شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

محمّد بن أبي بكر الدماميني

شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أبي بكر الدماميني


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣

٤

ـ حرف السين المهملة ـ

* السين المفردة : حرف يختصّ بالمضارع ، ويخلّصه للاستقبال ، وينزل منه منزلة الجزء ؛ ولهذا لم يعمل فيه مع اختصاصه به ، وليس مقتطعا من «سوف» خلافا للكوفيّين ،

______________________________________________________

(حرف السين المهملة)

(السين المهملة حرف يختص به المضارع) فلا يوجد في غيره أصلا (ويخلصه للاستقبال) بعد أن كان قبل وجوده صالحا له للحال ، فإن قلت : يقدح في ذلك قول الشاعر :

فإني لست خاذلكم ولكن

سأسعى الآن إذ بلغت مناها (١)

فإن الآن للزمن الحاضر فيدفع الاستقبال ، قلت : قد اعتذر عنه بأن مراده بالآن التقريب قال في «الجنى الداني» وقد لا يحتاج إلى التأويل بالتقرب بل يقال : إنه مقدر بمن كأنه قال : سأسعى من الآن قلت : فيستحيل المعنى حينئذ ؛ لأن السعي مستقبل بشهادة السين فكيف يكون ابتداؤه زمانا خاليا ، وما هو إلا بمنزلة أن يقال سأسير غدا من الآن مريدا بالآن حقيقته من غير تأويل ، واستحالته ظاهرة (ويتنزل منه منزلة الجزء) فكأنه بعض أجزاء المضارع (ولهذا لم يعمل فيه مع اختصاصه به) وكل حرف اختص باسم أو فعل عمل فيه ، فتخلف العمل هنا لهذا العارض (وليس مقتطعا من سوف خلافا للكوفيين) فإنهم ادّعوا أن السين في نحو : سيقوم زيد مأخوذ من سوف ، فالتنفيس في الحقيقة إنما هو بسوف ، ولكن حذف ما عدا صدرها تخفيفا ورجح ابن مالك مذهبهم بأنا قد اجتمعنا على أن سف وسو وسي فروع سوف ، فلتكن السين فرعها لئلا يلزم التخصيص من غير مخصص ، قال وقال بعضهم : لو كانت السين بعض سوف لكانت مدة التسويف بهما سواء ، وليس كذلك بل هي بسوف أطول فكانت كل واحدة أصلا برأسها ، وزيفه ابن مالك بأنها دعوى مردودة بالقياس والسماع.

أما القياس فهو أن الماضي والمستقبل متقابلان ، والماضي إنما يقصد به مطلق المضي دون تعرض لقرب الزمان وبعده ، فينبغي أن لا يقصد بالمستقبل إلا مطلق الاستقبال دون تعرض لقرب الزمان ، وبعده ليجري المتقابلان على سنن واحد ، والقول بتوافق سيفعل وسوف يفعل مصحح لذلك ، فكان المصير إليه أولى.

وأما السماع فتعاقب سيفعل وسوف يفعل على المعنى الواحد في وقت واحد ، قال الله

__________________

(١) البيت من البحر الوافر ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٩ ، ورصف المباني ص ٣٩٧. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٨ / ٢٨٢.

٥

ولا مدّة الاستقبال معه أضيق منها مع سوف خلافا للبصريين ، ومعنى قول المعربين فيها «حرف تنفيس» حرف توسيع ، وذلك أنها تقلب المضارع من الزمن الضيق ـ وهو الحال ـ إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال. وأوضح من عبارتهم قول الزمخشريّ وغيره «حرف استقبال». وزعم بعضهم أنها قد تأتي للاستمرار لا للاستقبال ، ذكر ذلك في قوله تعالى : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) [النساء : ٩١] الآية ، ...

______________________________________________________

تعالى : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ١٦٤] وقال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ١٦٢] وكأن المصنف ارتضى ما ذهب إليه ابن مالك من أن التنفيس المستفاد منهما غير متفاوت فقال : (ولا مدة الاستقبال معه أضيق منها مع سوف خلافا للبصريين) وقد نوقش ابن مالك بأن قياس أحد المتقابلين على الآخر لا يجدي شيئا ؛ لجواز أن يكون كل منهما مختصا بحكم مقابل لحكم مقابله مع كونهما مشتركين في حكم واحد ، مع أنه قاس بلا جامع صحيح فلا يلتفت إلى ما قاسه ، وأيضا قاس المضارع المقترن بالأداة الموجبة للتخصيص على الماضي المطلق الخالي منها ، وليس ذلك بصحيح فإن الماضي إذا كان خاليا من الأداة كقد مثلا دل على المضي المطلق ، وإذا اقترن بها دل على المضي القريب من الحال ، وهو في اختلاف حالتيه كالمضارع فإنه يختلف معناه بحسب خلوه عن الأداة واقترانه بها.

وأما دليله السماعي فليس بقاطع لجواز أن يكون المقيد بسوف متراخيا لطائفة من المؤمنين ، وبالسين غير متراخ كثيرا لطائفة أخرى ؛ إذ ليس ثم ما يدل على أن كلتيهما الطائفة واحدة بالتشخيص والتعيين (ومعنى قول المعربين فيها) اقتداء بسيبويه (حرف تنفيس) أي : هي حرف تنفيس أو السين حرف تنفيس ، هذه الجملة معمول القول وقوله : (حرف توسيع) خبر المبتدأ المتقدم الذي هو المضاف من قوله : معنى قول المعربين على حذف مبتدأ أي : هي حرف توسيع ، والمراد من هذه الجملة لفظها باعتبار معناه ، وهي عين المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى رابط أي : قول المعربين هي حرف تنفيس معناه هي حرف توسيع ، والحاصل تفسير التنفيس بالتوسيع يقال : نفست الخناق إذا وسعته (وذلك أنها نقلت) من النقل وفي بعض النسخ : تقلب من القلب (المضارع من الزمن الضيق وهو الحال أي : الزمن الواسع وهو الاستقبال وأوضح من عبارتهم قول الزمخشري وغيره حرف استقبال) وقد أسلفنا أن أولئك المعربين اقتدوا في ذلك بسيبويه إمام النحاة (وزعم أنها قد تأتي للاستمرار لا للاستقبال ، ذكر ذلك في قوله تعالى : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) [النساء : ٩١] الآية) يعني قوله تعالى : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها) [النساء : ٩١] والمراد بهؤلاء الآخرين على ما في «الكشاف» وغيره قوم من أسد وغطفان ، كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا يأمنوا المسلمين فإذا رجعوا

٦

واستدلّ عليه بقوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ) [البقرة : ١٤٢] مدّعيا أن ذلك إنما نزل بعد قولهم (ما وَلَّاهُمْ) [البقرة : ١٤٢] قال : فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا بالاستقبال ، انتهى.

