الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

مجير الدين الحنبلي العليمي

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

المؤلف:

مجير الدين الحنبلي العليمي


المحقق: عدنان يونس عبد المجيد أبو تبّانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

وأخرجوا الكفار وغنموا أموالهم. وكان هذا الفتح في منتصف ذي القعدة ، وعرض السلطان القلعة على جماعة (١) فلم يقبلوها ، فولاها قايماز النجمي على كره منه.

ثم تحول السلطان إلى أرض بيسان وأذن للأمراء (٢) والجند في الانصراف ، وسار معه أخوه الملك العادل في مستهل ذي الحجة إلى القدس الشريف / / ووصل يوم الجمعة ثامن الشهر وصلى في قبة الصخرة وعيد بها يوم الأضحى ونحر الأضحية.

وسار يوم الاثنين إلى عسقلان للنظر في مصالحها وتدبير أموالها ، وأقام أياما ثم ودعه أخوه الملك العادل وسار بعسكره إلى مصر ورحل السلطان إلى عكا.

ودخلت سنة ٥٨٥ ه‍ (٣) والسلطان مقيم بعكا يرتب أمورها ويحصنها إلى أن وصل جماعة من مصر فأمرهم بالإقامة فيها وأمر بهاء الدين قراقوش بإتمام بناء سورها. ثم سار إلى طبرية ودخل دمشق مستهل صفر ، ثم خرج منها يوم الجمعة ثالث ربيع الأول متوجها إلى شقيف أرنون (٤) ، وأتى مرج عيون (٥) وخيم فيه بقرب الشقيف.

واعتد للقتال يوم الجمعة سابع عشر ربيع الأول ، وكان الشقيف في يد أرناط (٦) صاحب صيدا ، فنزل إلى خدمة السلطان يسأله أن يمهله ثلاثة أشهر لينقل أهله من صور وأظهر أنه يخاف أن يعلم المركيس بحاله فلا يمكنه من أهله فأجابه السلطان لذلك وشرع أرناط في تحصين نفسه واستعداده للحرب.

فعلم السلطان بحقيقة حاله ، فتقرب السلطان من الشقيف ، فلما علم صاحب الشقيف بذلك حضر إلى خدمة السلطان ، وشرع في الاستعطاف له وإزالة ما عنده وعاد إلى حصنه. ثم حضر وأنهى تخوفه على أهله وسأل المهلة سنة. فأرسل السلطان من كشف الحصن فوجده قد تحصن زيادة على ما كان فيه. فأمسك صاحب

__________________

(١) جماعة أ د ه : جماعته ب : ـ ج / / على كره أ ب د : ـ ج ه.

(٢) للأمراء أ ب د : ـ ج ه.

(٣) ٥٨٥ ه‍ / ١١٨٩ م.

(٤) شقيف أرنون : بفتح أوله ، وكسر ثانيه ، ثم ياء مثناة من تحت ، وفاء ، وبعد الراء الساكنة نون ثم واو ساكنة ونون أخرى ؛ وهو قلعة حصينة جدا في كهف من الجبل قرب بانياس من أرض دمشق بينها وبين الساحل ، ينظر : ياقوت ، معجم ٣ / ٣٥٦ أبو الفداء ، تقويم ٢٤٤ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٠٧ ؛ حطيط ١٩٦ ؛ حتى ٣٥٨.

(٥) مرج عيون : قرية في الجنوب اللبناني على الساحل الشامي ، ينظر : البغدادي ٣ / ١٢٥٤.

(٦) يبدو أن أرناط هذا غير أرناط صاحب الكرك الذي قتله صلاح الدين بعد وقعة حطين وهناك اسما آخر لصاحب شقيف هو رينالد الصيدلاوي ، وقد أرسله صلاح الدين إلى دمشق مصفدا ، ثم فك الحصار عن الحصن ليتفرغ لمراقبة جيش الفرنج ، ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٤٠ ؛ رنسيمان ٣ / ٥٣.

٥٠١

الحصن وقيد وحمل إلى قلعة بانياس ، ثم استحضره في سادس رجب وهدده ، ثم سيره إلى دمشق وسجنه.

وحصر (١) الحصن في يوم الأربعاء ثامن رجب ورتب عليه عدة من الأمراء لمحاصرته إلى أن تسلمه بعد سنة ، وأطلق صاحبه.

ولما كان السلطان بمرج عيون اجتمع الفرنج واتفقوا على إقامة المركيس (٢) بصور وأجمعوا على حرب المسلمين والمركيس يمدهم من صور ، فبلغ السلطان ذلك في يوم الاثنين سابع عشر جمادى الأولى وأنهم على قصد صيدا ، فركب في الحال والتقى العسكر (٣) مع الفرنج ، فهزمهم بإذن الله تعالى ، ونصر الله المسلمين ، وأسر من أعيانهم سبعة.

وعاد السلطان إلى مخيمه وأقام إلى يوم الأربعاء تاسع عشر جمادى الأولى ، ثم ركب في ذلك اليوم ، وتواقع هو والفرنج ، واشتد القتال ، فاستشهد جماعة من المسلمين ، وقتل خلق كثير من المشركين ، ثم قوي عزم السلطان على قصدهم في مخيمهم ، وشاع هذا الخبر ، فخاف الفرنج وذهبوا إلى صور فاقتضى الحال التأخير.

وسار السلطان إلى تبنين صبيحة الخميس السابع والعشرين من الشهر ، ثم سار منها إلى عكا ورتب أمورها وعاد إلى المعسكر ، وأقام إلى يوم السبت سادس جمادى الآخرة ، فبلغه أن الفرنج ينتشرون في الأرض ، فأمر السلطان بتكمين كمائن لهم وإذا رأوهم يطردونهم (٤).

وسار السلطان يوم الاثنين فتواقعوا واشتد القتال ، وكان بالعسكر جماعة من العرب لا خبرة لهم بالطريق ، فتطاردوا بين يدي الفرنج في واد لا ينفذ ، فحصرهم الفرنج ولم يقدروا على السلوك من الوادي (٥) ، فاستشهدوا ، رحمهم الله تعالى.

مسير الفرنج إلى عكا (٦)

وصل الخبر يوم الأربعاء ثامن رجل أن العدو على قصد عكا وأن جماعة منهم

__________________

(١) وحصر أ : وحاصر ب د ه : ـ ج.

(٢) المركيس أ ب د : المركيش ه : ـ ج.

(٣) العسكر أ ج د ه : بعسكره ب.

(٤) يطردونهم أ د ه : يطاردونهم ب : ـ ج.

(٥) من الوادي ب د ه : ـ أ ج.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٠ ـ ٢٠٢ ؛ ابن شداد ٧٨ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٤٢ ؛ المقريزي ، السلوك ٢١٥١.

٥٠٢

سبقوا إلى النواقير (١) ونزلوا بإسكندرونة (٢)(٣) ، وتواقع معهم جماعة من المسلمين ، فكتب السلطان للعساكر (٤) يجمعهم ورحل الفرنج يوم الأحد ثاني عشر رجب ونزلوا على عين عبد ، فأصبح السلطان يوم الاثنين على الرحيل ، وجاء عصر يوم الثلاثاء والسلطان نازل (٥) من أرض كفر كنا (٦) ، ثم أصبح يوم الأربعاء خامس عشر الشهر ونزل على جبل الخروبة (٧) وترك الأثقال بأرض صفورية (٨). ونزل الفرنج على عكا من البحر إلى البر (٩) محتاطين بها يحاصرونها ، واجتمعت العساكر فصار العدو حول البلد. وأحاط المسلمون بالفرنج ومنعوهم من الطرق واشتد القتال ، واستدارت الفرنج بعكا ومنعوا من الدخول والخروج وذلك يوم الأربعاء والخميس سلخ رجب ، فأصبح السلطان يوم الجمعة مستهل شعبان على عكا.

