البرهان في علوم القرآن - ج ٢

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٢

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (البقرة : ٢٧٥) [على قوله : (وَذَرُوا الْبَيْعَ)] (١) (الجمعة : ٩) فإن قوله : (وَأَحَلَ) يدلّ على حلّ البيع ضرورة. ودلالة النهي على فساد البيع إما ألا تكون ظاهرة [أصلا ، أو تكون ظاهرة] (١) منحطة عن النصّ.

(فصل) قال القاضي أبو بكر (٢) في «التقريب» : لا يجوز تعارض آي القرآن والآثار وما توجبه أدلّة العقل ؛ فلذلك لم يجعل قوله تعالى : ([اللهُ] (٣) خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الزمر : ٦٢) معارضا لقوله : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) ، وقوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) (المائدة : ١١٠) ، وقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، لقيام الدليل العقلي أنّه لا خالق غير الله [تعالى] ، فيتعين تأويل ما عارضه ، فيؤوّل (٤) قوله : (وَتَخْلُقُونَ) (العنكبوت : ١٧) ، بمعنى «تكذبون» لأن الإفك نوع من الكذب ، وقوله : ([وَإِذْ] (٥) تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) (المائدة : ١١٠) أي «تصوّر».

ومن ذلك قوله : (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المجادلة : ٧) لا يعارضه قوله : (أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ) (يونس : ١٨) ؛ فإنّ المراد بهذا ما لا يعلمه أنه غير كائن ، ويعلمونه وقوع ما ليس بواقع ، لا على أن [من] (٥) المعلومات ما هو غير عالم به وإن علمتموه.

وكذلك لا يجوز جعل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ [فِي الْأَرْضِ]) (٦) (آل عمران : ٥) معارضا لقوله : (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) (محمد : ٣١) ، وقوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣) ، معارضا لقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (الأنعام : ١٠٣) في تجويز الرؤية وإحالتها ، لأنّ دليل العقل يقضي بالجواز ، ويجوز تخصيص (٧) النفي بالدنيا والإثبات بالقيامة.

وكذلك لا يجوز جعل قوله : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) (ق : ٣٨) معارضا لقوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (الروم : ٢٧) [٨٣ / أ] بل يجب تأويل «أهون» على «هيّن».

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) هو محمد بن الطيب الباقلاني تقدمت ترجمته ١ / ١١٧ ، وكتابه «التقريب» تقدم الكلام عنه في ١ / ٣٨٣.

(٣) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (فنقول).

(٥) ليست في المخطوطة.

(٦) ليست في المطبوعة.

(٧) في المطبوعة (تخليص).

١٨١

ولا جعل قوله [تعالى] : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (غافر : ٤) معارضا لأمره نبيّه وأمّته بالجدال في قوله : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل : ١٢٥) فيحمل الأول على ذم الجدال الباطل.

ولا يجوز جعل قوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (الرحمن : ٢٧) معارضا لقوله : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (الرحمن : ٢٦).

فصل

وقد جعلوا تعارض القراءتين في آية واحدة كتعارض الآيتين كقوله : (وَأَرْجُلَكُمْ) (١) (المائدة : ٦) بالنصب والجر ، وقالوا : يجمع بينهما بحمل إحداهما على مسح الخف ، والثانية على غسل الرجل إذ لم نجد متعلّقا سواهما.

وكذلك قراءة : (يَطْهُرْنَ) و (يَطْهُرْنَ) (٢) (البقرة : ٢٢٢) حملت الحنفية إحداهما على ما دون العشرة ، والثانية على العشرة.

واعلم أنه إذا لم يكن لها متعلق سواهما تصدّى لنا الإلغاء أو الجمع ، فأما إذا وجدنا متعلقا سواهما فالمتعلق هو المتّبع.

(فائدة) قال أبو بكر الصّيرفي (٣) في «[شرح] (٤) رسالة الشافعي» : جماع الاختلاف والتناقض (٥) [أن كلّ كلام صحّ أن يضاف بعض ما وقع الاسم عليه إلى وجه من الوجوه فليس فيه تناقض ، وإنما التناقض] (٥) في اللفظ ما ضادّه من كلّ جهة على حسب ما

__________________

(١) قال ابن الجزري في النشر في القراءات العشر ٢ / ٢٥٤ واختلفوا في : (وَأَرْجُلَكُمْ) فقرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب وحفص بنصب اللام ، وقرأ الباقون بالخفض.

(٢) قال ابن الجزري في النشر في القراءات العشر ٢ / ٢٢٧ (واختلفوا في (حَتَّى يَطْهُرْنَ) فقرأ حمزة والكسائي وخلف وأبو بكر بتشديد الطاء والهاء ، والباقون بتخفيفهما) ، والمقصود بالعشرة وما دونها أي من أيام الحيض.

(٣) هو محمد بن عبد الله أبو بكر الصيرفي الشافعي ، تقدم التعريف به في ١ / ٣٨٠ ، وكتابه «شرح رسالة الشافعي» ذكره ابن النديم في الفهرست ص ٢٦٧ في الفن الثالث من المقالة السادسة : أسماء من روى عن الشافعي وأخذ عنه.

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.

١٨٢

تقتضيه الأسماء ، ولن يوجد (١) في الكتاب ولا في السنة شيء من ذلك أبدا ؛ وإنما يوجد فيه النّسخ في وقتين ، بأن يوجب حكما ثم يحلّه [أو يحرمه] (٢) ، وهذا لا تناقض فيه ، وتناقض الكلام لا يكون إلا في إثبات ما نفي ، أو نفي ما أثبت ؛ بحيث يشترك المثبت والمنفيّ في الاسم والحدث والزمان والأفعال والحقيقة ؛ فلو كان الاسم [حقيقة] (٣) في أحدهما ، وفي الآخر مستعارا ، ونفي أحدهما ، وأثبت الآخر لم يعدّ تناقضا.

هذا كلّه في الأسماء ، وأما المعاني وهو باب القياس ، فكلّ من أوجد علّة وحرّرها ، وأوجب بها حكما من الأحكام ، ثم ادعى تلك العلة بعينها فيما يأباه الحكم ، فقد تناقض.

فإن رام الفرق لم يسمع منه ؛ لأنه في فرقه تناقض ، والزيادة في العلة نقص ، أو تقصير عن تحريرها في الابتداء ، وليس هذا على السائل.

وكل مسألة يسأل عنها فلا تخلو من أحد وجهين : (٤) [إمّا أن يسأل فيما يستحق الجواب عنه أولا ، فأما المستحق للجواب فهو ما يمكن كونه ويجوز ،] (٤) وأما ما استحال كونه فلا يستحق جوابا ؛ لأن من علم أنه لا يجتمع القيام والقعود ، (٦) [فسأل : هل يكون الإنسان قائما منتصبا جالسا في حال واحدة؟ فقد أحال وسأل عن محال ، فلا يستحق الجواب. فإن كان لا يعرف القيام والقعود] (٥) عرّف ، فإذا عرفه فقد استحال عنده ما سأله.

قال : وقد رأيت كثيرا ممن يتعاطى العلم يسأل عن المحال ـ ولا يدري أنه محال ـ ويجاب عنه ، والآفات تدخل على هؤلاء لقلّة علمهم بحق الكلام.

