أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٢

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٩٦

الزبير ـ رضي الله عنهما ـ غير أنه يقال : إنّ ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ كان قد سقفه أو سقف بعضه (١).

ذكر

عمل عبد الملك بن مروان في المسجد الحرام

قال بعض أهل مكة : وعمّر عبد الملك بن مروان المسجد الحرام ، ولم يزد فيه شيئا ، ولكنه رفع جدرانه وسقّفه بالساج وعمّره عمارة حسنة (٢).

* قال سفيان بن عيينة فيما روي عنه ، عن سعيد بن فروة ، عن أبيه ، قال : كنت فيمن عمل في المسجد الحرام في زمان عبد الملك ، أو الوليد بن عبد الملك ، قال : فجعل في رؤوس الأساطين على رأس كل اسطوانة خمسين مثقالا من ذهب (٣). فالذهب قائم عليها إلى اليوم ، وفي بعضها في أربع اسطوانات منها مما يلي باب دار شيبة بن عثمان كتاب قائم بذهب مكتوب عليه : بسم الله أمر عبد الله أمير المؤمنين بعمل هذه الأساطين على يدي ابن أبي الأزهر سنة ثمانين.

ذكر

عمل الوليد بن عبد الملك في المسجد الحرام

وقال بعض أهل مكة : إنّ الوليد بن عبد الملك أخذ في عمل المسجد الحرام وابتدأ عمله في دخول سنة ثمان وثمانين ، وكان إذا أخذ في بناء المساجد

__________________

(١) ذكره الأزرقي ٢ / ٧٠ ـ ٧١.

(٢) ذكره الأزرقي ٢ / ٧١. والفاسي في شفاء الغرام ١ / ٢٢٥.

(٣) أنظر الأزرقي ٢ / ٧١.

١٦١

زخرفها وزيّنها ، فنقض عمل عبد الملك ، وعمله عملا محكما ، وهو أول من نقل إليه أساطين الرخام ، فعمله بطاق واحد بأساطين الرخام ، وسقّفه بالساج المزخرف ، وجعل على رؤوس الأساطين الذهب على صفائح شبه من صفر ، في كل اسطوانة ثلاثة وثلاثون مثقالا ، وأزّر المسجد بالرخام من داخله ، وجعل في وجوه الطيقان في أعلاها الفسيفساء ، وهو أول من عمله في المسجد الحرام ، فكانت هذه عمارة الوليد بن عبد الملك في خلافته (١).

ذكر

عمل أبي جعفر المنصور في المسجد الحرام

وعمارته إياه في الزيادة الأولى

وذكر بعض المكيّين عن أشياخه : أنّ أمير المؤمنين أبا جعفر كتب إلى زياد ابن عبيد الله الحارثي ، وهو واليه على مكة ، في عمارة المسجد الحرام ، فعمره فكان من عمارته إيّاه أن زاد في شقه الشامي الذي فيه دار العجلة ، ودار الندوة ، وفي أسفله ، ولم يزد في أعلاه ولا في شقه الذي يلي الوادي.

قال : فاشترى من الناس دورهم اللاصقة بالمسجد من أسفله حتى وضعه على منتهاه اليوم.

قال : وكانت زاوية المسجد التي تلي أجياد الكبير عند باب بني جمح ، عند الأحجار النادرة من جدر المسجد الذي عنده بيت زيت قناديل المسجد ، عند منتهى آخر آساطين الرخام من أول الاساطين المبيضة ، فذهب به في العراض على المطمار حتى انتهى به إلى المنارة التي في ركن المسجد الذي عند

__________________

(١) الأزرقي ٢ / ٧١ ـ ٧٢. والفاسي في شفاء الغرام ١ / ٢٢٥ نقلا عن الأزرقي.

١٦٢

باب [بنى](١) سهم ، وهو من عمل أبي جعفر ، ثم أصعد به على المطمار على وجه دار العجلة حتى انتهى به إلى موضع متزاور عند الباب الذي يخرج منه إلى دار حجير بن أبي إهاب ، بين دار العجلة ودار الندوة.

وكان الذي ولي ذلك كله زياد بن عبيد الله الحارثي ، وهو أمير على مكة ، وعلى شرطة عبد العزيز بن عبد الله بن مسافع الحجبي جد مسافع بن عبد الرحمن.

قال : فلما انتهى إلى هذا الموضع المتزاور ذهب عبد العزيز ينظر ـ فيما ذكروا ـ فإذا هو إن مضى به على ذلك المطمار أجحف بدار شيبة بن عثمان وأدخل أكثرها في المسجد ، فكلم زياد بن عبيد الله في أن يميل عنه المطمار شيئا ففعل.

قال جعفر بن محمد في المطمار يذكر ويمدح نفسه.

