أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٢

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٩٦

القرآن عنده يسألونه ، وأصحاب الغريب عنده يسألونه ، وأصحاب الشعر عنده يسألونه ، فكلهم يصدر عن رأي واسع.

١٦٢٩ ـ حدّثنا أبو بشر ـ بكر بن خلف ـ قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان الثوري ، قال : حدّثني أبو إسحاق ، عن عبد الله بن سيف ، قال : قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : من استعمل على الموسم؟ قالوا : ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قالت : هو أعلم الناس بالحج.

١٦٣٠ ـ حدّثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن عمار بن رزيق عن [عمير بن بشر الخثعمي](١) ، عن امرأة من بني زبيد [قالت](٢) : إنّ رجلا سأل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن شيء ، فقال : سل ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فإنّه أعلم من بقي بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم.

__________________

١٦٢٩ ـ عبد الله بن سيف لم أقف على ترجمته. وبقية رجاله ثقات.

رواه ابن أبي شيبة ٤ / ٨٥. وأبو زرعة الدمشقي في تاريخه ١ / ٦١٦ والفسوي ١ / ٤٩٥ ثلاثتهم من طريق : الثوري به.

١٦٣٠ ـ في إسناده من لم يسمّ.

أبو هشام الرفاعي ، هو : محمد بن يزيد بن كثير العجلي. وعمار بن رزيق ـ بتقديم الراء مصغرا ـ الكوفي ، لا بأس به. التقريب ٢ / ٤٧.

رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه ١ / ٦١٦ من طريق : يحيى بن يمّان ، عن عمار بن رزيق ، عن عمير بن بشر الخثعمي ، عن رجل من بني زبيد ، قال : فذكره. وذكره الخطيب في تاريخه ١ / ١٧٣ من غير إسناد. وذكره ابن حجر في الاصابة ٢ / ٣٢٤ وعزاه لتاريخ محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، وأبي زرعة الدمشقي ـ جميعا ـ من طريق : عمير ابن بشير الخثعمي ، عمّن سأل ابن عمر.

(١) في الأصل (عمر بن قيس الخثعمي) وهو تصحيف شديد. والصواب ما أثبتّ.

(٢) في الأصل (قال).

٣٤١

١٦٣١ ـ وحدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن العنبري ، من أهل مصر ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، عن عثمان [بن](١) عطاء ، قال : كنت مع أبي بفناء الكعبة ، إذ مرّ بنا رجل أصلع ، أرشح ، أفحج ، كأن أنفه بعرة ، أشدّ سوادا من است القدر ، عليه ثوبان قطريّان ، فقلت لأبي من هذا؟ فقال : هذا سيد فقهاء أهل الحجاز ، هذا عطاء بن أبي رباح! قال : فجاء إلى باب سليمان بن عبد الملك ، فاستأذن الحاجب ، فقال له : من أنت؟ فقال : أنا عطاء بن أبي رباح ، فصاح سليمان بن عبد الملك من داخل : صدق افتح له ، فلما دخل عليه تزحزح له عن مجلسه ، فقال : يصلح الله أمير المؤمنين ، احفظ وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلم في ابناء المهاجرين والأنصار. قال : أصنع بهم ماذا؟ قال : تنظر في أرزاقهم وأعطياتهم. ثم قال : احفظ وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أهل المدينة؟ قال : أصنع بهم ماذا؟ قال تنظر في أرزاقهم وأعطياتهم.

قال : ثم ماذا؟ قال : ثم أهل البادية ، تفقّد أمورهم فإنهم سادة العرب ، قال : ثم ماذا؟ قال : ذمة المسلمين ، تفقّد أمورهم ، وخفف عنهم من خراجهم ، فإنهم عون لكم على عدو الله وعدوكم. قال ثم ماذا؟ قال : أهل الثغور ، تفقّد أمورهم ، فبهم يدفع الله عن هذه الأمة. ثم قال : يصلح الله أمير المؤمنين ، ثم نهض فلما ولّى قال سليمان : هذا والله الشرف لا شرفنا ، وهذا السؤدد لا سؤددنا ، والله لكأنما معه ملكان ما يكلمني في شيء فأقدر أن أرده ، ولو سألني أن أتزحزح له عن هذا المجلس لفعلت ، أو كما قال.

١٦٣٢ ـ حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : حدّثني يحيى بن محمد ، قال :

__________________

١٦٣١ ـ إسناده ضعيف.

١٦٣٢ ـ يحيى بن محمد ، هو : ابن ثوبان ، تقدّم مرارا ، ولم أقف على ترجمته. ـ

(١) في الأصل (عن) وهو خطأ. وعثمان بن عطاء ، هو : الخراساني. وهو ضعيف. التقريب ٢ / ١٢.

٣٤٢

سمعت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، يقول : لما مات العبادلة : عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهم ـ صار الفقه في البلدان كلها إلى الموالي ، فكان فقيه مكة عطاء بن أبي رباح ، وفقيه أهل اليمن طاوس ، وفقيه أهل الكوفة ابراهيم ، وفقيه أهل المدينة غير مدافع سعيد بن المسيّب ، وفقيه أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير ، وفقيه أهل البصرة الحسن ، وفقيه أهل الشام مكحول ، وفقيه أهل خراسان عطاء الخراساني.

١٦٣٣ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، عن عبد الله ، عن أبي جعفر بن علي ، قال : ما بقي من الناس أحد أعلم بالحج من عطاء بن أبي رباح.

١٦٣٤ ـ / حدّثنا أبو بشر بكر بن خلف ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عمر

__________________

ـ وما ذكر من أنّ الفتيا بعد العبادلة صارت إلى الموالي في البلدان كلّها غير مسلّم ، أمّا أغلبها فنعم. وابراهيم المذكور ، هو : النخعي ، لم يكن من الموالي ، وكذلك سعيد بن المسيّب. وأنظر رسالة ابن حزم في (أصحاب الفتيا من الصحابة ومن بعدهم).

١٦٣٣ ـ إسناده صحيح.

