أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٢

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٩٦

وقال الفضل أيضا في زمزم :

ولنا من حياض زمزم ورد

لوفود الحجيج والإهلال

فسل النّاس يخبروك يقينا

[بأنّا](١) خير من مشى في النّعال

وقال شاعر في زمزم :

خليليّ عوجا على زمزم

ولا تسبقاني إلى الموسم

فقد وعدتنا لها كلثم

فيا لهف نفسي على كلثم

أكلثم لا تقتلي عاشقا

أفي الله قتل فتى محرم

ذكر

من لم يشرب من نبيذ السقاية

وما جاء في ذلك

١١٥٠ ـ حدّثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، قال : ثنا عبد المجيد بن أبي روّاد ، عن ابن جريج ، عن نافع ، قال : إن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ لم يكن يشرب من النبيذ ولا من زمزم قط ـ يعني : في الحج ـ.

١١٥١ ـ حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد ، قال : ثنا محمد بن يحيى

__________________

١١٥٠ ـ إسناده حسن. تقدّم برقم (٣٢٣).

رواه ابن أبي شيبة ١ / ١٦٨ أ من طريق : يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج بنحوه.

وذكره ابن حجر في الفتح ٣ / ٤٩٣ ، ولم ينسبه.

١١٥١ ـ إسناده ضعيف جدا.

داود بن المحبّر : متروك. ودارم بن عبد الرحمن ، هو : ابن ثعلبة الحنفي. ذكره ابن أبي حاتم ٣ / ٤٤٠ وسكت عنه.

والأثر ذكر بعضه ابن حجر في الفتح ٣ / ٤٩٣ ، ولم ينسبه.

(١) في الأصل (أنا).

٦١

البصري ، قال : ثنا داود بن المحبّر ، قال : ثنا دارم بن عبد الرحمن ، قال : سألت عطاء عن النبيذ؟ فقال : كلّ مسكر حرام ، قال : قلت ها انك ابن أم رباح تزعم أنهم يسقون الحرام في المسجد الحرام؟ قال : يا ابن أخي ، والله لقد أدركت هذا الشراب وإنّ الرجل يشربه فتلتزق شفتاه من حلاوته. قال : فلما ذهبت الحرية ووليته العبيد تهاونوا بالشراب واستخفوا به.

وقد قال رجل من بني حنيفة ، وقد عوتب في النبيذ ، فقال وهو يذكر شراب السقاية:

زعم العلاء وغيره لم يزعم

أنّ النّبيذ مع النشيل محرّم

كذبوا وربّ منى لقد جاشت به

حمر الحياض تحوز ذلك زمزم

هذا النّبيذ ببطن مكّة سنّة

وإذا وردنا بطن حجر يحرم

وكان اسم الذي عاتبه العلاء. وكان النبيذ الذي كان يشربه غير مسكر ، وحجر (١) : قرية من قرى اليمامة.

١١٥٢ ـ حدّثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : سمعت طاوسا يقول : سكرة نبيذ السقاية محدث.

١١٥٣ ـ حدّثنا محمد بن وزير الواسطي ، قال : أنا يزيد بن هارون ، عن حجاج ، قال : قلت لعطاء : لم أشرب من نبيذ السقاية وشربت من ماء زمزم؟ قال : يجزيك.

__________________

١١٥٢ ـ تقدم اسناده برقم (٥٠٣).

١١٥٣ ـ إسناده ليّن.

حجاج ، هو : ابن أرطأة. صدوق كثير الخطأ والتدليس.

(١) هكذا ضبطها ياقوت في معجم البلدان ٢ / ٢٢١. وقوله (جاشت) أي : فارقت ، وارتفعت. النهاية ١ / ٣٢٤. و (انشيل) ، هو : اللبن ساعة يحلب ، هو : صريف ورغوته عليه. تاج العروس ٨ / ١٣٦.

وقوله (حمز) جمع حامز ، وهو الحامض. اللسان ٥ / ٣٣٩.

٦٢

ذكر

تحريم العباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ

زمزم وابنه من بعده ـ عبد الله بن عباس

ـ رضي الله عنهما ـ على المغتسل فيها

١١٥٤ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، قال : حدّثت عن عاصم بن أبي النّجود ، عن زرّ بن حبيش ـ رضي الله عنه ـ قال : كان العباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ في المسجد وهو يطيف حول زمزم ، ويقول : لا أحلها لمغتسل وهي لشارب ومتوضئ حلّ وبلّ.

١١٥٥ ـ حدّثنا سلمة بن شبيب ، قال : ثنا عبد الرزاق / قال : أنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : حدّثني من سمع العباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ وهو قائم عند زمزم ، وهو يرفع ثيابه ، فيقول. نحو حديث ابن عيينة ، وزاد فيه : قال طاوس : وسمعت ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقولها أيضا.

__________________

١١٥٤ ـ إسناده حسن.

رواه الأزرقي ٢ / ٥٨ ، من طريق : سفيان به. وذكره ابن كثير في البداية ٢ / ٢٤٧ ، وعزاه لأبي عبيد ، عن أبي بكر بن عيّاش ، عن عاصم به.

