أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٢

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٩٦

هشام بن عروة ، قال : كان ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يحمل عليهم حتى يخرجهم من الأبواب ، وهو يرتجز ويقول :

لو كان قرني واحدا كفيته

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

ولكن على أقدامنا يقطر الدّم

١٦٥٨ ـ حدّثنا عبد الله بن عمران المخزومي ، قال ثنا سفيان ، عن أبي بكر الهذلي ، قال : كان ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يقاتل ، ويقول هذا الشعر ، فذكر نحوه.

١٦٥٩ ـ حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال [إن (١) أبا] ريحانة علي بن أسيد ابن أحيحة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، كان شديد الخلاف على عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ فتواعده عبد الله بن صفوان ، فلحق بعبد الملك ، فاستمده [للحجاج](٢) بن يوسف ، وقال : لو لا أنّ ابن الزبير تأوّل قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ)(٣) ما كنا إلا أكلة رأس ، قال : وكان الحجاج في سبعمائة ،

__________________

ـ ابن عون به ، مطولا ـ ورواه أبو نعيم في الحلية ١ / ٣٣٢ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٥٥٢ ، وأنظر تهذيب ابن عساكر ٧ / ٤١٨.

١٦٥٨ ـ إسناده ضعيف جدا.

أبو بكر الهذلي ، مختلف في اسمه ، وهو متروك الحديث. التقريب ٢ / ٤٠١.

١٦٥٩ ـ ذكره الفاسي في العقد الثمين ٦ / ١٤١ ـ ١٤٢ ، نقلا عن الزبير بن بكار. وذكره مصعب في نسب قريش ، وذكره ابن حجر في الاصابة ١ / ٦٣ نقلا عن الفاكهي.

(١) في الأصل : (حدّثنا أبو ريحانة ـ علي بن أسيد بن أحيحه ـ) والتصويب من نسب قريش والفاسي.

(٢) في الأصل (الحجاج) والتصويب من المرجعين السابقين.

(٣) سورة البقرة (١٩١).

٣٦١

فأمده عبد الملك بطارق ـ مولى عثمان بن عفان ـ في أربعة آلاف ، ولطارق يقول الراجز:

يخرجن ليلا ويدعن طارقا

والدّهر قد أمّر عبدا سارقا

فأشرف أبو ريحانة على أبي قبيس ، فصاح : أنا أبو ريحانة ، أليس قد أخزاكم الله يا أهل مكة؟ قد أقدمت البطحاء من أهل الشام أربعة آلاف.

١٦٦٠ ـ فحدّثنا الزبير بن أبي بكر أيضا ، قال : حدّثني محمد / بن الضحاك ، عن أبيه الضحاك بن عثمان ، قال : فقال له ابن أبي عتيق عبد الله ابن محمد بن أبي بكر الصّديق ـ رضي الله عنهم ـ : وكان مع ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ : بلى ، والله لقد أخزانا الله ، فقال له ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ : مهلا يا ابن أختي : قال : قلت لك ائذن لي فيهم وهم قليل فأبيت حتى صاروا إلى ما صاروا إليه من الكثرة.

١٦٦١ ـ حدّثنا الحسين بن منصور أبو علي الأبرش ، قال : ثنا سعيد بن هبيرة ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، قال : ثنا محمد بن زياد ، قال : بعث يزيد بن معاوية الضحاك بن قيس إلى عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وهو بمكة ، يبايعه ويؤتي به موثّقا. فقال الضحاك : إنك ستؤتى وتقاتل. قال : لا. فدفع إليه قوسا وسهما ، فقال : إرم هذا الحمام! فقال : ما كنت لأرميها

__________________

١٦٦٠ ـ محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي ، سكت عنه ابن أبي حاتم ٧ / ٢٩٠. وبقية رجاله موثّقون.

ذكره الفاسي في العقد الثمين ٦ / ١٤٢ نقلا عن الزبير.

١٦٦١ ـ إسناده ليّن.

سعيد بن هبيرة ، قال أبو حاتم : ليس بالقوي. الجرح ٤ / ٧٠ ـ ٧١. وأنظر المنتقى ص : ٢٣.

٣٦٢

وأنا في حرم الله. فقال : وأنا والله لا أقاتل في حرم الله فقال : إنك ستؤتى وتقاتل.

١٦٦٢ ـ وحدّثني أحمد بن جميل الأنصاري ، عن الهيثم بن عدّي ، عن ابن جريج ، عن أبيه ، قال : لما دعى ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ إلى نصرة الكعبة ، جاءته الاعراب تقعقع أفاضها في أباطها ، فقال : لا مرحبا ولا أهلا ، والله إنّ حديثكم ما علمت لغثّ ، وإنّ سلاحكم لرثّ ، وإنّكم في الخصب لعدو ، وإنكم في السنّة لعيال ، فانطلقوا فلا في كنف الله ، ولا في ستره.

١٦٦٣ ـ حدّثنا عبد الله بن عمران المخزومي ، قال : ثنا سفيان ، عن يحيى ابن سعيد ، قال : أرسل إلينا الحجاج برؤوس ثلاثة : رأس ابن الزبير ، ورأس عبد الله بن صفوان ، ورأس ابن مطيع ـ رضي الله عنهم ـ.

__________________

١٦٦٢ ـ إسناده متروك.

الهيثم بن عدي ، هو : الطائي الكوفي. قال ابن معين : ليس بثقة ، كذّاب. وقال أبو حاتم : متروك. الجرح ٩ / ٨٥.

ذكره ابن الأثير في تاريخه ٤ / ٢٣ ، وابن فهد في إتحاف الورى ٢ / ٩٠ ـ ٩١ بنحوه.

