أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ١

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٩١

ذكر فضل الموت بمكة. ثم ختم هذا الفصل بمباحث ماتعة للخطب التاريخية الهامة التي ألقيت بمكة مثل خطبة أبي ذر ، وابن الزبير ، والحجّاج ، وأبي حمزة الخارجي وغيرهم. وقد تضمن هذا الفصل ٥٤٢ حديثا وخبرا.

ـ الفصل العاشر : فيما جاء في أخبار مكة في الجاهلية والإسلام.

ذكر فيه ٥١ مبحثا أورد خلالها ٧٠ حديثا وخبرا.

ـ الفصل الحادي عشر : أوائل الأشياء التي حدثت بمكة في قديم الدهر وحديثه إلى أيام الفاكهي ، وأول من أحدثها وفعلها من الناس.

وهذا الفصل من الفصول الطريفة المهمة ، حيث بذل الفاكهي في جمعه جهدا واسعا ، يدل على سعة اطّلاعه ، وطول باعه في الوقوف على مصادر شتى في التاريخ والحديث والأدب والأخبار.

وهذا الفصل من الفصول التي انفرد الفاكهي بذكره ، حيث لم يذكره جميع من أرّخ لمكة على حسب ما أعلم.

وقد أورد خلاله الفاكهي ٦٢ خبرا.

ـ الفصل الثاني عشر : عقد هذا الفصل لبيان أحكام شرعية تتعلق بحكم بيع دور مكة ، وكرائها وتملكها ، والبناء فيها ، وذكر من أجاز ذلك ومن منعه.

أورد فيه ٤١ حديثا وأثرا.

ـ الفصل الثالث عشر : فصّل فيه خطط مكة ، وكيفية توزيع دورها ورباعها ، والأساس الذي قسّمت عليه أراضيها المحيطة بالحرم وما جاورها ، وأسماء هذه الدور ـ إن وجدت ـ والتملكات والأحداث التي مرّت عليها وما يتعلق بذلك من الأخبار والأشعار والحوادث التاريخية والطريفة. فصّل ذلك في ٢٠ مبحثا ، أورد خلالها ٩٤ خبرا.

ـ الفصل الرابع عشر : أحكام تتعلق بحدود مدينة مكة ، وتهامة ، وحكم اخراج المسلم من مكة ، وحكم اقامة الحدود في الحرم ، وما يجوز قطعه وما لا يجوز قطعه من شجر الحرم ، وحكم الصيد في الحرم ، وكفارته ، وما يجوز قتله من الدواب فيه.

ذكر فيه ١٣ مبحثا أورد فيها ١١٣ أثرا.

٤١

ـ الفصل الخامس عشر : ذكر المواضع التي يستحبّ فيها الصلاة بمكة ، وآثار النبي صلّى الله عليه وسلم وآثار أصحابه ، والمعالم التاريخية الهامة في مكة ، كالمساجد والمقابر ، والجبال ، وغير ذلك.

وعقد مبحثا لمكان خروج الدابة أيضا.

أورد فيه ٢٦ مبحثا. ذكر خلالها ١٣٥ خبرا وأثرا.

ـ الفصل السادس عشر : الآبار والعيون والبرك التي كانت بمكة ، جاهلية وإسلاما ، وقصص تلك الآبار ، وما أنشد فيها من أشعار.

ذكره في ٥ مباحث أورد خلالها ٢٣ خبرا.

ـ الفصل السابع عشر : ذكر طرقات مكة ، وشوارعها ، وأسواقها ، وشعابها ، وأماكن تاريخية أخرى.

وعند ذكره لشعب البيعة في منى استطرد في ذكر بيعة العقبة ومن حضرها من الصحابة ، وكيف كانت.

أورد في هذا الفصل ٩٠ أثرا.

ـ الفصل الثامن عشر : منى ، وحدودها ، وأحكامها ، وصفة الجمار ، والطرق المؤدية إلى منى ، ومنزل النبي صلّى الله عليه وسلم بمنى ، والخلفاء بعده ، ومسجد الخيف ، وفضله ، وصفته ، وأحكام رمي الجمار ، وما قيل من الشعر في منى ، وفي سفر الحجاج منها ، إلى غير ذلك.

ذكر فيه ٢٢ مبحثا. أورد خلالها ١٣٤ حديثا وخبرا.

ـ الفصل التاسع عشر : المزدلفة ، وحدودها ، وفضلها ، وأحكامها ، وطرقها ، وصفة المشعر الحرام ، ومسجده ، وذرع ما بينها وبين عرفات ، في ٨ مباحث.

أورد فيها ٣٥ حديثا وخبرا.

ـ الفصل العشرون : عرفة ، وحدودها ، وفضلها ، وأحكامها ، وصفة مسجدها ، وموقف النبي صلّى الله عليه وسلم فيها ، وحياضها ، وآبارها ، وعدد الأميال من المسجد الحرام إلى مواقف الإمام بعرفة ، وصفة هذه الأميال في ١٠ مباحث.

أورد خلالها ١٠١ حديثا وخبرا.

٤٢

ـ الفصل الحادي والعشرون : في ذكر مواضع قريبة من مكة ، كمسجد التنعيم ، والحديبية ، وصفة حدود الحرم من جوانبه ، والمواضع التي دخلها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه في حروبهم ، وأودية الحل التي تسكب في الحرم ، وحدود مخاليف مكة في ٩ فصول.

أورد خلالها ٩٩ حديثا وخبرا.

وبه يتم الكتاب.

هذا استعراض خاطف لأهم ما تضمنه هذا الكتاب الميمون من مباحث ممتعة ، وعروض شيّقة يتلهف لمعرفتها كثير من المسلمين على التفاصيل التي أوردها الفاكهي ـ رحمه الله ـ في كتابه.