١١٥٥ ـ إسناده صحيح. تقدّم برقم (١٢١).

رواه عبد الرزاق ٥ / ١١٤.

٦٣

١١٥٦ ـ حدّثنا حسين بن حسن ، ومحمد بن يحيى قالا : ثنا [سفيان](١) عن عمرو ، أنه سمع ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقول : فهي حلّ وبلّ ـ يعني زمزم ـ. قال حسين في حديثه : قال بعض أهل العربية حل وبل ، حل محلّل ، والبل : البرء ، ومنه قول الشاعر :

اذا بلّ من داء يخال بأنّه

نجا وبه الدّاء الذي هو قاتله (٢)

قال حسين : وليس البيت من حديث سفيان.

١١٥٧ ـ حدّثنا محمد بن موسى البغدادي ، عن عمرو بن عون ، قال : أنا هشيم ، عن الفضل بن عطية ، قال : رأيت رجلا سأل عطاء فشكى إليه البواسير ، فقال : اشرب من ماء زمزم ، واستنج به.

١١٥٨ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، وعبد الجبار بن العلاء ، قالا : ثنا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : إنّ رجلا من بني مخزوم من آل المغيرة اغتسل في زمزم ، فوجد من ذلك ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وجدا شديدا ، وقال : لا أحلها لمغتسل ، وهي لشارب ومتوضئ حل وبل. قال سفيان : يعني في المسجد.

__________________

١١٥٦ ـ إسناده صحيح.

رواه الأزرقي ٢ / ٥٨ ، من طريق : سفيان ، به.

١١٥٧ ـ إسناده حسن.

١١٥٨ ـ إسناده صحيح.

رواه الأزرقي ٢ / ٥٨ ، من طريق : سفيان به.

(١) في الأصل (يحيى بن سفيان) وهو سبق قلم.

(٢) ذكره ابن منظور في اللسان ١١ / ٦٥ ولم ينسبه.

٦٤

ذكر

إذن النبي صلّى الله عليه وسلم لأهل السقاية في البيتوتة

بمكة ليالي منى من أجلها

١١٥٩ ـ حدّثنا ابراهيم بن أبي يوسف ، قال : ثنا يحيى بن سليم ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : إنّ العباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ استأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ، فأذن صلّى الله عليه وسلم له من أجل سقايته.

١١٦٠ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : من كان له متاع بمكة يخشى عليه الضيعة فلا بأس أن يبيت عليه ليالي منى.

١١٦١ ـ حدّثنا حسين بن حسن ، قال : أنا هشيم ، عن أبي حرة ، عن الحسن ، أنه كان لا يرى بأسا أن يبيت الرجل أيام منى بمكة بعد أن يرمي الجمار كل يوم بعد زوال الشمس.

__________________

١١٥٩ ـ شيخ المصنّف لم نقف عليه ، وبقية رجال السند موثقون.

رواه الشافعي في الأم ٢ / ٢١٥ عن يحيى بن سليم ، به. وأصل الحديث في الصحيحين ، البخاري ٣ / ٥٧٨ ، ومسلم ٩ / ٦٢ ، ومسند أحمد ١٢ / ٢٢٣ ـ الفتح الرباني ـ وأبي داود ٢ / ٢٦٩ والأزرقي ٢ / ٥٨ ، والبيهقي ٥ / ١٥٣ ـ كلّهم رووه من طريق : عبيد الله بن عمر به.

١١٦٠ ـ إسناده صحيح.

رواه سعيد بن منصور ، من طريق : سفيان به. وذكره ابن حزم في المحلّى ٨ / ١٨٥.

١١٦١ ـ إسناده ليّن.

أبو حرّة ، هو : واصل بن عبد الرحمن ، كان صدوقا ، لكنه يدلس عن الحسن.

التقريب ٢ / ٣٢٩.

٦٥

ذكر

الجنّان توجد في زمزم

١١٦٢ ـ حدّثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا محمد بن عبيد ، عن موسى الطحان ، عن عبد الرحمن بن سابط ، قال : أراد بنو العباس ـ رضي الله عنهم ـ أن يكنسوا زمزم ، فقالوا : يا رسول الله لا نستطيع من هذه الجنّان ، فأمرهم بقتلهن.

١١٦٣ ـ حدّثنا عبد الجبار بن العلاء ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال : إنّ إنسانا وقع في زمزم ، فمات فأمر ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن تسد عيونها وان تنزح.

__________________

١١٦٢ ـ إسناده منقطع.

محمد بن عبيد ، هو : الطنافسي ، وموسى الطحان ، هو : ابن مسلم. وابن سابط ، هو : عبد الرحمن. توفي سنة (١١٨).

والحديث أشار إليه ابن الأثير في النهاية ١ / ٣١٨. وفسّر الجنّان : بأنها الحيّات التي تكون في البيوت ، واحدها : جانّ ، وهو الدقيق الخفيف.

