل الخلق ، ولم يفعل الله ذلك ، بل جعل بعضه محكما ليكون أصلا للرجوع إليه ، وبعضه متشابها يحتاج إلى الاستنباط والاستخراج وردّه إلى المحكم ، ليستحقّ بذلك الثواب الذي هو الغرض ، وقد قال تعالى : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران : ١٤٢)

ومنها : إظهار فضل العالم على الجاهل ، ويستدعيه علمه إلى المزيد في الطلب في تحصيله ، لتحصل له درجة الفضل ، والأنفس الشريفة تتشوّف لطلب العلم وتحصيله.

وأمّا إن كان ممن لا يمكن علمه فله فوائد ، منها : إنزاله ابتلاء وامتحانا بالوقف فيه والتعبّد بالاشتغال من جهة التلاوة وقضاء فرضها ، وإن لم يقفوا على ما فيها من المراد الذي يجب العمل (٢) به ، اعتبارا بتلاوة المنسوخ من القرآن وإن لم يجز العمل بما فيه من الحكم (٣). ويجوز أن يمتحنهم بالإيمان بها (٤) [وإن لم يقفوا على حقيقة المراد ، فيكون هذا نوع امتحان ، وفي ذلك هدم لمذهب الاعتزال] (٤) حيث ادّعوا وجوب رعاية الأصلح.

ومنها : إقامة الحجة [بها] (٥) عليهم ؛ وذلك إنما نزل بلسانهم ولغتهم ، ثم عجزوا عن الوقوف على ما فيها مع بلاغتهم وأفهامهم ؛ فيدلّ على أن الذي أعجزهم عن الوقوف هو الذي أعجزهم عن تكرر الوقوف عليها ، وهو الله سبحانه.

الخامس : أثار بعضهم سؤالا وهو : هل للمحكم مزيّة على المتشابه بما يدل عليه ، أو هما سواء؟ والثاني خلاف الإجماع ، والأول ينقض أصلكم أن جميع كلامه سبحانه سواء ، وأنه نزل بالحكمة. وأجاب أبو عبد الله محمد بن أحمد البكرآباذي بأن المحكم كالمتشابه من

__________________

(١) تصحفت في المخطوطة إلى (إلى قوله).

(٢) في المخطوطة (العلم).

(٣) في المطبوعة (من المحكم).

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٥) ساقطة من المخطوطة.

٢٠٥

وجه ، ويخالفه من وجه ، فيتفقان في أنّ الاستدلال بهما لا يمكن إلا بعد معرفة حكمة الواضع ، وأنه لا يختار القبيح. ويختلفان في أن المحكم بوضع اللغة لا يحتمل إلا الوجه الواحد ، فمن سمعه أمكنه أن يستدلّ (١) به في الحال (١) ، والمتشابه يحتاج إلى ذكر مبتدا ونظر مجدّد عند (٢) سماعه ليحمله على الوجه المطابق ؛ ولأن المحكم اصل ، والعلم بالأصل أسبق ، ولأن المحكم يعلم مفصّلا ، والمتشابه لا يعلم إلا مجملا.

(فإن قيل) إذا كان المحكم بالوضع كالمتشابه ، وقد قلتم إنّ من حق هذه اللغة أن يصحّ فيها الاحتمال ويسوغ التأويل ، فبما يميّز المحكم في أنّه لا بدّ له من مزية ، سيما والناس قد اختلفوا فيهما كاختلافهم في المذاهب ، فالمحكم عند السّنّيّ متشابه عند القدريّ؟ (فالجواب) أنّ الوجه الذي أوردته يلجئ (٣) إلى الرجوع إلى العقول (٣) فيما يتعلق بالتفريد والتنزيه ، فإن العلم بصحة خطابه يفتقر إلى العلم بحكمته ، وذلك يتعلق بصفاته ، فلا بدّ من تقدم معرفته ليصح له مخرج كلامه ، فأما في [٨٧ / ب] الكلام فيما يدلّ على الحلال والحرام فلا بدّ من مزية للمحكم ، وهو أن يدلّ ظاهره على المراد أو يقتضي بالضمانة أنّه مما لا يحتمل الوجه الواحد.

وللمحكم في باب الحجاج عند غير المخالف مزية ، لأنه يمكن أن يبين له أنه مخالف للقرآن ، وأنّ ظاهر المحكم يدل على خلاف ما ذهب إليه ، وإن تمسّك بمتشابه القرآن ، وعدل عن محكمه ، لما أنه تمسّك بالشبه العقلية وعدل عن الأدلّة السمعية ، وذلك لطف وبعث على النظر ، لأن المخالف المتديّن يؤثر ذلك ليتفكر فيه ويعمل ، فإنّ اللغة وإن توقفت محتملة ، ففيها ما يدل ظاهره على أمر واحد ، وإن جاز صرفه إلى غيره بالدليل ، ثم يختلف ، ففيه ما يكره صرفه لاستبعاده في اللغة.

__________________

(١) في المخطوطة (في الحال به).

(٢) في المخطوطة (عن).

(٣) في المخطوطة (يرجي إلى الرجوع إلى القبول).

٢٠٦

النوع السابع والثلاثون

في حكم الآيات المتشابهات

الواردة في الصّفات (١)

وقد اختلف الناس في الوارد منها في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق : (أحدها) أنّه لا مدخل للتأويل فيها ؛ بل تجرى على ظاهرها ، ولا تؤوّل شيئا منها ، وهم المشبّهة. (والثاني) أنّ لها تأويلا ، ولكنا نمسك (٢) عنه ، مع تنزيه اعتقادنا عن الشّبه والتعطيل ، ونقول : لا يعلمه إلا الله ؛ وهو قول السّلف. (والثالث) أنها مؤولة ، وأوّلوها على ما يليق به. والأول باطل ، والأخيران منقولان عن الصحابة ، فنقل الإمساك عن أم سلمة أنها سئلت عن الاستواء فقالت : «الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة» (٣). وكذلك سئل عنه مالك فأجاب بما قالته أمّ سلمة ، إلاّ أنه زاد فيها «أن من عاد إلى هذا السؤال عنه أضرب عنقه» (٤). وكذلك سئل سفيان الثوري فقال : [أفهم] (٥) من قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) (٥) [ما أفهم من قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (فصلت : ١١) وسئل الأوزاعيّ عن تفسير هذه الآية فقال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)] (٥) كما قال ، وإني لأراك ضالا. وسئل [إسحاق] (٦) بن راهويه عن

__________________

(١) للتوسع في هذا النوع راجع مصادر النوعين السابقين.