وهذا الذي قاله لا يعرفه النحويّون ، وما استند إليه من أنها نزلت بعد قولهم : (ما وَلَّاهُمْ) غير موافق عليه ، قال الزمخشريّ : فإن قلت : أي فائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه؟

قلت : فائدته أن المفاجأة للمكروه أشد ، والعلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع ، انتهى.

ثم لو سلّم فالاستمرار إنما استفيد من المضارع ، كما تقول : «فلان يقري الضيف ويصنع الجميل» تريد أن ذلك دأبه ، ...

______________________________________________________

إلى قومهم كفروا ونكثوا عهدهم ، وقضية ذلك أن يكون المراد الإخبار باستمرار وجود المؤمنين لهؤلاء الآخرين على تلك الحالة (واستدل) هذا الزعم (عليه) أي على مجيء السين للاستمرار في بعض الأحيان (بقوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [البقرة : ١٤٢] مدعيا أن ذلك إنما نزل بعد قولهم ما ولاهم قال : فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا بالاستقبال انتهى) كلام هذا الزاعم (وهذا الذي قاله) من أن السين قد تأتي للاستمرار لا للاستقبال (لا يعرفه النحويون ، وما استند إليه) في إثبات زعمه بهذه الآية (من أنها نزلت من بعد قولهم غير موافق عليه ، قال الزمخشري فإن قلت : أي فائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه؟ قلت : فائدته أن المفاجأة للمكروه أشد والعلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع) ؛ لما يتقدمه من توطين النفس ، وأن الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم وأرد لشغبه ، وقبل الرمي براشي السهم (انتهى) كلام الزمخشري ، وهو نص في نزول الآية قبل قولهم ووافقهم جدي صاحب «الانتصاف» على ذلك قال : ولهذا أدرج النظار في أثناء مناظراتهم العمل بالمقتضي الذي هو كذا السالم عن معارضة كذا ، فيسلفون رد المعارض قبل ذكر الخصم له ، وهذه الآية أحسن ما يستدل به عليه هذا كلامه رحمه‌الله تعالى (ثم ولو سلم) ولا محل للواو هنا ، والظاهر أنها زائدة ، فإن قلت : لعلها للعطف أي : ثم لا نسلم أنها في الآية للاستمرار ولو سلم (فالاستمرار إنما استفيد من المضارع) لا من السين قلت : يلزم عليه حذف المعطوف بدون عاطفه وهو باطل (كما تقول : فلان يقري الضيف) بفتح الياء من يقري مضارع قرى الضيف إذا أحسن إليه (ويصنع الجميل يريد أن ذلك دأبه) أي : عادته وشأنه وهو بفتح الدال المهملة وإسكان الهمزة.

٧

والسين مفيدة للاستقبال ، إذ الاستمرار إنما يكون في المستقبل. وزعم الزمخشري أنها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة ؛ ولم أر من فهم وجه ذلك ، ووجهه أنها تفيد الوعد بحصول الفعل ، فدخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتض لتوكيده وتثبيت معناه ...

______________________________________________________

قال الجوهري : وقد تفتح وكلام المصنف مقتض لإفادة المضارع الاستمرار ، سواء كان مبنيا كما في هذا المثال أو لم يبن عليه كما في الآية ، ووجهه أن إفادته للاستمرار إنما هي من اقتضاء المقام ، فحيث اقتضاه حمل عليه سواء بني على مبتدأ أو لم يبن عليه ، ويدل عليه قولهم في قوله تعالى : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) [الحجرات : ٧] أن المضارع فيه للاستمرار ، وقرره التفتازاني على وجهين :

أحدهما أن يكون معناه أن امتناع عنتكم بسبب امتناع استمراره على إطاعتكم ، قال : فإن المضارع يفيد الاستمرار ودخول لو عليه يفيد امتناع الاستمرار.

وثانيهما أن يكون الفعل امتناع الإطاعة يعني : أن امتناع عنتكم بسبب امتناع استمراره ، قال : لأنه كما أن المضارع المثبت يفيد استمرار الثبوت ، يجوز أن يفيد المنفي والداخل عليه لو استمرار الامتناع ، كما أن الجملة الاسمية تفيد تأكيد الثبوت ودوامه ، والمنفية تفيد تأكيد النفي ودوامه لا نفي التأكيد والدوام كقوله تعالى : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٨] ردا لقولهم إنا آمنا على أبلغ وجه وآكده إلى هنا كلامه (والسين مفيدة للاستقبال) فيكون المراد من سيقول السفهاء استمرار قولهم في الزمن المستقبل ؛ (إذ الاستمرار إنما يكون في المستقبل) وفيه نظر لانتقاضه بنحو (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) [الحجرات : ٧] إذ لا استمرار فيه بالنسبة إلى الزمن الماضي ، ولعله لا يريد بهذا الكلام كونه كليا وإنما يريد أن الاستمرار في سيقول السفهاء أن يكون في المستقبل ، فلا يرد النقض (وزعم الزمخشري أنها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة) ونقل عنه بعض الشارحين لكلامه أنه قال : دلالة السين على التأكيد من جهة كونها في مقابلة لن ، قال سيبويه : لن أفعل نفي سأفعل قلت : وفي «الصحاح» أن الخليل زعم أن السين جواب لن (ولم أر من فهم وجه ذلك) وقد عرفت أن فيما نقل عن الزمخشري في خارج «الكشاف» إشارة إلى توجيه ما قاله فيه (ووجهه أنها) أي أن السين (تفيد الوعد بحصول الفعل فدخولها على ما يفيد الوعد) نحو : سأكرمك (أو الوعيد) نحو : سيعاقب الظالم (مقتض لتوكيده وتثبيت معناه) ؛ لأنه إخبار على إخبار والمتعلق واحد ، وهذا ظاهر حيث تدخل على المحبوب فإنه وعد ، وأما حيث تدخل على المكروه الذي هو وعيد فكيف تفيد تأكيده وهي للوعد المباين للوعيد؟ وكأنه أراد بالوعد الذي تفيده السين مجرد الإخبار بوقوع ما تدخل عليه ، لا الوعد

٨

وقد أومأ إلى ذلك في سورةالبقرة فقال في : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) [البقرة : ١٣٧] : ومعنى السين أن ذلك كائن لا محالة وإن تأخّر إلى حين ؛ وصرّح به في سورةبراءة فقال في : (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) [التوبة : ٧١] : السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة ، فهي تؤكّد الوعد كما تؤكّد الوعيد إذا قلت «سأنتقم منك».

