الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

مجير الدين الحنبلي العليمي

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

المؤلف:

مجير الدين الحنبلي العليمي


المحقق: عدنان يونس عبد المجيد أبو تبّانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

وأنفقت ست الشام بنت أيوب (١) أخت السلطان في هذه النوبة أموالا عظيمة ، وكان عمر السلطان حين وفاته قريبا من سبع وخمسين سنة لأن مولده بتكريت (٢) في شهور سنة ٥٣٢ ه‍ (٣)(٤) ، لما كان أبوه وعمه بها ، وكان خروجهم منها في الليلة التي ولد فيها فتشاءموا به وتطيروا منه ، فقال بعضهم : لعل فيه الخيرة وما تعلمون ، فكان كما قال.

واتفق أهل التاريخ على أن أباه وأهله من دوين (٥) ، بضم الدال المهملة وكسر الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون ، وهي بلدة في آخر عمل أذربيجان وأنهم أكراد روادية ، ولم يزل صلاح تحت كنف أبيه حتى ترعرع ، ولما ملك نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي دمشق لازم نجم الدين أيوب خدمته وكذلك ولده الملك صلاح الدين ، ولم يزل مخائل السعادة عليه لائحة ، والنجابة له ملازمة تقدمه من حاله إلى حالة ، ونور الدين يرى له ويؤثره ، ومنه تعلم صلاح الدين طريق الخير (٦) وفعل المعروف والجهاد إلى أن كان من تقدير الله ما سبق شرحه من أمر سلطنته وسيرته.

وكانت مدة ملكه للديار المصرية نحو أربع (٧) وعشرين سنة ، وملك الشام قريبا من سبع عشرة سنة ، وهو أول الملوك بالديار المصرية بعد انقراض الدولة الفاطمية ، وقال (٨) العيني (٩) : وهو أول من لقب بالسلطان والذي يظهر : أن مراده

__________________

(١) ست الشام بنت أيوب بن شادي ، أخت الملوك وعمة أولادهم وأم الملوك ، من أكثر الناس صدقة وإحسانا إلى الفقراء والمحاويج ، توفي سنة ٦١٦ ه‍ / ٢١٩ م ؛ ينظر : أبو شامة ، الذيل ١١٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ٨٤ ـ ٨٥ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٢) تكريت : بلدة بين بغداد والموصل ، بينها وبين بغداد ثلاثون فرسخا غربي دجلة ، لها قلعة حصينة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٨٩ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٦٨.

(٣) سنة ٥٣٢ أ ه : سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة ب ج د / / أبوه وعمه أ ج د ه : عمه وأبوه ب.

(٤) ٥٣٢ ه‍ / ١١٣٧ م.

(٥) دوين : بلدة من نواحي إيران ، في آخر حدود أذربيجان بقرب تفليس ، وإليها ينسب ملوك بني أيوب ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٣٩٨ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٦٨.

(٦) طريق الخير أ ج د ه : ـ ب.

(٧) أربع ب : أربعة أ ج د ه.

(٨) وقال أ ج د ه : قال ب.

(٩) بدر الدين أبو الثناء العيني : عمدة المؤرخين في زمنه ، ولد في سنة ٧٦٢ ه‍ / ١٣١٨ م ، برع في الفقه والتاريخ ، ومن مصنفاته : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ، وكان أحد أوعية العلم ؛ توفي سنة ٨٥٥ ه‍ / ١٤٥١ م ، ينظر : ابن تغري بردي ، حوادث ٢ / ٣٥٤ ؛ السخاوي ١٠ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ؛ ابن العماد ٧ / ٢٨٨ ؛ البغدادي ، هدية ٦ / ٣٢٧.

٥٤١

أول من لقب بالسلطان ، من ملوك مصر ، والله أعلم ، فإني رأيت في التواريخ من لقب بالسلطان من ملوك العراق (١) قبل الملك صلاح الدين.

وخلف سبعة عشر ولدا ذكرا وابنة صغيرة ، ولم يخلف في خزائنه سوى دينار واحد وستة وثلاثين درهما ناصرية. وهذا من رجل له الديار المصرية والشام وبلاد المشرق واليمن دليل قاطع على فرط كرمه. ولم يخلف دارا ولا عقار ولم يكن له فرس يركبه إلا وهو موهوب أو موعود ، وكانت مجالسه منزهة عن الهزء (٢) والهزل ، ولم يؤخر صلاة عن وقتها ولا صلى إلا جماعة ، وكان شافعي المذهب ، يكثر من سماع الحديث النبوي ، وقرأ مختصرا في الفقه تصنيف سليم الرازي (٣) ، وكان إذا عزم على أمر توكل على الله ، وكان حسن الخلق صبورا على ما يكره كثير التغافل عن ذنوب أصحابه ، يسمع من أحدهم ما يكره ولا يعلمه بذلك ولا يتغير عليه ، وكان يوما جالسا فرمى بعض المماليك بعضا بسرموزة (٤) فأخطأته ، ووصلت إلى السلطان فأخطأته ، ووقعت بالقرب منه ، فالتفت إلى الجهة الأخرى ليتغافل عنها ، وكان طاهر المجلس فلا يذكر أحد في مجلسه إلا بالخير ، وطاهر اللسان فلا يولع بشتم قط. / / وقد أخبرت أن الدعاء عند قبره مستجاب ، وكذلك عند قبر الملك العادل نور الدين الشهيد ، رحمة الله عليهما.

وقد رثى الملك صلاح الدين الشعراء وأكثروا فيه ومن أحسن المراثي مرثية العماد الكاتب وهي ٢٣٢ (٥) بيتا منها (٦) :

شمل الهدى والملك عم شتاته

والدهر ساء وأقلعت حسناته

بالله أين الذي ما زال سلطانا لنا

يرجى نداه وتتقى سطواته

أغلال أعناق العدى أسيافه

أطواق أجياد الورى مناته (٧)

من في الجهاد صفاحه ما أغمدت

بالنصر حتى أغمدت صفحاته

__________________

(١) بالسلطان من ملوك العراق أ ب ج د : ـ ه.

(٢) الهزء أ ج د ه : الهزؤ ب.

(٣) أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي ، تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرائيني ، وكان فقيها أصوليا ، سكن الشام وتفقه عليه أهله ، وله مصنفات كثيرة ، مات سنة ٤٤٩ ه‍ / ١٠٥٧ م ، ينظر : الشيرازي ١٣٩ ؛ ابن خلكان ٢ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ؛ اليافعي ٣ / ٦٤ ؛ السبكي ٣ / ١٦٨ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ٣٢٥.

(٤) سرموزة : السرموجة : نوع من الأحذية يعرف عند العامة بالسرماية أو الصرماية ، فارسية معربة ، ينظر : الحسيني ٤٤٩.

(٥) ٢٣٢ بيتا أ : مائتان واثنان وثلاثون بيتا ب ج د ه / / منها أ ه : ب ج د.

(٦) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢١٥.

(٧) أطواق أبو شامة ب ج د ه : أطياق أ.