١١٦٣ ـ إسناده منقطع.

قتادة لم يدرك ابن عباس. أنظر تهذيب الكمال ص : ١١٢١.

رواه عبد الرزاق ١ / ٨٢ ، من طريق : معمر ، قال : سقط رجل ، فذكره.

ورواه البيهقي ١ / ٢٦٦ من طريق : محمد بن سيرين ، قال : ان زنجيا وقع في زمزم ...

الخ. قال البيهقي : ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة ، قال : ـ أي البيهقي ـ وهذا بلاغ بلغهما ، فانهما لم يلقيا ابن عباس ، ولم يسمعاه. أ ه.

وذكره ابن حزم في المحلّى ١ / ١٤٥ ، والمتقي في كنز العمال ١٤ / ١٢٠ ـ ١٢١ وعزاه لعبد الرزاق.

٦٦

١١٦٤ ـ حدّثنا سلمة بن شبيب ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أنا ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال : أذّن مؤذن لمعاوية ـ رضي الله عنه ـ / قبل أبي محذورة ، فجاء أبو محذورة فحمله فألقاه في بئر زمزم.

ذكر

غور الماء قبل يوم القيامة غير زمزم

١١٦٥ ـ حدّثنا عبد الله بن عمران المخزومي ، قال : ثنا سعيد بن سالم ، قال : ثنا عثمان بن ساج ، قال : أخبرني مقاتل ، عن الضحّاك بن مزاحم ، قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يرفع المياه العذبة قبل يوم القيامة غير زمزم ، وتنزف المياه غير زمزم ، وتلقى الأرض ما في بطنها من ذهب وفضة ويجيء الرجل بالجراب فيه الذهب والفضة ، فيقول : من يقبل مني هذا؟ فيقول : لو أتيتني به أمس قبلته.

ذكر أسماء

زمزم

أعطاني أحمد بن محمد بن ابراهيم كتابا ذكر أنه عن أشياخه من أهل مكة فكتبته من كتابه ، فقالوا : هذه تسمية أسماء زمزم : هي : زمزم ، وهي :

__________________

١١٦٤ ـ إسناده صحيح.

رواه عبد الرزاق ١ / ٤٥٩ ، عن ابن جريج به. وسيأتي هذا الخبر برقم (١٣١٤).

١١٦٥ ـ إسناده ليّن.

مقاتل ، هو : ابن حيّان البلخي.

رواه الأزرقي ٢ / ٥٩ من طريق : سعيد بن سالم به.

٦٧

هزمة جبريل ـ عليه السلام ـ ، وسقيا الله اسماعيل ـ عليه السلام ـ لا تنزف ولا تذم ، وهي بركة ، وسيّدة ، ونافعة ، ومضنونة ، وعونة ، وبشرى ، وصافية ، وبرّة ، وعصمة ، وسالمة ، وميمونة ، ومباركة ، وكافية ، وعافية ، ومغذية ، وطاهرة ، ومقداة ، وحرمية ، ومروية ، ومؤنسة ، وطعام طعم ، وشفاء سقم (١).

وأنشدنا الزبير بن أبي بكر لبعضهم :

طعام طعم لمن اراد ومن

يبغي شفاء شفته من سقم

ذكر

مصباح زمزم كيف كان

وقال بعض أهل مكة : إنّ خالد بن عبد الله القسري أول من وضع مصباح زمزم يضيء لأهل الطواف مقابل الركن الأسود ، في خلافة عبد الملك ابن مروان ، وقد كان رجل من غسان (٢) وضع فيما هنالك مصباحا فمنعه من ذلك فرفعه.

وكان مصباح زمزم هذا فيما مضى على عمود طويل مقابل الركن الأسود في الموضع الذي وضعه خالد بن عبد الله.

__________________

(١) ذكره الفاسي في شفاء الغرام ١ / ٢٥١ نقلا عن الفاكهي.

والصالحي في سبل الهدى والرشاد ١ / ٢١٤. وأنظر الأعلاق النفيسة لابن رستة ص : ٤٤.

(٢) هذا الرجل ، هو : عقبة بن الأزرق بن عمرو الغسّاني كما صرّح به الأزرقي ١ / ٢٨٦ وكانت داره لاصقة بالمسجد الحرام من ناحية وجه الكعبة.

٦٨

فلما ولي محمد بن سليمان (١) مكة في سنة ست عشرة ومائتين وضع عمودا طويلا مقابله بحذاء الركن الغربي ، فكانا كذلك حتى كانت سنة إثنتين وعشرين ومائتين ، فولي محمد (٢) بن داود مكة ، فجعل عمودين طويلين : احدهما عند الركن اليماني ، والآخر بحذاء الركن الغربي.