عبد الله ، لعلّه : ابن أبي بكر بن حزم. وأبو جعفر بن علي ، هو : محمد الباقر. رواه ابن سعد ٥ / ٤٦٨ ، وابن أبي شيبة ٤ / ٨٥ ـ ٨٦ ، والفسوي ١ / ٧٠٣ ، وأبو نعيم ٣ / ٣١١ ، كلّهم من طريق : أسلم المنقري ، عن أبي جعفر به. وذكره الذهبي في السير ٥ / ٨١.

١٦٣٤ ـ إسناده منقطع.

عمر بن سعيد بن أبي حسين ، الكوفي ثم المكي ، ثقة. لكنّه لم يدرك ابن عمر.

التقريب ٢ / ٥٦.

رواه الفسوي ١ / ٧٠٣ ، وأبو نعيم ٣ / ٣١١ ، كلاهما من طريق سفيان به. وذكره الذهبي في السير ٥ / ٨١ من طريق : عمر بن سعيد ، عن أمه به.

٣٤٣

ابن سعيد بن أبي حسين ، قال : إنّ رجلا سأل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن مسألة من المناسك ، فقال : يا أهل مكة ، تسألون عن المناسك وفيكم عطاء بن أبي رباح؟ وكان عطاء من أصحاب ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ العامة.

١٦٣٥ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، وغيره ، عن سفيان ، قال : قلت لعبيد الله بن أبي يزيد : مع من كنت تدخل على ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ؟ قال : مع طاوس في الخاصة ومع عطاء في العامة.

ومات ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بالطائف.

١٦٣٦ ـ فحدّثنا عبدة بن عبد الله الصفّار ، قال : ثنا حفص بن عمر ، أبو عمر يلقّب : الرملي ، قال : حدّثني الفرات بن السائب الجزري ، عن ميمون ابن مهران ، قال : حضرت جنازة عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بالطائف ، فلما وضع للصلاة ، جاء طير أبيض حتى وقع على أكفانه ، ثم

__________________

١٦٣٥ ـ إسناده صحيح.

رواه ابن سعد ٥ / ٤٨١ من طريق : سفيان به.

١٦٣٦ ـ إسناده ضعيف جدا.

حفص بن عمر الرملي : متروك الحديث. اللسان ٢ / ٣٢٥.

والفرات بن السائب الجزري ، قال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث.

وقال أبو زرعة : ضعيف الحديث. الجرح ٧ / ٨٠.

رواه أبو نعيم في الحلية ١ / ٣٢٩ من طريق : حفص بن عمر به. ورواه الحاكم في المستدرك ٣ / ٥٤٣ من طريق : أجلح بن عبد الله ، عن أبي الزبير به. ورواه أيضا من طريق : سعيد بن جبير به. ورواه الفسوي ١ / ٥٣٩ من طريق : عبد الله بن يامين ، عن أبيه ، بنحوه. وذكره ابن حجر في الاصابة ٢ / ٣٢٦ وعزاه للمدائني ، عن حفص بن ميمون ، عن أبيه. وعزاه أيضا للزبير بن بكار ، ويعقوب بن سفيان ، وابن سعد ، والحسن بن عرفة ، من طرق مختلفة.

٣٤٤

دخل فيها فالتمس فلم يوجد ، فلما سوّي عليه ، نادى مناد يسمع صوته ولا يرى شخصه (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ، فَادْخُلِي فِي عِبادِي ، وَادْخُلِي جَنَّتِي)(١).

وكان ميمون بن مهران من موالي ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.

١٦٣٧ ـ حدّثنا علي بن المنذر ، قال : ثنا ابن فضيل ، قال : ثنا فرات بن السائب ، عن ميمون بن مهران ، قال : صحبت ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عشرين سنة ، فلما حضرته الوفاة ، قلت له : أوصني ، قال : أوصيك بثلاث خصال فاحفظهم عني ، لا تخاصم أهل القدر فيؤثّموك ، ولا تعلّم النجوم فيدعوك إلى الكهانة ، ولا تسبّ السلف فيكبّك الله ـ تعالى ـ على وجهك في النار.

١٦٣٨ ـ حدّثنا حسين بن حسن المروزي ، قال : ثنا هشيم ، عن أبي حمزة ، قال : شهدت وفاة ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بالطائف ، فوليه محمد بن علي بن الحنفية ـ رضي الله عنهم ـ فصلى عليه ، وكبّر عليه أربعا ، وأدخله من قبل القبلة ، وضرب عليه فسطاطا ثلاثا. قال حسين : يعني ثلاثة أيام.

__________________

١٦٣٧ ـ إسناده صحيح.

١٦٣٨ ـ إسناده حسن.

أبو حمزة ، هو : عمران بن أبي عطاء القصاب.

رواه الحاكم في المستدرك ٣ / ٥٤٤ من طريق : هشيم ، ثنا أبو حمزة عمران بن عطاء ، قال : فذكره ـ وذكره الخطيب في تاريخه ١ / ١٧٥ من غير إسناد.

(١) الآيات الأواخر من سورة الفجر.

٣٤٥

١٦٣٩ ـ حدّثنا محمد بن منصور ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : ما سمعت رجلا مثله ، إلا أن يقول رجل ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولقد مات يوم مات وانه لحبر هذه الأمة ـ يعني : ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.

١٦٤٠ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، قال : لما مات عمرو ابن دينار ، كان بمكة بعده ابن أبي نجيح ، ويقال : إنّ عمرو بن دينار كان يفتي أهل مكة بعد عطاء.

١٦٤١ ـ حدّثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، قال : ما كان ببلدنا أحد أعلم من عمرو بن دينار ، ثم هلك عمرو بن دينار.

__________________

١٦٣٩ ـ إسناده صحيح.

رواه الفسوي ١ / ٥٤٠ ـ ٥٤١ ، والحاكم ٣ / ٥٣٧ من طريق : سفيان به. وذكر الذهبي في السير ٣ / ٣٥٠ ـ ٣٥١ ، وابن حجر في الاصابة ٢ / ٣٢٥ وعزاه الأخير : لابن معين في تاريخه برواية الدوري من طريق : ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، من قوله.

وقال : ورواه ابن سعد ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ويعقوب بن سفيان الفسوي ، كلّهم من طريق : سفيان به.

١٦٤٠ ـ إسناده صحيح.