* (سوف) مرادفة للسين ، أو أوسع منها على الخلاف ، وكأن القائل بذلك نظر إلى أنّ كثرة الحروف تدل على كثرة المعنى ، وليس بمطّرد ، ويقال فيها : «سف» بحذف الوسط ، و «سو» بحذف الأخير ، ...

______________________________________________________

المقابل للوعيد فتأمل (وقد أومأ) أي : أشار وهو مهموز الآخر قال الجوهري : ولا تقل : أوميت (إلى ذلك في سورةالبقرة فقال في (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) [البقرة : ١٣٧] معنى السين أن ذلك كائن لا محالة وإن تأخر إلى حين ، وصرح به في سورةبراءة فقال في) قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) [التوبة : ٧١] السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة فهي تؤكد البعض ، كما تؤكد الوعيد إذا قلت : سأنتقم منك) يوما تعني أنك لا تفوتني وإن تباطأ ذلك ، ونحوه : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) [مريم : ٩٦](وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) [الضحى : ٥](سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) [النساء : ١٥٢] انتهى ، والذي رأيته الآن في نسخة معتمدة من «الكشاف» كما تؤكد الوعيد في قولك سأنتقم منك اه.

(سوف)

(مرادفة للسين أو أوسع منها على الخلاف) المتقدم بين البصريين والكوفيين (وكأن القائل بذلك) أي : بأن الزمان المستقبل معها أوسع منه مع السين (نظر إلى أن كثرة الحروف تدل على كثرة المعنى) قال الزمخشري : ومما طن أذني من ملح العرب أنهم يسمون مركبا من مراكبهم الشقدف ، وهو مركب خفيف ليس في ثقل محامل العراق ، فقلت في طريق الطائف لرجل منهم : ما اسم هذا المحمل أردت المحمل العراقي؟ فقال : أليس اسم ذلك الشقدف قلت بلى قال : فهذا اسمه الشقنداف يزاد في بناء الاسم لزيادة المسمى (وليس) لهذا الذي نظر إليه هذا القائل (بمطرد) ألا ترى أن حذرا يدل على المبالغة دون حاذر مع أن الثاني أكثر حروفا من الأول وقد يقال : لا يعنون اطراده إلا فيما إذا كان اللفظان المتلاقيان في الاشتقاق متحدي النوع في المعنى ، كغرث وغرثان وصد وصديان ورحيم ورحمان ، لا كحذر وحاذر للاختلاف (ويقال فيها : سف محذوف الوسط) كما قالوا في منذ مذ بحذف وسطها حكى هذه اللغة في سوف الكوفيون (وسو بحذف الأخير) وأنشدوا شاهدا عليه قول الشاعر :

٩

و «سي» بحذفه وقلب الوسط ياء مبالغة في التخفيف ، حكاها صاحب المحكم.

وتنفرد عن السين بدخول اللام عليها نحو : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (٥) [الضحى : ٥] ، وبأنها قد تفصل بالفعل الملغى ، كقوله [من الوافر] :

وما أدري وسوف إخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء؟

______________________________________________________

فإن أهلك فسو تجدون بعدي

وإن أسلم يطب لكم المعاش (١)

قال بعضهم هو شاذ وحذف الفاء ضرورة ، ورد بأن الكسائي نقل عن أهل الحجاز سو أفعل بحذف الفاء في غير ضرورة فدل على أنها لغة (وسي بحذفه) أي : حذف الأخير (وقلب الوسط) وهو الواو (ياء مبالغة في التخفيف حكاها صاحب المحكم.

وتنفرد) سوف (عن السين بدخول اللام عليها ، نحو وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ) (رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى : ٥] ولا تدخل اللام في السين قيل : لئلا يجتمع حرفان على حرف واحد مفتوحان زائدان على الكلمة ، ولشدة اتصال بعضها ببعض واتصالهما بالكلمة ربما أدى ذلك في بعض الكلمات إلى اجتماع أربع متحركات ، نحو : لسيتكلم فتثقل الكلمة ولذلك سكن آخر الفعل في نحو : ضربت ، فطرحوا دخول اللام على السين لذلك قال في «الجنى الداني» وقد سمع وقوع السين في موضع لم تسمع فيه سوف ، وهو خبر عسى في قوله :

عسى طيء من طيء بعد هذه

ستطفىء غلات الكلى والجوائح (٢)

وسيأتي هذا البيت في عسى (وبأنها) أي : وتنفرد سوف عن السين بأنها (قد تفصل) عن مدخولها (بالفعل الملغى كقوله :

وما أدري وسوف إخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء) (٣)

الأصل وسوف أدري ثم فصل بين سوف وأدري بالفعل الملغى بل بالجملة الذي ألغى عمل فعلها ، وهي إخال ولا يجوز مثل ذلك في السين وهو دليل على أشدية اتصالها بالنسبة إلى سوف.

__________________

(١) البيت من البحر الوافر ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٥٨ ، والدرر ٥ / ١٢٧ ، ورصف المباني ص ٣٩٧. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٤ / ١٠٦.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو لقسام بن رواحة في خزانة الأدب ٩ / ٣٤١ ، والدرر ٢ / ١٤٨ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٦٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٠. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٢ / ١٥٣.

(٣) تقدم تخريجه.

