الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

مجير الدين الحنبلي العليمي

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

المؤلف:

مجير الدين الحنبلي العليمي


المحقق: عدنان يونس عبد المجيد أبو تبّانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

الفردوس والفردوس بالسريانية : البستان ، وقيل : الكرم. وعن خالد بن معدان : إن حذو بيت المقدس باب من السماء (١) يهبط منه كل يوم سبعون ألف ملك يستغفرون لمن يجدونه يصلي فيه. وقال عبد الله بن عمر ، رضي‌الله‌عنهما : بيت المقدس بنته الأنبياء وعمرته وما فيه موضع شبر إلا وقد سجد عليه نبي أو قام عليه ملك.

وقال مقاتل : إن الله تعالى تكفل لمن سكن بيت المقدس بالرزق إن فاته المال ، ومن مات مقيما محتسبا في بيت المقدس ، فكأنما مات في السماء ، ومن مات حول بيت المقدس فكأنما مات في بيت المقدس ، وأول أرض بارك الله فيها بيت المقدس والأرض المقدسة التي ذكرها الله تعالى في القرآن فقال : (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) (٧١) (٢) هي أرض بيت المقدس. وكلم الله موسى في أرض بيت المقدس. وتاب الله على داود وسليمان ، عليهما‌السلام ، في أرض بيت المقدس. ورد الله على سليمان ملكه في بيت المقدس. وبشر الله زكريا بيحيى في بيت المقدس. وسخر الله لداود الجبال والطير ببيت المقدس ، وكان (٣) الأنبياء ، صلوات الله وسلامه / / عليهم أجمعين ، يقربون القرابين ببيت (٤) المقدس ، وتتغلب يأجوج ومأجوج (٥) على الأرض كلها غير بيت المقدس. ويهلكهم الله في أرض بيت المقدس ، وينظر الله في كل يوم بخير إلى بيت المقدس. وأوصى ، آدم ، عليه‌السلام ، لما ماتا بأرض الهند أن يدفنا في بيت المقدس. وأوتيت مريم ، عليها‌السلام ، فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء في بيت المقدس. وولد عيسى (٦) وتكلم في المهد في بيت المقدس ، وأنزلت عليه المائدة في أرض بيت المقدس ، ورفعه الله إلى السماء من بيت المقدس ، وينزل من السماء إلى الأرض ببيت المقدس. وماتت مريم ، عليها‌السلام ، ببيت المقدس. وهاجر إبراهيم ، عليه‌السلام ، من كوثا (٧)(٨) إلى بيت المقدس. وصلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، زمانا إلى بيت المقدس ، وأسري به إلى بيت المقدس.

__________________

(١) السماء أ ب ج د : + الدنيا ه.

(٢) الأنبياء : [٧١].

(٣) وكان أ ج ه : وكانت ب د.

(٤) ببيت المقدس أ ج د ه : في بيت المقدس ب.

(٥) ومأجوج أ ج د ه : ـ ب.

(٦) عيسى أ : + عليه‌السلام ب ج ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم د.

(٧) كوثا : قرية في العراق فيها مشهد إبراهيم عليه‌السلام ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٣٠٥ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٨٥.

(٨) من كوثا ب ج د ه : ـ أ.

٣٦١

وتكون الهجرة في آخر الزمان إلى بيت المقدس. والمحشر والمنشر إلى بيت المقدس والحساب يوم القيامة ببيت المقدس (١) ، وينصب الصراط على جهنم إلى الجنة ببيت المقدس. وينفخ إسرافيل في الصور ببيت المقدس. والحوت الذي الأرضون على ظهره رأسه في مطلع الشمس وذنبه في المغرب (٢) ووسطه تحت بيت المقدس (٣) ، ومن صلى في بيت المقدس فكأنما صلى في السماء الدنيا (٤) ، وتخرب الأرض كلها وتعمر ببيت المقدس.

ومن صبر ببيت المقدس (٥) سنة على بلائها وشدتها جاءه الله برزقه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن تحته ومن فوقه يأكل رغدا ويدخل الجنة إن شاء الله تعالى.

وأول بقعة بنيت من الأرض كلها موضع صخرة بيت المقدس ، وتظهر عين موسى ، عليه‌السلام (٦) ، في آخر الزمان في بيت المقدس. وقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن خيار أمتي من هاجر هجرة إلى بيت المقدس ومن صلى ببيت المقدس بعد أن يتوضأ (٧) ويسبغ الوضوء ركعتين أو أربعا غفر له ما كان قبل ذلك» (٨).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأبي عبيدة بن الجراح ، رضي‌الله‌عنه : «النجاء النجاء إلى بيت المقدس إذا ظهرت الفتن ، قال : يا رسول الله فإن لم أدرك بيت المقدس ، قال : فأبذل وأحرز دينك ، وفي لفظ آخر : فابذل مالك وأحرز دينك» (٩).