٥٤٢

من في صدور الكفر صدر قناته

حتى توارت بالصفاح قناته

ألف المتاعب في الجهاد فلم يكن

قد عاش قط لذاته لذاته

مسعودة غدواته محمودة

روحاته ميمونة ضحواته (١)

في نصرة الإسلام يسهر دائما

ليطول في روض الجنان سناته

لا تحسبوه مات شخص واحد

فمات كل العالمين مماته

ملك عن الإسلام كان محاميا

أبدا إلى أن أسلمته حماته

قد أظلمت مذ غاب عنها نوره

لما خلت من بدره داراته

دفن السماح فليس ينشر بعدما

وروي إلى النشور رفاته

الدين بعد أبي المظفر يوسف

أقوت قواه وأقفرت ساحاته

بحر خلا من وارديه ولم تزل

محفوفة بوفوده حفاته

من لليتامى والأرامل راحم

متعطف مفضوضة صدقاته

فعلى صلاح الدين يوسف دائما

رضوان رب العرش بل صلواته

من للثغور وقد عداها حفظه

من للجهاد ولم تعد عاداته

بكت الصوارم والصواهل إذ

خلت من سبلها وركوبها غزواته (٢)

يا وحشة الإسلام يوم تمكنت

في كل قلب مؤمن روعاته

ما كان أسرع عصره لما انقضى

فكأنما سنواته ساعاته (٣)

لم أنس يوم السبت وهو لما به

يبدي السبات وقد بدت غشياته

والبشر منه تبلجت أنواره

والوجه منه تلألأت سبحاته

وتقول لله المهيمن حكمة

في مرضه حصلت بها مرضاته

هذي مناشير الممالك تقتضي

توقيعه فيها فأين دواته (٤)

قد عاد زرعك في الربيع بجمعها

هذا الربيع وقد ناب ميقاته

والجند في الديوان جدد عرضه

وإذا أمرت تجددت نفقاته

والقدس طامحة إليك عيونه

عجل فقد طمعت إليه عداته

والغرب منتظر طلوعك نحوه

حتى تفيء إلى هداك بغاته

والشرق يرجو عن عزمك راضيا

في ملكه حتى تطيع عصاته

مغري بإسداء الجميل كأنما

فرضت عليه كالصلاة صلاته

__________________

(١) غدواته أبو شامة أ ب د : غزواته ه : ـ ج. (٢) سبلها أبو شامة أ د : سلها ب : سهلها ه : ـ ج.

(٣) عصره لما أ ب د : ـ ج ه. (٤) الممابك ب د ه : الملك أ : ـ ج.

٥٤٣

هل للملوك مضاؤه في موقف

شدت على أعدائه شداته

كم جاءه التوفيق في وقعاته

من كان بالتوفيق توقيعاته

يا راغبا في الدين حين تمكنت منه

منه الذئاب وأسلمته رعاته

فارقت ملكا غير باق متعبا

ووصلت ملكا باقيا راحاته

ابني صلاح الدين إن أباكم

ما زال يأبى ما الكرام أباته

لا تقتدوا إلا بسنة فضله

ليطيب في مهد النعيم سباته (١)

وردوا موارد عدله وسماحه

لترد عن نهج الشمات شماته (٢)

ذكر ما استقر عليه الحال بعد وفاة الملك صلاح الدين

تغمده الله برحمته (٣)

واستقر في الملك بدمشق وبلادها المنسوبة إليها الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن علي أكبر أولاده بعهد من أبيه.

وبالديار المصرية الملك العزيز (٤) عماد الدين أبو الفتح عثمان. وبحلب الملك الظاهر (٥) غياث الدين أبو الفتح غازي. وبالكرك والشوبك والبلاد الشرقية الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب أخو السلطان.

وبحماة وسلمية (٦) والمعرة ومنبج الملك المنصور (٧) ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب. وببعلبك الملك الأمجد مجد

__________________

(١) سباته ب د ه : سناته أ : ـ ج.

(٢) موارد ب د ه : وارد أ : ـ ج.

(٣) ينظر : ابن الأثير ٩ / ٢٢٦ ـ ٢٢٩ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢٢٤ ـ ٢٣٤ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ٨٧ ـ ٩٥ ؛ ابن الوردي ٢ / ١٦٢ ـ ١٦٣ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٤) ينظر : أخبار العزيز ، أبو شامة ، الذيل ١٦ ؛ ابن خلكان ٣ / ٢٥١ ؛ ابن واصل ٣ / ٨٢ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٨ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٢٨ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ١٠٩ ؛ النعيمي ١ / ٣٧٨ ؛ ابن العماد ٤ / ٣١٩.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣١٢ ؛ أبو شامة ، الذيل ٩٤ ؛ ابن خلكان ٤ / ٦ ـ ١٠ ؛ اليافعي ٤ / ٢٧ ؛ ابن كثير ١٣ / ٧١ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٤ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ١٩٢ ؛ النعيمي ١ / ٣٤٢ ؛ ابن العماد ٥ / ٥٥ ـ ٥٦.

(٦) سلمية : بليدة قرب حماة ، وهو حصن صغير عامر وآهل ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٦٥ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٧٣١ ؛ الحميري ٣٢٠.

(٧) ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٢٤ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ١٢٥ ؛ ابن كثير ، البداية ٣ / ٩٣ ؛ ابن الوردي ٢ / ١٣٩ ؛ الكتبي ٢ / ٣٥٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٢٤ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٢١ ؛ ابن العماد ٥ / ٧٧ ـ ٧٨.

٥٤٤

الدين بهرام شاه ابن فرخ شاه ابن شاهنشاه بن أيوب.

وبحمص والرحبة (١) وتدمر (٢) الملك المجاهد شيركوه بن محمد شيركوه بن شادي ، وبيد الملك الظافر خضر ابن السلطان صلاح الدين بصرى وهو في خدمة أخيه الملك الأفضل. وبيد الملك الزاهر مجير الدين داود بن السلطان صلاح الدين البيرة وأعمالها.

واستقر إقليم اليمن للملك ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين (٣) بن أيوب أخي السلطان. ولم يزل الملك الأفضل بالشام والملك العزيز بمصر إلى أن وقع الخلف بينهما وجرى بينهما وقائع شرحها يطول (٤) //.

ثم في سنة ٥٩٢ ه‍ (٥)(٦) ، اتفق العادل وابن أخيه الملك العزيز على أن يأخذا دمشق وأن يسلمها العزيز إلى العادل لتكون الخطبة والسكة للعزيز كسائر البلاد كما كانت لأبيه.

فخرجا وسارا من مصر إلى دمشق وأخذاها في ضحى (٧) يوم الأربعاء السادس والعشرين من رجب من هذه السنة. وكان الملك الظافر خضر صاحب بصرى مع أخيه الملك الأفضل معاضدا له ، فأخذت منه بصرى ، فلحق بأخيه الملك الظاهر ، فأقام عنده بحلب ، وأعطي الملك الأفضل صرخد (٨) فسار إليها بأهله واستوطنها.

وسلم العزيز لعمه العادل على حكم ما وقع عليه الاتفاق ، ورحل العزيز من دمشق يوم الاثنين تاسع شعبان.

فكانت مدة الأفضل بدمشق ثلاث سنين وأشهرا ، وكانت ولادته يوم الفطر وقت العصر سنة ٥٦٥ ه‍ (٩)(١٠) ، بالقاهرة ووالده يومئذ وزير المصريين ، وتوفي في

__________________

(١) الرحبة : قرية قرب دمشق وهي أحد الثغور الإسلامية ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ١ ـ ٣ / ٤٠١.

(٢) والرحبة وتدمر .. ابن شادي ب ج د : أ ه.

(٣) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٣٨ ؛ أبو شامة ، الذيل ١١ ؛ ابن خلكان ٢ / ٥٢٣ ـ ٥٢٥.

(٤) وجرى بينهما وقائع شرحها يطول أ ه : وجرى بينهما وقائع يطول شرحها ب : ـ ج د.

(٥) سنة ٥٩٢ أ ج ه : سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ب : ـ ج.

(٦) ٥٩٢ ه‍ / ١١٩٥ م.

(٧) في ضحى أ : ـ ب ج د ه ـ.

(٨) صرخد : قلعة ملاصقة لبلد حوران ، حصينة وولاية حسنة واسعة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٥٩ ؛ ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ٤٠١ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٣٨.

(٩) ٥٦٥ أ ه : سنة خمس وستين وخمسمائة ب : ـ ج.

(١٠) ٥٦٥ ه‍ / ١١٦٩ م.

٥٤٥

صفر سنة ٦٦٢ ه‍ (١)(٢) فجأة بسميساط (٣) ، ونقل إلى حلب ودفن بتربته بظاهرها.