فصل

وللاختلاف أسباب.

* الأول : وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى ، كقوله تعالى في خلق آدم إنه : (مِنْ تُرابٍ) (آل عمران : ٥٩) ومرة (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (الحجر : ٢٦ و ٢٨ و ٣٣) ومرة (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) (الصافات : ١١) ومرة (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) (الرحمن : ١٤) وهذه الألفاظ مختلفة ومعانيها في أحوال مختلفة ، لأن الصلصال غير

__________________

(١) في المخطوطة (ولم نجد).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

١٨٣

الحمإ ، والحمأ غير التراب ؛ إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر وهو التراب ، ومن التراب تدرجت هذه الأحوال.

ومنه قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) (الشعراء : ٣٢) وفي موضع : (تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) (القصص : ٣١) والجانّ : الصغير من الحيات ، والثعبان الكبير منها ، وذلك (١) لأنّ خلقها (١) خلق الثعبان العظيم ، واهتزازها وحركاتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفّته.

* السبب الثاني : لاختلاف الموضوع ، كقوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (الصّافّات : ٢٤) وقوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (الأعراف : ٦) مع قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (الرحمن : ٣٩). قال الحليمي (٢) : فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل ، والثانية على ما يستلزم الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه. [و] (٣) حمله غيره على اختلاف الأماكن ؛ لأن في [٨٣ / ب] القيامة مواقف كثيرة ، فموضع يسأل ويناقش ، وموضع آخر يرحم ويلطف به ، وموضع آخر يعنّف ويوبّخ ـ وهم الكفّار ـ وموضع آخر لا يعنّف ـ وهم المؤمنون.

وقوله : ([وَ] (٤) لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (البقرة : ١٧٤) مع قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر : ٩٢ و ٩٣) [و] (٤) قيل : المنفيّ كلام التلطّف والإكرام ، والمثبت سؤال التوبيخ والإهانة ، فلا تنافي.

وكقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (الشورى : ٤٠) مع قوله : (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) (هود : ٢٠) والجواب أنّ التضعيف هنا ليس على حدّ التضعيف في الحسنات ؛ بل هو راجع لتضاعيف مرتكباتهم ؛ فكان لكلّ مرتكب منها عذاب يخصّه ، فليس التضعيف من هذا الطريق على ما هو في الطريق الآخر ؛ وإنما المراد هنا تكثيره بحسب كثرة المجترحات ؛ لأن السيئة الواحدة يضاعف الجزاء عليها ، بدليل سياق تلك الآية ، وهو قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ* الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها

__________________

(١) في المخطوطة (لأن الله خلقها).

(٢) هو أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي الشافعي تقدم التعريف به في ١ / ٣٢٢ ، وانظر المنهاج في شعب الإيمان ١ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦ الثامن من شعب الإيمان.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة.

١٨٤

عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (هود : ١٨ و ١٩) فهؤلاء كذبوا على ربهم ، وصدّوا عن سبيله وبغوها عوجا وكفروا ، فهذه مرتكبات عذّبوا بكل مرتكب منها.

وكقوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (الأنعام : ٢٣) مع قوله : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (النساء : ٤٢) فإن الأولى تقتضي أنهم كتموا كفرهم السابق.

والجواب من وجهين : (أحدهما (١)) أنّ للقيامة مواطن ففي بعضها يقع منهم الكذب ، وفي بعضها لا يقع كما سبق. (والثاني) أن الكذب يكون بأقوالهم ، والصدق يكون من جوارحهم ، فيأمرها الله تعالى بالنطق ، فتنطق بالصدق.

وكقوله : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها) (الأنعام : ١٦٤) مع قوله : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة : ٢٨٦) والجواب أن المراد : لا تكسب شرا ولا إثما ؛ بدليل سبب النزول أو ضمّن معنى «تجني» وهذه الآية [اقتصر] (٢) فيها على الشرّ والأخرى ذكر فيها الأمران ؛ ولهذا لمّا (٢) [ذكر القسمين ذكر ما يميّز أحدهما عن الآخر ، وهاهنا لما] (٢) كان المراد ذكر أحدهما اقتصر عليه ب «فعل» ولم يأت ب «افتعل».

ومنه قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (آل عمران : ١٠٢) مع قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن : ١٦) يحكى عن الشيخ العارف أبي الحسن الشاذلي (٣) رحمه‌الله أنه جمع بينهما ؛ فحمل الآية الأولى على التوحيد ، والثانية على الأعمال ، والمقام يقتضي ذلك ؛ لأنه قال بعد الأولى : (وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران : ١٠٢).

وقيل : بل الثانية ناسخة ؛ قال ابن المنيّر (٤) : الظاهر أن قوله [تعالى] : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (آل عمران : ١٠٢) إنما نسخ حكمه لا فضله وأجره ؛ وقد فسّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) في المخطوطة (الأول).

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) هو علي بن عبد الله بن عبد الجبار ، أبو الحسن الشاذلي الضرير الزاهد ، نزيل الإسكندرية وشيخ الطائفة الشاذلية. وقد انتسب إلى الحسن بن علي بن أبي طالب. كان كبير المقدار عالي المقام. له نظم ونثر. صحب الشيخ نجم الدين بن الأصفهاني نزيل الحرم ومن أصحابه الشيخ أبو العباس المرسي حجّ مرات ومات بصحراء عيذاب سنة (٦٥٦ ه‍) فدفن هناك. (ابن الملقّن ، طبقات الأولياء ٤٥٨).

(٤) هو أحمد بن محمد بن منصور تقدم التعريف به في ١ / ١٧٦.

١٨٥

(حَقَّ تُقاتِهِ) بأن قال : «هو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر» ، فقالوا : أيّنا يطيق ذلك؟ فنزلت (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (١) (التغابن : ١٦) وكان التكليف أولا باستيعاب (٢) العمر بالعبادة بلا فترة ولا نعاس ، كما كانت الصلاة خمسين ، ثم صارت بحسب الاستطاعة خمسا ، والاقتدار منزّل على هذا الاعتبار ، ولم ينحط عن درجاته.

وقال الشيخ كمال الدين الزّملكانيّ (٣) : وفي كون ذلك منسوخا نظر ، وقوله : (مَا اسْتَطَعْتُمْ) هو (حَقَّ تُقاتِهِ) إذ به أمر ، فإنّ (حَقَّ تُقاتِهِ) الوقوف على أمره (٤) ودينه. وقد قال بذلك كثير من العلماء. انتهى.

والحديث الذي ذكره ابن المنيّر في «تفسيره (٥)» : (حَقَّ تُقاتِهِ) لم يثبت مرفوعا ؛ بل هو من كلام ابن مسعود [رضي‌الله‌عنه كذلك] (٦) ، رواه النّسائيّ وليس فيه [٨٤ / أ] قول الصحابة : «أيّنا يطيق ذلك» ونزول قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).

ومنه قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) (النساء : ٣) مع قوله [تعالى] في أواخر السورة (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) (النساء : ١٢٩) فالأولى تفهم إمكان العدل ، والثانية تنفيه.