وتباشر المسلمون بالنصر وثار الحرب ، وأصبحوا يوم السبت على ذلك ، وحمل الناس من جانب البحر شمالي عكا حملة شديدة ، وانهزم الفرنج إلى تل العياضية (١٠)(١١) فأخلوا ذلك الجانب ، وانفتح للمسلمين / / طريق عكا ، ودخلها الرجال (١٢) ، ودخل العسكر إليها وخرج واستطرقت إليها الجيوش ، واطلع السلطان على الفرنج من سورها ، وخرج عسكر البلد للقتال ، وتشاور المسلمون فيما بينهم ، ودبروا الحيل في قتال العدو المخذول.

__________________

(١) النواقير : جمع نقيرة وهي فرجة بين عكا وصور على ساحل بحر الشام ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١٣٩٢.

(٢) الإسكندرونة : مدينة في شرق أنطاكية على ساحل بحر الشام ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٧٦ ؛ الحميري ٥٦.

(٣) بإسكندرونة ب د ه : بإسكندرية أ : ـ ج / / وتواقع معهم أ ه : وتواقعوا مع ب د.

(٤) للعساكر أ ه : للعسكر ب : ـ ج د.

(٥) نازل أ ب د : ـ ج ه / / من أرض أ ه : بأرض ب د : ـ ج.

(٦) كفر كنا : قرية بشمال فلسطين بها قبر يوسف ، عليه‌السلام ، وتقع شرق الناصرة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٧١ ؛ شراب ٦٢٨.

(٧) الخروبة : حصن بسواحل بحر الشام مشرف على عكا ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٣٦٢ ؛ الدومنيكي ٦٦ ؛ المغربي ٥٨.

(٨) صفورية : كورية وبلدة من نواحي الأردن بالشام قرب طبرية ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٤٥ ؛ الحميري ٣٦٣ ؛ شراب ٤٨٧.

(٩) إلى البر ه : إلى البحر أ ب د : ـ ج.

(١٠) تل يقع شرق مدينة عكا ، ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٤٣ ؛ ابن شداد ٨٦ ؛ المغربي ٥٨.

(١١) تل العياضية ابن شداد ، أبو شامة : تل الصياصية ب د ه : تل الصلبة أ : ـ ج / / فأخلوا أ د ه : وأخلوا ب : ـ ج.

(١٢) ودخلها الرجال أ د ه : ـ ج د.

٥٠٣

فلما كان يوم الأربعاء ثامن شعبان ركب الفرنج آخر النهار بأجمعهم وتقدموا وحملوا على المسلمين ، فصدهم المسلمون فولى الكفار هاربين مدبرين وقتل وجرح منهم ، ودخل الليل وبات الحرب على حاله ، وانتقل السلطان ليلة الاثنين حادي عشر الشهر إلى تل العياضية لأنه مشرف عليهم للعلو ، وبلغ السلطان أن الفرنج يخرجون للاحتشاش وينتشرون في الأرض ، فانتدب جماعة من العربان ، فأغاروا عليهم وحالوا بينهم وبين خيامهم وحشروهم وأبادوهم (١) قتلا وقطعوا رؤوسهم وأحضروها عند السلطان وذلك يوم السبت سادس عشر شهر شعبان ، وسر المسلمون وتباشروا هذا والقتال على عكا متصل.

نادرة (٢)

ومن النوادر الواقعة أنه أفلت من بعض مراكب الفرنج حصان من الخيول الموصوفة عندهم فلم يقدروا على إمساكه وما زال يعوم في البحر وهم حوله إلى أن دخل ميناء البلد ، فتسارع المسلمون إليه وأخذوه وأهدوه للسلطان ، فتباشر المسلمون بالنصر. ورآه الفرنج من إمارات خذلانهم.

الوقعة الكبرى

وأصبح الفرنج يوم الأربعاء العشرين (٣) من شعبان وقد رفعوا صلبانهم وتقدموا وزحف أبطالها ، وقد عبىء السلطان الميمنة والميسرة وشرع يمر بالصفوف ويقوي عزم العساكر (٤). واشتد القتال واستشهد جماعة من المسلمين وولى العسكر الإسلامي منهزما ، فمنهم من وصل طبرية ومنهم من وصل دمشق. وبقي المسلمون في شدة عظيمة حتى أدركهم الله تعالى بنصره (٥) ، وهو أنه لما تمت الكسرة على المسلمين ، وصل جماعة من الفرنج إلى خيمة السلطان ولم يتبعهم من يعضدهم ، فهابوا الوقوف هناك فانحدروا عن التل ، واستقبلهم (٦) المسلمون فتبعوهم وظفروا بهم فقتلوا منهم وضربوا رقابهم واشتد الحرب وثبت المسلمون فمالوا على ميسرة الفرنج ففلوها ووضعوا فيهم السيوف فأبادوهم (٧) قتلا ، وممن قتل مقدم عسكرهم ،

__________________

(١) وأبادوهم ب د ه : وأبدوهم أ : ـ ج.

(٢) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٤٣.

(٣) العشرين أ د ه : لعشرين ب : ـ ج.

(٤) العساكر أ ب د : العسكر ه : ـ ج.

(٥) بنصره أ : بالنصر ب د ه : ـ ج.

(٦) واستقبلهم أ د ه : فاستقبلهم ب : ـ ج.

(٧) فأبادوهم أ ب د : فبادوهم ه : ـ ج.

٥٠٤

وتبعهم المسلمون حتى كلت سيوفهم (١) ، وقتل من الفرنج نحو خمسة آلاف فارس ، وقتل مقدم الداوية.

وحكي عنه أنه قال : عرضنا في مائة ألف وعشرة آلاف ومن العجب أن الذين ثبتوا من المسلمين لم يبلغوا ألفا فردوا مائة ألف. فكان الواحد من المسلمين يقتل من الكفار ثلاثين وأربعين.

وأرسل السلطان (٢) البشائر إلى دمشق بهذا النصر ، وعاد السلطان إلى مكانه وعزم على أنه يصالح العدو ، وتفقد العسكر فإذا هو قد غاب ، وذلك أن بعض الغلمان والأوباش لما وقعت الوقعة ظنوا أن عسكر الإسلام انهزم ، فنهبوا الأثقال وذهبوا (٣) ، وانهزم جماعة من الجند. فمضى العسكر وراء الغلمان فتأخر من أجل ذلك العزم على المسير ، فانتعش (٤) الفرنج لذلك.

وكثر جيف الفرنج المقتولين ، فشكى المسلمون نتن رائحتها. فرسم السلطان بحملها على العجل ورميها في النهر ، فحمل أكثر من خمسة آلاف جثة. ثم في يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان حضر أكابر الأمراء عند السلطان ، ودار الكلام بينهم في المشهورة ، فأشاروا بالانصراف لهجوم البرد والشتاء وأن أبدانهم وخيولهم قد ضعفت ، وأن السلطان يراسل (٥) البلاد ويجمع الجموع ، ثم يحضر للجهاد في سبيل الله تعالى. هذا والسلطان متكره من هذه المقولات (٦) ، وليس عنده ملل ، وفي كل يوم يطوف على العسكر ويقوي عزمه (٧).

فانتقل ليلة الثلاثاء رابع شهر رمضان إلى الخروبة عند الأثقال وأمر من بعكا بغلق الباب ، وشرع الفرنج في حفر خندق على معسكرهم حوالي عكا من البحر (٨) إلى البحر وتحصنوا وتستروا ، وأقام السلطان بالمخيم وهو متوعك ، فمنّ الله تعالى عليه بالعافية ، وصرف الأجناد الغرباء ليرجعوا في الربيع ، وأقام بمماليكه ، فما مضى يوم إلا وفيه وقعة والمماليك ظافرون بالفرنج. وفي يوم الاثنين ثالث شهر رمضان

__________________

(١) حتى كلت سيوفهم أ ب د : ـ ج ه.