١٠

* (سيّ) من «لا سيّما» ـ اسم بمنزلة «مثل» وزنا ومعنى ، وعينه في الأصل واو ، وتثنيته سيّان ، وتستغني حينئذ عن الإضافة كما استغنت عنها مثل في قوله [من البسيط] :

من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان

واستغنوا بتثنيته عن تثنية «سواء» ، فلم يقولوا سواآن إلا شاذّا كقوله [من الطويل] :

١ ـ فيا ربّ إن لم تقسم الحبّ بيننا

سواءين فاجعلني على حبّها جلدا

وتشديد يائه ودخول «لا» عليه ودخول الواو على «لا» واجب ، قال ثعلب : من استعمله على خلاف ما جاء في قوله [من الطويل] :

______________________________________________________

(سي)

(من لا سيما اسم بمنزلة مثل وزنا ومعنى وعينه في الأصل واو) بدليل أمثلة الاشتقاق نحو : استويا وتساويا وهما مستويان ومتساويان وسواء ، إلا أنه اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون ، فوجب قلب الواو ياء وإدغامها في الياء أو تقول : قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها (وتثنية) أي : وصاحب تثنية أي : مثناة (سيان ويستغنى) بالبناء للفاعل أي : يستغنى سي (حينئذ) أي : حين إذ يثنى (عن الإضافة كما استغنت عنها مثل) عند التثنية (في قوله) :

من يفعل الحسنات الله يشكرها

(والشر بالشر عند الله مثلان) (١)

والشر مبتدأ خبره بالشر وعند الله متعلق به ، ومثلان خبر مبتدأ محذوف أي : هما مثلان (واستغنوا بتثنيته) أي : تثنية سي حيث قالوا : سيان (عن تثنية سواء ، فلم يقولوا سواآن إلا شاذا كقوله :

فيا رب إن لم تجعل الحب بيننا

سواأين فاجعلني على حبها جلدا) (٢)

الجلد بفتح الجيم وإسكان اللام هو الشديد الصلب ، يقال : جلد الرجل بالضم جلدا بالفتح وجلادة أي صلب فهو جلد (وتشديد يائه ودخول لا عليه ، ودخول الواو على لا واجب قال ثعلب : من استعمله على خلاف ما جاء في قوله) أي قول امرىء القيس :

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو لمجنون ليلى في ديوانه ص ٩٤ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٣٣١ ، ولسان العرب ١٤ / ٤١٠ (سوا) ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٢٣٨. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٢ / ٢١٠.

١١

٢ ـ [ألا ربّ يوم صالح لك منهما]

ولا سيّما يوم بدارة جلجل

فهو مخطىء ، ا ه.

وذكر غيره أنه قد يخفّف ، وقد تحذف الواو ، كقوله [من البسيط] :

٣ ـ فه بالعقود وبالأيمان ، لا سيما

عقد وفاء به من أعظم القرب

وهي عند الفارسيّ نصب على الحال ؛ فإذا قيل «قاموا لا سيّما زيد» فالناصب قام ، ولو كان كما ذكر لامتنع دخول الواو ، ...

______________________________________________________

ألا رب يوم منهم لك صالح

(ولا سيما يوم بدارة جلجل (١)

فهو مخطىء اه) كلام ثعلب ، ودارة جلجل : اسم لغدير معين ، يريد أنه ظفر من النساء في أيام كثيرة بالعيش الصالح الناعم لكن يوم دارة جلجل كان أحسن تلك الأيام (وذكر غيره أنه قد يخفف) بحذف يائه الأولى فيكون محذوف العين كسه ، ولا يجعل محذوف اللام كيد ودم ، فإن قلت : لم لم يجعل من الثاني ويقدر بقاء الياء على ترك الاعتداد بعارض الحذف ؛ لأنها قد صارت آخر الاسم؟ قلت : لأن ذلك تكلف لا موجب له (وقد تحذف الواو) الواقعة قبل لا (كقوله :

فه بالعقود وبالأيمان لا سيما

عقد وفاء به من أعظم القرب) (٢)

فاجتمع فيه الأمران تخفيف سي وحذف الواو ، وفه فعل أمر من وفي يفي والهاء إنما ينطق بها في الوقف ، فتكتب بالهاء كذلك ولا ينطق بها في الوصل عند الإنشاء ، والمسألة مشهورة في علم الخط ، وقد استعملها أبو العلاء المعري مخففة لكن مع إثبات الواو حيث قال :

وللماء الفضيلة كل حين

ولا سيما إذا اشتد الأوار (٣)

الأوار بضم الهمزة حر العطش (وهو) أي : سي الواقع بعد لا (عند الفارسي نصب) أي منصوب والظرف متعلق به ، يعني أنه منصوب عند الفارسي (على الحال فإذا قيل : قاموا لا سيما زيدا فالناصب قام ، ولو كان كما ذكر لامتنع دخول الواو) لأن الحال حينئذ مفردة والواو لا

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٠ ، والجنى الداني ص ٣٣٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٤٤ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٩٣.

(٢) البيت من البحر البسيط ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٨٨ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٤٧ ، والدرر ٣ / ١٨٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٣٥.

(٣) البيت من البحر الوافر ، ولم أجده.

١٢

ولوجب تكرار «لا» كما تقول : «رأيت زيدا لا مثل عمرو ولا مثل خالد» ؛ وعند غيره هو اسم لـ «لا» التّبرئة ، ويجوز في الاسم الذي بعدها الجرّ والرفع مطلقا ، والنصب أيضا إذا كان نكرة ، وقد روي بهنّ :

ولا سيّما يوم

والجرّ أرجحها ، وهو على الإضافة ، و «ما» زائدة بينهما مثلها في : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) [القصص : ٢٨] ، والرفع على أنه خبر لمضمر محذوف ، و «ما» موصولة أو نكرة موصوفة بالجملة ، ...

______________________________________________________

تدخل عليها ، لا تقول : قام زيد وضاحكا وقد ثبت دخول الواو حيث قالوا : قام القوم ولا سيما زيد فدل ذلك على بطلان النصب على الحال في هذا الكلام (ولوجب تكرار لا) ؛ لأنها إذا دخلت مفردا خبرا أو صفة أو حالا وجب تكرارها ، وقد فرض كون الحال في المثال المذكور مفردة فيجب التكرار (كما تقول : رأيت زيدا لا مثل عمرو ولا مثل خالد) والواقع أن لا في ذلك التركيب غير متكرر ، فدل أيضا على بطلان النصب على الحال في ذلك ، قلت : وقد كرر المصنف هذين الاعتراضين في حرف الميم عند كلامه على ما الزائدة ، ويمكن أن يجاب عنهما.

أما عن الأول فبأن سيا عند دخول الواو لا يكون منصوبا على الحال بل يكون اسم لا التبرئة والخبر محذوف ، والجملة حال فلم يلزم حينئذ دخول واو الحال على اسم مفرد.