وقوله (تقعقع) : التقعقع ، هو : الحركة والاضطراب ، والمراد هنا حكاية صوت السلاح والدروع. اللسان ٨ / ٢٨٦. وآفاضها : كأنّه يريد الدروع ، والدرع الواسعة يقال لها : فيوض ، ومفاضة ، وفاضة. اللسان ٧ / ٢١٢. والسنة : القحط.

١٦٦٣ ـ إسناده حسن.

رواه البخاري في التاريخ الكبير ٥ / ١٩٩ من طريق : سفيان به. وذكره الذهبي في السير ٤ / ١٥١ ، وابن حجر في الاصابة ٣ / ٦٥.

وابن مطيع ، هو : عبد الله بن مطيع بن الأسود بن حارثة القرشي العدوي. ولد على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم فحنّكه ، وكان أمير المدينة من قريش في وقعة الحرّة ، وكان من رجال قريش شجاعة ونجدة. أنظر الاصابة ٣ / ٦٥.

٣٦٣

١٦٦٤ ـ وحدّثنا أبو القاسم العائذي ، قال : ثنا سفيان ، قال : قتل معه ـ يعني ابن الزبير ـ عبد الله بن صفوان ، وهو متعلق بأستار الكعبة ، وكان يقول : إنّا لم نقاتل مع ابن الزبير ، وإنما قاتلنا على ديننا.

١٦٦٥ ـ حدّثنا محمد بن اسماعيل ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا حبيب بن الشهيد ، عن ابن أبي مليكة ، قال : كان ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يواصل سبعة أيام فيصبح اليوم السابع وهو أليثنا.

١٦٦٦ ـ حدّثنا أبو علي الحسن بن منصور الأبرش ، قال : ثنا سعيد بن هبيرة ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، قال : ثنا حبيب بن الشهيد ، عن ابن أبي مليكة ، بنحوه.

١٦٦٧ ـ حدّثنا محمد بن عبد الملك الواسطي ، قال : ثنا يزيد بن هارون ،

__________________

١٦٦٤ ـ أبو القاسم العائذي ، لم أعرفه.

ذكره مصعب في نسب قريش ص : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ ، والفاسي ٥ / ١٨٠ ـ ١٨١ نقلا عن الزبير بن بكار ، والذهبي في تاريخ الإسلام ٣ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

١٦٦٥ ـ إسناده صحيح.

رواه أبو نعيم في الحلية ١ / ٣٣٥ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٥٤٩ وذكره ابن كثير في البداية ٨ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ثلاثتهم من طريق : روح به. وذكره الذهبي في السير ٣ / ٣٦٨ ، وابن حجر في الاصابة ٢ / ٣٠٣.

١٦٦٦ ـ إسناده ليّن.

سعيد بن هبيرة ، ليس بالقوي ، كما قال أبو حاتم. الجرح ٤ / ٧٠ ـ ٧١.

١٦٦٧ ـ إسناده حسن.

المثنى القسام ، هو : ابن سعيد ، الضبعي ، البصري.

رواه البخاري في الكبير ٨ / ١٠٤ ، والصغير ١ / ١٣٧ من طريق : ابن مهدي ، عن المثنى بن سعيد به.

٣٦٤

قال : أنا المثنى القسام ، قال : ثنا أبو حمزة نصر بن عمران ، قال : لما بلغني تحريق البيت ، خرجت إلى مكة أريد قتال أهل الشام ، فقدمت على ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ فأكرمني ، وجعلت اختلف إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ حتى عرفني واستأنس بي ، قال : فأصبت ذات يوم منه خلوة ، فقال لي : يا أبا حمزة ، ألا تحدّثني ما أقدمك بلدنا هذا؟ قلت : بلى ، قدمت أريد قتال أهل الشام الذين استحلوا هذه الحرمة ، قال : أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قلت : بلى ، قال : ترجع إلى مصرك فتقعد على [بغلتك](١) [وتجيّب](٢) فرسك حتى تأتي خراسان ، فتقاتل على حظك من الله ، وتدعهم يقاتلون على حظهم من الدنيا. قال : فكأني كنت نائما فنبّهني ، فرجع إلى البصرة ثم رجع إلى خراسان.

١٦٦٨ ـ حدّثنا عبد الجبار بن العلاء ، قال : حدّثني يحيى بن عيسى ، قال : ثنا الأعمش ، عن مجاهد ، قال : قدمت مكة فقال لي ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : يا مجاهد ، أما علمت أن الناس قد رجعوا كفارا؟ / قال : قلت : ماذا؟ قال : عبد الله بن الزبير ، وعبد الملك بن مروان ، يضرب بعضهم رقاب بعض.

__________________

١٦٦٨ ـ إسناده ضعيف.

يحيى بن عيسى الرملي ، قال أحمد : ما أقرب حديثه. وقال ابن معين : ليس بشيء.

الجرح ٩ / ١٧٨.

(١) في الأصل (نعليك) وهو تصحيف.

(٢) في الأصل (تجيب) وهو تصحيف أيضا. ومعني (تجنّب فرسك) أي : تقوده فلا تركيه ، فيسمّى عندئذ (المجنّب). لسان العرب ١ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

٣٦٥

١٦٦٩ ـ حدّثنا ابن أبي عمر ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، قال : ثنا الحسن بن عمرو ، عن مجاهد ، قال : غبت عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ثم لقيته ، فذكر نحوه.