رواه الفسوي ١ / ٧٠٣ ، وأبو زرعة الدمشقي ١ / ٥١٤ كلاهما من طريق : ابن أبي عمر به. وذكره الذهبي في السير ٥ / ٣٠٣ بنحوه عن سفيان.

١٦٤١ ـ إسناده صحيح.

رواه الفسوي ٢ / ٢٠ من طريق : محمد بن يحيى به. وذكره الذهبي في السير ٥ / ٣٠٢.

٣٤٦

١٦٤٢ ـ فحدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : قالوا لسفيان : من كان يفتي بمكة بعد عمرو بن دينار؟ قال : ابن أبي نجيح.

١٦٤٣ ـ حدّثنا ميمون بن الحكم الصنعاني ، قال : ثنا عبد الله بن ابراهيم ، عن أبيه ، قال : اذكرهم في زمن بني أمية [يأمرون](١) إلى الحاج صائحا يصيح : لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح ، فإن لم يكن عطاء فعبد الله بن أبي نجيح.

١٦٤٤ ـ حدّثنا محمد بن منصور ، قال : قال سفيان : قال عمرو بن دينار : لمّا مات عطاء قال : قال لي ابن هشام : اجلس للناس وأرزقك. قلت : لا.

١٦٤٥ ـ حدّثنا محمد بن إدريس ، قال : ثنا الحميديّ ، قال : ثنا سفيان ، قال : سمعت ابن أبي نجيح يقول : ما رأيت أفقه / من عمرو بن دينار ، لا عطاء ولا مجاهد ، ولم يستثن أحدا.

__________________

١٦٤٢ ـ إسناده صحيح.

رواه أبو زرعة الدمشقي ١ / ٥٥٨ عن ابن أبي عمر به. وذكره الفاسي في العقد الثمين ٥ / ٣٠٠ عن الفاكهي بإسناده.

١٦٤٣ ـ شيخ المصنّف لم أقف عليه. وعبد الله بن ابراهيم ، هو : ابن عمر بن كيسان الصنعاني ، هو ، وأبوه صدوقان. التقريب ١ / ٤٠ ، ٤٠٠.

رواه الفسوي ١ / ٧٠٢ من طريق : سلمة بن شبيب ، عن عبد الله بن ابراهيم به.

وذكره الفاسي في العقد الثمين ٥ / ٣٠٠ عن الفاكهي. وذكره الذهبي في السير ٥ / ٨٢.

١٦٤٤ ـ إسناده صحيح.

رواه ابن سعد ٥ / ٤٨ ، والفسوي ٢ / ١٨ ـ ١٩ كلاهما من طريق : سفيان به.

١٦٤٥ ـ إسناده صحيح.

ذكره الذهبي في السير ٥ / ٣٠٢ ، والفاسي في العقد الثمين ٦ / ٣٧٥.

(١) في الأصل (يأمروا).

٣٤٧

ثم هلك ابن أبي نجيح ، فكان مفتي مكة بعده ابن جريج. ثم هلك ابن جريج ، فكان مفتي مكة بعده مسلم بن خالد الزنجي ، وسعيد بن سالم القدّاح ، ثم ماتا فكان مفتي أهل مكة بعدهما [ابن عيينة](١) ثم مات ، فكان مفتيهم يوسف بن محمّد العطار ، وعبد الله بن [قنبل](٢) ، وأحمد بن زكريا ابن أبي مسرّة. ثم مات هؤلاء ، فكان المفتي بمكة موسى بن أبي الجارود ، وعبد الله بن أحمد بن أبي مسرّة ، ثم مات أبو الوليد موسى ، فصار المفتي بمكة بعده عبد الله بن أحمد بن أبي مسرّة إلى يومنا هذا ، وأحمد بن [محمد](٣) الشافعي.

وقال شاعر يذكر بعض فقهاء أهل مكة هؤلاء : ـ

يا أهل مكّة ما يرى فقهاؤكم

في محرم متعاهد بسلام

أمّا النّهار فواقف فمسلّم

ولقاؤه بالّليل في الأحلام

أترون ذلك صائرا إحرامه

أم ليس ذلك صائر الإحرام؟

وقال شاعر يذكر مفتيا من أهل مكة :

يقول لي المفتي وهنّ عواكف

بمكّة يسحبن المهذّبة السّحلا (٤)

_________________

(١) في الأصل (ابن عشر مائة) وهو تصحيف فيما يغلب على ظني. إذ سفيان بن عيينة ، هو عالم مكة المشهور في هذا الوقت ، وأليه الرحلة من البلدان ، وقد رحل إليه الشافعي وغيره من الأئمة. والزنجي مات سنة (١٧٩) أو (١٨٠) ولم يبق بعده من يشار إليه إلّا ابن عيينة ، حتى توفي سنة (١٩٨).

و (ابن عشر مائة) هذا لم أقف له على خبر ولا أثر ، ولم أسمع به أبدا.

(٢) في الأصل (فتيل) وهو تصحيف.

(٣) في الأصل (يحيى) وهو : تصحيف. وأحمد بن محمد الشافعي ، هو : ابن بنت الإمام الشافعي.

وهذا النصّ نقله الفاسي في العقد الثمين ٣ / ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٤) السحل : نوع من الثياب ، بيض رقاق ، لا تكون إلّا من قطن. أنظر تاج العروس ١١ / ٣٢٧.

والثياب المهذبة ، هي : التي أزيلت زوائدها وهذبت.

٣٤٨

تق الله لا تنظر إليهنّ يا فتى

وما خلتني في الحجّ ملتمسا وصلا

فأقسم لا أنسى وإن شطّت النّوى

عرانينهنّ الشّمّ والأعين النّجلا (١)

ذكر

من كره أن يدخل مكة بالسلاح

ومن أدخلها ذلك

١٦٤٦ ـ حدّثنا سلمة بن شبيب ، قال : ثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا معقل ، عن أبي الزبير ، عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت النبي صلّى الله عليه وسلم يقول : لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح.

١٦٤٧ ـ حدّثنا أحمد بن الحسن الترمذي ، قال : ثنا أبو يحيى الحمّاني ،

__________________

١٦٤٦ ـ إسناده حسن.