وأما العزيز عثمان فاستقر بمصر وفي أيامه في شهور سنة ٥٩٣ ه‍ (٤)(٥) وصل جمع عظيم من الفرنج إلى الساحل واستولوا على قلعة بيروت ، وسار الملك العادل ونزل بتل العجول (٦) وأتته النجدة من مصر ووصل إليه سنقر الكبير (٧) صاحب القدس وميمون القصري (٨) صاحب بلبيس ، ثم سار الملك العادل إلى يافا وهجمها بالسيف وملكها وقتل الرجال المقاتلة وكان هذا الفتح ثالث فتح لها.

ونازلت الفرنج تبنين فأرسل الملك العادل إلى الملك العزيز صاحب مصر ، فسار بنفسه بمن معه من عساكر مصر ، فاجتمع بعمه الملك العادل على تبنين ، فرحل الفرنج على أعقابهم إلى صور ، وعاد العزيز إلى مصر ، وترك غالب العسكر مع العادل ، وجعل إليه أمر الجزية والصلح.

ومات في هذه المدة سنقر الكبير فجعل الملك العادل أمر القدس إلى صارم الدين قطلو مملوك عز الدين فروخشاه (٩) بن شاهنشاه بن أيوب.

وتوفي الملك العزيز صاحب مصر في ليلة الأربعاء الحادي (١٠) والعشرين من المحرم سنة ٥٩٥ ه‍ (١١)(١٢) ، وكانت مدة ملكه ست سنين إلا شهرا ، وكان عمره سبعا وعشرين سنة وأشهرا ، وكان حسن السيرة رحمه الله.

ثم استقر بعده في السلطنة ولده الملك المنصور محمد (١٣) ، وعمره ٩ (١٤)

__________________

(١) سنة ٦٢٢ أ ه : اثنتين وعشرين وستمائة ب : سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة د : ـ ج.

(٢) ٦٢٢ ه‍ / ١٢٢٥ م.

(٣) سميساط : مدينة على شاطىء الفرات ولها قلعة وفي شق منها يسكنها الأرمن ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ٢٩٣ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٦٦ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٧٤١ ؛ الحميري ٣٣٢.

(٤) سنة ٥٩٣ أ ج ه : سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة د : ـ ج.

(٥) ٥٩٣ ه‍ / ١١٩٦ م.

(٦) تل العجول : تل أثري جنوب غزة على مسافة ٧ كم ، وربما كان موقع غزة القديم ، ينظر : شراب ٢٣٢.

(٧) ينظر : أبو شامة ، الذيل ٦٦.

(٨) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٤٤.

(٩) فروخشاه أ ج د ه : فرخشاه ب.

(١٠) الحادي أ ج د : الحادية ب ه.

(١١) سنة ٥٩٥ أ ج ه : سنة خمس وتسعين وخمسمائة ب د.

(١٢) ٥٩٥ ه‍ / ١١٩٨ م.

(١٣) ينظر : ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٨ ـ ١٩ ؛ ابن واصل ٣ / ٨٧ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ١٣١ ـ ١٤٣.

(١٤) ٩ أ : تسع ب ج د ه.

٥٤٦

سنين. فتشاور الأمراء واتفقوا على إحضار الملك الأفضل من صرخد ليقوم بالملك.

فسار محثا ووصل إلى مصر على أنه أتابك (١)(٢) المنصور. فخرج المنصور للقائه ، فترجل له الأفضل ودخل بين يديه إلى دار الوزارة ، وكانت مقر السلطنة.

ثم برز الأفضل من مصر وسار إلى الشام ليأخذها ، لاشتغال عمه الملك العادل بحصار ماردين ، فبلغ العادل ذلك فسار إلى دمشق ، ودخلها قبل نزول الأفضل عليها ، وحصل بينهما قتال. ثم سار الأفضل إلى مصر ، فخرج الملك العادل في أثره ، فخرج إليه الأفضل واقتتلا فانكسر الأفضل وانهزم إلى القاهرة. ونازل (٣) العادل القاهرة وتسلمها ، ودخل إليها في الحادي والعشرين من ربيع الآخر سنة ٥٩٦ ه‍ (٤)(٥).

ثم سار الأفضل إلى صرخد ، وأقام العادل بمصر على أنه أتابك الملك المنصور محمد بن العزيز عثمان مدة يسيرة ، ثم أزال الملك المنصور ، واستقر (٦) الملك العادل في السلطنة ، وخطب له بالقاهرة ومصر يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال سنة ٥٩٦ ه‍ (٧) ، وخطب له ابن أخيه الملك الظاهر بحلب وضرب السكة باسمه وانتظمت المماليك الشامية والشرقية والديار المصرية كلها في سلك ملكه ، وخطب له على منابرها.

وفي الشهر الذي دخل فيه العادل للقاهرة (٨) توفي القاضي الفاضل أبو علي عبد الرحيم بن القاضي الأشرف بهاء الدين أبي المجد علي اللخمي العسقلاني الشافعي ، الملقب مجير الدين ، وزير السلطان صلاح الدين ، وكان إماما في صناعة الإنشاء (٩) وسيرته مشهورة ، وكانت وفاته في ليلة الأربعاء سابع عشر ، وقيل : سادس ربيع الآخر سنة ٥٩٦ ه‍ (١٠) بالقاهرة فجأة ، ودفن بتربته بسفح المقطم في

__________________

(١) أتابك أ ج د : + ملك ب : ـ ه.

(٢) أتابك : أطابك : لقب تركي من أتا ، بمعنى والد ، وبك بمعنى أمير من طبقة مختارة ، ويطلق أيضا على القائد العام ، ينظر : القلقشندي ، صبح ٤ / ١٨.

(٣) ونازل أ د : ونزل ب : ـ ج.

(٤) سنة ٥٩٦ أ ه : سنة ست وتسعين وخمسمائة ب د : ـ ج.

(٥) سنة ٥٩٦ ه‍ / ١١٩٩.

(٦) واستقر ب د ه : واستقل أ : ـ ج.

(٧) سنة ٥٩٦ أ ه : سنة ست وتسعين وخمسمائة ب د : ـ ج.

(٨) للقاهرة أ د ه : القاهرة ب : ـ ج.

(٩) الإنشاء ب د ه : ـ أ ج.

(١٠) سنة ٥٩٦ أ ه : سنة ست وتسعين وخمسمائة ب د : ـ ج.

٥٤٧

القرافة الصغرى ، رحمه الله ، وله نحو سبعين سنة. وأرخ السبكي مولده في منتصف / / جمادى الآخرة سنة ٥٢٩ ه‍ (١).

وتوفي العماد الكاتب هو أبو عبد الله محمد بن صفي الدين الأصفهاني الشافعي الذي كان في خدمة الملك صلاح الدين ، له (الفتح القسي في الفتح القدسي) كله رجز مسجع ، وهو من كتب الدنيا لما فيه من البلاغة والصناعة ، ووفاته في ثاني جمادى الآخرة ، وقيل : في شعبان سنة ٥٩٧ ه‍ (٢)(٣).

وأرخ السبكي (٤)(٥) مولده في ثاني جمادى الآخرة سنة ٥٤٠ ه‍ ، ثم وفاته في مستهل رمضان سنة ٥٩٧ ه‍ ، وكان بينه وبين القاضي الفاضل مكاتبات ومحاورات لطيفة فمن ذلك ما يحكى عنه : أنه لقيه يوما وهو راكب على فرس فقال له العماد : سر فلا كبا بك الفرس ، فقال له الفاضل : دام علا العماد. وهذا مما يقرأ مقلوبا ومستقيما بالسواء ، وكانت وفاته العماد بدمشق ، ودفن بمقابر الصوفية ، رحمه الله.