٤٣

المبحث الثالث

منهج الفاكهي في كتابه

أولا : منهجه الحديثي :

إنّ الثلاثة آلاف حديث وأثر التي تضمنها هذا الجزء من كتاب الفاكهي ، سار فيها على منهج المحدثين ، فأورد مادة هذا الكتاب بطريق الرواية.

والتزم بالصنعة الحديثية في أسانيده ، ممّا يجعلنا على ثقة تامة بهذا المؤرخ العالم ، ذلك أن عنصر الأمانة في النقل والأداء تراه مرتسما على ما رواه عن شيوخه الكثيرين ، الأمر الذي يجعلنا نفخر كل الفخر بعلمائنا ومؤرخينا من هذه الأمة.

فالقارئ يلاحظ أمانة الفاكهي بارزة في الأمور الآتية :

١ ـ ألفاظ الأداء حافظ عليها محافظة دقيقة ، فما أخذه بالسماع صرّح بسماعه ، وما أخذه بالعرض ، بيّنه ، وما أخذه بالإجازة صرّح أنه بالإجازة.

قال في الأثر ٢٠١١ : سمعت عبد العزيز بن عبد الله وحدّثني.

وقال في الأثر ١٩١٨ : حدّثني أحمد بن صالح ـ عرضته عليه ـ.

وقال في الأثر ١٩٣٤ : وأخبرني محمد بن علي ـ اجازة ـ.

٢ ـ قد يضيف من القرائن ما يؤكّد سماعه ، فتراه في الأثر ٥٥٧ يقول : حدّثني أبو العباس الكديمي ، غير مرة ولا مرتين.

وفي الأثر ٢٧٣٣ حدّثني عبد الله بن شبيب الربعي ـ وحدي ـ.

٣ ـ قد يذكر مكان سماعه من شيخه :

قال في الأثر ١٠٥٣ : حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار العطاردي ببغداد.

٤٤

وقال في الأثر ١٩٠٤ : حدّثنا اسماعيل بن محمد الأحمسي بالكوفة.

وقال في الأثر ١٣٠٦ : حدّثنا محمد بن علي النجّار ـ بصنعاء ـ.

وقال في الأثر ٧٧٥ : حدّثنا علي بن المنذر الطريقي ـ بحرض ـ.

٤ ـ قد يضيف ما يعرّف به شيخه :

قال في الأثر ١٣٠٥ : حدّثنا ابراهيم بن مرزوق البصري ـ ومسكنه مصر ـ.

٥ ـ هناك شيوخ روي عنهم مباشرة ، ثم روى عنهم بواسطة منه :

علي بن المنذر الطريقي الكوفي ، وأحمد بن حميد الأنصاري ، والزبير بن بكّار ، وغيرهم ممّا يدلل دلالة واضحة أن الفاكهي لم يكن من أهل التدليس (١).

٦ ـ ما لم يسمعه من شيخه مباشرة ، ولا بواسطة ، بيّن ذلك.

قال في الأثر ١٩٣١ : (قال الزبير بن أبي بكر ـ ولم أسمعه منه ـ) فإننا نرى أنّ الزبير شيخه لكن لم يسمع منه هذا الأثر لا مباشرة ولا بواسطة ، فبين ذلك ليبّرئ نفسه من وصمة التدليس.

وقال في الأثر ١٥٤٧ : (وقال ابن أبي عمر : ورأيت في كتابه) فهو رآه في كتاب شيخه ولم يسمعه منه ، فلم يورده بالسماع ، بل رواه بالوجادة (٢).

وفي الأثر ١٥٢٦ : (وقال لي رجل من أهل مكة ، وأعطاني كتابا عن أشياخه فيه أسماء مكة).

٧ ـ رجال أدركهم ولم يسمع منهم ، فروى عنهم بالواسطة :

قال في الأثر ٢١٣٢ : وحدّثني أبو زرعة الجرجاني ، ثنا الحسن بن عيسى ـ مولى عبد الله بن المبارك ـ وقد رأيت أنا الحسن بن عيسى ولم أسمع منه ـ قال : أخبرنا ابن المبارك ... الحديث.

٨ ـ إذا شك في كلمة سمعها أثبت شكّه ، ولا يتردد في ذلك :

ذكر في الأثر ١٢٣٦ بإسناده إلى نافع بن عمر ، قال : رأيت عطاء بن أبي رباح بارزا في المسجد ـ أظنه قال : يصلي بغير سترة ـ الظن مني أنا ابن الفاكهي ـ.

__________________

(١) أنظر الأثار : ١٥ ، ٤٦٠ ، ٧٧١ ، ١٠٢٨.

(٢) أنظر الأثار : ١٣٣٧ ، ١٩٤٧ ، ٢١١٦.

٤٥

وقال في الأثر ٢٠١٠ قال : حدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : كانت قريش لا تبني إلا خياما ـ شك الفاكهي ـ أو : آجاما ... الخ.

وتراه ربّما قال : حدّثنا أبو بشر ـ إن شاء الله ـ.

٩ ـ إذا وجد تصحيفا في الحديث ، في سنده ، أو في متنه ، يورده كما هو ، ثم ينبّه على صوابه بعد الحديث (١).

١٠ ـ قد يعقب بحكم على حديث أورده :

قال في الحديث ١٩١٨ : حدّثني أحمد بن صالح ـ عرضته عليه ـ قال : حدّثني محمد بن اسماعيل القرشي المدني ، قال : حدّثني عبد الله بن نافع ، عن مالك بن أنس ، فذكر حديثا في زيارة النبي صلّى الله عليه وسلم بعد إتمام الحج ، ثم قال الفاكهي عقبه : هذا حديث منكر من حديث مالك بن أنس.

هذه بعض الملاحظات التي تراها شاخصة في كتاب الفاكهي في مجال الصنعة الحديثية ، تعطيك نموذجا لعلمائنا الأمناء في التحمّل والأداء ، وتجعلك على ثقة بما يرويه هذا الإمام الجليل عن شيوخه في هذا السّفر الميمون.