(٢) في المخطوطة (ولكنا في غنا عنه).

(٣) الأثر أخرجه اللالكائي في كتاب «السنة» ٣ / ٣٩٧ في سياق ما روي في قوله تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) ونص الرواية : (قالت : الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإقرار به إيمان ، والجحود به كفر).

(٤) قول الإمام مالك أخرجه اللالكائي في كتاب «السنة» ٣ / ٣٩٨ وليس في رواية اللالكائي الزيادة المذكورة «أن من عاد إلى هذا ...».

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) ليست في المطبوعة.

٢٠٧

الاستواء ، أقائم هو أم قاعد؟ فقال : «لا يملّ عن القيام حتى يقعد ، ولا يملّ عن القعود حتى يقوم ، وأنت إلى غير هذا السؤال أحوج».

قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : «وعلى هذه الطريقة مضى صدر الأمة وسادتها ، وإياها اختار أئمة الفقهاء وقادتها ، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه ، ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدف عنها ويأباها» (١). وأفصح الغزاليّ عنهم في غير موضع بنهجين ما سواها حتى ألجم آخرا في «إلجامه» كلّ عالم أو عامّيّ عما عداها. قال : وهو كتاب «إلجام العوام عن علم الكلام» (٢) [وهو] (٣) آخر تصانيف الغزالي مطلقا ، [أو] (٣) آخر تصانيفه في أصول الدين ، حثّ فيه على مذاهب السلف ومن تبعهم.

وممن نقل عنه التأويل عليّ ، وابن مسعود ، وابن عباس وغيرهم.

وقال الغزاليّ في كتاب «التفرقة بين الإسلام والزندقة» (٤) : إن الإمام أحمد أوّل في ثلاثة مواضع ، وأنكر ذلك عليه بعض المتأخرين.

(قلت) : وقد حكى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى (٥) تأويل أحمد في قوله تعالى : (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) (الأنعام : ١٥٨) قال : وهل هو إلا أمره ، بدليل قوله : (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) (النحل : ٣٣)

واختار ابن برهان (٦) وغيره من الأشعرية التأويل ، قال : ومنشأ الخلاف بين الفريقين :

__________________

(١) قول ابن الصلاح نقله مرعي بن يوسف الكرمي في أقاويل الثقات ص ٦٦.

(٢) طبع في الآستانة ١٢٨٧ ه‍ / ١٨٧٠ م ، وفي الهند مدراس ١٣٠٦ ه‍ / ١٨٨٤ م ، وفي مصر مطبعة المدارس ١٣٠٦ ه‍ / ١٨٨٤ م وسنة ١٣٠٩ ه‍ / ١٨٨٧ م ، وطبع ضمن عنوان : أربع رسائل للغزالي في القاهرة بالمطبعة الإسلامية سنة ١٣٠٣ ه‍ / ١٨٨١ م وسنة ١٣٠٩ ه‍ / ١٨٨٧ م ، وفي الهند بمبئي ١٣١٣ ه‍ / ١٨٩١ م (معجم سركيس ص ١٤١٠) ، ثم طبع في بيروت بدار الكتب العربي بتحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي سنة ١٤٠٦ ه‍ / ١٩٨٥ م ، وانظر كلامه الذي أشار إليه ابن الصلاح في الباب الأول من الكتاب في شرح اعتقاد السلف ص ٥٣.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) طبع في مصر بمطبعة الترقي ١٣١٩ ه‍ / ١٨٩٧ م ، وطبع في مصر ١٣٢٥ ه‍ / ١٩٠٣ م ومعه خمس رسائل للمؤلف ، وفي القاهرة بمكتبة عيسى البابي بتحقيق سليمان دنيا ١٣٧٣ ه‍ / ١٩٦١ م (معجم المنجد ٢ / ١٠٢).

(٥) هو محمد بن الحسين بن محمد الفراء تقدم في ٢ / ١٢٨.

(٦) هو أحمد بن علي بن برهان ـ وبرهان بفتح الباء كذا ضبطه الذهبي في المشتبه ١ / ٧٠ ـ أبو الفتح البغدادي

٢٠٨

أنه هل يجوز في القرآن شيء لا يعلم معناه؟ فعندهم يجوز ، فلهذا منعوا التأويل ، واعتقدوا التنزيه على ما يعلمه الله.

وعندنا لا يجوز ذلك ، بل الراسخون يعلمونه.

(قلت) : وإنما حملهم على التأويل وجوب حمل الكلام على خلاف المفهوم من حقيقته لقيام الأدلة على استحالة المشابهة (١) والجسمية في حق البارئ تعالى ، والخوض في مثل هذه الأمور خطره عظيم ، وليس بين المعقول والمنقول تغاير في الأصول ، بل التغاير إنما يكون (٢) في الألفاظ ، واستعمال المجاز لغة العرب [٨٨ / أ]. وإنما قلنا : لا تغاير بينهما في الأصول [لما علم بالدليل] (٣) أنّ العقل لا يكذّب ما ورد به الشرع ، إذ لا يرد الشرع بما لا يفهمه العقل ، إذ هو دليل الشرع وكونه حقا ، ولو تصوّر كذبه العقل في شيء لتصوّر كذبه في صدق الشرع ، فمن طالت ممارسته للعلوم ، وكثر خوضه في بحورها أمكنه التلفيق بينهما ؛ لكنه لا يخلو من أحد أمرين ، إما تأويل يبعد عن الأفهام ، أو موضع لا يتبين فيه وجه التأويل لقصور الأفهام عن إدراك الحقيقة ، والطمع في تلفيق كلّ ما يرد مستحيل المرام ، والمردّ إلى قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١).

ونحن نجري في هذا الباب على طريق المؤولين ، حاكين كلامهم.

فمن ذلك صفة الاستواء ، فحكى مقاتل ، والكلبي ، عن ابن عباس أن (اسْتَوى) (طه : ٥) بمعنى [استقر] (٤) ، وهذا إن صحّ يحتاج إلى تأويل ، فإن الاستقرار يشعر بالتجسيم. وعن المعتزلة بمعنى استولى وقهر [وغلب] (٥) ، وردّ بوجهين : (أحدهما) بأنّ الله تعالى مستول على الكونين ، والجنة والنار [وأهلهما] (٦) فأيّ فائدة في تخصيص العرش!

