أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي
المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٩٦
هشام بن عروة ، قال : كان ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يحمل عليهم حتى يخرجهم من الأبواب ، وهو يرتجز ويقول :
لو كان قرني واحدا كفيته |
|
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا |
ولكن على أقدامنا يقطر الدّم |
١٦٥٨ ـ حدّثنا عبد الله بن عمران المخزومي ، قال ثنا سفيان ، عن أبي بكر الهذلي ، قال : كان ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يقاتل ، ويقول هذا الشعر ، فذكر نحوه.
١٦٥٩ ـ حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال [إن (١) أبا] ريحانة علي بن أسيد ابن أحيحة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، كان شديد الخلاف على عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ فتواعده عبد الله بن صفوان ، فلحق بعبد الملك ، فاستمده [للحجاج](٢) بن يوسف ، وقال : لو لا أنّ ابن الزبير تأوّل قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ)(٣) ما كنا إلا أكلة رأس ، قال : وكان الحجاج في سبعمائة ،
__________________
ـ ابن عون به ، مطولا ـ ورواه أبو نعيم في الحلية ١ / ٣٣٢ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٥٥٢ ، وأنظر تهذيب ابن عساكر ٧ / ٤١٨.
١٦٥٨ ـ إسناده ضعيف جدا.
أبو بكر الهذلي ، مختلف في اسمه ، وهو متروك الحديث. التقريب ٢ / ٤٠١.
١٦٥٩ ـ ذكره الفاسي في العقد الثمين ٦ / ١٤١ ـ ١٤٢ ، نقلا عن الزبير بن بكار. وذكره مصعب في نسب قريش ، وذكره ابن حجر في الاصابة ١ / ٦٣ نقلا عن الفاكهي.
(١) في الأصل : (حدّثنا أبو ريحانة ـ علي بن أسيد بن أحيحه ـ) والتصويب من نسب قريش والفاسي.
(٢) في الأصل (الحجاج) والتصويب من المرجعين السابقين.
(٣) سورة البقرة (١٩١).
فأمده عبد الملك بطارق ـ مولى عثمان بن عفان ـ في أربعة آلاف ، ولطارق يقول الراجز:
يخرجن ليلا ويدعن طارقا |
|
والدّهر قد أمّر عبدا سارقا |
فأشرف أبو ريحانة على أبي قبيس ، فصاح : أنا أبو ريحانة ، أليس قد أخزاكم الله يا أهل مكة؟ قد أقدمت البطحاء من أهل الشام أربعة آلاف.
١٦٦٠ ـ فحدّثنا الزبير بن أبي بكر أيضا ، قال : حدّثني محمد / بن الضحاك ، عن أبيه الضحاك بن عثمان ، قال : فقال له ابن أبي عتيق عبد الله ابن محمد بن أبي بكر الصّديق ـ رضي الله عنهم ـ : وكان مع ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ : بلى ، والله لقد أخزانا الله ، فقال له ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ : مهلا يا ابن أختي : قال : قلت لك ائذن لي فيهم وهم قليل فأبيت حتى صاروا إلى ما صاروا إليه من الكثرة.
١٦٦١ ـ حدّثنا الحسين بن منصور أبو علي الأبرش ، قال : ثنا سعيد بن هبيرة ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، قال : ثنا محمد بن زياد ، قال : بعث يزيد بن معاوية الضحاك بن قيس إلى عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وهو بمكة ، يبايعه ويؤتي به موثّقا. فقال الضحاك : إنك ستؤتى وتقاتل. قال : لا. فدفع إليه قوسا وسهما ، فقال : إرم هذا الحمام! فقال : ما كنت لأرميها
__________________
١٦٦٠ ـ محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي ، سكت عنه ابن أبي حاتم ٧ / ٢٩٠. وبقية رجاله موثّقون.
ذكره الفاسي في العقد الثمين ٦ / ١٤٢ نقلا عن الزبير.
١٦٦١ ـ إسناده ليّن.
سعيد بن هبيرة ، قال أبو حاتم : ليس بالقوي. الجرح ٤ / ٧٠ ـ ٧١. وأنظر المنتقى ص : ٢٣.
وأنا في حرم الله. فقال : وأنا والله لا أقاتل في حرم الله فقال : إنك ستؤتى وتقاتل.
١٦٦٢ ـ وحدّثني أحمد بن جميل الأنصاري ، عن الهيثم بن عدّي ، عن ابن جريج ، عن أبيه ، قال : لما دعى ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ إلى نصرة الكعبة ، جاءته الاعراب تقعقع أفاضها في أباطها ، فقال : لا مرحبا ولا أهلا ، والله إنّ حديثكم ما علمت لغثّ ، وإنّ سلاحكم لرثّ ، وإنّكم في الخصب لعدو ، وإنكم في السنّة لعيال ، فانطلقوا فلا في كنف الله ، ولا في ستره.
١٦٦٣ ـ حدّثنا عبد الله بن عمران المخزومي ، قال : ثنا سفيان ، عن يحيى ابن سعيد ، قال : أرسل إلينا الحجاج برؤوس ثلاثة : رأس ابن الزبير ، ورأس عبد الله بن صفوان ، ورأس ابن مطيع ـ رضي الله عنهم ـ.
__________________
١٦٦٢ ـ إسناده متروك.
الهيثم بن عدي ، هو : الطائي الكوفي. قال ابن معين : ليس بثقة ، كذّاب. وقال أبو حاتم : متروك. الجرح ٩ / ٨٥.
ذكره ابن الأثير في تاريخه ٤ / ٢٣ ، وابن فهد في إتحاف الورى ٢ / ٩٠ ـ ٩١ بنحوه.