ثانيا : منهجه العام في كتابه «أخبار مكة» مقارنا بكتاب الأزرقي :

لقد سار الفاكهي في كتابه على النحو التالي :

١ ـ يعنون للمبحث أو للفصل الذي يريد البحث فيه ، فيقول : ذكر كذا وكذا.

ثم يورد ما يراه مناسبا من أحاديث وآثار في ذلك المبحث مقدما ذكر الأحاديث على الآثار (في الغالب) ، ويذكر ذلك بأسانيد متصلة وبطرق مختلفة.

ولذلك قلّت فيه الأخبار المنقطعة ، والآثار المعلقة ، قلة ظاهرة.

٢ ـ إن المساحة الفقهية في كتاب الفاكهي مساحة واسعة ، ذلك أن طبيعة الجزء الثاني من كتابه تدعوه لذكر الطواف والسعي ، والاحرام ، والوقوف بعرفة ، والمبيت بمزدلفة ، ورمي الجمار بمنى ، وما إلى ذلك.

__________________

(١) أنظر الآثار : ١٧٤٢ ، ١٨٥٦ ، ٢٣٣٠ ، ٢٧١٩ ، ٢٤١٤.

٤٦

إن ذلك كله مذكور بتوسع مسهب قلّما تجده في كتاب آخر يختصّ بالمناسك ، وهذه الثروة الفقهية تسجّل للفاكهي ، فقد زاد ما ذكره من مادة علمية في هذه المجالات على الكتب المصنّفة في هذا النوع على الخصوص.

وهذه مزية ظاهرة في كتاب الفاكهي بخلاف كتاب الأزرقي فإنه لم يطل النفس في ذلك.

٣ ـ تنوّع أسانيد الفاكهي ، وكثرتها كثرة ظاهرة واهتمامه بالصنعة الحديثية فاقت ما عند الأزرقي بكثير.

فكثير من كتاب الأزرقي تراه مرويّا من طريق جدّه ، بخلاف الفاكهي حيث كثر عدد شيوخه.

٤ ـ لا يحاول الفاكهي أن يرجّح بين الأقوال الفقهية ، بل يعرض أدلة هؤلاء وهؤلاء بمنتهى الأمانة ، وهذا الاختلاف في المسائل الفقهية المتعلقة بمكة والحرم والبيت والمناسك ، حاول الفاكهي أن يطيل فيها النفس ، فهو يذكر القول ، ويذكر ما يخالفه إنّ وجد ، لكنه لا يحاول أن يرجّح قولا على قول ، أو يختار مذهبا على مذهب ، فهو يعرض الأقوال ، ويترك حرية الاختيار للباحث ، لأنه ذكر الأدلة بأسانيدها. لكنه عند ما يعرض لبعض المباحث التاريخية ، أو مباحث تحديد المواضع تراه يدلي بدلوه ، ويرجح ما هو راجح ، داعما ما ذهب إليه بما لديه من أدلة فعندما ذكر جبل «الاقحوانة» في مكة ، قال : هو الجبل الذي به ثنية الخضراء ، وبأصله بيوت الهاشميين ، يمر سيل منى ، بينه وبين ثبير.

ويقال : الاقحوانة : ما بين : «بئر ميمون» الى «بئر ابن هشام».

ويقال : بل الاقحوانة : بأجياد الصغير في ظهر : «دار الدومة» وما ناحاها ثم قال الفاكهي : والقول الأول أصحّ ، ثم استشهد لما قاله ببيت من الشعر (١).

٥ ـ بذل الفاكهي جهدا عظيما في كتابه لنقل ما رآه وما شاهده في مكة والمسجد الحرام ، وبنائه ، وأساطينه ، وشرفاته ، وسقفه ، وصفة كل ذلك وتواريخ عمارة هذه الأشياء ، وهذا يتفق مع الأزرقي فيه ، لكن ما يعرض له الفاكهي يكون أوسع ممّا يذكره الأزرقي.

__________________

(١) أنظر ما بعد الأثر : ١٤٩١.

٤٧

فتجد الأزرقي عند ما يذكر بابا من أبواب المسجد الحرام ، أو اسطوانة من أساطينه مثلا ، يصفها ويمضي إلى غيرها.

أما الفاكهي فيصف ما وصف الأزرقي ، لكنه يزيد عليه بأمور منها :

أ) يذكر أهم الحوادث التي صاحبت هذا الأمر الموصوف ، أو جرت عنده. فعندما ذكر اسطوانة من أساطين المسجد ، قال : وهذه التي كان يتعبّد عندها سفيان بن عيينة. وهذه التي كان يصلي إليها ابن جريج. وهذه التي صلّي عندها علي سفيان بن عيينة. وهكذا يمضي في اضافات ممتعة قد لا تجدها إلّا عنده.

وقد ينشد الفاكهي ما قيل في ذلك الموضع الموصوف من شعر ، أو ما حدث عنده من طرائف الأخبار.

ب) اهتمامه الواسع في نقل وتسجيل ما رآه من كتابات على أبواب المسجد الحرام ، وأساطينه ، وما رآه في حجرة زمزم ، داخلها وخارجها ، وما رآه مكتوبا على المقام بغير اللغة العربية ، وغير ذلك كثير جدا ، وهذه ميزة هامة.

ثم ان هذا النقل ، ظهرت عليه دلائل الأمانة والصدق ، والدقة في التسجيل ، يدلنا على ذلك ، مباشرة الفاكهي لهذه القضايا بنفسه ، دون الاعتماد على غيره ، قال بعد الأثر ١٤٥ : (وشبرت أنا بيدي غير مرة الركن الأسود وذرعته ، فإذا هو في طول إثني عشر اصبعا بإصبعي ، وعرضه سبع أصابع ، وذرعته يوم الخميس ، قبل الزوال في المحرم سنة : ٢٦٤ ه‍.