__________________

(١) هذا الحديث ذكره ابن المنيّر مرفوعا ، بينما الصواب فيه أنه موقوف على ابن مسعود رضي‌الله‌عنه ، كما سيذكره الزركشي بعد في استدراكه على ابن المنيّر ، وقد أخرجه من رواية ابن مسعود رضي‌الله‌عنه موقوفا ، ابن المبارك في الزهد ص ٨ باب التحضيض على طاعة الله عزوجل ، وذكره المزي في تحفة الأشراف ٧ / ١٤٠ الحديث (٩٥٥٦) وعزاه للنسائي في الكبرى ، وأخرجه الطبري في التفسير ٤ / ١٩ تفسير الآية من سورة آل عمران ، وأخرجه النحاس في الناسخ والمنسوخ ص ٨٨ باب ذكر الآية الثانية من سورة آل عمران ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ٣٢٦ كتاب التفسير باب سورة آل عمران وعزاه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٢٩٤ كتاب التفسير ، باب شرح معنى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) وقال (على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٥٩ سورة آل عمران وعزاه أيضا لعبد الرزاق ، وللفريابي ، ولعبد بن حميد ، ولابن أبي شيبة ، ولابن المنذر ، ولابن أبي حاتم ، ولابن مردويه.

(٢) في المخطوطة (وكالتكليف أو باستيعاب العمر بالعبادة).

(٣) تقدمت ترجمته في ١ / ١٣٥.

(٤) في المخطوطة (مع أمره).

(٥) هو التفسير المسمّى بالبحر الكبير تقدم الكلام عنه في ١ / ١٧٦.

(٦) ليست في المخطوطة.

١٨٦

والجواب أن المراد بالعدل في الأول العدل بين الأزواج في توفية حقوقهن ؛ وهذا ممكن الوقوع وعدمه ، والمراد به في الثانية الميل القلبي ، فالإنسان لا يملك ميل قلبه إلى بعض زوجاته دون بعض ، وقد كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقسم بين نسائه ثم يقول : «اللهم هذا قسمي في ما أملك فلا تؤاخذني بما لا أملك» (١) ـ يعني ميل [القلب] (٢) ، وكان عمر يقول : «اللهم قلبي فلا أملكه ، وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل».

ويمكن أن يكون المراد بالعدل في الثانية العدل التام ، أشار إليه ابن عطية.

وقد يحتاج الاختلاف إلى تقدير فيرتفع به الإشكال ، كقوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) (النساء : ٩٥) ثم قال سبحانه : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً* [دَرَجاتٍ]) (٣) (النساء : ٩٥ ـ ٩٦) ، والأصل في الأولى : وفضل الله المجاهدين على القاعدين (٤) [من أولي الضرر درجة. والأصل في الثانية : وفضل الله المجاهدين على القاعدين] (٤) من الأصحاء درجات.

__________________

(١) هذا الحديث مخرّج من وجهين* (الأول) من رواية أبي قلابة مرسلا ، أخرجه الترمذي في السنن ٣ / ٤٤٦ كتاب النكاح (٩) ، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر (٤٢) ، عقب الحديث (١١٤٠) وقال الترمذي : (وهذا ـ أي الإرسال ـ أصح من حديث حماد بن سلمة) * (والوجه الثاني) من حديث حماد بن سلمة من طريق عائشة رضي‌الله‌عنها مرفوعا ، أخرجه أحمد في المسند ٦ / ١٤٤ ، وأخرجه الدارمي في السنن ٢ / ١٤٤ كتاب النكاح ، باب في القسمة بين النساء ، وأخرجه أبو داود في السنن ٢ / ٦٠١ كتاب النكاح (٦) ، باب في القسم بين النساء (٣٩) الحديث (٢١٣٤) ، وأخرجه الترمذي في السنن ٣ / ٤٤٦ كتاب النكاح (٩) ، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر (٤٢) ، الحديث (١١٤٠) ، وأخرجه النسائي في المجتبى من السنن ٧ / ٦٣ ـ ٦٤ كتاب عشرة النساء (٣٦) ، باب ميل الرجل إلى بعض نسائه ... (٢) ، الحديث (٣٩٤٣) ، وأخرجه ابن ماجة في السنن ١ / ٦٣٣ كتاب النكاح (٩) ، باب القسمة بين النساء (٤٧) ، الحديث (١٩٧١) ، وأخرجه ابن حبان ، ذكره ابن بلبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٦ / ٢٠٣ كتاب النكاح باب القسم ذكر ما كان يعدل المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم في القسمة بين نسائه الحديث (٤١٩٢) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ١٨٧ كتاب النكاح باب التشديد في العدل ... ، وقال : (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المطبوعة.

(٤) ليست في المخطوطة. ة.

١٨٧

وممن ذكر أن المحذوف كذلك الإمام بدر الدين بن مالك (١) في : «شرح الخلاصة» في الكلام على حذف النعت. وللزمخشري (٢) فيه كلام آخر.

وكقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) (الأعراف : ٢٨) مع قوله (٣) : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها) (الإسراء : ١٦) والمعنى : أمّرناهم وملّكناهم وأردنا منهم الصلاح فأفسدوا ، والمراد بالأمر في الأولى أنه لا يأمر به شرعا ولكن قضاء ، لاستحالة أن يجري في ملكه ما لا يريد ، وفرق بين الأمر الكونيّ والدينيّ.

* الثالث : لاختلافهما في جهتي (٤) الفعل ؛ كقوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) (الأنفال : ١٧) أضيف القتل إليهم على جهة الكسب والمباشرة ، ونفاه عنهم باعتبار التأثير ؛ ولهذا قال الجمهور : إنّ الأفعال مخلوقة لله تعالى مكتسبة للآدميين ، فنفي الفعل بإحدى الجهتين لا يعارضه إثباته بالجهة الأخرى.

وكذا قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال : ١٧) أي ما رميت خلقا إذا رميت كسبا. وقيل : إن الرمي يشتمل على القبض والإرسال ؛ وهما بكسب الرامي ،

__________________

(١) هو محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الشافعي النحوي كان إماما فهما ذكيا حادّ الخاطر ، إماما في النحو والمعاني والبيان والبديع والعروض ، والمنطق ، جيّد المشاركة في الفقه والأصول. أخذ عن والده. وقرأ عليه جماعة منهم بدر الدين بن زيد. فلما مات والده طلب إلى دمشق وولي وظيفة والده ، وله من التصانيف «شرح ألفية والده المعروفة «بالخلاصة» وغيرها توفي سنة (٦٨٦ ه‍). (الصفدي الوافي بالوفيات ١ / ٢٠٤) ، وشرحه للألفية قال عنه الصفدي : (وهو شرح فاضل منقى منقح وخطّأ والده في بعيض المواضع ولم تشرح الخلاصة بأحسن ولا أسدّ ولا أجزل على كثرة شروحها) ، طبع في هلسنكفرس عام ١٢٧٠ ه‍ / ١٨٥١ م (معجم المطبوعات لسركيس ١ / ٢٣٤) وطبع في بيروت باسم «شرح ألفية ابن مالك» بالمطبعة الكاثوليكية ١٣١٢ ه‍ / ١٨٩٤ م باعتناء محمد بن سليم اللبابيدي ، وفي دمشق بمطبعة الفيحاء ١٣٣٢ ه‍ / ١٩١٣ م بتحقيق محمود ياسين ، وفي مصر ١٣٤١ ه‍ / ١٩٢٢ م ، وفي النجف بالمطبعة العلوية ١٣٤٢ ه‍ / ١٩٢٣ م ، وفي مصر بتحقيق عبد الحميد السيد محمد عبد الحميد ، وصوّرت هذه الطبعة دار الجيل في بيروت بالأوفست وقام بتحقيقه مؤخرا عبد الهادي الفضلي (أخبار التراث العربي ٣ / ١٦) وانظر قوله في كتابه ص ٥٠٠ في آخر «النعت».