وقال علي ، رضي‌الله‌عنه ، لصعصعة : نعم المسكن عند ظهور الفتن بيت المقدس القائم فيها كالمجاهد في سبيل الله وليأتين على الناس زمان يقول أحدهم : يا ليتني تبنة في لبنة من لبنات (١٠) بيت المقدس وأحب الشام إلى الله تعالى بيت المقدس ، وأحب جبالها إليه الصخرة ، وهي آخر الأرض (١١) خرابا بأربعين عاما ،

__________________

(١) ببيت المقدس أ ج ه : إلى بيت المقدس ب : في بيت المقدس د.

(٢) في المغرب أ : بالمغرب ب : في مغرب الشمس ج ه : بمغربها د.

(٣) لا يوجد دليل على هذا القول.

(٤) السماء الدنيا أ ج ه : سماء الدنيا ب د.

(٥) ببيت المقدس أ ج ه : في بيت المقدس ب د / / بلائها أ : لأوائها ب ج د : أذها ه.

(٦) عليه‌السلام أ ج ه : ـ ب : صلى‌الله‌عليه‌وسلم د.

(٧) يتوضأ ويسبغ أ ج ه : توضأ وأسبغ ب : أسبغ الوضوء د.

(٨) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٠٨.

(٩) المصدر نفسه ١ / ١٠٩.

(١٠) من لبنات ب ج د ه : ـ أ / / وأحب أ ج د ه : أحب ب.

(١١) الأرض ب ج د ه : الأرضين أ.

٣٦٢

قال : وهي روضة من رياض الجنة (١).

وروي عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني (٢) أنه قال : لا تقوم الساعة حتى يضرب على بيت المقدس سبعة أحياط : حائط من فضة وحائط من ذهب وحائط من لؤلؤ وحائط من ياقوت وحائط من زمرد وحائط من نور وحائط من غمام.

وأما ما يقال إن بيت المقدس طشت من ذهب مملوء عقارب وأنه كأجمة الأسد فداخله إما أن يسلم وإما أن يدركه العطب. فقد حمل ذلك على زمان بني إسرائيل الذين كانوا يعملون فيه بمعاصي الله تعالى ، فإن اللفظ المذكور قيل : إنه مكتوب في التوراة. قال بعض العلماء : وظاهر الخطاب يدل على أنهم ـ يعني العقارب ـ كانوا موجودين في ذلك الوقت ولو أراد قوما من هذه الأمة قال : املؤها عقارب متى يكون للمستقبل ، والله أعلم. وأما اليوم فالحمد لله فإنما به وبأفنائه (٣) الطائفة المنصورة ـ كما تقدم (٤) ـ.

وعن ابن عمرو الشيباني قال : ليس يعد من الخلفاء إلا من ملك المسجد الحرام ومسجد (٥) بيت المقدس الشريف ، وقد أجمعت الطوائف كلها على تعظيم بيت المقدس ما عدا السامرة فإنهم يقولون : إن القدس جبل نابلس (٦) وخالفوا جميع الأمم في ذلك.

وقد كان بنو إسرائيل إذا نزل بهم خوف من عدو أو أجدبوا صوروا القدس وجعلوه هيكلا وصوروا أبوابه ومحاربيه واستقبلوا به العدو ، فيهزمه الله تعالى ، وكذلك في الجدب إذا سوروه واستقبلوا به فلا تزال السماء تمطرهم (٧) / / حتى يرفعوا الهيكل وكانوا يفعلون ذلك في كل أمر يدهمهم ، والله (٨) سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١١٠.

(٢) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٧٨ ؛ ابن سعد ٧ / ٣١٨.

(٣) وبأفنائه ب ج د : ـ أ ه.

(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٦١.

(٥) ومسجد ب ج د ه : ـ أ / / وقد أجمعت ب د ه : وقد اجتمعت أ ج.

(٦) نابلس أ ب ج د : نابلوس ه.

(٧) تمطرهم أ ج ه : تمطر عليهم ب د.

(٨) والله ... أعلم ب د : ـ أ ج ه.

٣٦٣

ذكر ما يستحب أن يدعى به عند دخول المسجد الشريف

والصخرة الشريفة وآداب دخولها ومن أين يدخل

يستحب (١) لمن أراد دخول المسجد الأقصى أن يبدأ برجله اليمنى ويؤخر اليسرى ويقول : اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج صلى على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : اللهم اغفرلي ذنبي (٢) ، وافتح لي أبواب فضلك.

ويستحب لمن أراد دخول الصخرة (٣) أن يجعلها عن يمينه حتى يكون بخلاف الطواف حول البيت الحرام ويقدم النية ويعقد التوبة بالإخلاص مع الله تعالى. وإن أحب أن ينزل تحت الصخرة (٤) في المغارة فليفعل. فإذا نزل يكون بأدب وخشوع ويصلي ما بدا له ويدعو بدعاء سليمان ، عليه‌السلام ، الذي دعا به لما فرغ من بنائه وقرب القربان وهو قوله : «اللهم من أتاه من ذي ذنب فاغفر ذنبه أوذي ضر (٥) فاكشف ضره ، ثم يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة ، ويجتهد في الدعاء تحت الصخرة ، فإن الدعاء في ذلك الموضع مقطوع له بالإجابة (٦) ، إن شاء الله تعالى». وحكى جماعة من العلماء : أن الأدعية التي يدعى بها ليس فيها خصوصية بهذا الموضع فإن الإنسان مأمور بالدعاء موعود عليه بالإجابة لقوله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(٧) ، وقوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ)(٨) والمراد من الأدعية : ما وردت به السنة الشريفة النبوية.