وقد نقل لنا ما رآه على المقام ثم قال : (وحكيته كما رأيته مخطوطا فيه ، ولم آل جهدي).

ثم قال : (فهذا الذي استبان لي من الخطوط ، وقد بقيت منه بقية لم تستبن لي فلم أكتبها) (١).

ثم إن الفاكهي لم يقف عند هذا ، بل استعان بأهل الاختصاص في حل رموز ما وجده مكتوبا ، فأطلع عليه شيخه : (أبا الحسن علي بن زيد الفرائضي) وهذا الثاني ذهب بصورة الكتابة إلى مصر حيث يعرف رجلا عالما بمثل هذه الخطوط ، فترجم له عبارة ذلك الخط ، ونقل لنا الفاكهي هذه الترجمة بأمانة.

__________________

(١) أنظر ما بعد الأثر ١٠٤٦.

٤٨

ومثل هذا لا تجده لا عند الأزرقي ولا غيره.

٦ ـ تفسيره للغريب الوارد في الروايات ، وتوضيحه لغير الواضح من الأشعار والحكايات ، وهذا شيء تجده منثورا في كتاب الفاكهي (١).

٧ ـ المنهج الموسوعي الذي ارتضاه الفاكهي لنفسه في كتابه ، جعله يتنوّع في مصادره ، ولم يقتصر على جانب واحد من جوانب معرفة ما يتعلق بمكة. فتراه ينقلك من جانب إلى جانب ، ومن علم إلى علم ، ومن جد إلى مزح ، ومن فرح إلى حزن ، وما إلى ذلك ، لأن من يختط لنفسه هذا المنهج قد تراه يجمع بين الأمر ونقيضه.

ففي الوقت الذي يفرد الفاكهي فصلا لعبّاد مكة وزهّادها ، تراه يفرد فصلا لمغنّي مكة ومطربيها. وفي الوقت الذي يتحدث فيه عن الرخاء الذي أصاب أهل مكة دهرا ، يفرد فصلا للكلام عن الغلاء والضيق الذي كان يعمّ أهل مكة حينا آخر.

وهكذا تجده يذكر من أحلّ هذا الأمر ، ومن حرّمه ، ومن أجازه ومن منعه بنفس واحد ، من أول ما وقفنا عليه من هذا الكتاب إلى آخره ، وهذا لا تجده في كتاب الأزرقي.

٨ ـ إن الجانب الأدبي ، وما أورده الفاكهي في كتابه من أشعار ، وأقوال وخطب ، شيء كثير ، ظاهر الكثرة ، فهو قد يختم بعض فصوله بما قيل في هذا الأمر من شعر ، فتراه عند ما يذكر الطواف ، لا ينسى أن يفرد فصلا في جواز انشاد الشعر في الطواف ، ثم روى لنا بعض ما قيل من شعر أثناء الطواف. وعند ما يذكر أيام منى ، ومضارب الحجّاج فيها ، ومنازلهم ، لا ينسى أن يسجّل ما قيل في ذلك من شعر.

حتى إذا ما حان وقت الرحيل عن منى ، وجعل الحجّاج يطوون خيامهم للرحيل ، يفرد الفاكهي فصلا طويلا لما قيل من شعر في مثل هذا الظرف الحزين.

وقد يطعّم الفاكهي كثيرا من الحوادث التاريخية. بما قيل فيها من شعر وكذلك عند وصفه لموضع من مواضع مكة يورد ما قيل من شعر وما إلى ذلك من دواعي إنشاء الشعر ، مع الذوق الأدبي الرفيع في اختيار المقطوعات الشعرية ، وشرح غريبها ، وأحيانا نسبتها إلى قائلها. وهذه الأمور لا تجدها بهذه السّعة عند الأزرقي.

__________________

(١) أنظر الآثار : ١١٥١ ، ١١٥٦.

٤٩

إلا أن الأمر الجدير بالتسجيل في هذا الجانب أننا وجدنا كثيرا من الأبيات الشعرية التي أنشدها الفاكهي وسمّى قائلها غير مذكورة لا في دواوين هؤلاء الشعراء ، ولا في الكتب التي أوردت شعرهم. أنظر مثلا ما أنشده لعبد الله بن الزّبعري بعد الآثار ٢١٢٦ ، ٢١٣٤ ، ٢١٣٨ وفي ٢١٧٧. حيث لم نجد هذه المقطوعات الشعرية في ديوانه ، الذي جمعه الدكتور يحيى الجبوري من أكثر من ٨٠ مرجعا.

وأنظر أيضا ما أنشده للأخطل بعد الأثر ٢٢٤٨ ، حيث لم نجده في ديوانه.

وكذا ما أنشده لرؤية بن العجاج بعد الأثر ٢٢٧٢ ، حيث لم نجده في ديوانه ولا غيره. وغير ذلك كثير.

٩ ـ عند ذكره لبعض الحوادث التاريخية ، قد يذكر ما صاحبها من أمور تخص مكة وأهلها لإعطاء صورة أوسع ، ومنظر أشمل لما يجري في مكة خلال السنة موضوع البحث.

ففي الأثر ١٨٦٦ عند ما ذكر سيلا من سيول مكة اسمه سيل أبي حنظلة ، وقد وقع سنة ٢٠٢ قال : وفي هذه السنة قتل يزيد بن محمد بن حنظلة (وكان والي مكة) في أول يوم من شعبان ، ودخل ابراهيم بن موسى مكة مقبله من اليمن. أه.

١٠ ـ شيء مهم نسجّله هنا على منهج الفاكهي ، وهو شيء طبيعي وعادي لمن يسلك المنهج الموسوعي الذي أشرنا إليه وهو أنه لم يلتزم إخراج الصحيح فقط من الأحاديث والآثار ، والأخبار ، بل أخرج الصحيح من الحديث وهو الغالب على ما رواه مرفوعا ، وقد يخرج الضعيف ، وقد يخرج الموضوع. وهو قليل جدا ، بل نستطيع أن نجزم أن الأحاديث الموضوعة في هذا الكتاب لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ، ولا يخرج ذلك في الحلال والحرام ، أو في الاستشهادات الفقهية.