فلما استخلف هارون الواثق بالله أمير المؤمنين في سنة سبع وعشرين ومائتين أراد الحج ، فأمر بعمل بيت الشراب ، ودار العجلة ، والبرك ، ومسجد الخيف ، والقصور ، والأميال في الطريق ، وبعث بعمد طوال عشرة من خشب ملبسة شبه الصفر ، فجعلت حول الطواف يستصبح عليها لأهل الطواف ، وأمر بثماني ثرّيات يستصبح بها في المسجد الحرام تعلّق في كل وجه من المسجد [اثنتان](٣) مما يلي الظلال التي تلي بطن المسجد ، فهي كذلك يستصبح بها في الموسم وفي رمضان إلا ثريا واحدة تكون مما يلي باب السلطان يستصبح بها من السنة إلى السنة (٤).

١١٦٦ ـ أخبرني يوسف بن ابراهيم بن محمد ، عن الأصمعي ، قال : قال رجل من أهل مكة ما سمعت بأكذب من بني تميم / زعموا ان قول القائل :

بيت زرارة محتب بفنائه

ومجاشع وأبو الفوارس نهشل (٥)

__________________

١١٦٦ ـ شيخ المصنّف لم أقف عليه.

(١) هو : محمد بن سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس. أنظر ترجمته في العقد الثمين ٢ / ٢١.

(٢) هو : محمد بن داود بن علي بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. راجع ترجمته في العقد الثمين ٢ / ١٥.

(٣) في الأصل (بنيان) والتصويب من الأزرقي.

(٤) قارن بالأزرقي ١ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، حيث ذكر هذه الأخبار مختصرة.

(٥) البيت للفرزدق. أنظر ديوانه ٢ / ١٥٥.

٦٩

في رجال منهم. فقيل له : ما تقول أنت؟ قال : البيت بيت الله الحرام ، والزرارة الحجبى. فقيل له : فمجاشع؟ قال : زمزم ، جشعت بالماء. قيل : فأبو الفوارس؟ قال : أبو قبيس ، قيل : فنهشل؟ قال : ففكر طويلا ثم قال : ونهشل أشده ، ثم قال : نعم نهشل مصباح الكعبة طويل أسود ، فذاك نهشل.

ذكر

ما كان عليه حوض زمزم في عهد ابن عباس

وذكر مجلس ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ

من السقاية

١١٦٧ ـ حدّثنا الزبير بن أبي بكر قال : حدّثني يحيى بن محمد بن ثوبان ، عن غير واحد من المكيين ، قال : إنّ عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ كان يقعد يسقي الحاج في موضع قبة الخشب إلى جانب سقاية النبيذ.

وذكر بعض أهل مكة أن موضع مجلسه في حد ركن زمزم الذي يلي الصفا والوادي وهو على يسار من دخل زمزم (١).

١١٦٨ ـ حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : ثنا يحيى بن محمد ، عن غير واحد من المكيين ، قال : كان أول من عمل تلك القبة سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس في ولاية خالد بن عبد الله القسري على مكة.

__________________

١١٦٧ ـ إسناده منقطع.

١١٦٨ ـ يحيى بن محمد ، هو : ابن ثوبان ، لم أقف على ترجمته.

ذكره الأزرقي ٢ / ٦٠.

(١) ذكره الأزرقي ٢ / ٦٠ ونصّ عبارته : (وقال غير واحد من أهل العلم من أهل مكة ... الخ).

٧٠

قال الحكم (١) بن الأعرج : أتيت ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في مجلسه عند زمزم فسألته عن صيام عاشوراء.

١١٦٩ ـ فحدّثني محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا بشر بن السري ، قال : ثنا حاجب بن عمر أبو خشينة ، عن الحكم بن الأعرج ، قال : انتهيت إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وهو متوسد رداءه عند زمزم ، فجلست إليه وكان نعم الجليس ، فسألته عنه؟ فقال : كان محمد صلّى الله عليه وسلم يصومه ـ يعني : يوم عاشوراء ـ ثم رجعنا إلى حديث الزبير عن يحيى بن محمد ، عن غير واحد من المكيين ، قال : ثم عملها أبو جعفر المنصور في خلافته وأحكمها (٢).

وقال غير الزبير : وعمل على زمزم شباكا ، ثم عملها المهدي ، وعمل شباك زمزم أيضا ، وعمل على مجلس ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ رفّا في الركن على يسارك (٣). وقال [مسلم](٤) بن خالد ، فيما ذكروا : إن موضع السقاية التي للنبيذ بين الركن وزمزم مما يلي ناحية بني مخزوم ، فنحاها ابن الزبير إلى موضعها التي هي به اليوم (٥).

__________________

١١٦٩ ـ إسناده صحيح.

رواه أحمد ١٠ / ١٨٧ (الفتح الرباني) ، ومسلم ٨ / ١١١ ، وأبو داود ٢ / ٤٣٩ ، والترمذي ٣ / ٢٨٦ ، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف ٤ / ٣٨١) كلّهم من طريق : حاجب بن عمر به.

(١) هو : الحكم بن عبد الله بن اسحاق الأعرج ، من التابعين.

(٢) ذكره الأزرقي ٢ / ٦٠.

(٣) المصدر السابق.

(٤) في الأصل (مسلمة) وهو تصحيف. فهو : مسلم بن خالد الزنجي.