__________________

الشافعي ولد سنة (٤٩٩ ه‍) وتفقه على الغزالي والشاشي ، كان ذكيا يضرب به المثل لا يكاد يسمع شيئا إلا حفظه ، تصدر للإفادة مدة وصار من أعلام الدين وله كتاب «البسيط» و «الوجيز» وغيرهما ، مات كهلا سنة (٥١٨ ه‍) (سير أعلام النبلاء ١٩ / ٤٥٦).

(١) كذا في المخطوطة ، وفي المطبوعة (المتشابه).

(٢) في المخطوطة (يقع).

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ليست في المخطوطة ، وعبارة المخطوطة بعدها : (وهذا وإن صح).

(٥) ليست في المطبوعة.

(٦) ليست في المخطوطة.

٢٠٩

(الثاني) أن الاستيلاء إنما يكون بعد قهر وغلبة ، والله تعالى منزّه عن ذلك ؛ قاله ابن الأعرابي (١).

وقال أبو عبيد (٢) : بمعنى «صعد» ، وردّ بأنه يوجب هبوطا منه تعالى حتى يصعد ، وهو منفيّ عن الله.

وقيل : (٣) «الرّحمن على والعرش له استوى (٣)» ، فجعل «علا» فعلا لا حرفا ؛ حكاه الأستاذ إسماعيل الضرير (٤) في «تفسيره» ؛ ورد (٥) بوجهين : (أحدهما) أنه جعل الصفة فعلا [وهو على] (٦) ، ومصاحف أهل الشام والعراق والحجاز قاطعة بأن «على» هنا حرف ، ولو كان فعلا لكتبوها باللام ألف كقوله : (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) (المؤمنون : ٩١) (والثاني) أنه رفع العرش ولم يرفعه أحد من القراء.

وقيل : تمّ الكلام عند قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ) ، ثم ابتدأ بقوله : (اسْتَوى * لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (طه : ٥ و ٦) وهذا ركيك يزيل الآية عن نظمها ومرادها.

قال الأستاذ (٧) : والصواب ما قاله الفرّاء (٨) والأشعري وجماعة من أهل المعاني ، أن

__________________

(١) هو أحمد بن محمد بن زياد ، أبو سعيد بن الأعرابي ، المحدث القدوة الصوفي شيخ الإسلام ، روي عن الحسن الزعفراني وابن منده وابن جميع وخلائق ، كان ثقة عابدا كبير القدر صحب الجنيد ، وله «طبقات النسّاك» توفي سنة ٣٤٠ ه‍ (سير أعلام النبلاء ١٥ / ٤٠٧).

(٢) هو القاسم بن سلام تقدم التعريف به في ١ / ١١٩.

(٣) في المطبوعة : الرحمن على العرش استوى.

(٤) هو إسماعيل بن أحمد بن عبد الله الضرير ، أبو عبد الرحمن الحيري ، المقرئ المفسّر الزاهد ، أحد أئمة المسلمين ولد سنة (٣٦١) ورحل في طلب الحديث كثيرا. وسمع من زاهر السرخسي. روى عنه الخطيب أبو بكر. له تصانيف مشهورة في القرآن والقراءات والحديث والوعظ. كان مفيدا نفّاعا للخلق مباركا في علمه وله «تفسير» ت ٤٣٠ ه‍ (الداودي ، طبقات المفسرين ١ / ١٠٤) ، وتفسيره ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ٢ / ١٤٩٨ باسم «الكفاية في التفسير».

(٥) في المخطوطة (وحكاه) وفي نسخة (وخطّأه) ، والصواب ما في المطبوعة.

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) هو إسماعيل الضرير المتقدّم.

(٨) انظر قول الفراء في كتابه معاني القرآن ١ / ٢٥ في تفسير سورة البقرة الآية (٢٩).

٢١٠

معنى قوله : (اسْتَوى) أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه ، فسماه استواء ، كقوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (فصّلت : ١١) أي قصد وعمد إلى خلق السماء فكذا هاهنا ، قال : وهذا القول مرضيّ عند العلماء ليس فيه تعطيل ولا تشبيه.

قال الأشعريّ : (عَلى) هنا بمعنى «في» كما قال تعالى : (١) [عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ (البقرة : ١٠٢) ومعناه أحدث الله في العرش فعلا سماه استواء ، كما فعل فعلا سماه فضلا ونعمة ، قال تعالى] (١) : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ* فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) (الحجرات : ٧ و ٨) فسمى التحبيب والتكريه فضلا ونعمة. وكذلك قوله : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) (النحل : ٢٦) أي فخرب الله بنيانهم ، وقال : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) (الحشر : ٢) أي قصدهم. وكما أن التخريب والتعذيب سمّاهما إتيانا ؛ فكذلك أحدث فعلا بالعرش سماه استواء.

قال : وهذا قول مرضيّ عند العلماء لسلامته من التشبيه والتعطيل ، وللعرش خصوصية ليست لغيره من المخلوقات ، لأنه أول خلق الله وأعظم ، والملائكة حافّون به ، ودرجة الوسيلة متصلة به ، وأنه سقف الجنة ، وغير ذلك.

وقوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) (المائدة : ١١٦) قيل : النفس هاهنا الغيث ، تشبيها له بالنفس ، لأنه مستتر كالنفس.

قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (آل عمران : ٢٨) أي عقوبته. وقيل : يحذركم الله إياه.

قوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) (الأنعام : ٣) اختار البيهقيّ [أن] (٢) معناه أنه المعبود في السموات والأرض ، مثل قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) (الزخرف : ٨٤) وهذا القول هو أصحّ الأقوال. وقال الأشعري في «الموجز» (٣) : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ) (الأنعام : ٣)

__________________

(١) ساقط من المخطوطة.

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) كتاب «الموجز» للإمام الأشعري ذكره ابن عساكر في تبيين كذب المفتري ص ١٢٩ ، وقال : (يشتمل على

٢١١

[٨٨ / ب] أي عالم بما فيهما ، وقيل : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ) جملة تامة : (وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ) كلام آخر ، وهذا قول المجسّمة ، واستدلت (١) الجهمية بهذه الآية على أنّه تعالى في كل مكان ، وظاهر ما فهموه من الآية من أسخف الأقوال.

قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا) (٢) (الفجر : ٢٢) ، قيل : استعارة الواو موضع الباء لمناسبة بينهما في معنى الجمع ، إذ [الباء] (٣) موضوعة للإلصاق وهو جمع ، والواو موضوعة للجمع ، والحروف ينوب بعضها عن بعض ، وتقول عرفا : جاء الأمير بالجيش ، إذا كان مجيئهم مضافا إليه بتسليطه أو بأمره ، ولا شك أن الملك إنما يجيء بأمره على ما قال تعالى : (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (الأنبياء : ٢٧) فصار كما لو صرّح به. وقال : جاء الملك بأمر ربك ، وهو كقوله : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ) (المائدة : ٢٤) أي اذهب أنت بربّك ، أي بتوفيق ربك وقوّته ، إذ معلوم أنه إنما يقاتل بذلك من حيث صرف الكلام إلى المفهوم في العرف.

قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) (القلم : ٤٢) قال قتادة : عن شدة (٤) ، وقال إبراهيم النخعيّ : أي عن أمر عظيم ، قال الشاعر :

وقامت الحرب [بنا] (٥) على ساق (٦) وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناة وجدّ فيه ، شمّر عن ساقه ، فاستعيرت الساق في موضع الشدة.

__________________

اثني عشر كتابا على حسب تنوع مقالات المخالفين من الخارجين عن الملّة والداخلين فيها ، وآخره كتاب الإمامة تكلم في إثبات إمامة الصديق).

(١) في المخطوطة (واستدلت عليه الجهمية).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) قول قتادة ذكره الطبري في تفسيره ٢٩ / ٢٤ عند تفسير سورة القلم الآية (٤٢).

(٥) سقطت من الأصول ، وهي تتمة لازمة.

(٦) تمام البيت :

صبرا أمام إن شرباق

وقامت الحرب بنا على ساق

ذكره أبو حيان في البحر المحيط ٨ / ٣١٦ ضمن تفسير سورة القلم ، الآية (٤٢) ، وذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ١١٣ ضمن تفسير سورة القيامة ، الآية (٢٩).

٢١٢

قوله تعالى : (ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (الزمر : ٥٦) قال اللغويون : معناه ما فرطت في طاعة الله وأمره ، لأن التفريط لا يقع إلا في ذلك ، والجنب المعهود من ذوي الجوارح لا يقع فيه تفريط البتة ، فكيف يجوز وصف القديم سبحانه بما لا يجوز! قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (الرحمن : ٣١) فرغ يأتي بمعنى قطع شغلا ، أتفرّغ لك ، أي أقصد قصدك ، والآية منه ، أي سنقصد لعقوبتكم ، ونحكم جزاءكم.

قوله تعالى : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) (غافر : ٣٧) إن قيل : لأيّ علة (١) نسب الظنّ إلى الله وهو شك؟ قيل : فيه جوابان : (أحدهما) : أن يكون الظنّ لفرعون ، وهو شك لأنه قال قبله : (فَأَطَّلِعَ) (٢) إِلى إِلهِ مُوسى (غافر : ٣٧) وإني لأظنّ موسى كاذبا ، فالظن على هذا لفرعون.

(والثاني) : أن يكون تم (٣) الكلام عند قوله : (أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ [كاذِباً]) (٤) (غافر : ٣٧) على معنى : وإني لأعلمه كاذبا ؛ فإذا كان الظن لله ، كان علما ويقينا ، ولم يكن شكّا كقوله : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (الحاقة : ٢٠).

وقوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة : ٢٥٥) لم يرد سبحانه بنفي النوم والسّنة عن نفسه إثبات اليقظة والحركة ؛ لأنّه لا يقال لله تعالى : يقظان ولا نائم ، لأن اليقظان (٥) لا يكون إلا عن نوم ، ولا يجوز وصف القديم به ، وإنما أراد بذلك نفي الجهل والغفلة ، كقوله : ما أنا عنك بغافل.

قوله [تعالى] : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (ص : ٧٥) قال السّهيليّ (٦) : اليد في الأصل كالمصدر ، عبارة عن صفة لموصوف ، ولذلك مدح سبحانه وتعالى بالأيدي مقرونة مع الأبصار في قوله : (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) (ص : ٤٥) ولم يمدحهم بالجوارح ؛ لأن المدح إنما

__________________

(١) في المخطوطة (لأي شيء).

(٢) تصحفت في المخطوطة إلى : (لعلي أطلع).

(٣) في المخطوطة (الكلام تمّ).

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) في المخطوطة (لأن اليقظة).

(٦) هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢.

٢١٣

يتعلق بالصفات لا بالجواهر ، قال : وإذا ثبت هذا فصحّ قول الأشعري : إن اليدين في قوله تعالى : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (ص : ٧٥) صفة ورد بها الشرع ، ولم يقل إنها في معنى القدرة كما قال المتأخرون من أصحابه ، ولا بمعنى النعمة ، ولا قطع بشيء من التأويلات تحرزا منه عن مخالفة السلف ، وقطع بأنها صفة تحرزا عن مذاهب المشبّهة.

فإن قيل : وكيف خوطبوا بما لا يعلمون إذ اليد بمعنى الصفة لا يعرفونه ، ولذلك لم يسأل أحد منهم عن معناها ، ولا خاف على نفسه توهّم التشبيه ، ولا احتاج إلى شرح وتنبيه ، وكذلك الكفار ، لو كان لا يعقل (١) عندهم إلا في الجارحة لتعلّقوا بها في دعوى التناقض ، واحتجّوا بها على الرسول ، ولقالوا : زعمت [٨٩ / أ] أنّ الله ليس كمثله شيء ، ثم تخبر أنّ له يدا ، ولمّا [لم] (٢) ينقل ذلك عن مؤمن ولا كافر ، علم أن الأمر عندهم كان جليّا لا خفاء (٣) به ، لأنها صفة سميت الجارحة بها مجازا ، ثم استمر المجاز فيها حتى نسيت الحقيقة ، وربّ مجاز كثير استعمل حتى نسي أصله ، وتركت صفته ـ والذي يلوح من معنى هذه الصفة أنها قريبة من معنى القدرة إلا أنها أخصّ ، والقدرة أعمّ ، كالمحبة مع الإرادة والمشيئة ، فاليد أخصّ من معنى القدرة ، ولذا (٤) كان فيها تشريف لازم.