وقوله (تقعقع) : التقعقع ، هو : الحركة والاضطراب ، والمراد هنا حكاية صوت السلاح والدروع. اللسان ٨ / ٢٨٦. وآفاضها : كأنّه يريد الدروع ، والدرع الواسعة يقال لها : فيوض ، ومفاضة ، وفاضة. اللسان ٧ / ٢١٢. والسنة : القحط.
١٦٦٣ ـ إسناده حسن.
رواه البخاري في التاريخ الكبير ٥ / ١٩٩ من طريق : سفيان به. وذكره الذهبي في السير ٤ / ١٥١ ، وابن حجر في الاصابة ٣ / ٦٥.
وابن مطيع ، هو : عبد الله بن مطيع بن الأسود بن حارثة القرشي العدوي. ولد على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم فحنّكه ، وكان أمير المدينة من قريش في وقعة الحرّة ، وكان من رجال قريش شجاعة ونجدة. أنظر الاصابة ٣ / ٦٥.
١٦٦٤ ـ وحدّثنا أبو القاسم العائذي ، قال : ثنا سفيان ، قال : قتل معه ـ يعني ابن الزبير ـ عبد الله بن صفوان ، وهو متعلق بأستار الكعبة ، وكان يقول : إنّا لم نقاتل مع ابن الزبير ، وإنما قاتلنا على ديننا.
١٦٦٥ ـ حدّثنا محمد بن اسماعيل ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا حبيب بن الشهيد ، عن ابن أبي مليكة ، قال : كان ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يواصل سبعة أيام فيصبح اليوم السابع وهو أليثنا.
١٦٦٦ ـ حدّثنا أبو علي الحسن بن منصور الأبرش ، قال : ثنا سعيد بن هبيرة ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، قال : ثنا حبيب بن الشهيد ، عن ابن أبي مليكة ، بنحوه.
١٦٦٧ ـ حدّثنا محمد بن عبد الملك الواسطي ، قال : ثنا يزيد بن هارون ،
__________________
١٦٦٤ ـ أبو القاسم العائذي ، لم أعرفه.
ذكره مصعب في نسب قريش ص : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ ، والفاسي ٥ / ١٨٠ ـ ١٨١ نقلا عن الزبير بن بكار ، والذهبي في تاريخ الإسلام ٣ / ١٧٦ ـ ١٧٧.
١٦٦٥ ـ إسناده صحيح.
رواه أبو نعيم في الحلية ١ / ٣٣٥ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٥٤٩ وذكره ابن كثير في البداية ٨ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ثلاثتهم من طريق : روح به. وذكره الذهبي في السير ٣ / ٣٦٨ ، وابن حجر في الاصابة ٢ / ٣٠٣.
١٦٦٦ ـ إسناده ليّن.
سعيد بن هبيرة ، ليس بالقوي ، كما قال أبو حاتم. الجرح ٤ / ٧٠ ـ ٧١.
١٦٦٧ ـ إسناده حسن.
المثنى القسام ، هو : ابن سعيد ، الضبعي ، البصري.
رواه البخاري في الكبير ٨ / ١٠٤ ، والصغير ١ / ١٣٧ من طريق : ابن مهدي ، عن المثنى بن سعيد به.
قال : أنا المثنى القسام ، قال : ثنا أبو حمزة نصر بن عمران ، قال : لما بلغني تحريق البيت ، خرجت إلى مكة أريد قتال أهل الشام ، فقدمت على ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ فأكرمني ، وجعلت اختلف إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ حتى عرفني واستأنس بي ، قال : فأصبت ذات يوم منه خلوة ، فقال لي : يا أبا حمزة ، ألا تحدّثني ما أقدمك بلدنا هذا؟ قلت : بلى ، قدمت أريد قتال أهل الشام الذين استحلوا هذه الحرمة ، قال : أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قلت : بلى ، قال : ترجع إلى مصرك فتقعد على [بغلتك](١) [وتجيّب](٢) فرسك حتى تأتي خراسان ، فتقاتل على حظك من الله ، وتدعهم يقاتلون على حظهم من الدنيا. قال : فكأني كنت نائما فنبّهني ، فرجع إلى البصرة ثم رجع إلى خراسان.
١٦٦٨ ـ حدّثنا عبد الجبار بن العلاء ، قال : حدّثني يحيى بن عيسى ، قال : ثنا الأعمش ، عن مجاهد ، قال : قدمت مكة فقال لي ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : يا مجاهد ، أما علمت أن الناس قد رجعوا كفارا؟ / قال : قلت : ماذا؟ قال : عبد الله بن الزبير ، وعبد الملك بن مروان ، يضرب بعضهم رقاب بعض.
__________________
١٦٦٨ ـ إسناده ضعيف.
يحيى بن عيسى الرملي ، قال أحمد : ما أقرب حديثه. وقال ابن معين : ليس بشيء.
الجرح ٩ / ١٧٨.
(١) في الأصل (نعليك) وهو تصحيف.
(٢) في الأصل (تجيب) وهو تصحيف أيضا. ومعني (تجنّب فرسك) أي : تقوده فلا تركيه ، فيسمّى عندئذ (المجنّب). لسان العرب ١ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧.
١٦٦٩ ـ حدّثنا ابن أبي عمر ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، قال : ثنا الحسن بن عمرو ، عن مجاهد ، قال : غبت عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ثم لقيته ، فذكر نحوه.