(٥) ذكره الأزرقي ٢ / ٦٠.

٧١

١١٧٠ ـ حدّثني بذلك الزبير قال : حدّثنا يحيى بن محمد بن ثوبان ، عن رباح بن محمد ، عن الزنجي بن خالد.

وقال غيره : كان موضع حوض زمزم عند موضع مصباح زمزم ، وكان النازع يقوم فينزع من البئر ، فيصب فيها ، فواحد يشرب منه ، والآخر يتوضأ منه ، فأخرج ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ الوضوء إلى الوادي إلى جنب المسجد ، وأخّر الحوض الذي يشرب منه إلى جنب السقاية في موضعه اليوم الذي بجنب القبة ، فغضب ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من فعل ابن الزبير لما حوله عن موضعه وأخره (١).

١١٧١ ـ فحدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لابن الزبير ـ يعني : لما فعل بسقايته ما فعل ـ : ما إقتديت ببرّ من كان أبرّ منك ، ولا بفجور من كان يعد أفجر منك. وكان / هذا الحوض بين زمزم والركن.

١١٧٢ ـ فحدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا هشام بن سليمان ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد ، عن حسين بن علي بن أبي

__________________

١١٧٠ ـ يحيى بن محمد بن ثوبان ، لم أقف عليه.

١١٧١ ـ إسناده صحيح.

رواه عبد الرزاق ٥ / ١١٨ به.

١١٧٢ ـ إسناده لا بأس به.

هشام بن سليمان ، هو : ابن عكرمة المخزومي المكي. مقبول كما في التقريب ٢ / ٣١٩.

(١) أنظر أخبار مكة للأزرقي ٢ / ٦٠.

٧٢

طالب ـ رضي الله عنهما ـ قال : رأيته في حوض زمزم الذي يسقي فيه الحاج والحوض يومئذ بين الركن وزمزم ، فأقام المؤذن الصلاة ، فلما قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، قام حسين حين قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، وذلك حين قدم الحسين بن علي بعد وفاة معاوية ـ رضي الله عنهم ـ وأهل مكة لا إمام لهم من أجل الفتنة.

١١٧٣ ـ حدّثنا حسين بن حسن ، قال : أنا هشيم ، عن أبي بشر ، قال : كنت مع سعيد بن جبير في يوم فطر بين زمزم والمقام ، فقام عطاء يصلي قبل خروج الإمام ، فأرسل إليه سعيد بن جبير : أن إجلس ، فجلس عطاء ، فقلت لسعيد : عمن هذا يا ابا عبد الله؟ قال : عن حذيفة وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ.

١١٧٤ ـ وحدّثنا عبد الجبار بن العلاء ، قال : ثنا سفيان بن [عيينة](١) قال : قلت لعبيد الله بن أبي يزيد : رأيت الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ؟ قال : نعم ، رأيته في حوض زمزم.

وكان بعض المكيين يجلس عند (٢) هذين الحوضين الشرقي منهما.

__________________

١١٧٣ ـ إسناده صحيح.

أبو بشر ، هو : جعفر بن إياس بن أبي وحشية.

رواه ابن أبي شيبة ٢ / ١٧٨ عن هشيم به ، بنحوه.

١١٧٤ ـ إسناده صحيح.

(١) في الأصل (مرّة) والصواب ما أثبتّ ، إذ لم أجد راويّا بهذا الإسم أصلا. لا في شيوخ عبد الجبّار بن العلاء ، ولا في تلاميذ عبيد الله بن أبي يزيد ممن يحمل هذا الاسم. ولم نجد في شيوخ هذا وتلاميذ هذا من يحمل اسم سفيان إلّا ابن عيينة ، والله أعلم.

(٢) كذا في الأصل ، ولعلّه قد سقط من الأصل لفظة (احد).

٧٣

قال سديف بن ميمون (١) يصف جلوسه عندهما :

كأنّي لم اقطن بمكّة ساعة

ولم يلهني فيها ربيب منعّم

ولم أجلس الحوضين شرقيّ زمزم

وهيهات إبنا منك لا ابن زمزم

يحنّ فؤادي إن سهيل بدا له

وأقسم إنّ الشّوق منى لمتهم

ذكر

عيون زمزم وغير ذلك

وكان ذرع غور زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستين ذراعا. وفي قعرها ثلاث عيون : عين حذاء الركن الأسود ، وعين حذاء أبي قبيس والصفا ، وعين حذاء المروة. وكان ماؤها قد قلّ جدا حتى كانت تجمّ في الأيام ، وذلك في سنة ثلاث وعشرين ، وأربع وعشرين ومائتي (٢) سنة ، فضرب فيها محمد بن الضحّاك خليفة عمر بن فرج الرخّجي (٣) على بريد مكة وصوافيها تسع أذرع سحّا في الأرض في تقوير جوانبها. قال : فلما جاء الله ـ تعالى ـ بالأمطار والسيول في سنة خمس وعشرين ومائتين ، فكثر ماؤها.