١٣٥٢ ـ حدّثني بذلك محمد بن حاتم ، قال : ثنا يزيد بن أبي حكيم ، قال : روى [سفيان](٢) الثوري لجعفر بن محمد :

لا اليسر يطربنا يوما فيبطرنا

ولا لأزمة دهر نظهر الجزعا

إن سرّنا الدّهر لم نفرح ببهجته

أو ساءنا الدّهر لم نظهر له طمعا

مثل النّجوم على مطمار اوّلها

إذا تغيّب نجم آخر طلعا

ثم رجعنا إلى الخبر الأول. قال : فلما صار إلى هذا الموضع المتزاور في المسجد أمرّه على دار الندوة ، فأدخل أكثرها في المسجد ، ثم صار إلى دار شيبة ابن عثمان فأدخل منها إلى هذا الموضع الذي عنده آخر عمل الفسيفساء اليوم في الطاق الداخل من الأساطين التي تلي دار شيبة بن عثمان ، ودار الندوة ، فكان

__________________

(١) سقطت من الأصل.

(٢) في الأصل (أبا سفيان).

١٦٣

هذا الموضع زاوية المسجد ، وكانت فيه منارة من عمل أبي جعفر أمير المؤمنين ، وردّه في العراض حتى وصله بعمل الوليد بن عبد الملك الذي في أعلى المسجد ، وانما كان عمل أبي جعفر طاقا واحدا ، وهو الطاق الأول الداخل اللاصق بدار شيبة ودار الندوة ودار العجلة ودار زبيدة ، فذلك الطاق وهو من عمل أبي جعفر لم يغيّر ولم يحرك عن حاله إلى اليوم ، وإنما عمل الفسيفساء فيه لأنه كان وجه المسجد يومئذ ، وكان بناء المسجد من شق الوادي من الأحجار النادرة التي وضعت عند بيت الزيت من أول الأساطين المبيضة عند منتهى أساطين الرخام فكان هذا / الموضع مستقيما على المطمار حتى يلصق ببيت الشراب على ما وصفنا في أول الكتاب ، وكان عمل أبي جعفر أمير المؤمنين إياه بأساطين الرخام طاقا واحدا ، وأزّر المسجد كما يدور من بطنه بالرخام ، وجعل في وجه الأساطين الفسيفساء ، فكان هذا عمل أبي جعفر المنصور على ما وصفنا ، وكتب على باب المسجد الذي يمر منه سيل المسجد وهو باب بني جمح الذي يقال له : باب ابراهيم ، وهو آخر عمل أبي جعفر في تلك الناحية في فسيفساء مذهّب ، وهو قائم إلى اليوم بسم الله الرّحمن الرّحيم ، محمّد رسول الله أرسله (بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ ، فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) أمر عبد الله بن عبد الله أمير المؤمنين ـ أكرمه الله ـ بتوسعة المسجد الحرام وعمارته والزيادة فيه نظرا للمسلمين واهتماما بأمورهم ، وكان الذي زاد فيه الضعف مما كان عليه قبل ، فأمر ببنائه وتوسعته في المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة ، وفرغ منه ورفعت الأيدي عنه في ذي الحجة سنة أربعين ومائة ، تيسيرا من الله ـ تعالى ـ بأمر أمير المؤمنين ، ومعونة منه له عليه ، وكفاية منه له

١٦٤

وكرامة أكرمه الله ـ عزّ وجلّ ـ بها ، فأعظم الله أجر أمير المؤمنين فيما سوى من توسعة المسجد الحرام ، وأحسن ثوابه عليه ، وجمع له به خير الدنيا والآخرة ، وأعزّ الله نصره ، وأيّده (١).

ذكر

عمارة المهدي أمير المؤمنين المسجد الحرام

وزيادته الأولى

وقال بعض أهل مكة (٢) : إن المهدي أمير المؤمنين حجّ في سنة إحدى وستين ومائة ، فأمر بعمارة المسجد الحرام ، وأمر أن يزاد في أعلاه ، ويشترى ما كان في ذلك الموضع من الدور ، وخلّف الأموال عند محمد بن عبد الرحمن ابن هشام الأوقص المخزومي ، وهو يومئذ قاضي أهل مكة ، فاشترى الأوقص تلك الدور ، [وما](٣) كان منها صدقة ، عزل ثمنه فاشترى لأهل الصدقة بثمن دورهم مساكن في فجاج مكة عوضا من صدقاتهم تكون لأهل الصدقة على ما كانوا عليه من شروط صدقاتهم ، ويزعمون أنه اشترى كل ذراع مكسّرا مما دخل في المسجد الحرام بخمسة وعشرين دينارا ، وما دخل في الوادي بخمسة عشر دينارا ، فيزعم بعض الناس (٤) أنّ مما دخل في ذلك الهدم دار

__________________

(١) أنظر تفاصيل ما مضى عند الأزرقي ٢ / ٧٢ ـ ٧٤. وإتحاف الورى ٢ / ١٧٣ ـ ١٧٦.

(٢) ما سيورده الفاكهي في هذا المبحث ، ذكره الأزرقي في كتابه ٢ / ٧٤ ـ ٧٨ عن جدّه ، قال : سمعت عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم بن عقبة ، يقول : حج المهدي ... الخ. وأنظر إتحاف الورى ٢ / ٢٠٦ ـ ٢١١.

(٣) في الأصل (وربما).

(٤) الزاعم ، هو : عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم بن عقبة الأزرقي. على ما في كتاب الأزرقي.

