البرهان في علوم القرآن - ج ٢

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي

البرهان في علوم القرآن - ج ٢

المؤلف:

بدر الدين محمّد بن عبد الله الزّركشي


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الشيخ جمال حمدي الذهبي ، الشيخ إبراهيم عبد الله الكردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

وصفات الجنّة ، فأمره أن يقرأ السورة على نحوها كما جاءت ممتزجة ؛ كما أنزل الله تعالى : فإنه أعلم بدواء العباد وحاجتهم ، ولو شاء لصنّفها أصنافا وكلّ صنف على حدة ؛ ولكنه مزجها لتصل القلوب بنظام لا يملّ ، قال : ولقد أذهلني يوما قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً* الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) (الفرقان : ٢٥ و ٢٦) فقلت : يا لطيف ؛ علمت أن قلوب أوليائك الذين يعقلون هذه الأوصاف عنك وتتراءى لهم [تلك] (١) الأهوال لا تتمالك ؛ فلطفت بهم فنسبت (الْمُلْكُ) إلى أعم اسم في الرحمة ، فقلت : (الرحمن) ليلاقي هذا الاسم تلك القلوب التي يحلّ بها الهول ، فيمازج تلك الأهوال ، ولو كان بدله اسما [٧١ / ب] آخر ، من «عزيز وجبار» لتفطرت القلوب ، فكان بلال يقصد لما تطيب به النفوس ، فأمره أن يقرأ على نظام رب العالمين ؛ فهو أعلم بالشفاء.

(مسألة) يستحب استيفاء كلّ حرف أثبته قارئ. قال الحليميّ (٢) : «هذا ليكون القارئ قد أتى على جميع ما هو قرآن ، فتكون ختمة أصحّ من ختمة إذا ترخّص بحذف حرف أو كلمة قرئ بهما. ألا ترى أنّ صلاة كلّ من استوفى كل فعل امتنع عنه كانت صلاته أجمع من صلاة من ترخص فحذف منها ما لا يضر حذفه».

(مسألة) (٣) ويستحبّ ختم القرآن في كل أسبوع ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقرأ القرآن في كل سبع ولا تزد» (٤). رواه أبو داود ، وروى الطبراني بسند جيّد : «سئل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كيف كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجزّئ القرآن ، قال : كان يجزئه ثلاثا وخمسا» (٥) وكره قوم قراءته في أقل من ثلاث ، وحملوا عليه حديث : «لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث» (٦) رواه الأربعة ، وصحّحه الترمذي ، والمختار ـ وعليه أكثر المحققين ـ أن ذلك يختلف بحال الشخص

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المنهاج ٢ / ٢٣٨.

(٣) في المطبوعة (فصل).

(٤) تقدم تخريج الحديث في ٢ / ٨٧ ، ولفظه في الصحيحين.

(٥) رواه الطبراني في المعجم الكبير ١ / ١٩٠ ، في معجم أوس بن حذيفة الثقفي الحديث (٥٩٩) قال : «قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وفد ثقيف ، فكان يخرج إلينا فيحدثنا ، فأبطأ علينا ذات ليلة ، فقلنا يا رسول الله لقد أبطأت علينا! فقال : إنه طرأ عليّ حزبي من القرآن فكرهت أن أقطعه حتى أفرغ منه ، فلما أصبحنا سألنا أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...» وساق الحديث.

(٦) تقدم تخريجه في ٢ / ٨٧.

١٠١

في النشاط والضعف والتدبّر والغفلة ؛ لأنه روي عن عثمان رضي‌الله‌عنه ؛ كان يختمه في ليلة واحدة. ويكره تأخير ختمه أكثر من أربعين يوما (١) [بلا عذر ، نص عليه أحمد لأن عبد الله بن عمرو سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كم يختم القرآن قال في أربعين يوما] (١) رواه أبو داود (٢).

وقال أبو الليث (٣) في كتاب «البستان» : «ينبغي [للقارئ] (٤) أن [يختم] (٤) [القرآن] (٥) في السّنة مرتين إن لم يقدر على الزيادة» وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال : «من قرأ القرآن في كلّ سنة مرتين فقد أدّى [للقرآن] (٥) حقّه ؛ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرضه (٦) على جبريل في السّنة التي قبض فيها مرتين [انتهى] (٤).

وقال أبو الوليد الباجي (٧) : «أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم [عبد الله] (٨) بن عمرو أن يختم في سبع أو ثلاث يحتمل أنه الأفضل في الجملة أو أنه الأفضل في حق ابن عمرو لمّا علم من ترتيله في قراءته ، وعلم من ضعفه عن استدامته أكثر مما حدّ له. وأما من استطاع أكثر من ذلك فلا تمنع الزيادة عليه. وسئل مالك عن الرجل يختم القرآن في كل ليلة فقال : «ما أحسن ذلك! إنّ القرآن إمام كل خير».

وقال بشر بن السريّ (٩) : «إنما الآية مثل التمرة كلّما مضغتها استخرجت حلاوتها.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

(٢) في السنن ٢ / ١١٦ الحديث (١٣٩٥). وراجع ٢ / ٨٧ من هذا الكتاب.

(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (داود) وهو أبو الليث السمرقندي تقدم التعريف به وبكتابه ١ / ٣٢٢.

(٤) ساقطة من المطبوعة ، وحديث عرضه صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرآن مرتين أخرجه البخاري في صحيحه ٩ / ٤٣ ، كتاب فضائل القرآن (٦٦) ، باب كيف كان جبريل يعرض القرآن (٧) الحديث (٤٩٩٨).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) في المخطوطة (عرض).

(٧) هو سليمان بن خلف بن سعد أبو الوليد الباجي الأندلسي الأصولي المالكي المتكلم المفسر الأديب الشاعر أخذ عن مكي بن أبي طالب ، ورحل إلى المشرق وروى عنه الحافظان أبو بكر الخطيب ، وأبو عمر بن عبد البر ، وأبو عبد الله الحميدي وغيرهم ، من تصانيفه «الجرح والتعديل» ت ٤٧٤ ه‍ (الداودي ، طبقات المفسرين ١ / ٢٠٢).

(٨) ساقطة من المخطوطة ، وتصحف الاسم إلى (عمر).

(٩) هو بشر بن السريّ البصري أبو عمرو الأفوه ، المحدّث الواعظ روى عن الثوري وحماد بن سلمة ، وابن المبارك وغيرهم وعن يحيى بن آدم ، وابن حنبل وابن المديني وثّقه ابن معين ، وابن سعد ، وكان صاحب مواعظ يتكلم فسمّي الأفوه ت ١٩٦ ه‍ (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ١ / ٤٥٠).

١٠٢

فحدّث به أبو سليمان (١) ، فقال : صدق ؛ إنما يؤتى أحدكم من أنّه إذا ابتدأ السورة أراد آخرها»

(مسألة) يسنّ (٢) ختمه في الشتاء أوّل الليل ، وفي الصيف أول النهار ، قال ذلك ابن المبارك ، وذكره أبو داود لأحمد فكأنه أعجبه ، ويجمع أهله عند ختمه ويدعو.

وقال بعض السلف : «إذا ختم أوّل النهار صلّت عليه الملائكة حتى يمسي ، وإذا ختم في أول الليل صلّت عليه الملائكة حتى يصبح» (٣). رواه أبو داود.