١٦٧٠ ـ حدّثني الحسن بن عثمان ، عن الواقدي ، قال : قال عبد الله بن جعفر : قلت لأم بكر بنت المسور : حضرت قتل المسور؟ قالت : نحن في منزلنا نصيح يوم مات ، وأقمنا حتى قتل ابن الزبير ، فكان الحارث بن (١) خالد شيعة الحجّاج فولاه منى ، فجعل مناد ينادي : من دخل منى إلى الحارث بن خالد فهو آمن ، ومن دخل دار شيبة الحاجب فهو آمن. قالت : فخرجنا حتى نزلنا منى ، وأرسل إلينا الحارث بن خالد ، فقال : إنزلوا حيث شئتم. قالت : فنزلنا من منى عند المسجد في ثروة الناس ، وجعلت تأتينا الأخبار ، وجعل الناس يثوبون ، حتى رأينا منى مثل أيام الحج أو نحوه ، والحارث يصلّي بالناس في مسجد الخيف.
قال الواقدي ، وأخبرني عبد الجبار بن عمارة ، عن عبد الله بن أبي بكر ابن حزم ، قال : أخبرني من حضر قتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يوم
__________________
١٦٦٩ ـ إسناده صحيح.
والحسن بن عمرو ، هو : الفقيمي.
١٦٧٠ ـ إسناده متروك.
بسبب الواقدي. وعبد الله بن جعفر ، هو : ابن عبد الرحمن بن المسور بن مخزمة. لا بأس به.
(١) الحارث بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي. كان أبوه واليا على مكة لعثمان بن عفان ، وولاه يزيد بن معاوية مكة أيّام الزبير فلم تتم ولايته ، وكان شاعرا ، يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة.
توفي نحو سنة (٨٠). أنظر الأغاني ٣ / ٣١١ ، ٩ / ٢٢٧ ، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٣ / ٤٤٠ ، والعقد الثمين ٤ / ٨ ـ ١٥.
(٢) أنظر المنتقى من أخبار أم القرى ص : ٢٤.
الثلاثاء لتسع عشرة خلت من جمادى الأولى في سنة ثلاث (١) وسبعين ، وهو يومئذ ابن إثنين وسبعين.
قال الواقدي : وحدّثني محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن أبي مليكة ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ يقول لعبيد بن عمير : كيف أنت يا ليثي؟ قال : بخير على ظهور عدونا علينا. فيقول جابر ـ رضي الله عنه ـ : الّلهم (لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٢).
١٦٧١ ـ حدّثنا الحسن بن عثمان ، عن الواقدي ، قال : ثنا مصعب بن ثابت ، عن أبي الأسود ، عن [عبّاد](٣) بن عبد الله بن الزبير ، قال : بعث عبد الملك حين قتل مصعب بن الزبير في جمادى الأولى. ودخل الكوفة الحجاج بن يوسف إلى ابن الزبير بمكة في جمادى الآخرة ، ويقال في رجب سنة اثنين وسبعين ، فخرج الحجاج في ألفين من جند أهل الشام ، حتى نزل الطائف ولم يعرض للمدينة ولا طريقها ، سلك على النّقرة (٤) والرّبذة ، فنزل بالطائف ، فكان يبعث البعوث إلى عرفة ، ويبعث ابن الزبير بعثا ويلتقون ، كل ذلك تهزم خيل ابن الزبير ، وترجع خيل الحجاج إلى الطائف ، فكتب الحجاج إلى عبد الملك ، يستأذنه في محاصرة ابن الزبير ، ودخول الحرم عليه ، ويخبره أن شوكته قد كلّت وتفرّق عنه عامة من كان معه ، ويطلب منه أن
__________________
١٦٧١ ـ فيه الواقدي ، وهو متروك. وأبو الأسود ، هو : محمد بن عبد الرحمن بن نوفل.
(١) تاريخ الطبري ٧ / ٢٠٢ ، ومستدرك الحاكم ٣ / ٥٥٥ ، والاصابة ٢ / ٣٠٣.
(٢) سورة يونس (٨٥).
(٣) في الأصل (عبد) وهو خطأ. وعبّاد بن عبد الله بن الزبير ، ثقة ، كان قاضي مكة زمن أبيه ، وخليفته اذا حج. التقريب ١ / ٣٩٢.
(٤) بكسر النون ، وسكون القاف ، موضع بطريق مكة ، وهو من منازل حاج الكوفة. أنظر ياقوت الحموي ٥ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩.
يمدّه برجال ، فأجابه عبد الملك إلى ذلك ، وكتب إلى طارق بن عمرو يأمره أن يلحق بالحجاج. قال : وكان طارق يسير ما بين المدينة إلى أيلة ، فصادفه كتاب عبد الملك بالسقيا سقيا الجزل ، فسار في أصحابه وهم خمسة آلاف فدخل المدينة ، وعليها عامل ابن الزبير طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري ، فهرب منه ، وكان قدوم الحجاج الطائف في شعبان سنة اثنتين وسبعين ، فلما دخلت ذو القعدة نزل الحجاج [من](١) الطائف ، فحصر ابن الزبير في المسجد ، وحج بالناس الحجاج في سنة اثنتين وسبعين ، وابن الزبير محصور في المسجد والدور ، ثم صدر الحجاج ، وطارق حين فرغا من الحج ، فنزلا بئر ميمون ، ولم يطف الحجاج لحجته سنة اثنتين وسبعين / حتى دخلت عليه سنة ثلاث وسبعين ، وابن الزبير محصور ولم يطف الحجاج بالبيت ، ولم يقرب نساء ولا طيبا إلى أن قتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ ولكنه كان يلبس السلاح ، فلما قتل ابن الزبير نحر جزورا ولبس الثياب (٢).
