أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٣

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٣

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٠

ويقال : في دار ابن داود التي على الصفا حمام (١).

١٨٥٨ ـ حدّثنا محمد بن منصور الجواز ، قال ثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «اتقوا بيتا يقال له الحمام» قالوا : يا رسول الله ، انه ينقي الوسخ والأذى. قال صلّى الله عليه وسلم : «فإذا دخله أحدكم فليستتر».

ذكر

حدّ من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام

١٨٥٩ ـ حدّثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، قال : ثنا هشام بن سليمان ، وعبد المجيد بن أبي رواد ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : من له المتعة؟ قال : قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي

__________________

١٨٥٨ ـ إسناده مرسل.

رواه عبد الرزاق ١ / ٢٩٠ ، عن الثوري ، عن ابن طاوس ، به.

وذكره الهيثمي في المجمع ١ / ٢٧٧ من رواية ابن عباس ، وقال : رواه البزّار ، والطبراني في الكبير ، ورجاله عند البزّار رجال الصحيح. إلّا أن البزّار قال : رواه الناس عن طاوس مرسلا.

١٨٥٩ ـ إسناده صحيح.

رواه عبد الرزاق ٢ / ٥٢٤ ، والأزرقي ٢ / ١٥٦ ، وابن جرير في التفسير ٢ / ٢٥٦ كلّهم من طريق : ابن جريج ، به بنحوه.

ورواه ابن أبي شيبة ٢ / ٤٤٥ من طريق : عمرو بن دينار ، وربيعة الجرشي ، عن عطاء به ، مختصرا. وذكره السيوطي في الدر المنثور ١ / ٢١٧ وعزاه للأزرقي ، عن عطاء بلفظه.

(١) أنظر عن هذا المبحث شفاء الغرام ١ / ٢٠.

١٠١

الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(١) قال : أما القرى الحاضرة المسجد الحرام التي لا يتمتع أهلها ، فالمطبنة (٢) بمكة المطلة عليها نخلتان (٣) ، ومرّ الظهران (٤) ، وعرفة ، وضجنان (٥) ، والرّجيع (٦). قال : فأما الأخرى التي ليست بحاضرة المسجد الحرام التي يتمتع أهلها ان شاؤا ، فالسفر ، والسفر ما تقصر فيه الصلاة. قال : كان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقول : السفر ما تقصر فيه الصلاة. قال : وكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقول : تقصر الصلاة إلى الطائف وعسفان (٧).

١٨٦٠ ـ حدّثنا سلمة بن شبيب ، قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله ذلك.

* وقال الزهري : من كان على يوم أو نحوه فهو كأهل مكة.

__________________

١٨٦٠ ـ إسناده صحيح.

رواه عبد الرزاق ٢ / ٥٢٧ ، عن معمر ، عنه ، قال : تقصر الصلاة في مسيرة يومين.

ورواه ابن أبي شيبة ٣ / ٢٠ بإسناد حسن.

(١) سورة البقرة (١٩٦).

(٢) كذا في الأصل. وعند الأزرقي والسيوطي (المطمئنة).

(٣) هي نخلة الشامية ، ويسمّيها بعضهم اليوم (المضيق) وتبعد (٤٥) كلم عن مكة على طريق حاج العراق القديم (قلب الحجاز للبلادي ص : ١٣). ونخلة الأخرى (اليمانية).

(٤) تسمّى اليوم (الجموم) أو : وادي فاطمة ، وهي في طريق المدينة ، وتبعد (١٨) كلم عن عمرة التنعيم.

(٥) تقدّم التعريف بها ، وتبعد (٤٠) كلم عن عمرة التنعيم ، البلادي قلب الحجاز ص : ٢٠.

(٦) يسمّى اليوم (هدى الشام) ، ولا زال ماؤه موجودا إلى اليوم ، وعنده غدرت عضل والقارة بالسبعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ويبعد عن مكة (٦٧) كلم. أنظر قلب الحجاز للبلادي ص : ١٨ ـ ١٩.

(٧) تبعد عسفان عن مكة (٨٠) كلم. (قلب الحجاز للبلادي ص : ٣٠).

١٠٢

ذكر

سيول مكة في الجاهلية

ويقال ـ والله أعلم ـ : إنّ وادي مكة سال سيلا عظيما في أول الدهر ، وذلك في زمن خزاعة ، وإنّ ذلك السيل هجم على مكة ، فدخل المسجد الحرام ، وأحاط بالكعبة ، ورمى بشجر الوادي أسفل مكة ، وجاء برجل وامرأة ، فعرفت المرأة ، وذكروا أنها امرأة كانت تكون بأعلى مكة ، يقال لها : فأرة ، ولم يعرف الرجل ، فسمّي ذلك السيل : سيل فأرة ، أو : أمّ فأرة ، وكانت السيول تعظم بعد ذلك في وادي مكة (١).

١٨٦١ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت سعيد بن المسيّب يقول : حدّثني أبي / عن جدي ، قال : جاء سيل في الجاهلية كسا ما بين الجبلين.

وقال بعض الناس : كان يقال لوادي مكة أسفلها ، وأعلاها : البطحاء ، والظواهر بوادي مكة.

١٨٦٢ ـ وحدّثنا محمد بن سليمان ، قال : ثنا المحاربي ، قال : ثنا داود بن

__________________

١٨٦١ ـ إسناده صحيح.

رواه الأزرقي ٢ / ١٦٧ عن جدّة ، عن سفيان ، به.

١٨٦٢ ـ إسناده صحيح.

المحاربي ، هو : عبد الرحمن بن محمد.

رواه الترمذي في التفسير ١٢ / ٢٥١ ، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف ٥ / ١٣٢) ، ـ

(١) الأزرقي ٢ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ، وأضاف أن المرأة من بني بكر.