وقد كان سالم بن الجرّاح فيما ذكر بعض المكيّين قد ضرب فيها في خلافة

__________________

(١) سديف بن اسماعيل بن ميمون الهاشمي ، مولاهم ، شاعر غير مكثر ، من أهل مكة ، كان شديد التحريض على بني أمية ، متعصّبا لبني هاشم ، وعاش إلى زمن المنصور فتشيّع لبني علي ، فقتله عبد الصمد بن علي ـ عامل المنصور على مكة ـ. أنظر الشعر والشعراء ٢ / ٧٦١. وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٦ / ٦٨.

والبيتان الأولان مذكوران في أخبار مكة للأزرقي ٢ / ٦٠ ، وهما من زيادات محمد بن نافع الخزاعي ـ راوي الكتاب ـ كما صرّح الخزاعي بذلك ، ولم ينسبهما.

(٢) كذا في الأصل ، والأصوب (ومائتين) كما في الأزرقي.

(٣) بضم الراء المهملة ، وفتح الخاء المعجمة المشدّدة ، وفي آخرها جيم ـ هذه النسبة إلى (الرخّجيّة) قرية بقرب بغداد. الأنساب ٦ / ٩٨ ، واللباب ٢ / ٢٠.

٧٤

أمير المؤمنين هارون ، ومن قبل كان قد ضرب فيها في خلافة المهدي ، وكان عمر بن ماهان على البريد والصوافي في خلافة محمد بن أمير المؤمنين هارون ، ومن قبل كان قد ضرب فيها وكان ماؤها قد قل حتى قال محمد بن بشير (١) ـ رجل من أهل الطائف. فيما زعموا كان يعمل فيها ـ : إنه صلى في قعرها.

فغورها من رأسها إلى الجبل أربعون ذراعا ، كلّ ذلك بنيان ، وما بقي فهو جبل منقور ، وهو تسعة وعشرون ذراعا. وذرع حنك (٢) زمزم في السماء ذراعان وشبر ، وذرع تدوير فم زمزم أحد عشر ذراعا ، وسعة فم زمزم ثلاثة أذرع وثلثا ذراع. وعلى البئر ملبن (٣) ساج مربع فيه اثنتا عشرة بكرة يستقي عليها ، منها بكرة كان بعث بها الحسن بن مخلد إليها فكانت عليها ثم نزعت.

وأول من عمل الرخام / على زمزم والشباك وفرش أرضها بالرخام أبو جعفر أمير المؤمنين في خلافته ، ثم عملها المهدي في خلافته ، ثم غيره عمر بن فرج الرخّجي في خلافة أبي إسحاق المعتصم بالله أمير المؤمنين سنة عشرين ومائتين ، وكانت مكشوفة قبل ذلك إلا قبة صغيرة على موضع البئر ، وفي ركنها الذي يلي الصفا على يسارك كنيسة (٤) على موضع مجلس ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ ثم غيّرها عمر بن فرج ، فسقف زمزم كلها بالساج المذهب من داخل ، وجعل عليها من ظهرها الفسيفساء ، وأشرع لها جناحا صغيرا كما يدور بتربيعها ، وجعل في الجناح كما يدور سلاسل فيها قناديل يستصبح فيها في الموسم ،

__________________

(١) كذا في الأصل. وعند الأزرقي (مشير) وفي شفاء الغرام (مسير).

(٢) أي : ارتفاعه. التاج ٧ / ١٣٧.

(٣) الملبن : يطلق على البئر التي تحاط بأربعة أعمدة توضع عليها أربعة عوارض ، على كل عارضة بكرة أو أكثر ، فينزع الماء من أربع جهات. أما إذا كان على البئر عمودان فقط فيقال لها (منحاة). وانظر ص ٧٨ من هذا الجزء.

(٤) موضع كان يجلس فيه ابن عبّاس رضي الله عنهما ثم جعل عليه ساج يجلس فيه قيم زمزم ، راجع ص ص ٧٨ و٨٤ و٨٥ من هذا الجزء وانظر لسان العرب ٦ / ١٩٨.

٧٥

وجعل على القبة التي بين زمزم وبيت الشراب الفسيفساء ، وكانت قبل ذلك تزوّق في كل موسم. عمل ذلك في سنة عشرين ومائتين (١).

ولم يزل الأمراء بعد ذلك تسرج في قناديل زمزم في المواسم حتى كان محمد بن سليمان (٢) الزينبي ، فأسرج فيها من السنة إلى السنة بقناديل بيض كبار ، وهو يومئذ والي مكة ، فامتثل ذلك من فعله ، وجرى ذلك إلى اليوم (٣).