وقال البغويّ (٥) في تفسير قوله تعالى : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (ص : ٧٥) في تحقيق الله [تعالى] التثنية في اليد دليل على أنه ليس بمعنى النعمة [والقوة] (٦) والقدرة ، وإنما هما صفتان من صفات ذاته. قال مجاهد (٧) : اليد هاهنا بمعنى التأكيد والصلة مجاز (لِما خَلَقْتُ) كقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) (الرحمن : ٢٧) قال البغويّ : وهذا تأويل غير قويّ ؛ لأنها لو كانت صلة لكان لإبليس أن يقول : إن كنت خلقته فقد خلقتني ، وكذلك في القدرة والنعمة لا يكون لآدم في الخلق مزيّة على إبليس. وأما قوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ

__________________

(١) في المخطوطة (لا يقبل عندهم).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (جليا لا خفيا).

(٤) في المخطوطة (ولذلك).

(٥) انظر قول البغوي في تفسيره ٢ / ٥٠ (طبعة المعرفة ببيروت) في الكلام على الآية (٦٤) من سورة المائدة : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) قال البغوي ما نصّه : (ويد الله صفة من صفات ذاته كالسمع والبصر والوجه» وقال جل ذكره : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ). وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلتا يديه يمين» ـ [صحيح مسلم : ٣ / ١٤٥٨ ، كتاب الإمارة ، الحديث ١٨ / ١٨٢٧ من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص] ـ والله أعلم بصفاته ، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم).

(٦) ليست في المخطوطة.

(٧) قول مجاهد ليس في تفسيره المطبوع.

٢١٤

أَيْدِينا) (يس : ٧١) فإن العرب تسمّي الاثنين جمعا ، كقوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) (الحج : ١٩).

وأما العين في الأصل فهي صفة ومصدر لمن قامت به ثم عبّر عن حقيقة الشيء بالعين قال : وحينئذ فإضافتها للبارئ في قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (طه : ٣٩) حقيقة ـ لا مجاز كما توهم أكثر الناس ـ لأنه صفة في معنى الرؤية والإدراك ، وإنما المجاز في تسمية العضو بها ، وكلّ شيء يوهم الكيف (١) والتجسيم ، فلا يضاف إلى البارئ سبحانه لا حقيقة ولا مجازا.

قال السّهيليّ : ومن فوائد هذه المسألة أن يسأل عن المعنى الذي لأجله قال : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (طه : ٣٩) بحرف (عَلى) وقال : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (القمر : ١٤) (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) (هود : ٣٧) وما الفرق؟ والفرق أنّ الآية الأولى وردت في إظهار أمر كان خفيا وإبداء ما كان مكنونا ، فإن الأطفال إذ ذاك كانوا يغذّون ويصنعون سرا (٢) ، فلما أراد أن يصنع موسى ويغذّى ويربّى على جليّ أمن وظهور أمر لا تحت خوف واستسرار دخلت (على) [في] (٣) اللفظ تنبيها على المعنى لأنها تعطي [معنى] (٣) الاستعلاء ، والاستعلاء ظهور وإبداء ، فكأنه سبحانه يقول : ولتصنع على [عيني] (٤) أمن لا تحت خوف ، وذكر العين لتضمّنها معنى الرعاية والكلأ. وأما قوله : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (القمر : ١٤) (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) (هود : ٣٧) فإنه إنما يريد في رعاية منّا وحفظ ، ولا يريد إبداء شيء ولا إظهاره بعد كتم ، فلم يحتج الكلام إلا معنى «على».

ولم يتكلم السّهيليّ على حكمة الإفراد في قصة موسى والجمع في الباقي ، وله (٥) سرّ لطيف ، وهو إظهار الاختصاص الذي خصّ به موسى في قوله : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (طه : ٤١) فاقتضى الاختصاص [الاختصاص] (٦) الآخر في قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (طه : ٣٩) ، بخلاف قوله : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (القمر : ١٤) (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) (هود : ٣٧) فليس فيه من الاختصاص ما في صنع موسى على عينه سبحانه.

__________________

(١) تصحفت في المطبوعة إلى (الكفر) ورسمها في المخطوطة موهم ، والصواب ما أثبتناه.

(٢) في المخطوطة والمطبوعة هي بالشين المعجمة (شرا) وسياق الكلام يقتضي كونها بالسين المهملة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) سقطت من المطبوعة.

(٥) في المطبوعة (وهو سر لطيف).

(٦) ليست في المخطوطة.

٢١٥

* قال السهيلي [رحمه‌الله] : وأما النفس فعبارة عن حقيقة الوجود دون معنى زائد ، وقد استعمل من لفظها النفاسة والشيء النفيس ، فصلحت للتعبير عنه سبحانه ، بخلاف ما تقدم من الألفاظ المجازية.

وأما الذات (١) فقد استوى أكثر الناس [بأنها] (٢) معنى النفس والحقيقة ، ويقولون : ذات البارئ هي نفسه ، ويعبّرون بها عن وجوده وحقيقته. ويحتجون بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قصة إبراهيم : «ثلاث كذبات كلّهن في ذات الله» (٣).

قال : وليست هذه اللفظة إذا استقريتها في اللغة والشريعة كما زعموا ، وإلا لقيل : عبدت [ذات] (٢) الله ، واحذر ذات الله ، وهو غير مسموع ، ولا يقال إلا بحرف في المستحلّ (٤) معناه في حق البارئ تعالى ، لكن حيث وقع فالمراد به الديانة والشريعة التي هي ذات الله ، (٥) فذات وصف للديانة (٥). هذا هو المفهوم من كلام العرب ، وقد بان غلط من جعلها عبارة عن نفس ما أضيف إليه.