١٠٣

أبي هند ، عن عكرمة ـ مولى ابن عباس ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : مرّ أبو جهل على النبي صلّى الله عليه وسلم وهو يصلي ، فقال : ألم أنهك يا محمد؟ لتنتهين أو لأفعلنّ بك. قال : فانتهره النبي صلّى الله عليه وسلم وأغلظ له ، قال : بم تهدّدني يا محمد؟ فما [في](١) هذا الوادي ـ يعني وادي مكة ـ أكثر ناديا منّي. قال : فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ، سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ)(٢). وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : لو نادى لأخذته ملائكة العذاب مكانه.

ذكر

سيول وادي مكة في الإسلام

فأما السيول التي كانت في الإسلام :

فمنها السيل الذي يقال له : سيل أمّ نهشل. كان في إمارة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أقبل من أعلى مكة ، حتى دخل المسجد الحرام ،

__________________

وابن جرير في التفسير ٣٠ / ٢٥٤ ، ٢٥٦ ، والبيهقي في الدلائل ٢ / ١٩٢ كلّهم من طريق : ابن أبي هند ، به.

ورواه أحمد ١ / ٢٤٨ ، ٣٦٨ ، والبخاري ٨ / ٧٢٤ كلاهما من طريق : الجزري عن عكرمة ، به. وذكره السيوطي في الدر المنثور ٦ / ٣٦٩ وزاد نسبته لعبد الرزاق في التفسير ، وعبد بن حميد ، وابن مردويه ، وابن المنذر ، كلّهم عن ابن عباس بنحوه.

(١) سقطت من الأصل.

(٢) سورة العلق (١٧ ، ١٨).

١٠٤

وكان طريقه بين الدارين (١) ، فذهب ذلك السيل بأم نهشل بنت عبيدة (٢) ابن سعيد بن العاص بن أمية ، حتى استخرجت منه بأسفل مكة ، فسمّي : سيل أم نهشل ، واقتلع مقام ابراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ حتى قدم عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ مكة ، فبنى الرّدم وسوّاه. وقد ذكرنا ذلك في ذكر المقام.

والردم من عند دار آل جحش بن رئاب التي يقال لها : دار أبان بن عثمان ، إلى دار ببّة ، بني بالضفائر والصخر ، فلم يعله سيل إلى يومنا هذا ، وقد جاءت سيول عظيمة (٣).

وكان سيل الجحاف في خلافة عبد الملك بن مروان سنة ثمانين. وفيها ولد ابن جريج ، ومات في سنة خمسين ومائة.

١٨٦٣ ـ حدّثنا محمّد بن يوسف الجمحي ، قال : ثنا هلال بن يونس ، قال : دخلت مكة سنة خمسين ومائة ، فلقيني زمعة بن صالح ، وأنا عند

__________________

١٨٦٣ ـ هلال بن يونس ، لم أقف عليه. وزمعة بن صالح ، هو : الجندي اليماني ، نزيل مكة : ضعيف.

(١) هما دار أبي سفيان ، ودار حنظلة بن أبي سفيان ، وسيأتي وصف الفاكهي لهما ، عند حديثه عن رباع بني عبد شمس. وموضع دار أبي سفيان في جهة المدّعى مما يلي باب السلام عند المسعى ، أدخلت في ساحات الحرم.

وكان هذا السيل في السنة السابعة عشرة. أنظر إتحاف الورى ٢ / ٧.

(٢) كذا في الأصل (بنت عبيدة) وهكذا أيضا في فتوح البلدان وإتحاف الورى ، وعند الأزرقي والفاسي (عبيد) وهو خطأ ، صوابه ما عند الفاكهي. وعبيدة هذا قتله الزبير بن العوّام في معركة بدر كافرا.

نسب قريش لمصعب ص : ١٧٤.

(٣) الأزرقي ٢ / ١٦٧ ـ ١٦٨ ، والبلاذري في فتوح البلدان ص : ٢٧١ ، وشفاء الغرام ٢ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، وإتحاف الورى ٢ / ٧ ـ ٨ ، والعقد الثمين ١ / ٢٠٥.

١٠٥

الصفا ، فقال : يا أبا محمد ، أما بلغك ما حدث أمس؟ قلت : لا. قال : دفنّا ابن جريج أمس.

صبّح الحاج ذلك السيل فذهب بمتاعهم وجحفهم جحفا ، وإنما سمي سيل الجحاف ، أنه جاء السيل وهم بالأبطح ، فجحفهم وأهلكهم وهم غارّون قد نزلوا في الوادي واضطربوا الأبنية ، ولم يكن من المطر إلا شيء يسير ، إنّما كان رشاشا ، ودخل المسجد الحرام وأحاط بالكعبة ، وهدم الدور الشوارع على الوادي ، ومات في الهدم خلق كثير ، وفرّ الناس منه في الجبال والشعاب ، وخرج العواتق من الخدور ، فقال عبد الله بن أبي عمّار في ذلك :

لم تر عيني مثل يوم الإثنين

أكثر محزونا وأبكى للعين

إذ خرج المخبّيات يسعين

سواندا في الجبلين يرقين (١)

وكان السيل يوم الإثنين. وتروى هذه الأبيات لأبي السنابل (٢).

١٨٦٤ ـ فحدّثنا الزبير بن بكّار ، قال : حدّثني محمد بن مسلمة المخزومي ، عن مالك بن أنس ، عن سليمان بن بلال ، قال : نظر ابن أبي عتيق إلى

__________________

١٨٦٤ ـ إسناده صحيح.

ومحمد بن مسلمة المخزومي ، أبو هشام المدني ، قال أبو حاتم : ثقة ، كان أحد فقهاء المدينة من أصحاب مالك ، وكان من أفقههم. الجرح ٨ / ٧١. وابن أبي عتيق ، هو : عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق ، تقدّم غير مرّة ، وكان صاحب دعابة وظرف. أنظر أخبار ظرفه في العقد الفريد ٧ / ١٨.