(٢) انظر قول الزمخشري في «الكشاف» ١ / ٢٩٢ عند تفسير الآية من سورة النساء.

(٣) في المخطوطة (بقوله).

(٤) في المخطوطة (في جهة).

١٨٨

[و] (١) على التبليغ والإصابة ، وهما بفعل الله عزوجل. قال ابن جرير الطبري (٢) : «وهي الدليل [على] (٣) أنّ الله خالق لأفعال العباد ؛ فإنّ الله تعالى أضافه إلى نبيّه ثم نفاه عنه ، وذلك [فعل] (٣) واحد لأنه من الله تعالى التوصيل إليهم ، ومن نبيّه بالحذف والإرسال ، وإذا ثبت هذا لزم مثله في سائر أفعال العباد المكتسبة ، فمن الله تعالى الإنشاء والإيجاد ومن الخلق الاكتساب بالقوى».

ومثله قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) (النساء : ٣٤) وقال [تعالى : (وَ] (٣) قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (البقرة : ٢٣٨) فقيام الانتصاب لا ينافي (٤) القيام بالأمر ، لاختلاف جهتي الفعل.

* الرابع : لاختلافهما في الحقيقة والمجاز ، كقوله : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) (الحج : ٢) (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) (إبراهيم : ١٧) وهو يرجع لقول المناطقة : الاختلاف بالإضافة ، أي وترى الناس سكارى بالإضافة إلى أهوال القيامة مجازا ، وما هم بسكارى بالإضافة إلى الخمر حقيقة.

ومثله في الاعتبارين قوله تعالى : (آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة : ٨) وقوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (الأنفال : ٢١) وقوله تعالى : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (الأعراف : ١٩٨) فإنه لا يلزم من نفي النظر نفي الإبصار لجواز قولهم : «نظرت إليه فلم أبصره».

* الخامس : بوجهين واعتبارين ، وهو الجامع للمفترقات ، كقوله : (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق : ٢٢) وقال : (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) [٨٤ / ب](يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) (الشورى : ٤٥) قال قطرب (٥) : (فَبَصَرُكَ) أي علمك ومعرفتك بها قوية ، من قولهم :

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) انظر قول الطبري في تفسيره ٩ / ١٣٥ عند تفسير الآية من سورة الأنفال ، وقد تصرف الزركشي في عبارته.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (فقيام الانتصاب غير القيام بالأمر).

(٥) هو محمد بن المستنير تقدم التعريف به في ٢ / ١٧٦.

١٨٩

«بصر بكذا وكذا» أي علم ، وليس المراد رؤية العين ، قال الفارسي (١) : ويدل على ذلك قوله : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) (ق : ٢٢) وصف البصر بالحدّة.

وكقوله تعالى : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (الأعراف : ١٢٧) مع قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (النازعات : ٢٤) فقيل : يجوز أن يكون معناه : ويذرك وآلهتك ، إن ساغ لهم ، وتكون إضافة الآلهة إليه ملكا ، كان يعبد في دين قومه ثم يدعوهم إلى أن يكون هو الأعلى ، كما تقول العرب : موالي من فوق [و] (٢) موالي من أسفل ، فيكون اعتقادهم في الآلهة مع فرعون أنها مملوكة له ، فيحسن قولهم : «وآلهتك».

وقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) (الرعد : ٢٨) مع قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنفال : ٢) فقد يظنّ أن الوجل خلاف الطمأنينة ، وجوابه [أنّ] (٣) الطمأنينة إنما تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد ، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى فتوجل القلوب لذلك. وقد جمع بينهما في قوله :

(تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) (الزمر : ٢٣) فإن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ووثقوا به ، فانتفى عنهم الشك.

وكقوله : (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (المعارج : ٤) وفي موضع (أَلْفَ سَنَةٍ) (السجدة : ٥) وأجيب بأنه باعتبار حال المؤمن والكافر ، بدليل : (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) (الفرقان : ٢٦).

وكقوله : (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال : ٩) وفي آية أخرى : (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) (آل عمران : ١٢٤) قيل إنّ الألف أردفهم بثلاثة آلاف ، وكان الأكثر مددا للأقل ، وكان الألف (مُرْدِفِينَ) (٤) بفتحها.

وكقوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (البقرة :

__________________

(١) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علي تقدم التعريف به في ١ / ٣٧٥.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) ليست في المخطوطة.

(٤) قرأ نافع (مُرْدِفِينَ) ـ بفتح الدال ـ والباقون بكسرها (التيسير ص ١١٦).

١٩٠

٢٩) وفي آية أخرى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (النازعات : ٣٠) ولا تنافي بينهما ؛ فالأول دالّ على أنّ الأرض وما فيها خلقت قبل السماء ، وذلك صحيح ، ثم دحيت [الأرض] (١) بعد خلق السماء ، وبذلك تتفق معاني الآيات في سورة القمر والمؤمن والنازعات.

وكقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) (ق : ٣٨) وقوله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها) [وبارك فيها] (٢) (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) (فصلت : ٩ و ١٠) إلى قوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت : ١٢) وذلك يبلغ ثمانية أيام ، والجواب أن المراد بقوله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) إلى قوله : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) مع اليومين المتقدمين ، ولم يرد بذكر «الأربعة» غير ما تقدم ذكره ؛ وهذا كما يقول الفصيح : «سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام» ، «وسرت إلى الكوفة في ثلاثة عشر يوما» ولا يريد سوى العشرة ، بل يريد مع العشرة ثلاثة ، ثم قال تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) وأراد سوى الأربعة ، وذلك لا مخالفة فيه ؛ لأن المجموع يكون ستة.

ومنه قوله تعالى في السجدة : (عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (الآية : ٢٠) بلفظ «الذي» على وصف العذاب ، وفي سبأ (عَذابَ النَّارِ الَّتِي) (الآية : ٤٢) بلفظ «التي» على وصف النار ، وفيه أربعة أوجه : (أحدها) أنه وصف العذاب في السجدة لوقوع «النار» موقع الضمير الذي لا يوصف ، وإنما وقعت موقع الضمير لتقدم إضمارها ، مع قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) (السجدة : ٢٠) فحق (٣) الكلام : «وقيل لهم ذوقوا عذابها» ، فلما وضعها موضع المضمر الذي لا يقبل الوصف عدل إلى وصف العذاب ، وأما ما في «سبأ» فوصفها لعدم المانع من وصفها.