وأما عن الثاني فبأن لا تكررت معنى لا لفظا والتكرار اللفظي غير مشترط على ما ذهب إليه الزمخشري في قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (١١) أنه في معنى فلا فك رقبة ولا أطعم مسكينا ، ووجه ذلك هنا أن قولك : قام القوم لا مماثلين زيدا في معنى قولك : قاموا لا مساوين لزيد في حكم القيام ولا أولى بالحكم (وعند غيره هو اسم للا التبرئة) كما هو عنده كذلك إذا دخلت الواو على ما قررناه (ويجوز في الاسم الذي بعدها) وهو التالي لما (الجر والرفع مطلقا) فيهما أي : سواء كان ذلك الاسم المجرور أو المرفوع معرفة أو نكرة (والنصب أيضا) لا مطلقا بل (إذا كان نكرة ، وقد روي بهن) يوم من قول امرىء القيس (ولا سيما) يوم في البيت الذي تقدم إنشاده (فالجر أرجحها وهو على الإضافة) أي : إضافة سي إلى يوم كأنه قال : ولا مثل يوم (وما زائدة بينهما) أي بين المضاف والمضاف إليه (مثلها في أيما الآجلين) فإن أيا مضاف إلى الأجلين وما زائدة بينهما.

(والرفع على أنه خبر لمضمر محذوف ، وما موصولة أو نكرة موصوفة بالجملة) وهذا من باب التنازع ، فإن كلا من موصولة وموصوفة يطلب هذا المعمول ، وهو قوله بالجملة فأعمل

١٣

والتقدير : ولا مثل الذي هو يوم ، أو لا مثل شيء هو يوم ، ويضعفه في نحو : «ولا سيّما زيد» حذف العائد المرفوع مع عدم الطّول ، وإطلاق «ما» على من يعقل ؛ وعلى الوجهين ففتحة «سيّ» إعراب ؛ لأنّه مضاف ، ...

______________________________________________________

الثاني على المختار وحذف من الأول أي : وما موصولة بالجملة أو نكرة موصوفة بالجملة (والتقدير : ولا مثل الذي هو يوم أو ولا مثل شيء هو يوم) وهذا مع المتقدم من قبيل اللف والنشر المرتب (ويضعفه في نحو : لا سيما زيد) لا في نحو زيد المتقدم على غيره في الفصل (حذف العائد المرفوع مع عدم الطول) أي : مع عدم طول الصلة ، وهو في غير أي الموصولة شاذا ، أما مع الطول كالمثال الذي ذكرناه فلا شذوذ (وإطلاق ما على من يعقل) والتزم حذف العائد ، والتزام كون الصلة جملة اسمية وكلاهما غير معهود ، وقد مر الكلام على ذلك في أي (وعلى الوجهين) وجه الجر ووجه الرفع أي : وإذا بنينا على هذين الوجهين (ففتحة سي إعراب ؛ لأنه مضاف) إما إلى الاسم المجرور بعد ما أو إلى نفس ما موصولة ، أو موصوفة وخبر لا محذوف فمعنى قولك : جاءني القوم ولا سيما زيد أي : ولا مثل زيد موجود ، أو ولا مثل الذي هو زيد موجود بين القوم الذي جاؤوني ، أي : هو كان أخص بي وأشد إخلاصا بي في المجيء.

قال الرضي : وتصرف في هذه اللفظة تصرفات كثيرة ، لكثرة استعمالها فقيل : سيما ولا سيما بتخفيف الياء مع وجود لا وحذفها ، وقد ينحذف ما بعد لا سيما على جعله بمعنى خصوصا ، فيكون منصوب المحل على أنه مفعول مطلق ، وذلك كما وقع في باب الاختصاص من نقل نحو أيها الرجل من باب النداء إلى باب الاختصاص ؛ لجامع بينهما معنوي فصار في نحو أنا أفعل كذا أيها الرجل منصوب المحل على الحال ، مع بقاء ظاهره على الحالة التي كان عليها من ضم أي ورفع الرجل ، كذلك لا سيما ههنا يكون باقيا على نصبه الذي كان له بحسب الأصل حين كان اسم لا التبرئة ، مع كونه منصوب المحل على المصدر لقيامه مقام خصوصا ، فإذا قلت : أحب زيدا ولا سيما راكبا فهو بمعنى وخصوصا راكبا فراكبا حال من مفعول الفعل المقدر ، أي : وأخصه بزيادة المحبة خصوصا راكبا ، وكذا في نحو : أحبه ولا سيما وهو راكب ، وكذا قولك أحبه ولا سيما إن ركب أي : وخصوصا إن ركب وجواب الشرط مدلول عليه بخصوصا أي : إن ركب أخصه بزيادة المحبة ، ويجوز أن يجعل بمعنى المصدر اللازم أي : اختصاصا فيكون معناه واختصاصا راكبا أي : ويختص بفضل محبتي راكبا.

وعلى هذا ينبغي أن يؤول ما ذكر عن الأخفش أعني قوله : إن فلانا لكريم لا سيما إن أتيته قاعدا أي : يختص بزيادة الكرم اختصاصا في حال قعود ، ويجوز مجيء الواو قبل لا سيما إذا جعلته بمعنى المصدر ، وعدم مجيئها إلا أن مجيئها أكثر وهي اعتراضية كما ذكرنا ، ويجوز أن

١٤

والنّصب على التمييز كما يقع التمييز بعد مثل في نحو : (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [الكهف : ١٠٩] ، و «ما» : كافّة عن الإضافة ، والفتحة بناء مثلها في «لا رجل» ، وأما انتصاب المعرفة نحو : «ولا سيما زيدا» فمنعه الجمهور ؛ وقال ابن الدهّان : لا أعرف له وجها ، ووجّهه بعضهم بأن «ما» كافّة ، وأن «لا سيما» نزلت منزلة «إلّا» في الاستثناء ، وردّ بأن المستثنى مخرج ، وما بعدها داخل من باب أولى ؛ وأجيب بأنه مخرج مما أفهمه الكلام السابق من مساواته لما قبلها ، وعلى هذا فيكون استثناء منقطعا.

______________________________________________________

يكون عطفا والأول أولى وأعذب إلى هنا كلامه.