١٦٧٠ ـ حدّثني الحسن بن عثمان ، عن الواقدي ، قال : قال عبد الله بن جعفر : قلت لأم بكر بنت المسور : حضرت قتل المسور؟ قالت : نحن في منزلنا نصيح يوم مات ، وأقمنا حتى قتل ابن الزبير ، فكان الحارث بن (١) خالد شيعة الحجّاج فولاه منى ، فجعل مناد ينادي : من دخل منى إلى الحارث بن خالد فهو آمن ، ومن دخل دار شيبة الحاجب فهو آمن. قالت : فخرجنا حتى نزلنا منى ، وأرسل إلينا الحارث بن خالد ، فقال : إنزلوا حيث شئتم. قالت : فنزلنا من منى عند المسجد في ثروة الناس ، وجعلت تأتينا الأخبار ، وجعل الناس يثوبون ، حتى رأينا منى مثل أيام الحج أو نحوه ، والحارث يصلّي بالناس في مسجد الخيف.

قال الواقدي ، وأخبرني عبد الجبار بن عمارة ، عن عبد الله بن أبي بكر ابن حزم ، قال : أخبرني من حضر قتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يوم

__________________

١٦٦٩ ـ إسناده صحيح.

والحسن بن عمرو ، هو : الفقيمي.

١٦٧٠ ـ إسناده متروك.

بسبب الواقدي. وعبد الله بن جعفر ، هو : ابن عبد الرحمن بن المسور بن مخزمة. لا بأس به.

(١) الحارث بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي. كان أبوه واليا على مكة لعثمان بن عفان ، وولاه يزيد بن معاوية مكة أيّام الزبير فلم تتم ولايته ، وكان شاعرا ، يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة.

توفي نحو سنة (٨٠). أنظر الأغاني ٣ / ٣١١ ، ٩ / ٢٢٧ ، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٣ / ٤٤٠ ، والعقد الثمين ٤ / ٨ ـ ١٥.

(٢) أنظر المنتقى من أخبار أم القرى ص : ٢٤.

٣٦٦

الثلاثاء لتسع عشرة خلت من جمادى الأولى في سنة ثلاث (١) وسبعين ، وهو يومئذ ابن إثنين وسبعين.

قال الواقدي : وحدّثني محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن أبي مليكة ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ يقول لعبيد بن عمير : كيف أنت يا ليثي؟ قال : بخير على ظهور عدونا علينا. فيقول جابر ـ رضي الله عنه ـ : الّلهم (لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٢).

١٦٧١ ـ حدّثنا الحسن بن عثمان ، عن الواقدي ، قال : ثنا مصعب بن ثابت ، عن أبي الأسود ، عن [عبّاد](٣) بن عبد الله بن الزبير ، قال : بعث عبد الملك حين قتل مصعب بن الزبير في جمادى الأولى. ودخل الكوفة الحجاج بن يوسف إلى ابن الزبير بمكة في جمادى الآخرة ، ويقال في رجب سنة اثنين وسبعين ، فخرج الحجاج في ألفين من جند أهل الشام ، حتى نزل الطائف ولم يعرض للمدينة ولا طريقها ، سلك على النّقرة (٤) والرّبذة ، فنزل بالطائف ، فكان يبعث البعوث إلى عرفة ، ويبعث ابن الزبير بعثا ويلتقون ، كل ذلك تهزم خيل ابن الزبير ، وترجع خيل الحجاج إلى الطائف ، فكتب الحجاج إلى عبد الملك ، يستأذنه في محاصرة ابن الزبير ، ودخول الحرم عليه ، ويخبره أن شوكته قد كلّت وتفرّق عنه عامة من كان معه ، ويطلب منه أن

__________________

١٦٧١ ـ فيه الواقدي ، وهو متروك. وأبو الأسود ، هو : محمد بن عبد الرحمن بن نوفل.

(١) تاريخ الطبري ٧ / ٢٠٢ ، ومستدرك الحاكم ٣ / ٥٥٥ ، والاصابة ٢ / ٣٠٣.

(٢) سورة يونس (٨٥).

(٣) في الأصل (عبد) وهو خطأ. وعبّاد بن عبد الله بن الزبير ، ثقة ، كان قاضي مكة زمن أبيه ، وخليفته اذا حج. التقريب ١ / ٣٩٢.

(٤) بكسر النون ، وسكون القاف ، موضع بطريق مكة ، وهو من منازل حاج الكوفة. أنظر ياقوت الحموي ٥ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩.

٣٦٧

يمدّه برجال ، فأجابه عبد الملك إلى ذلك ، وكتب إلى طارق بن عمرو يأمره أن يلحق بالحجاج. قال : وكان طارق يسير ما بين المدينة إلى أيلة ، فصادفه كتاب عبد الملك بالسقيا سقيا الجزل ، فسار في أصحابه وهم خمسة آلاف فدخل المدينة ، وعليها عامل ابن الزبير طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري ، فهرب منه ، وكان قدوم الحجاج الطائف في شعبان سنة اثنتين وسبعين ، فلما دخلت ذو القعدة نزل الحجاج [من](١) الطائف ، فحصر ابن الزبير في المسجد ، وحج بالناس الحجاج في سنة اثنتين وسبعين ، وابن الزبير محصور في المسجد والدور ، ثم صدر الحجاج ، وطارق حين فرغا من الحج ، فنزلا بئر ميمون ، ولم يطف الحجاج لحجته سنة اثنتين وسبعين / حتى دخلت عليه سنة ثلاث وسبعين ، وابن الزبير محصور ولم يطف الحجاج بالبيت ، ولم يقرب نساء ولا طيبا إلى أن قتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ ولكنه كان يلبس السلاح ، فلما قتل ابن الزبير نحر جزورا ولبس الثياب (٢).