(مسألة) يستحبّ التكبير من أوّل سورة الضحى ؛ إلى أن يختم ، وهي قراءة أهل مكّة ؛ أخذها ابن كثير عن مجاهد ؛ ومجاهد عن ابن عباس ، وابن عباس عن أبيّ ، و [أخذها] (٤) أبيّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ رواه ابن خزيمة ؛ والبيهقي في «شعب الإيمان» وقوّاه (٥) ورواه من طريق موقوفا على أبيّ بسند معروف ؛ وهو حديث غريب ، وقد أنكره أبو حاتم الرازي (٦) على عادته في التشديد ؛ واستأنس له الحليميّ (٧) بأن القراءة تنقسم إلى أبعاض متفرقة ؛ فكأنه كصيام الشهر ؛ وقد أمر الناس أنه إذا أكملوا العدة أن يكبّروا الله على ما هداهم. فالقياس أن يكبّر القارئ إذا أكمل عدة السور.

وذكر غيره أن التكبير لاستشعار انقطاع الوحي ؛ قال : وصفته في آخر هذه السور أنه كلما ختم سورة وقف وقفة ، ثم قال : الله أكبر ، ثم وقف وقفة ثم ابتدأ السورة التي تليها إلى آخر القرآن. ثم كبر كما كبّر من قبل ، ثم أتبع التكبير الحمد ، والتصديق [٧٢ / أ] والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والدعاء.

__________________

(١) هو عبد الرحمن بن سليمان ، ابن أبي الجون ، أبو سليمان الدمشقي الدارني المحدّث ، روى عن الأعمش وابن شريح وغيرهم ، وعن الوليد بن مسلم ، ذكره ابن حبان في «الثقات» توفي سنة نيف وتسعين ومائة (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٦ / ١٨٨).

(٢) في المخطوطة (سنّ) ، وانظر المنهاج في شعب الإيمان ٢ / ٢٢١.

(٣) أخرجه الدارمي في السنن ٢ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠ ، عن إبراهيم وعن سعد بن أبي وقاص رضي‌الله‌عنه ، كتاب فضائل القرآن ، باب في ختم القرآن ، الحديث (٧) و (١٢) من الباب.

(٤) ساقطة من المطبوعة.

(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (وقوله) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٣٠٤.

(٦) ذكره ابن أبي حاتم الرازي في علل الحديث ٢ / ٧٧ ، باب علل أخبار في القرآن وتفسيره الحديث (١٧٢١) ، قال عقبه : «هذا حديث منكر».

(٧) في المنهاج ٢ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.

١٠٣

وقال سليم الرازي (١) في «تفسيره» : يكبّر القارئ بقراءة ابن كثير إذا بلغ «والضحى» بين كل سورتين تكبيرة ؛ إلى أن يختم القرآن ولا يصل آخر السورة بالتكبير ؛ بل يفصل بينهما بسكتة ؛ وكأنّ المعنى في ذلك ما روي أن الوحي كان تأخر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أياما فقال ناس :

إن محمدا قد ودّعه صاحبه وقلاه ، فنزلت هذه السورة ، فقال : الله أكبر ، قال : ولا يكبّر في قراءة الباقين ؛ ومن حجتهم أنّ في ذلك ذريعة إلى الزيادة في القرآن ؛ بأن زيد عليه فيتوهم أنّه من القرآن فيثبتوه فيه.

(مسألة) مما (٢) جرت به العادة من تكرير سورة الإخلاص عند الختم ؛ نصّ الإمام أحمد على المنع ؛ ولكن عمل (٣) الناس على خلافه ؛ قال بعضهم ؛ والحكمة في التكرير ما ورد أنها تعدل ثلث القرآن ؛ فيحصل بذلك ختمة.

(فإن قيل) : فعلى هذا كان ينبغي أن يقرأ ثلاثا بعد الواحدة التي تضمنتها الختمة ؛ فيحصل ختمتان (٤). (قلنا) : مقصود الناس ختمة واحدة ؛ فإن القارئ إذا [وصل إليها] (٥) قرأها ثم أعادها مرتين كان على يقين من حصول ختمة ؛ إما التي قرأها من الفاتحة إلى آخر القرآن ، وإما التي حصل ثوابها بقراءة سورة الإخلاص ثلاثا ، وليس المقصود ختمة أخرى.

(مسألة) [ثم] (٦) إذا ختم وقرأ المعوذتين قرأ الفاتحة [وقرأ] (٧) خمس آيات من البقرة إلى قوله : (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة : ٥) لأن [ألف الم] (٨) آية عند الكوفيين ، وعند غيرهم بعض آية وقد روى الترمذي : «أيّ العمل أحبّ إلى الله؟ قال : الحالّ [المرتحل» (٩) ، قيل] (١٠) المراد

__________________

(١) هو سليم بن أيوب بن سليم أبو الفتح الرازي ، الأديب المفسر الفقيه الشافعي لازم الشيخ أبا حامد ولما توفي جلس مكانه ثم إنه سافر إلى الشام وأقام بثغر صور مرابطا يفسر العلم فتخرج عليه أئمة منهم الشيخ نصر المقدسي ، وسمع أحمد بن فارس وغيره ، كان ورعا زاهدا فقيها أصوليا. من مصنفاته تفسيره المسمى «ضياء القلوب» ت ٤٤٧ ه‍ غرقا بعوده من الحج عند ساحل جده (القفطي ، إنباه الرواة ٢ / ٦٩) وكتابه مخطوط في الموصل رقم ١٥٥ ، (بروكلمان الذيل ١ / ٧٣٠).

(٢) في المخطوطة (ما).

(٣) في المخطوطة (عمد).

(٤) في المخطوطة (ختمها).

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) ساقطة من المخطوطة.

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) ساقطة من المطبوعة.

(٩) أخرجه من رواية زرارة بن أبي أوفى الدارمي في السنن ٢ / ٤٦٩ ، باب في ختم القرآن الحديث (٦) من الباب ، والترمذي في السنن ٥ / ١٩٨ ، كتاب القراءات (٤٧) ، باب (١٣) ، الحديث (٢٩٤٨).

(١٠) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

١٠٤

به الحث على تكرار الختم ختمة بعد ختمة ؛ وليس فيه ما يدلّ على أنّ الدعاء لا يتعقب الختم.

(فائدة) روى البيهقي في «دلائل النبوة» وغيره : «أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يدعو عند ختم القرآن : اللهم ارحمني بالقرآن ، واجعله لي أمانا ونورا وهدى ورحمة ، اللهم ذكّرني منه ما نسيت ، وعلّمني منه ما جهلت ، وارزقني تلاوته آناء الليل [والنهار] (١) (٢) واجعله لي حجّة (٢) يا رب العالمين». رواه في «شعب الإيمان» بأطول من ذلك ، فلينظر فيه (٣).

(مسألة) استماع القرآن والتفهّم لمعانيه من الآداب المحثوث عليها ، ويكره التحدّث بحضور القراءة قال الشيخ أبو محمد بن عبد السلام : «والاشتغال عن السماع بالتّحدث بما لا يكون أفضل من الاستماع سوء أدب على الشرع» (٤) ، وهو يقتضي أنّه لا بأس بالتحدث للمصلحة.

(مسألة) وأفتى الشيخ أيضا بالمنع من أن يشرب شيئا كتب من القرآن ، لأنه تلاقيه النجاسة الباطنة. وفيما قاله نظر ؛ لأنها في معدنها لا حكم لها.

وممن صرّح بالجواز من أصحابنا العماد النّيهيّ (٥) تلميذ البغويّ (٦) فيما رأيته بخط ابن الصلاح. قال : «لا يجوز ابتلاع رقعة فيها آية من القرآن ، فلو غسلها وشرب ماءها جاز». وجزم القاضي الحسين (٧) ، والرافعي (٨) بجواز أكل الأطعمة التي كتب عليها شيء من القرآن.

__________________

(١) ساقطة من المطبوعة.

(٢) في المخطوطة (واجعل لي حجته).

(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور ٦ / ٤٢٢.