قال الواقدي : وحدّثني سعيد بن مسلم بن [بانك](٣) عن أبيه ، قال : حججنا في سنة اثنتين وسبعين ، فقدمنا مكة ، ودخلنا من أعلى مكة ، فنجد أصحاب طارق بالحجون إلى بئر ميمون ، فطفنا بالبيت والصفا والمروة ورأينا ابن الزبير في المسجد وما حوله ، فحج بنا الحجاج سنة اثنتين وسبعين ، وهو واقف بالمصاف (٤) من عرفة ، على فرس له ، وعليه الدرع والمغفر ، ثم صدرنا
__________________
(١) سقطت من الأصل ، ويقتضيها السياق.
(٢) رواه ابن جرير في التاريخ ٧ / ١٩٥ ، من طريق : ابن سعد ، عن الواقدي به. وذكره الذهبي في تاريخ الإسلام ١ / ١١٣ ، وابن كثير ٨ / ٣٢٥ ، وابن عساكر ـ تهذيبه ـ ٧ / ٤٢٠.
(٣) في الأصل وفي الطبري (بابك) بالباء ، وصوابه بالنون كما أثبتّ.
(٤) المصافّ : جمع مصفّ ، وهو في الأصل : موضع الحرب الذي تكون فيه الصفوف ، وقد استعير هنا لموقف الحجيج. النهاية ٣ / ٣٨. وقد جاءت هذه اللفظة عند الطبري (الهضاب).
فنظرت إليه على بئر ميمون ، وأصحابه (١) ، ولم يطف بالبيت ، وأصحابه متسلّحون ، ورأيت الطعام عندهم كثيرا ، ورأيت العيرات (٢) تأتي من الشام ، تحمل الكعك والسويق والدقيق ، فرأيت أصحابه مخاصيب ، ولقد ابتعنا من بعضهم كعكا بدرهم كفانا حتى بلغنا الجحفة وإنّا لثلاثة (٣).
١٦٧٢ ـ حدّثنا سعيد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا هشام ، وعبد المجيد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني موسى بن عقبة ، وعبد الله بن عمر ، عن نافع ، قال : إنّ ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أراد الحج زمان نزل الحجاج بن يوسف بابن الزبير ، فقيل له : إنّ الناس كائن بينهم (٤) ، وأنا نخاف ان يصدوك ، فقال : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(٥) إذا أصنع كما صنع النبي صلّى الله عليه وسلم.
__________________
١٦٧٢ ـ إسناده صحيح.
رواه البخاري ٧ / ٤٥٥ ، ومسلم في الحج ٨ / ١٤ ـ ٢١٥ ، والنسائي في الكبرى (٦ / ١١٦ تحفة الأشراف) ثلاثتهم من طريق عبيد الله به بنحوه. ورواه الأخيران أيضا من طريق : الليث وأيوب عن نافع به بنحوه. ورواه البخاري كذلك ٣ / ٥٥٠ ، من طريق : موسى بن عقبة به بنحوه.
(١) كذا في الأصل ، وكأنّها زائدة.
(٢) العيرات : جمع عير ، والعير : الإبل بأحمالها. النهاية ٣ / ٣٢٩.
(٣) رواه الطبري ٧ / ١٩٥ من طريق : الواقدي. وذكره ابن كثير في البداية ٨ / ٣٢٩.
(٤) كان في الأصل هنا (فقال) فحذفتها لأنّها ليست في المراجع ، ولا معنى لها.
(٥) سورة الأحزاب (٢١).
ذكر
غلاء السعر بمكة في حصار عبد الله بن الزبير
ـ رضي الله تعالى عنهما ـ وذكر مقتله
١٦٧٣ ـ حدّثنا الحسن بن عثمان بن أسلم ، عن الواقدي ، قال : ثنا عبد الله ابن جعفر ، عن [أبي](١) عون ، قال : رأيت فرسا لابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ معدّا ، فأمر به ابن الزبير فذبح ، ثم قسم بين أصحابه (٢).
قال عبد الله بن جعفر : فذكرت هذا الحديث لهشام بن عروة ، فقال : حدّثني فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت : أكلنا لحم فرس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم (٣).
قال الواقدي : وحدّثني ابن جريج ، عن عطاء ، قال : رأيت العبّاد من أصحاب ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يأكلون البراذين في حصر ابن الزبير.
قال الواقدي : وحدّثنا رباح بن مسلم ، عن أبيه ، قال : رأيت الدجاجة بعشرة دراهم ، واشتريت مدّا من ذرة بعشرين درهما ، وإنّ بيوت ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ تقصف تمرا وشعيرا وذرة وقمحا ، ولكنه كان معذورا (٤).
__________________
١٦٧٣ ـ الواقدي : متروك الحديث ، وأبو عون : مجهول.
(١) في الأصل (ابن) وهو خطأ ، فهو : أبو عون بن أبي حازم ، مولى المسور بن مخرمة ، ووالد عبد الواحد بن أبي عون ، ذكره ابن خلفون في الثقات ، وقال : أبو زرعة : مديني لا نعرفه. الجرح ٩ / ٤١٤. وتعجيل المنفعة ص : ٥٠٩.
(٢) ذكره ابن الأثير في الكامل ٤ / ٢٣ ، وابن فهد في إتحاف الورى ٢ / ٩١ بنحوه.
(٣) هذا الحديث صحيح رواه أحمد في المسند ٦ / ٣٥٣ ، والدارمي ٢ / ٨٧ ، والبخاري في الأطعمة ٩ / ٦٤٠ ، ٦٤٨ ثلاثتهم من طريق : هشام بن عروة به.
(٤) أنظر الكامل في التاريخ واتحاف الورى بأخبار أم القرى.
قال الواقدي : وحدّثني عبد الله بن جعفر عن [أبي](١) عون ، قال : رأيت تاجرا قدم من جدّة ، فدخل من أسفل مكة بأحمرة تحمل قمحا ، فرأيته يبيع الصاع من الطعام بما احتكم ، ورأيت صيّادا قدم بحيتان قشير (٢) ، فباع كل حوت بدرهم.