(والثاني) [٨٥ / أ] أن الذي في «السجدة» وصف النار أيضا ، وذكّر حملا على معنى الجحيم والحريق. (والثالث) أنّ الذي في «السجدة» في حق من يقرّ بالنار ويجحد العذاب ، وفي

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) في المخطوطة (فحق عليهم الكلام).

١٩١

«سبإ» في حقّ من يجحد أصل النار. (والرابع) أنه إنما وصف العذاب في السجدة لأنّه لما تقدم ذكر النار مضمرا ومظهرا عدل إلى وصف العذاب ، ليكون تلوينا للخطاب ، فيكون أنشط للسامع بمنزلة العدول من الغيبة إلى الخطاب.

ومنه قوله تعالى : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) (الأنعام : ٦١) وقوله : (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) (النحل : ٢٨) وبين قوله : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) (السجدة : ١١) وبين قوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) (الزمر : ٤٢) (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) (الأنعام : ٦٠) وجمع البغويّ (١) بينها ، لأن (٢) توفّي الملائكة بالقبض والنزع ، وتوفّي ملك الموت بالدعاء والأمر ، يدعو الأرواح فتجيبه ، ثم يأمر أعوانه بقبضها ، وتوفّي الله سبحانه خلق الموت فيه.

ومنه قوله تعالى في البقرة : (فَاتَّقُوا النَّارَ) (الآية : ٢٤) وفي سورة التحريم : (ناراً) (الآية : ٦) بالتنكير ، لأنها نزلت بمكة قبل آية البقرة ، فلم تكن النار التي وقودها الناس والحجارة معروفة فنكّرها ، ثم نزلت آية البقرة بالمدينة مشارا بها إلى ما عرفوه أولا.

وقال في سورة البقرة : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) (الآية : ١٢٦) وفي سورة إبراهيم : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) (إبراهيم : ٣٥) لأنه في الدعوة الأولى كان مكانا ، فطلب منه أن يجعله بلدا آمنا ، وفي الدعوة الثانية كان بلدا غير آمن فعرّفه وطلب له الأمن ؛ أو كان بلدا آمنا وطلب ثبات الأمن ودوامه ، وكون سورة البقرة مدنية وسورة إبراهيم مكّية لا ينافي هذا ؛ لأن الواقع من إبراهيم كونه على الترتيب المذكور ، والإخبار عنه في القرآن على غير ذلك الترتيب. أو لأن المكّيّ منه ما نزل قبل الهجرة فيكون المدنيّ متأخرا عنها ، ومنه ما نزل بعد فتح مكة فيكون متأخرا عن المدني ، فلم قلتم : إن سورة إبراهيم من المكيّ الذي نزل قبل الهجرة!

فصل

وممّا استشكلوه قوله تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا

__________________

(١) انظر تفسير الآيات عند البغوي في معالم التنزيل ٢ / ١٠٢ ـ ١٠٣ (طبعة دار المعرفة) في تفسير سورة الأنعام ، وفي ٣ / ٦٧ تفسير سورة النحل ، وفي ٣ / ٤٩٩ تفسير سورة السجدة ، وفي ٤ / ٨٠ ـ ٨١ تفسير سورة الزمر.

(٢) في المخطوطة (بأن توفي).

١٩٢

رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) (الكهف : ٥٥) فإنه يدلّ على حصر المانع من الإيمان في أحد هذين الشيئين ، وقد قال تعالى في الآية الأخرى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) (الإسراء : ٩٤) فهذا حصر في ثالث غيرهما.

وأجاب ابن عبد السلام بأن معنى الآية : «وما منع الناس أن يؤمنوا إلا إرادة أن تأتيهم سنّة من الخسف وغيره ، (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) في الآخرة ، فأخبر [أنه أراد] (١) أن يصيبهم أحد الأمرين. ولا شكّ أن إرادة الله [تعالى] مانعة من وقوع ما ينافي المراد ، فهذا حصر في السبب الحقيقي ؛ لأنّ الله هو المانع في الحقيقة. ومعنى الآية الثانية : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا [إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى]) (٢) إلا استغراب بعثه بشرا رسولا ، لأن قولهم ليس مانعا من الإيمان ؛ لأنه لا يصلح لذلك ؛ وهو يدلّ على الاستغراب بالالتزام ، وهو المناسب للمانعية ، واستغرابهم ليس مانعا حقيقيا بل عاديا ، لجواز خلوّ الإيمان معه ؛ بخلاف إرادة الله [تعالى] ، فهذا حصر في المانع العادي ، والأولى حصر في المانع الحقيقي ، فلا تنافي» (٣). انتهى.

وقوله : «ليس مانعا من الإيمان» فيه نظر ، لأن إنكارهم بعثه بشرا رسولا كفر مانع من الإيمان ، وفيه تعظيم الأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنّ إنكارهم بعثته مانع من الإيمان.

فصل

وقد يقع التعارض بين الآية والحديث ، ولا بأس بذكر شيء للتنبيه لأمثاله ؛ فمنه قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (المائدة : ٦٧) وقد صحّ أنه شجّ يوم أحد (٤).

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) انظر قول العز بن عبد السلام في كتابه فوائد في مشكل القرآن ص ١٧٤ ـ ١٧٥ الآية ٥٥ من سورة الكهف.

(٤) في حديث متفق عليه من رواية أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري تعليقا بصيغة الجزم في الصحيح ٧ / ٣٦٥ كتاب المغازي (٦٤) ، باب (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ...) (٢١) ، عقب ترجمة الباب ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٣ / ١٤١٧ كتاب الجهاد (٣٢) ، باب غزوة أحد (٣٧) ، الحديث (١٠٤ / ١٧٩٢).

١٩٣

«وأجيب بوجهين : (أحدهما) : أنّ هذا كان قبل نزول [هذه] (١) الآية ؛ لأن غزوة أحد كانت سنة ثلاث (٢) من الهجرة ، وسورة المائدة من أواخر ما نزل بالمدينة. (والثاني) : بتقدير تسليم الأخير ، فالمراد [٨٥ / ب] العصمة من القتل. وفيه تنبيه على أنه يجب عليه أن يحتمل كل ما دون النفس من أنواع البلاء فما أشد تكليف الأنبياء» (٣)! ومنه قوله تعالى : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل : ٣٢) مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» (٤)».

«وأجيب بوجهين :

(أحدهما) ـ ونقل عن سفيان وغيره ـ كانوا يقولون : النجاة من النار بعفو الله ، ودخول الجنة برحمته ، وانقسام المنازل والدرجات بالأعمال ، ويدل له حديث أبي هريرة : «إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم». (٥) رواه الترمذيّ.

(والثاني) : أنّ الباء (٦) في الموضعين مدلولها مختلف ، ففي الآية باء المقابلة ، وهي الداخلة على الأعواض ؛ وفي الحديث للسببية ؛ لأن المعطي بعوض قد يعطي مجانا ، وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب. ومنهم من عكس هذا الجواب وقال : الباء في الآية للسببية ، وفي الحديث للعوض» (٧) ، وقد جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : «سدّدوا وقاربوا واعلموا أن أحدا

__________________

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) ذكره ابن هشام في السيرة النبوية ٣ / ٦٠ غزوة أحد في شوال سنة ثلاث.