قال الواقدي : وحدّثني سعيد بن مسلم بن [بانك](٣) عن أبيه ، قال : حججنا في سنة اثنتين وسبعين ، فقدمنا مكة ، ودخلنا من أعلى مكة ، فنجد أصحاب طارق بالحجون إلى بئر ميمون ، فطفنا بالبيت والصفا والمروة ورأينا ابن الزبير في المسجد وما حوله ، فحج بنا الحجاج سنة اثنتين وسبعين ، وهو واقف بالمصاف (٤) من عرفة ، على فرس له ، وعليه الدرع والمغفر ، ثم صدرنا

__________________

(١) سقطت من الأصل ، ويقتضيها السياق.

(٢) رواه ابن جرير في التاريخ ٧ / ١٩٥ ، من طريق : ابن سعد ، عن الواقدي به. وذكره الذهبي في تاريخ الإسلام ١ / ١١٣ ، وابن كثير ٨ / ٣٢٥ ، وابن عساكر ـ تهذيبه ـ ٧ / ٤٢٠.

(٣) في الأصل وفي الطبري (بابك) بالباء ، وصوابه بالنون كما أثبتّ.

(٤) المصافّ : جمع مصفّ ، وهو في الأصل : موضع الحرب الذي تكون فيه الصفوف ، وقد استعير هنا لموقف الحجيج. النهاية ٣ / ٣٨. وقد جاءت هذه اللفظة عند الطبري (الهضاب).

٣٦٨

فنظرت إليه على بئر ميمون ، وأصحابه (١) ، ولم يطف بالبيت ، وأصحابه متسلّحون ، ورأيت الطعام عندهم كثيرا ، ورأيت العيرات (٢) تأتي من الشام ، تحمل الكعك والسويق والدقيق ، فرأيت أصحابه مخاصيب ، ولقد ابتعنا من بعضهم كعكا بدرهم كفانا حتى بلغنا الجحفة وإنّا لثلاثة (٣).

١٦٧٢ ـ حدّثنا سعيد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا هشام ، وعبد المجيد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني موسى بن عقبة ، وعبد الله بن عمر ، عن نافع ، قال : إنّ ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أراد الحج زمان نزل الحجاج بن يوسف بابن الزبير ، فقيل له : إنّ الناس كائن بينهم (٤) ، وأنا نخاف ان يصدوك ، فقال : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(٥) إذا أصنع كما صنع النبي صلّى الله عليه وسلم.

__________________

١٦٧٢ ـ إسناده صحيح.

رواه البخاري ٧ / ٤٥٥ ، ومسلم في الحج ٨ / ١٤ ـ ٢١٥ ، والنسائي في الكبرى (٦ / ١١٦ تحفة الأشراف) ثلاثتهم من طريق عبيد الله به بنحوه. ورواه الأخيران أيضا من طريق : الليث وأيوب عن نافع به بنحوه. ورواه البخاري كذلك ٣ / ٥٥٠ ، من طريق : موسى بن عقبة به بنحوه.

(١) كذا في الأصل ، وكأنّها زائدة.

(٢) العيرات : جمع عير ، والعير : الإبل بأحمالها. النهاية ٣ / ٣٢٩.

(٣) رواه الطبري ٧ / ١٩٥ من طريق : الواقدي. وذكره ابن كثير في البداية ٨ / ٣٢٩.

(٤) كان في الأصل هنا (فقال) فحذفتها لأنّها ليست في المراجع ، ولا معنى لها.

(٥) سورة الأحزاب (٢١).

٣٦٩

ذكر

غلاء السعر بمكة في حصار عبد الله بن الزبير

ـ رضي الله تعالى عنهما ـ وذكر مقتله

١٦٧٣ ـ حدّثنا الحسن بن عثمان بن أسلم ، عن الواقدي ، قال : ثنا عبد الله ابن جعفر ، عن [أبي](١) عون ، قال : رأيت فرسا لابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ معدّا ، فأمر به ابن الزبير فذبح ، ثم قسم بين أصحابه (٢).

قال عبد الله بن جعفر : فذكرت هذا الحديث لهشام بن عروة ، فقال : حدّثني فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت : أكلنا لحم فرس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم (٣).

قال الواقدي : وحدّثني ابن جريج ، عن عطاء ، قال : رأيت العبّاد من أصحاب ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يأكلون البراذين في حصر ابن الزبير.

قال الواقدي : وحدّثنا رباح بن مسلم ، عن أبيه ، قال : رأيت الدجاجة بعشرة دراهم ، واشتريت مدّا من ذرة بعشرين درهما ، وإنّ بيوت ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ تقصف تمرا وشعيرا وذرة وقمحا ، ولكنه كان معذورا (٤).

__________________

١٦٧٣ ـ الواقدي : متروك الحديث ، وأبو عون : مجهول.

(١) في الأصل (ابن) وهو خطأ ، فهو : أبو عون بن أبي حازم ، مولى المسور بن مخرمة ، ووالد عبد الواحد بن أبي عون ، ذكره ابن خلفون في الثقات ، وقال : أبو زرعة : مديني لا نعرفه. الجرح ٩ / ٤١٤. وتعجيل المنفعة ص : ٥٠٩.

(٢) ذكره ابن الأثير في الكامل ٤ / ٢٣ ، وابن فهد في إتحاف الورى ٢ / ٩١ بنحوه.

(٣) هذا الحديث صحيح رواه أحمد في المسند ٦ / ٣٥٣ ، والدارمي ٢ / ٨٧ ، والبخاري في الأطعمة ٩ / ٦٤٠ ، ٦٤٨ ثلاثتهم من طريق : هشام بن عروة به.

(٤) أنظر الكامل في التاريخ واتحاف الورى بأخبار أم القرى.

٣٧٠

قال الواقدي : وحدّثني عبد الله بن جعفر عن [أبي](١) عون ، قال : رأيت تاجرا قدم من جدّة ، فدخل من أسفل مكة بأحمرة تحمل قمحا ، فرأيته يبيع الصاع من الطعام بما احتكم ، ورأيت صيّادا قدم بحيتان قشير (٢) ، فباع كل حوت بدرهم.