قال الواقدي : وحدّثني عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال : كنا مع ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ فبلغ منّا الجهد ، فأرسلنا إلى ابن الزبير نخبره بحالنا ، وأنّ معنا نفقة لا نجد ما نبتاع / فأما أن يرسل إلينا بما نتقوى به ، وإما أن يأذن لنا في الخروج إلى بلادنا فنحمل ما نتقوى به ، فقال : الليلة أبعث إليكم ، فلما أمسينا انتظرنا ونحن في البيوت عشرون رجلا ، فإذا رسوله قد أرسله بغرارة (٣) فيها نحو من صاعين ، ويقول الرسول : يقول أمير المؤمنين : تبلّغوا بهذا إلى أن يأتيكم الله بخير ، قال : فلما رأيت ذلك ارتحلنا ، فو الله إن (٤) أصبح معه منا مخبر ، وبلغ ذلك ابن صفوان فلامه لوما شديدا.
قال الواقدي : وحدّثني شرحبيل بن أبي عون ، عن أبيه ، قال : كان الجوع يبلغ منا حتى ما يحمل الرجل سلاحه ، فأغدو إلى زمزم ويغدو معي أصحابي فنشرب فنجدها عصمة (٥).
__________________
(١) في الأصل (ابن وهو خطأ ، فهو : أبو عون بن أبي حازم ، مولى المسور بن مخزمة ، ووالد عبد الواحد بن أبي عون ، ذكره ابن خلفون في الثقات ، وقال : أبو زرعة : مديني لا نعرفه. الجرح ٩ / ٤١٤.
وتعجيل المنفعة ص : ٥٠٩.
(٢) كذا في الأصل ، والمذكور في معنى (قشير) : ما كان كثير القشر ، ولا معنى لها بها هنا والله أعلم.
فكأنّ اللفظة مصحفة عن (قتير) ، وهي رائحة اللحم المشوي ، ورائحة البخّور ، أو أيّة رائحة. فلعلّ الحيتان كانت منتنه ، ومع نتنها بيعت. والله أعلم.
(٣) الغرارة : بالكسر ، جمعها غرائر ، وهي الحوالق. لسان العرب ٥ / ١٨.
(٤) معناها هنا (ما).
(٥) تقدّم هذا في الأثر (١٠٨٤).
قال الواقدي : وحدّثنا عبد الملك بن وهب ، عن عطاء بن أبي هارون قال : رأيت الرجل من أصحاب ابن الزبير ـ رضي الله عنهم ـ يقاتل وما يستطيع أن يحمل السلاح كما يريد وما كانوا يستغيثون إلا بزمزم (١).
قال الواقدي : وحدّثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، قال : رأيت حجارة المنجنيق ترمى بها الكعبة تجيء كأنها جيوب النساء (٢) ، ورأيت كلبا رمينا به فكفأ قدرا لنا فيها جشيش (٣) ، فأخذنا الكلب فذبحناه فوجدناه كثير الشحم ، فكان خيرا لنا من الجشيش وأشبع.
قال الواقدي : وحدّثنا موسى بن يعقوب عن ، عمه (٤) ، عن أبيه قال : كنت إلى جنب ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وهو يصلي خلف المقام وحجارة المنجنيق تهوي ململمة ملساء كأنها خرطت ، وما يصيبه منها (٥) شيء. فوقف عليه مولى له يقال له : يسّار ، فقال : قدم جابر بن عبد الله ، ورافع بن خديج ، وسلمة بن الأكوع ، وأبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنهم ـ آنفا فكلّموا الحجاج في أن يدعه ، فإنه قد منع الناس من الطواف بالبيت ، فأرسل إلى أصحاب المنجنيق ، وعليهم طارق بن عمرو ان يكفوا فكفوا حتى صدر الناس من الطواف ، فأرسل (٦) إلى أصحاب المنجنيق وعليهم طارق بن عمرو ، فكان من قول الحجاج : إني لكاره لما ترون ، ولكن ابن الزبير لجأ إلى البيت ، والبيت لا يمنع خالع طاعة ، ولا عاصيا ، ولو أنه اتقى الله ـ تعالى ـ
__________________
(١) تقدّم هذا برقم (١٠٨٤) وفي السند هناك (عطاء بن أبي مروان) ولم نقف لهما على ترجمة.
(٢) تهذيب تاريخ ابن عساكر ٧ / ٤٢١ ، وتصحفت فيه العبارة إلى (جنوب الشتاء).
(٣) الجشيش : أن تطحن الحنطة طحنا غير ناعم ، ثم يلقى عليها تمر ، أو لحم ، فيطبخ. لسان العرب ٦ / ٢٧٣.
(٤) هو : يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة.
(٥) تهذيب ابن عساكر ٧ / ٤٢١.
(٦) كذا في الأصل.
وخرج إلينا فأصحر لنا ، فإما أن يظفر ، وإما أن نظفر به ، فيستريح الناس من هذا الحصر ، قال : فدخل القوم المسجد ، وقد كفوا رمي المنجنيق ، فمروا بابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وهو قائم يصلي خلف المقام ، فتركوه حتى طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم عادوا إليه ، فذكروا له ما قال لهم الحجاج ، فقال ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ : لو كان لهذا كارها لم يرم الكعبة نفسها ، والله ما تقع حجارته إلا فيها. قال : فنظر القوم إلى الكعبة متوهّنة من الحجارة.