وفي سنة ٦٠٠ ه‍ (٦)(٧) كان الملك العادل بدمشق ، واجتمع الفرنج لقصد بيت المقدس ، فخرج السلطان الملك العادل من دمشق وجمع العساكر ونزل على الطور (٨) في قبالة الفرنج بالقرب من نابلس ، ودام ذلك إلى آخر السنة.

ثم دخلت سنة ٦٠١ (٩)(١٠) ، فيها كانت الهدنة بين الملك العادل والفرنج ، وسلم إلى الفرنج يافا ، ونزل عن مناصفة لد والرملة ، ثم سار إلى مصر.

ثم في سنة ٦٠٣ ه‍ (١١) سار الملك العادل من مصر إلى الشام ، ونازل في طريقه عكا ، وصالحه (١٢) أهلها على إطلاق جميع من بها من الأسرى ، ثم سار إلى

__________________

(١) سنة ٥٢٩ أ ه : سنة تسع وعشرين وخمسمائة ب : ـ ج د.

(٢) ٥٩٧ ه‍ أ د ه : + وله نحو تسعين سنة ب : ـ ج.

(٣) ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠٠ م.

(٤) وأرخ السبكي ... رمضان سنة ٥٩٧ أ ه : ـ ب ج د.

(٥) ينظر : السبكي ٤ / ٢٥٣.

(٦) سنة ٦٠٠ أ ه : وفي سنة ستمائة ب د : ـ ج.

(٧) ٦٠٠ ه‍ / ١٢٠٣ م.

(٨) الطور : الجبل الذي يشرف على نابلس أو هو جبل بعينه يطل على طبرية بالأردن ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٥٣.

(٩) ٦٠١ ه‍ / ١٢٠٤ م.

(١٠) ٦٠١ أ ه : إحدى وستمائة ب ج د.

(١١) ٦٠٣ ه‍ / ١٢٠٦ م.

(١٢) وصالحة أ ه : فصالحة ب ج د / / من بها من الأسرى أ ب ج : ما فيها من الأسارى د ه.

٥٤٨

طرابلس وحصرها ورحل عنها.

ثم في سنة ٦٠٤ ه‍ (١)(٢) وقعت الهدنة بينه وبين صاحب طرابلس وعاد العادل إلى دمشق.

ولما كان (٣) بتاريخ ٦١٤ ه‍ والملك العادل بالديار المصرية اجتمع الفرنج من داخل البحر ووصلوا إلى عكا في جمع عظيم ، فلما بلغ الملك العادل ذلك خرج بعساكر مصر وسار حتى نزل على نابلس ، فسار الفرنج إليه ولم يكن معه من العسكر (٤) ما يقدر به على ملتقاهم ، فلندفع قدامهم فأغاروا على بلاد المسلمين ووصلت غارتهم إلى نوى (٥) من بلد السواد ، ونهبوا ما بين بيسان ونابلس ، ومشوا سراياهم فقتلوا وأسروا وغنموا من المسلمين ما يفوق الحصر وعادوا إلى مرج عكا ، وكان مدة هذا النهب ما بين منتصف رمضان وعيد الفطر ، وانقضت السنة والفرنج بجموعهم في عكا.

ثم دخلت سنة ٦١٥ ه‍ (٦)(٧) والملك العادل بمرج الصفر (٨) وجموع الفرنج بمرج عكا ، ثم ساروا منها إلى الديار المصرية ونزلوا على دمياط.

وسار الملك الكامل بن العادل من مصر ونزل قبالهم واستمر الحال على ذلك أربعة أشهر ، وأرسل العادل العسكر الذي عنده إلى ابنه الملك الكامل ، فلما اجتمعت العساكر أخذ في قتال الفرنج ودفعهم عن دمياط.

ثم رحل الملك العادل من مرج الصفر إلى عالقين ـ قرية ظاهر دمشق ـ فنزل بها ومرض واشتد مرضه ، وتوفي بها (٩) رحمه الله عليه في سابع جمادى الآخرة سنة ٦١٥ ه‍ (١٠) ، وكان مولده سنة ٥٤٠ ه‍ (١١) ، وكان عمره ٧٥ سنة (١٢) ، وكانت مدة

__________________

(١) ٦٠٤ ه‍ / ١٢٠٧ م.

(٢) سنة ٦٠٤ أ ه : سنة أربع وستمائة ب ج د.

(٣) ولما كان ... واشتد مرضه أ ب : ـ ج د ه.

(٤) العسكر أ : العساكر ب : ـ ج د ه.

(٥) نوى : بليدة من أعمال حوران ، وقيل : هي قصبتها ، بينها وبين دمشق منزلان ، وهي منزل أيوب ، عليه‌السلام ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٣٥٣.

(٦) سنة ٦١٥ أ : سنة خمس عشرة وستمائة ب : ـ ج د ه.

(٧) ٦١٥ ه‍ / ١٢١٨ م.

(٨) مرج الصفر : مرج من نواحي دمشق ؛ ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ١١٩.

(٩) وتوفي بها أ ه : وتوفي هناك ب د : ـ ج / / رحمة الله عليه أ ه : رحمه الله ب د : ـ ج.

(١٠) سنة ٦١٥ أ ه : سنة خمس عشرة وستمائة ب د : ـ ج / / سنة ٥٤٠ أ ه : سنة أربعين وخمسمائة ب : ـ ج د / / وكان عمره أ ه : فكان عمره ب : ـ ج د.

(١١) ٥٤٠ ه‍ / ١١٤٥ م.

(١٢) ٧٥ سنة أ ه : خمسا وسبعون سنة ب د : ـ ج.

٥٤٩

ملكه لدمشق ثلاثا وعشرين سنة ، ولمصر نحو تسع عشرة سنة ، وكان رحمة الله عليه حازما مستيقظا ، غزير العقل سديد الاراء ذا مكر وخديعة حليما صبورا ، وأتته السعادة واتسع ملكه وكثرت أولاده وخلف ستة عشر ولدا ذكرا غير البنات ، ولم يكن عنده حاضر أحد من أولاده ، فحضر إليه ابنه الملك المعظم عيسى ، وكان بنابلس فكتم موته وأخذه ميتا في محفة وعاد به إلى دمشق واحتوى على جميع ما كان مع أبيه من الجواهر والسلاح ، فلما وصل إلى دمشق حلف الناس وأظهر موت أبيه ، وكتب إلى الملوك من إخوته وغيرهم يخبرهم بموته.

واستقر بعده في السلطنة بالديار المصرية ولده الملك الكامل (١) أبو المعالي محمد واستقر في الشام أخوه الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أبي بكر وكانت مملكته من حدود بلد حمص إلى العريش يدخل في مملكته بلاد السواحل الإسلامية وبلاد الغور وفلسطين والقدس والكرك والشوبك وصرخد وغير ذلك.

تخريب أسوار بيت المقدس (٢)

لما توفي الملك العادل عاد الفرنج لجهة القاهرة وملكوا دمياط وهجموها في عاشر رمضان سنة ٦١٦ ه‍ (٣) ، وأسروا من بها وجعلوا الجامع كنيسة ، واشتد طمعهم في الديار المصرية.

فلما رأى الملك المعظم عيسى ذلك ، خشي أن يقصدوا القدس فلا يقدر على منعهم ، فأرسل الحجارين والنقابين ، وشرعوا في تخريبه في سنة ٦١٦ ه‍ (٤) ، فخرب أسواره ، وكانت قد حصنت إلى الغاية.

وانتقل منه عالم عظيم ، / / وهرب أهله منه خوفا من الفرنج أن يهجم عليهم ليلا ونهارا ، وتركوا أموالهم وأثقالهم وتمزقوا في البلاد كل ممزق ، حتى قيل : إنه

__________________

(١) الملك الكامل محمد بن أيوب : ولد سنة ٥٧٦ ه‍ / ١١٨٠ م ، مات بدمشق سنة ٦٣٥ ه‍ / ١٢٣٧ م ، تسلطن سنة ٦١٥ ه‍ / ١٢١٨ م إلى سنة ٦٣٥ ه‍ / ١٢٣٧ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٦٦ ؛ ابن خلكان ٥ / ٧٩ ؛ ابن واصل ٥ / ١٥٣ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ٢٦٨ ؛ الذهبي ، سير ٢٢ / ١٢٧ ؛ ابن دقماق ٢ / ٢٨ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣١٣ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ؛ ابن العماد ٥ / ١٧١ ؛ الزبيدي ٥٢.