الحسن بن محمد ، هو : ابن أعين الحرّاني : صدوق. التقريب ١ / ١٧٠. ومعقل ، هو : ابن عبد الله ، أو : عبيد الله الجزري : صدوق يخطيء. التقريب ٢ / ٢٦٤.

رواه مسلم ٩ / ١٣٠ ، والبيهقي ٥ / ١٥٥ كلاهما من طريق : سلمة بن شبيب به. ورواه أحمد ٣ / ٣٩٣ بإسناده إلى معقل به. وذكره السيوطي في الجامع الكبير ١ / ٩٢٣ وعزاه لمسلم وأبي عوانة.

قال المحبّ الطبري في القرى ص : ٦٤٦ : وهو محمول عند أهل العلم على حمله من غير ضرورة ولا حاجة ، فإن كان حرب أو حاجة جاز ، وهو قول مالك والشافعي وعطاء.

أ ه.

١٦٤٧ ـ إسناده حسن.

أبو يحيى الحمّاني ، هو : عبد الحميد بن عبد الرحمن : صدوق يخطيء. التقريب ١ / ٤٦٩.

(١) العرانين : واحدها : عرنين ، وهو : ما تحت مجتمع الحاجبين ، وهو : أول الأنف ، حيث يكون الشم. لسان العرب ١٣ / ٣٨٢. والنجلاء من العيون ما كانت واسعة حسنة. لسان العرب ١٢ / ٦٤٧.

٣٤٩

قال : ثنا عبد الواحد بن أيمن ، قال : دخل الحجاج على ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ يعوده ، فقال الحجاج لابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : من أصابك؟ فقال : أنت استحللت الحرم ، وأدخلت فيه السلاح.

١٦٤٨ ـ حدّثنا محمد بن منصور ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن سوقة ، قال : دخل الحجاج على ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ يعوده ، فذكر نحوه.

قال له الحجاج : من صاحبك؟ قال : ما تصنع به؟ قال : أقيدك منه. قال : تفعل؟ قال : نعم ، قال : أنت حملت السلاح في حرم الله ـ تعالى ـ في يوم لا يحمل فيه السلاح.

١٦٤٩ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، قال : ثنا معن بن عيسى ، عن مالك ابن أنس ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر.

__________________

١٦٤٨ ـ إسناده منقطع.

ابن سوقة ، هو : محمد ، تابعي صغير ، لم يرو عن ابن عمر ، وإنّما روى عن أنس بن مالك ، وعن سعيد بن جبير ، ونافع مولى ابن عمر. أنظر تهذيب الكمال ص : ١٢٠٧.

لكن رواه البخاري ٢ / ٤٥٥ من طريق : المحاربي ، عن محمد بن سوقة ، عن سعيد ابن جبير ، قال ، فذكره. ورواه البيهقي ٥ / ١٥٤ ـ ١٥٥ من طريق محمد بن سوقة كما رواه البخاري.

١٦٤٩ ـ إسناده صحيح.

رواه مالك في الموطأ ٢ / ٣٩٦. ورواه ابن أبي شيبة ١ / ١٨٤ وأحمد ٣ / ١٠٩ ، ١٦٤ ، ١٨٠ ، ١٨٦ ، ٢٢٤ ، ٢٣١ ، والبخاري ٨ / ١٥ ، ومسلم ٩ / ١٣١ ، وأبو داود ٣ / ٨٠ ، والترمذي ٧ / ١٨٦ ، وابن ماجه ٢ / ٩٣٨ ، والنسائي ٥ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ كلّهم من طريق : مالك به.

والمغفر : ما يلبسه الدارع على رأسه من الزرد ونحوه. النهاية ٣ / ٣٧٢.

٣٥٠

١٦٥٠ ـ حدّثنا أبو بشر بكر بن خلف ، قال : ثنا سعيد بن (١) الحكم ، عن الهذيل بن بلال ، عن عطاء ، قال : لا بأس أن يدخل مكة بالسلاح.

١٦٥١ ـ حدّثنا أبو بشر ، قال : ثنا سعيد بن (١) الحكم ، عن الهذيل بن بلال ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : لا بأس أن يدخل مكة بالسلاح.

ذكر

قتال ابن الزبير بمكة وخروجه ومبتداه ،

ودخول الحصين ابن نمير مكة

١٦٥٢ ـ حدّثنا محمد بن اسماعيل ، قال : ثنا مهدي بن أبي [المهدي](٢) قال : ثنا عبد الملك الذّماري ، قال : حدّثني القاسم / بن معن ، عن هشام

__________________

١٦٥٠ ـ إسناده ضعيف.

الهذيل بن بلال. قال ابن معين : ليس بشيء. وقال أبو حاتم : محله الصدق يكتب حديثه. وقال أبو زرعة : ليّن ، ليس بالقوى. الجرح ٩ / ١١٣.

ورواه ابن أبي شيبة ١ / ١٨٤ أ من طريق : ابن جريج ، عن عطاء به.

١٦٥١ ـ إسناده ضعيف.

١٦٥٢ ـ إسناده حسن.

الذماري ، هو : عبد الملك بن عبد الرحمن ، صدوق.

رواه أبو نعيم في الحلية ١ / ٣٣١ ، من طريق : زيد بن المبارك ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٥٥٠ من طريق : علي بن المبارك ، جميعا عن عبد الملك الذماري به بنحوه.

(١) في الأصل (سعيد بن أبي الحكم). ولفظة : أبي زائدة. فهو : سعيد بن الحكم ، وأبو محمد ، ابن أبي مريم المصري.

(١) في الأصل (سعيد بن أبي الحكم). ولفظة : أبي زائدة. فهو : سعيد بن الحكم ، وأبو محمد ، ابن أبي مريم المصري.

(٢) في الأصل (النهدي) وهو تصحيف. ذكره ابن أبي حاتم ٨ / ٣٣٥ ونقل عن أبيه : شيخ ليس بمنكر الحديث. وذكره ابن حبّان في الثقات ٧ / ٥٠١.