فمن ذلك ما رواه أنس بن مالك ، رضي‌الله‌عنه ، عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال لأبي عياش (٩) زيد بن الصامت الزرقي حين رآه يصلي ويقول : اللهم إني أسألك يا ذا الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام ، فقال

__________________

(١) ما يستحب ب ج د ه : ـ أ.

(٢) ذنبي أ : ذنوبي ب ج د ه.

(٣) دخول الصخرة أ ج ه : الدخول للصخرة الشريفة ب د.

(٤) الصخرة أ ج ه : + الشريفة ب د.

(٥) ينظر : المقدسي ، مثير ١٤٥.

(٦) بالإجابة أ ج د هت : بالاستجابة ب.

(٧) غافر : [٦٠].

(٨) البقرة : [١٨٦].

(٩) أبو عياش الزرقي : اسمه زيد بن النعمان ، ويقال : زيد بن الصامت وهو من بني زريق ، كان فارس رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينظر : ابن حبان ، تاريخ ١٠٦ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٤ / ١٤٢.

٣٦٤

رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» (١).

ومن ذلك ما رواه عبد الله بن يزيد (٢) عن أبيه : أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سمع رجلا يقول : اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب» (٣).

ومن ذلك ما روي عنه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه كان يدعو به ويقول : إنه لن يدعو به ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد صالح إلا كان من دعائه (٤). اللهم بعلمك الغيب وبقدرك على الخلق أحيني ما علمت أن الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا علمت أن الوفاة خيرا لي ، وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وكلمة الحق في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، وأسألك نعيما لا ينفذ وقرة عين لا تنقطع وبرد العيش بعد الموت وأسألك النظر إلى وجهك (٥) والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين (٦).

وروى أن إدريس النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان يدعو بدعوة ويأمر أن لا يعلموها السفهاء فيدعو (٧) بها ، فكان يقول : «يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين ومأمن الخائفين ، اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا أو محروما أو مقترا عليّ في رزقي ، فامح اللهم بفضلك (٨) شقاوتي وحرماني وإقتار رزقي وأثبتني عندك (٩) في أم الكتاب سعيدا مرزوقا موفقا إلى الخير مستورا مكفيا مؤنة من يؤذيني إنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على لسان (١٠) نبيك المرسل : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٣٩) (١١).

__________________

(١) ينظر : ناصف ، التاج ٥ / ٩٧ ؛ والحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

(٢) ينظر : ابن حبان ، تاريخ ١٥٥.

(٣) ينظر : ناصف ، التاج ٥ / ٩٧.

(٤) دعائه أ ج ه : الدعاء المستجاب ب : ـ د.

(٥) وجهك أ ب ج : + الكريم ه : ـ د.

(٦) لم أعثر على هذا النص في كتب الصحاح.

(٧) فيدعو أ ج د ه : فيدعوا ب.

(٨) اللهم بفضلك ب ه : ـ أ ج د.

(٩) وأثبتني عندك في أم الكتاب ب ه : ـ أ ج د / / إلى الخير أ : إلى الخيرات ب ج ه : ـ د.

(١٠) لسان ب : ـ أ ج د ه.

(١١) الرعد : [٣٩].

٣٦٥

وقد رأيت منقولا : أنه يستحب الدعاء بهذا في ليلة النصف من شعبان ، وقد ورد في الأحاديث والأخبار (١) غير ذلك ، والمراد هنا الاختصار ، والله الموفق (٢).

ذكر الفتح العمري (٣)

الذي يسره الله تعالى على يد أمير المؤمنين وسيدنا عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، وعمارة المسجد الأقصى الشريف على يده.

روى عن عوف بن مالك (٤) قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اعدد ستا (٥) بين يدي الساعة موتي». قال : فوجمت عندها وجمة قال : «قل إحدى» ، قال : «ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتان / / يكون فيكم كقعاص (٦) الغنم واستفاضة المال فيكم حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل له سلخطا ، ثم تكون فيكم فتنة فلا يبقى بيت من بيوت (٧) العرب إلا دخلته ، ثم هدنة تكون بينكم (٨) وبين بني الأصفر فيغدرون بكم ، ثم يأتونكم في ثمانين راية تحت كل راية (٩) اثنا عشر ألفا» (١٠).

قوله : فوجمت وجمة ، قال الجوهري (١١) : الواجم (١٢) الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام. والموتان ـ تضم الميم وسكون الواو ـ وهو الموت الكثير السريع وقوعه ولذلك شبهه النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بقعاص (١٣) الغنم فهو داء يأخذها لا يلبثها أن تموت والقعص (١٤) : أن يضرب الإنسان فيموت مكانه سريعا ، فقيل : لهذا الدعاء قعاص لسرعة الموت ثم شبه به الموتان.

__________________

(١) الأحاديث والأخبار أ ج ه : الأخبار والأحاديث ب : ـ د.