* ومنه إطلاق [٨٩ / ب] العجب على الله [تعالى] في قوله : (بَلْ عَجِبْتَ) (الصافات : ١٢) على قراءة حمزة والكسائي (٦) ، بضم التاء على معنى أنهم قد حلّوا محل من يتعجّب منهم. قال الحسين بن الفضل (٧) : العجب من الله تعالى إنكار الشيء وتعظيمه ، وهو

__________________

(١) في المخطوطة (وأما الذاتية).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٣٨٨ كتاب الأنبياء (٦٠) ، باب قول الله تعالى (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) [النساء ١٢٥] ... (٨) ، الحديث (٣٣٥٨) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ١٨٤٠ كتاب الفضائل (٤٣) ، باب من فضائل إبراهيم الخليل صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤١) ، الحديث (١٥٤ / ٢٣٧١) واللفظ عندهما : (لم يكذب إبراهيم عليه‌السلام إلا ثلاث كذبات ، ثنتين منهن في ذات الله عزوجل) وليس كما جاء عند الزركشي. أن الثلاثة في ذات الله.

(٤) في المخطوطة هي (في المستحيل).

(٥) عبارة المخطوطة (فذات وضعت للذاتية).

(٦) انظر التيسير في القراءات السبع ص ١٨١.

(٧) هو أبو علي الحسين بن الفضل بن عمير البجلي الكوفي النيسابوري تقدم التعريف به في ٢ / ١١٦.

٢١٦

لغة العرب ، وفي الحديث : «عجب ربكم من إلّكم (١) وقنوطكم» وقوله : إن الله يعجب من الشاب إذا لم يكن له صبوة» (٢).

قال البغويّ : وسمعت أبا القاسم النيسابوري (٣) قال : سمعت أبا عبد الله البغداديّ يقول : سئل الجنيد (٤) عن هذه الآية فقال : إن الله لا يعجب من شيء ، ولكن الله [تعالى] وافق رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) (الرعد : ٥) أي هو كما يقوله.

(فائدة) كلّ ما جاء في القرآن العظيم من نحو قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أو (تَتَّقُونَ) أو (تَشْكُرُونَ) فالمعتزلة يفسّرونه بالإرادة ، لأن عندهم أنه تعالى لا يريد إلا الخير ووقوع الشر على خلاف إرادته ، وأهل السّنة يفسّرونه بالطلب لما في الترجّي من معنى الطلب ، والطلب غير الإرادة على ما تقرر في الأصول ، فكأنه قال : كونوا متقين ، أو مفلحين ؛ إذ يستحيل وقوع [شيء] (٥) في الوجود على خلاف إرادته تعالى ، بل كلّ الكائنات مخلوقة له تعالى ووقوعها بإرادته ، تعالى [الله] (٥) عمّا يقولون علوا كبيرا.

__________________

(١) تصحفت في المطبوعة إلى (زللكم) وفي المخطوطة (ذلك) والتصويب من غريب الحديث للهروي ٢ / ٢٦٩ وتفسير البغوي ٤ / ٢٤ في الآية (١٢) من سورة الصافات. قال : الهروي في حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «عجب ربكم من إلّكم ـ بكسر الألف ـ وقنوطكم وسرعة إجابته إيّاكم» ورواه بعض المحدثين «من أزلكم» وأصل الأزل : الشدة ، قال : وأراه المحفوظ ، فكأنه أراد : من شدة يأسكم وقنوطكم ، فإن كان المحفوظ قوله «من إلكم» ـ بكسر الألف ـ فإني أحسبها من «ألّكم» بالفتح وهو أشبه بالمصادر ... ، وهو أن يرفع صوته بالدعاء ويجأر فيه) ، وذكره ابن منظور في «لسان العرب» ١١ / ٢٤ مادة «ألل» وقال (قال أبو عبيد : المحدثون رووه «من إلّكم» بكسر الألف ، والمحفوظ عندنا «من ألّكم» بالفتح وهو أشبه بالمصادر) ، وانظر «الفائق» للزمخشري ١ / ٥٢ باب الهمزة مع اللام.

(٢) الحديث أخرجه أحمد في المسند ٤ / ١٥١ من رواية عقبة بن عامر رضي‌الله‌عنه ، وأخرجه أبو يعلى في المسند ٣ / ٢٨٨ الحديث (١٦ / ١٧٤٩) ، والطبراني في المعجم الكبير ، عزاه له السيوطي ، انظر فيض القدير ٢ / ٢٦٣ ، الحديث (١٧٩٩) ، والديلمي في فردوس الأخبار ٣ / ٦٥ الحديث (٣٩٠٢).

(٣) أبو القاسم النيسابوري هو القشيري عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك ـ شيخ البغوي ـ تقدم التعريف به في ١ / ٣٦٠ ، وأبو عبد الله البغدادي هو الحاكم النيسابوري محمد بن عبد الله بن حمدويه صاحب كتاب «المستدرك على الصحيحين» المشهور بابن البيع وهو شيخ أبي القاسم القشيري.

(٤) هو الجنيد بن محمد بن الجنيد ، أبو القاسم البغدادي ، شيخ علماء الحقيقة والشريعة وسيّد الطائفة ، وشيخ طريقة التصوّف ، وعلم الأولياء في زمانه. تفقه على أبي ثور ، وكان يفتي وله من العمر عشرون سنة. وسمع الحديث من الحسن بن عرفة وغيره واختص بصحبة السري السقطي ، والحارث بن أسد المحاسبي. كان الكتبة يحضرونه لألفاظه ، والفلاسفة لدقة معانيه ، والمتكلمون لعلمه ت ٢٩٨ ه‍ (السبكي ، طبقات الشافعية ٢ / ٢٨).

(٥) ليست في المخطوطة.

٢١٧

النوع الثامن والثلاثون

معرفة إعجازه (*)

وقد اعتنى بذلك الأئمة ، وأفردوه بالتصنيف ، منهم القاضي أبو بكر بن الباقلاني (١) ، قال

__________________

(١) هو محمد بن الطيب أبو بكر الباقلاني تقدم التعريف به في ١ / ١١٧ ، وكتابه «إعجاز القرآن» تقدم الكلام عنه في ١ / ١٤٥.