قال الواقدي : وحدّثني عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال : كنا مع ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ فبلغ منّا الجهد ، فأرسلنا إلى ابن الزبير نخبره بحالنا ، وأنّ معنا نفقة لا نجد ما نبتاع / فأما أن يرسل إلينا بما نتقوى به ، وإما أن يأذن لنا في الخروج إلى بلادنا فنحمل ما نتقوى به ، فقال : الليلة أبعث إليكم ، فلما أمسينا انتظرنا ونحن في البيوت عشرون رجلا ، فإذا رسوله قد أرسله بغرارة (٣) فيها نحو من صاعين ، ويقول الرسول : يقول أمير المؤمنين : تبلّغوا بهذا إلى أن يأتيكم الله بخير ، قال : فلما رأيت ذلك ارتحلنا ، فو الله إن (٤) أصبح معه منا مخبر ، وبلغ ذلك ابن صفوان فلامه لوما شديدا.

قال الواقدي : وحدّثني شرحبيل بن أبي عون ، عن أبيه ، قال : كان الجوع يبلغ منا حتى ما يحمل الرجل سلاحه ، فأغدو إلى زمزم ويغدو معي أصحابي فنشرب فنجدها عصمة (٥).

__________________

(١) في الأصل (ابن وهو خطأ ، فهو : أبو عون بن أبي حازم ، مولى المسور بن مخزمة ، ووالد عبد الواحد بن أبي عون ، ذكره ابن خلفون في الثقات ، وقال : أبو زرعة : مديني لا نعرفه. الجرح ٩ / ٤١٤.

وتعجيل المنفعة ص : ٥٠٩.

(٢) كذا في الأصل ، والمذكور في معنى (قشير) : ما كان كثير القشر ، ولا معنى لها بها هنا والله أعلم.

فكأنّ اللفظة مصحفة عن (قتير) ، وهي رائحة اللحم المشوي ، ورائحة البخّور ، أو أيّة رائحة. فلعلّ الحيتان كانت منتنه ، ومع نتنها بيعت. والله أعلم.

(٣) الغرارة : بالكسر ، جمعها غرائر ، وهي الحوالق. لسان العرب ٥ / ١٨.

(٤) معناها هنا (ما).

(٥) تقدّم هذا في الأثر (١٠٨٤).

٣٧١

قال الواقدي : وحدّثنا عبد الملك بن وهب ، عن عطاء بن أبي هارون قال : رأيت الرجل من أصحاب ابن الزبير ـ رضي الله عنهم ـ يقاتل وما يستطيع أن يحمل السلاح كما يريد وما كانوا يستغيثون إلا بزمزم (١).

قال الواقدي : وحدّثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، قال : رأيت حجارة المنجنيق ترمى بها الكعبة تجيء كأنها جيوب النساء (٢) ، ورأيت كلبا رمينا به فكفأ قدرا لنا فيها جشيش (٣) ، فأخذنا الكلب فذبحناه فوجدناه كثير الشحم ، فكان خيرا لنا من الجشيش وأشبع.

قال الواقدي : وحدّثنا موسى بن يعقوب عن ، عمه (٤) ، عن أبيه قال : كنت إلى جنب ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وهو يصلي خلف المقام وحجارة المنجنيق تهوي ململمة ملساء كأنها خرطت ، وما يصيبه منها (٥) شيء. فوقف عليه مولى له يقال له : يسّار ، فقال : قدم جابر بن عبد الله ، ورافع بن خديج ، وسلمة بن الأكوع ، وأبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنهم ـ آنفا فكلّموا الحجاج في أن يدعه ، فإنه قد منع الناس من الطواف بالبيت ، فأرسل إلى أصحاب المنجنيق ، وعليهم طارق بن عمرو ان يكفوا فكفوا حتى صدر الناس من الطواف ، فأرسل (٦) إلى أصحاب المنجنيق وعليهم طارق بن عمرو ، فكان من قول الحجاج : إني لكاره لما ترون ، ولكن ابن الزبير لجأ إلى البيت ، والبيت لا يمنع خالع طاعة ، ولا عاصيا ، ولو أنه اتقى الله ـ تعالى ـ

__________________

(١) تقدّم هذا برقم (١٠٨٤) وفي السند هناك (عطاء بن أبي مروان) ولم نقف لهما على ترجمة.

(٢) تهذيب تاريخ ابن عساكر ٧ / ٤٢١ ، وتصحفت فيه العبارة إلى (جنوب الشتاء).

(٣) الجشيش : أن تطحن الحنطة طحنا غير ناعم ، ثم يلقى عليها تمر ، أو لحم ، فيطبخ. لسان العرب ٦ / ٢٧٣.

(٤) هو : يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة.

(٥) تهذيب ابن عساكر ٧ / ٤٢١.

(٦) كذا في الأصل.

٣٧٢

وخرج إلينا فأصحر لنا ، فإما أن يظفر ، وإما أن نظفر به ، فيستريح الناس من هذا الحصر ، قال : فدخل القوم المسجد ، وقد كفوا رمي المنجنيق ، فمروا بابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وهو قائم يصلي خلف المقام ، فتركوه حتى طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم عادوا إليه ، فذكروا له ما قال لهم الحجاج ، فقال ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ : لو كان لهذا كارها لم يرم الكعبة نفسها ، والله ما تقع حجارته إلا فيها. قال : فنظر القوم إلى الكعبة متوهّنة من الحجارة.