(١) الأزرقي ٢ / ١٦٨ ، والبلاذري في فتوح البلدان ص : ٧٢ ، وابن جرير في التاريخ ٨ / ٢ لكنه لم يذكر الشعر ، والفاسي في شفاء الغرام ٢ / ٢٦١ ، وإتحاف الورى ٢ / ١٠٨ ـ ١٠٩ وقد وقع عند الأزرقي والفاسي وابن فهد اسم الشاعر (عبد الله بن أبي عمارة) وهو خطأ ، صوابه ما ذكره الفاكهي. وقوله (سواندا) : جمع ساندة ، وهي المصعدة في الجبل. النهاية ٢ / ٤٨٠.

(٢) هو : عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر بن كريز. أنظر نسب قريش لمصعب ص : ١٤٩ ، والمحبّر ص : ٤٤١.

١٠٦

أعرابي في سيل الجحاف / وهو يذهب به تارة ويطفو به أخرى ، ويقول :

مرته الصّبا ولقحته الجبائب (١)

فقال له ابن أبي عتيق :

كن من شئت فأشهد أنك كريم.

وقال خالد بن أبي عثمان البصري (٢) :

كنت تلك السنة بمكة ، فرأيت رجلا يذهب به السيل ، وهو يقول : لبيّك الّلهم لبّيك ، إن كنت ابتليت لطالما عافيت. ورأيت امرأة ومعها صبيّ والسيل يذهب بها ـ قد رفعته ـ تنادي : من يأخذ هذا الصبيّ مني؟ حتى علاها الماء وعلا الصبي.

ومنها : سيل أبي شاكر ، في ولاية هشام بن عبد الملك في سنة عشرين ومائة (٣).

وفي هذه السنة مات عبد الله بن كثير الداري.

١٨٦٥ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، قال : ثنا قاسم الرحال سنة عشرين ومائة ، ونحن في جنازة عبد الله بن كثير الداري.

__________________

١٨٦٥ ـ إسناده صحيح.

قاسم الرحّال ، هو : ابن يزيد. تابعي ثقة ، يروى عن أنس. الجرح ٧ / ١٢٣ ، والأنساب ٦ / ٨٨. ـ

(١) مرته ، أي : استخرجته ، واستدرّته. من مرا ، يمري مريا ، إذا مسح ضرع الناقة لتدرّ لبنها. كأنه يريد أن ريح الصبا قد استخرجت هذا المطر من السحاب. لسان العرب ١٥ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

ولقحته : بثلاث فتحات : حملت به. (والجبائب) كذا في الأصل ، ويغلب على ظني أنها مصحفة من (السحائب).

(٢) تقدّمت ترجمته في الأثر (٣٤١) وكان قاضيا بالبصرة ، وأصله من مكة.

(٣) أنظر فتوح البلدان للبلاذري ص : ٧٣ ، وشفاء الغرام ٢ / ٢٦٤ ، والعقد الثمين ١ / ٢٠٦.

١٠٧

حج بالناس تلك السنة أبو شاكر (١) ، فقال ابن أذينة (٢) الليثي يذكر أبا شاكر واسمه : مسلمة بن هشام بن عبد الملك :

أتينا نمتّ بأرحامنا

وجئنا بإذن أبي شاكر

بإذن الذي سار معروفه

بنجد وغار مع الغائر

إلى خير خندف في ملكه

لباد من النّاس أو حاضر

فأسمي هذا السيل سيل أبي شاكر.

ومنها السيل الليبري (٣) في خلافة المهدي سنة ستين ومائة. وحج بالناس المهدي عامئذ ، وكان السيل ليومين بقيا من المحرّم.

وكان سيل في زمن حمّاد البربري عظيم ، أخذ الناس منه بمكة شبه الخبل ، فسمّي : المخبّل (٤). وأصاب الناس في عقبه مرض في أجسادهم وألسنتهم ، ودخل المسجد الحرام حتى عزق أمير المؤمنين هارون وادي مكة عامئذ ، ولم يعزق وادي مكة إلى سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فعزقته أم

__________________

رواه البخاري في الكبير ٥ / ١٨١ من طريق : الحميدي ، عن ابن عيينة ، قال : سمعت مطرفا ـ وهو ابن طريف ـ في جنازة عبد الله بن كثير ، وأنا غلام سنة وعشرين ومائة. وذكره المزّي في تهذيب الكمال ص : ٧٢٦ من طريق : الحميدي ، عن سفيان ، به.

(١) ذكر ابن جرير أن الذي حج في هذه السنة محمد بن هشام وقيل : سليمان بن هشام بن عبد الملك ، وقيل : يزيد بن هشام بن عبد الملك. تاريخ الأمم والملوك ٨ / ٢٥٩ ، وإتحاف الورى ٢ / ١٥٣.

(٢) هو : عروة بن أذينة ، تقدّم التعريف به برقم (٦٤٦) ، وأبياته في الأغاني ١٨ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦ وقد رواها من طريق الزبير بن بكار في خبر طويل.

(٣) كذا ، وذكره الفاسي في العقد ١ / ٢٠٦ ، والشفاء ٢ / ٢٦٤ ، وأفاد أن الفاكهي تفرّد بذكر هذا السيل ، وأنظر إتحاف الورى ٢ / ٢٠٣.

(٤) كان هذا في سنة (١٨٤). أنظر الأزرقي ٢ / ١٧٠ ، والبلاذري في الفتوح ص : ٧٣ ، والفاسي في العقد ١ / ٢٠٥ ، والشفاء ٢ / ٢٦٢.

والخبل : فساد يصيب الأعضاء ، حتى لا يدري كيف يمشي. اللسان ١١ / ١٩٧.

١٠٨

المتوكل ، وكان المتولي لذلك محمد بن داود ، وعبد الرحمن بن يزيد (١).