(٣) هذه العبارة منقولة بتصرف عن الفخر الرازي في التفسير ١٢ / ٥٠ عند تفسير سورة المائدة.

(٤) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١١ / ٢٩٤ كتاب الرقاق (٨١) ، باب القصد والمداومة على العمل (١٨) ، الحديث (٦٤٦٤) واللفظ له ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٧٠ كتاب صفات المنافقين ... (٥٠) ، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله ... (١٧) ، الحديث (٧٥ / ٢٨١٦).

(٥) الحديث أخرجه الترمذي في السنن ٤ / ٦٨٥ كتاب صفة الجنة (٣٨) ، باب ما جاء في سوق الجنة (١٥) ، الحديث (٢٥٤٩). وهي العبارة الأولى من حديث طويل ، وأخرجه ابن ماجة في السنن ٢ / ١٤٥٠ كتاب الزهد (٣٧) ، باب صفة الجنة (٣٩) الحديث (٤٣٣٦).

(٦) الكلام على الباء في الحديث «بعمله» ذكره ابن هشام في مغني اللبيب ٢ / ١٠٤ عند كلامه على حرف الباء.

(٧) ذكر ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ١١ / ٢٩٥ كتاب الرقاق (٨١) ، باب القصد والمداومة ...

١٩٤

منكم لن ينجو بعمله ، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمّدني الله برحمته» (١). ومنه قوله تعالى مخبرا عن خلق السموات والأرض وما بينهما : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) (الفرقان : ٥٩) فإنه يقتضي أن يكون يوما من أيام الجمعة (٢) [بقي لم يخلق فيه شيء. والظاهر من الأحاديث الصّحاح أن الخلق ابتدأ يوم الأحد وخلق آدم يوم الجمعة] (٢) آخر الأشياء ، فهذا يستقيم مع الآية الشريفة ؛ ووقع في «صحيح مسلم» أن الخلق ابتدأ يوم السبت (٣) ، فهذا بخلاف الآية ؛ اللهم إلاّ أن يكون أراد في الآية ....

__________________

(١٨) ، أقوالا في الجمع بين الآية والحديث «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» عن ابن بطال ، وابن الجوزي ، وابن القيم ، وابن هشام فانظره.

(١) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه أخرجه البخاري في الصحيح ١١ / ٢٩٤ الحديث (٦٤٦٧) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٧٠ الحديث (٧٦ / ٢٨١٦) واللفظ له.

(٢) ليست في المخطوطة.

(٣) أخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٤٩ من رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، في كتاب صفات المنافقين ... (٥٠) ، باب ابتداء الخلق ... (١) ، الحديث (٢٧ / ٢٧٨٩) ، وذكر ابن القيم في المنار المنيف ص ٨٤ ـ ٨٦ الفصل (١٩) ، الحديث (١٥٣) كلاما حول الحديث فقال : (ويشبه هذا ما وقع فيه الغلط من حديث أبي هريرة : «خلق الله التّربة يوم السبت ...» الحديث. وهو في «صحيح مسلم» ، ولكن وقع الغلط في رفعه ، وإنما هو من قول كعب الأحبار ، كذلك قال إمام أهل الحديث : محمد بن إسماعيل البخاري في «تاريخه الكبير». وقاله غيره من علماء المسلمين أيضا ، وهو كما قالوا ، لأن الله أخبر أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام. وهذا الحديث يقتضي أن مدة التخليق سبعة أيام والله تعالى أعلم). وقد علق أستاذنا فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة على كلام ابن القيم في حاشيته فقال (ونصّه بسنده ومتنه : «حدّثني سريج بن يونس وهارون بن عبد الله ، قالا : حدّثنا حجّاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج : أخبرني إسماعيل بن أميّة ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع مولى أمّ سلمة : عن أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدي فقال : خلق الله عزوجل التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبثّ فيها الدّوابّ يوم الخميس ، وخلق آدم عليه‌السلام بعد العصر من يوم الجمعة ، في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة ، فيما بين العصر إلى الليل». قال العلامة المناوي في فيض القدير ٣ / ٤٤٨ «قال ـ الزركشي في التذكرة في الأحاديث المشتهرة ص ٢١٢ الباب السابع في القصص ـ أخرجه مسلم وهو من غرائبه ، وقد تكلّم فيه ـ أي في هذا الحديث ـ ابن المديني والبخاري وغيرهما من الحفاظ ، وجعلوه من كلام كعب الأحبار ، وأنّ أبا هريرة إنما سمعه منه ، لكن اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعا. وقد حرّر ذلك البيهقي ـ في كتابه «الأسماء والصفات» ص ٣٨٣ و ٣٨٤ ـ وذكره ابن كثير في «تفسيره». وقال بعضهم : هذا الحديث في متنه غرابة شديدة ، فمن ذلك أنه ليس

١٩٥

[الشريفة] (١) جميع الأشياء غير آدم ، ثم يكون يوم الجمعة هو الذي لم يخلق فيه شيء مما بين السماء والأرض ، لأن آدم حينئذ لم يكن فيما بينهما.

__________________

فيه ذكر (خلق السموات) ، وفيه ذكر (خلق الأرض وما فيها في سبعة أيام) ، وهذا خلاف القرآن ، لأن الأربعة خلقت في أربعة أيام ، ثم خلقت السموات في يومين».

وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره ٢ / ٢٣٠ في سورة الأعراف ، عند الآية ٥٤ وفي سورة السجدة ٣ / ٤٦٦ عند الآية ٤ ، وفي سورة فصّلت ٤ / ١٠٢ عند الآية ٩ ـ ١٢ ، ما خلاصته : «فأما حديث أبي هريرة ... فقد رواه مسلم والنسائي في كتابيهما ، من حديث ابن جريج ، وهو من غرائب الصحيح ، ففيه استيعاب الأيام السبعة ، والله تعالى قد قال : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ). ولهذا تكلّم البخاريّ وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث ، وجعلوه من رواية أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن كعب الأحبار ليس مرفوعا. وقد علّله البخاري في التاريخ الكبير ١ / ١ / ٤١٣ فقال : رواه بعضهم عن أبي هريرة عن كعب الأحبار ، وهو الأصح».

وللشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلّمي اليماني رحمه‌الله تعالى في الأنوار الكاشفة ص ١٨٨ ـ ١٩٣ كلام طويل حول هذا الحديث وتوجيه رواية أبي هريرة هذه ، فانظره).

(١) ليست في المخطوطة.

١٩٦

النوع السادس والثلاثون

في (١) معرفة المحكم من المتشابه (٢)

قال الله [تعالى] : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) (آل

__________________

(١) ليست في المطبوعة.