(٤) انظر كتابه الفتاوى : ٤٩ (بتحقيق عبد الرحمن بن عبد الفتاح).

(٥) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد النيهي عماد الدين ، ولد وأقام وتوفي بمروالرّوذ ، وهو من تلامذة البغوي الفراء أبو محمد الحسين بن مسعود ، كان شيخ الشافعية إماما فاضلا مفتيا ، ورعا ديّنا حافظا لمذهب الشافعي تخرج عليه جماعة كثيرة من الفقهاء والعلماء ت ٥٤٨ ه‍ (السبكي ، طبقات الشافعية ٤ / ٢٤٥).

(٦) هو أبو محمد الحسين بن مسعود محيي السنة ، تقدم التعريف به في ١ / ١٢٧.

(٧) هو الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي القاضي المروروذي شيخ البغوي تقدم ذكره في ٢ / ٩٣.

(٨) هو الإمام الجليل عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم ، أبو القاسم الرافعي ، شيخ الشافعية ومجتهد زمانه في المذهب كان متضلعا في علوم الشريعة تفسيرا وحديثا وأصولا ، وأما الفقه فهو فيه عمدة المحققين وإسناد المصنفين ، كان رحمه‌الله ورعا زاهدا تقيا نقيا طاهر الذيل. ت ٦٢٣ ه‍ (السبكي ، طبقات الشافعية ٥ / ١٢٠).

١٠٥

وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الرحمن السّلمي في ذكر منصور بن عمار (١) : «أنه (٢) أوتي الحكمة وقيل : إن سبب ذلك أنّه وجد رقعة في الطريق مكتوبا عليها : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فأخذها فلم يجد لها موضعا ، فأكلها فأري فيما يرى النائم (٣) كأنّ قائلا [قد] قال له : قد فتح الله عليك باحترامك لتلك الرّقعة ، فكان بعد ذلك يتكلّم بالحكمة».

(مسألة) وقال الشيخ (٤) أيضا في «القواعد» : القيام للمصاحف بدعة لم تعهد في الصّدر الأوّل ، والصواب ما قاله النوويّ في «التبيان» (٥) ؛ من استحباب ذلك والأمر به لما فيه من التعظيم وعدم التهاون به. وسئل العماد بن يونس الموصليّ (٦) عن ذلك : هل يستحب للتعظيم أو يكره خوف الفتنة؟ فأجاب [٧٢ / ب] لم يرد في ذلك نقل مسموع ، والكلّ جائز ، ولكلّ نيّته وقصده.

(مسألة) وإذا احتج لتعطيل بعض أوراق المصحف لبلاء ونحوه فلا يجوز وضعه في شقّ أو غيره ليحفظ لأنه قد يسقط ويوطأ ، ولا يجوز تمزيقها لما فيه من تقطيع الحروف وتفرقة الكلم ؛ وفي ذلك إزراء بالمكتوب ـ كذا قاله الحليميّ ؛ قال : وله غسلها بالماء ، وإن أحرقها بالنار فلا بأس ، أحرق عثمان مصاحف فيها آيات وقراءات منسوخة ، ولم ينكر عليه.

__________________

(١) هو منصور بن عمار أبو السري الخراساني المحدّث الزاهد الشهير ، يروي عن الليث وابن لهيعة وعنه ابناه سليم وداود وأحمد بن منيع إليه المنتهى في بلاغة الوعظ وترقيق القلوب وتحريك الهمم ، وعظ ببغداد والشام ومصر وقد استقى مرة بالمصريين فسقوا. ت ٢٢٥ ه‍ (الذهبي ، ميزان الاعتدال ٤ / ١٨٧).

(٢) في المخطوطة (وأن).

(٣) في المطبوعة (للنّائم).

(٤) هو العزّ بن عبد السلام تقدم ذكره في ١ / ١٣٢ ، وكتابه «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» طبع في القاهرة بمطبعة التقوى ونشرته المكتبة الحسينية ١٣٥٣ ه‍ / ١٩٣٤ م ، وطبع بالمكتبة التجارية بالقاهرة وطبع بدار الشروق بالقاهرة ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م ، وطبع بتحقيق طه عبد الرءوف سعد بمكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م وطبع بمكتبة صبيح بالقاهرة عام ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٦ م وطبع بمكتبة القاهرة عام ١٣٩٩ ه‍ / ١٩٧٩ م وطبع بدار الكتب العلمية ببيروت ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م ، وطبع بدار المعرفة ببيروت ١٤٠٨ ه‍ / ١٩٨٨ م

(٥) التبيان : ١١٢ ـ ١١٣ (طبعة دار المعرفة).

(٦) هو محمد بن يونس بن محمد ، عماد الدين ، أبو حامد بن يونس الموصلي ، أحد أئمة الشافعية. تفقه بالموصل ثم رحل إلى بغداد وسمع الحديث وعاد إلى الموصل ودرّس بها في عدة مدارس ، وعلا صيته وشاع ذكره ، كان إمام وقته له من التصانيف «المحيط» و «الوسيط» و «التحصيل» وغيرها. ت ٦٠٨ ه‍ (السبكي ، طبقات الشافعية ٥ / ٤٥).

١٠٦

وذكر غيره أنّ الإحراق أولى من الغسل ؛ لأن الغسالة قد تقع على الأرض ، وجزم القاضي الحسين في «تعليقه» (١) بامتناع الإحراق ؛ وأنه خلاف الاحترام ، والنووي بالكراهة ، فحصل ثلاثة أوجه.

وفي «الواقعات» (٢) من كتب الحنفية أنّ المصحف إذا بلي لا يحرق بل يحفر (٣) له في الأرض ، ويدفن.

ونقل عن الإمام أحمد أيضا : «وقد يتوقف فيه لتعرّضه للوطء بالأقدام».

(مسألة) ويستحب تطييب المصحف وجعله على كرسيّ ؛ ويجوز تحليته بالفضة إكراما له على الصحيح ، روى البيهقي بسنده إلى الوليد بن مسلم قال : «سألت مالكا عن تفضيض المصاحف ، فأخرج إلينا مصحفا فقال : حدثني أبي عن جدّي أنهم جمعوا القرآن في عهد عثمان رضي‌الله‌عنه ، وأنهم فضّضوا المصاحف على هذا ونحوه» (٤) ، وأما بالذهب فالأصحّ يباح للمرأة دون الرجل ، وخصّ بعضهم الجواز بنفس المصحف دون علاقته المنفصلة عنه ؛ والأظهر التسوية.

ويحرم توسّد المصحف وغيره من كتب العلم ؛ لأن فيه إذلالا وامتهانا ، وكذلك مدّ الرجلين (٥) إلى شيء من القرآن أو كتب العلم.

(٦) [ويستحب تقبيل المصحف] (٦) : لأنّ عكرمة بن أبي جهل (٧) كان يقبّله ، وبالقياس على

__________________

(١) هو الحسين بن محمد بن أحمد المرورّوذي الفقيه الشافعي تقدم التعريف به في ٢ / ٩٣ وكتابه التعليق ذكره السبكي في طبقات الشافعية ١ / ١٥٥ باسم «التعليق الكبير».

(٢) ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون ٢ / ١٩٩٩ عدة كتب باسم «الواقعات» وهي : «الواقعات في الفروع» لشمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلواني ت ٤٥٦ ه‍ ، وللجصاص أيضا ، ولطاهر بن أحمد البخاري صاحب الخلاصة ت ٥٤٢ ه‍ ، ولأبي اليسر ، وللإمام فخر الدين حسين بن منصور المعروف بقاضيخان ت ٥٩٢ ه‍.

(٣) في المطبوعة (تحفر).