وجاء سيل آخر في سنة اثنتين ومائتين في خلافة المأمون ، وعلى مكة يومئذ يزيد بن محمد بن حنظلة ، خليفة لمحمد بن هارون الجلودي. فدخل المسجد الحرام ، وأحاط بالكعبة حتى رفع المقام من مكانه لمّا خيف عليه (٢).

١٨٦٦ ـ حدّثني أبي إسحق بن العباس ـ رحمه الله ـ أنّ ذلك السيل كان عظيما ملأ الوادي ، وعلاه قيد رمح ، وكان يقال له : سيل ابن حنظلة. وفي هذه السنة قتل يزيد بن محمد بن حنظلة في أول يوم من شعبان ، ودخل ابراهيم ابن موسى مكة مقبله من اليمن.

وجاء سيل آخر في سنة ثمان ومائتين ، وعلى مكة [عبيد الله](٣) بن الحسن ، في شوّال والناس غافلون.

واجتمع سيل سدرة (٤) ، وما أقبل من نواحي منى ، فاقتحم المسجد

__________________

١٨٦٦ ـ لم أقف على ترجمة أبيه اسحاق بن العباس. وأخبار ابراهيم بن موسى في العقد الثمين ٣ / ٢٦٤. ونقل هذا الخبر الفاسي في العقد ٧ / ٤٦٦ عن الفاكهي.

(١) الأزرقي ٢ / ١٧١ ، وإتحاف الورى ٢ / ٣٠٣.

(٢) الأزرقي ٢ / ١٧٠ ، والعقد الثمين ١ / ٢٠٥ ، ٧ / ٤٦٧ ، والشفاء ٢ / ٢٦٢ ، وإتحاف الورى ٢ / ٢٧٩.

وابن حنظلة هذا من بني مخزوم ، مترجم في العقد الثمين ٧ / ٤٦٥ ، وما بعدها ، وحول اسم الجلودي هذا خلاف ذكره الفاسي يطول التحقيق فيه ، أنظر الأزرقي ١ / ٢٢٦ ، ٢ / ١٧٠ ، وجمهرة ابن حزم ص : ١٤٣ ، وإتحاف الورى ، والشفاء ٢ / ١٨٣.

(٣) في الأصل (عبد الله) وهو : عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب.

ترجمته في العقد الثمين ٥ / ٣٠٥.

(٤) هي : سدرة خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد ، وهذا الموضع سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى ، ويعرف موضعه اليوم ب (العدل) ، وقد سماها البلاذري في فتوح البلدان ص (٧٣) : سدرة عتّاب بن أسيد بن أبي العيص. وبسدرة خالد أشهر وإن كان عتّاب وخالد من فخذ واحد. وأنظر ترجمة خالد هذا في نسب قريش ص : ١٨٩ ، وتاريخ ابن جرير ٧ / ١٨٢ ، والعقد الفريد ١ / ١٠٥ ، ٤ / ٩٣.

١٠٩

حتى رفع المقام ، وذهب بناس كثير ، ووافى العمّار تلك السنة من أهل خراسان.

وسيل مكة يأتي من موضع يدعى : السدرة ، سدرة خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد ، على أميال من مكة على طريق الذاهب إلى العراق ، وهو مثل عند أهل مكة في العظم ، يقول الرجل للرجل إذا دعا عليه أو سبّه : ذهب بك سيل سدرة.

قال (١) : فكتب / مبارك الطبري ـ وهو على بريد مكة ـ إلى أمير المؤمنين المأمون في ذلك ، فلما رأى الناس ما في المسجد من الطين والتراب ، اجتمع خلق كثير فكانوا يعملون بأيديهم ويستأجرون من أموالهم ، حتى كان النساء العواتق وغيرهن يخرجن بالليل ـ فيما ذكروا ـ فينقلن التراب إلتماس الأجر ، حتى رفع من المسجد ونقل منه. فلما بلغ ذلك المأمون بعث بمال عظيم ، وأمر أن يعمّر المسجد الحرام ويبطح ، ويعزق وادي مكة ، فعزق الوادي ، وعمّر المسجد ، وبطح. وذلك كله على يدي مبارك الطبري.

ويقال لشعاب مكة أيضا : وادي مكة. ويقال له : أعلى الوادي.

١٨٦٧ ـ حدّثني محمد بن اسماعيل ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا

__________________

١٨٦٧ ـ إسناده حسن.

محمد بن اسماعيل ، هو : الصائغ المكي.

رواه أحمد ٣ / ٤١٤ ، وأبو داود ٤ / ٤٦٧ ، والترمذي ١٠ / ١٧٩ والنسائي في الكبرى ، وفي اليوم والليلة (تحفة الأشراف ٨ / ٣٢٧) كلّهم من طريق : ابن جريج به. وقال الترمذي : حسن غريب ، لا نعرفه إلّا من حديث ابن جريج. وفي المسند أن ذلك يوم الفتح.

(١) لم يصرّح باسم القائل هنا ، والكلام هذا عند الأزرقي ٢ / ١٧٠ ـ ١٧١. وأنظر شفاء الغرام ٢ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣ وإتحاف الورى ٢ / ٣٨٢ ـ ٣٨٣. ومبارك الطبري لم أعرف عنه أكثر من ذكر الفاكهي له.

١١٠

ابن جريج ، قال : أخبرني [عمرو](١) بن أبي سفيان ، أن [عمرو](٢) بن عبد الله بن صفوان [أخبره](٣) : أنّ كلدة بن [الحنبل](٤) أخبره أنّ صفوان ابن أمية ـ رضي الله عنه ـ بعثه في الفتح بلباء وجداية وضغابيس (٥) ، والنبي صلّى الله عليه وسلم بأعلى الوادي ، فدخلت عليه ، ولم أسلم ، ولم أستأذن ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : «ارجع فقل : السلام عليكم» ـ وذلك بعد ما أسلم صفوان ـ. قال [عمرو](٦) : وأخبرني هذا الخبر أمية بن صفوان ، ولم يقل أخبرني ابن كلدة.