أما الآثار فمنهجه فيها منهج الأحاديث المرفوعة.

وأما الأخبار فلم يلتزم فيها ما التزم في المرفوع ، فقد يخرج المنقطع والتالف من الأسانيد ، وعذره في ذلك أن هذه أخبار لا يعتمد عليها في تحليل أو تحريم ، وأي أحكام شرعية ، ومثل هذا تجوّزوا في روايته مع ذكر إسناده ، على مذهب كثير من أئمة الحديث ، ويكفينا في ذلك مثلا الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره

٥٠

وتاريخه ، فقد أخرج لأناس من الضعفاء والمتروكين في تاريخه لكنه لم يخرج لهم في التفسير.

وعلى أية حال فقد خرج الفاكهي من العهدة ببيان السند ، فجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء.

١١ ـ شيء آخر نسجّله للفاكهي على الأزرقي ، وهو أن هناك فصولا ومباحث كثيرة تعرّض لها الفاكهي ، أعرض عنا الأزرقي بالكلية ، ويكفينا للموازنة بين الكتابين في هذا المجال إلقاء نظرة فاحصة لفهرس الكتابين.

وقد تنبّه إلى هذا تقي الدين الفاسي ، فقال في «العقد الثمين» (١) : (وكتاب الفاكهي كتاب حسن جدا لكثرة ما فيه من الفوائد النفيسة وفيه غنية عن كتاب الأزرقي ، وكتاب الأزرقي لا يغني عنه ، لأنه ذكر فيه أشياء كثيرة حسنة جدا لم يذكرها الأزرقي ، وأفاد في المعنى الذي ذكره الأزرقي أشياء كثيرة لم يفدها الأزرقي).

ثم إن هناك أحداثا ذكرها الأزرقي باقتضاب ، ولكن عند ما تناولها الفاكهي فصّل فيها القول ، بما لا تجده عند الأزرقي.

ففي مبحث (البرك التي عملت بمكة وتفسير أمرها) عند ما ذكر عين زبيدة قال : (إن المأمون أمر أمير مكة أن يعمل له خمس برك في مكة أخذا من عين زبيدة) وقد فصّل الفاكهي كيفية عمل هذه البرك ، ومواضعها ، وما جرى عند افتتاحها ، بينما نرى الأزرقي اختصر هذا الحدث ، مكتفيا بالإشارة إليه.

وقد نبّه على هذا الفاسي في العقد الثمين (٢) فقال في ترجمة (صالح بن العباس ـ والي مكة ـ) بعد أن نقل كلام الأزرقي : (وقد أفاد الفاكهي غير ما سبق فنذكره) ثم ذكر كلام الفاكهي بحروفه.

وهكذا فإن في كتاب الفاكهي زيادات كثيرة جدا يصعب احصاؤها في أغلب فصوله ومباحثه ، قد لا تجد لها في كتاب الأزرقي إلا إشارات أو ذكر مقتضب وجيز.

وبذلك يصدق كلام الفاسي عند ما يقول عن كتاب الفاكهي (وما أكثر فوائده) (٣).

__________________

(١) ١ / ٤١١.

(٢) ٥ / ٢٨.

(٣) العقد الثمين ١ / ١٩.

٥١

١٢ ـ هل اعتمد الفاكهي على كتاب الأزرقي؟

سؤال يفرض نفسه في مثل هذا الظرف.

إنّ الأزرقي توفي قبل الفاكهي بعقدين من الزمن تقريبا ، والكتاب كان معروفا في مكة ، وصاحبه مشهورا ، وعلم من أعلام مكة ، فهل من المعقول أنّ الفاكهي لم يطّلع على كتاب الأزرقي؟ واذا اطّلع عليه فلماذا صنّف كتابه إذا؟ وإذا كان اطلع عليه فهل استفاد منه؟

إن الجواب على السؤال الثاني سهل ميسور ، فإذا كان اطلع عليه رأى فيه قصورا عمّا يفكّر به ، فأراد أن يصنّف ما هو أوسع وإذا لم يكن قد وقف عليه أصلا ، فهذا يدفع الفاكهي إلى التصنيف من باب أولى.

أما الإجابة عن السؤال الأول ، والثالث ، فهذا يحتاج إلى وقفة متأنية ، ونظرة فاحصة في الكتابين.

لقد صرح الفاكهي في أربعة مواضع (١) أنه روى عن شيخه عبد الله بن أحمد بن أبي مسرّة ، عن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي.

وأحمد بن محمد الأزرقي هذا (المتوفى سنة ٢١٧) هو جد الأزرقي صاحب «أخبار مكة». وجدّه في حقيقة الحال هو واضع اللبنات ، بل الهيكل العام لكتاب «أخبار مكة» ، ولم يكن دور الحفيد إلّا الترتيب والتبويب ، والرواية عن جدّه ، مع اضافات لا يستهان بها على ما ذكره جدّه.

فالفاكهي روى عن الجدّ ، ولكن ليس بواسطة الحفيد ، وهذه الروايات الأربع موجودة في أخبار مكة للأزرقي ، فلماذا إذا لم يروها عن الحفيد راوي الكتاب ومرتبه؟ لا ندري ، ولا نريد أن نتخرّص الظنون.

وبعد النظر في كتابي الأزرقي والفاكهي ، وجدنا الاثنين يقولان : قال بعض أهل مكة ، وينقلان المادة نفسها.

وقد يقول الفاكهي : قال لي رجل من أهل مكة وأعطاني كتابا عن أشياخه فيه أسماء مكة (٢) وتجد مثل هذه العبارة عند الأزرقي ، ينقل عن مشايخ أهل مكة ، ما نقله الفاكهي.