قلت : ولا أعرف أحدا ذهب إلى ما ذكره من أن لا سيما منقول من باب لا التبرئة إلى باب المفعول ، وقال ابن قاسم : وما يوجد في كلام بعض المصنفين من قولهم : لا سيما والأمر كذا تركيب غير عربي ، والرضي قد أجازه فتأمله (والنصب على التمييز) ؛ لأن سيما بمعنى مثل ، فهو مبهم يحتاج إلى التمييز فيقع بعده (كما يقع التمييز بعد مثل في نحو (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) وما كافة) لسي (عن الإضافة والفتحة بناء) ؛ لأنه حينئذ مفرد غير مضاف ولا مشبه بالمضاف (مثلها في لا رجل.

وأما انتصاب المعرفة نحو ولا سيما زيدا فمنعه الجمهور) لفقدان ما يقتضي النصب.

(وقال ابن الدهان لا أعرف له وجها) وقد يوجه بأن ما تامة بمعنى شيء ، والنصب بتقدير الرأي ، ولا مثل أرى زيدا (ووجه بعضهم بأن ما كافة وأن لا سيما تنزلت منزلة إلا في الاستثناء) فنصب الاسم الواقع بعدها كما ينصب بعد إلا الاستثنائية ، لكن يقدح فيه اقترانها بالواو ، ولا يقال : جاء القوم وإلا زيدا والقول بزيادتها ضعيف (ورد بأن المستثنى مخرج وما بعدها) أي : بعد لا سيما (داخل من باب الأولى ، وأجيب بأنه مخرج مما أفهمه الكلام السابق من مساواته لما قبلها ، وعلى هذا) يكون معنى جاءني القوم ولا سيما زيدا جاؤوني لكن زيدا جاءني مجيئا وهو أولى به منهم باعتبار صدقه وإخلاصه ، وليس مساويا لهم في ذلك الحكم (فيكون الاستثناء منقطعا) وفيه تأمل ، لأن زيدا مخرج من المستثنى الشامل له لو لا الإخراج وهذا معنى الاتصال ، ولا يرد أن حكم المستثنى في الاستثناء المتصل مخالف لحكم المستثنى منه ، وهو هنا موافق إذ المجيء ثابت للكل ؛ لأن الحكم على رأيه هو ما أفهمه الكلام السابق من المساواة أي : إن القوم ساوى بعضهم بعضا في المجيء فأخرج زيد منهم بهذا الاعتبار ، أي : ثبت له عدم المساواة من حيث فاق غيره ، وهذا خلاف الحكم الأول والله أعلم.

١٥

* (سواء) تكون بمعنى مستو ويوصف به المكان بمعنى أنه نصف بين مكانين ، والأفصح فيه حينئذ أن يقصر مع الكسر ، نحو : (مَكاناً سُوىً) [طه : ٥٨] ، وهو أحد الصّفات التي جاءت على «فعل» ، كقولهم : «ماء روى» ، و «قوم عدّى» ، وقد تمدّ مع الفتح ، نحو : «مررت برجل سواء والعدم».

وبمعنى الوسط ، وبمعنى التام ، فتمدّ فيهما مع الفتح ، نحو قوله تعالى : (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٥٥] ، وقولك «هذا درهم سواء».

وبمعنى القصد ، فتقصر مع الكسر ، وهو أغرب معانيها ، كقوله [من الكامل] :

٤ ـ فلأصرفنّ سوى حذيفة مدحتي

لفتى العشيّ وفارس الأحزاب

ذكره ابن الشجريّ.

وبمعنى مكان أو غير ، على خلاف في ذلك ، فتمد مع الفتح ...

______________________________________________________

(سواء)

يكون بمعنى مستو فيقصر مع الكسر نحو) قوله تعالى : (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً) [طه : ٥٨] بكسر السين على قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي وقرأه الباقون بالضم ، ومكان بدل من المكان المحذوف أولا أي : مكان موعد ، وجوز نصب مكان بالموعد إذ هو مصدر ولا حذف ، أو يفعل يدل عليه المصدر ، واستشكل أبو البقاء وصاحب «التقريب» و «الانتصاف» النصب بالمصدر لأنه وصف وغاية ما يقال فيه ، إن عمله في الظرف من الاتساع ، وسوى صفة لمكانا ومعناه النصف بيننا وبينك باعتبار المسافة ، وهو من الاستواء كما قال المصنف ؛ لأن المسافة من الوسط إلى الطرفين مستوية (ويمدمع الفتح نحو) قول العرب : (مررت برجل سواء والعدم) فعطف على ضمير الرفع المتصل بدون فاصل من تأكيد ، أو غيره وهو قليل (وبمعنى الوسط وبمعنى التام فيمد فيهما مع الفتح نحو قوله تعالى) : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٥٥] أي : في وسطها (وقولك : هذا درهم سواء) أي : تام (وبمعنى القصد فتقصر مع الكسر ، وهذا أغرب معانيها كقوله :

فلا صرفن سوى حذيفة مدحتي

لفتى العشي وفارس الأحزاب (١)

ذكره ابن الشجري وبمعنى مكان أو غير على خلاف في ذلك) يجيء قريبا (فيمد مع الفتح ،

__________________

(١) البيت من البحر الكامل ، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٣٩٢ ، وبلا نسبة في لسان العرب ١٤ / ٤١٦ (سوا) ، ومجمل اللغة ٣ / ٩٩. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ١ / ٣٦٧.

١٦

وتقصر مع الضم ويجوز الوجهان مع الكسر ، ويقع هذا صفة واستثناء كما تقع «غير» ، وهو عند الزجاجي وابن مالك كـ «غير» في المعنى والتصرّف ، فتقول : «جاءني سواك» بالرفع على الفاعليّة ، و «رأيت سواك» بالنصب على المفعولية ؛ و «ما جاءني أحد سواك» بالنصب أو الرفع وهو الأرجح. وعند سيبويه والجمهور أنها ظرف مكان ملازم للنصب ، لا يخرج عن ذلك إلا في الضرورة. وعند الكوفيين وجماعة أنها ترد بالوجهين ؛ وردّ من