(٤) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٤ / ١٤٤ ، كتاب الزكاة باب ما ورد فيما يجوز للرجل أن يتحلى به من خاتمه وحلية سيفه ومصحفه إذا كان من فضة.

(٥) عبارة المخطوطة (مدّ الرّجل الرّجل).

(٦) ساقط من المخطوطة.

(٧) أخرج الدارمي في السنن ٢ / ٤٤٠ ، كتاب فضائل القرآن عن ابن أبي مليكة «أن عكرمة بن أبي جهل كان يضع المصحف على وجهه ويقول : كتاب ربّي كتاب ربّي».

١٠٧

تقبيل (١) الحجر الأسود ؛ ولأنه هدية [من الله] (٢) لعباده ، فشرع تقبيله كما يستحب تقبيل الولد الصغير. وعن أحمد ثلاث روايات ؛ الجواز ، والاستحباب ، والتوقف. وإن كان فيه رفعة وإكرام ؛ لأنه لا يدخله قياس ؛ ولهذا قال عمر في الحجر : «لو لا أني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقبّلك ما قبلتك» (٣).

ويحرم السّفر بالقرآن إلى أرض العدوّ للحديث (٤) فيه ، خوف أن تناله أيديهم [ورماحهم] (٥) وقيل : [إن] (٥) كثر الغزاة وأمن استيلاؤهم عليه لم يمنع ؛ لقوله : «مخافة أن تناله أيديهم [ورماحهم] (٥)» (٦).

ويحرم كتابة القرآن بشيء نجس ؛ وكذلك ذكر الله تعالى ؛ وتكره كتابته في القطع الصغير ؛ رواه البيهقي عن عليّ (٧) وغيره. وعنه تنوّق رجل في (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فغفر له.

وقال الضحاك بن مزاحم : «ليتني قد رأيت الأيدي تقطع فيمن (٨) كتب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يعني لا يجعل له سنّات. قال : وكان ابن سيرين يكره ذلك كراهة شديدة.

ويستحب تجريد المصحف عمّا سواه. وكرهوا الأعشار والأخماس معه ، وأسماء السّور وعدد الآيات. وكانوا يقولون : جرّدوا المصحف. وقال الحليميّ : «يجوز ، لأن النقط ليس له

__________________

(١) تصحفت في المخطوطة إلى (لا يقبل).

(٢) ليست في المطبوعة.

(٣) متفق عليه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٣ / ٤٦٢ ، كتاب الحج (٢٥) ، باب ما ذكر في الحجر الأسود (٥٠) ، الحديث (١٥٩٧) ، ومسلم في الصحيح ٢ / ٩٢٥ ، كتاب الحج (١٥) ، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف (٤١) ، الحديث (٢٤٨ / ١٢٧٠).

(٤) في المخطوطة (ولحديث).

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) شطرة من حديث لعبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما ، أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ١٣٣ ، كتاب الجهاد (٥٦) ، باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو (١٢٩) ، الحديث (٢٩٩٠) ، ومسلم في الصحيح ٣ / ١٤٩٠ ، كتاب الإمارة (٣٣) ، باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار ... الحديث (٩٣ / ١٨٦٩).

(٧) أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن إبراهيم «أن عليا كان يكره أن تتخذ المصاحف صغارا» وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ١٠ / ٥٤٣ وانظر ما قاله الحليمي في المنهاج ٢ / ٢٦٠ عن تفخيم قدر المصحف وتفريج خطه.

(٨) في المخطوطة (من).

١٠٨

قراءة (١) ، فيتوهّم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا ، وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يضر إثباتها لمن يحتاج إليها» (٢).

وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» في الصلاة وفي فضائل القرآن : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم [قال] (٣) ، قال عبد الله بن مسعود : «جرّدوا القرآن» (٤) ، وفي رواية : «لا تلحقوا به ما ليس منه» (٤) ، ورواه عبد الرزاق في «مصنّفه» (٤) في أواخر الصوم. ومن طريقه رواه الطّبراني في «معجمه» (٤) ، ومن طريق ابن أبي شيبة رواه إبراهيم الحربي في كتابه «غريب الحديث» (٥). وقال قوله : «جرّدوا» ، يحتمل فيه أمران : (أحدهما) أي جرّدوه في التلاوة ، ولا تخلطوا به (٦) غيره ، (والثاني) أي جرّدوه في الخطّ من النقط والتعشير.

قلت : الثاني أولى لأن الطبراني أخرج في «معجمه» عن مسروق عن ابن مسعود «أنه كان يكره التعشير في المصحف» (٧). وأخرجه البيهقي في كتاب «المدخل» ، وقال : قال أبو عبيد : «كان إبراهيم يذهب به إلى نقط المصاحف (٨). ويروى عن عبد الله «أنه كره التعشير في المصحف» (٩) [٧٣ / أ]. قال البيهقيّ : وفيه وجه آخر أبين منه ، وهو أنه أراد : لا تخلطوا به غيره من الكتب ؛ لأن ما خلا القرآن من كتب الله تعالى إنما يؤخذ عن اليهود والنصارى ؛ وليسوا

__________________

(١) تصحفت في المطبوعة إلى (قرار).

(٢) انظر المنهاج ٢ / ٢٦٢.

(٣) ساقطة من المطبوعة.

(٤) أخرجه عبد الرزاق في المصنف ٤ / ٣٢٢ ، باب ما يكره أن يصنع في المصاحف ، الحديث (٧٩٤٤) ، وأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ق ٦١ / ب باب نقط المصاحف وما ... (مخطوطة توبنجن) وابن أبي شيبة في المصنف ١٠ / ٥٥٠ ، باب من قال : جرّدوا القرآن (١٨١٠) والطبراني في المعجم الكبير ٩ / ٤١٢ من طريق أبي الزعراء عن عبد الله الحديث (٩٧٥٣) ، وأخرجه الداني في المحكم ص : ١٠.

(٥) «غريب الحديث» لإبراهيم بن إسحاق أبي إسحاق الحربي طبع مؤخرا بتحقيق سليمان إبراهيم محمد العائد ونشره مركز البحث العلمي بمكة المكرمة عام ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م في ٣ ج.

(٦) في المخطوطة (فيه).

(٧) وأخرجه عبد الرزاق في المصنف ٤ / ٣٢٢ ، باب ما يكره أن يصنع في المصاحف الحديث (٧٩٤٢) وأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ق ٦٢ / أ(مخطوطة توبنجن) ، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١٠ / ٥٤٨ باب التعشير في المصحف ، والداني في المحكم ص : ١٤.

(٨) في المخطوطة (المصحف).

(٩) أبو عبيد ، فضائل القرآن ق ٦١ / ب (مخطوطة توبنجن).

١٠٩

بمأمونين عليها. وقوي هذا الوجه بما أخرجه عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال : «لما خرجنا إلى العراق خرج معنا عمر بن الخطاب يشيّعنا فقال : إنكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل فلا تشغلوهم بالأحاديث فتصدّوهم جرّدوا (١) القرآن (٢)».

قال : فهذا معناه أي لا تخلطوا معه غيره.

(خاتمة) روى البخاري في «تاريخه الكبير» بسند صالح حديث : «من قرأ القرآن عند ظالم ليرفع منه ، لعن بكل حرف عشر لعنات».

__________________

(١) في المخطوطة (وجرّدوا).

(٢) أخرج نحوه ابن ماجة في السنن ١ / ١٢ ، المقدمة ، باب المتوقّي في الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحديث (٢٨).