٣٥١

ابن عروة ، قال : لما تثاقل (١) ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ على يزيد بن معاوية ، وأظهر شتمه ، بلغ ذلك يزيد ، فأقسم أن لا يؤتى به إلا مغلولا ، فأرسل ، فقيل لابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ ألا نصنع لك غلّا من فضة تلبس عليه الثوب وتبرّ قسمه ، [فالصلح](٢) أجمل بك؟ قال : لا أبرّ والله قسمه.

١٦٥٣ ـ فحدّثني أبو بكر محمد بن صالح ، قال : ثنا علي بن عبد الله ، قال : ثنا هشام بن يوسف ، عن عبد الله بن مصعب ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عبد العزيز بن مروان ، قال : بعث يزيد بن معاوية ابن عضاه (٣) الأشعري ، و [عبد الله بن](٤) مسعدة الفزاري ، وبعث معهما ببرنس من خزّ ، وجامعة من ورق ليؤتى بابن الزبير ليبرّ بيمينه. قال : فقال لي أبي ولأخي إذا بلّغته رسل يزيد فتعرّضا له ، وليتمثل أحدكما :

فخذها فليست للعزيز بنصرة

وفيها مقال لامرىء متذلّل

أعامر إنّ القوم ساموك خطّة

وذلك في الحيران عزل بمعزل

أتذكر [إذ](٥) ما كنت للقوم ناضحا

يقال له بالدّلو أدبر وأقبل

__________________

١٦٥٣ ـ إسناده حسن.

علي بن عبد الله ، هو : المديني. وعبد الله بن مصعب ، هو : ابن ثابت بن عبد الله ابن الزبير الأسدي ، والد مصعب. الجرح ٥ / ١٧٨.

(١) كذا في الأصل وفي المنتقى ص : ١٨. وعند الحاكم وأبي نعيم (لمّا مات معاوية ، تناقل ابن الزبير).

(٢) في الأصل (قال : صالح) وهذا تصحيف ، والتصويب من أبي نعيم والحاكم.

(٣) هو : عبد الله بن عضاه ـ كما سمّاه ابن عساكر ـ وكان أحد قوّاد الجيش الأموي ، هو أحد الذين هاجموا أهل المدينة في وقعة الحرّة. أنظر تهذيب تاريخ ابن عساكر ٧ / ٤١٣. والكامل لابن الأثير ٣ / ٣١٣.

(٤) سقطت من الأصل ، وألحقته من المراجع. وعبد الله بن مسعدة بن حكمة بن مالك الفزاري ، صحابي ، كان من أنصار علي ، ثم استماله معاوية ، فصار من أشدّ الناس على علي ، ثم كان على جند دمشق بعد وقعة الحرّة ، ثم قتل سنة (٦٥) بمكة. البداية والنهاية ٨ / ٢٦٤ الاصابة ٢ / ٣٥٩.

(٥) سقطت من الأصل ، وألحقتها للوزن. وفي المراجع (أراك إذا ما كنت).

٣٥٢

قال : فلما بلّغته رسل يزيد ، قال لي أخي ألقها ، ففعلت ، فسمعني ، فقال : يا بني مروان أبلغا أباكما :

إنّي لمن نبعة صم مكاسرها

إذا تناوحت القصباء والعشر (١)

ولا ألين لغير الحقّ أسأله

حتّى يلين لضرس الماضغ الحجر

قال فما أدري أيهما كان أعجب (٢).

ثم رجعنا إلى حديث هشام بن عروة ، قال : ثم قال ـ يعني : ابن الزبير ـ : والله لضربة بالسيف في عزّ أحب إلي من ضربة بالسوط في ذل ، ثم دعا إلى نفسه ، وأظهر الخلاف ليزيد بن معاوية ، فوجّه إليه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة [المرّي](٣) في جيش أهل الشام ، وأمره بقتال أهل المدينة ، فإذا فرغ من ذلك سار إلى مكة ، فدخل مسلم بن عقبة [المرّي](٣) المدينة وهي يومئذ بها بقايا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فعاث فيها وأسرف في القتل (٤).

وقد سمعت بعض العلماء يذكر أن يزيد بن معاوية أمر مسلما أن يدخل

__________________

(١) القصباء ، والعشر ، نوع من الشجر ، رخو السيقان.

(٢) رواه الطبري في تاريخه ٦ / ٢٧٤ من طريق : هشام بن يوسف به بنحوه. وذكره ابن عساكر ـ تهذيبه ٧ / ٤١٣ ـ ٤١٤ ـ وابن كثير في البداية والنهاية ٨ / ٢١٢ ، وابن فهد في إتحاف الورى ٢ / ٥٤ ـ ٥٥.

(٣) في الأصل (المزني) وهكذا في تاريخ ابن جرير ، وابن كثير ، وغيرهما وهو تصحيف. والصواب ما أثبتّه ، إذ هو : مسلم بن عقبة بن رياح بن أسعد ، أحد بني مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان. فهو منسوب إلى : مرّة بن عوف بن سعد.

وعقبة هذا كان قد شهد صفين مع معاوية ، وكان على الرجّالة ، وله من العمر يوم فعل ما فعل بأهل المدينة بضع وتسعون سنة ، ويسمّيه السلف (مسرفا) ، عوجل بالموت بعد انصرافه من قتل أهل المدينة إلى مكة ، فمات في الطريق سنة (٦٣). ذكره ابن حجر في الاصابة ، ثم قال : ولو لا ذكر ابن عساكر لما ذكرته. أنظر نسب قريش لمصعب ص : ١٢٧. والمحبّر لابن حبيب ص : ٣٠٣. والاصابة ٣ / ٤٧٠.

(٣) في الأصل (المزني) وهكذا في تاريخ ابن جرير ، وابن كثير ، وغيرهما وهو تصحيف. والصواب ما أثبتّه ، إذ هو : مسلم بن عقبة بن رياح بن أسعد ، أحد بني مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان. فهو منسوب إلى : مرّة بن عوف بن سعد.

وعقبة هذا كان قد شهد صفين مع معاوية ، وكان على الرجّالة ، وله من العمر يوم فعل ما فعل بأهل المدينة بضع وتسعون سنة ، ويسمّيه السلف (مسرفا) ، عوجل بالموت بعد انصرافه من قتل أهل المدينة إلى مكة ، فمات في الطريق سنة (٦٣). ذكره ابن حجر في الاصابة ، ثم قال : ولو لا ذكر ابن عساكر لما ذكرته. أنظر نسب قريش لمصعب ص : ١٢٧. والمحبّر لابن حبيب ص : ٣٠٣. والاصابة ٣ / ٤٧٠.