وجاء سيل في زمن عيسى بن محمد المخزومي ، في سنة ثلاث وخمسين ومائتين ، فدخل المسجد الحرام ، وأحاط بالكعبة وبلغ قريبا من الركن الأسود ، ورمى بالدور بأسفل مكة ، وذهب بأمتعة الناس وخرّب منازلهم ، وملأ المسجد غثاء السيل وترابه ، حتى جرّ ما في المسجد من التراب بالعجل ، وتولى ذلك من عمارته عيسى بن محمد ، وهو يومئذ والي مكة (٧).

__________________

(١) في الأصل (عمر) وهو : عمرو بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الجمحي.

(٢) في الأصل (عمر) أيضا ، وهو : عمرو بن عبد الله بن صفوان ، بن أمية الجمحي.

(٣) سقطت من الأصل ، وأثبتها من السنن والمسند.

(٤) في الأصل (الحسل) وهو : كلدة بن الحنبل ، ويقال : ابن عبد الله بن الحنبل الجمحي المكي ، وهو صحابي ، له هذا الحديث ، وهو : أخو صفوان بن أمية لامه. الاصابة ٣ / ٢٨٨ والتقريب ٢ / ١٣٦.

(٥) اللبأ ـ بكسر اللام ـ أول اللبن في النتاج. اللسان ١ / ١٥٠.

والجداية ـ بفتح الجيم أو كسرها ـ ولد الظبية إذا بلغ ستة أشهر أو سبعة. النهاية ١ / ٢٤٨.

والضغابيس : صغار القثاء ، واحده ضغبوس. النهاية ٣ / ٨٩.

(٦) في الأصل (صفوان) وهو خطأ ، بل هو : عمرو بن عبد الله بن صفوان حفيده. ولعمرو في هذا الحديث شيخان ، أولهما : كلدة ، وهو عم أبيه ، والثاني : أمية بن صفوان وهو عمّه ، فحدّث به مرة عن هذا ومرّة عن هذا.

(٧) الفاسي في شفاء الغرام ٢ / ٢٦٤ نقلا عن الفاكهي. وإتحاف الورى ٢ / ٣٣١ ، ودرر الفوائد المنظمة ص : ٢٣٠.

١١١

ذكر

الردوم التي ردمت بمكة

والردوم بمكة ثلاثة ردوم (١) :

أحدها : الردم الأعلى الذي عمله عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ حين جاء سيل أم نهشل ـ الذي ذكرناه. ردمه بالصخر وسوّاه ، فلم يعله سيل ، وهو من حدّ دار أبان بن عثمان إلى دار ببّة (٢). ويقال لهذا الموضع : ردم (أبي (٣) عبد الله).

__________________

(١) هي أكثر من ذلك على ما سيذكره في المبحث.

(٢) دار ببّة هي الدار الرابعة من سلسلة الدور الست المقطورة التي كان يملكها معاوية ـ رضي الله عنه ـ وسوف يأتي على ذكرها الفاكهي في فصل الرباع. ونستطيع تحديد موقع هذه الدار الآن ، بالقرب من مسجد الفاتحة ، وهو المسجد الصغير الواقع في أعلى المدعى ، على يمينك وأنت نازل إلى الحرم في السوق المسقوف المزدحم.

وأما دار أبان بن عثمان فقد صرّح الفاكهي والأزرقي أن موقعها بالقرب من مسجد الراية ، ومسجد الراية هذا معروف الآن ، وهو المسجد المقابل لفم شعب عامر ، في الجودرية ، على ما أفاده طاهر الكردي في تعليقه على تاريخ القطبي ص : ٢٢ ، وصرّح به الأستاذ البلادي في معالم مكة التاريخية ص : ٢٧٢.

وعليه فردم عمر ـ رضي الله عنه ـ يمتدّ طولا من قرب هذا المسجد إلى مقابل مسجد الفاتحة. ولا يزال يلاحظ الهابط إلى الحرم ، أو الصاعد منه ارتفاعا واضحا ما بين هذين المسجدين ، وعمل هذا الردم عمله في تغيير مجرى السيل من جانبه الأيمن إلى الجانب الأيسر ، وبذلك حمى جميع الدور الواقعة أسفله من أخطار السيول التي جاءت بعده. وأنظر الأزرقي ـ الفهارس ـ.

(٣) كذا في الأصل ، ولعلّها خطأ ، صوابها (آل عبد الله) ، وهم آل عبد الله بن خالد بن أسيد ، أنظر الأزرقي ٢ / ٢٤٢ ، حيث كانت لهم دور تقع بالقرب من رأس هذا الردم. وباسمهم ردم آخر سيذكره الفاكهي بعد قليل يقع عند الخرمانية ، كانت بجنبه مقبرتهم التي دفن فيها عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ وهذا الردم ـ ردم عمر ـ هو الردم الأعلى إطلاقا ، الأسفل بالنسبة لآل عبد الله ، أما الردم الأعلى بالنسبة لهم فهو ردم الخرمانية ـ والله أعلم ـ.

١١٢

١٨٦٨ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، قال : حدّثني مجاهد ، قال : كنا مع عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ في جنازة ، فلما بلغنا الردم ، إلتفت عبد الله ، فإذا النساء مع الجنازة ، فقال : أرجعوهن فإنها ما علمت فتنة للحيّ وأذى للميت.

ومنها : ردم عند خط [الحزامية](١) عند دار حرابة.

ومنها : ردم (٢) بني جمح ، وهو الذي يقال له : ردم بني قراد.