(*) للتوسع في هذا النوع انظر : مقدمة جامع البيان للطبري ١ / ٤ ضمن القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن ... ، ومقدمة المحرر الوجيز لابن عطية ١ / ٧١ نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن ، ومقدمة الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١ / ٦٩ باب ذكر نكت في إعجاز القرآن وشرائط المعجزة ، والإتقان للسيوطي ٤ / ٣ النوع الرابع والستون في إعجاز القرآن ، ومفتاح السعادة لطاش كبري زادة ٢ / ٤٨٢ علم معرفة إعجاز القرآن وكشف الظنون لحاجي خليفة ١ / ١٢٠ علم إعجاز القرآن ، وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٧٨ علم إعجاز القرآن ، ومناهل العرفان للزرقاني ٢ / ٢٢٧ المبحث السابع عشر في إعجاز القرآن وما يتعلق به ، ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح ص ٣١٣ ضمن الباب الرابع في التفسير والإعجاز ، الفصل الثالث إعجاز القرآن ، ومعجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفار ص ٦١ إعجاز القرآن ، ومعجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ ١ / ١٣٩ إعجاز القرآن وبلاغته ، و «نظرات في معجزة القرآن» لمحمد دياب (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ٤ ، ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٣ م) وفي إعجاز القرآن لفاضل شاكر النعيمي (مقال في مجلة كلية الآداب جامعة بغداد ع ١٤ ، مج ٢ ، ١٣٩١ ه‍ / ١٩٧١ م) ، والشبهة حول إعجاز القرآن لمحمد باقر الحكيم (مقال في مجلة الرسالة الإسلامية العراقية ع ١ ، ١٣٩١ ه‍ / ١٩٧١ م) وإعجاز القرآن لأحمد الحوفي (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ١٠ ـ ١١ ، ١٣٩١ ه‍ / ١٩٧١ م) وإعجاز القرآن لمحمد البهي (مقال في مجلة الفكر الاسلامي ع ٥ ، ١٣٩٠ ه‍ / ١٩٧٠ م) ، والكلمة القرآنية وسر الإعجاز فيها لمحمد سعيد البوطي (مقال في مجلة العربي ع ١٤٤ ، ١٣٩٠ ه‍ / ١٩٧٠ م) وإعجاز القرآن لدرويش الجندي (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ١٠ ، ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م) ، والإعجاز التشريعي في القرآن لعلي علي منصور (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ٢ ، ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م والأعداد ١ ، ٢ ، ٥ ، ٩ ، ١٠ ، عام ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٩ م) وحول إعجاز القرآن (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ٢ ، ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م ، واحداث أنبأنا بها القرآن قبل وقوعها لمحمد عسر (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ١٢ ، ١٣٨٧ ه‍ / ١٩٦٨ م) والإعجاز الطبي في القرآن لمحمود دياب (مقال في مجلة منبر

٢١٨

__________________

لإسلام س ٢٣ ، ع ٤ ، ١٣٨٥ ه‍ / ١٩٦٥ م) والناحية العلمية في إعجاز القرآن للغمراوي محمد أحمد (مقال في مجلة الأزهر ، الأعداد ٤ ، ٦ ، ١١ ، ١٣٨٤ ه‍ / ١٩٦٤ م والعددان ٣ ، ٤ ، ١٣٨٥ ه‍ / ١٩٦٥ م) ومن نواحي إعجاز القرآن لنهال أحمد الزهاوي (مقال في مجلة التربية الإسلامية العراقية ع ١٠ ، س ٦ ، ١٣٨٤ ه‍ / ١٩٦٤ م) والإعجاز البياني للقرآن لحفني شرف (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ٤ ، ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٣ م ، والأعداد ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٤ م) والمعجزة الكبرى في سورة الروم لمحمد محمود السلاقوني (مقال في مجلة منبر الإسلام س ٢١ ، ع ٢ ، ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٣ م) والإنباء عن المستقبل من معجزات القرآن لمحمد وصفي (مقال في مجلة منبر الإسلام س ٢١ ، مج ٦ ، ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٣ م) ونداء المخاطبين في القرآن أسراره وإعجازه لعلي عبد الواحد وافي (مقال في مجلة الأزهر مج ٢٥ ، ع ٢ ، ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٣ م) وآيات التحدي لمحمد سعاد جلال (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ٦ ، ١٣٨٢ ه‍ / ١٩٦٢ م) وإعجاز آيات الخلق في القرآن لحسين حلمي (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ١ ، ١٣٨٢ ه‍ / ١٩٦٢ م) وحول إعجاز القرآن لحسن الشيخة (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ٣ و ٥ ، ١٣٨١ ه‍ / ١٩٦١ م) ومعجزة الدهر لا معجزة العصر لبدوي طبانة (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ٦ ، ١٣٨١ ه‍ / ١٩٦١ م) ومن أوجه الإعجاز في القرآن الإعجاز الموسيقى لعبد السلام شهاب (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ٥ ، ١٣٨٠ ه‍ / ١٩٦٠ م ، وشعاع من الإعجاز للغزالي محمد (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ٢ ، ١٣٧٧ ه‍ / ١٩٥٧ م) ومن أسرار الإعجاز في النظم القرآني لعبد الكريم الخطيب (مقال في مجلة منبر الإسلام ع ١ ، ١٣٨٦ ه‍ / ١٩٥٦ م) والنظم في دلائل الإعجاز لمصطفى ناصف (مقال في مجلة كلية الآداب جامعة عين شمس ١٣٧٥ ه‍ / ١٩٥٥ م) وآراء الذين عاصروا عهد النبوة في إعجاز القرآن لمحمد بن عبد المنعم خفاجي (مقال في مجلة الأزهر مج ٢٢ ، ع ٦ و ٧ ، ١٣٧٠ ه‍ / ١٩٥١ م) وإعجاز القرآن لمحمد أمين هلال مقال في مجلة الإسلام ع ٣١ ، ١٣٧١ ه‍ / ١٩٥١ م) إعجاز القرآن في مذهب الشيعة الإمامية لتوفيق الفكيكي (مقال في مجلة الرسالة المصرية س ٣ ، ع ٣ ، ١٣٧٠ ه‍ / ١٩٥٠ م) وتشريعات القرآن بلاغته وحدها فيها الدلالة الكبرى على إعجازه لأحمد عبد المنعم البهي (مقال في مجلة العربي ع ١٢٨ ١٣٨٥ ه‍ / ١٩٦٥ م) وبين اللفظ والمعنى وإعجاز القرآن لعبد الغني الراجحي (مقال في مجلة منبر الإسلام س ٣٠ ، ع ١٠ ، ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م) وشواهد لبلاغة الإعجاز في القرآن الكريم (مقال في مجلة الأزهر مج ٢٢ ، ١٣٧٠ ه‍ / ١٩٥٠ م) وإعجاز القرآن لمحمد رشيد رضا (مقال في مجلة المنار ، ج ٩ ، ١٣٤٥ ه‍ / ١٩٢٦ م) والمعجزة الكبرى في القرآن : نزوله ، كتابته ، وجمعه ... لمحمد أبو زهرة بدار الفكر العربي في القاهرة ١٣٩٠ ه‍ / ١٩٧٠ م) والاهتزاز عن مفتريات من الإيجاز لمحمد بن محمد مهدي الخالصي (طبع بطهران ١٣٤٠ ه‍ / ١٩٤١ م) ومقالات أهل الفرق وجمهرة المسلمين في إعجاز القرآن لأحمد محمد الحجاز (بحث مقدم إلى جامعة الأزهر عام ١٣٥٣ ه‍ / ١٩٣٤ م) وفي إعجاز القرآن لمحمد السيد حكيم بحث مقدم إلى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام ١٣٦٤ ه‍ / ١٩٤٥ م ومن روائع الإعجاز في القرآن الكريم لعبد الفتاح شكري عياد (رسالة ماجستير من جامعة القاهرة كلية الآداب عام ١٣٦٧ ه‍ / ١٩٤٨ م) وإعجاز القرآن والاكتشافات الحديثة لعبد الرحمن شاهين (طبع بمطبعة الإسماعيلية الكبرى ١٣٧٠ ه‍ / ١٩٥٠ م) والمعجزة الخالدة في وجوه إعجاز القرآن وشرح أسراره لهبة