(٢) أبو شامة ، الذيل ١١٥ ـ ١١٦ ؛ اليافعي ٤ / ٣٢ ؛ ابن كثير ١٣ / ٨٣ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣١٣ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢١٦ ـ ٢١٧ ؛ ابن العماد ٥ / ٦٥ ـ ٦٦.

(٣) سنة ٦١٦ أ ه : سنة ست عشرة وستمائة ب ج : ـ د.

(٤) سنة ٦١٦ أ ه : سنة ست عشرة وستمائة ب ج : ـ د.

٥٥٠

بيع القنطار من الزيت (١) بعشرة دراهم والرطل النحاس بنصف درهم ، وضج الناس وابتهلوا إلى الله تعالى عند الصخرة وفي الأقصى.

وكان الملك المعظم عالما فاضلا (٢) حنفيا متعصبا لمذهبه ، وخالف جميع أهل بيته فإنهم كانوا شافعية ، وله بالقدس مدرسة الحنفية عند باب المسجد الأقصى المعروف الآن بباب الدويدارية ، وبنى على آخر صحن الصخرة من جهة القبلة مكانا يسمى النحوية (٣) للاشتغال بعلم العربية ، ووقف لذلك (٤) أوقافا حسنة.

وفي أيامه جددت عمارة القناطر التي على درج الصخرة القبلي عند قبة الطومار (٥) وغير ذلك بالمسجد الأقصى ، وغالب الأبواب الخشب المركبة على أبواب المسجد ، عملت في أيامه واسمه مكتوب عليها ، وعمر مسجد الخليل ، عليه‌السلام ، ووقف عليه قريتي دورا وكفر بريك ، ولما غاب عن القدس ، كتب إليه بعض أصدقائه :

غبت عن القدس فأوحشته

لما غدا باسمك مأنوسا

فكيف لا يلحقه وحشة

وأنت روح القدس يا عيسى (٦)

وفي سنة ٦١٧ ه‍ (٧) فتح الملك المعظم قيسارية وهدمها.

وفي سنة ٦١٨ ه‍ (٨)(٩) قوي طمع الفرنج المتملكين دمياط في ملك الديار المصرية وتقدموا عن دمياط إلى جهة مصر ووصلوا إلى المنصورة (١٠) ، واشتد القتال بين الفريقين برا وبحرا ، وكتب السلطان الملك الكامل متواترا إلى إخوته وأهل بيته يستحثهم على أنجاده ، فسار الملك المعظم عيسى صاحب دمشق

__________________

(١) من الزيت أ ج ه : الزيت ب : ـ د.

(٢) فاضلا أ ه : + وكان ب ج : ـ د.

(٣) ينظر : العليمي ٤٤.

(٤) ووقف لذلك أ ه : ووقف على ذلك ب ج : ـ د.

(٥) قبة الطومار ، ينظر : العليمي ٣١ ؛ النابلسي ١٣٨.

(٦) فكيف أ ه : وكيف ب ج : ـ د.

(٧) سنة ٦١٧ أ : سنة سبع عشرة وستمائة ب ج : ـ د.

(٨) سنة ٦١٨ ه‍ أ ه : سنة ثماني عشرة ب : وفي سنة ثماني عشرة وستمائة ج : ـ د.

(٩) سنة ٦١٨ ه‍ / ١٢٢١ م ، ومن أحداث دمياط في هذه السنة ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٤٦ ؛ أبو شامة ، الذيل ١٢٨ ـ ١٣٠ ؛ ابن خلكان ٥ / ٨٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ٩٥ ؛ ابن الوردي ٢ / ٢ ـ ٤ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٢٧ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٢٢ ـ ٢٢٤.

(١٠) المنصورة : بلدة أنشأها الملك الكامل الأيوبي بين دمياط والقاهرة ، ورابط فيها في وجه الفرنج حتى استنقذوا دمياط من الفرنج ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٢٤٥ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٣٤٦ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٣٢٢ ؛ الحميري ٣٤٦.

٥٥١

بعسكره ، وأخوه الملك الأشرف (١) مظفر الدين موسى صاحب البلاد الشرقية بعساكره ، واستصحب عساكر (٢) حلب ، والملك الناصر (٣) قليج (٤) أرسلان صاحب حماة ، وصاحب بعلبك الملك الأمجد بهرام شاه ، وصاحب حمص أسد الدين شيركوه ، ووصلوا إلى الملك الكامل وهو في قتال الفرنج على المنصورة ، فركب والتقى مع إخوته ومن في صحبتهم من الملوك وأكرمهم ، فقويت نفوس المسلمين ، وضعفت نفوس الفرنج لما شاهدوه من كثرة العساكر الإسلامية وتجمعهم.

واشتد القتال بين الفريقين ، ورسل الملك الكامل وإخوته مترددة إلى الفرنج في الصلح ، وبذل لهم المسلمون تسليم القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة وجميع ما فتحه السلطان من الساحل ما عدا الكرك والشوبك على أن يجيبوا إلى الصلح ويسلموا دمياط للمسلمين ، فلم يرض الفرنج بذلك وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار عوضا عن تخريب أسوار القدس (٥) وقالوا : لا بد من تسليم الكرك والشوبك.

وبينما الأمر متردد في الصلح والفرنج يمتنعون إذ عبر جماعة من عسكر المسلمين في بحر المحلة (٦) إلى الأرض التي عليه الفرنج من بر دمياط ففتحوا فجوة عظيمة من النيل فكان ذلك في قوة زيادته والفرنج لا خبرة لهم بأمر النيل فركب الماء تلك الأرض وصار حائلا بين الفرنج وبين دمياط وانقطعت عنهم المدد فهلكوا جوعا ، وبعثوا يطلبون الأمان على أن ينزلوا عن جميع ما بذله المسلمون لهم ويسلموا دمياط ويعقدوا مدة الصلح ، وكان فيهم عدة ملوك كبار نحو عشرين ملكا.

واختلفت الآراء في ذلك ثم حصل الاتفاق على إجابتهم لتضجر العسكر وطول المدة ، لأنهم كان لهم ثلاث سنين وشهور (٧) في القتال ، وأجابهم الملك

__________________

(١) الملك الأشرف أبو الفتح مظفر الدين شاه أرمن ابن السلطان الملك العادل أبي بكر ابن الأثير نجم الدين أيوب ، كان مولده سنة ٥٧٨ ه‍ / ١١٨٢ م ، كان حليما كريما كثير العطايا ، توفي سنة ٦٣٥ ه‍ / ١٢٣٧ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٦٥ ؛ ابن خلكان ٥٣ / ٣٣٠ ـ ٣٣٥ ؛ اليافعي ٤ / ٨٧ ؛ ابن كثير ، البداية ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٧٩ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٦٦ ؛ ابن العماد ٥ / ١٧٥ ـ ١٧٧.

(٢) عساكر أ ج ه : عسكر ب : ـ د.

(٣) ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٢٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ٩٣.

(٤) قليج أبو شامة ، ابن كثير : قلج أ ب ج : ـ د ه.

(٥) القدس أ : بيت المقدس ب ج ه : ـ د.

(٦) المحلة : مدينة بين القاهرة ودمياط ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٧٦ ؛ أبو الفداء ، تقويم ١١٦ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٢٣٦.

(٧) وشهور أ ج ه : وأشهر ب : ـ د.