قال الواقدي : وحدّثني عمر بن سعيد بن أبي حسين ، عن عبد الله (١) ، مولى أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت : لما كان قبل قتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ بيوم قالت أمه : خذلوه وأحبّوا الحياة ، ولم ينظروا لدينهم ولا لاحسابهم ، ثم قامت تصلي وتدعو ، وتقول : الّلهم إنّ عبد الله بن الزبير كان معظّما
لحرمتك ، كريه إليه أن تعصى ، وقد جاهد فيك أعداءك ، وبذل مهجة نفسه لرجاء ثوابك ، الّلهم فلا تخيّبه ، الّلهم إرحم طول ذلك السجود والنحيب / وطول ذلك الظمأ في الهواجر ، الّلهم لا أقول ذلك تزكية له ولكنه الذي أعلم وأنت أعلم به ، الّلهم وكان برّا بالوالدين. قال : فلما أصبحنا يوم الثلاثاء جاء أمّه فودعها ، ثم خرج من عندها ، فأصابته رمية فوقع ، فتغاور عليه فقتلوه (٢).
قال الواقدي : وحدّثني موسى بن يعقوب ، عن عمه ، أبي الحارث (٣) قال : إنّ اسماء ـ رضي الله عنها ـ قالت له : تصبر لله فانصرف من عندها وهو يقول :
__________________
(١) هو : ابن كيسان.
(٢) الطبري ٧ / ٢٠٤ ، وتهذيب ابن عساكر ٧ / ٤٢١.
(٣) هو : يزيد بن عبد الله بن وهب الزمعي.
إنّي إذا أعرف يومي أصبر |
|
وبعضهم يعرف ثمّ ينكر (١) |
ففهمت قوله ، قالت له : تصبّر والله (٢) ان شاء الله ، أليس أبوك الزبير.
١٦٧٤ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي المحيّاة ، عن أمه ، قالت : لمّا قتل الحجاج بن يوسف عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ فقال : يا أمه إنّ أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟ فقالت : ما لي من حاجة ، ولست بأمّ لك ، ولكني أم المصلوب على رأس الثنيّة ، فانظر حتى أحدّثك ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول : يخرج في ثقيف كذّاب ومبير. فأما الكذاب فقد رأيناه ، وأما المبير فأنت. فقال الحجاج : مبير المنافقين.
١٦٧٥ ـ حدّثنا ابن أبي بزّة ، قال : حدّثني محمد بن يزيد بن خنيس ،
__________________
١٦٧٤ ـ أمّ أبي المحيّاة لم أقف على ترجمتها. وأبو المحيّاة ، هو : يحيى بن يعلى التيمي ، ثقة.
التقريب ٢ / ٣٦٠.
رواه الحاكم في المستدرك ٤ / ٥٢٦ من طريق أبي الصدّيق ، بنحوه ، وقال : هذا إسناده صحيح ولم يخرجاه.
١٦٧٥ ـ إسناده لين.
شيخ المصنّف ، أحمد بن محمد بن أبي بزّة ، ليّن الحديث. لسان الميزان ١ / ٢٨٣ وبقية رجاله موثّقون.
رواه الحاكم في المستدرك ٣ / ٥٥٢ من طريق : مجاهد بنحوه. وذكره الذهبي في السير ٣ / ٣٧٨ ـ ٣٧٩ من طريق مجاهد أيضا.
وثنية المدنيين : هي ما يسمّى اليوم : ريع الحجون. وسوف يأتي التعريف بها في القسم الجغرافي ـ إن شاء الله ـ. ويسميها هناك : ثنية المقبرة.
(١) المصدران السابقان.
(٢) كذا العبارة في الأصل ، وأنظر كامل ابن الأثير ٤ / ٢٤.
قال : ثنا عبد العزيز بن أبي روّاد ، قال : حدّثني نافع ، قال : خرجت مع ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بعدما قتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وصلب على ثنيّة المدنيّين ، فقال لي : يا نافع إذا بلغنا الثنيّة فأتينا ابن الزبير فأخبرني حتى أسلّم عليه ، قال نافع : فنعسنا بأصل الثنية ، فما فزعنا إلا وبالحمار من تحته ، ففتحت عيني فإذا به ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، هذا ابن الزبير.
فقال : سلام عليك يا أبا خبيب ورحمة الله وبركاته ، أما والله لمن كبّر عليك يوم ولدت خير ممن كبّر عليك يوم قتلت ، ولقد كنت صوّاما قوّاما ، ولكنك أنزلت الدنيا حيث لم ينزلها الله تعالى ، السلام عليك يا أبا خبيب ، سر بنا يا نافع.
١٦٧٦ ـ حدّثني أبو الفضل [عباس](١) بن الفضل ، قال : حدّثني يزيد ابن خالد ، قال : رأيت ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ مصلوبا ، ورأيت عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أقبل على بغلة صفراء ، وعليه عمامة سوداء ، وطلب إلى الحجاج أن يأذن له في دفنه ، فأمره فذهب فدفنه.
١٦٧٧ ـ حدّثنا سعيد بن عبد الرحمن ، وعبد الجبار بن العلاء ـ يزيد أحدهما على صاحبه ـ قال : أنا سفيان ، عن منصور بن عبد الرحمن ، عن
__________________
١٦٧٦ ـ ورد في الأثر رقم (١٦٥٦) : يزيد أبو خالد ، وسيأتي مثله في الأثر (٢٥٠٣). وجاء هكذا في المنتقى ص : ٢٢ ، وقد تقدّمت ترجمته في الأثر ١٦٥٦.
١٦٧٧ ـ إسناده صحيح.
وأم منصور ، هي : صفية بنت شيبة. صحابية. التقريب ٢ / ٦٠٣.
رواه ابن أبي شيبة ١٥ / ٨٢ من طريق : ابن عيينة به.