فهذه الردوم التي ردمت بمكة. ويقال : إنّ عبد الملك بن مروان لما بلغه سيل الجحاف بعث بمال عظيم ، وكتب إلى عامله عبد الله بن سفيان المخزومي ، ويقال : بل كان عامله الحارث بن خالد ، فعمل ضفائر الدور الشارعة على الوادي للناس من المال الذي بعث به ، وعمل ردوما على أفواه السكك ، حصّن بها دور الناس من السيول إذا جاءت ، وبعث مهندسا في ذلك عمل ضفائر المسجد الحرام ، وضفائر الدور في جنبتي الوادي ، ومنها ما هو قائم إلى اليوم.

__________________

١٨٦٨ ـ إسناده حسن.

رواه ابن أبي شيبة ٣ / ٢٨٤ من طريق : ليث بن أبي سليم عن مجاهد.

(١) في الأصل (الخرمانية) وهو تصحيف ، ودار حرابة سوف يذكرها الفاكهي ، وهي بفوهة خط الحزامية. وخط الحزامية هذا يقع في الجهة الجنوبية الغربية من الحرم ، بالقرب من باب الوداع ـ سابقا ـ منسوبة إلى (حكيم بن حزام) وسوف يذكر ذلك الفاكهي في الرباع وهذا الردم لا أثر له اليوم لأنه قد دخل في توسعات الحرم.

(٢) يقع هذا الردم في الجهة الشمالية الغربية من الحرم في موضع رباعهم ، ورباعهم تنحصر بين باب بني سهم ـ باب العمرة حاليا ـ وباب ابراهيم ، متجهة إلى أسفل. وهذا ما يستفاد من كلام الأزرقي والفاكهي. وهذه المنطقة منطقة مرتفعة ، لا يعلوها السيل ، فهي عنه بمعزل ، فعمل هذا الردم إذن كان لشيء آخر ، ولعلّه دفن قتلاهم الذين قتلوا في تلك الواقعة التي ذكرها الفاكهي ، والأزرقي ، وغيرهما ، ولا أثر لهذا الردم في الوقت الحاضر ، فكأنه دخل في توسّعات الحرم ـ والعلم عند الله ـ.

١١٣

وكان من تلك الردوم :

الردم الذي يقال له : ردم بني جمح ، وليس لهم ، ولكنه لبني قراد / الفهريّين ، فغلب عليه ردم بني جمح لقربه من ربعهم ، وفي ذلك يقول الشاعر :

سأملك عبرة وأفيض أخرى

إذا جاوزت ربع بني قراد (١)

ومنها : ردم الحزامية في أول خط الحزامية ، [وكان](٢) الصخر ينقل لذلك على العجل.

وحفر أرباض دور الناس فبناها وأحكمها من المال الذي بعث به ، فزعم بعض أهل مكة أن الإبل والثيران كانت تجرّ تلك العجل ، حتى لربّما أنه أنفق في المسكن الصغير لبعض الناس مثل ثمنه مرارا.

ومن تلك الضفائر ما هو قائم إلى اليوم بحاله من دار أبان بن عثمان إلى عند ردم عمر ـ رضي الله عنه ـ هلم جرّا إلى دار ابن الحوار. فتلك الضفائر التي في أصول تلك الدور كلها مما أمر به عبد الملك ، ومن ردم بني جمح منحدرا إلى الشق الأيسر إلى أسفل مكة وأشياء بين ذلك على حالها.

وأما ضفائر دار رويس (٣) التي بأسفل مكة ببطح نحر الوادي ، فقد اختلف المكيون في ضفائرها ، فقال بعضهم : هي من عمل الوليد (٤) بن عبد الملك ، وقال بعضهم : لا بل من عمل معاوية ـ رضي الله عنه ـ. وهو أصح القولين عندهم أن تكون من عمل معاوية ـ رضي الله عنه ـ (٥).

__________________

(١) البيت عند الأزرقي ٢ / ١٦٩ ، وياقوت ٣ / ٤٠ ، وكلاهما قال (إذا جاوزت ردم بني قراد) ولم ينسباه.

(٢) في الأصل (وكانت).

(٣) عند الأزرقي (دار أويس).

(٤) عند الأزرقي (من عمل عبد الملك) وهو أصح.

(٥) قارن بالأزرقي ٢ / ١٦٩ ـ ١٧٠ ، وأنظر شفاء الغرام ٢ / ٢٦١ ـ ٢٦٢.

١١٤

ذكر

الوقود بمكة ليلة هلال المحرم

في فجاجها وطرقها وتفسيره

١٨٦٩ ـ حدّثنا عبد الله بن أحمد بن أبي مسرّة ، قال : ثنا أحمد بن محمد المكي ، قال : ثنا سعيد بن مزاحم ، قال : ثنا كلثوم بن جبر ، قال : بلغني أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان يصيح في أهل مكة ، ويقول : يا أهل مكة ، أوقدوا ليلة هلال المحرّم فأضووا فجاجكم لحجاج بيت الله ، واحرسوهم ليلة هلال المحرّم حتى يصبحوا.

١٨٧٠ ـ وحدّثني أبو يحيى عبد الله بن أحمد ، قال : ثنا أحمد بن محمد ، قال : ثنا سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم ، قال : إنّ عمر بن عبد العزيز

__________________

١٨٦٩ ـ إسناده منقطع.

كلثوم بن جبر ، تابعي صغير لم يلق عمر ـ رضي الله عنه ـ تهذيب الكمال ص : ١١٤٨. وأحمد بن محمد المكي ، هو : الأزرقي.

وسعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم الأموي ـ مولى عمر بن عبد العزيز مقبول أيضا ـ التقريب ٢ / ٢٤٠.

١٨٧٠ ـ إسناده حسن إلى عمر بن عبد العزيز ، لكن عمر بن عبد العزيز ، لم يدرك عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ.