٥٥٢

الكامل ، وطلب الفرنج رهينة ، فبعث ابنه الملك الصالح (١) أيوب وعمره يومئذ خمس عشرة سنة إلى الفرنج ، وحضر من الفرنج رهينة ملك عكا ، وصاحب رومية الكبرى وغيرهما من الملوك ، وكان ذلك في سابع رجب من سنة ثماني سنة.

وجلس الملك الكامل مجلسا عظيما ووقف بين يديه الملوك من إخوته وأهل بيته جميعهم وسلمت دمياط للمسلمين في ١٩ رجب (٢) ، وهنأت الشعراء الملك الكامل بهذا الفتح العظيم.

ثم دخل الملك الكامل إلى دمياط بمن معه ، وكان يوما مشهودا ، ثم توجه إلى القاهرة وانصرف الملوك إلى بلادهم.

وفاة الخليفة الناصر الذي فتح القدس في أيامه (٣)

توفي الإمام الناصر لدين الله العباسي ، المتقدم ذكره ، في أول شوال سنة ٦٢٢ ه‍ (٤) وكانت خلافته نحو / / سبع وأربعين سنة ، وعمي في آخر عمره ، وكان عمره نحو ٧٠ سنة (٥).

ولما دخلت سنة ٦٢٤ (٦) ه وقع تنافر بين الملك الكامل صاحب مصر وأخيه الملك المعظم عيسى صاحب دمشق لأمور بينهما ، فكاتب الملك الكامل الإنبرطون ملك الفرنج في أن يقدم إلى عكا ليشغل سرا أخيه الملك المعظم عما هو فيه ، ووعد الإنبرطون بأن يعطيه القدس. فسار الإنبرطون إلى عكا وبلغ الملك المعظم ذلك.

ثم توفي الملك المعظم عيسى في هذه السنة يوم الجمعة مستهل ذي الحجة

__________________

(١) الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل ، ولد سنة ٦٠٣ ه‍ / ١٢٠٦ م في القاهرة ، وتوفي بها سنة ٦٤٧ ه‍ / ١٢٤٩ م ، وقد ولي السلطنة سنة ٦٣٧ ه‍ / ١٢٣٩ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٦٥ ؛ ابن واصل ٧ / ٢٥٧ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ١٣٩ ؛ الذهبي ، العبر ٣ / ٢٥٧ ؛ ابن الوردي ٢ / ٢٦٣ ؛ ابن دقماق ٢ / ٣٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ؛ المقريزي ، الخطط ٢ / ٣٣٦ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٨٢ ؛ الزبيدي ٦٢ ؛ الغامدي ٢٩١.

(٢) ١٩ رجب أ ه : تاسع عشر رجب ب ج : ـ د / / وهنأت ب : وهنت أ ج ه : ـ د.

(٣) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٦٠ ـ ٣٦١ ؛ أبو شامة ، الذيل ١٤٥ ؛ ابن الجزري ١٢١ ؛ اليافعي ٤ / ٥٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٠٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٤٠ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٣٠ ـ ٢٣٢ ؛ السيوطي ، تاريخ ٥١٣ ؛ ابن العماد ٥ / ٩٧.

(٤) سنة ٦٢٢ أ ه : سنة اثنتين وعشرين وستمائة ب ج : ـ د.

(٥) ٧٠ سنة أ ه : سبعين سنة ب ج : ـ د.

(٦) سنة ٦٢٤ أ ه : سنة أربع وعشرين وستمائة ب ج : ـ د.

٥٥٣

سنة ٦٢٤ (١) ه (٢) ، ودفن بقلعة دمشق ، ثم نقل إلى جبل الصالحية ودفن في مدرسته هناك المعروفة بالمعظمية ، وكان نقله ليلة الثلاثاء مستهل المحرم سنة ٦٢٥ (٣) ه (٤) ، وكانت مدة ملكه دمشق تسع سنين وشهورا.

ولما توفي الملك المعظم ترتب في مملكته بعده ولده الملك الناصر صلاح الدين داود (٥).

فلما دخلت سنة ٦٢٥ ه‍ (٦) أرسل الملك الكامل صاحب مصر يطلب من ابن أخيه الناصر داود حصن الشوبك ، فلم يعطه إياه ولا أجابه إليه (٧).

فسار الملك الكامل من مصر إلى الشام (٨) في رمضان من هذه السنة ، ونزل على تل العجول بظاهر غزة ، وولي ابن يوسف على نابلس والقدس وغيرهما من بلاد ابن أخيه ، ووقع بينهما أمور ومراسلات ، وقدم الإنبرطون (٩) إلى عكا بجموعه ، وقد مات الملك المعظم ، فاستولى على صيدا ، وكانت مناصفة بين المسلمين والفرنج وسورها خراب ، فعمر الفرنج سورها واستولوا عليها (١٠).

والإنبرطون معناه : ملك الأمراء بالفرنجية ، وكان صاحب جزيرة صقلية ،

__________________

(١) سنة ٦٢٤ أ ه : سنة أربع وعشرين وستمائة ب ج : ـ د.

(٢) ٦٢٤ ه‍ / ١٢٢٦ م ، وعن أحداث هذه السنة ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ؛ أبو شامة ، الذيل ١٥١ ـ ٢٥٢ ؛ اليافعي ٤ / ٥٨ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٢١ ـ ١٢٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٤٥ ـ ٣٤٧ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٣٧ ـ ٢٣٩.

(٣) ذ ٦٢ ه‍ / ١٢٢٧ م.

(٤) سنة ٦٢٥ أ ه : سنة خمس وعشرين وستمائة ب ج : ـ د.

(٥) الملك الناصر ٦٠٣ ـ ٦٦٥ ه‍ / ١٢٠٦ ـ ١٢٥٨ م ، داود بن الملك المعظم عيسى بن محمد بن أيوب الملك الناصر صلاح الدين ، صاحب الكرك وأحد الشعراء الأدباء ولد ونشأ في دمشق ، وملكها بعد أبيه سنة ٦٢٦ ه‍ ، وأخذها منه عمه الأشرف ، حبس بقلعة حمص ثلاث سنوات ، وتوفي بالطاعون سنة ٦٥٦ ه‍ ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ٢٠٠ ؛ ابن خلكان ٣ / ٤٩٦ ؛ اليافعي ٤ / ١٣٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٩٨ ؛ الكتبي ١ / ١٥٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٤٦ ؛ القلقشندي ، صبح ٤ / ١٧٥ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ٣٤ ـ ٦١ ؛ ابن العماد ٥ / ٢٧٥.

(٦) سنة ٦٢٥ أ ه : سنة خمس وعشرين وستمائة ب ج : ـ د.

(٧) ولا أجابه إليه أ ب ه : ولا أجابه ج : ـ د.

(٨) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٧٧ ؛ أبو شامة ، الذيل ١٥٣ ؛ ابن الجزري ١٤٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٢٣ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

(٩) الامبراطور : هو فردريك الثاني ملك ألمانيا وصقلية ، أقوى ملوك الغرب في زمنه وقد جاء على رأس الحملة الفرنجية السادسة ، ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ه ١ ، ٦ / ٢٤١.

(١٠) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٧٦ ؛ ابن الجزري ١٤٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٢٣ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٥١.

٥٥٤

وكان فاضلا يحسن الحكمة والمنطق ويميل إلى المسلمين.

ذكر تسليم بيت المقدس إلى الفرنج (١)

لما دخلت سنة ٦٢٦ ه‍ (٢) استهلت وملوك بني أيوب متفرقون مختلفون قد صاروا أحزابا بعد أن كانوا إخوانا وأصحابا ، فقوي الفرنج بذلك وبموت المعظم عيسى وبمن (٣) وفد إليهم من البحر ، وكان الملك الكامل قد عزم (٤) على انتزاع دمشق من ابن أخيه الناصر داود وسير الملك الكامل أخاه الملك الأشرف (٥) لحصار دمشق ، والكامل مشتغل بمراسلة الإنبرطون.