(٢) وأرسل السلطان البشائر إلى دمشق بهذا النصر أ ه : وأرسل السلطان بهذا النصرة البشائر إلى دمشق ب د : ـ ج.

(٣) وذهبوا أ : فانهزموا ب د ه : ـ ج / / انهزم أ د ه : وانهزموا ب : ـ ج.

(٤) فانتعش أ د ه : وانتعش ب : ـ ج.

(٥) يراسل ب د ه : يراس أ : ـ ج.

(٦) المقولات أ د ه : المقالات ب : ـ ج.

(٧) عزمه أ د ه : عزمهم ب ه : ـ ج.

(٨) من البحر إلى البحر أ ب د : من البحر إلى البر ه : ـ ج.

٥٠٥

أخذ المسلمون بعكا مركبا للفرنج مقلعا إلى صور فيه ثلاثون رجلا وامرأة واحدة ورزمة من الحرير فغنموه وتباشروا ، واشتد أزرهم بذلك.

وصول ملك الألمان (١)

ورد الخبر بوصول ملك الألمان إلى قسطنطينية / / في عدد كثير على قصد العبور إلى بلاد الإسلام وأنه في ثلاثمائة ألف مقاتل ، وقد قطع الروم إلى جهة الشام. فانزعج المسلمون لذلك ، وندب السلطان الرسل إلى جميع البلاد يستنفروا (٢) للجهاد ، فوصل الملك العادل سيف الدين من مصر في نصف شوال في جيش عظيم ، فحصل به السرور وقوى المسلمون ونزل في مخيمه. وأرسل السلطان إلى رجال دمشق والبلاد ، فحضروا وشرع المسلمون في كل حين (٣) يعالجون الفرنج ولهم معهم في كل ليلة كبسة.

وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة وصل الأسطول من مصر وعدته خمسون شونة (٤) ، فإن السلطان لما وصل إلى عكا كتب إلى مصر بتجهيز وتكثير رجاله وعدده ، فصادف مراكب الفرنج في البحر ، فأول ما ظفر الأسطول بشونة للفرنج فقتل مقاتليه ، ووقعت بينهم وقعة كبرى ، وتفرقت سفن الفرنج (٥) ، وسارت البشائر للمسلمين بوصول الأسطول.

ولما اشتد البرد وكثرت الأمطار واستظهر البلد رجال الأسطول ، وكانوا زهاء عشرة آلاف بحري ، فامتلأ البلد وشرعوا يتلصصون على الكفار ، وكبسوا ليلة سوق الخمارات ، وسبوا عدة من النساء الحسان ، فكان في ذلك نكاية عظيمة للكفار وأمكن الله المسلمين من الكفار ، وشرعوا في نهبهم وأسرهم في كل وقت.

ذكر نساء الفرنج (٦)

ثم وصلت مركب فيها ثلاثمائة امرأة فرنجية من النساء الحسان اجتمعن من الجزائر لإسعاف العزبان وسبلن أنفسهن وفروجهن للعزبان ورأين أن هذه قربة ما ثم

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٧ ؛ ابن شداد ٩٤ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٤.

(٢) البلاد يستنفروا أ : الأمصار يستنفر ب د ه : ـ ج.

(٣) في كل حين أ د : في كل يوم ب ه : ـ ج.

(٤) الشونة : هي سفينة ضخمة مزودة بالأبراج والقلاع وتحمل الواحدة منها ١٥٠ رجلا ، وتستعمل هذه السفن في حالات الهجوم والدفاع ، ينظر : غنيم ١٣٣.

(٥) سفن الفرنج وسارت أ د ه : سفن الإفرنج وصارت ب : ـ ج.

(٦) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٤٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٤.

٥٠٦

أفضل منها ، وعند الفرنج أن العزباء إذا مكنت منها الأعزب لا حرج عليها ، وتسامع عسكر الإسلام بهذه القضية (١) فأبق من المماليك والجهال جماعة وذهبوا إليهن ، ووصلت أيضا في البحر امرأة كبيرة القدر وهي ملكة بلدها وفي خدمتها خمسمائة فارس وفي الفرنج نساء يلبسن هيئة الرجال ويقاتلن ، وفي يوم الوقعة أسروا (٢) جماعة منهن ، فلم يعرفن حتى سلبن وعرين.

وأما العجائز فحضر منهن جماعة وهن ينشدن تارة ويحرضن وينخين الرجال (٣) ، لعنة الله عليهن. وفي هذه السنة ندب السلطان الرسل إلى البلاد لاستنفار المجاهدين ، وتوفي الفقيه ضياء الدين عيسى الهكاري (٤) بمنزلة الخروبة سحر ليلة الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة ٨٥ (٥) ، وكان من الأعيان وله منزلة عند السلطان وحمل من يومه إلى القدس ، فدفن به (٦).

ودخلت سنة ٥٨٦ ه‍ (٧)(٨) والسلطان مقيم بعسكره بمنزلة الخروبة وعكا محصورة ، وخرجت هذه السنة والحصر مستمر ، ووقعت وقائع وهلك من الفرنج عدد لا يقع عليه الحصر.

وقعة الرمل (٩)

وكان السلطان يركب أحيانا للصيد وهو لا يبعد من المخيم ، فركب يوما من صفر فأبعد واليزكية (١٠)(١١) على الرمل وساحل البحر ، فخرج الفرنج وقت العصر ،

__________________

(١) بهذه القضية أ ب ه : بهذه القصة ب : ـ ج.

(٢) أسروا ه : أسر ب د : ـ ج.

(٣) الرجال ب د ه : ـ أ ج.

(٤) ضياء الدين عيسى الهكاري : كان من أصحاب أسد الدين شيركوه ، ودخل معه إلى مصر ، وحظي عنده ، ثم كان ملازما للسلطان صلاح الدين حتى مات في ركابه بمنزلة الخروبة قريبا من عكا ، فنقل إلى القدس فدفن به ، وكان من الفضلاء والأمراء الكبار وكانت وفاته سنة ٥٨٥ ه‍ / ١١٨٩ م ، ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٣٥٥ ؛ ابن شداد ٩٦ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٤ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٦.

(٥) سنة ٨٥ أ : سنة خمسة وثمانين ب د : سنة ٥٨٥ ه‍ : ـ ج.

(٦) فدفن أ د ه : ودفن ب : ـ ج.

(٧) ٥٨٦ ه‍ / ١١٨٨ م.

(٨) سنة ٥٨٦ أ ه : ست وثمانين وخمسمائة ب د : ـ ج.

(٩) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٥ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥١ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٧.

(١٠) اليزك : هم العسس في مقدمة الجيش ومن يقومون بالمراقبة ، ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ١٧٣ ؛ التونجي ٦١٩.

(١١) واليزكية أبو شامة : الزكية أ : والكركبة ب : والكرنكية د : والكزلية ه : ـ ج.

٥٠٧

فتسامع المسلمون بهم ، فخرجوا إليهم وزحفوا عليهم وطردوهم وأحاطوا بهم ورموهم حتى فرغ النشاب ، فلما علم الفرنج بذلك تجاسروا وحملوا حملة واحدة حتى ردوا المسلمين إلى النهر. فثبت جماعة واستشهد جماعة ، فدخل الليل وحال بين الفريقين.