(٤) رواه الحاكم في المستدرك مكمّلا للخبر (١٦٥٢). وكذا أبو نعيم.

٣٥٣

المدينة ، وذلك لشيء بلغه عن أهل المدينة ومكة ، أنهم رموه بالأبنة (١) في نفسه ، فأمره أن يقتل من لقي من الناس ، وأن يضع فيهم السيف ثلاثة أيام ، فقدم مسلم المدينة ، فأقام ثلاثا يقتل من لقي لا يتهيّب أحدا ، حتى أجفل الناس في البيوت واختبوا منه ، وقد كان يزيد قال له : إذا فرغت من قتل أهل المدينة فضع المنبر ، ثم ادع إلى بيعتي ، وادع عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، فسلهما أن يبايعا على أنهما عبد لأمير المؤمنين ، وقال له : من امتنع عليك منهما أو من الناس فاضرب عنقه ، ولا تؤامرني في ذلك ، فلما صعد المنبر دعاهما إلى ذلك ، وبدأ بهما على الناس ، فأجابه علي بن الحسين ، وامتنع علي بن عبد الله ، فهم أن ينفذ فيه ما أمر به يزيد ، فحال بينه وبينه أخواله من كندة ، وقالوا لمسلم : لا يوصل إليه حتى توصل إلى أنفسنا ، فتركه ، فيزعمون أنه قيل لعلي بن حسين في ذلك ولامه الناس في إجابته مسلما إلى ما دعاه إليه ، فقال : لم يكن في نفسي / إنما كان في الناس خفت أن ينفّذ ما قال يزيد من القتل ، فأكون قد سننت للناس سنة تذهب فيها أنفسهم (٢).

ثم رجعنا إلى حديث هشام بن عروة ، قال : ثم خرج من المدينة ، فلما كان في بعض الطريق مات ، فاستخلف الحصين بن نمير الكندي ، وقال مسلم بن عقبة للحصين : يا برذعة الحمار ، احذر خدائع قريش ، لا تعاملهم إلا بالثقاف ثم (٣) القطاف ، قال : فمضى حتى ورد مكة ، فقاتل بها ابن الزبير

__________________

(١) الأبنة : ـ بضم الهمزة ، وسكون الباء ـ جمعها : أبن. وهي : خلّة السوء تكون في الإنسان.

وأصلها : العقدة التي تكون في القوس أو في العصا فتفسدها. لسان العرب ١٣ / ٣ ـ ٥.

(٢) أنظر تفاصيل هذه الوقعة التي تسمّى (وقعة الحرّة) في تاريخ الطبري ٧ / ٦ ـ ١٣ وتهذيب ابن عساكر ٧ / ٤١٤ ـ ٤١٥ والبداية والنهاية ٨ / ٢١٧ ـ ٢٢١ ، والعقد الفريد ٥ / ١٢٨ ـ ١٣١.

(٣) الثقاف : الجلاد والقتال بالسيف. لسان العرب ٩ / ٢٠ ، وجاءت هذه اللفظة في المنتقى ، والمستدرك للحاكم : (النفاق) وهو تصحيف. ـ

٣٥٤

ـ رضي الله عنهما ـ أياما ، وضرب ابن الزبير ـ رضي الله عنه ـ فسطاطا في المسجد ، فكان فيه نساء يسقين الجرحى ويداوينهم ، ويطعمن الجائع. قال الحصين : ما يزال يخرج علينا من هذا الفسطاط أسد كأنها تخرج من عرينها (١) ، فمن يكفينيه؟ قال رجل من أهل الشام : أنا! قال : فلما جنّ الليل وضع شمعة في طرف رمح ، ثم ضرب فرسه حتى طعن الفسطاط فالتهب نارا. قال : والكعبة يومئذ مؤزّرة بطنافس ، حتى احترقت الكعبة ، واحترق يومئذ فيها قرنا الكبش (٢).

١٦٥٤ ـ حدّثنا أبو الحسن الربيعي ، أحمد بن عمر بن جعفر ، عن رجل ، عن محمد بن الضحاك ، عن أبيه ، قال : كانت للسائب بن أبي السائب أمة نوبية يقال لها : سلّامة ، وكانت تقاتل أيام ابن الزبير جيش الحصين مع مولاها أشد قتال خلقه الله ، ثم أقبل الناس يوما قد هزمهم أهل الشام حتى بلغوا بهم الصفا والمسجد ، والأمة عند تنورها تخبز ، فصاح بها مولاها ، فأخذت المسعر (٣) ، ثم حملت على أهل الشام ، فكشفتهم حتى هزمتهم ، فقال رجل من أهل الشام :

ما أنس لا أنسى إلا ريث أذكره

أيّام تطردنا سلمى وتنحدر (٤)

__________________

١٦٥٤ ـ شيخ المصنّف لم أقف عليه ، وفيه من لم يسمّ.

ـ والقطاف : القطع ، وكلّ شيء تقطعه عن شيء فقد قطفته. لسان العرب ٩ / ٢٨٥. يوصيه بقتالهم وقطع رؤوسهم قبل أن يخدعوه.

(١) عند الحاكم (أسد كأنّما يخرج من عرينه) وهو أقرب بدليل قوله بعد (فمن يكفينيه) على الأفراد.

(٢) رواه الحاكم وأبو نعيم متمما للأثر (١٦٥٣). وذكره أيضا ابن عساكر ـ تهذيبه ٧ / ٤١٥ ـ والذهبي في تاريخ الإسلام ٣ / ١١٣.

(٣) المسعر ، والمسعار : ما تحرّك به النار من آله الحديد. النهاية ٢ / ٣٦٧.

(٤) أنظر المنتقى من أخبار أم القرى ص : ١٩.