١٦٥

لرجل (١) من غسان ، كانت لاصقة بالمسجد الحرام ، وذلك أنّ أكثر تلك الدار دخل في المسجد زمن ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ حين زاد فيه مما يلي شرقي المسجد ودخلت فيه أيضا دار خيرة (٢) بنت سباع ، بلغ ثمنها ثلاثة وأربعين ألف دينار ، دفعت إليها ، وكانت شارعة على المسعى يومئذ قبل أن يؤخر المسعى ، ودخلت فيه أيضا دار لآل جبير بن مطعم وبعض دار / شيبة بن عثمان ، فاشترى جميع ما كان من المسجد والمسعى من الدور ، فهدمها ووضع المسجد على ما هو عليه اليوم ، شارعا على المسعى ، وجعل موضع دار القوارير رحبة ، فكانت كذلك حتى استقطعها جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك فيما يزعمون في خلافة أمير المؤمنين هارون ، فبنى بها ثم قبضها حماد البربري بعد ذلك فبنى بطنها بالقوارير ، فسميت دار القوارير ، وبنى ظهرها بالرخام والفسيفساء. قال : فكان الذي زاد المهدي في المسجد الحرام في هذه الزيادة الأولى أن مضى بجدره الذي يلي الوادي إذ كان لاصقا ببيت الشراب حتى انتهى به إلى جدر باب بني هاشم الذي يقال له : باب بني هاشم الذي عليه العلم الأخضر الذي يسعى منه من أقبل من المروة يريد الصفا ، وموضعه ذلك بين لمن تأمّله ، فكان هذا الموضع في زاوية المسجد ، وكانت فيه منارة شارعة على الوادي والمسعى ، وكان الوادي لاصقا بها يمر في بطن المسجد اليوم قبل أن يؤخر المهدي المسجد إلى [منتهاه](٣) اليوم من شق الصفا والوادي ، ثم رده على مطماره حتى انتهى به إلى زاوية المسجد التي تلي الحذّائين وباب بني شيبة الكبير ، إلى موضع المنارة اليوم ، ثم ردّ جدر المسجد منحدرا حتى لقي به جدر المسجد القديم الذي من بناء أبي جعفر أمير المؤمنين قريبا من دار شيبة ، من

__________________

(١) هي دار الأزرق الغساني ، أحد جدود الأزرقي صاحب تاريخ مكة ، على ما ذكره في كتابه.

(٢) هي : الخزاعيّة.

(٣) في الأصل (منارة) والتصويب من الأزرقي.

١٦٦

١٦٧

وراء الباب منحدرا عن الباب باسطوانتين من الطاق اللاصق بجدار المسجد منتهى عمل الفسيفساء من ذلك الطاق الداخل ، وذلك الفسيفساء وحده ، وجدر المسجد منحدرا إلى أسفل المسجد عمل أبي جعفر أمير المؤمنين ، فكان هذا ما زاد المهدي في المسجد الحرام في الزيادة الأولى.

وكان أبو جعفر إنما عمل في المسجد من الظلال طاقا واحدا ، وهو الطاق الأول اللاصق بجدر المسجد الحرام ، فأمر المهدي بأساطين الرخام فنقلت في السفن من الشام حتى أنزلت بجدّة ، ثم جرّت على العجل من جدّة إلى مكة ، ثم هندم المهدي في أعلى المسجد ثلاثة صفوف ، جعل بين يدي الطاق الذي كان بناه أبو جعفر مما يلي دار الندوة ودار العجلة وأسفل المسجد إلى موضع بيت الزيت عند باب بني جمح صفين حتى صارت ثلاثة صفوف ، وهي الطيقان التي في المسجد اليوم لم تغيّر.

قال : ولما وضع الأساطين حفر لها أرباضا (١) [على](٢) كل صف من الأساطين جدرا مستقيما ، ثم رد بين الأساطين جدرات أيضا بالعرض حتى صارت كالمصلبة على ما أصف في كتابي هذا (٣) حتى إذا استوى البناء على وجه الأرض وضع (٤) فوقها الأساطين على ما هي عليه اليوم.

قال : ولم يكن المهدي حرّك في الهدم الأول من شق الوادي والصفا شيئا ، أقره على حاله طاقا واحدا ، وذلك لضيق المسجد في تلك الناحية ، وانما كان بين جدر الكعبة / اليماني وبين جدر المسجد الذي يلي الوادي والصفا تسعة وأربعون ذراعا ونصف ذراع.

قال : فكانت هذه زيادة المهدي الأولى في عمارته إياه. والذي في

__________________

(١) الأرباض : واحدها (ربض) أو (ربض) وهو : أساس البناء. النهاية ٢ / ١٨٥.

(٢) سقطت من الأصل ، وألحقناها من الأزرقي.

(٣) أنظر ص (١٦٧).

(٤) كانت هنا لفظة (والصخر) فحذفناها تبعا للأزرقي.