فتح شقيف أرنون (١)

وفي يوم الأحد (٢) خامس عشر ربيع الأول تسلم بالأمان شقيف أرنون وكان صاحبه أرناط صاحب صيدا معتقلا بدمشق لأجله فسلمه بما فيه وأخرج عنه وسار إلى صور ، ورحل السلطان ونزل على تل كيسان (٣) يوم الأحد ثامن عشر ربيع الأول.

مقاتلة الفرنج عكا (٤)

كان السلطان قد رتب طيورا تحمل البطاقات (٥) منه إلى من بعكا وتعيد إليه الجواب منهم ، وكان يأتي إليه أيضا الخبر (٦) على يد العوامين في البحر ، وكان الفرنج شرعوا في عمل أبراج من خشب وأتقنوها وزحفوا (٧) بها إلى السور ، وتساعدوا على طم الخنادق. فوصل إلى السلطان عوام يخبره بالحال ، فركب السلطان وزحف إلى الفرنج في العشرين (٨) من ربيع الأول يوم الجمعة. وسار إلى القتال بخيله ورجله وضايقهم حتى دخل الليل.

فلما أصبح يوم السبت صبحهم بالحرب واستمر إلى آخر النهار ، وأصبح يوم الأحد على القتال ، وأيده الله تعالى بالنصر ، واستمر القتال.

فلما كان يوم السبت الثامن والعشرين من الشهر بعد الظهر وإذا بنار في أحد الأبراج موقدة ، ولم يعلم سببها (٩) ، فأحدقت النار بالبرج حتى أحرقته ، ثم أحرقت

__________________

(١) ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٢٨٥ ؛ ابن شداد ٩٦ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٢.

(٢) يوم الأحد أ : يوم الأربعاء ب د : ـ ج ه.

(٣) تل كيسان : موضع في مرج عكا من سواحل الشام ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢٧٢ ؛ المغربي ٥٨.

(٤) ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٢٩٦ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٥ ـ ٢٠٨ ؛ ابن شداد ٩٧ ـ ١٠٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٢ ـ ١٥٤ ؛ ابن أيوب ٢٧٩ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٧ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٤٠ ـ ٤١.

(٥) البطاقات ب ه : البطاقة أ د : ـ ج.

(٦) وكان يأتي إليه أيضا الخبر : أيضا ب د ه : ـ ج.

(٧) وزحفوا بها أ د ه : وزحفوا فيها ب : ـ ج.

(٨) العشرين أ د ه : عشرين ب : ـ ج.

(٩) ولم يعلم سببها أ د ه : ـ ب ج.

٥٠٨

البرج الثاني ، ثم الثالث ، وسقط الثلاثة أبراج بقدرة الله تعالى. فحصل للمسلمين السرور / / بذلك ، ودمر الله المشركين (١).

والعجب أن الأبراج كانت متباعدة وقد أبعدها الفرنج بمسافات (٢) وكل واحد منها على جانب من البلد فاحترقت في وقت واحد وكان سبب حريقها (٣) : أن رجلا يعرف بعلي بن عريف النحاسين بدمشق كان استأذن السلطان في دخول عكا للجهاد ، وأقام بها وشرع يعمل بالنفط (٤) ويركب عقاقير والناس يضحكون منه (٥) ، فلما قدمت الأبراج إلى البلد رمى عليها بالنفوط وغيرها ، فلم يفد ، فحضر ابن العريف إلى بهاء الدين قراقوش واستأذنه في الرمي ، فأذن له على كره ، فإن الصناع (٦) قد أيسوا.

فلما أذن له بهاء الدين قراقوش رمى أحد الأبراج فأحرقه ، وكان فيه سبعون رجلا تعذر عليهم (٧) الخلاص منه ، ودخل جماعة لاستنقاذ ما فيه فاحترقوا بدروعهم وسيوفهم وتحول ابن العريف إلى مقابلة البرج الثاني فأحرقه ، وانتقل إلى الثالث فأحرقه ، ولم يكن ذلك بصنعه بل وفقه الله تعالى له. وخرج المسلمون من البلد فنظفوا الخندق (٨) وجاءوا إلى الموضع واستخرجوا الحديد وأخذوا ما وجدوا من الزرديات وغيرها ، ولله الحمد والمنة.

وصول الأسطول من مصر (٩)

كان السلطان أمر بتعمير أسطول آخر من مصر ، فلما كان ظهر يوم الخميس ثامن جمادى الأولى ظهر الأسطول ، فركب السلطان ليشغل الفرنج عن قتال الأسطول فعمر الفرنج أسطولا ، وتلاقى هو وأسطول المسلمين ، فجاءت مراكب المسلمين ونطحت مراكبهم ، وأخذ المسلمون مركب للفرنج وأخذ الفرنج مركبا للمسلمين ، واتصل الحرب في البحر إلى غروب الشمس ،

__________________

(١) المشركين أ : الكافرين ب د ه : ـ ج.

(٢) بمسافات أ ب د : بمسافة ه : ـ ج.

(٣) حريقها أ : حرقها ب د ه : ـ ج.

(٤) بالنفط أ : النفط ب د ه : ـ ج.

(٥) يضحكون أ ه : يسخرون ب د : ـ ج.

(٦) على كره فإن الصناع أ ب د : ـ ج ه.

(٧) تعذر عليهم أ ب : فعسر عليهم ج د ه.

(٨) فنظفوا الخندق أ : فحفروا الخندق ج د ه / / إلى الموضع أ : موضع الحريق ب ج د ه.

(٩) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٦ ؛ ابن شداد ١٠١ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٤ ؛ ابن كثير ١٢ / ٣٣٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٧.

٥٠٩

وقتل (١) من الفرنج عدة كثيرة ، وسلم المسلمون.

قصة ملك الألمان (٢)

صح الخبر أن ملك الألمان (٣) عبر من قسطنطينية بجنوده (٤) فقيل : إنهم أقاموا في قفار ومواضع مدة شهر لا يجدون الطعام فصاروا يذبحون خيلهم ويأكلونها ويكسرون قنطارياتهم ويشعلونها لعدم الحطب في البرد الشديد وزمان الثلج ، وحصل لهم من الشدة ما لا يكاد يوصف وضعف حالهم. وذلك من لطف الله تعالى (٥) بالمسلمين.

فلما وصل إلى بلاد قلج بن أرسلان بن مسعود (٦) حصل بينه وبين الكفار طراد فقتال ، ثم تراسلا واصطلحا وتهاديا واقتضى الحال بينهما أن ملك الألمان يدخل إلى البلاد الشامية وأنه يسير في بلاده ، وأعطاه عشرين مقدما من أكابر أمرائه ليكونوا معه حتى يصل المأمن (٧). فلما وصل الملعون إلى بلاد الأرمن غدر بالرهائن (٨) وتأول عليهم بأن التركمان سرقوا منه في طريقه.

ونزل على طرسوس (٩). وهناك نهر فتوارد (١٠) عليه العسكر وازدحموا ، فقصد ملك الألمان النزول إلى النهر ليغتسل فقال : هل تعرفون موضعا يمكن العبور منه؟ فقال له واحد : هنا مخاضة ضيقة لا يدخل فيها إلا واحد بعد واحد. فدخل في تلك المخاضة ، فقوي عليه الماء فصدمته شجرة في وجهه شجت جبينه ، وتورط في

__________________

(١) وقتل أ ج د ه : فقتل ب.

(٢) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٧ ؛ ابن شداد ١٠٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٤ ؛ ابن كثير ١٢ / ٣٣٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٧.

(٣) الملك فردريك بربوسة : امبراطور ألمانيا ابن الملك فردريك الثاني ملك سوابيا ودوق بافاريا ، آل إليه الحكم فيها سنة ٥٤٨ ه‍ / ١١٥٢ م ، ينظر : رنسيمان ٣ / ٣٠.

(٤) بجنوده ب : ـ أ ج د ه.