______________________________________________________

ويقصر مع الضم ويجوز الوجهان) المد والقصر (مع الكسر ، ويقع هذا) الذي بمعنى مكان أو غير في جميع لغاته المذكورة ، وفي بعض النسخ : وتقع هذه بالتأنيث على إرادة الكلمة (صفة واستثناء كما تقع غير وهو عند) أبي القاسم (الزجاجي وابن مالك كغير في المعنى والتصرف ، فيقول جاءني سواك بالرفع على الفاعلية ، ورأيت سواك بالنصب على المفعولية ، وما جاءني أحد سواك بالنصب) على الاستثناء (والرفع) على البدلية (وهو الأرجح) ؛ لأنه في كلام غير موجب ذكر فيه المستثنى منه والبدل في مثله هو الأرجح (وعند سيبويه والجمهور أنها ظرف مكان ملازم للنصب) فإذا قلت : جاء القوم سوى زيد فكأنك قلت : مكان زيد (لا تخرج عن ذلك) أي : عن النصب على الظرفية (إلا في الضرورة) كقوله :

ولم يبق سوى العدوا

ن دناهم كما دانوا (١)

العدوان بضم العين الظلم الصراح ، ودناهم أي : جزيناهم كما دانوا أي : كما جازوا ، ومنه قولهم : كما تدين تدان أي : كما تجازي تجازى بفعلك وبحسب ما عملت وكقول الآخر :

تجانب عن أهل اليمامة يافتي

وما قصدت عن أهلها لسوائكا (٢)

وعليه قول الشاعر :

وإذا تباع كريمة أو تشترى

فسواك بائعها وأنت المشتري (٣)

__________________

(١) البيت من البحر الهزج ، هو للفند الزماني (شهل بن شيبان) في أمالي القالي ١ / ٢٦٠ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٣١ ، والدرر ٣ / ٩٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢٨١. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٨ / ١٠٥.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٣٩ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٦٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٣٥ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٢٩٥. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٥ / ٢٥٤.

(٣) البيت من البحر الكامل ، وهو لابن المولى محمد بن عبد الله في الدرر ٣ / ٩٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٧٦١ ، وبلا نسبة في الأغاني ١٠ / ١٤٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٢. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٣ / ٤٥٣.

١٧

نفى ظرفيّتها بوقوعها صلة ، قالوا : «جاء الذي سواك» ؛ وأجيب بأنه على تقدير «سوى» خبرا لـ «هو» محذوفا أو حالا لـ «ثبت» مضمرا كما قالوا : «لا أفعله ما أنّ حراء مكانه» ؛ ولا يمنع الخبريّة قولهم : «سواءك» بالمد والفتح ، لجواز أن يقال : إنها بنيت لإضافتها إلى المبنيّ كما في «غير».

______________________________________________________

قال ابن مالك : وقد صرح سيبويه أيضا أنها بمعنى غير ، وذلك مستلزم لنفي الظرفية كما هي منتفية عن غير ، فإن الظروف في العرف ما ضمن معنى في أسماء الزمان والمكان وليس سوى ذلك فلا يصح كونه ظرفا ، ولو سلم أنه ظرف فلا نسلم لزومه الظرفية ، وكيف والشواهد قائمة على خلافه نظما ونثرا ، وأكثر من الإتيان بشواهد ذلك ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سألت الله تعالى أن لا يسلط على أمتى عدوا من سوى أنفسهم» (١) وقول بعض العرب : أتاني سواك حكاه الفراء (وعند الكوفيين وجماعة أنها ترد بالوجهين) فتارة ترد ظرفا ، كما قاله سيبويه والجمهور وترد أخرى كغير ما قاله الزجاجي وابن مالك فهي إذن ثلاثة أقوال (ورد على من نفى ظرفيتها بوقوعها صلة ، قالوا : جاء الذي سواك) كما تقول جاء الذي مكانك (وأجيب بتقدير سوى خبرا لهو محذوفا) والتقدير : جاء الذي هو سواك أي : غيرك ، لكن هذا التخريج شاذ لأن فيه حذف عائد غير أي مع انتفاء طول الصلة (أو حالا) معمولة (لثبت مضمرا) وذو الحال الضمير العائد على الموصول ، وهو فاعل ثبت أي : جاءني الذي ثبت حالة كونه سواك أي : غيرك (كما قالوا : لا أفعله ما أن حراء مكانه) أي ما ثبت أن حرا مكانه ، فالتشبيه في حذف ثبت لكنه في الأول حذف هو ومرفوعه ، وفي الثاني حذف دون مرفوعه ولما كان على الجواب الأول سواك تقريره : أن يقال سمع في قولهم جاءني الذي سواك المد ، وفتح الهمزة ولو كان سواء خبرا لهو لامتنع النصب ؛ إذ هو غير ظرف بالفرض فلا وجه لنصبه أجاب عنه المصنف بقوله : (ولا يمنع الخبرية قولهم) في المثال المذكور جاءني الذي (سواك بالفتح والمد ، لجواز أن يقال : إنها بنيت لإضافتها إلى المبني كما في غير) حيث قال الشاعر :

لذ بقيس حيث يأبى غيره

تلفه بحرا مفيضا خبره (٢)

بفتح غير على أنه مبني لإضافته إلى الضمير وهو فاعل بالفعل المذكور.

__________________

(١) أخرج نحوه مسلم ، كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض (٢٨٨٩) ، والترمذي ، كتاب الفتن عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب ما جاء في سؤال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثا في أمته (٢١٧٦) ، وأبو داود ، كتاب الفتن والملاحم ، باب ذكر الفتن ودلائلها (٤٢٥٢).

(٢) البيت من البحر الرمل ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب ٤ / ٣٠٧. ا ه. انظر : المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية ٣ / ١٦١.

١٨

تنبيه ـ يخبر بـ «سواء» التي بمعنى «مستو» عن الواحد فما فوقه ، نحو : (لَيْسُوا سَواءً) [آل عمران : ١١٣] لأنها في الأصل مصدر بمعنى الاستواء ، وقد أجيز في قوله (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦] كونها خبرا عمّا قبلها ، أو عمّا بعدها ، أو مبتدأ وما بعدها فاعل على الأول ، ومبتدأ على الثاني ، وخبر على الثالث ؛ وأبطل ابن عمرون الأول بأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، والثاني بأن المبتدأ المشتمل على الاستفهام واجب التقديم ؛ فيقال له : وكذا الخبر ، فإن أجاب بأنه مثل «زيد أين هو» منعناه وقلنا له : بل مثل «كيف زيد» لأن (أَأَنْذَرْتَهُمْ) إذا لم يقدّر بالمفرد لم يكن خبرا ، لعدم تحمله ضمير «سواء» ؛ ...