__________________

(١) أنظر الآثار : ٧٤٩ ، ١٧٤٠ ، ٢١١٢ ، ٢٤٥٦.

(٢) الأثر : ١٥٢٦.

٥٢

وقد يقول الفاكهي : (أعطاني أحمد بن محمد بن ابراهيم كتابا ذكر أنه عن أشياخه من أهل مكة فكتبته من كتابه) (١).

وتجد مثل هذه المعلومات عند الأزرقي.

وقد يقول الفاكهي : (قال بعض أهل مكة). ويسرد فصلا تجده عند الأزرقي ، وقد يزيد الفاكهي عليه قليلا ، أو كثيرا. وهذا شيء ليس بقليل في كتاب الفاكهي.

فماذا يعني هذا؟

هل يعني هذا أن الفاكهي استفاد من كل هذه الفصول من الأزرقي؟ أم يعني أن الأزرقي والفاكهي كليهما قد اعتمدا على مصدر واحد في استقاء هذه المواد في كتابيهما؟

نستطيع إلى الآن أن نرجح هذا الأخير ، أما ما هي المرجّحات فهذه هي : أولا : إنّ الفاكهي ليس مدلسا ، وقد وضّحنا ذلك في منهجه الحديثي.

ثانيا : إنّ الفاكهي قد يقول في كتابه : (قال بعض أهل مكة) ، أو (يزعم بعض أهل مكة) ، ويسرد كلاما طويلا ، ولم نجد لهذا الكلام أثرا في كتاب الأزرقي لا من قريب ولا من بعيد (٢).

فهل سقطت مثل هذه المباحث من نسخة الأزرقي المطبوعة؟

هذا بعيد ، لأن محقّق الأزرقي قد اعتمد على نسخ عديدة في إخراج الكتاب ، فاحتمال السقط من نسخة واحدة ممكن لكن من نسخ أخرى فهذا مستبعد.

ثالثا : إنّ كثيرا من الفصول التي أوردها الأزرقي والفاكهي بغير أسانيد تجدها بحروفها عند ابن رسته المتوفى في حدود سنة ٣٠٠ في كتابه «الأعلاق النفيسة».

رابعا : إنّ أبا إسحاق الحربي المتوفى سنة ٢٨٥ ينقل فصولا أيضا في كتابه

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) أنظر مثلا الخبر ١٧٨٦ ، حيث تفرد الفاكهي بذكر هذا الخبر ، ولم نجده لا عند الأزرقي ولا عند غيره. وعلى الفاكهي اعتمد الفاسي في شفاء الغرام ١ / ٨٧ في ذكر هذا الخبر ولم يشر إلى أي مصدر آخر.

٥٣

«المناسك» توافق ما ينقله الفاكهي والأزرقي وابن رسته ، ولكنه لم يوضّح مصدره في ذلك.

فالنتيجة أن هؤلاء الأربعة : الأزرقي والفاكهي والحربي وابن رسته كلهم ينقلون من مصدر واحد ، لكن واحدا منهم لم يبيّن لنا هذا المصدر ، ومن هو مؤلفه.

والذي يبدو لنا أن هذا المصدر يختص بذكر المسجد الحرام وقياساته بالذراع والأصبع قياسات محررة دقيقة ، ويتحدث عن وصف المسجد الحرام وصفا دقيقا ، والصفا ، والمروة ، وما بينهما من الأطوال والمسافات ، والمسافات بين مكة ومنى ، وبين منى ومزدلفة ، وبين مزدلفة وعرفات ، وما إلى ذلك بالميل والذراع والاصبع (١). وفي نظرنا أن هذا العمل لا يمكن لشخص واحد أن يقوم به إذا لم تساعده لجنة صابرة صادقة ، وتتولى الإنفاق عليها جهة ذات سلطة ، لأن هذه اللجنة قد حددت الأميال من مكة إلى عرفات ، ووضعت علامات الأميال (وهو بناء مرتفع بقدر ثلاثة أمتار تقريبا).

وقد ورد وصف هذه الأميال ومواضعها عند الأزرقي والفاكهي وصفا دقيقا ، ترى هل يمكن لفرد أو أفراد أن يقوموا بمثل هذا العمل لوحدهم ، دون دعم مالي ، أو بالأحرى دون تكليف رسمي تتولاه الدولة أو السلطة المسؤولة يومذاك؟

إن مثل هذا العمل لا بدّ أن تتولّاه الحكومة في ذلك البلد وتحرّره وتقيّده وتسجّله معتمدة في ذلك على خبراء مختصين ، وأمناء موثوقين وتودع هذه الوثائق والمعلومات في دواوينها.

إن مثل هذا العمل ليس مستبعدا ، بل هو الافتراض الذي يقرره الواقع ، فاستفاد كل من الفاكهي والأزرقي من هذه الوثائق والسجلات دون الإشارة إلى مصدرهما ، والله أعلم.

__________________

(١) ذلك أن المعلومات المتحدة عند هؤلاء الأربعة هو ما يتعلق بما ذكرنا.

٥٤

تقييم الجزء الأول ـ الجزء الضائع ـ من كتاب الفاكهي

إن عنوان كتاب الفاكهي هو : «أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه» كما ورد في آخر الجزء الثاني منه ، وهذا العنوان قد يلقي ضوءا على بعض ما تضمنه الجزء الأول المفقود من هذا الكتاب.

وإن الجزء الثاني الموجود الآن : تناول بإسهاب ، الحجر الأسود والمسجد الحرام ، وزمزم ، والطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، والإحرام ، والوقوف بعرفة ، وبجمع ، والمبيت بمنى ، ورمي الجمار ، وطواف الوداع ، وحكم الصيد في الحرم ، وحدود الحرم ، وقد أخذ الكلام عن هذه الأمور وأحكامها الشرعية واختلافات العلماء فيها ما يقارب ثلث الجزء الباقي من هذا الكتاب.