(٢) والله الموفق أ ه : + المهدي للصواب ب : والله أعلم ج : ـ د.

(٣) هذا الفصل مأخوذ حرفيا عن مثير الغرام في معظم رواياته.

(٤) عوف بن مالك الأشجعي : كنيته أبو عبد الرحمن ، سكن الشام ، مات سنة ٧٣ ه‍ في أول خلافة عبد الملك بن مروان ، ينظر : ابن حبان ، تاريخ ١٩٨.

(٥) ستا أ ج د : ـ د ه.

(٦) كقعاص أ ج ه : كقصاع ب : ـ د.

(٧) من بيوت ب ه : ـ أ ج د.

(٨) بينكم أ ج ه : ـ ب د.

(٩) راية أ ه : غاية ب ج : ـ د.

(١٠) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٢٠.

(١١) ينظر : السمعاني ٢ / ١٢٦.

(١٢) الواجم أ ج ه : الوجم ب : ـ د.

(١٣) بقعاص ب ه : بقصاص أ ج : ـ د.

(١٤) والقعص ب ه : والقصع أ ج : ـ د.

٣٦٦

وعن عوف قال : أتيت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال لي : يا عوف أعدد ستا بين يدي الساعة. موتي ثم فتح بيت المقدس (١). وروي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال لشداد بن أوس (٢) : ألا إن الشام ستفتح وبيت المقدس ستفتح (٣) ، إن شاء الله تعالى ، وتكون أنت وولدك من بعدك أئمة بها ، إن شاء الله تعالى (٤).

ثم إن الست المذكورة قد وقع بعضها ، فموته ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفتح بيت المقدس قد وجدا ، ووقع الطاعون وهم بالجابية (٥). ويقال : إنه طاعون عمواس (٦) الواقع في سنة ثماني عشرة (٧) من الهجرة الشريفة. ثم استفاض المال في خلافة عثمان. قال الوليد بن مسلم (٨) : قال سعيد (٩) بن عبد العزيز (١٠) : زاد عثمان (١١) للناس عامة الديوان مائة دينار بزيادة دينار في عطائهم ، وكانت الفتنة وهي مقتل الحسين (١٢) وما وقع بين الناس بالشام والعراق وخراسان (١٣) من الفرقة والعصبة ولا تزال متتابعة حتى تقع هدنة الروم.

ولما توفي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، استقر الإمام أبو بكر الصديق ، رضي‌الله‌عنه ، بعده في الخلافة واسمه عبد الله ، ولقبه عتيق الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن

__________________

(١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٢٠.

(٢) شداد بن أوس بن ثابت بن منذر بن حرام بن عمرو البخاري ، سكن الشام ومات ببيت المقدس سنة ٥٨ ه‍ / ٦٧٧ م في ولاية معاوية بن أبي سفيان وقبره بها ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٥٧ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٣١.

(٣) ستفتح أ ج ه : سيفتح ب : ـ د.

(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٣١٦.

(٥) الجابية : قرية من أعمال دمشق من ناحية الجولان قربها تل يسمى بتل الجابية ، ويقال لها جابية الجولان ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣١٢ ؛ الحميري ، الروض ١٥٣.

(٦) عمواس أ ج : عموس ب ه : ـ د.

(٧) سنة ١٨ ه‍ / ٦٣٩ م.

(٨) الوليد بن مسلم : مولى لقريش يكنى أبا العباس ، مات سنة ١٩٤ ه‍ ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٨٠ ؛ ابن سعد ، الطبقات ٧ / ٣٢٦.

(٩) قال سعيد أ ب ج : قال سعد ه : ـ د.

(١٠) سعيد بن عبد العزيز التنوخي ، يكنى أبا محمد ، مات سنة ١٦٧ ه‍ ، وهو دمشقي ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٧٧ ؛ ابن سعد ٧ / ٣٢٤.

(١١) عثمان أ ج ه : + عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه : ـ د / / بزيادة دينار في عطائهم ب : ـ أ ج د ه.

(١٢) مقتل الحسين ج ه : قتل الوليد أ ب : ـ د.

(١٣) خراسان : بلاد واسعة حدودها مما يلي العراق وآخر حدودها مما يلي الهند ومن أمهات بلادها نيسابور ، وهرات ، ومرو ، وبلخ ، وطالقان ، ونسا ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٤٤١ ؛ البغدادي ، مراصد ٤٤١.

٣٦٧

عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب (١) بن لؤي بن غالب القرشي التيمي ، يلتقي مع رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في مرة بن كعب.

وهو أول خليفة في الإسلام وكان يدعى خليفة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وله المواقف الرفيعة في الإسلام.

ثم ختم ذلك بمهم من أحسن مناقبه وأجل فضائله وهو استخلافه على المسلمين عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، فمهد به الإسلام وأعز به الدين ، وذلك أنه لما حضر الوفاة شاور الصحابة في ذلك فأشاروا به ، ثم دعا أبو بكر عثمان بن عفان ، رضي‌الله‌عنهما ، فقال : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر (٢) بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها. وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب ، إني مستخلف عليكم عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا ، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه ، وإن بدل فلكل امرىء ما اكتسب ، والخير أردت ولا أعلم الغيب : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧) (٣) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (٤) ، ثم أمره فختم الكتاب وخرج به إلى الناس فبايعوا عمر ورضوا به.