(٥) تعالى أ ج د ه : ـ ب.

(٦) هو قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان السلجوقي ، كان له من البلاد قونية وأعمالها ، وكانت مدة ملكه تسع وعشرين سنة ، وتوفي سنة ٥٨٨ ه‍ / ١١٩٢ م ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢٠٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٥٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٢٥.

(٧) يصل المأمن : فلما ب ج د ه : ـ أ.

(٨) بالرهائن ب ج د ه : بالرهبان أ.

(٩) طرسوس : مدينة بالشام حصينة ، عليها سوران بينهما خندق ، ويجري الماء حولها وهي مدينة كثيرة المتاجر ، والعمارة والخصب ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٣١ ؛ الحميري ٣٨٨.

(١٠) فتوارد عليه العسكر أ ه : فتواردت عليه العساكر ب : فتوارد عليه العساكر ج : فتواردوا عليه العساكر د.

٥١٠

الماء ، فتعبوا في إخراجه. فلما خرج بقي مريضا ، ثم هلك ، لعنه الله ، وخلفه ولده (١) ، فقيل : إنهم سلقوا ذلك الهالك (٢) في قدر حتى تخلص عظمه وانهرى لحمه وجمعوا عظامه في كيس ليدفن في كنيسة قمامة بالقدس حسبما أوصى به.

ووصل الخبر للسلطان بهلاك الكافر وأن ولده خلفه وهو واصل في جمع كبير. فعزم السلطان على استقباله وصده ، ثم تثبت وأرسل العساكر إلى البلاد التي هي في طريق هذا الكافر القادم ، ووقع المرض في الفرنج ، وأمر السلطان بهدم سور طبرية وهدم يافا وأرسوف وقيسارية وهدم صور (٣) وصيدا وجبيل ، ونقل أهلها إلى بيروت.

وأما ولد ملك الألمان فمرض أياما في بلد الأرمن (٤) وهلك أصحابه من الجوع ووقع الموت بخيلهم ، ثم ساروا من بلاد الأرمن فحصل (٥) له ولعسكره شدة عظيمة.

الوقعة العادلية (٦)

كان الفرنج لما صح عندهم وصول ملك الألمان إلى البلاد في جمع كبير قالوا : إذا جاء صار الأمر له ولا يبقى لنا كلام معه ، فنحن نهجم على المسلمين ونظفر بهم قبل قدومه فخرجوا ظهر يوم الأربعاء لعشرين من جمادى الآخرة في جمع كبير ، وقصدوا مخيم الملك العادل.

فوقف الملك العادل ومن معه من الأمراء وحمل معه العسكر الحاضر قبل أن يتصل (٧) به بقية العسكر ، فكسر الفرنج كسرة فاحشة ، وركبت العادلية أكتافهم وحكموا فيهم السيوف //.

وكان السلطان قد ركب ، وسير جماعة (٨) من المماليك ، ووصل السلطان وشاهد ما سره ، وقتل من الفرنج زهاء عشرة آلاف ، ولم يبلغ من استشهد من

__________________

(١) هو فردريك بن فردريك بربروسة ، ينظر : رنسيمان ٣ / ٤١.

(٢) ذلك الهالك أ ه : سلقوه ب ج د.

(٣) صور ب : سور أ ج د ه.

(٤) بلد الأرمن أ : بلاد الأرمن ب ج د ه.

(٥) فحصل أ : وحصل ب ج د ه.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٨ ؛ ابن شداد ١٠٧ ـ ١١٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٨ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٨.

(٧) قبل أن يتصل أ ج د : قبل أن تتصل ب : قبل أن يصل ه / / العسكر أ : العساكر ب ج د ه.

(٨) وسير جماعة أ ج د ه : وسار مع جماعة ب / / وصل السلطان أ ج د ه : فوصل ب.

٥١١

المسلمين عشرة أنفس ، وكتب السلطان إلى بغداد ودمشق وغيرهما يبشر بذلك.

ذكر ما تجدد للفرنج بوصول الكندهري (١)(٢)

وما زال الفرنج في وهن وضعف حتى وصل في البحر رجل يقال له : كندهري ، وهو عندهم عظيم القدر ، فأفاض (٣) عليهم الأموال فقوي أهل الكفر. وشاع هذا الخبر فتشاور (٤) السلطان وأكابره ، ورحل يوم الأربعاء السابع والعشرين من جمادى الآخرة إلى منزله الأول بالخروبة واشتغل بتدبير أمره ، والأخبار متواردة من عكا مع السباحين وبطاقات الحمام وأخبار ملك الألمان متواصلة بضعف حالة وتلاشي أحواله.

حريق المنجنيقات (٥)(٦)

وفي رجب من السنة المذكورة (٧) أنفق الكندهري على الرجال فأعطى عشرة آلاف رجل في يوم واحد ليجدوا معه في القتال ، وضايق عكا ونصب عليها المجانيق ، فاشتد عزم المسلمين ممن بعكا وخرجوا بالفارس والراجل وحالوا بين الفرنج وبينها ، وخرج الزراقون (٨) من البلد ورموا النار فيها فاحترق جميعها ، وقتل في ذلك اليوم من الفرنج سبعون فارسا ، وأسر منهم خلق كثير ، فخمد الفرنج بذلك ، وكان من جملتها منجنيقان كبيران مصروف أحدهما ألف وخمسمائة دينار ، وكان ذلك في الليلة الأولى من شعبان.

وصول ولد ملك الألمان الذي قام مقام أبيه إلى الفرنج بعكا (٩)

وصل إلى السلطان خبر وصوله في سادس شعبان وحزرهم من شاهدهم بخمسة عشر ألفا ، ووصل في البحر إلى عكا آخر النهار سادس شهر رمضان فرآه

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٨ ؛ ابن شداد ١١٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٧.

(٢) ذكر ما تجدد ... الكندهري أ ب د : ـ ج ه.

(٣) فأفاض أ ج د ه : أفاض ب : ـ ج.

(٤) فتشارو ب د ه : فتسامح أ : ـ ج.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ؛ ابن شداد ١١٢ ـ ١١٤ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٧.

(٦) حريق المنجنيقات أ ب د : ـ ج ه.

(٧) المذكورة ب : ـ أ ج د ه.

(٨) الزراقون : الرماة بالمزاريق ، جمع مزراق (الرماح القصيرة) ، ينظر : الحسيني ٤٤٦.

(٩) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢٠٧ ؛ ابن شداد ١١٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٦ ؛ غنيم ٥٠ ـ ٥١.

٥١٢

الفرنج وليس له وقع ، فقالوا : ليته لم يصل إلينا ، فأخذ يحرضهم ويقوي عزمهم فعرفوه قوة بأس المسلمين ، فأظهر لهم قوة وعزما ، فلما عرفوا جهله قالوا له : نخرج المسلمين لعلنا نظفر بهم ، فاجتمعوا وساروا إلى مخيم السلطان. فركب من خيمته وتقدم إلى تل كيسان ، ووقف ينهض العسكر ، فحال بينهما (١) الليل وحصل للألماني مشقة ، فلما لم يبلغوا قصدهم من العسكر أخذوا في قتال البلد وحصاره.

ذكر برج الذبان (٢)(٣)

وعند ميناء عكا في البحر برج يعرف ببرج الذبان منفرد عن البلد ، قصد الفرنج حصاره قبل مجيء ملك الألمان في الثاني والعشرين من شعبان بمراكب جهزوها من البحر وشحنوها بالآلات والعدد ، ومنها مركب عظيم لما قرب من البرج رميت فيه النار فاحترق بكل ما فيه (٤) ، وملؤوا بطسة (٥)(٦) أخرى بالأحطاب ، فسرى فيها النفط فأحرقها ، وكان الفرنج في مراكب من ورائها ، فانقلبت (٧) الريح على الفرنج وتطاير الشرر من بطسة الحطب وعاد على الفرنج فالتهبوا وانقلبت بهم السفينة فاحترقوا وغرقوا واحتمى برج الذبان فلم يظفروا منه بشيء.