ولما طال الأمر ولم يجد الكامل بدا من المهادنة أجاب الإنبرطون إلى تسليم القدس إليه على أن تستمر أسواره خرابا ولا يعمره الفرنج (٦) ولا يتعرضوا لقبة (٧) الصخرة ولا إلى الجامع الأقصى ويكون المرجوع في الرستاق (٨) إلى والي المسلمين ، ويكون لهم من القرى ما هو على الطريق من عكا إلى القدس فقط ، ووقع الأمر على ذلك وتحالفا عليه.

وتسلم الإنبرطون القدس في ربيع الآخر على القاعدة المذكورة ، وعظم ذلك على المسلمين وحصل به وهن شديد وإرجاف بين الناس (٩).

ولما وقع ذلك كان الناصر داود في الحصار لانتزاع دمشق منه فأخذ في التشنيع على عمه الكامل بذلك (١٠) ، وكان بدمشق الشيخ شمس الدين يوسف سبط أبي الفرج الجوزي (١١) وكان واعظا له قبول عند الناس ، فأمره الناصر داود أن يعمل

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٧٨ ؛ أبو شامة ، الذيل ١٥٤ ؛ ابن واصل ٤ / ٢٤١ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٢٣ ـ ١٢٤ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٤١.

(٢) سنة ٦٢٦ أ ه : سنة ست وعشرين وستمائة ب ج : ـ د / / استهلت أ ج ه : واستهلت ب : ـ د.

(٣) وبمن أ ج ه : ومن ب : ـ د.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٧٨ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٥٣.

(٥) الأشرف أ : + موسى ب ج ه : ـ د.

(٦) ولا يعمره الفرنج ب : ولا تعمره أ ج ه : ـ د.

(٧) لقبة أ ج ه : ال قبة ب : ـ د.

(٨) الرستاق والرزداق : السواد والقرى ، معرب رستاق الفارسية ، جمعها رزداقات ورزاديق ، ينظر : الحسيني ٤٤٥.

(٩) بين الناس أ ب ه : في الناس ج : ـ د.

(١٠) ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٥٤ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٥٥.

(١١) سبط ابن الجوزي (قز أوغلي) ٥٨١ ـ ٦٥٤ ه‍ / ١١٨٥ ـ ١٢٥٦ م ، يوسف بن قز أوغلي بن عبد الله أبو المظفر ، شمس الدين ، سبط أبي الفرج بن الفرج بن الجوزي ، مؤرخ من الكتاب الوعاظ ، ولد ونشأ ببغداد وانتقل إلى دمشق واستوطنها ، وتوفي فيها ، من كتبه مرآة الزمان في تاريخ الأعيان ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٩٥ ؛ ابن الجزري ٢٤٠ ؛ اليافعي ٤ / ١٣٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٥٠٢ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ٣٩ ؛ ابن العماد ٥ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

٥٥٥

مجلس وعظ يذكر فيه فضائل بيت المقدس وما حل بالمسلمين من تسليمه إلى الفرنج ففعل ذلك ، فكان مجلسا عظيما ومن جملة ما أنشد قصيدة تائية ضمنها فضل بيت المقدس منها :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

وارتفع بكاء الناس وضجيجهم لذلك ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ولما عقد الملك الكامل الهدنة مع الإنبرطون وخلا سره من جهة الفرنج سار إلى دمشق فوصل إليها في جمادى الأولى ، واشتد الحصار على دمشق ، واستولى عليها الملك الكامل ، وسلمها لأخيه الملك الأشرف موسى ، وعوض الناصر داود عنها الكرك والشوبك والبلقا والصلت والأغوار ، ثم نزل الناصر داود عن الشوبك وسأل عمه في قبولها فقبله.

واستمر الأشرف موسى بدمشق إلى أن توفي / / في المحرم سنة ٦٣٥ ه‍ (١)(٢) ، وتملك دمشق بعده أخوه الملك الصالح إسماعيل (٣) بعهد منه.

ثم سار الملك الكامل إلى دمشق ومعه الناصر داود صاحب الكرك ونزلا عليهما في جمادى الأولى من هذه السنة وحصلت أمور ووقائع ، ثم سلم الصالح إسماعيل دمشق إلى أخيه الكامل لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى وتعوض عنها بعلبك (٤)

ولم يلبث الكامل غير أيام حتى مرض واشتد مرضه ، ومات لتسع بقين من رجب سنة ٦٣٥ ه‍ (٥) ، وعمره نحو ستين سنة ، وكانت مدة ملكه مصر من حين مات والده عشرين سنة ، وكان ملكا مهيبا (٦) ، حسن التدبير ، يحب العلماء

__________________

(١) ٦٣٥ ه‍ / ١٢٣٧ م.

(٢) سنة ٦٣٥ أ ه : سنة خمس وثلاثين وستمائة ب ج : ـ د.

(٣) الصالح عماد الدين إسماعيل الأيوبي أبو الخيش بن العادل محمد أبي بكر بن أيوب ، تسلطن سنة ٦٣٥ ه‍ / ١٢٣٧ م ، وسلم قلعة شقيف للفرنج سنة ٦٣٨ ه‍ / ١٢٤٠ م ، وقتل في مصر سنة ٦٤٨ ه‍ / ١٢٥٠ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٦٥ ؛ ابن واصل ٥ / ١٤٧ ؛ الذهبي ، سير ٢٢ / ١٣٤ ؛ ابن الوردي ٢ / ٢٧٠ ؛ ابن العماد ٥ / ٢٤١ ؛ الزبيدي ٥٠.

(٤) ينظر : المقريزي ، السلوك ١ / ٣٥٧.

(٥) سنة ٦٣٥ أ ه : سنة خمس وثلاثين وستمائة ب : ـ ج د.

(٦) ملكا مهيبا أ ب ه : ملكا مهابا ج : ـ د.

٥٥٦

ومجالستهم ، وهو الذي بنى القبة على قبر الشافعي ، رضي‌الله‌عنه.

واستمر بعده (١) في السلطنة بمصر ولده الملك العادل (٢) أبو بكر بن الكامل فإنه كان نائبه بمصر ، واتفق الأمراء بدمشق حين وفاة والده على تحليف العسكر له أو أقاموا في دمشق الملك الجواد يونس بن مودود بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب نائبا عن الملك العادل ابن الكامل ، ورحل الناصر داود إلى الكرك ، وتفرقت العساكر.

فلما دخلت سنة ٦٣٦ ه‍ (٣)(٤) استولى الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل على دمشق وأعمالها بتسليم الملك الجواد يونس في جمادى الآخرة.

ودخلت سنة ٦٣٧ ه‍ (٥)(٦) وكان الملك الصالح أيوب سار من دمشق واستخلف فيها ولده الملك المغيث فتح الدين عمرو.

ووصل الصالح أيوب إلى نابلس لقصد الاستيلاء على الديار المصرية ، فسار الصالح إسماعيل صاحب بعلبك ومعه شيركوه صاحب حمص بجموعها ، وهجموا على دمشق وحصروا القلعة وتسلمها الصالح إسماعيل وقبض على الملك المغيث في صفر.

فلما بلغ الصالح أيوب ذلك رحل من نابلس إلى الغور ، وتشتت عنه عساكره ، وضاق به الأمر ، فقصد نابلس ، ونزل بها بمن معه ، فسار إليه الناصر داود بعسكره من الكرك ، وأمسك الصالح أيوب وأرسله إلى الكرك واعتقله بها ، وأمر بالقيم في خدمته بكل ما يختاره ، ولما اعتقل بالكرك أرسل أخوه الملك العادل أبو بكر صاحب مصر يطلبه من الناصر داود فلم يسلمه الناصر داود. فأرسل العادل وتهدد الناصر بأخذ بلاده فلم يلتفت إلى ذلك.