ولما أراد أبو بكر أن يقلد عمر الخلافة قال له عمر : اعفني يا خليفة رسول الله فإني غني عنها ، قال : بل هي فقيرة إليك ، قال : ليس لي بها حاجة ، قال : هي محتاجة إليك. فقلده الخلافة على كره منه ، ثم أوصاه بما أوصاه ، فلما خرج رفع أبو بكر يديه وقال : اللهم إني لا أريد (٥) بذلك إلا صلاحهم (٦) وخفت عليهم الفتنة فوليت عليهم خيارهم ، وقد حضرني من أمرك ما حضرني فاخلفني فيهم فهم عبادك ونواصيهم في يديك (٧) وأصلح لهم ولاتهم واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدى نبي الرحمة وأصلح له رعيته.

ثم توفي (٨) أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان

__________________

(١) كعب أ ج ه : + بن لؤي بن غالب القرشي ب : ـ د.

(٢) عهد أبو بكر أ ج ه : ما عاهد عليه أبو بكر ب : ـ د.

(٣) الشعراء : [٢٢٧].

(٤) ينظر : كتاب استخلاف أبي بكر لعمر ؛ الطبري ، تاريخ ٣ / ٤٢٩.

(٥) لا أريد أ : لم أرد ب ج د ه.

(٦) صلاحهم أ ج ه : إصلاحهم ب د.

(٧) في يديك أ ج ه : في يدك ب د.

(٨) ينظر : الطبري ، تاريخ ٣ / ٤٢٠.

٣٦٨

ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة (١) من الهجرة الشريفة ، وله ثلاث وستون سنة ، ودفن عند رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال (٢) //.

وبويع عمر ، رضي‌الله‌عنه ، بالخلافة في اليوم الذي مات فيه أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، وهو أول من سمي بأمير المؤمنين. وأما نسبه : فهو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى. بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح (٣) بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب وفي كعب يجتمع نسبه مع نسب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، القرشي العدوي.

وأول خطبة خطبها قال : يا أيها الناس والله ما فيكم أحد أقوى من الضعيف عندي حتى آخذ الحق له ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه. ثم أول شيء أمر به أن عزل خالد بن الوليد (٤) عن الإمرة وولى أبا عبيدة بن الجراح على الجيش والشام ، وأرسل بذلك إليهما فإنهما كانا قبل وفاة أبي بكر ، رضي‌الله‌عنه ، في وقعة اليرموك ، وفرغا منها وقصدا دمشق. فلما ورد عليهما كتاب عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، سار أبو عبيدة ونزل دمشق (٥) الشام من جهة باب الجابية (٦) ، ونزل خالد من جهة الباب الشرقي (٧) ، ونزل عمرو بن العاص من جهة باب توما (٨) ، ويزيد بن أبي سفيان من جهة الباب الصغير (٩) إلى باب كيسان (١٠) ، وحاصروها قريبا من سبعين ليلة ، وفتح خالد ما يليه بالسيف. فخرج أهل دمشق وبذلوا الصلح لأبي عبيدة من الجانب الآخر وفتحوا له الباب فأمنهم ودخل والتقى مع خالد في وسط البلد.

وبعث أبو عبيدة بالفتح (١١) إلى عمر ، ثم فتح بعد دمشق بيسير حمص بعد

__________________

(١) سنة ١٣ ه‍ / ٦٣٤ م.

(٢) ليال أ ج د ه : ليالي ب.

(٣) ابن رزاح أ ج د ه الطبري : بن رواح ب.

(٤) ينظر : الطبري ، تاريخ ٣ / ٤٣٤.

(٥) ونزل دمشق ب : ونازل دمشق أ ج ه : ونزل على دمشق د.

(٦) باب الجابية : منسوب إلى قرية الجابية لأن الخارج إليها ، يخرج منه لكونه مما يليها ، ينظر : ابن منظور ، مختصر ١ / ٣٠٠.

(٧) الباب الشرقي : سمي بذلك لأنه شرقي البلد ، ينظر : ابن منظور ، مختصر ١ / ٢٩٩.

(٨) باب توما : ينسب إلى عظيم من عظماء الروم ، اسمه توما ، ينظر : ابن منظور ، مختصر ١ / ٢٩٩.

(٩) الباب الصغير : هو الباب القبلي سمي بذلك لأنه أصغر أبواب دمشق ، ينظر : المصدر نفسه ١ / ٢٩٩.

(١٠) باب كيسان : ينسب إلى كيسان مولى معاوية ، ينظر : المصدر نفسه ١ / ٢٩٩.

(١١) بالفتح ب ج د ه : الفتح أ.