ذكره الفاسي في العقد الثمين ٥ / ٢٤٥ ، وابن فهد في إتحاف الورى ٢ / ٣٢١ ، ثم قال الفاسي : وكان ذلك في سنة إحدى وأربعين ومائتين.

وعبد العزيز بن عبد الله ، هو : ابن خالد بن أسيد الأموي ، ولي مكة سنة ٩٧.

ترجمته في العقد الثمين ٥ / ٤٥٠ ـ ٤٥٢.

١١٥

ـ رضي الله عنه ـ كتب معه إلى عبد العزيز بن عبد الله : إن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أمر أهل مكة بأن يوقدوا ليلة هلال المحرم في فجاجهم ، ويحرسوا حاج بيت الله حتى يصبحوا ، فإذا أتاك كتابي هذا فمرهم بذلك. قال سعيد : قال أبي : فأمر عبد العزيز بن عبد الله أن يوقدوا ثلاثا ، ويحرسوا الحاجّ.

فكان الأمر على ذلك بمكة في هذه الليلة ، حتى كانت ولاية عبد الله بن محمد بن داود على مكة ، فأمر الناس أن يوقدوا ليلة هلال رجب ، فيحرسوا عمّار أهل البيت ، ففعلوا ذلك في ولايته ، ثم تركوه بعد.

ذكر

المكنّين والمسمّين من أهل مكة باسم النبي صلّى الله عليه وسلم ،

وكنيته ، وأول من سمّي محمدا

ويقال : إن أول من سمي من العرب [محمدا](١) ، وأحمد ، النبيّ صلّى الله عليه وسلم ، ولم يكن العرب يسمون بهذين قبله (٢) ، وإنما قيل لأمه : أسميه محمدا فإنّ اسمه في التوراة أحمد.

__________________

(١) في الأصل (محمد).

(٢) ذكر ابن سعد في الطبقات ١ / ١٦٩ ، وابن حبيب في المحبّر ص : ١٣٠ جملة من العرب ممن تسمّى باسم (محمد) ، منهم : محمد بن سفيان بن مجاشع ، ومحمد بن حزابة الخزاعي ، وآخرين. قال ابن حجر في الفتح ٦ / ٥٥٦ : وقد جمعت أسماء من سمّى بذلك في جزء مفرد ، فبلغوا نحو العشرين ، لكن مع تكرار بعضهم ، ووهم في بعض ، فيتلخص منهم خمسة عشر نفسا ، ثم سردهم الحافظ ، وبيّن مصادره في ذلك ، فراجعه إن شئت.

١١٦

١٨٧١ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي صلّى الله عليه وسلم : / «إنّ لي أربعة أسماء ، أنا أحمد ومحمد ، وأنا العاقب وأنا الحاشر».

١٨٧٢ ـ حدّثنا محمد بن إسحق الصّيني ، قال : ثنا عاصم بن علي ، عن قيس بن الربيع ، قال : قال عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي ابن كعب ، عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي صلّى الله عليه وسلم : «أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء» فقلنا : ما هو يا رسول الله؟ قال صلّى الله عليه وسلم : «نصرت بالرّعب ، وأعطيت مفاتيح الأرض ، وسمّيت أحمد ، وجعل التراب لي طهورا ، وجعلت أمتي خير الأمم» صلّى الله عليه وسلم.

١٨٧٣ ـ حدّثنا عبد الله بن عمران المخزومي ، قال : ثنا سفيان ، قال :

__________________

١٨٧١ ـ إسناده صحيح.

رواه مالك في الموطأ ٤ / ٤٣٢ ـ ٤٣٤ ، وعبد الرزاق ١٠ / ٤٤٦ والبخاري ٦ / ٥٥٤ ، ٨ / ٦٤٠ ، ومسلم ١٣ / ١٠٤ ، والترمذي ١٠ / ٢٨١ ، وعمر بن شبّة في تاريخ المدينة ٢ / ٦٣١ ، والدولابي في الكنى ١ / ٢ ، والبيهقي في الدلائل ١ / ١٥٢ ـ ١٥٤ كلّهم من طريق : الزهري به ، وأضافوا : (وأنا الماحي).

١٨٧٢ ـ إسناده متروك.

محمد بن إسحاق الصيني ، قال عنه ابن أبي حاتم ٧ / ١٩٦ : كذاب.

ذكره السيوطي في الكبير ١ / ١٢٠ وعزاه لابن مردويه.

قلت : وبعض هذا الحديث في الصحيحين من غير رواية أبي ، وليست فيها لفظة (وسميّت أحمد) وأنظر دلائل النبوة ٥ / ٤٧٠ ، فقد أسهب في ذكر طرق هذا الحديث ، ولكنه لم يذكر رواية أبي هذه.

١٨٧٣ ـ إسناده حسن.

رواه الدولابي في الكنى ١ / ٦ من طريق : الواقدي. وذكره ابن حجر في الاصابة ٣ / ٣٥٧ نقلا عن الزبير بنحوه. وأنظر التاريخ الكبير للبخاري ١ / ١٦ ، ١٧ ، ١٨٢.

١١٧

كان محمد بن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن أبي بكر ، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله ، ومحمد بن أبي حذيفة ـ رضي الله عنهم ـ كان يكنّى أبا القاسم.

١٨٧٤ ـ وحدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : حدّثني محمد بن سلام الجمحي ، قال : حدّثني بعض أصحابنا ، أن أول من سمّي في الإسلام بإسم النبي صلّى الله عليه وسلم محمد بن حاطب ، ولد بأرض الحبشة ، وأرضعته اسماء بنت عميس ـ رضي الله عنها ـ وأرضعت به عبد الله بن جعفر ـ رضي الله عنهما ـ فكانا يتواصلان على ذلك حتى ماتا.