قال الواقدي : وحدّثني عمر بن سعيد بن أبي حسين ، عن عبد الله (١) ، مولى أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت : لما كان قبل قتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ بيوم قالت أمه : خذلوه وأحبّوا الحياة ، ولم ينظروا لدينهم ولا لاحسابهم ، ثم قامت تصلي وتدعو ، وتقول : الّلهم إنّ عبد الله بن الزبير كان معظّما

لحرمتك ، كريه إليه أن تعصى ، وقد جاهد فيك أعداءك ، وبذل مهجة نفسه لرجاء ثوابك ، الّلهم فلا تخيّبه ، الّلهم إرحم طول ذلك السجود والنحيب / وطول ذلك الظمأ في الهواجر ، الّلهم لا أقول ذلك تزكية له ولكنه الذي أعلم وأنت أعلم به ، الّلهم وكان برّا بالوالدين. قال : فلما أصبحنا يوم الثلاثاء جاء أمّه فودعها ، ثم خرج من عندها ، فأصابته رمية فوقع ، فتغاور عليه فقتلوه (٢).

قال الواقدي : وحدّثني موسى بن يعقوب ، عن عمه ، أبي الحارث (٣) قال : إنّ اسماء ـ رضي الله عنها ـ قالت له : تصبر لله فانصرف من عندها وهو يقول :

__________________

(١) هو : ابن كيسان.

(٢) الطبري ٧ / ٢٠٤ ، وتهذيب ابن عساكر ٧ / ٤٢١.

(٣) هو : يزيد بن عبد الله بن وهب الزمعي.

٣٧٣

إنّي إذا أعرف يومي أصبر

وبعضهم يعرف ثمّ ينكر (١)

ففهمت قوله ، قالت له : تصبّر والله (٢) ان شاء الله ، أليس أبوك الزبير.

١٦٧٤ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي المحيّاة ، عن أمه ، قالت : لمّا قتل الحجاج بن يوسف عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ فقال : يا أمه إنّ أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟ فقالت : ما لي من حاجة ، ولست بأمّ لك ، ولكني أم المصلوب على رأس الثنيّة ، فانظر حتى أحدّثك ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول : يخرج في ثقيف كذّاب ومبير. فأما الكذاب فقد رأيناه ، وأما المبير فأنت. فقال الحجاج : مبير المنافقين.

١٦٧٥ ـ حدّثنا ابن أبي بزّة ، قال : حدّثني محمد بن يزيد بن خنيس ،

__________________

١٦٧٤ ـ أمّ أبي المحيّاة لم أقف على ترجمتها. وأبو المحيّاة ، هو : يحيى بن يعلى التيمي ، ثقة.

التقريب ٢ / ٣٦٠.

رواه الحاكم في المستدرك ٤ / ٥٢٦ من طريق أبي الصدّيق ، بنحوه ، وقال : هذا إسناده صحيح ولم يخرجاه.

١٦٧٥ ـ إسناده لين.

شيخ المصنّف ، أحمد بن محمد بن أبي بزّة ، ليّن الحديث. لسان الميزان ١ / ٢٨٣ وبقية رجاله موثّقون.

رواه الحاكم في المستدرك ٣ / ٥٥٢ من طريق : مجاهد بنحوه. وذكره الذهبي في السير ٣ / ٣٧٨ ـ ٣٧٩ من طريق مجاهد أيضا.

وثنية المدنيين : هي ما يسمّى اليوم : ريع الحجون. وسوف يأتي التعريف بها في القسم الجغرافي ـ إن شاء الله ـ. ويسميها هناك : ثنية المقبرة.

(١) المصدران السابقان.

(٢) كذا العبارة في الأصل ، وأنظر كامل ابن الأثير ٤ / ٢٤.

٣٧٤

قال : ثنا عبد العزيز بن أبي روّاد ، قال : حدّثني نافع ، قال : خرجت مع ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بعدما قتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وصلب على ثنيّة المدنيّين ، فقال لي : يا نافع إذا بلغنا الثنيّة فأتينا ابن الزبير فأخبرني حتى أسلّم عليه ، قال نافع : فنعسنا بأصل الثنية ، فما فزعنا إلا وبالحمار من تحته ، ففتحت عيني فإذا به ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، هذا ابن الزبير.

فقال : سلام عليك يا أبا خبيب ورحمة الله وبركاته ، أما والله لمن كبّر عليك يوم ولدت خير ممن كبّر عليك يوم قتلت ، ولقد كنت صوّاما قوّاما ، ولكنك أنزلت الدنيا حيث لم ينزلها الله تعالى ، السلام عليك يا أبا خبيب ، سر بنا يا نافع.

١٦٧٦ ـ حدّثني أبو الفضل [عباس](١) بن الفضل ، قال : حدّثني يزيد ابن خالد ، قال : رأيت ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ مصلوبا ، ورأيت عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أقبل على بغلة صفراء ، وعليه عمامة سوداء ، وطلب إلى الحجاج أن يأذن له في دفنه ، فأمره فذهب فدفنه.

١٦٧٧ ـ حدّثنا سعيد بن عبد الرحمن ، وعبد الجبار بن العلاء ـ يزيد أحدهما على صاحبه ـ قال : أنا سفيان ، عن منصور بن عبد الرحمن ، عن

__________________

١٦٧٦ ـ ورد في الأثر رقم (١٦٥٦) : يزيد أبو خالد ، وسيأتي مثله في الأثر (٢٥٠٣). وجاء هكذا في المنتقى ص : ٢٢ ، وقد تقدّمت ترجمته في الأثر ١٦٥٦.

١٦٧٧ ـ إسناده صحيح.

وأم منصور ، هي : صفية بنت شيبة. صحابية. التقريب ٢ / ٦٠٣.