٣٦٩

حصار طويل ، ثم فتح حماه صلحا ، وكذلك المعرة ، ثم فتح اللاذقية (١) عنوة ، وفتح جبلة (٢) والطرطوس (٣)(٤) ثم فتح حلب (٥) وأنطاكية (٦) ، وفتح بلادا أخرى منها : قيسارية (٧) وسبسطية (٨) ، ويقال : إن بها قبر يحيى وزكريا ، ونابلس ولد ويافا وتلك البلاد جميعها حتى دخلت سنة خمس عشرة (٩) من الهجرة الشريفة.

ثم سار أبو عبيدة بن الجراح ، رضي‌الله‌عنه ، حتى أتى الأردن (١٠) فعسكر بها ، وبعث الرسل إلى أهل إيلياء وكتب إليهم : بسم الله الرحمن الرحيم من أبي عبيدة بن الجراح إلى بطارقة أهل إيلياء وسكانها سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله وبالرسول (١١) ، أما بعد : فإنا ندعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، فإذا (١٢) شهدتم بذلك حرمت علينا دماؤكم وأموالكم وذراريكم وكنتم لنا إخوانا ، وإن أبيتم (١٣) فأقروا لنا بأداء الجزية عن يد وأنتم صاغرون وإن أنتم أبيتم سرت إليكم بقوم هم أشد حبا للموت منكم لشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، ثم لا أرجع عنكم ، إن شاء الله تعالى أبدا حتى أقتل مقاتليكم وأسبي ذراريكم (١٤).

وكتب إلى عمر بن الخطاب ، أمير المؤمنين (١٥) ، رضي‌الله‌عنه : بسم الله

__________________

(١) اللاذقية : مدينة في سواحل الشام ، وهي مدينة عتيقة رومية فيها أبنية قديمة تعد في أعمال حمص وهي غربي جبلة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٥٣ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٩٤ ؛ الحميري ٥٠٨.

(٢) جبلة : قلعة مشهورة بساحل الشام من أعمال اللاذقية قرب حلب ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣١٢.

(٣) طرطوس : بلد بالشام على ساحل البحر عليها سوران ويجري الماء حولها ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٨٤ ؛ الحميري ٣٨٨.

(٤) والطرطوس ب د ه : طرسوس أ : انطرسوس ج.

(٥) حلب : مدينة قديمة معروفة ولها شهرتها في شمال بلاد الشام ، وهي اليوم ثاني المدن السورية بعد العاصمة دمشق ، ينظر : ياقوت ، معجم ٢ / ٢٨٢ ـ ٢٩٠ ؛ الحميري ١٩٦.

(٦) أنطاكية : مدينة هي قصبة العواصم من الثغور الشامية موصوفة بالحسن وطيب الهواء وبها كانت مملكة الروم ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٥٥ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ١٢٥.

(٧) قيسارية : بلدة على ساحل الشام من أرض فلسطين ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٣٨٣ ؛ شراب ٦١٢.

(٨) سبسطية : بلدة قرب نابلس بأرض فلسطين ، بها مقام يسمى بمشهد زكريا ، ينظر : شراب ٤٤٣.

(٩) سنة ١٥ ه‍ / ٦٣٦ م.

(١٠) حتى أتى الأردن أ ب ج د : حتى أتى إلى الأردن ه.

(١١) وبالرسول أ ب ج د : ورسوله ه.

(١٢) فإذا أ ج ه : فإن ب د.

(١٣) وإن أبيتم ب : إن أنتم أبيتم أ ج د ه.

(١٤) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٢٧.

(١٥) أمير المؤمنين أ : ـ ب ج د ه.

٣٧٠

الرحمن الرحيم ، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من أبي عبيدة بن الجراح : سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد : فالحمد لله الذي أهلك المشركين ونصر المسلمين ، وقد نما ما تولى الله أمرهم وأظهر فلاحهم وأعز دعوتهم ، فتبارك الله رب العالمين أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنا لقينا الروم وهم جموع (١) لم تلق العرب مثلها جموعا ، فأتونا وهم يرون لا غالب لهم من الناس أحد ، فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا ما قوتل المسلمين مثله في موطن قط ، ورزق الله المؤمنين النصر وأنزل عليهم الصبر ، فقتلهم الله تعالى في كل قرية وفي كل شعب وواد وجبل وسهل وغنم الله المسلمين عسكرهم ، وما كان فيهم من أموالهم ومتاعهم ، ثم إني تبعتهم بالمسلمين حتى بلغت أقصى بلاد الشام ، وقد بعثت إلى أهل الشام عمالي ، وقد بعثت إلى أهل إيلياء أدعوهم إلى الإسلام فإن قبلوا وإلا فليؤدوا الجزية إلينا عن يد وهم صاغرون ، فإن أبوا سرت إليهم حتى أنزل بهم ثم لا أزال (٢) حتى يفتح الله تعالى على المسلمين ، إن شاء الله تعالى (٣) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وكتب (٤) عمر إليه : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أبي عبيدة بن الجراح سلام عليك فإني أحمد إليك (٥) الله الذي لا إله إلا هو أما بعد : فقد أتاني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من إهلاك الله تعالى للمشركين ونصر (٦) المؤمنين وما صنع الله بأوليائه وأهل / / طاعته ، والحمد لله على حسن صنيعه إلينا وسيتم الله ذلك بشكره ، ثم اعلموا إنكم لم تظهروا على عدوكم بعدد ولا قوة ولا عدة ولا حول ، ولكن بعون الله ونصره ومنه وفضله ، فلله الطول والمن (٧) والفضل العظيم ، فتبارك الله أحسن الخالقين والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم (٨).