١٦٨

المسجد من الأبواب من عمل أبي جعفر أمير المؤمنين من أسفل المسجد : باب بني جمح ، وهو طاقان ، ومن تحته يخرج سيل المسجد الحرام كله ، وبين يديه بلاط من حجارة يمر عليه سيل المسجد ، وفي دار زبيدة بابان كانا يخرجان إلى زقاق كان بين المسجد والدار التي صارت لزبيدة ، وكان ذلك الزقاق طريقا مسلوكا ما سدّ إلا حديثا ، والبابان مبوّبان ومن عمل أبي جعفر إلى باب بني سهم ، وهو طاق واحد ، وباب دار عمرو بن العاص ، وبابان في دار العجلة طاق طاق ، كانا يخرجان إلى زقاق كان بين دار العجلة وبين جدار المسجد ، كان طريقا مسلوكا فيما ذكر المكيّون يمر فيه سيل السويقة ، وسيل ما أقبل من جبل شيبة بن عثمان ، فلم تزل تلك الطريق على ذلك حتى سدها يقطين بن موسى حين بنى دار العجلة للمهدي ، قدّم الدار إلى جدر المسجد ، وأبطل الطريق ، وجعل تحت الدار سربا مسقّفا يمر تحته السيل ، وذلك السرب على حاله قائم إلى اليوم ، وعلى باب هذا السرب سقاء يكون فيه ، يسقي الماء ، وسد أحد بابي المسجد الذي كان في ذلك الزقاق وهو الباب الاسفل منهما موضعه في جدر المسجد ، وجعل الباب الآخر بابا لدار العجلة ، فضيّقه وبوبه ، فهو باب دار العجلة إلى يومنا هذا.

ومما جعل أبو جعفر أيضا الباب الذي يسلك منه إلى دار حجير بن أبي أهاب ، بين دار العجلة وبين دار الندوة ، وباب دار الندوة ، فهذه الأبواب السبعة من جعل أبي جعفر أمير المؤمنين ، وأما الأبواب التي من زيادة المهدي فمنها الباب الذي في دار شيبة بن عثمان ، وهو طاق واحد ، ومنها الباب الذي يدخل منه الخلفاء كان يقال له باب بني عبد شمس ، ويعرف اليوم : ببني شيبة الكبير ، وهو ثلاثة طيقان ، وفيها اسطوانتان ، وبين يديه بلاط مفروش من حجارة ، وفي عتبة الباب حجارة طوال مفروشة بها العتبة يزعم بعض الناس انها كانت من أوثان الجاهلية. وقال آخرون : انما هي حجارة كانت فضلت مما قلع

١٦٩

خالد بن عبد الله القسري لبركته التي يقال لها : (البردى) (١) بفم الثقبة وأصل ثبير غيناء ، كانت حول [البركة](٢) مطروحة حتى نقلت حين بنى المهدي المسجد الحرام ، فوضعت حيث هي الساعة. واحتج في ذلك بأن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يدخل مكة حتى أمر بجميع الأصنام فكسرت ومحى كل صورة ، ولم يبق أثرا من آثار المشركين إلا محي وطلس (٣). ومنها الباب الذي في دار القوارير ، كان شارعا على رحبة في موضع الدار ، وهو طاق واحد. ومنها باب النبي صلّى الله عليه وسلم وهو الباب الذي يقابل زقاق العطّارين ، وهو الزقاق الذي يسلك منه إلى بيت النبي صلّى الله عليه وسلم وهو البيت الذي كان تسكنه خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ / وهو بيت النبي صلّى الله عليه وسلم وهو طاق واحد. ومنها باب العباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ وهو الباب الذي عنده العلم الأخضر الذي يسعى منه من أقبل من المروة يريد الصفا ، وهو ثلاثة طيقان ، وفيه اسطوانتان.

فهذه الخمسة الأبواب التي عملها المهدي في زيادته الأولى ، فلما أن بنى المهدي المسجد الحرام زاد فيه زيادته هذه الأولى اتسع من أعلى المسجد وأسفله [و] شقه الذي يلي باب الندوة الشامي ، وضاق شقه اليماني الذي يلي الصفا والوادي ، فكانت الكعبة في شق المسجد ، وذلك أنّ الوادي كان داخلا لاصقا بالمسجد في بطن المسجد اليوم ، وكانت الدور وبيوت الناس من ورائه في موضع الوادي اليوم ، إنما كان موضعه دورا للناس ورباعا ، وإنما كان يسلك من المسجد إلى الصفا في بطن الوادي ، ثم يسلك في زقاق ضيّق حتى يخرج إلى الصفا من إلتفاف البيوت فيما بين المسجد والصفا ، وكان المسعى في موضع المسجد الحرام (٤).

__________________

(١) في إتحاف الورى (البردية).

(٢) في الأصل (الكعبة) والتصويب من الأزرقي.

(٣) (طلس) ، أي : طمس ، ومحى. النهاية ٣ / ١٣٢.

(٤) أنظر الأزرقي ٢ / ٧٨ ـ ٧٩.

١٧٠

وكان الوادي يمر دونها في موضع المسجد اليوم ، وكان على مكة عام عمر المسجد الحرام جعفر بن سليمان (١) فتولى بعض عمارته هذه الأولى.