(١) في الأصل (عيّاش) وهو تصحيف ، إنّما هو عباس بن الفضل ، أبو الفضل الطبري. صدوق مات سنة (٢٧٨) تاريخ بغداد ١٢ / ١٤٧.
أمه ، قالت : لما صلب ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ دخل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ المسجد ، وذلك حين قتل ابن الزبير وهو مصلوب ، فقيل له : إنّ أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ في ناحية المسجد ، فمال إليها ، فعزّاها ، وقال : إنّ هذه الجثث ليست بشيء وإنما الأرواح عند الله ـ تعالى ـ فاتقي الله ، وعليك بالصبر. فقالت : وما يمنعني أن أصبر ، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني اسرائيل.
١٦٧٨ ـ حدّثنا الحسن بن عثمان ، قال : ثنا ابراهيم بن المنذر ، قال : حدّثني [عبد الله](١) بن محمد بن يحيى بن عروة ، عن مسلم بن فلان بن عروة ، قال : لما قتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ دخل الحجاج بن يوسف منزله فوجد فيما وجد فيه صندوقا صغيرا عليه سبعة أقفال ، فكتب فيه إلى عبد الملك بن مروان / إني وجدت في منزل ابن الزبير صندوقا عليه سبعة أقفال ، وقد ظننت أنه جوهر أو شيء استأثر به له قيمة ، وقد كففت عن فتحه ، فيكتب أمير المؤمنين فيه برأيه ، فكتب إليه عبد الملك : أحضر إليه جماعة من قريش ، ثم افتحه بحضرتهم حتى تفضحه بما فيه. قال : فاحضر الحجاج جماعة [من قريش](٢) ثم أمر بالصندوق ففتح ، فإذا فيه ورق أصفر ملفوف في خرقة ، فقرأ فإذا فيه : إذا كان الشتاء قيظا ، وفاض اللّئام فيضا ، وغاض الكرام غيضا ، وصار البغيض إلفا ، والحديث خلفا ، فعشر شويهات عفر ، في جبل وعسر ، خير من ملك بني النضر ، حدّثني ذاكم كعب الحبر.
__________________
١٦٧٨ ـ إسناده ضعيف جدا.
عبد الله بن محمد ، قال أبو حاتم : متروك الحديث ، ضعيف الحديث جدا. الجرح ٥ / ١٥٨.
(١) في الأصل (عبيد الله) وكذلك في المنتقى ، وهو تصحيف.
(٢) العبارة في الأصل (ثم أمر بقريش) وصوّبتها حيث يستقيم المعنى.
١٦٧٩ ـ وحدّثني أبو زرعة ، عن علي بن عبد الله ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : لما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ أخذ عروة بن الزبير أموال ابن الزبير فأودعها قومه ، ثم لحق بعبد الملك ، فلما انتهى إلى الباب ، قال للبواب : قل لأمير المؤمنين أبو عبد الله بالباب. قال : من أبو عبد الله؟ قال : قل له أبو عبد الله ، فدخل الحاجب ، فقال : إنّ رجلا بالباب عليه ثياب السفر يقول : أبو عبد الله بالباب ، قال : قلت له من أبو عبد الله؟ قال : قل له أبو عبد الله بالباب. قال : ويحك ذاك عروة بن الزبير ، أئذن له. قال : فأذن له ، فدخل ، فقال : مرحبا بأبي عبد الله ، حتى أقعده معه على السرير ، ثم قال : ما فعل أبو خبيب؟ قال : قتل ـ يرحمه الله ـ قال : فنزل عبد الملك عن السرير ، فخرّ ساجدا ، ثم عاد إلى السرير.
قال : وجاء رسول من عند الحجاج بكتاب يخبره فيه بقتل ابن الزبير ، وأنّ عروة أخذ الأموال فأودعها [قومه](١) ولحق بك ، فاقرأه عبد الملك الكتاب ، فغضب عروة ، وقال : والله ما يدعون الرجل أو يأخذ سيفه فيموت كريما.
١٦٨٠ ـ وحدّثني أبو الطاهر الدمشقي ، قال : ثنا ابراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : ثنا ابن عليّة ، عن ابن أبي نجيح ، قال : لما قتل ابن الزبير
__________________
١٦٧٩ ـ إسناده صحيح.
أبو زرعة ، هو : أحمد بن حميد الصيدلاني الجرجاني. وعلي بن عبد الله ، هو : ابن المديني. رواه الفسوي ١ / ٥٥٣ من طريق : ابن المديني به.
١٦٨٠ ـ إسناده صحيح.
أبو الطاهر الدمشقي ، هو : الحسن بن أحمد بن ابراهيم بن فيل.
رواه الحاكم في المستدرك من طريق : موسى بن اسماعيل ، عن ابن علية به.
وأنظر نسب قريش ص : ٢٤٤ ـ ٢٤٥. وتاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١٧٤.
(١) في الأصل (قومك).
ـ رضي الله عنهما ـ نقلت خزائنه إلى عبد الملك بن مروان ثلاث سنين.
ويقال : إنّ المنذر بن الزبير كان يقاتل مع ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ ويقال : لا بل قاتل معه حين أتاه جيش الحصين بن نمير ، وهو أصحهما ، فجعل يقاتل ويقول :
لم يبق إلّا حسبي وديني |
|
وصارم تلتدّه يميني |
وهو على أبي قبيس ، وابن الزبير مختبئ في المسجد الحرام ، فجعل ينظر إليه ويقول : هذا رجل يقاتل عن حسبه ، فقتل المنذر بن الزبير.