١١٠

النوع الثلاثون (١)

في أنه هل يجوز في التصانيف والرسائل

والخطب استعمال بعض آيات القرآن

وهل يقتبس منه في شعر ويغير نظمه بتقديم

وتأخير وحركة إعراب

جوّز ذلك بعضهم للمتمكّن من العربية ؛ وسئل الشيخ عز الدين فقال : ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) للتوسع في هذا النوع انظر : الفوائد المشوّق إلى علوم القرآن لابن قيم الجوزية ص ١٧٣ ـ ١٧٧ ، القسم الثالث عشر : الاقتباس ، ويسمى التضمين ، والإتقان للسيوطي ١ / ٣١٤ ـ ٣١٧ ، في أواخر النوع الخامس والثلاثين. فصل في الاقتباس وما جرى مجراه ، ومفتاح السعادة لطاش كبري ٢ / ٣٧١ ، في الدوحة السادسة في العلوم الشرعية ، الشعبة الثامنة : في فروع العلوم الشرعية ، المطلب الثالث : في فروع علم التفسير ، علم معرفة جواز الاقتباس وما جرى مجراه ، وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٤٩١ ، علم معرفة الاقتباس وما جرى مجراه ، وإيضاح المكنون للبغدادي ١ / ١١٠ و ٢٩٤ ، وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان (بالألمانية) ٢ / ١٠٣ ، ومعجم المطبوعات العربية لسركيس : ١٩٨ ودائرة المعارف الإسلامية (الترجمة العربية الأولى) ٢ / ٤٥٦ ، مادة (اقتباس) ، ومعجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفّار : ٦٩ و ٧٣ و ٩٧ ، ومعجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ ١ / ٤٠ و ٥٩ ، ومقال لعبد الفتاح البحيري بعنوان «التضمين في القرآن الكريم» نشر في مجلة اللغة العربية بالرياض عام ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٣ م.

* من الكتب المؤلفة في هذا النوع «الاقتباس من القرآن الكريم» للثعالبي ، أبي منصور عبد الملك بن محمد (ت ٤٢٩ ه‍) طبع بتحقيق ابتسام مرهون الصفار بدار الحرية في بغداد عام ١٣٩٥ ه‍ / ١٩٧٥ م في (٣٢٧) ص* «تضمين الآي» لأبي العلاء المعرّي ، أحمد بن عبد الله ت ٤٩٩ ه‍ (معجم الأدباء ١ / ١٨) * «تضمين الآي الشريفة والأحاديث النبوية» لناصر الدين شافع بن علي بن عباس العسقلاني ، ت ٧٣٠ ه‍ (إيضاح المكنون ١ / ٢٩٤) * «أساس الاقتباس» لابن غياث الدين ، اختيار الدين ابن غياث الدين الحسيني (ت ٩٢٨ ه‍) طبعه عبد الحافظ الطائفي بالآستانة عام ١٢٨٩ ه‍ / ١٨٧٩ م ، وطبع بمطبعة السعادة بالقاهرة عام ١٣٢٣ ه‍ / ١٩٠٤ م في (١٧٣) ص* «اقتباس آي القرآن» للبربير الحسيني ؛ أحمد بن عبد اللطيف بن أحمد ، ت ١٢٢٦ ه‍ (معجم مصنفات القرآن ١ / ٥٩) * «التضمين» لحسين والي ، بحث مضمن في كتاب «النحو الوافي» لعباس حسن (فهرست الكتب النحوية المطبوعة : ٥٩).

١١١

«وجهت وجهي» (١) والتلاوة (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) (الأنعام : ٧٩).

وما روى البخاري (٢) في كتاب إلى هرقل : «سلام على من اتّبع الهدى (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ) (آل عمران : ٦٤)».

ومن دعائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم آتنا في الدنيا حسنة» (٣).

وفي حديث آخر لابن عمر : «قد كان لكم في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسوة حسنة» (٤).

وقال عليه‌السلام : «اللهم فالق الإصباح ، وجاعل الليل سكنا ، والشمس والقمر حسبانا ، اقض عنّي الدين ، وأغنني من الفقر» (٥).

وفي سياق كلام لأبي بكر [رضي‌الله‌عنه] (٦) : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء : ٢٢٧) فقصد الكلام ولم يقصد التلاوة.

وقول عليّ رضي‌الله‌عنه : إنّي مبايع صاحبكم (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) (الأنفال : ٤٢).

وقول الخطيب ابن نباتة (٧) : «هناك (٨) يرفع الحجاب ، ويوضع الكتاب ، ويجمع من له

__________________

(١) من حديث طويل لعلي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه أخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٥٣٤ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦) ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (٢٦) ، الحديث (٢٠١ / ٧٧١).

(٢) من رواية أبي سفيان بن حرب في الصحيح ١ / ٣١ ، كتاب بدء الوحي (١) باب (٦) ، الحديث (٧).

(٣) من حديث متّفق عليه عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١١ / ١٩١ ، كتاب الدعوات (٨٠) ، باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة (٥٥) ، الحديث (٦٣٨٩). ومسلم في الصحيح ٤ / ٢٠٧٠ ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٤٨) ، باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار الحديث (٢٦ و ٢٧ / ٢٦٩٠.

(٤) متّفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح ٢ / ٤٨٨ ، كتاب الوتر (١٤) ، باب الوتر على الدابّة (٥) ، الحديث (٩٩٩) ، ومسلم في الصحيح ١ / ٤٨٦ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت (٤) الحديث (٣٦ / ٧٠٠).

(٥) أخرجه مالك في الموطأ ١ / ٢١٢ ، كتاب القرآن (١٥) ، باب ما جاء في الدعاء (٨) ، الحديث (٢٧).

(٦) ما بين الحاصرتين ساقطة من المطبوعة.

(٧) هو عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الحذافي الفارقي ، خطيب زمانه ، كان خطيبا بحلب للملك سيف الدولة ، وقد اجتمع بأبي الطيب المتنبي ، وكان فصيحا مفوها ، بديع المعاني وكان فيه خير وصلاح ، رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في نومه ثم استيقظ وعليه أثر نور لم يعهد فيما قبل. ت ٣٧٤ ه‍ بميّافارقين (ابن خلكان ، وفيات الأعيان ٣ / ١٥٦) ، والخطبة ذكرها صاحب «المثل السائر» في باب التضمين ٢ / ٣٤٧.

(٨) في المخطوطة (هنالك).

١١٢

الثواب ، وحق عليه العذاب ، فضرب بينهم بسور له باب».

وقال النوويّ [رحمه‌الله] (١) : إذا قال : (خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) (مريم : ١٢) وهو جنب ، وقصد غير القرآن جاز [له] (١) وله أن يقول : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (الزخرف : ١٣)».

قال إمام الحرمين : «إذا قصد القرآن بهذه الآيات عصى ، وإن قصد الذّكر ولم يقصد شيئا لم يعص» وللطّرطوشيّ (٢).

رحل الظاعنون عنك وأبقوا

في حواشي الأحشاء (٣) وجدا مقيما

قد وجدنا السّلام بردا سلاما (٤)

إذ وجدنا النّوى عذابا أليما

وثبت عن الشافعيّ (٥) :

أنلني بالذي استقرضت خطّا

وأشهد معشرا (٦) قد شاهدوه

فإن الله خلاّق البرايا

عنت لجلال هيبته الوجوه

يقول «إذا تداينتم بدين

إلى أجل مسمّى فاكتبوه»

ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني «أنّ تضمين القرآن في الشعر مكروه ، وأئمة البيان جوّزوه وجعلوه من أنواع البديع ، وسمّاه القدماء تضمينا والمتأخرون اقتباسا ، وسمّوا ما كان من شعر تضمينا».

(مسألة) يكره ضرب (٧) الأمثال بالقرآن (٧) ، نصّ عليه من أصحابنا العماد النّيهيّ (٨) صاحب البغويّ ، كما وجدته في «رحلة ابن الصلاح» (٩) بخطه.