ذكر

زيادة المهدي الثانية في قدومه

مكة وصفة ما زاد وتفسيره

وقال بعض المكيّين : إن المهدي أمير المؤمنين اعتمر في سنة ست وستين ومائة ، فدخل مكة في شهر رمضان ، فنزل دار الندوة فبينما هو يطوف بالبيت في أيام مقامه إذ عرضت له فاطمة بنت محمد بن عبد الله بن حسن في ستارة ، فقالت : يا أمير المؤمنين أمّني وزوجي. فقال لها : من أنت ومن زوجك؟ قالت : أنا فاطمة بنت محمد بن عبد الله بن حسن ، وزوجي حسن بن ابراهيم ابن عبد الله. قال : وأين هو؟ قالت : معي في هذه الستارة. قال : قد أمن فليخرج ، فخرج فأخذ أمير المؤمنين بيده ، فطاف معه حتى قضى طوافه ثم جاء (٢) سبيله ، وأقام أمير المؤمنين حتى حجّ بالناس تلك السنة ، فدخل عليه سفيان الثوري بمنى.

١٣٥٣ ـ فحدّثنا محمد بن أبي عمر قال : ثنا سفيان بن عيينة ، قال : أخبرني ـ يعني الثوري ـ أنه دخل على [أبي هارون](٣) بمنى. قال ابن أبي عمر ـ يعني المهدي ـ قال : (٤) قرأت ورأيت ، فقلت أي شيء هذا؟ حجّ

__________________

١٣٥٣ ـ إسناده صحيح.

(١) ترجمته في العقد الثمين ٣ / ٤١٩.

(٢) كذا في الأصل ، ولعلّها (خلّى).

(٣) في الأصل (أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ) وهو تصحيف شنيع ، وانما هو : أبي هارون الرشيد ، والمهدي ، هو : أبو هارون.

(٤) القائل : هو الثوري.

١٧١

عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فانفق في حجه ستة عشر دينارا (١). وزاد محمد بن أبي عمر : فقال له المهدي يا أبا عبد الله كيف رأيت حجنا؟ فقال لو لا ما يصنع هؤلاء ـ يعني الأعوان ـ.

ولقد حدّثني أبو عمران أيمن بن نابل ، عن قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي ، قال : رأيت النبي صلّى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر ، لا طرد ولا ضرب ولا اليك اليك (٢). وإنّ اعوانك يا أمير المؤمنين هؤلاء قد آذوا الناس وطردهم ، فسكت عنه.

وقد كان أمير المؤمنين المهدي أمر بعمارة المسجد الحرام والزيادة فيه في حجته الأولى ، فعمر وزيد فيه ما وصفنا ، فكان فيه تعويج ، فلما قدم في هذه السنة رأى الكعبة في شق من المسجد ، فكره ذلك ، وأحبّ أن تكون / متوسطة في المسجد. قال : فدعا المهندسين ، فشاورهم في ذلك ، فقدروا ذلك ، وإذا هو لا يستوى لهم من أجل الوادي والسيل ، وقالوا : إنّ وادي مكة يسيل أسيالا عظيمة عارمة ، وهو واد حدور ، ونحن نخاف إن حوّلنا الوادي من مكانه أن لا ينصرف لنا على ما نريد ، مع أن [ما وراءه](٣) من الدور والمساكن ما تكثر فيه المؤونة ، ولعله أن لا يتم ، قال : فقال لهم أمير المؤمنين : لا بدّ لي من أن أوسعه حتى أوسط الكعبة في المسجد على كل حال ، ولو أنفقت فيه ما في بيوت الأموال. وعظمت في ذلك نيته ، واشتدت رغبته ، ولهج بعمله ، وكان من أكبر همه ، فقدر ذلك وهو حاضر ، ونصبت الرماح على الدور ، من أول موضع الوادي إلى آخره ، ثم ذرعوا من فوق الرماح حتى عرفوا ما يدخل في المسجد الحرام من ذلك وما يكون الوادي [فيه](٤)

__________________

(١) أنظر تاريخ بغداد ٩ / ١٦٠ ، وحلية الأولياء ٦ / ٣٧٧.

(٢) رواه أحمد في المسند ٣ / ٤١٣ ، والترمذي ٤ / ١٣٦ ، والنسائي ٥ / ٢٧٠ ، وابن ماجه ٢ / ١٠٠٩.

(٣) في الأصل (من ورائه) والتصويب من الأزرقي.

(٤) سقطت من الأصل ، وألحقناها من الأزرقي.