رواه ابن أبي شيبة ١٥ / ٨٢ من طريق : ابن عيينة به.

(١) في الأصل (عيّاش) وهو تصحيف ، إنّما هو عباس بن الفضل ، أبو الفضل الطبري. صدوق مات سنة (٢٧٨) تاريخ بغداد ١٢ / ١٤٧.

٣٧٥

أمه ، قالت : لما صلب ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ دخل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ المسجد ، وذلك حين قتل ابن الزبير وهو مصلوب ، فقيل له : إنّ أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ في ناحية المسجد ، فمال إليها ، فعزّاها ، وقال : إنّ هذه الجثث ليست بشيء وإنما الأرواح عند الله ـ تعالى ـ فاتقي الله ، وعليك بالصبر. فقالت : وما يمنعني أن أصبر ، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني اسرائيل.

١٦٧٨ ـ حدّثنا الحسن بن عثمان ، قال : ثنا ابراهيم بن المنذر ، قال : حدّثني [عبد الله](١) بن محمد بن يحيى بن عروة ، عن مسلم بن فلان بن عروة ، قال : لما قتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ دخل الحجاج بن يوسف منزله فوجد فيما وجد فيه صندوقا صغيرا عليه سبعة أقفال ، فكتب فيه إلى عبد الملك بن مروان / إني وجدت في منزل ابن الزبير صندوقا عليه سبعة أقفال ، وقد ظننت أنه جوهر أو شيء استأثر به له قيمة ، وقد كففت عن فتحه ، فيكتب أمير المؤمنين فيه برأيه ، فكتب إليه عبد الملك : أحضر إليه جماعة من قريش ، ثم افتحه بحضرتهم حتى تفضحه بما فيه. قال : فاحضر الحجاج جماعة [من قريش](٢) ثم أمر بالصندوق ففتح ، فإذا فيه ورق أصفر ملفوف في خرقة ، فقرأ فإذا فيه : إذا كان الشتاء قيظا ، وفاض اللّئام فيضا ، وغاض الكرام غيضا ، وصار البغيض إلفا ، والحديث خلفا ، فعشر شويهات عفر ، في جبل وعسر ، خير من ملك بني النضر ، حدّثني ذاكم كعب الحبر.

__________________

١٦٧٨ ـ إسناده ضعيف جدا.

عبد الله بن محمد ، قال أبو حاتم : متروك الحديث ، ضعيف الحديث جدا. الجرح ٥ / ١٥٨.

(١) في الأصل (عبيد الله) وكذلك في المنتقى ، وهو تصحيف.

(٢) العبارة في الأصل (ثم أمر بقريش) وصوّبتها حيث يستقيم المعنى.

٣٧٦

١٦٧٩ ـ وحدّثني أبو زرعة ، عن علي بن عبد الله ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : لما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ أخذ عروة بن الزبير أموال ابن الزبير فأودعها قومه ، ثم لحق بعبد الملك ، فلما انتهى إلى الباب ، قال للبواب : قل لأمير المؤمنين أبو عبد الله بالباب. قال : من أبو عبد الله؟ قال : قل له أبو عبد الله ، فدخل الحاجب ، فقال : إنّ رجلا بالباب عليه ثياب السفر يقول : أبو عبد الله بالباب ، قال : قلت له من أبو عبد الله؟ قال : قل له أبو عبد الله بالباب. قال : ويحك ذاك عروة بن الزبير ، أئذن له. قال : فأذن له ، فدخل ، فقال : مرحبا بأبي عبد الله ، حتى أقعده معه على السرير ، ثم قال : ما فعل أبو خبيب؟ قال : قتل ـ يرحمه الله ـ قال : فنزل عبد الملك عن السرير ، فخرّ ساجدا ، ثم عاد إلى السرير.

قال : وجاء رسول من عند الحجاج بكتاب يخبره فيه بقتل ابن الزبير ، وأنّ عروة أخذ الأموال فأودعها [قومه](١) ولحق بك ، فاقرأه عبد الملك الكتاب ، فغضب عروة ، وقال : والله ما يدعون الرجل أو يأخذ سيفه فيموت كريما.

١٦٨٠ ـ وحدّثني أبو الطاهر الدمشقي ، قال : ثنا ابراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : ثنا ابن عليّة ، عن ابن أبي نجيح ، قال : لما قتل ابن الزبير

__________________

١٦٧٩ ـ إسناده صحيح.

أبو زرعة ، هو : أحمد بن حميد الصيدلاني الجرجاني. وعلي بن عبد الله ، هو : ابن المديني. رواه الفسوي ١ / ٥٥٣ من طريق : ابن المديني به.

١٦٨٠ ـ إسناده صحيح.

أبو الطاهر الدمشقي ، هو : الحسن بن أحمد بن ابراهيم بن فيل.

رواه الحاكم في المستدرك من طريق : موسى بن اسماعيل ، عن ابن علية به.

وأنظر نسب قريش ص : ٢٤٤ ـ ٢٤٥. وتاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ١٧٤.

(١) في الأصل (قومك).

٣٧٧

ـ رضي الله عنهما ـ نقلت خزائنه إلى عبد الملك بن مروان ثلاث سنين.

ويقال : إنّ المنذر بن الزبير كان يقاتل مع ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ ويقال : لا بل قاتل معه حين أتاه جيش الحصين بن نمير ، وهو أصحهما ، فجعل يقاتل ويقول :

لم يبق إلّا حسبي وديني

وصارم تلتدّه يميني

وهو على أبي قبيس ، وابن الزبير مختبئ في المسجد الحرام ، فجعل ينظر إليه ويقول : هذا رجل يقاتل عن حسبه ، فقتل المنذر بن الزبير.