أما الثلثان الباقيان ، فتكلم فيهما عن خطط مكة ، منذ أن قسّمها قصي بن كلاب بين أبنائه ، وشوارع مكة ، وجبالها وآبارها. ومساجدها وعادات أهل مكة وتقاليدهم ، في المواسم والأفراح ، وحكّامها وعلمائها وقضاتها وخطبائها ، وزهّادها ، وما إلى ذلك.

وتناول جوانب تاريخية هامّة حدثت في مكة ، ولكن بعد عهد النبي صلّى الله عليه وسلم بل بعد عصر الخلفاء الراشدين على الأحرى ، فتناول جانبا من حكم بني أمية ، مثل محنة أهل مكة زمن ابن الزبير ، وحصار جيش الشام له ، وقتله ، والغلاء الذي حلّ بأهل مكة وهذا هو الحدث التاريخي السياسي الوحيد الذي فصّل الفاكهي فيه القول.

وبقيت هناك أمور كثيرة جدا لم يتعرض لها الفاكهي في الجزء الثاني من كتابه ، هذه الأمور على صلة بمكة وأهل مكة ، والبيت الحرام ، ممّا يرجح لنا أنها قد فصّل فيها القول في النصف الأول المفقود من هذا الكتاب.

٥٥

اننا نستطيع أن نفترض أن الجزء المفقود من الكتاب يتكوّن من ٢٧٥ ورقة ، لأن الجزء الثاني يبدأ بالورقة ٢٧٦.

ويمكننا كذلك أن نفترض أن تاريخ مكة القديم حتى هجرة النبي صلّى الله عليه وسلم كلّه قد بحث في المجلد الأول ، ذلك لأننا لم نر في الجزء الثاني فصولا خاصة بذلك ، اللهمّ إلا المباحث التي أوردها في بيعة النبي صلّى الله عليه وسلم للأنصار عند العقبة ، عند ما ذكر (منى ومسجدها والعقبة وما جرى عندها) وقد أورد في بيعة العقبة نصوصا طويلة تتماشى ومنهجه الموسوعي في هذا الكتاب.

وعلى هذا فمن تتبّع ما نقل عن الفاكهي ، والإشارات التي وردت في بعض المصادر التي نقلت عن الفاكهي في الجزء المفقود ، نستطيع أن نرسم صورة ما حواه الجزء المفقود ، أو نقرب إطار هذه الصورة ، وهذه أبرز فصولها :

١ ـ مكة المكرمة ، قبل مجيء ابراهيم ـ عليه السلام ـ إليها ، وماذا حدث لها أثناء طوفان نوح ـ عليه السلام ـ.

٢ ـ مجيء ابراهيم ـ عليه السلام ـ إلى مكة ، ومعه زوجه هاجر وولده اسماعيل ـ عليهم السلام ـ.

٣ ـ بناء البيت ، وكيف كان ، وقصة ذبح اسماعيل ـ عليه السلام ـ والفداء.

٤ ـ جرهم ، وزواج اسماعيل ـ عليه السلام ـ منهم ، وقصة إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع زوجات ابنه اسماعيل.

٥ ـ ذكر ولاية نزار بن معد بن عدنان للكعبة ، وأخبار مضر ، ومن ولي الكعبة منهم.

٦ ـ أخبار خزاعة ، وحكمهم لمكة ، وأخبار ملوكهم.

٧ ـ ذكر أخبار قريش ، وتولّيهم الكعبة ، وشيء من فضلهم وما وصفوا به.

٨ ـ ذكر الأحلاف التي قامت بمكة ، حلف الفضول وغيره.

٩ ـ ذكر إنساء الشهور ، ومن الذي كان يتولاه من العرب ، وصفة الإنساء.

١٠ ـ ذكر خبر قصي بن كلاب ، وذكر الحجابة والرّفادة والسقاية واللواء والقيادة.

١١ ـ ذكر حرب الفجار ، والأحابيش.

٥٦

١٢ ـ ذكر أجواد قريش في الجاهلية.

١٣ ـ ذكر الأصنام التي كانت بمكة وعددها ، وأول من أدخلها أرض العرب.

١٤ ـ عام الفيل ، وأمر أبرهة ، وقصة الطير الأبابيل.

١٥ ـ شيء من أخبار عبد المطلب ، وأبنائه.

١٦ ـ زواج عبد الله بن عبد المطلب بآمنة بنت وهب.

١٧ ـ ولادة النبي صلّى الله عليه وسلم.

١٨ ـ إراضعه ، وكفالته.

١٩ ـ سفره إلى الشام ، وقصة بحيرا الراهب.

٢٠ ـ بناء البيت ، ومشاركة النبي صلّى الله عليه وسلم فيه.

٢١ ـ زواجه بخديجة.

٢٢ ـ تحنّثه ، وابتعاثه ، وأول من أسلم ، وأخبارهم ، ثم سيرته عليه الصلاة والسلام حتى هجرته إلى المدينة المنوّرة ، وقصة الهجرة وكيف كانت.

٢٣ ـ صلح الحديبية وعمرة القضاء.

٢٤ ـ فتح مكة ، وكيف تمّ ، وقتال من قاتل من أهل مكة ، وكيف دخل النبي صلّى الله عليه وسلم مكة ، وتأمينه أهلها ، وخطبته فيهم ، إلى غير ذلك.

٢٥ ـ بناء الكعبة ، وكسوتها ، وبابها ، وصفة قفلها.

هذا جوهر ما تضمنه الجزء الضائع من أخبار مكة ، وضياعه يشكّل خسارة كبيرة لدارسي هذه الفترة من أحوال مكة وتاريخها.

ولا يظنّن ظانّ أن كل هذا الذي سطّرناه وافترضناه موجودا في الجزء الضائع من قبيل الخيال ، والاحتمالات ، بل كل هذا الذي ذكرناه يجد له إشارات ونقولا في الكتب التي اعتمدت على الفاكهي في مادتها التاريخية والعلمية ، ويكفيه أن يقرأ كتاب «شفاء الغرام» و «العقد الثمين» للفاسي ليقف على مصداق ما نقول.