(٢) للتوسع في هذا النوع انظر : الفهرست لابن النديم ص ٣٩ الفن الثالث من المقالة الأولى : الكتب المؤلفة في متشابه القرآن ، والإتقان للسيوطي ٣ / ٣ ـ ٣٢ النوع الثالث والأربعون في المحكم والمتشابه ، ومفتاح السعادة لطاش كبري ٢ / ٤٠٠ علم معرفة المحكم والمتشابه ، وكشف الظنون لحاجي خليفة ٢ / ١٦١٦ علم المحكم والمتشابه من فروع علم التفسير (مقتصرا على العنوان) ، وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٥٠٩ علم معرفة المحكم والمتشابه ، ومناهل العرفان للزرقاني ٢ / ١٦٦ المبحث الخامس عشر في محكم القرآن ومتشابهه ، وفهرس الخزانة التيمورية ص ١٣٠ ـ ١٣٤ القسم الثامن من التفسير (المتشابه) ، ومعجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفار ص ٦٠١ ـ ٦٠٥ متشابه القرآن ، ومعجم مصنفات القرآن الكريم لعلي الشواخ ٤ / ١٩١ ـ ٢٠٦ المحكم والمتشابه في القرآن الكريم ، وآيات متشابهات حول سيرة النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحسن الشيخة (مقال في مجلة منبر الإسلام السنة (٢٤) العدد (٢) سنة ١٣٨٦ ه‍ / ١٩٦٦ م) ، وموقف الراسخين في العلم من المتشابه لمحمد عبد الستار نصار (مقال في مجلة الأزهر السنة (٣٨) العدد (٥) ١٣٨٦ ه‍ / ١٩٦٦ م) ، والمتشابه من القرآن لمصطفى عبد الواحد (مقال في مجلة الأزهر السنة (٣٨) العدد (٥) ١٣٨٦ ه‍ / ١٩٦٦ م) ، ودفاع عن العقائد والمثل الإسلامية ، المحكم والمتشابه لمحمد محمد المدني (مقال في مجلة منبر الإسلام السنة (١٥) العدد (٧) ١٣٧٧ ه‍ / ١٩٥٧ م) والمتشابه من القرآن لمحمد علي حسن الحلبي (طبع بدار الفكر في بيروت ١٩٨٦ ه‍ / ١٩٦٦ م) ومتشابه القرآن دراسة لعدنان زرزور (طبع بدار الفتح في دمشق ١٩٣٠ ه‍ / ١٩٧٠ م) ، والبرهان في متشابه القرآن دراسة لناصر بن سليمان العمر (انظر أخبار التراث العربي ٧ / ٢٤) وانظر أيضا مصادر النوع الخامس والثلاثين من هذا الكتاب معرفة موهم المختلف فإنه ذو صلة بالمحكم والمتشابه.

* ومما ألف في هذا النوع سوى ما ذكره الزركشي : «بيان ما ضلّت به الزنادقة في متشابه القرآن» لأبي عبد الله أحمد بن حنبل ت ٢٤١ ه‍ مخطوط في مكتبة دار الكتب الظاهرية ٧٦٥٩ ضمن مجموع (معجم الدراسات القرآنية ص ٦٠٧) * «كتاب التنزيه وذكر متشابه القرآن» للنوبختي حسن بن موسى ت ٣١٠ ه‍ (إيضاح المكنون ٤ / ٢٨٣) * «تأويلات القرآن» لمحمد بن محمد بن محمود أبي منصور

١٩٧

__________________

الماتريدي ت ٣٣٣ ه‍ (الأعلام ٧ / ٢٤٢) * «متشابه القرآن» لعبد الجبار بن أحمد المعتزلي (ت ٤١٥ ه‍) طبع بتحقيق عدنان زرزور بالقاهرة دار التراث عام ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٩ م.* «تأويل المتشابهات في الأخبار والآيات» لعبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي ت ٤٢٩ ه‍ (الأعلام ٤ / ٤٨) * «حل متشابهات القرآن» للحسين بن محمد بن الفضل أبي القاسم الراغب الأصفهاني ت ٥٠٢ ه‍ (الأعلام ٢ / ٢٧٩).* «باهر البرهان في مشكلات معاني القرآن» لأبي القاسم محمود بن علي بن الحسين النيسابوري القزويني الشهير ببيان ٥٥٣ ه‍ (إيضاح المكنون : ١ / ١٦٢) * «تأويل متشابهات القرآن» لابن شهرآشوب ت ٥٨٨ ه‍ (الأعلام ٦ / ٢٧٩).* «التبيان في مسائل القرآن» وفيه رد على الحلولية والجهمية ، للقزويني أحمد بن إسماعيل ت ٥٩٠ ه‍ (الأعلام ١ / ٩٣) * «مجالس في المتشابه من الآيات القرآنية» لابن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ت ٥٩٧ ه‍ (الأعلام ٤ / ٨٩).* «درة التنزيل وغرة التأويل في المتشابه» لأبي الفضائل الرازي ، محمد بن عمر (ت ٦٠٦ ه‍) وليس هو الإمام فخر الدين الرازي المشهور صاحب «التفسير الكبير» وإن كان يوافقه في الاسم والنسبة وسنة الوفاة ، فليحرّر وكتابه مخطوط بدار الكتب المصرية رقم (٤٤٠) تفسير (بروكلمان مترجم ١ / ٥٠٦) * «بيان مشتبه القرآن» لعيسى بن عبد العزيز بن عبد الواحد اللخمي الاسكندري الشريشي الأصل ت ٦٦٩ ه‍ (غاية النهاية ١ / ٦٠٩) * «رد معاني الآيات المتشابهات إلى معاني الآيات المحكمات» نسب لأبي بكر محيي الدين بن عربي (ت ٦٣٨ ه‍) خطأ ، والصواب أنه لابن اللبان أبي عبد الله محمد بن أحمد ت ٧٤٩ ه‍ (انظر فهرس الخزانة التيمورية ص ١٣١). والكتاب مطبوع في بيروت بنادي الكتب الثقافية عام ١٣٢٨ ه‍ / ١٩٠٠ م وأعيد طبعه عام ١٣٥١ ه‍ / ١٩٣٢ م (معجم الدراسات القرآنية ص ٦٠٢).* «رسالة الآيات البينات في تفسير بعض آيات متشابهات القرآن الكريم» لمحمد بن سليمان بن الحسن جمال الدين ابن النقيب (ت ٦٩٨ ه‍) مخطوط بالأزهر رقم ٩٥ مجاميع ١٤٤٧٩. (معجم الدراسات القرآنية ص ٦٠٨) * «ملاك التأويل القاطع لذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه من آي التنزيل» لابن الزبير الغرناطي أحمد بن إبراهيم بن الزبير (ت ٧٠٨ ه‍) طبع بتحقيق سعيد الفلاح بدار الغرب الإسلامي في بيروت ١٤٠٣ ه‍ / ١٩٨٣ م. * «الإكليل في المتشابه والتأويل» لابن تيمية تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم (ت ٧٢٨ ه‍) طبع ضمن مجموعة الرسائل الكبرى ، بمصر المطبعة الشرفية عام ١٣٢٣ ه‍ / ١٩٠٥ م وطبع بالقاهرة مطبعة دار التأليف عام ١٣٦٧ ه‍ / ١٩٤٧ م وصور بالمطبعة السلفية بالقاهرة عن طبعة دار التأليف عام ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٣ م* «تبيين المتشابه من كتاب الله المكرم وحديث نبيه المعظم» تقدم التعريف به وأنه ينسب خطأ لمحيي الدين بن عربي والصواب أنه لابن بلبان أبي عبد الله محمد بن أحمد (ت ٧٤٩ ه‍) مخطوط بالخزانة التيمورية رقم ٤٩٥ ، ٤٩٦ ، ٥٥٠ ، ويسمى الكتاب أيضا «إزالة الشبهات عن الآيات والأحاديث المتشابهات» و «متشابه القرآن والحديث» و «رد معاني الآيات المتشابهات ...» و «رد المتشابه إلى المحكم» و «إزالة الشبهات عن الآيات والأحاديث المشتبهات (المتشابهات) * الآيات المحكمات والمتشابهات» لمرعي بن يوسف بن أحمد والمقدسي الحنبلي ت ١٠٣٣ ه‍ (إيضاح المكنون ١ / ٧).* «حل مشاكل القرآن» للشيخ جعفر الأسترآباذي الشيعي ت ١٢٦٣ ه‍ (إيضاح المكنون ٣ / ٤١٧). المجاهيل : * «تأويل متشابه القرآن