١٧٢

منه ، فلما نصبوا الرماح على جنبتي الوادي ، وعلم ما يدخل في المسجد من ذلك ، وزنوه مرة أخرى وقدروا ذلك. فلما أراد أمير المؤمنين الشخوص إلى العراق خلّف أموالا عظيمة فاشتروا من الناس دورهم ، وأرغبوهم ، فكان ثمن ما دخل في المسجد من ذلك كل ذراع مكسر بخمسة وعشرين دينارا ، وعن كل ذراع دخل في الوادي مكسرا خمسة عشر دينارا ، وأرسل إلى مصر وإلى الشام ، فنقلت له أساطين الرخام في السفن حتى أنزلت بجدة ، ثم نقلت على العجل من جدة إلى مكة ، ووضعوا أيديهم فهدموا الدور ، وبنوا المسجد ، وذلك في سنة سبع وستين ومائة ، فكان ابتداؤهم فيما ذكروا من أعلى المسجد من باب بني هاشم الذي يستقبل الوادي والبطحاء ، ووسع ذلك الباب وجعل بازائه من أسفل المسجد مستقبله بابا آخر ، وهو الباب الذي يستقبل فج خط الحزامية ، يقال له اليوم : باب البقّالين. فقال المهندسون : إن جاء سيل عظيم فدخل المسجد خرج من ذلك الباب ولم يحمل في شق الكعبة ، وهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العايدي ، وجعلوا المسعى والوادي فيها ، وهدموا ما كان بين الصفا والوادي من الدور ، ثم حرفوا الوادي في موضع الدور حتى لقوا به الوادي القديم بباب أجياد الكبير بفم خط الحزامية. فالذي زيد في المسجد من شق الوادي تسعون ذراعا من موضع جدر المسجد الأول إلى موضعه اليوم. وإنما كان عرض المسجد الأول من جدر الكعبة اليماني إلى جدر المسجد اليماني الشارع على الوادي الذي يلي باب الصفا تسعة وأربعين ذراعا ونصف ذراع ، ثم بنى منحدرا حتى دخلت دار أم هانئ بنت أبي طالب ـ رضي الله عنها ـ فيه ، وكانت عندها بئر جاهلية ، كان قصي بن كلاب حفرها فدخلت تلك البئر في المسجد ، فحفر المهدي عوضا منها البئر التي على باب البقّالين في جدر ركن المسجد الحرام اليوم.

١٧٣

وهذه البئر قائمة في أصل المنارة إلى اليوم ، ينتفع الناس بها ويسقون منها.

وقد كان الحارث بن عيسى عمّرها في سنة ستين ومائة وهو يومئذ على خراج مكة وصوافيها ، مع ابراهيم بن محمد الهاشمي / وأحاط عليها بجدر من حجارة ، وشيّده بالنورة ، وجعل منتهى الحواط لاصقا بجدر المسجد الحرام اليماني ، ثم أحاط البناء حواطا إلى باب البقالين ، وأحكم العرصة التي يقوم فيها المستقى من البئر ، وجعل على ذلك الحواط طاقا وجعل عليه بابا يغلق ويفتح ، وكتب على وجه الطاق كتابا بالجص هو قائم إلى اليوم : بسم الله الرحمن الرحيم ، الملك الحقّ المبين ، وصلى الله على محمد سيد العالمين ، سقاية مباحة لبادي المسلمين وحاضرهم ، محرّم اجرتها ، رحم الله من دعا لمن أباحها بخير.

ثم مضوا ببابه بأساطين الرخام ، وسقّفه بالساج المذهب المنقوش فكان العمال يعملون كذلك في المسجد أحكم العمل ، واتقنه ، ويمدهم المهدي بالأموال ودخلت سنة تسع وستين ومائة وقد انتهوا إلى آخر منتهى أساطين الرخام من أسفل المسجد ، فتوفي أمير المؤمنين المهدي في سنة تسع وستين ومائة ، ولم يتم بناء المسجد (١).

ذكر

عمل أمير المؤمنين موسى في المسجد الحرام

وعمارته إيّاه

وقال : بعض أهل مكة : إن أمير المؤمنين موسى بن المهدي لما ولي الخلافة وذلك في سنة تسع وستين ومائة أمر بعمل المسجد الحرام ، فأسرع العمال في عمله ، وبنوا أساطينه المؤخرة بحجارة ، ثم طليت بالجص ، وإنما

__________________

(١) قارن هذا الفصل بما عند الأزرقي ٢ / ٧٩ ـ ٨١ ، وانظر إتحاف الورى ٢ / ٢١٧ ـ ٢١٨.

١٧٤

أرادوا بذلك رواج العمل ، وعمل سقفه الذي يلي مؤخره عملا دون عمل المهدي في الإحكام والحسن ، فعمل المهدي من ذلك شق المسجد الذي يلي الوادي من أعلى المسجد إلى منتهى آخر أساطين الرخام ، فمن ذلك الموضع عمل في خلافة موسى بن المهدي إلى المنارة الشارعة على باب أجياد الكبير ، ثم ينحدر في عرض المسجد إلى باب بني جمح ، إلى منتهى أساطين الرخام من باب بني جمح إلى الأحجار النادرد من بيت الزيت حتى وصل بعمل أبي جعفر والمهدي أمير المؤمنين في الزيادة الأولى (١) ، لم يغير من ذلك شيء إلا اسطوانتين كانتا قد عمرتا فنقض سقف المسجد الحرام من ناحية باب الحناطين حتى وصل إليها ، فهدم ما فوقها ثم ردّتا على حالهما ، وذلك في سنة أربع وستين ومائتين في شهر ربيع الأول ، وكان موضع الدار التي يقال لها دار جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك بين يدي باب البقالين وباب الحناطين ، لاصقة بالمسجد ، رحبة بين يدي المسجد ، حتى استقطعها جعفر بن يحيى في خلافة أمير المؤمنين هارون ، فبناها ، فلم يتم بناءها حتى جاء نعيه من العراق (٢) ، ثم صارت بعد ذلك لزبيدة.