__________________

(١) واستمر بعده ... فسار الصالح إسماعيل أ ب ه : ـ ج د.

(٢) الملك العادل : هو السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن الكامل محمد بن العادل ، ويعرف بالعادل الثاني ، ولد بالمنصورة سنة ٦١٧ ه‍ / ١٢٢١ م ، وتسلطن بين سنتي ٦٣٦ ه‍ / ١٢٣٨ م ، ٦٣٧ ه‍ / ١٢٣٩ م ، ومات في سنة ٦٤٦ ه‍ / ١٢٤٨ م ، ينظر : ابن خلكان ٥ / ٤٨ ؛ ابن واصل ٥ / ٣٧٩ ؛ ابن الوردي ٢ / ٩٥٩ ؛ ابن دقماق ٢ / ٣٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٤٣٥.

(٣) سنة ٦٣٦ أ ه : سنة ست وثلاثين وستمائة ب : ـ ج د.

(٤) ٦٣٦ ه‍ / ١٢٣٨ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٦٧ ـ ١٦٨ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٥٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٨٩ ـ ٣٩٢.

(٥) سنة ٦٣٧ أ ه : سنة سبع وثلاثين وستمائة ب : ـ ج د.

(٦) ٦٣٧ ه‍ / ١٢٣٩ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٦٨ ـ ١٧٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٥٣ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٩٥ ـ ٣٩٨.

٥٥٧
٥٥٨

بسم الله الرحمن الرّحيم

المصادر

١) القرآن الكريم.

٢) المصادر العربية والمعربة :

ـ ابن الأثير ، أسد الغابة : علي بن محمد ، (ت ٦٣٠ ه‍ / ١٢٣٢ م) ، أسد الغابة في معرفة الصحابة ، ٦ ج ، دار الفكر ، لبنان ، ١٩٨٩ م.

ـ ابن الأثير ، التاريخ : التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية (بالموصل) ، تحقيق عبد القادر طليمات ، دار الكتب الحديثة بالقاهرة ، ومكتبة المثنى ببغداد ، ١٩٦٣ م.

ـ ابن الأثير ، الكامل الكامل في التاريخ ، ١٠ ج ، ط ٣ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ١٩٨٠ م.

ـ ابن الأثير ، اللباب : اللباب في تهذيب الأنساب ، ٤ ج ، دار صادر ، بيروت ، د. ت.

ـ ابن الأخوة : محمد بن محمد القرشي ، (ت ٧٢٩ ه‍ / ١٣٢٩ م) ، معالم القربة في أحكام الحسبة ، تحقيق رفيق ليوي ، كمبردج ، ١٩٣٧ م.

ـ الإدريسي : محمد بن عبد الله ، (ت ٥٦ ه‍ / ١١٦٤ ـ ١١٦٥ م) ، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ، ٢ ج ، ط ١ ، عالم الكتب ، بيروت ، ١٩٨٩ م.

ـ الأزرقي : محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي ، (ت ٢٢٣ ه‍ / ٨٣٧ م) ، مكة وما جاء فيها من الآثار ، ٢ ج ، ط ٢ ، دار الأندلس ، بيروت ، ١٩٨٣ م.

ـ الأسنوي : عبد الرحمن الأسنوي ، (ت ٧٧٢ ه‍ / ١٣٧٠ م) ، طبقات الشافعية ، ٢٠ ج ، تحقيق كمال الحوت ، ط ٢ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٧ م.

ـ الإصطخري : أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ، (ت في النصف الأول من ق ٤ ه‍ / ١٠ م) ، المسالك والممالك ، تحقيق محمد جابر ، القاهرة ، ١٩٦١ م.

ـ الأصفهاني ، الفتح : أبو عبد الله محمد الأصفهاني ، (ت ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠٠ م) ، الفتح القسي في الفتح القدسي ، تحقيق محمد محمود صبح ، الدار القومية للنشر ، القاهرة ١٩٦٤ م.

ـ الأصفهاني ، حلية : أبو نعيم بن عبد الله الأصفهاني ، (ت ٤٣٠ ه‍ / ١٠٣٨ م) ، حلية

٥٥٩

الأولياء ، دار الكتاب العربي ، بيروت ١٩٨٥ م.

ـ ابن إياس : محمد بن أحمد بن إياس ، (٩٣٠ ه‍ / ١٥٢٣ م) ، بدائع الزهور في وقائع الدهور ، ٥ ج ، تحقيق محمد مصطفى ، ط ٣ ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٨٣ ـ ١٩٨٤ م.

ـ البخاري ، التاريخ : إسماعيل بن إبراهيم الجعفري ، (٢٥٦ ه‍ / ٨٦٩ م) ، التاريخ الصغير ، ٢ ج ، تحقيق محمود زايد ، ط ١ ، دار المعرفة ، بيروت ١٩٨٦ م.

ـ البخاري ، الجامع : الجامع الصحيح ، ٤ ج ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، د. ت.

ـ ابن بطوطة : أبو عبد الله بن محمد ، (ت ٧٧٩ ه‍ / ١٣٧٧ م) ، رحلة ابن بطوطة ، ٢ ج ، دار الشرق العربي ، بيروت ، د. ت.

ـ البغدادي ، تاريخ : أحمد بن علي الخطيب البغدادي ، (ت ٤٦٣ ه‍ / ١٠٧٠ م) ، تاريخ بغداد ، ١٤ ج ، المكتبة السلفية ، المدينة المنورة ، د. ت.

ـ البغدادي ، مراصد : صفي الدين بن عبد الحق البغدادي (٧٣٩ ه‍ / ١٣٣٨ م) ، مراصد الاطلاع في أسماء الأمكنة والبقاع ، ٣ ج ، تحقيق علي البجاوي ، ط ١ ، دار الجيل ، بيروت ، ١٩٩٢ م.

ـ البغوي : الحسين بن مسعود بن محمد (ت ٥١٠ ه‍ / ١١١٦ م) ، شرح السنة ، ٢٠ ج ، تحقيق زهير الشاويش وزميله ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ١٩٨٢ م.

ـ البكري : عبد الله بن عبد العزيز البكري (ت ٤٨٧ ه‍ / ١٠٩٤ م) ، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع ، ٤ ج ، تحقيق مصطفى السقا ، عالم الكتب ، بيروت ، ١٩٨٣ م.

ـ البلاذري : أبو الحسن أحمد بن يحيى ، (ت ٢٧٩ ه‍ / ٨٩٢ م) ، فتوح البلدان ، مكتبة الهلال ، بيروت ، لبنان ١٩٨٨ م.

ـ البلوي : خالد بن عيسى (٧٦٥ ه‍ / ١٣٦٢ م) ، تاج المفرق في تحلية علماء المشرق ، ٢ ج ، تحقيق الحسن السائح ، مطبعة فضالة المحمدية ـ المغرب ، د. ت.

ـ بورشارد : الحاج بورشارد من دير جيل صهيون ، وصف الأرض المقدسة ، ترجمة سعيد البيشاوي ، ط ١ ، دار الشروق ، عمان ، ١٩٩٥ م.

ـ التطيلي : بنيامين التطيلي ، رحلة بنيامين التطيلي ، ترجمة عزرا حداد ، بغداد ١٩٤٥ م.

ـ ابن تغري بردي : جمال الدين أبو المحاسن يوسف (ت ٨٧٤ ه‍ / ١٤٦٩ م) ، حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ، ٢ ج ، تحقيق محمد كمال عز الدين ، ط ١ ، عالم الكتب ، بيروت ، ١٩٩٠ م.

ـ ابن تغري بردي ، النجوم : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ، ١٦ ج ، تقديم وتعليق محمد حسنين شمس الدين ، ط ١ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٩٢ م.

ـ ابن تيمية : تقي الدين أحمد بن تيمية (ت ٧٢٨ ه‍ / ١٣٢٧ م) ، مجموعة فتاوى شيخ

٥٦٠