١٩٨

عمران : ٧) قيل : ولا يدلّ على الحصر في هذين الشيئين ، فإنه ليس [فيه] (١) شيء من الطرق الدالة عليه ، وقد قال : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل : ٤٤) والمتشابه لا يرجى بيانه ، والمحكم لا توقف معرفته على البيان.

وقد حكى الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري (٢) في هذه المسألة ثلاثة أقوال : (أحدها) : أنّ القرآن كلّه محكم ؛ لقوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) (هود : ١). (والثاني) : كله متشابه لقوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) (الزمر : ٢٣). (والثالث) ـ وهو الصحيح ـ أن منه محكما (٣) ومنه متشابها ، لقوله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ [وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ]) (٤) (آل عمران : ٧).

فأما المحكم فأصله لغة : المنع ؛ تقول : أحكمت بمعنى رددت ، ومنعت ، والحاكم لمنعه الظالم من الظلم ، وحكمة اللجام هي التي تمنع الفرس من الاضطراب وأما في الاصطلاح فهو ما أحكمه في الأمر (٥) والنهي وبيان الحلال والحرام. (وقيل) : هو مثل قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (البقرة : ٤٣). (وقيل) : هو الذي لم ينسخ لقوله تعالى : ([قُلْ تَعالَوْا] (٦) أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) (الأنعام : ١٥١) وقوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ...) (الإسراء : ٢٣) إلى آخر الآيات. وهي سبعة عشر حكما مذكورة في سورة الأنعام وفي سورة بني إسرائيل. (وقيل) : هو الناسخ. (وقيل) : الفرائض والوعد والوعيد. (وقيل) : الذي وعد عليه ثوابا أو عقابا ، وقيل الذي تأويله تنزيله بجعل القلوب تعرفه عند سماعه ، كقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (الإخلاص : ١) و (لَيْسَ

__________________

على قواعد أهل العدل» لأبي طاهر الطرثيثي (؟) مخطوط بمكتبة الجامع الكبير بصنعاء رقم ١٥ مجموع (معجم الدراسات القرآنية ٦٠٧) * «المحكم والمتشابه في القرآن والحديث» (مجهول) مخطوط سوهاج ٢٨ تفسير ، معهد المخطوطات رقم ٢٣٦. (معجم الدراسات القرآنية ص ٦١٢).* «تأويل المتشابهات القرآنية» لأمر الله محمد (؟) طبع بالقاهرة مطبعة السلام عام ١٣٥٤ ه‍ / ١٩٣٦ م (معجم الدراسات القرآنية ٦٠١).* «بيان المشتبه من معاني القرآن الكريم» لحسن محمد موسى (؟) طبع في الاسكندرية : جمعية الحرية عام ١٣٧٦ ه‍ / ١٩٥٦ م (معجم مصنفات القرآن ٤ / ٢٠٩).

(١) ليست في المخطوطة.

(٢) تقدم التعريف به في ١ / ٢٧٩.

(٣) في المخطوطة (أنه محكم ومنه متشابه).

(٤) ليست في المطبوعة.

(٥) عبارة المطبوعة (ما أحكمته بالأمر).

(٦) ليست في المخطوطة.

١٩٩

كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١). (وقيل) : ما لا يحتمل في التأويل إلا وجها واحدا.

(وقيل) : ما تكرر لفظه.

وأما المتشابه (١) فأصله أن يشتبه اللفظ في الظاهر مع اختلاف المعاني ، كما قال [تعالى] في وصف ثمر الجنة : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) (البقرة : ٢٥) أي متّفق المناظر ، مختلف الطّعوم ، ويقال للغامض : متشابه ، لأن جهة الشبه فيه كما تقول لحروف التهجّي (٢).

والمتشابه مثل المشكل ، لأنه [٨٦ / أ] أشكل ، أي دخل في شكل غيره وشاكله.

واختلفوا فيه (فقيل) هو المشتبه الذي يشبه بعضه بعضا (وقيل) هو المنسوخ الغير معمول به (وقيل) القصص والأمثال (وقيل) ما أمرت أن تؤمن به وتكل علمه إلى عالمه (وقيل) فواتح السور (وقيل) ما لا يدرى إلا بالتأويل ، ولا بد من صرفه إليه ؛ كقوله : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (القمر : ١٤) و (عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (الزمر : ٥٦) (وقيل) الآيات التي يذكر فيها وقت الساعة (٣) ، ومجيء الغيث ، وانقطاع الآجال ؛ كقوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) (لقمان : ٣٤) (وقيل) ما يحتمل وجوها ، والمحكم ما يحتمل وجها واحدا. وقيل : [ما] (٤) لا يستقل بنفسه ، إلا بردّه إلى غيره. وقيل : غير ذلك. وكلّها متقارب.

وفصل الخطاب في ذلك أنّ الله سبحانه [وتعالى] قسم الحقّ بين عباده ، فأولاهم بالصواب من عبر بخطابه عن حقيقة المراد ؛ قال سبحانه [وتعالى] : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل : ٤٤) ثم (٥) قال : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (القيامة : ١٩) أي على لسانك وألسنة العلماء من أمّتك ، وكلام السلف راجع إلى المشتبه بوجه لا إلى المقصود المعبّر عنه بالمتشابه في خطابه ، لأنّ المعاني إذا دقّت تداخلت وتشابهت على من لا علم له بها كالأشجار إذا تقارب بعضها من بعض تداخلت أمثالها واشتبهت ؛ أي [أشكلت] (٦) على من لم يمعن النظر في البحث عن منبعث كلّ فن منها ، قال

__________________

(١) هذا التعريف نقله الزركشي باختصار من كلام ابن قتيبة الدينوري في كتابه «تأويل مشكل القرآن» ص ١٠١ ـ ١٠٢ في آخر باب المتشابه.

(٢) عبارة ابن قتيبة : (ألا ترى أنه قد قيل للحروف المقطعة في أوائل السور متشابه ، وليس الشك فيها ، والوقوف عندها لمشاكلتها غيرها والتباسها بها).

(٣) في المخطوط (وقت المسا).

(٤) ليست في المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (وقال).

(٦) ليست في المطبوعة.

٢٠٠