ذكر

عمارة أبي أحمد الموفق بالله

في المسجد الحرام وتفسيره

وكانت عمارة المسجد الحرام كما وصفنا حتى كانت سنة إحدى وسبعين ومائتين فانقض جدر دار زبيدة التي يلي الحناطين مما يلي باب بني سهم على

__________________

(١) قارن بالأزرقي ٢ / ٨١. وأنظر إتحاف الورى ٢ / ٢١٩.

(٢) الأزرقي ٢ / ٨١.

١٧٥

سقف المسجد فخرب سقوف المسجد ، وكبس خشبه ، ومات في ذلك الهدم عشرة أناس من خيار الناس ، وغيرهم ، وسقطت من / أساطين المسجد اسطوانتان فأقامتا أشهرا حتى ورد كتاب أبي أحمد الموفق بالله إلى هارون بن محمد ، وهو عامله على مكة يأمره بعمارة ذلك وردّه إلى ما كان عليه ، فعمل ذلك وردّه وجدد له خشبا من الساج ، وعمل له جصا طريا ، وأقام العمال فيه يعملون عليهم سرادق قد ستروا به بينهم وبين الناس ، حتى فرغوا منه وسقفوا سقفه وزوّقوه بالتزاويق ، وردت الألواح المكتوبة التي كانت عليه بالذهب في سقفه ، وكتب فيها كتاب : بسم الله الرحمن الرحيم أمر الإمام الناصر لدين الله أبو أحمد الموفق بالله ولي عهد المسلمين ـ أطال الله بقاءه ـ بعمارة المسجد الحرام ، رجاء ثواب الله والزلفة إليه ، وجرى ذلك على يدي هارون بن محمد بن اسحاق بن موسى (١) عامله على مكة ومخاليفها في سنة اثنتين وسبعين ومائتين. وكتب على الواح أخرى في سقفه وفي جدر المسجد الحرام الذي يلي دار زبيدة :

بسم الله الرحمن الرحيم أمر الناصر لدين الله ولي عهد المسلمين أخو أمير المؤمنين ـ أطال الله بقاءهما ـ القاضي يوسف بن يعقوب بعمارة المسجد الحرام لما رجا في ذلك من ثواب الله تعالى ، واكفر به إليه ، فأجزل الله ثوابه وأجره ، وأجرى ذلك على يدي محمد بن العلاء بن عبد الجبار في سنة اثنتين وسبعين ومائتين.

كتب هذا في غير موضع.

__________________

(١) ولي مكة (٢٦٣) حتى سنة (٢٧٨) ومات سنة (٢٨٨) أنظر العقد الثمين ٧ / ٣٥٧.

١٧٦

ذكر

الجلوس في المسجد الحرام والحديث فيه

١٣٥٤ ـ حدّثني محمد بن أبي مقاتل البلخي ، عن نعيم بن حماد ، قال : ثنا عمران بن المعتمر الحضرمي ، عن عمر بن قيس ، عن عطاء ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال : إنه بينما هو في المسجد الحرام إذ جاءه جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ يوحي إليه ، فقال صلّى الله عليه وسلم : متى يكون نصف النهار يا جبريل؟ قال : أتريد أن تعلم ذلك؟ قال : نعم. قال : فاقعد ، فلما كان نصف النهار قال جبريل للنبي صلّى الله عليه وسلم : يا محمد ، الساعة نصف النهار. قال محمد : الساعة؟ قال : لا ، قد سارت منذ قلت إلى أن رددت عليّ اثني عشر ألف ميل.

١٣٥٥ ـ حدّثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : حدّثني حيّان بن عمير ، عن عبيد بن عمير ، أنه حدّثه وهو تجاه الركن ، فقال : إنّ حمد الله يفتح له أبواب السماء ، وإن تكبير الله يملأ ما بين السماء والأرض.

١٣٥٦ ـ وحدّثني أحمد بن محمد أبو علي القرشي ، قال : ثنا الزبير ، قال :

__________________

١٣٥٤ ـ إسناده ضعيف جدا.

عمر بن قيس المكي : متروك. التقريب ٢ / ٦٢.

١٣٥٥ ـ إسناده صحيح.

١٣٥٦ ـ فيه مسكوت عنه ، وهو : عبد الرحمن بن عبد الله الزهري ، حيث سكت عنه ابن أبي حاتم ٥ / ٢٥٠. والزبير ، هو : ابن بكار.

ذكره الذهبي في سير النبلاء ٤ / ٤٠٥ ، ونسبه للزبير في كتاب النسب.

١٧٧

حدّثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري ، قال : إن هشام بن عبد الملك دخل المسجد متكئا على يد سالم مولاه ، ومحمد بن علي بن حسين جالس في المسجد الحرام ، فقال له : يا أمير المؤمنين هذا محمد بن علي بن حسين. فقال له هشام : المفتون به أهل العراق؟ قال : نعم ، قال : اذهب إليه فقل له : يقول أمير المؤمنين : ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى ان يفصل بينهم يوم القيامة؟ فقال محمد : يحشر الناس على مثل قرصة النّقيّ ، فيها الأنهار مفجّرة ، فرأى هشام ان قد / ظفر به فقال الله أكبر اذهب فقل له ما اشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ؟ فقال له محمد بن علي : قل له هم في النار اشغل ولم يشغلوا ان قالوا (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ)(١) قال : فظهر عليه محمد بن علي.