١٦٨١ ـ فحدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : حدّثني عبد الرحمن بن يحيى الفروي ، قال : قال شاعر من العرب أسماه فذهب عليّ اسمه يرثي المنذر بن الزبير ، ومصعب بن الزبير ، ويذكّر بحريق أهل الشام البيت :

إنّ الإمام ابن الزّبير فإن أبى

فذروا الخلافة في بني الخطّاب

لستم لها أهلا ولستم مثله

في فضل سابقة وفضل خطاب

وغدا النّعيّ بمصعب وبمنذر

وكهول صدق سادة وشباب

قتلوا غداة قعيقعان وحبّذا

قتلاهم قتلى ومن اسلاب

/ قتلوا حواريّ النّبيّ وحرّقوا

بيتا بمكّة طاهر الأثواب

أقسمت لو أنّي شهدت فراقهم

لاخترت صحبتهم على الأصحاب

وقال : وقتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ يوم الثلاثاء ، لثلاث عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ، فرثاه جماعة من العرب بمراثي كثيرة اختصرناها ، فقال نعيم بن مسعود الشيباني يرثي عبد الله ومصعبا ابني الزبير كما حدّثنا بن أبي بكر :

__________________

١٦٨١ ـ أنظر العقد الثمين ٧ / ٢٨٣.

٣٧٨

ألّا إنّ هذا الدّين من بعد مصعب

وبعد أخيه قد تنكّر أجمع

وأن ليس للدنيا بهاء وريشها

لقد كان وحقا وافر الدّين أفرع

فللدين والدّنيا بكينا وإنّما

على الدّين والدّنيا لك الخير يجزع

على ابن حواريّ النّبيّ تحيّة

من الله إنّ الله يعطي ويمنع

فتى كلّ عام مرّتين عطاؤه

وغيث لنا فيه مصيف ومربع

فصمّمت الآذان من بعد مصعب

ومن بعد عبد الله والأنف أجدع (١)

وحدّثنا الزبير بن بكار ، قال : قال سويد بن منجوف يرثيهما :

ألا قل لهذا العاذل المتغضّب

تطاول هذا اللّيل من بعد مصعب

وبعد أخيه عائذ البيت إنّما

رمينا بجدع للعرانين موعب

فصرنا كشاء غاب عنها رعاؤها

معطّلة جنح الظّلام لأذؤب

فإنّ يك هذا الدّهر أنحى بنابه

وأنحى علينا بعد ناب بمخلب

وأصبح أهل الشّام يرمون مصرنا

بنبل بروها للعداوة صيّب

فإنّي لباك ما حييت عليهما

ومثن ثناء ليس فيه تعتّب

أرى الدّين والدّنيا جميعا كأنّما

هوت بهما بالأمس عنقاء مغرب

هماما هما كانا لذا الدّين عصمة

فهل بعد هذا من بقاء لمطلب

فزادهما منيّ صلاة ورحمة

وحرّة ثكل دائم بتنحّب

فقد دخل المصرين خزي وذلّة

وجدع لأهل المكّتين ويثرب

وبدّلت ممن كنت أهوى لقاءه

معاشر حيّ ذي كلاع ويحصب

وعكّا ولخما والسّكون وفرقة

برابرة الأخلاط اخلاط سقلب (٢)

__________________

(١) تهذيب ابن عساكر ٧ / ٤٢٥.

(٢) المرجع السابق ٧ / ٤٢٦. وسويد بن منجوف تقدّمت ترجمته في الأثر (٧١١) وفيه تقدّمت بعض هذه الأبيات. وقوله (الأذؤب) أي : الذئاب. والسقلب ، هو : الجيل من الناس. اللسان ٢ / ٤٦٩.

٣٧٩

ذكر

قدوم الجيش الذي قدم مكة على ابن عباس

ـ رضي الله عنهما ـ وابن الحنفية ـ رضي الله عنه ـ

من الكوفة في زمن ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ

١٦٨٢ ـ حدّثني الحسن بن عثمان ، عن الواقدي ، قال : حدّثني هشام بن عمارة ، عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : كان ابن عباس وابن الحنفية ـ رضي الله عنهم ـ بالمدينة ، وعبد الملك يومئذ بالشام يغزو ، / فغضب ابن الزبير ، فرحلا حتى نزلا مكة ، فأرسل إليهما ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ : تبايعاني؟ فقالا : لا حتى يجمع على رجل ، فأنت في فتنة. فغضب من ذلك ، ووقع بينهما شيء ، فلم يزل الأمر يغلظ حتى خافاه خوفا شديدا ، ومعهما الذرية ، فبعثا رسولا إلى العراق يخبران بما هم فيه ، فخرج إليهما أربعة آلاف فيهم ثلاثة رؤوسا : عطية بن سعد ، وابن هانئ ، وأبو عبد الله الجدلي ، فخرجوا من الكوفة ، وبعث والي الكوفة في أثرهم جيشا ، فأدركوهم بواقصة (١) ، فامتنعوا منهم ، فانصرفوا راجعين ، فمروا فدافعوا السلاح حتى انتهوا إلى مكة ، فدخلوا ما تعرض لهم أحد ، وانهم ليمرّون على مسالح (٢) ابن الزبير حين دخلوا المسجد الحرام ، فسمع بهم ابن الزبير حين دخلوا وهو في المسجد ، فهرب حتى دخل منزله ، وكان ابن الزبير ـ رضي الله

__________________

١٦٨٢ ـ الواقدي متروك.

وعطية بن سعد ، هو : ابن جنادة العوفي.

(١) واقصه : منزل بطريق مكة. ياقوت الحموي ٥ / ٣٥٤.

(٢) المسالح : جمع مسلحة : وهم القوم الذين يحفظون الثغور من العدو.

٣٨٠