ذكر

ملحاء أهل مكة وطرائفهم ، ومن كان يجد (١)

في نفسه منهم ، ومزاحهم

١٨٧٥ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، ومحمد بن منصور ـ يزيد أحدهما على صاحبه ـ قالا : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، قال : رأيت طاوسا لقي أبي ، فسأله عن حديث ، فرأيت طاوسا يعقده بيده كأنه يتحفّظه ، فقال

__________________

١٨٧٤ ـ إسناده منقطع.

ذكره الفاسي في العقد ١ / ٤٥٠ عن الزبير بن بكار. وذكره ابن حجر في الاصابة ٣ / ٣٢٥ ، وعزاه لابن أبي خيثمة ، عن محمد بن سلّام الجمحي بنحوه.

١٨٧٥ ـ إسناده صحيح.

أبو نجيج ، اسمه : يسّار.

(١) كأنه يريد من يفخر منهم بنفسه ، كما يفهم من بعض الأخبار التي أوردها في هذا المبحث.

١١٨

أبي : إنّ لقمان قال : إنّ من الصمت حكما ، وقليل فاعله. قال : يا أبا نجيح ، من تكلّم واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله. زاد ابن أبي عمر في حديثه : فقال له أبي : لو كان من طولك في قصري خرج منا رجلان تامّان.

قال : وكان هذا طويلا والآخر قصيرا.

١٨٧٦ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا عمرو بن دينار ، عن ابن أبي عتيق ، أنه مرّ به رجل ومعه كلب قال : ما إسمك؟ قال : وثّاب ، قال : ما اسم كلبك؟ قال : عمرو. قال : واخلافاه.

١٨٧٧ ـ حدّثنا أبو سعيد الربعي ـ مولى بني قيس بن ثعلبة ـ وسمعته منه.

١٨٧٨ ـ وحدّثنا ابن أبي سلمة أبو محمد ـ قراءة وعرض عليه ـ يزيد أحدهما على صاحبه في اللفظ ـ قالا : ثنا ابن أبي أويس ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ قال : اجتمع أربعة نفر سرويّ (١) ونجديّ وحجازيّ

__________________

١٨٧٦ ـ إسناده صحيح.

ابن أبي عتيق ، هو : عبد الله بن محمد.

ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار ٢ / ٣٩ من طريق : سفيان ، عن أيوب بن موسى ، فذكره بنحوه.

١٨٧٧ ـ أبو سعيد ، هو : عبد الله بن شبيب. علّامة ، واه.

١٨٧٨ ـ شيخ المصنّف اسمه : عبد الله. لم أقف على ترجمته. وبقية رجاله موثّقون. وابن أبي أويس ، اسمه : اسماعيل بن عبد الله.

(١) هذه النسبة إلى (سرو) بفتح السين المهملة ، وسكون الواو. وهي قرية كبيرة من نواحي اليمن مما يلي مكة ، ينسب إليها القوم الذين يحضرون مكة ، يجلبون إليها الميرة وغيرها. أنظر الأنساب للسمعاني ٧ / ١٣١ ـ ١٣٢ ومعجم البلدان ٣ / ٢١٧.

١١٩

وشاميّ ، فقالوا : تعالوا نتناعت الطعام ، قال ابن شبيب : أيّه أطيب؟ قالوا : نعم. قال الشامي : إن أطيب الطعام ثريدة موشّعة (١) زيتا ، تأخذ أدناها فيسقط عليك أقصاها ، تسمع لها وقيبا (٢) في الحنجرة كتقحّم بنات (٣) المخاض. فقال ابن شبيب : في الحرف (٤). قال السرويّ : إنّ أطيب الطعام خبز برّ ، في يوم قرّ (٥) ، على جمر عشر (٦) ، موشّع سمنا وعسلا. قال الحجازي : إنّ أطيب الطعام فطس (٧) ، باهالة جمس (٨) ، يغيب فيها [الضرس](٩). قال النجدي : أطيب الطعام بكرة سمينة ، معتبطة (١٠) نفسها ، غير ضمنة (١١) ، في غداة بشمة ، بشفار خذمة (١٢) ، في قدور خطمة (١٣).

قال لهم الشامي : دعوني أنعت لكم الأكل. قالوا : نعم.

__________________

(١) من وشع القطن وغيره ، إذا : لفّه وجعله على قصبة. يريد أن الزيت أحاط بالثريدة ولفّها من كثرته. لسان العرب ٨ / ٣٩٤.

(٢) الوقيب : الصوت. لسان العرب ١ / ٨٠١ ـ ٨٠٢.

(٣) بنت المخاض : ما كان لها سنة ودخلت في الثانية من النياق.

(٤) كذا في الأصل ، ولم أجد ما يناسبها من معنى.

(٥) أي : بارد.

(٦) العشر : نوع من الشجر معروف.

(٧) الفطس : نوع من التمر ، صغار الحب. النهاية ٣ / ٤٥٨.

(٨) الإهالة ، هو ما أذيب من الشحم والإلية. وقيل : هو الدسم الجامد. وهو المناسب هنا. النهاية ١ / ٨٤.

والجمس : الجامد. لسان العرب ٦ / ٤٢.

(٩) في الأصل (الطرسى) بالطاء ، وهو تصحيف ، صوبته من لسان العرب ٦ / ٧٢.

(١٠) الناقة المعتبطة ، هي : السمينة التي تنحر من غير مرض ولا كسر ، اللسان ٧ / ٣٤٧.

(١١) أي : غير مريضة ، الضمن والضمان ، والضمنة : الداء في الجسد من بلاء أو كبر. لسان العرب ١٣ / ٢٦٠.

(١٢) الشفار : هي السكاكين العظيمة. والخذمة : القاطعة. اللسان ١٢ / ١٦٨.

(١٣) أي ذات عرى تحمل منها ، والقدور إذا عظمت جعلت لها عرى يسميها بعضهم : خطم.

١٢٠