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) هو محمد بن الوليد بن محمد بن خلف أبو بكر الفهري الطرطوشي الأندلسي ، شيخ المالكية ، عالم الإسكندرية القدوة الزاهد الفقيه لازم القاضي أبا الوليد الباجي وأخذ عنه مسائل الخلاف وسمع بالبصرة من أبي علي التستري له من التصانيف «سراج الملوك» كان دينا متواضعا متقشفا متقللا من الدّنيا. ت ٥٢٠ ه‍ (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٩ / ٤٩٠).

(٣) في المخطوطة (الحشا).

(٤) في المخطوطة (وسلاما).

(٥) في المخطوطة (وثبت للشافعي).

(٦) في المخطوطة (معبرا).

(٧) في المخطوطة (القرآن بالأمثال).

(٨) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد النيهي تقدم ذكره في ٢ / ١٠٥.

(٩) وهي فوائد جمعها ابن الصلاح في رحلته إلى الشرق وهي عظيمة النفع في سائر العلوم مفيدة جدا ، ذكرها حاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ٨٣٦.

١١٣

وفي كتاب «فضائل القرآن» لأبي عبيد [عن] (١) النّخعيّ (٢) قال : «كانوا يكرهون أن يتلو الآية عند شيء يعرض من أمور الدنيا».

قال أبو عبيد : «وكذلك الرجل يريد لقاء صاحبه أو يهمّ بحاجته (٣) ، فيأتيه من غير طلب فيقول كالمازح : (جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) (طه : ٤٠) ؛ فهذا من الاستخفاف بالقرآن ، ومنه قول ابن شهاب : لا تناظر بكتاب الله ولا بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال أبو عبيد : [يقول] (٤) : لا تجعل لهما نظيرا من القول ولا (٥) الفعل».

(تنبيه) لا يجوز تعدّي أمثلة القرآن ؛ ولذلك أنكر على الحريري (٦) [في] (٧) قوله في مقامته الخامسة عشرة (٨) «فأدخلني بيتا أحرج من (٩) التابوت ، وأوهن (١٠) من بيت العنكبوت» ، فأيّ معنى أبلغ من معنى أكّده الله من ستة أوجه ؛ حيث قال : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) (العنكبوت : ٤١) فأدخل إنّ ، وبنى أفعل التفضيل ، وبناه من الوهن ، وأضافه إلى الجمع ، وعرّف الجمع باللام [٧٣ / ب] وأتى في خبر إنّ باللام ، و [قد] قال [الله] (١١) تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) (الأنعام : ١٥٢) وكان اللائق بالحريريّ ألاّ يتجاوز هذه المبالغة وما بعد تمثيل الله تمثيل ، وقول الله أقوم قيل ، وأوضح سبيل ؛ ولكن قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً) (البقرة : ٢٦) وقد ضرب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثالا لما دون ذلك فقال : «لو كانت الدّنيا تزن عند الله جناح بعوضة ...» (١٢) وكذلك قول بعضهم :

ولو أنّ ما بي من جوى وصبابة

على جمل لم يبق في النار خالد

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) تقدم ذكره في ١ / ٢٧٦.

(٣) في المخطوطة (صاحبه).

(٤) ساقطة من المخطوطة.

(٥) في المخطوطة (أو).

(٦) تقدم ذكره في ١ / ١٦٤.

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) وهي المقامة الفرضية (بشرح الشريشي) ١ / ٢٣٠.

(٩) في المخطوطة (منه).

(١٠) في المطبوعة (وأوهى).

(١١) ليست في المطبوعة.

(١٢) قطعة من حديث لسهل بن سعد رضي‌الله‌عنه ، وتمام الحديث «... ما سقى كافرا منها قطرة ماء» وهي رواية ابن ماجة في السنن ٢ / ١٣٧٦ ـ ١٣٧٧ ، كتاب الزهد (٣٧) ، باب مثل الدنيا (٣) الحديث (٤١١٠) ، وأخرجه الترمذي في السنن ٣ / ٥٦٠ ، كتاب الزهد (٣٧) باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عزوجل (١٣) ، الحديث (٢٣٢٠).

١١٤

غفر الله له ؛ والله تعالى يقول : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) (الأعراف : ٤٠) فقد جعل ولوج الجمل في السّمّ غاية لنفي دخولهم الجنة ، وتلك غاية لا توجد ، فلا يزال دخولهم الجنة منفيا ، وهذا الشاعر وصف جسمه بالنحول ، بما يناقض الآية.

ومن هذا جرت مناظرة بين أبي العباس أحمد بن سريج (١) ، ومحمد بن داود الظاهريّ (٢) ؛ قال أبو العباس له : أنت تقول بالظاهر وتنكر القياس ، فما تقول في قوله الله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة : ٧ و ٨) فمن يعمل [مثقال] نصف ذرة ما حكمه؟ فسكت محمد طويلا وقال : أبلغني ريقي ؛ قال له أبو العباس : قد أبلعتك : دجلة ، قال : أنظرني ساعة ، قال : أنظرتك إلى قيام الساعة ، وافترقا ، ولم يكن بينهما غير ذلك.

وقال بعضهم : وهذا من مغالطات ابن سريج وعدم تصوّر ابن داود : لأن الذرة ليس لها أبعاض فتمثّل بالنصف والربع وغير ذلك من الأجزاء ؛ ولهذا قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (النساء : ٤٠) فذكر سبحانه ما لا يتخيّل في الوهم أجزاؤه ، ولا يدرك تفرقه.

__________________

(١) هو أحمد بن عمر بن سريج الإمام أبو العباس البغدادي الشافعي لحق أصحاب سفيان بن عيينة ، ووكيع ، وسمع من الحسن بن محمد الزعفراني تلميذ الشافعي ، وبه انتشر مذهب الشافعي ببغداد ت ٣٠٦ ه‍ (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٤ / ٢٠١) وأورد المناظرة السبكي في طبقات الشافعية ٢ / ٨٧.

(٢) هو محمد بن داود بن علي أبو بكر الظاهري صاحب المذهب كان يجتهد ولا يقلد أحدا ، له من التصانيف «الزهرة» وله كتاب في «الفرائض» وغيرها تصدّر للفتيا بعد والده ، ت ٢٩٧ ه‍ (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ١١٤).

١١٥

النوع الحادي والثلاثون

معرفة الأمثال (١)

الكائنة فيه

وقد روى البيهقيّ (٢) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ القرآن نزل على خمسة أوجه : حلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال ، فاعملوا بالحلال ، واجتنبوا الحرام ، واتّبعوا المحكم ، وآمنوا بالمتشابه ، واعتبروا بالأمثال».

__________________

(١) للتوسع في هذا النوع انظر : الفهرست لابن النديم ص ٢٣٨ ، وأسرار البلاغة للجرجاني : ٩٢ ـ ١١٨. والإشارة إلى الإيجاز للعز بن عبد السلام ص ٢١٣ فصل في ضرب الأمثال في القرآن ، والفوائد المشوق إلى علوم القرآن لابن القيم ص ٩٨ ، والإتقان للسيوطي ٤ / ٣٨ ، النوع السادس والستون في أمثال القرآن ، ومفتاح السعادة لطاش كبري زادة ٢ / ٤٩٤. علم معرفة أمثال القرآن وكشف الظنون لحاجي خليفة ١ / ١٦٨ ، وأبجد العلوم للقنوجي ٢ / ٤٩٢ ، علم معرفة أمثال القرآن «والأمثال القرآنية ، دراسة وتحليل وتصنيف ورسم لأصولها وقواعدها ومناهجها» لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني (طبع بدار القلم بدمشق عام ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م في ١٦٩ ص) ومقال «المثل في القرآن الكريم» لسليم الجندي نشر في مجلة رسالة الإسلام البغدادية الأعداد (٢ ـ ٥) سنة ١٣٦٠ ه‍ / ١٩٤١ م ، ومقال «أمثال القرآن» لعبد الرحمن التكريتي نشر في مجلة رسالة الإسلام العدد (٧٣) سنة ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م ومقال «الأمثال في القرآن الكريم» لأمين الخولي ، نشر في مجلة رسالة الإسلام العدد (٦٥) سنة ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٢ م ، ومقال «أسلوب التمثيل في القرآن». لعزّ الدين إسماعيل ، نشر في مجلة الأزهر ، مج (٢٢) ، ع (١) ١٣٧٠ ه‍ / ١٩٥٠ م.