ثم إن أبا عبيدة انتظر أهل إيلياء ، فأبوا أن يأتوه وأن يصالحوه ، فأقبل سائرا إليهم حتى نزل بهم ، فحاصرهم (٩) حصارا شديدا ، وضيق عليهم ، فخرجوا إليه ذات

__________________

(١) وهم جموع أ ب ج د : وهم جمع ه.

(٢) لا أزال حتى أ ه : لا أريلهم ب : لا أزايلهم ج : ـ د.

(٣) تعالى أ ج د ه : ـ ب.

(٤) وكتب أ ج ه : فكتب ب : ـ د / / عبد الله عمر أمير المؤمنين أ ج ه : عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ب : ـ د.

(٥) أحمد إليك الله أ ه : أحمد الله إليك ب ج : ـ د.

(٦) ونصر أ ج ه : ونصره ب : ـ د.

(٧) والمن أ ج ه : والمنة ب : ـ د.

(٨) والسلام عليكم أ د ه : والسلام عليك ب ج.

(٩) فحاصرهم أ ج د : وحاصرهم ب ه.

٣٧١

يوم فقاتلوا المسلمين ساعة ، ثم إن المسلمين شدوا عليهم من كل جانب فقاتلوهم ساعة ثم انهزموا فدخلوا حصنهم ، وكان الذي ولي قتالهم يومئذ خالد بن الوليد ، رضي‌الله‌عنه ، ويزيد بن أبي سفيان ، كل رجل منهم بجانب.

فبلغ ذلك سعيد بن زيد وهو على أهل دمشق ، فكتب إلى أبي عبيدة (١) بن الجراح : بسم الله الرحمن الرحيم لأبي عبيدة بن الجراح من سعيد بن زيد سلام عليك فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد (٢) : فإني لعمري ما كنت لأوثرك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يدنيني من مرضاة ربي فإذا (٣) أتاك كتابي هذا فابعث إلى عملك من هو أرغب فيه فليليه ما بدا لك ، فإني قادم عليك (٤) وشيكا ، إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (٥).

فقال أبو عبيدة حين جاء الكتاب ليتركنها خلوفا (٦). ثم دعا يزيد (٧) بن أبي سفيان وقال : اكفني دمشق. فقال له يزيد : أكفيكها ، إن شاء الله تعالى ، وسار إليها فولاها له.

ولما حضر أبو عبيدة أهل إيلياء وأوجب على نفسه أنه غير مقلع عنهم ولم يجدوا لهم طاقة بحربه قالوا : نصالحك ، قال : فإني (٨) قابل منكم ، قالوا : فأرسل إلى خليفتكم فيكون هو الذي يعطينا هذا العهد ويكتب لنا الأمان. فقبل أبو عبيدة ، رضي الله تعالى عنه ، وهم أن يكتب ذلك (٩).

وكان أبو عبيدة قد بعث معاذ بن جبل على الأردن ولم يكن سار. فقال معاذ لأبي عبيدة : أتكتب لأمير المؤمنين تأمره بالقدوم عليك فلعله يقدم ، ثم يأبى هؤلاء الصلح فيكون مجيئه فضلا وعناء فلا تكتب حتى يوثقوا لك (١٠) واستحلفهم بالإيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة إن أنت بعثت إلى أمير المؤمنين ، فقدم عليهم وأعطاهم

__________________

(١) لأبي عبيدة أ ج ه : إلى أبي عبيدة ب د.

(٢) أحمد إليكم الله ... بعد أ ج ه : أحمد الله ... هو إليك ب د / / إليكم أ ج ه : ـ ب د / / إلا هو أ ج ه : + إليك ب د.

(٣) فإذا أ ج د ه : ـ ب.

(٤) عليك أ ج ه : إليك ب د.

(٥) ينظر : المقدسي ، مثير ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٦) ينظر : المصدر نفسه ١٥٧.

(٧) يزيد أ ب ج د : ـ ه.

(٨) فإني أ ج د ه : وإني ب.

(٩) ذلك أ : ـ ب ج د ه.

(١٠) لك أ ج د ه : إليك ب.

٣٧٢

الأمان على أنفسهم وأموالهم ، وكتب لهم بذلك كتابا ليقبلن وليؤذن الجزية وليدخلن فيما دخل فيه أهل الشام. فبعث بذلك إليهم أبو عبيدة فأجابوا إليه (١)(٢).