٢١٩

__________________

الله الشهرستاني (طبع بمطبعة النجاح في بغداد ١٣٧٣ ه‍ / ١٩٥٣ م) ومنهج الزمخشري في تفسير القرآن وبيان إعجازه للصّاوي الجويني مصطفى (رسالة ماجستير في كلية الآداب في جامعة الاسكندرية عام ١٣٧٥ ه‍ / ١٩٥٤ م) وطبع بمنشأة المعارف في الاسكندرية ١٣٧٩ ه‍ / ١٩٥٩ م) ومعجزة القرآن في وصف الكائنات الجزء الأول في الخلق العام للسماوات والأرض لحنفي أحمد (طبع بمطبعة لجنة البيان العربي في القاهرة ١٣٧٤ ه‍ / ١٩٥٤ م) وتاريخ فكرة إعجاز القرآن لنعيم الحمصي (طبع بمطبعة الترقي في دمشق ١٣٧٥ ه‍ / ١٩٥٥ م وطبع بمؤسسة الرسالة في بيروت ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨٠ م) وإعجاز القرآن في علم طبقات الأرض لمحمد محمود إبراهيم (طبع بالقاهرة ١٣٧٥ ه‍ / ١٩٥٥ م) وإعجاز القرآن في مسألة اللؤلؤ والمرجان لعمر أحمد الملباري (طبع بدار الفكر الإسلامي في دمشق ١٣٧٩ ه‍ / ١٩٥٩ م) ومعجزة القرآن لمحمد جابر (طبع بالمركز الثقافي في لندن ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٣ م) وإعجاز القرآن ـ دراسة كاشفة لخصائص البلاغة العربية ومعاييرها ـ لعبد الكريم الخطيب (طبع بدار الفكر العربي في القاهرة ١٣٨٧ ه‍ / ١٩٦٤ م وصور بدار المعرفة في بيروت ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٥ م) * وله «الإعجاز في دراسات السابقين» طبع في القاهرة عام ١٣٩٤ ه‍ / ١٩٧٤ م ، وبيروت بدار المعرفة عام ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م (معجم الدراسات القرآنية : ٦٦) وفكرة النظم بين وجوه الإعجاز في القرآن لفتحي عامر أحمد بهواشي عامر (طبع بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في القاهرة عام ١٣٩٥ ه‍ / ١٩٧٥ م وهو في الأصل رسالة ماجستير من كلية العلوم في جامعة القاهرة عام ١٣٨٦ ه‍ / ١٩٦٦ م) والقرآن العظيم ، هدايته وإعجازه في أقوال المفسرين لمحمد صادق عرجون (طبع بمكتبة الكليات الأزهرية في القاهرة ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٦ م) وإعجاز القرآن لسامي مكي العاني (طبع في بغداد عام ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م) وأسرار الإعجاز في النسق القرآني لإبراهيم محمد إسماعيل عوضين (رسالة دكتوراه في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٩ م) والنظم القرآني في كشاف الزمخشري لدرويش الجندي (طبع بدار نهضة مصر ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٩ م) ومن روائع الإعجاز في القرآن الكريم لمحمد جمال الدين الفندي (طبع بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية دار التحرير في القاهرة ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٩ م) والإعجاز الفني في القرآن لعمر محمد السلامي (رسالة ماجستير في جامعة بغداد ، كلية الآداب ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٩ م) وإعجاز القرآن البياني لحفني محمد شرف (طبع في المنيرة بمكتبة الشباب المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عام ١٣٩٠ ه‍ / ١٩٧٠ م) والإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الازرق لعائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ (طبع بدار المعارف في القاهرة ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧١ م) وقضية الإعجاز القرآني وأثرها في تدوين البلاغة العربية لعبد العزيز عبد المعطي عرفة (رسالة دكتوراه من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عام ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م) والدراسات الأدبية حول الإعجاز القرآني قديما وحديثا (رسالة دكتوراه من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م) وتطور دراسات إعجاز القرآن وأثرها في البلاغة بالعربية لعمر ملاحويش (طبع بمطابع الأمة في بغداد ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م) والمعاني الكيميائية في القرآن لمحسن وهيب عبد (طبع بمطبعة الآداب في النجف ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٣ م) والإعجاز البلاغي للقرآن الكريم في تراث الرافعي لفتحي عبد القادر فريد (رسالة دكتوراه من كلية اللغة العربية جامعة الأزهر) والباقلاني وكتابه إعجاز القرآن لعبد الحليم هاشم حسن الشريف (رسالة ماجستير من كلية الآداب بجامعة القاهرة ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٣ م) وإعجاز القرآن لمصطفى مسلم محمد (رسالة دكتوراه في كلية أصول الدين بجامعة

٢٢٠