١٦٨١ ـ فحدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : حدّثني عبد الرحمن بن يحيى الفروي ، قال : قال شاعر من العرب أسماه فذهب عليّ اسمه يرثي المنذر بن الزبير ، ومصعب بن الزبير ، ويذكّر بحريق أهل الشام البيت :
إنّ الإمام ابن الزّبير فإن أبى |
|
فذروا الخلافة في بني الخطّاب |
لستم لها أهلا ولستم مثله |
|
في فضل سابقة وفضل خطاب |
وغدا النّعيّ بمصعب وبمنذر |
|
وكهول صدق سادة وشباب |
قتلوا غداة قعيقعان وحبّذا |
|
قتلاهم قتلى ومن اسلاب |
/ قتلوا حواريّ النّبيّ وحرّقوا |
|
بيتا بمكّة طاهر الأثواب |
أقسمت لو أنّي شهدت فراقهم |
|
لاخترت صحبتهم على الأصحاب |
وقال : وقتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يوم الثلاثاء ، لثلاث عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ، فرثاه جماعة من العرب بمراثي كثيرة اختصرناها ، فقال نعيم بن مسعود الشيباني يرثي عبد الله ومصعبا ابني الزبير كما حدّثنا بن أبي بكر :
__________________
١٦٨١ ـ أنظر العقد الثمين ٧ / ٢٨٣.
ألّا إنّ هذا الدّين من بعد مصعب |
|
وبعد أخيه قد تنكّر أجمع |
وأن ليس للدنيا بهاء وريشها |
|
لقد كان وحقا وافر الدّين أفرع |
فللدين والدّنيا بكينا وإنّما |
|
على الدّين والدّنيا لك الخير يجزع |
على ابن حواريّ النّبيّ تحيّة |
|
من الله إنّ الله يعطي ويمنع |
فتى كلّ عام مرّتين عطاؤه |
|
وغيث لنا فيه مصيف ومربع |
فصمّمت الآذان من بعد مصعب |
|
ومن بعد عبد الله والأنف أجدع (١) |
وحدّثنا الزبير بن بكار ، قال : قال سويد بن منجوف يرثيهما :
ألا قل لهذا العاذل المتغضّب |
|
تطاول هذا اللّيل من بعد مصعب |
وبعد أخيه عائذ البيت إنّما |
|
رمينا بجدع للعرانين موعب |
فصرنا كشاء غاب عنها رعاؤها |
|
معطّلة جنح الظّلام لأذؤب |
فإنّ يك هذا الدّهر أنحى بنابه |
|
وأنحى علينا بعد ناب بمخلب |
وأصبح أهل الشّام يرمون مصرنا |
|
بنبل بروها للعداوة صيّب |
فإنّي لباك ما حييت عليهما |
|
ومثن ثناء ليس فيه تعتّب |
أرى الدّين والدّنيا جميعا كأنّما |
|
هوت بهما بالأمس عنقاء مغرب |
هماما هما كانا لذا الدّين عصمة |
|
فهل بعد هذا من بقاء لمطلب |
فزادهما منيّ صلاة ورحمة |
|
وحرّة ثكل دائم بتنحّب |
فقد دخل المصرين خزي وذلّة |
|
وجدع لأهل المكّتين ويثرب |
وبدّلت ممن كنت أهوى لقاءه |
|
معاشر حيّ ذي كلاع ويحصب |
وعكّا ولخما والسّكون وفرقة |
|
برابرة الأخلاط اخلاط سقلب (٢) |
__________________
(١) تهذيب ابن عساكر ٧ / ٤٢٥.
(٢) المرجع السابق ٧ / ٤٢٦. وسويد بن منجوف تقدّمت ترجمته في الأثر (٧١١) وفيه تقدّمت بعض هذه الأبيات. وقوله (الأذؤب) أي : الذئاب. والسقلب ، هو : الجيل من الناس. اللسان ٢ / ٤٦٩.
ذكر
قدوم الجيش الذي قدم مكة على ابن عباس
ـ رضي الله عنهما ـ وابن الحنفية ـ رضي الله عنه ـ
من الكوفة في زمن ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ
١٦٨٢ ـ حدّثني الحسن بن عثمان ، عن الواقدي ، قال : حدّثني هشام بن عمارة ، عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : كان ابن عباس وابن الحنفية ـ رضي الله عنهم ـ بالمدينة ، وعبد الملك يومئذ بالشام يغزو ، / فغضب ابن الزبير ، فرحلا حتى نزلا مكة ، فأرسل إليهما ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ : تبايعاني؟ فقالا : لا حتى يجمع على رجل ، فأنت في فتنة. فغضب من ذلك ، ووقع بينهما شيء ، فلم يزل الأمر يغلظ حتى خافاه خوفا شديدا ، ومعهما الذرية ، فبعثا رسولا إلى العراق يخبران بما هم فيه ، فخرج إليهما أربعة آلاف فيهم ثلاثة رؤوسا : عطية بن سعد ، وابن هانئ ، وأبو عبد الله الجدلي ، فخرجوا من الكوفة ، وبعث والي الكوفة في أثرهم جيشا ، فأدركوهم بواقصة (١) ، فامتنعوا منهم ، فانصرفوا راجعين ، فمروا فدافعوا السلاح حتى انتهوا إلى مكة ، فدخلوا ما تعرض لهم أحد ، وانهم ليمرّون على مسالح (٢) ابن الزبير حين دخلوا المسجد الحرام ، فسمع بهم ابن الزبير حين دخلوا وهو في المسجد ، فهرب حتى دخل منزله ، وكان ابن الزبير ـ رضي الله
__________________
١٦٨٢ ـ الواقدي متروك.
وعطية بن سعد ، هو : ابن جنادة العوفي.
(١) واقصه : منزل بطريق مكة. ياقوت الحموي ٥ / ٣٥٤.
(٢) المسالح : جمع مسلحة : وهم القوم الذين يحفظون الثغور من العدو.