ذكر الكبش وحريقه

واستأنف الفرنج عمل دبابة (٨)(٩) في رأسها شكل عظيم يقال له الكبش ، وقد سقفوها مع كبشها بأعمدة الحديد وألبسوا رأس الكبش بعد الحديد بالنحاس خشية عليها من النار وسحبوها ، فانزعج المسلمون لذلك وقالوا : ليس في هذه حيلة. ثم نصب المسلمون مجانيق (١٠) ورموا بالحجارة ، فنفر من حولها من الرجال ، ثم قذفوها بالنار فدخلت من باب الدبابة ، فاشتعلت النار فيها ، وخرج منها الفرنج

__________________

(١) فحال بينهما أ : وحال بينهم ب ج د ه / / للألماني أ ج د : للألمان ب ه.

(٢) ينظر : ابن شداد ١١٨.

(٣) الذبان أ ج د ه : الذباب ابن شداد : ـ ج.

(٤) فيه أ د ه : عليه ب : ـ ج.

(٥) البطسة : نوع من السفن الحربية كانت تتسع لعدد كبير من الجند يصل إلى نحو سبعمائة ، ينظر : النويري ، نهاية ٢٩ / ١٣٢٣ ؛ عاشور ٤١٩.

(٦) بطسة ابن شداد ، أبو شامة : بطة أ ج د ه : ـ ج.

(٧) فانقلبت أ د ه : فانقلب ب : ـ ج / / بطسة أ د ه : بطة ب : ـ ج.

(٨) دبابة : آلة حربية عظيمة يدخل تحتها المقاتلة ملبسة بصفائح الحديد ولها رأس يسمى بالكبش ينطح السور كي يخرقه بتكرار النطح ، ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٦٢ ؛ الرفاعي ١٤٨.

(٩) دبابة ابن شداد ، أبو شامة : ذبابة أ ب د ه : ـ ج.

(١٠) مجانيق أ د ه : مناجيق ب : ـ ج.

٥١٣

فاحترقت تلك الدبابة ورموها بالمجانيق (١) حتى انهدمت وخرج المسلمون من الثغر ، وقطعوا رأس الكبش ، واستخرجوا ما تحت الرماد من الحديد ، وحملوا منه ما استطاعوا ، وحصل بذلك النصرة للمسلمين والخذلان للمشركين ، وكان ذلك يوم الاثنين ثالث عشر رمضان ، واحترقت البطسة (٢) يوم الأربعاء خامس عشر.

واتفق في يوم الاثنين هذا من العدو على البلد الزحف الشديد ورموا بالمجانيق وخرج المسلمون فطردوهم إلى خيامهم.

ذكر غير ذلك من الحوادث

وصل الخبر أن صاحب أنطاكية تحرك على المسلمين ، فرتب له (٣) الكمائن فخرجوا عليه وقتلوا أكثر رجاله (٤) ، وفي هذا التاريخ ألقت الريح بساحل الزيب (٥)(٦) بطستين خرجتا من عكا بجماعة من الرجال والصبيان والنساء ، وحصل بين المسلمين والكفار وقائع وغنم المسلمون من الكفار.

وفي عشية الاثنين تاسع عشر رمضان رحل السلطان إلى منزل يعرف بشفر عمرو (٧) لما بلغه من تحرك الفرنج ، فخيم / / هناك ، وشرع يتواقع هو والفرنج في كل وقت ، وغلت الأسعار عند الفرنج واشتد بهم البلاء ونزح منهم (٨) جماعة والتجأوا إلى السلطان مما أصابهم من الجوع ، فقبلهم وأحسن إليهم ، فمنهم (٩) من أسلم ومنهم من اعتذر وصار في خدمة السلطان.

نوبة رأس الماء (١٠)

ولما ضاق بالفرنج الأمر تشاوروا وعزموا على المصادمة فخرجوا في عدد كبير في يوم الاثنين حادي عشر شوال بعد أن رتبوا على البلد من يحصرها ، وكان اليزك

__________________

(١) بالمجانيق أ د ه : بالمناجيق ب : ـ ج.

(٢) البطسة ابن شداد ، أبو شامة : البطة أ ب د ه : ـ ج.

(٣) فرتب له أ د ه : فسربت ب : ـ ج.

(٤) أكثر رجاله أ د ه : أكبر رجاله ب : ـ ج.

(٥) الزيب : قرية فلسطينية على بحر الشام قرب عكا دمرها اليهود عام ١٩٤٨ م. ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٦٧٨ ؛ شراب ٤٣٥.

(٦) الزيب أ د ه : الذيب ب : ـ ج / / بطستين ابن شداد : بطتين أ ب د ه : ـ ج.

(٧) هي مدينة شفا عمرو الحالية والواقعة شمال فلسطين ، ينظر : المغربي ٥٦.

(٨) ونزح منهم أ د ه : وخرج منهم ب : ـ ج / / والتجأوا أ د ه : ولجؤا ب : ـ ج.

(٩) فمنهم من اعتذر ب د ه : ـ أ ج.

(١٠) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٩ ؛ ابن شداد ١٢٦ ـ ١٢٩ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠.

٥١٤

على تل العياضية (١) ونزل العدو تلك الليلة.

واتصل خبرهم بالسلطان فرحل الثقل وبقي الناس على جرائد (٢) الخيل ، وسار العدو يوم الثلاثاء والعساكر في أحسن أهبة ، وامتد الجيش في الميمنة إلى الجبل وفي الميسرة إلى النهر بقرب البحر والسلطان في القلب.

فسار حتى وقف على تل عند الخروبة وحوله أولاده وأخوه وخواص أمرائه وأمراء القبائل من الأكراد ، وسار الفرنج شرقي النهر مواجهين حتى وصلوا إلى رأس النهر فانقلبوا إلى غربيه ونزلوا على التل بينه وبين البحر والسلطان في خيمة لطيفة يشاهد القوم.

وأصبح الفرنج يوم الأربعاء راكبين إلى ضحوة النهار والمسلمون قد قربوا منهم ، فأحس الفرنج بالخذلان فساروا وولوا مدبرين. فتبعهم عسكر المسلمين (٣) ورموهم بالسهام وهم مجتمعون في سيرهم ، وكما صرع منهم قتيل حملوه ودفنوه حتى لا يظهر للمسلمين كسرهم ، ونزلوا ليلة الخميس وقطعوا (٤) الجسر ، وأصبحوا بكرة الخميس وقد دخلوا إلى مخيمهم فعاد السلطان إلى محله. وكان مع الفرنج الخارجين المركيس والكندهري وأقام ملك الألمان على عكا.

وقعة الكمين (٥)

اقتضى رأي السلطان أن يرتب كمينا للعدو فجمع يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال رجاله وأبطاله وانتخب منهم من عرف بالشجاعة وأمرهم أن يكمنوا (٦) على ساحل البحر. فمضوا وأكمنوا ليلة السبت ، وخرجت منهم عدة يسيرة بعد الصباح ، ودنوا من الفرنج ، فطمعوا فيهم وحملوا عليهم وطردوهم ، فانهزم المسلمون أمامهم حتى وقفوا على الكمين ، فخرجوا عليهم فلم يستطع فارس منهم أن يفر ، فقتل معظمهم ووقع في الأسر خازن الملك وعدة من الإفرنسيسية ومقدمهم.