٣٥٥

ثم رجعنا إلى حديث هشام بن عروة ، قال : ثم مات يزيد بن معاوية ، ودعا مروان إلى نفسه ، فأجابه أهل حمص ، وأهل الأردن ، وفلسطين. قال : فوجّه إليه ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ الضحاك بن قيس الفهري [في](١) مائة ألف ، فالتقوا بمرج (٢) راهط. قال : ومروان يومئذ في خمسة آلاف من بني أمية ومواليهم وأتباعهم من أهل الشام ، فقال مروان لمولى له يقال له ابن كره : احمل على أيّ الطرفين شئت. قال : كيف تحمل على هؤلاء لكثرتهم؟ قال : هم بين مكره ومستأجر ، فاحمل ، فيكفيك اضعان الماحض الحجر (٣). قال : فحملوا عليهم وهزمهم مروان جميعا (٤).

وفيه يقول الشاعر (٥) :

لعمري لقد أبقت وقيعة راهط

لمروان صدعا بيّنا متباينا

وقد ينبت المرعى على دمن الثّرى

وتبقى حزازات النّفوس كما هيا

__________________

(١) سقطت من الأصل ، وألحقتها من مستدرك الحاكم ، وتهذيب ابن عساكر. وفي المنتقى (بمائة ألف). وأنظر ترجمة الضحاك بن قيس في الاصابة ٢ / ١٩٩.

(٢) موضع بنواحي دمشق ، في الغوطة ، في جهة الشرق. أنظر معجم البلدان ٣ / ٢١ ، ٥ / ١٠٠.

(٣) كذا في الأصل والمنتقى. ولم أقف على اللفظ الصحيح لهذه العبارة وهي في المستدرك (فيكفيك الطعان الناجع الجيد) وقد سقطت هذه العبارة من رواية ابن عساكر ، وقال مكانها (ان هؤلاء يكفونك بأنفسهم). وقد بحثت عنها في كتب الأمثال فلم أقف عليها ، والله أعلم.

(٤) رواه الحاكم في المستدرك متمما للأثر (١٦٥٣) وذكره صاحب تهذيب ابن عساكر ٧ / ٤١٥. وأنظر تفاصيل هذه الوقعة في طبقات ابن سعد ٥ / ٣٩ ـ ٤٣. ومروج الذهب للمسعودي ٣ / ٩٤ ـ ٩٧ ، وتاريخ الطبري ٧ / ٣٧ ـ ٤٣ ، والعقد الفريد ٥ / ١٣٥ ـ ١٣٨ ، والبداية والنهاية ٨ / ٢٤١ ـ ٢٤٤.

(٥) هو : زفر بن الحارث بن عبد عمرو الكلابي ، المتوفى نحو سنة (٧٥) ه وأنظر هذا الشعر في تاريخ الطبري ٧ / ٤١ ، والمستدرك ٣ / ٥٥١ ، ومعجم البلدان ٣ / ٢١ ، ومروج الذهب ٣ / ٩٦ ، والعقد الفريد ٥ / ١٣٧ وغيرها ، مع اختلاف يسير.

٣٥٦

قال وفيه يقول زفر بن الحارث القيسي :

أفي الحقّ أمّا بحدل وابن بحدل

فيحيا وأمّا ابن الزّبير فيقتل

كذبتم وبيت الله لا تقتلونه

ولمّا يكن يوم أغرّ محجّل

ولمّا يكن للمشرفيّة فوقكم

شعاع كقرن الشّمّس حين ترجّل (١)

قال : ثم مات مروان ، فدعا عبد الملك إلى نفسه ، وقام ، فأجابه أهل الشام ، فخطب الناس على المنبر / فقال : من لابن الزبير منكم؟ فقال الحجّاج : أنا يا أمير المؤمنين ، قال : فاسكته ، ثم عاد فقال : أنا يا أمير المؤمنين ، فإني رأيت في النوم أني انتزعت جبّته فلبستها. قال : فعقد له ووجهه في الجيش إلى مكة ، حتى وردها على ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ فقاتله بها ، فقال ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ لأهل مكة : احفظوا هذين الجبلين ، فإنكم لن تزالوا أعزّة ما لم يظهروا عليهما ، قال : فلم يلبثوا أن ظهر الحجاج ومن معه على أبي قبيس ، فنصب عليه المنجنيق ، فكان يرمي به ابن الزبير ومن معه في المسجد. قال : فلما كان الغداة التي قتل فيها ابن الزبير ، دخل ابن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهم ـ وهي يومئذ بنت مائة سنة لم يسقط لها سنّ ، ولم يفسد لها بصر ـ فقالت لابنها عبد الله : ما فعلت في حربك؟ قال : بلغوا مكان كذا وكذا ، قال فضحك ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وقال : إنّ في الموت لراحة ، قالت : يا بني ، لعلك تمنّاه لي؟ ما أحب أن أموت ، إما تملك فتقرّ عيني ، وإما أن تقتل فأحتسبك.

قال : ثم ودعها فقالت له : يا بني إياك أن تعطي من دينك مخافة القتل ،

__________________

(١) أنظر هذا الشعر في المراجع السابقة. وقوله : (بحدل) يعني به : بحدل بن أنيف ، من بني حارثة بن جناب الكلبي ، وهو جد يزيد بن معاوية ، أبو أمه ميسون بنت بحدل. و (ابن بحدل) هو : حسان ، وهو الذي شدّ الخلافة لمروان. أنظر تاج العروس ٧ / ٢٢٢.

٣٥٧

وخرج من عندها فدخل المسجد وجعل (١) شيئا يستر به الحجر أن يصيبه المنجنيق.