وعلى زمزم كتاب كتب في صفائح ساج مذهّب كما يدور في ترابيعها ، وكتب في الصفائح التي تلي باب الكعبة ، والركن كتابا بماء الذهب ، وجعل الكتاب باسم المعتصم بالله ، ثم جعل بعد باسم جعفر المتوكل على الله ، ثم جعل اليوم باسم المعتمد على الله ، وهو :

بسم الله الرحمن الرحيم أمر خليفة الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين ـ أيّده الله ـ أن يأمر عبد الله بن محمد بن داود عامله على مكة ومخاليفها وعلى جميع أعمالها بعمل مأثرة ـ أيده الله ، ومآثرا بآية زمزم هزمة جبريل ـ صلوات الله على محمد وعليه وسلم ـ وسقاية خليله ونبيه ابراهيم وذبيحه اسماعيل ـ صلى الله عليهما وسلّم ـ ومأثرة العباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ عم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبقية آبائه ووارثه دون جميع خلقه وعباده وأبي الخلفاء ، فأطال الله بقاء أمير المؤمنين [...](٤) من الله ـ عزّ وجلّ ـ ومن رسوله ، فأجزل الله أجرهما ومثوبتهما وأدام عمارة الإسلام ومآثره بهما انه على كل شيء قدير.

__________________

(١) أنظر هذه الأخبار عند الأزرقي ٢ / ٦١ ـ ٦٢. وابن رسته ص : ٤٢ ـ ٤٣.

(٢) أنظر ترجمته في العقد الثمين ٢ / ٢٢.

(٣) ذكره الفاسي في العقد الثمين ٢ / ٢٣ نقلا عن الفاكهي.

(٤) بياض في الأصل.

٧٦

ومكتوب على الوجه الآخر الذي يلي القبة وبيت الشراب ومنه مدخل زمزم منقوش في صفائح من خشب الساج :

بسم الله الرحمن الرحيم (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ)(١) تحيتكم فيها من الله ـ عزّ وجلّ ـ ومن رسوله صلّى الله عليه وسلم ثم من أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ، سلام عليكم ، آخر دعواكم الحمد لله رب العالمين ، وينوي كل امرئ منكم لما يشرب منها الطهور من ذنوبه ، والصحة من أسقامه ، والقضاء لجميع حوائجه ، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال وقوله الحق : طعام من طعم وشفاء من سقم ، ودواء لكل ما شرب به ، وأجزل الله أجر خليفته وأمينه على أرضه وعباده وجميع خلقه على ما يقوم به ويتفقده ويحوطه ، ويقدم العناية به ، فيما استحفظه عليه ، وأعز الإسلام وأهله وشرائعه ومناسكه ومآثره بطول بقائه ، وحسن الدفاع عنه انه / سميع قريب مجيب ، وكتب في سنة أربعين ومائتين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ذكر

صفة ما كانت عليه زمزم وحجرتها وحوضها

قبل أن تغيّر في خلافة المعتصم بالله

وذلك مما عمل أمير المؤمنين المهدي في خلافته

وذرع وجه حجرة زمزم الذي فيه بابها وهو مما يلي المسعى اثنا عشر ذراعا وتسع عشرة اصبعا. وذرع الشق الذي يلي المقام عشرة أذرع واثنتا عشرة [اصبعا](٢). وذرع الشق الذي يلي الكعبة تسعة أذرع وخمس عشرة اصبعا.

وذرع الشق الذي يلي الوادي والصفا ثلاثة عشر ذراعا وثلاث أصابع. وذرع

__________________

(١) سورة الحجر (٤٦).

(٢) في الأصل (ذراعا).

٧٧

طول حجرة زمزم من خارج في السماء خمسة أذرع ، من ذلك الحجارة ذراعان واثنتا عشرة اصبعا عليها الرخام ، والساج ذراعان واثنتا عشرة اصبعا. ويدور في وسط الجدار فيما مضى حوض في جوانب زمزم كلها ، طول الحوض في السماء تسع عشرة اصبعا ، وعرضه ثماني عشرة اصبعا ، وطول الجدر من داخل ذراعان ، والجدر داخله وخارجه ، وبطن الحوض وجدرانه ملبس رخاما ، وعرض الجدر ذراع وأربع أصابع ، وعلى الجدر حجرة ساج ، من ذلك سقف على الحوض طوله في السماء عشرون اصبعا ، وتحت السقف ستة وثلاثون طاقا كانت فيما مضى يؤخذ منها الماء من الحوض ويتوضأ منها ، طول كل طاق عشرون اصبعا ، وعرضه أربع عشرة اصبعا ، منها في الوجه الذي يلي المقام اثنتا عشرة ، وفي الوجه الذي يلي الوادي اثنا عشر طاقا ، وحجرة الساج مشبكة فكانت كذلك حتى كتب أمير المؤمنين المعتصم بالله إلى عمر بن فرج الرخّجي في عمل المسجد الحرام ، فكان مما عمل قبة زمزم فجعل عليها الفسيفساء وعملها محمد بن الضحاك العمل الذي هي عليه اليوم. وذرع سعة باب حجرة زمزم في السماء ثلاثة أذرع ، وعرض الباب ذراعان وهو ساج مشبك ، وبطن حجرة زمزم مفروش برخام حول البئر ، ومن حد البئر إلى عتبة باب الحجرة أربعة (١) أذرع واثنتا عشرة اصبعا ، وذرع تدوير رأس البئر من خارج خمسة عشر ذراعا واثنتا عشرة اصبعا ، وتدويرها من داخل اثنا عشر ذراعا واثنتا عشرة اصبعا ، وعلى الحجرة أربع أساطين ساج عليها ملبن ساج مربع فيه اثنتا عشرة بكرة يسقى عليها الماء ، وقد كان في حد مؤخر زمزم الذي يلي الوادي كنيسة ساج يكون فيها قيّم زمزم يقال : إنها مجلس ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ، وفوق الملبن قبة ساج عليها قبة خارجها أخضر ، ثم غيّرت بفسيفساء وداخلها أصفر. وكان في حد حجرة زمزم اسطوانة ساج مستقبل الركن الذي فيه الحجر