وجاء الخبر للسلطان فركب بمن معه ووقف على تل كيسان وشاهد النصر

__________________

(١) تل العياضية ابن شداد : تل الصياصية أ ب د ه : ـ ج.

(٢) الجرائد : مفردها جريدة وهي الفرقة من العسكر الخيالة لا رجالة فيها ، والمقصود هنا هو سير السلطان على وجه السرعة دون أن يأخذ معه أثقالا ، ينظر : جب ١١١.

(٣) المسلمين أ د : الإسلام ب ه : ـ ج.

(٤) وقطعوا أ د : فقطعوا ب ه : ـ ج.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٩ ؛ ابن شداد ١٣٠ ـ ١٣١ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٠ ـ ١٨١.

(٦) أن يكمنوا ب د ه : أن يمكنوا أ : ـ ج / / واكمنوا أ ه : وكمنوا ب د : ـ ج.

٥١٥

وجاء مماليكه بالأسرى ، وترك السلطان الأسلاب والخيول لآخذيها وكانت بأموال عظيمة ، وجلس السلطان في خيمته وحوله جنده وأنصاره ، وأحضر الأسرى بين يديه فأحسن (١) إليهم وأطعمهم وألبسهم ، وألبس المقدم الكبير فروته الخاصة ، وأذن لهم أن يسيروا غلمانهم لإحضار ما يريدون ، ثم جهزهم لدمشق (٢) للاعتقال.

ذكر غير ذلك من الحوادث

ثم هجم الشتاء فصرف السلطان العسكر للاستراحة إلى الربيع وأقام هو على الجهاد ، ثم نقل الفرنج سفنهم خوفا عليها إلى صور وأخلوا ساحل عكا. وأقام الملك العادل على البحر ووصل (٣) في يوم الاثنين ثاني ذي الحجة من مصر سبعة مراكب فيها الغلة ، فخرج أهل البلد لمشاهدتها والمساعدة في نقلها.

فعلم الفرنج بخروج أهل البلد إلى جانب البحر فزحفوا زحفا شديدا وأحاطوا بعكا وأتوا بسلالم فنصبوها على السور وتزاحموا على الطلوع في سلم ، وتصادموا فاندق بهم السلم فتساقطوا ، فتداركهم المسلمون وفتكوا فيهم وقتلوا منهم جماعة وردوهم على أعقابهم. فلما اشتغل الناس بأمرهم تركوا المراكب وما فيها من الغلال فهاج البحر ، فكسرت المراكب وتلف ما فيها وغرق ما كان فيها من الأمتعة وهلك بها زهاء ستين نفسا فالحكم (٤) لله العلي الكبير.

وفي ليلة السبت سابع ذي الحجة وقعت قطعة عظيمة من سور عكا فهدمت منه جانبا. فبادر الفرنج طمعا في الهجوم فجاء أهل البلد وصدوهم حتى عمر الهدم ، وجرح من العدو خلق كثير (٥) كل ذلك بهمة بهاء الدين قراقوش.

وفي ثالث عشر ذي الحجة هلك ابن ملك الألمان فحصل الوهن في الفرنج بموته ، وهلك منهم عدد كثير.

وفي يوم الاثنين ثاني عشر (٦) ذي الحجة عاد المستأمنون من الفرنج الذين أنهضهم السلطان ليغزوا في البحر ويكونوا جواسيس فرجعوا وقد غنموا أشياء كثيرة ، فوهبهم السلطان ذلك ولم يتعرض منهم إلى شيء (٧) ، فلما رأوا ذلك أسلم شطرهم.

__________________

(١) فأحسن أ د ه : وأحسن ب : ـ ج.

(٢) لدمشق أ د ه : إلى دمشق ب : ـ ج.

(٣) ووصل أ د ه : فوصل ب : ـ ج.

(٤) فالحكم لله أ د : والحكم ب ه : ـ ج.

(٥) كثير ب د ه : ـ أ ج.

(٦) ثاني عشر أ د : ثاني عشري ب ه : ـ ج.

(٧) ولم يتعرض منهم إلى شيء أ ه : ولم يتعرض لشيء منها ب د : ـ ج.

٥١٦

وفي الرابع والعشرين من ذي الحجة أخذ من الفرنج مركوسين (١) فيهما نيف وخمسون نفرا ، وفي الخامس والعشرين منه أخذ أيضا مركوسا / / فيه جماعة من أعيانهم (٢) الفرنج ومعهم ملوطة (٣) مكللة باللؤلؤ بأزرار الجوهر ، قيل : إنها من ثياب ملك الألمان ، وأسر فيه رجل كبير ، قيل : إنه ابن أخيه ، واستشهد في هذه السنة جماعة بعكا من الأمراء.

ودخلت سنة ٥٨٧ ه‍ (٤)(٥) والشتاء موجود ، والمسلمون مع الكفار في وقعات ، وفي أول ليلة من شهر ربيع الأول خرج المسلمون على العدو فكبسوه في مخيمه ، وأسروا من الفرنج ، وقتلوا وعادوا سالمين ومعهم اثنتا عشرة امرأة في السبي.

وفي يوم الأحد ثالث الشهر المذكور (٦) ، ثار الحرب بين المسلمين والكفار ، فنصر الله المسلمين ، وهلك من الفرنج خلق كثير (٧) ، وقتل منهم مقدم كبير ، ولم يفقد من المسلمين إلا خادم صغير ، وكمن المسلمون كمائن ، ووصل إلى السلطان من بيروت خمسة وأربعون أسيرا من الفرنج وقدم على السلطان جماعة من عسكر الإسلام.

وصول ملك الإفرنسيس واسمه فيليب (٨) لنجدة الفرنج بعكا (٩)

وفي ثاني عشر شهر ربيع الأول يوم السبت وصل ملك الإفرنسيس إلى الفرنج وكان في عدد قليل.

ومن النوادر أنه كان مع هذا الملك بازي أشهب ففارقه يوم وصوله وطار ووقع على سور (١٠) عكا فأمسكه المسلمون وأحضروه للسلطان. فسر بذلك ، وبذل

__________________

(١) مركوسين ب د ه : مركوسان أ : ـ ج.

(٢) من أعيانهم الفرنج أ د : من أعيان الإفرنج ب ه : ـ ج.

(٣) ملوطة : رداء فوقاني وهو عباءة خاصة بأمير عظيم في العصر المملوكي المتأخر ، ينظر : الحسيني ٤٦٣.

(٤) ٥٨٧ ه‍ / ١١٩١ م.

(٥) ٥٨٧ ه‍ أ د ه : سبع وثمانين وخمسمائة ب : ـ ج.

(٦) المذكور ب د ه : ـ أ ج.

(٧) كثير ب د ه : ـ أ ج.

(٨) هو ملك فرنسا فيليب أو بخسطس ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٣ ؛ رنسيمان ٣ / ٢٣.

(٩) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٣ ؛ ابن شداد ١٣٦ ـ ١٣٧ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٢.

(١٠) سور ب د ه : صور أ : ـ ج.

٥١٧

الملك فيه ألف دينار فما أجيب.

ومما وقع أنه كان المستأمنون إلينا من الفرنج تسلموا مراكيس يغزون فيها ووصلوا إلى ناحية من جزيرة قبرص يوم عيدهم ، وقد اجتمعوا في كنيسة فصلوا معهم وأغلقوا باب الكنيسة ، وحملوهم وأسروهم بأسرهم وسبوهم ، وأخذوا جميع ما في الكنيسة وحملوهم (١) إلى اللاذقية ، وباعوا بها كل ما أخذوه ومن جملته سبع وعشرون امرأة سبايا وصبيان فباعوها واقتسموا أثمانها.

وفي سادس عشر (٢) من ربيع الآخر هجم جماعة من العسكر وأخذوا قطيعا من غنم الفرنج وخالطوهم في خيامهم ، وركب الفرنج بأسرهم في أثرهم فلم يظفروا بهم (٣).