* «ومن الكتب المصنفة في أمثال القرآن : «الأمثال في القرآن» لأبي بكر المديني (؟) وهو رسالة دبلوم في دار الحديث الحسنية بالرباط عام ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م* «الأمثال الكامنة في القرآن» للحسين بن الفضل ، أبي علي البجلي الكوفي ثم النيسابوري ت ٢٨٢ ه‍ (فهرسة ابن خير : ٧٥) * «أمثال القرآن» للقواريري ، أبي القاسم جنيد بن محمد ، ت ٢٩٨ ه‍ (هدية العارفين ١ / ٢٥٨) * «الأمثال من الكتاب والسنة» للحكيم الترمذي ، أبي عبد الله محمد بن علي (ت ٣٢٠ ه‍) طبع بتحقيق علي محمد البجاوي بدار نهضة مصر بالقاهرة ، عام ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٥ م في (٢٨٧) ص* «أمثال القرآن» لنفطويه ، إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي (معجم الأدباء ١ / ٢٧٢) * «أمثال القرآن» للإسكافي ، أبي علي محمد بن أحمد بن الجنيد ت ٣٨١ ه‍ (الفهرست لابن النديم : ٢٣٨) * «أمثال القرآن» لأبي عبد الرحمن محمد بن حسين بن موسى السلمي النيسابوري ت ٤٠٦ ه‍ (كشف الظنون ١ / ١٦٨) * «الأمثال الكامنة في

(٢) في شعب الإيمان ذكره السيوطي في جمع الجوامع ص : ١١٩.

١١٦

وقد عدّه الشافعيّ (١) مما يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن ، فقال : «ثم معرفة ما ضرب فيه من الأمثال الدوالّ على طاعته ، المبيّنة لاجتناب معصيته ، وترك الغفلة عن الحظّ والازدياد من نوافل الفضل» (١) [انتهى] (٢).

وقد صنّف فيه من المتقدمين الحسين بن الفضل (٣) وغيره ؛ وحقيقته إخراج الأغمض إلى الأظهر ؛ وهو قسمان : ظاهر وهو المصرّح به ، وكامن وهو الذي لا ذكر للمثل فيه ، وحكمه حكم الأمثال.

__________________

القرآن» للقضاعي ، أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بن إسحاق (؟) (فهرسة ابن خير : ٧٥) * «أمثال القرآن» للماوردي ، أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الشافعي ت ٤٥٠ (كشف الظنون ١ / ١٦٨) * «أمثال القرآن» لابن الخيمي ، أبي طالب محمد بن علي ت ٦٤٢ ه‍ (بغية الوعاة ١ / ١٨٥) * «الأمثال من القرآن والسنة» للمنذري ؛ أبي محمد زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي ، ت ٦٥٦ ه‍ (ذكره عبد الرحمن التكريتي في مقالته «الأمثال من القرآن والسنة» في مجلة «رسالة الإسلام» البغدادية ، العدد ٣٧ ، سنة ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٣ م) * «أمثال القرآن» لابن قيم الجوزية شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي (ت ٧٥١ ه‍) طبع بتحقيق ناصر الرشيد بدار مكة عام ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م في (٦٢) ص ، وطبعه سعيد محمد نمر الخطيب باسم «الأمثال في القرآن الكريم» بدار المعرفة في بيروت عام ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م في (٢٨٨) ص* «رسالة في أمثال القرآن مع شرح روضات الأمثال» للكوز كفاني ، أحمد بن عبد الله (؟) طبع في فارس عام ١٣٢٤ ه‍ / ١٩٠٥ م* «أمثال القرآن» لعلي أصغر حكمت طبع بمطبعة المجلسي دار المعرفة بطهران عام ١٣٣٣ ه‍ / ١٩١٤ م* «أمثال القرآن» للموسوي محمد طاهر ، طبع ببغداد في مكتبة التوجيه العامة عام ١٣٨٠ ه‍ / ١٩٦٠ م* «أمثال القرآن وأثرها في الأدب العربي إلى القرن ٣ ه‍» لنور الحق تنوير الباكستاني ، والكتاب رسالة ماجستير مطبوع على الآلة الكاتبة بدار العلوم بالقاهرة (معجم مصنفات القرآن ٣ / ١٨٢) * «الأمثال في القرآن» لمحمود بن الشريف طبع ضمن سلسلة اقرأ بدار المعارف بالقاهرة تحت رقم (٢٦) عام ١٣٨٤ ه‍ / ١٩٦٤ م في (١١١) ص ، وأعيد طبعه بدار عكاظ بالرياض* «الأمثال في القرآن» لمحمد جابر الفياض ، والكتاب رسالة ماجستير قدمت بجامعة عين شمس بالقاهرة عام ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م* «المثل في القرآن والكتاب المقدس» لعبد الرحمن محمود عبد الله ، وهو رسالة ماجستير في جامعة بغداد عام ١٣٩١ ه‍ / ١٩٧١ م* «أمثال القرآن» للشريف منصور عون العبدلي ، وهو رسالة ماجستير بكلية الشريعة بمكة المكرمة عام ١٣٩٤ ه‍ / ١٩٧٤ م* «أمثال القرآن» لحسين المصري طبع بمكتبة الأنجلو المصرية في القاهرة* «الأمثال القرآنية ـ دراسة تحليلية» لمحمد بكر إسماعيل طبع بمطبعة الأمانة بالقاهرة عام ١٤٠٦ ه‍ / ١٩٨٦ م.

(١) الرسالة : ٤١ (بتحقيق شاكر) باب البيان الخامس المسألة (١٣٠).

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) تصحف الاسم في المخطوطة والمطبوعة إلى (الحسن) وكذا هو عند ابن خير الإشبيلي في فهرسته : ص ٥ ، والتصويب من الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٣ / ٤١٤ ، فقد ذكر ابن خير في نهاية سنده لمؤلف الكتاب : أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم يقول سمعت أبي يقول : سألت الحسن بن الفضل ... وذكره الذهبي

١١٧

وقسمه أبو عبد الله البكرآباذي (١) إلى أربعة أوجه : (أحدها) إخراج ما لا يقع عليه الحسّ إلى ما يقع عليه ، (وثانيها) إخراج ما لا يعلم [به] (٢) ببديهة العقل إلى ما يعلم بالبديهة ، (وثالثها) إخراج ما لم تجر به العادة إلى ما جرت به العادة ، (ورابعها) إخراج ما لا قوّة له من الصفة إلى ماله قوة [انتهى] (٢).

وضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة : التذكير ، والوعظ ، والحثّ ، والزجر ، والاعتبار ، والتقرير وترتيب المراد للعقل ، وتصويره في صورة المحسوس ؛ بحيث يكون نسبته للفعل (٣) كنسبة المحسوس إلى الحسّ. وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر ، وعلى المدح والذم ، وعلى الثواب والعقاب ، وعلى تفخيم الأمر أو (٤) تحقيره ، وعلى تحقيق أمر بإبطال أمر ، وقال تعالى : (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) (إبراهيم : ٤٥) فامتنّ علينا بذلك لما تضمنت هذه الفوائد ، وقال تعالى : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) (الروم : ٥٨) ، وقال : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ) (العنكبوت : ٤٣).