__________________

(١) كررت في الأصل.

٧٨

الأسود ، فوقها قبة من شبه (١) يسرج فيها بالليل لأهل الطواف ، وهو الذي يقال له مصباح زمزم ، ثم نحّاه عمر بن فرج الرخّجي عن زمزم حين غيرت وبنيت بناءها هذا التي بني عليها الآن. فلما بعث / أمير المؤمنين الواثق بالله بعمد مصابيح الشبه وهي احد عشر عمودا من شبه رمي بذلك العمود الذي كان يسرج عليه وأخرج من المسجد (٢).

ذكر

صفة القبة وحوضها وذرعها

وذرع ما بين حجرة زمزم إلى وسط جدر الحوض الذي قدام السقاية الذي عليه القبة إحدى وعشرون ذراعا واثنتا عشرة اصبعا. وذرع سعة الحوض من وسطه اثنا عشر ذراعا وتسع أصابع في مثله. وذرع تدوير الحوض من داخل تسعة وثلاثون ذراعا ، وذرع تدويره من خارج أربعون ذراعا. وهو مفروش بالرخام ، وجدره ملبّس رخاما ، حتى غيّره فيما ذكروا عمر بن فرج الرّخّجي في سنة عشرين ومائتين ، فكتب إليه أمير المؤمنين المعتصم فكلّفه عمارتها وعملها بفسيفساء فثقلت ورقّت أساطينها ، فقلع محمد بن الضحاك أساطينها وأمر بها فدعمت من فوقها ، وجعل لها أساطين أجلّ من الأساطين التي كانت قبلها ، وجعل الأساطين الخشب في مهاريس (٣) من حجارة منقوشة ، فدفنها في الأرض حتى لا يأكل الماء الخشب إذا دفن في الأرض ، وسكب بين الخشب والحجارة الرصاص ، وجعل جداره بحجر مفخري ، وفرش أرضه بالرخام.

وذرع طول جدره من داخل في السماء عشر أصابع ، وعرضه ثماني

__________________

(١) الشبه ـ بالتحريك ـ هو النحاس الأصفر. تاج العروس ٩ / ٤٩٣.

(٢) قارن بالأزرقي ٢ / ١٠١.

(٣) المهاريس ، واحدها : مهراس ، وهو : حجر مستطيل منقور. تاج العروس ٤ / ٢٧١.

٧٩

أصابع ، وفي وسطه رخامة منقوشة يخرج منها الماء [في](١) فوّارة تخرج من الحوض الذي في حجرة زمزم إذا دخلت الحجرة على يمينك ، ثم يخرج في قناة رصاص حتى يخرج في وسط الحوض من هذه الفوارة ، وهو الحوض الذي كان يسقى فيه النبيذ فيما مضى. وكان في جدر هذا الحوض الذي عليه القبة حجر بحيال سقاية العباس بن عبد المطلب فيه قناة من رصاص إلى الحوض الداخل في السقاية ، وهو بيت الشراب يصب فيه النبيذ إلى الحوض الذي عليه القبة أيام التشريق وأيام الحج.

وبين الحوض الذي في زمزم ، الذي يخرج منه الماء إلى هذا الحوض الكبير الذي كان عليه القبة ثمانية وعشرون ذراعا.

وحول هذا الحوض اثنتا عشرة أسطوانة ساج طول كل اسطوانة أربعة أذرع.

وما بين جدر الأساطين أربعة عشر ذراعا.

وفوق الأساطين حجرة ساج طولها في السماء ذراعان ، وعلى الحجرة قبّة ساج خارجها أخضر وداخلها مصفر.

وطول القبة من وسطها من داخل أربعة عشر ذراعا. وكانت هذه القبة فيما زعموا عملها المهدي في سنة ستين ومائة ، عملها أبو بحر المجوسي النجّار الذي كان جاء به عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس من العراق ، فعمل أبواب داره التي على المروة يقال لها : دار مخرمة ، وعمل سقوفها في سنة ستين ومائة.

وكانت هذه القبة ، تعمّر وتجدد وتزوق في كل سنة.

وبين الحوضين ستة أذرع.

ومن الحوض الذي عليه القبة إلى الحوض الذي ليس عليه قبة خمسة أذرع.

__________________

(١) سقطت من الأصل ، ويقتضيها السياق.

٨٠