وقد قمنا بمحاولة لجمع هذا الجزء الضائع من المصادر التي ذكرته ، ووقفنا على قدر لا بأس به ، وسوف يصدر ملحق لهذا الكتاب ـ إن شاء الله ـ.

٥٧

فمن المراجع التي جردناها :

١ ـ «معجم ما استعجم» للبكري.

٢ ـ «معجم البلدان» لياقوت الحموي.

٣ ـ «العقد الثمين».

٤ ـ «شفاء الغرام» ، وكلاهما للفاسي.

٥ ـ «فتح الباري في شرح صحيح البخاري».

٧ ـ «تغليق التعليق» ، وثلاثتها لابن حجر.

٨ ـ «عمدة القارئ» ، للعيني.

٩ ـ «إتحاف الورى في أخبار أم القرى» ، للنجم عمر بن فهد.

١٠ ـ «الدرّ المنثور» ،

١١ ـ و «تاريخ الخلفاء» ، وكلاهما للسيوطي.

١٢ ـ «سبل الهدى والرشاد» ، للصالحي.

١٣ ـ «الإعلام بأعلام بيت الله الحرام» ، للنهروالي.

١٤ ـ «إعلام العلماء الأعلام» ، لعبد الكريم القطبي.

١٥ ـ «سمط النجوم العوالي» ، لعبد الملك العصامي.

١٦ ـ «منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم» للسنجاري.

وقد جردنا كتبا أخرى مثل :

ـ «القرى لقاصد أم القرى» ، للطبري (محبّ الدين).

ـ «الاستيعاب» ، لابن عبد البر.

ولم نجد فيها ما يضيف شيئا للجزء المفقود.

٥٨

المبحث الرابع

موارده في هذا الكتاب

روى الفاكهي عن أئمة مشهورين بالتصنيف في الحديث والأخبار ، والأنساب وغير ذلك.

ومع أن الفاكهي لا يصرح بأسماء المصنّفات التي استفاد منها لكن يمكن الوصول إلى معرفة عدد منها ، لأنه أسند معظم مروياته.

وقد صرّح في بعض الأحيان ببعض تلك الموارد. ومن ذلك ما يلي :

١ ـ كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لبديل بن ورقاء الخزاعي ، الذي رواه عن بديل أحفاده.

فقال (١) : حدّثني عبد الرحمن بن محمد ، عن أبيه محمد بن عبد الرحمن ، عن أبيه عبد الرحمن بن محمد ، عن أبيه محمد بن بشير ، عن أبيه بشير بن عبد الله ، عن أبيه عبد الله بن سلمة ، عن أبيه سلمة بن بديل بن ورقاء ، قال : قال سلمة : دفع إليّ بديل بن ورقاء هذا الكتاب ، وقال : يا بني هذا كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم ... الخ.

٢ ـ في الأثر ٧٠٨ روى بسنده إلى عكرمة ، مولى ابن عباس. قال : وجدت في كتاب ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ ثم ذكر كلاما طويلا في وداع المسجد الحرام وآدابه.

٣ ـ الأثر ١٦٩٠ نقل بسنده إلى وهب بن منبّه أنه قرأ صحيفة جابر ابن عبد الله.

٤ ـ قال الفاكهي في ذكر أسماء زمزم : أعطاني أحمد بن محمد بن ابراهيم كتابا ، وذكر أنه عن أشياخه من أهل مكة ، فكتبته من كتابه ... الخ (٢).

__________________

(١) أنظر الأثر ١٨٥٦.

(٢) أنظر بعد الأثر ١١٦٥.

٥٩

٥ ـ في الخبر ١٧٨٦ قال : وجدت هذا في كتاب أعطانيه بعض المكّيين ، عن أشياخهم يذكر هذا.

٦ ـ قال في الخبر ١٥٢٦ : قال لي رجل من أهل مكة ، وأعطاني كتابا عن أشياخه فيه أسماء مكة.

٧ ـ ذكر حادثة جرت في جدّة ثم قال : وجدت هذا في كتاب أعطانيه بعض المكيّين (١) ، ثم ان هناك موارد شفوية اعتمدها الفاكهي في كتابه ، فقد ذكر في الأثر ١٨٦٦ عن أبيه وصفا لسيل جاء إلى مكة سنة ٢٠٢ وذكر في الأثر ٢٥٠٩ حادثة تتعلق بأحد شعاب مكة ، ثم قال : سمعت رجلا بصريا يقول ذلك.

وفيما يلي ذكر أهم موارد كتابه التي لم يصرّح بها ، وقد رتّبت المؤلفين تبعا لسنيّ وفياتهم :

ـ عبد الله بن عمرو بن العاص (ت ٦٥) :

صحابي جليل ، مشهور ، له صحيفة كتبها عن النبي صلّى الله عليه وسلم تسمّى : «الصحيفة الصادقة».

أورد الفاكهي له ٧٧ نصّا ، أكثرها من طريق : عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه عبد الله بن عمرو.

ومن طريق : مجاهد عنه.

ومن طريق : يعلى بن عطاء الطائفي ، عن أبيه ، عنه ، وغير ذلك.

ـ جابر بن عبد الله الأنصاري (ت ٧٨) :

صحابي معروف ، له صحيفة كتبها عن النبي صلّى الله عليه وسلم.

أورد له الفاكهي ١٠٠ نصّا من طريق : محمد بن جعفر ، عن أبيه ، عن جابر.

ومن طريق : أبي الزبير المكّي عن جابر.

ومن طريق : عاصم بن عبيد الله عنه.

ومن طريق : ابن أبي مليكة عنه ، وغير ذلك.

__________________

(١) أنظر الخبر بعد الرقم ١٧٨٦.

٦٠