والأمثال مقادير الأفعال ، والمتمثّل كالصانع الذي يقدّر صناعته ، [ثم يعربه] (٥) كالخياط (٦) يقدّر الثوب على قامة المخيط ، [ثم يفريه] (٧) ، ثم يقطع. وكلّ شيء له قالب ومقدار ، وقالب الكلام ومقداره الأمثال (٨).

وقال الخفاجيّ (٩) : سمي مثلا [٧٤ / أ] لأنه ماثل بخاطر الإنسان أبدا ، أي شاخص (١٠) ، فيتأسّى به ويتّعظ ، ويخشى ويرجو (١٠) ، والشاخص : المنتصب. وقد جاء بمعنى الصفة ، كقوله

__________________

في السير في ترجمة الحسين بن الفضل فقال : قال الحاكم : سمعت إبراهيم بن مضارب ، سمعت أبي يقول : كان علم الحسين بن الفضل بالمعاني إلهاما من الله ... فظهر أنهما واحد. وهو الحسين بن الفضل أبو علي البجلي الكوفي ثم النيسابوري العلامة المفسّر الإمام اللغوي المحدث عالم عصره ، قال الحاكم : الحسين بن الفضل بن عمير المفسر إمام عصره في معاني القرآن أقدمه ابن طاهر معه نيسابور وابتاع له دار عزرة فبقي يعلم الناس ويفتي في تلك الدار إلى أن توفي سنة ٢٨٢ ه‍ ، وهو ابن واربع سنين (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٤١٤). وكتابه ذكره ابن خير في فهرسته ص : ٧٥ ، باسم «الأمثال الكامنة في القرآن».

(١) في المخطوطة أبو عبيد الله (التكراباذي) ولم نعثر له على ترجمة.

(٢) ساقطة من المطبوعة.

(٣) في المخطوطة (إلى العقل).

(٤) في المخطوطة (و).

(٥) ساقطة من المطبوعة.

(٦) في المخطوطة (كالخياطة).

(٧) ساقطة من المخطوطة.

(٨) في المخطوطة (للأمثال).

(٩) هو عبد الله بن محمد بن سعيد تقدم ذكره في ١ / ١٥٣.

(١٠) اضطربت هذه العبارة في المخطوطة.

١١٨

تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (النحل : ٦٠) أي الصفة العليا ، وهو قول «لا إله إلا الله» ، وقوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (الرعد : ٣٥) أي صفتها.

ومن حكمته تعليم البيان : وهو من خصائص هذه الشريعة ، والمثل أعون شيء على البيان.

فإن قلت : لما ذا كان المثل عونا على البيان ، وحاصله قياس معنى بشيء ، من عرف ذلك المقيس فحقّه الاستغناء عن شبيهه ، ومن لم يعرفه لم يحدث التشبيه عنده معرفة! والجواب أنّ الحكم والأمثال تصوّر المعاني تصوّر الأشخاص ؛ فإن الأشخاص والأعيان أثبت في الأذهان ، لاستعانة الذهن فيها بالحواسّ : بخلاف المعاني المعقولة ؛ فإنها مجرّدة عن الحسّ ولذلك دقت ؛ ولا ينتظم مقصود التشبيه والتمثيل إلا [بأن] (١) يكون المثل المضروب مجرّبا مسلّما عند السامع.

وفي ضرب الأمثال من تقرير المقصود ما لا يخفى ؛ إذ الغرض من المثل تشبيه الخفيّ بالجليّ ؛ والشاهد بالغائب (٢) ، فالمرغّب في الإيمان مثلا إذا مثّل له بالنور تأكّد في [قلبه] (٣) المقصود ، والمزهّد (٤) في الكفر إذا مثّل له بالظلمة تأكد قبحه في نفسه.

وفيه أيضا تبكيت الخصم ، وقد أكثر تعالى في القرآن و [في] (٥) سائر كتبه من الأمثال ، وفي سور الإنجيل : «سورة الأمثال» قال الزمخشري (٦) : «التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعاني ، وإدناء المتوهّم من المشاهد ؛ فإن كان المتمثّل له عظيما كان المتمثّل به مثله ، وإن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك ؛ فليس العظم والحقارة في المضروب به المثل إلا بأمر استدعته حال الممثّل له ، ألا ترى أن الحقّ لما كان واضحا جليا تمثّل له بالضياء والنور ، وأنّ الباطل لما كان بضده تمثل له بالظلمة ، وكذلك جعل بيت العنكبوت مثلا في الوهن والضعف (٧) [وجعل أخس قدرا من الذباب وضربت لهذا البعوضة] (٧).

__________________

(١) في المخطوطة (أن).

(٢) في المخطوطة (والغائب بالشاهد).

(٣) ساقطة من المخطوطة.

(٤) في المخطوطة (والزهد).

(٥) ساقطة من المخطوطة.

(٦) انظر الكشاف ١ / ٣٧ ـ ٣٨ ، في الكلام على قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً).

(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.

١١٩

والمثل هو المستغرب ، قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (النحل : ٦٠) ، وقال تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (الرعد : ٣٥) ؛ ولما كان المثل السائر فيه غرابة استعير لفظ المثل للحال ، أو الصفة ، أو القصة ، إذا كان لها شأن وفيها غرابة.

أمّا استعارته للحال فكقوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) (البقرة : ١٧) [أي] (١) حالهم العجيب الشأن كحال الذي استوقد نارا.

وأما استعارته للوصف فكقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (النحل : ٦٠) أي الوصف الذي له شأن ، وكقوله : (مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) (الفتح : ٢٩) ، وكقوله : (كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً) (البقرة : ٢٦٤) وقوله (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) (العنكبوت : ٤١) ، وقوله سبحانه : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (الجمعة : ٥).

وأما استعارته للقصة فكقوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (الرعد : ٣٥) أي فيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة ؛ ثم أخذ في بيان عجائبها.

لا يقال : إن في هذه الأقسام الثلاثة تداخلا ، فإن حال الشيء هي وصفه ، ووصفه هو حاله ، لأنا نقول : الوصف يشعر ذكره بالأمور الثابتة الذاتية أو قاربها من جهة (٢) اللزوم للشيء وعدم الانفكاك عنه ، وأما الحال فيطلّق على ما يتلبس (٣) به الشخص مما هو غير ذاتيّ له ولا لازم ، فتغايرا. وإن أطلق أحدهما على الآخر فليس ذلك إطلاقا حقيقيا. وقد يكون الشيء مثلا له في الجرم ، وقد يكون ما تعلقه (٤) النفس ويتوهّم من الشيء مثلا ، كقوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) (البقرة : ١٧) ؛ معناه أن الذي (٥) [يتحصل في النفس الناظر في أمرهم ، كالذي] (٥) يتحصّل في نفس الناظر من أمر المستوقد ؛ قاله ابن عطية (٦) ، وبهذا يزول الإشكال الذي في تفسير قوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) (الرعد : ٣٥) وقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١) لأن ما يحصل للعقل من وحدانيته وأزليّته ونفي ما لا يجوز عليه ليس يماثله فيه

__________________

(١) ساقطة من المخطوطة.

(٢) في المخطوطة (بجهة).

(٣) في المخطوطة (يتبين).

(٤) في المخطوطة (يعقله).

(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

(٦) انظر المحرر الوجيز ١ / ١٧٧.

١٢٠