فقيل له : ألا نكلمهم في الصلح؟ [قال](٢) أو حين صلح هذا ، والله لو وجدوكم في جوفها يعني الكعبة لذبحوكم جميعا ، ثم أنشأ يقول :

ولست بمبتاع الحياة بسبّة

ولا مرتق من خشية الموت سلّما

أنا لابن أسما إنّه غير نازح

ملاقي المنايا أيّ صرف تيمّما (٣)

ثم أقبل على آل الزبير يعظهم ويقول : ليكنّ أحدكم سيفه كما يكنّ وجهه ، لا ينكسر سيفه فيتقي بيده عن نفسه كأنه امرأة ، والله ما لقيت زحفا قطّ إلا كنت في الرعيل الأول ، ولا ألمت جرحا قط إلا ان آلم الدواء ، قال : بينا هو كذلك ، إذ دخل عليه نفر من باب بني جمح فيهم أسود ، فقال : من هؤلاء؟ قيل : أهل حمص ، فحمل عليهم ومعه سيفان فأول من لقيه الأسود ، فضربه ضربة حتى أطنّ رجله ، فقال الأسود : آخ يا ابن الزانية ، فقال ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ : اصبر ابن حام ، أسماء زانية!! ثم أخرجهم من المسجد ، وانصرف ، فإذا هو بقوم قد دخلوا من باب بني سهم ، فقال : من هؤلاء؟ فقيل : أهل الأردن ، فحمل عليهم وهو يقول :

لا عهد لي بغارة من (٤) السّيل

لا ينجلي غبارها حتّى اللّيل

__________________

(١) في المنتقى (وجعل يهيئ شيئا) وعند الحاكم : (وجعل مصر أعين على الحجر الأسود).

(٢) سقطت من الأصل ، وألحقتها من المنتقى والمستدرك.

(٣) البيتان عند الطبري ، لكنّه قدّم الثاني ، وذكره هكذا :

أبي لابن سلمى أنّه غير خالد

ملاقي المنايا أي صرف تيمّما

وتصحف هذا البيت في المستدرك تصحيفا شنيعا.

(٤) كذا في الأصل ، وفي المستدرك ، وتهذيب ابن عساكر (مثل).

٣٥٨

قال : فاخرجهم من المسجد ، ثم رجع ، فإذا بقوم قد دخلوا من باب بني مخزوم ، فحمل عليهم وهو يقول :

لو كان قرني واحدا كفيته

قال : وعلى ظهر المسجد من أعوانه من يرمي عدوّه بالآجرّ وغيره ، فحمل عليهم فأصابته آجرة في مفرقه حتى فلقت رأسه ، فوقف قائما وهو يقول :

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

ولكن على أقدامنا تقطر الدّما

قال : ثم وقع ، فاكبّ عليه موليان له يقاتلان عنه وهما يقولان :

العبد يحمي ربّه ويحتمي

قال : ثم سيّر إليه فحزّ رأسه (١).

١٦٥٥ ـ حدّثنا عبد الجبار بن العلاء ، قال : ثنا بشر بن السريّ ، قال : ثنا نافع بن عمر / عن ابن أبي مليكة ، قال : إنّ ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ دخل على أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ ليسلّم عليها ، فقالت له : أي بني مت على بصيرتك. قال : فخرج إلى المسجد ، حتى إذا كان قبل الصبح ، قال له قائل : الصلاة يا أمير المؤمنين ، فقال : أصبح ، فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين ، فقال : أصبح. فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين ، فقال : أصبح ثلاث مرات ، قال : وأهل الشام على أبواب المسجد عليهم

__________________

١٦٥٥ ـ إسناده صحيح.

وأنظر المنتقى من أخبار أم القرى ص : ٢٢.

(١) رواه الحاكم وأبو نعيم متمما للخبر (١٦٥٣). ورواه أيضا ابن أبي شيبة في المصنّف ١٥ / ٨٥ من طريق : جعفر بن عون ، عن هشام بن عروة ، بنحوه مختصرا ، وفيه هذا الشعر. والشعر أيضا في تهذيب ابن عساكر ٧ / ٤٢٣. أنظر تفاصيل مقتل ابن الزبير في الطبري ٧ / ٢٠٢ ـ ٢٠٦ ، وابن كثير ٨ / ٣٢٩ ، والفاسي في العقد الثمين ٥ / ١٤٥ ـ ١٥٠ وإتحاف الورى ٢ / ٨٧ ـ ١٠٠.

٣٥٩

السلاح ينتظرون الصبح ، فلما رأى الوقت الذي يصلي فيه قام فصلى بالناس.

قال : فما أنكروا قراءته ولا تكبيره ولا ركوعه ، ولا شيئا من صلاته ، حتى إذا فرغ من صلاته دخل الحجر فأخرج سيفه من غمده أبيض ، وقال : ان القتل بمكانكم ملح المجدور. قال : أين أهل مصر؟ أين قتلة عثمان ـ رضي الله عنه ـ؟ فأشاروا له إلى باب بني جمح ، فقال (حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(١) فحمل عليهم بالسيف حتى بلغ موضع الجزّارين حيث كانوا عند دار أم هانئ ـ رضي الله عنها ـ ثم يرجع فيستلم الركن.

١٦٥٦ ـ حدّثنا أبو الفضل ، عباس بن الفضل ، قال : حدّثني يزيد أبو خالد ـ وكان قد بلغ سبعا وعشرين ومائة سنة ـ قال : رأيت الحجاج بن يوسف وقد وضع المنجنيق على أبي قبيس ، وذلك لمّا أعياه ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ. قال : ورأيت ابن الزبير يكرّ على أصحاب الحجاج ، حتى يبلغ بهم الأبطح ، ثم يجيء إلى البيت فيستجير به ، فلما رمى الحجاج بالمنجنيق وسمع ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ صوت الحجارة تقع على الكعبة ، خرج ، فقال : يذهب بنفسي أحب إليّ من ان تهدم الكعبة في سببي.

١٦٥٧ ـ وحدّثنا سلمة بن شبيب ، قال : ثنا جعفر بن عون ، قال : أنا

__________________

١٦٥٦ ـ يزيد أبو خالد مؤذن أهل مكة. ذكره البخاري ٨ / ٣٥٨ ، وابن أبي حاتم ٩ / ٣٠٠ ، والدولابي في الكنى ١ / ١٦٢ و١٦٣ وسكتوا عنه. وذكره ابن حبان في الثقات ٧ / ٦٢٠.

وأنظر المنتقى من أخبار أم القرى ص : ٢٢.

١٦٥٧ ـ إسناده حسن.

جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي ، صدوق. التقريب ١ / ١٣١.

رواه ابن أبي شيبة ١٥ / ٨٥ ، والطبري في تاريخه ٧ / ٢٠٤ كلاهما من طريق : جعفر

(١) سورة الأنفال (٦٤).

٣٦٠