______________________________________________________

(تنبيه يخبر بسواء التي بمعنى مستو عن الواحد فما فوقه) ولو قال : عن غير لواحد لكان صوابا إذ لا يقال زيد سواء بمعنى مستو إذ الاستواء كالاختصام أمر نسبي لا يتعقل إلا مع التعدد (نحو ليسوا سواء) أي : ليس أهل الكتاب مستوين (؛ لأنها في الأصل مصدر بمعنى الاستواء) فروعي أصلها فلم تثن ولم تجمع كالمصدر إذا أخبر به عن غير الواحد نحو الزيدان عدل والزيدون عدل (وقد أجيز في قوله تعالى) : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦] (كونها) أي كون سواء (خبرا عما قبلها) أي عن الذين : كفروا (أو) خبرا (عما بعدها) وهو أأنذرتهم (أو مبتدأ وما بعدها) وهو أأنذرتهم (فاعل على الأول ، ومبتدأ على الثاني وخبر على الثالث ، وأبطل ابن عمرون) بفتح العين ، ولك فيه الصرف على رأي الأكثرين ومنعه على رأي الفارسي ؛ لشبهه بالأعجمي.

(الأول) وهو كون سواء خبرا عما قبلها وأأنذرتهم فاعلا بها (بأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله) وفاعلية أنذرتهم بسواء مستلزمة لعمل ما قبل الاستفهام فيه ، وليس العامل هنا مما يعلق عن العمل.

(و) أبطل (الثاني) وهو كون سواء خبرا مقدما وأنذرتهم مبتدأ مؤخرا (بأن المبتدأ المشتمل على الاستفهام واجب التقديم) ولم يقدم هنا ، بل هو مؤخر (فيقال له : وكذا الخبر) يجب تقديمه إذا اشتمل على الاستفهام ، فيلزم بطلان كون سواء مبتدأ وأنذرتهم خبره ، وأنت لم تبطل هذا بل اخترته (فإن أجاب بأنه) أي : بأن الخبر هنا جملة وقع الاستفهام في صدرها ؛ لعدم خروج الاستفهام عما يستحقه من التصدر في جملته (مثل زيد أين هو؟ منعناه وقلنا) ، لا نسلم أنه مثله (بل هو مثل كيف زيد) أي : مما الخبر فيه مفرد مشتمل على الاستفهام فيجب تقديمه ؛ (لأن أنذرتهم إن لم يقدر مفردا) بل أبقي على جملته من غير تأويل (لم يكن خبرا لعدم تحمله ضمير سواء) الذي هو مبتدأ والجملة إذا لم تكن نفس المبتدأ في المعنى وجب ربطها بالضمير أو ما يقوم مقامه ، وكلاهما مفقود هنا فإن قلت : وتأويل الجملة بالمفرد على الأول والثاني فيصح

١٩

وأما شبهته فجوابها أن الاستفهام هنا ليس على حقيقته ؛ فإن أجاب بأنه كذلك في نحو : «علمت أزيد قائم» وقد أبقى عليه استحقاق الصّدريّة بدليل التعليق ، قلنا : بل الاستفهام مراد هنا ، إذ المعنى علمت ما يجاب به قول المستفهم أزيد قائم ، وأما في الآية ونحوها فلا استفهام ألبتة ، لا من ...

______________________________________________________

وقوعها فاعلا أو مبتدأ مشكل أيضا ؛ لأنه لا سابك في اللفظ فيلزم الشذوذ مثل تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، برفع تسمع وعدم تقدير الحرف السابك وهو الحرف المصدري ، وادعاء الشذوذ هنا باطل ، لأن هذا تركيب فصيح كثير الاستعمال ، قلت : سبك الجملة بالمفرد من غير حرف مصدري يكون آلة لسبك إنما يكون شاذا إذا لم يطرد في باب ، أما إذا اطرد في باب واستمر فيه فإنه لا يكون شاذا ، مثل لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، فإنك إذا نصبت تشرب نصبته بأن مقدرة فيصير اسما معطوفا في الظاهر على فعل ، وهو ممتنع إلا عند التأويل فاحتجنا إلى أن نتصيد من الفعل الأول مصدرا من غير سابك ، ولا يعد مثل هذا شاذا لاطراده في بابه وكذا إضافة اسم الزمان مثلا إلى الجملة نحو : جئت حين جاء زيد ، أي : حين مجيء زيد فأولت الجملة بالمفرد من غير أن يكون هناك حرف مصدري ، وليس بشاذا أيضا لاطراده في بابه ، وهنا في باب التسوية أولت الجملة بالمفرد تأويلا مطردا بدون أداة ، فلم يعد شاذا.

فإن قيل : جعلوا الجملتين الواقعتين بعد سواء في تقدير مفردين معطوف أحدهما على الآخر بواو العطف ، ولا شك أن أم لأحد الأمرين ، وما يتعلق به سواء لا يكون إلا متعددا فالجواب أن الدلالة على أحد الأمرين منسلخة عن أم ، كما أن معنى الاستفهام منسلخ عنها وعن الهمزة ، وكلاهما هنا لمجرد معنى الاستواء ، فإن قيل : لو تجردنا لمعنى الاستواء لكان الإخبار بسواء تكرارا خاليا عن الفائدة بمنزلة قولك : المستويان مستويان ، فالجواب أن الاستواء الذي تجردت الهمزة وأم لمعناه هو الاستواء الذي كانتا متضمنتين له عند حقيقة الاستفهام ، أي : عن الاستواء في علم المستفهم ، والاستواء المستفاد من سواء هو الاستواء في الغرض المسوق لذا الكلام ، كأنه قيل : المستويان في علمك مستويان في عدم النفع.

(وأما شبهته) أي : شبهة ابن عمرون القائلة لا يعمل في الاستفهام ما قبله (فجوابها أن الاستفهام ليس هنا على حقيقته) فيعمل فيه ما قبله ، وذلك لأن همزة التسوية قد جردت عن معنى الاستفهام البتة ، وصار الكلام معها خبرا محضا (فإن أجاب بأنه كذلك في علمت أزيد قائم) ضرورة أن العلم بالشيء والاستفهام عنه متنافيان (وقد أبقى عليه استحقاق الصدرية قلنا : بل الاستفهام مراد هنا إذ المعنى علمت ما يجاب به قول المستفهم أزيد قائم) وقد مر ذلك في الكلام على أم ، ويأتي أيضا في الباب الثاني (وأما في الآية ونحوها فلا استفهام البتة ، لا من

٢٠