وفي يوم الخميس رابع جمادى الأولى زحف العدو إلى البلد وكاد يأخذها فاستنفروا العساكر ، فأصبح السلطان وركب وسير من كشف حال العدو وهل لهم كمين. فكلما شاهد الفرنج عسكر المسلمين قد أقبل تركوا (٤) الزحف وتأخروا ، فإذا عاد عادوا.

قصة الرضيع (٥)

كان لصوص المسلمين في الليل استلبوا طفلا من الفرنج من يد أمه له ثلاثة أشهر ، فخرجت والدته والهة عليه ، فلم يشعر السلطان إلا وهي ببابه واقفة ، فأحضرها السلطان وهي باكية ، فأخبرته الخبر ، فطلب الرضيع فقيل له : إن من أخذه باعه بثمن بخس ، فما زال يبحث عنه حتى جيء به في قماطة ودفعه لأمه وشيع معها من أوصلها إلى مكانها وما رد الطفل إلا بعدما اشتراه ممن هو في يده بثمن يرضيه ، رحمة الله عليه.

انتقال السلطان إلى تل العياضية (٦)(٧)

لما أصر الفرنج على مضايقة عكا انتقل السلطان إلى تل العياضية بعساكره

__________________

(١) وحملوهم أ د ه : ـ ب ج.

(٢) سادس عشر أ د : سادس عشري ب ه : ـ ج.

(٣) ينظر : ابن شداد ١٣٧.

(٤) تركوا ب د ه : ترك أ : ـ ج.

(٥) ينظر : ابن شداد ١٣٨ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٤.

(٦) تل العياضية ابن شداد ، أبو شامة : تل الصياصية أ ب د ه : ـ ج.

(٧) ينظر : ابن شداد ١٤٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٤.

٥١٨

وأثقاله واشتد الحرب بينه وبين الكفار في كل وقت ، وضاق الأمر على من بعكا ، وجرى فصول وحروب يطول شرحها.

وصول ملك الإنكثير (١)(٢)

وفي يوم السب ثالث عشر الشهر أشاع الكفار وصول ملك الإنكثير في عدد كثير ووقع الأرجاف في الناس والسلطان قوي الجنان لا يرهبه ذلك وهو معتمد على الله في أموره. أعلم ملك الإنكثير أن أهل التوحيد لهم قوة وأنهم لا يبالون به.

غرق البطسة (٣)(٤)

كان السلطان قد عمر في بيروت بطسة وشحنها بالعدد والآلات وفيها نحو سبعمائة رجل مقاتل ، فلما توسطت في البحر صادفها ملك الإنكثير وأحاطت بها مراكبه وحصل القتال بين الفريقين ، وقتل من الفرنج خلق كثير (٥) وعجزوا عن أخذها ، فلما رأى مقدمها اشتد الأمر ونزل فخرقها حتى غرقت في البحر. ووصل خبرها للسلطان في السادس عشر من جمادى الأولى. وكانت هذه الوقعة أول حادثة حصل بها الوهن للمسلمين.

حريق الدبابة (٦)(٧)

كان الفرنج قد اتخذوا دبابة عظيمة ولها أربع طبقات (٨) وهي خشب ورصاص وحديد ونحاس وقربوها إلى أن بقي بينها وبين البلد خمسة أذرع ، وكانت هذه الدبابة على العجل. وانزعج المسلمون بذلك ورموا عليها بالنفظ (٩) وهو لا يفيد فيها حتى قدر الله تعالى ، وجاءها سهم صائب فأحرقها الله تعالى. فحصل للمسلمين

__________________

(١) اختلفت المصادر في التسمية فابن شداد يقول : ملك الإنكتار وأبو شامة يصفه بملك الإنكلثيرة والمراد به ريكاردوس الأول المعروف بقلب الأسد ، ينظر : ابن شداد ١٤١ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٤ ؛ رنسيمان ٣ / ٢٦.

(٢) الإنكثير أ ب د ه : الإنكتار ابن شداد : الإنكليز أبو شامة : ـ ج.

(٣) البطسة ابن شداد ، أبو شامة : البطة أ ب د ه : ـ ج.

(٤) ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٤٣٢ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٣ ؛ ابن شداد ١٤٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٤ ـ ١٨٥ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٤٠.

(٥) كثير ب د ه : ـ أ ج.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٤ ؛ ابن شداد ١٤٣ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٥.

(٧) الدبابة ابن شداد ، أبو شامة : الدبابة أ ب د ه : ـ ج.

(٨) طبقات ب د ه : طباق أ : ـ ج.

(٩) بالنفط أ د ه : النفط ب : ـ ج.

٥١٩

السرور وزال عنهم ما كان من الغم بسبب غرق البطسة ، / / فإن حريق الدبابة كان يوم وصول خبر غرق البطسة (١).

ثم وقع وقعات في هذا الشهر ، وكانت العلامة بين عساكر (٢) السلطان وبين المقيمين بعكا عند زحف العدو دق الكؤوس فإذا سمعت أدركهم العسكر.

فوقع لهم عدة وقعات ، فمن ذلك وقعة في يوم الجمعة تاسع عشر الشهر اشتد فيها القتال إلى وقت الظهر حتى حمي الحر فافترق الفريقان ، ورجع كل إلى مخيمه. ووقعة في يوم الاثنين الثالث والعشرين من الشهر حصر العدو البلد واستشهد اثنان من المسلمين ، وقتل جماعة من المشركين. ووقعة في اليوم الثامن والعشرين من الشهر خرج العدو فارسا (٣) وراجلا وركب السلطان واشتد الأمر واستشهد من المسلمين بدوي وكردي وهلك خلق كثير من المشركين ، وأسر منهم فارس بفرسه. ووقعة في يوم الأحد التاسع والعشرين من الشهر طال فيها القتال وأسر الكفار من المسلمين واحدا فأحرقوه ، وأسر المسلمون منهم واحدا وأحرقوه. قال العماد الكاتب (٤) : وشاهدنا النارين في حالة واحدة يشتعلان والصفان واقفان يقتتلان (٥).

ذكر المركيس ومفارقته

وفي يوم الاثنين سلخ الشهر ذكر عن المركيس أنه هرب إلى صور فإنه كان بينه وبين هنفري عداوة وأحقاد باطنية لأمور كانت بينهما فلما جاء ملك الإنكثير تظلم إليه هنفري واستعداده على المركيس ، فلما علم المركيس بذلك فر منه.

فصل

ووصل العساكر إلى السلطان من سنجار ومن مصر ، وحضر رسول من عند بعض ملوك الفرنج إلى السلطان بكلام مهمل لا طائل تحته.

ثم حضر رسل ثلاثة فأكرمهم السلطان وأحسن إليهم وكان غرض الفرنج

__________________

(١) البطسة ابن شداد ، أبو شامة : البطة أ ب د ه : ـ ج.

(٢) عساكر أ د ه : عسكر ب : ـ ج.

(٣) فارسا أ د ه : فارسلا ب : ـ ج.

(٤) العماد الكاتب الأصفهاني : أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد .. بن هبة الله ، كان كاتب الإنشاء في الدولتين النورية والصلاحية ، وكان ميرزا في النثر والشعر ، عارفا بالأدب حافظا لدواوين العرب ، ومن مؤلفاته : خريدة القصر وجريدة أهل العصر ، والبرق الشامي والفتح القسي في الفتح القدسي ، وتوفي سنة ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠٠ م ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٥٥ ـ ٢٣٦ ؛ أبو شامة ، الذيل ٢٧ ؛ اليافعي ٣ / ٤٩٢ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ٣٠ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٥) ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٤٩٥.

٥٢٠