١٣٥٧ ـ حدّثني أبو سعيد عبد الله بن شبيب ، قال : حدّثني ابن عائشة ، قال : أخبرني أبي ، قال : دخل الفرزدق مكة ، فإذا هو بعلي بن عبد الله بن جعفر يطوف بالكعبة في حلّته وهو محرم ، فقال : ويحكم يا معشر أهل مكة من هذا الرجل الذي يطوف بالبيت؟ والله ما رأيت أحسن من وجهه ولا من حلّته؟ قالوا هذا علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، ولفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأنشأ يقول هذه الأبيات التي ينشدها الناس :

هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرم

يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

__________________

١٣٥٧ ـ إسناده ضعيف.

أبو سعيد الربعي ، إخباري ، علامة ، لكنه واه. اللسان ٣ / ٢٩٩. وابن عائشة ، هو : عبيد الله بن محمد بن حفص التيمي.

(١) سورة الأعراف (٥٠).

١٧٨

إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

هذا ابن خير عباد الله كلّهم

هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهر العلم

أيّ القبائل ليست في رقابهم

لأوّليّة هذا اوله النّعم (١)

ويقال : إنّ الرجل الذي قال فيه الفرزدق هذا محمد بن علي.

١٣٥٨ ـ وحدّثني أبو سعيد ، قال : حدّثني الزبير ، قال : هذا في قثم بن العباس ـ رضي الله عنهما ـ قال فيه بعض شعراء أهل المدينة ، قد سماه وزاد في الشعر بيتين أو ثلاثة منها :

كم صارخ بك مكروب وصارخة

تدعوك يا قثم الخيرات يا قثم

__________________

١٣٥٨ ـ إسناده ضعيف.

الزبير ، هو : ابن بكار. وقثم بن العباس ، هو : ابن عبد المطلب أخو عبد الله بن عباس.

والبيت في العقد الثمين ٧ / ٦٦ نقلا عن الزبير. قال ابن عبد البر في الاستيعاب ٣ / ٢٦٦ : ولا يصح هذا في قثم بن العباس ، وما قاله الزبير غير صحيح. أ ه.

(١) الأبيات في الديوان ٢ / ١٧٨ ، والأغاني ٢١ / ٣٧٦ ، لكنه ذكر أن الفرزدق قالها في الحسين بن على بن أبي طالب. وفي العقد الثمين ٧ / ٦٩ منسوبة إلى داود بن سلم. وقال محققه : وقد وردت هذه الأبيات في الأغاني ١٥ / ٣٢٧ منسوبة إلى سلم الخاسر ، ونسبت أيضا هذه القصيدة في مجموعها إلى غير شاعر ، منهم الفرزدق ، ومنهم كثير بن كثير السهمي ، أنظر المؤتلف والمختلف ص ١٦٩ ، ومنهم الحزين الكناني المؤتلف والمختلف ص ٨٨ ـ ٨٩.

١٧٩

ذكر

مقلع الكعبة وتسمية مواضعه

وقال بعض أهل مكة : إن ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ لما أراد هدم الكعبة سأل رجالا من أهل العلم من أهل مكة : من أين كانت قريش أخذت حجارة الكعبة حين بنتها؟ فأخبر انهم بنوها من حراء (١) ، وثبير ، ومن المقطّع ، وهو الجبل المشرف على مسجد القاسم بن عبيدة بن الأسود بن خلف الخزاعي ، على يمين من أراد المشاش من مكة مشرفا على الطريق. وإنما سمّي المقطّع ، لأنه جبل صليب الحجارة. فكانوا يوقدون عليه بالنار ثم يقطع بالحديد. وقالوا : إنما سمي المقطّع لغير هذا الوجه ، إنّ أهل الجاهلية كانوا إذا خرجوا من مكة قلّدوا أنفسهم ورواحلهم من عضاه (٢) الحرم ـ والعضاه كلما كان فيه شوك ـ فإذا لقيهم أحد قالوا : من أهل الله ، فلا يعرض لهم ، فسمّي بذلك المقطّع.

ومن الجبل الأبيض الذي بالثنيّة ، الذي في طريق جدة ، وهو الجبل المشرف على ذي طوى ، يقال له : حلحلة ، ويقال : منه بنيت دار العباس بن محمد التي على الصيارفة. ومن جبل بأسفل مكة على يسار من انحدر من ثنيّة عضل (٣) ، ويقال لهذا الجبل : مقلع الكعبة. ومن مزدلفة من حجر لها يقال له : المفجري ، فهذه الجبال تعرف بمقلع الكعبة فيما يقال (٤) ، والله أعلم.

__________________

(١) هذا الجبل ، وما بعده من الجبال والمواضع المذكورة هنا سيأتي التعريف بها ـ إن شاء الله ـ مفصلا في مباحث أفردت لها في القسم الجغرافي من الكتاب.

(٢) العضاه ـ بالهاء في آخره ـ ويقال له : شجر أم غيلان ، واحدته : عضة.

(٣) كذا في الأصل ، وعند الأزرقي (بني عضل).

(٤) أنظر الأزرقي ١ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، حيث ذكر هذه الجبال وأضاف إليها جبلا آخر ، وهو : جبل الخندمة.

١٨٠