فلما فعلوا ذلك كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه : بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عمر أمير المؤمنين من أبي عبيدة بن الجراح سلام عليك ، «فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو أما بعد : فإنا أقمنا على أهل إيلياء (٣) وظنوا أن لهم في مطاولتهم فرجا فلم يزدهم الله بها إلا ضيقا ونقصا وهزلا (٤) وذلا ، فلما رأوا ذلك سألوا أن يقدم عليهم أمير المؤمنين فيكون هو الموثق (٥) لهم والكاتب ، فخشينا أن يقدم أمير المؤمنين فيغدر القوم ويرجعوا فيكون مسيرك ـ أصلحك الله ـ عناء وفضلا ، فأخذنا عليهم المواثيق المغلظة بإيمانهم ليقبلن وليؤدن الجزية وليدخلن فيما دخل فيه أهل الذمة ففعلوا ، فإن رأيت أن تقدم فافعل فإن في مسيرك أجرا وصلاحا أتاك الله رشدك ويسر أمرك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وبعث المسلمون إليه وفدا وبعث الروم (٦) وفدا مع المسلمين حتى أتوا المدينة ، فجعلوا يسألون عن أمير المؤمنين. فقال الروم لترجمانهم عمن يسألون. فقال : عن أمير المؤمنين. فاشتد عليهم وقالوا : هذا الذي غلب فارس والروم وأخذ كنوز كسرى وقيصر ليس له مكان مخصوص بهذا (٧) غلب الأمم ، فوجدوه وقد ألقى نفسه حين أصابه الحر نائما فازدادوا تعجبا.

فلما قدم الكتاب على عمر ، رضي‌الله‌عنه ، دعا برؤساء المسلمين إليه وقرأ عليهم كتاب أبي عبيدة ، رضي‌الله‌عنه ، واستشارهم في الذي كتب إليه. فقال له عثمان ، رضي‌الله‌عنه : إن الله تعالى قد أذلهم وحصرهم وضيق عليهم وهم في كل يوم يزدادون نقصا وهزلا (٨) وضعفا ورعبا ، فإن أنت أقمت ولم تسر إليهم رأوا أنك بأمرهم مستخف ولشأنهم حاقر غير معظم ، فلا يلبثون إلا قليلا حتى ينزلوا على الحكم ويعطوا الجزية. فقال عمر : ماذا ترون (٩)؟ هل عند أحد منكم رأي غير هذا؟

__________________

(١) ينظر : المقدسي ، مثير ١٧٥.

(٢) فأجابوا أ ج د ه : فأجابوه ب.

(٣) على أهل إيلياء ب : على إيلياء أ ج د ه.

(٤) وهزلا أ ج د ه : وهزالا ب.

(٥) الموثق مثير الغرام : الموثوق أ ب ه : الموفق ج : الموافق د.

(٦) وبعث الروم ... المسلمين ب ج د ه : ـ أ.

(٧) مخصوص بهذا أ : معروف بهذا ب ج د ه.

(٨) وهزلا أ ج د ه : هزالا ب.

(٩) ماذا ترون أ ج ه : ما ترون ب د.

٣٧٣

فقال علي بن أبي طالب / / رضي‌الله‌عنه : نعم ، عندي غير هذا الرأي ، قال (١) : ما هو؟ فقال : إنهم قد سألوا المنزلة التي فيها لهم الذل والصغار وهو على المسلمين فتح ، ولهم فيه عز وهم يعطونكها الآن في العاجل في عافية ليس بينك وبين ذلك إلا أن تقدم عليهم ولك في القدوم عليهم الأجر في كل ظمأ ومخمصة وفي قطع كل واد وفي كل نفقة حتى تقدم عليهم فإذا أنت (٢) قدمت عليهم كان الأمن والعافية والصلاح والفتح ، ولست آمن إن أيسوا من قبولك الصلح منهم أن يتمسكوا بحصنهم فيأتيهم عدو لنا أو يأتيهم منهم مدد فيدخل على المسلمين بلاء ، ويطول بهم حصار ، فيصيب المسلمين من الجهد والجوع نحو ما يصيبهم ، ولعل المسلمين يدنون من حصنهم فيرشقونهم بالنشاب أو يقذفونهم بالمناجيق فإن أصاب بعض المسلمين تمنيتم أنكم افتديتم قتل رجل من المسلمين بمشرك إلى منقطع التراب فكان (٣) المسلم لذلك من إخوانه أهلا.

فقال عمر ، رضي‌الله‌عنه : قد أحسن عثمان النظر في مكيدة العدو ، وقد (٤) أحسن علي بن أبي طالب النظر لأهل السلام ، سيروا على اسم الله تعالى ، فإني سائر.

فخرج فعسكر خارج المدينة ، ونودي في الناس بالعسكر (٥) والمسير ، فعسكر العباس بن عبد المطلب (٦) بأصحاب النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووجوه قريش والأنصار والعرب ، رضي‌الله‌عنهم ، حتى إذا تكامل عنده الناس استخلف على المدينة علي بن أبي طالب (٧) ، رضي‌الله‌عنه ، وسار. فكل غداة (٨) إلا وهو يقبل على المسلمين بوجهه ويقول : الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام ، وأكرمنا بالإيمان ، ورحمنا بنبيه محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهدانا (٩) به من الضلالة ، وجمعنا به من بعد الشتات ، وألف بين قلوبنا ، ونصرنا به على الأعداء ، ومكن لنا في البلاد ، وجعلنا إخوانا متحابين ، فاحمدوا الله عباد الله على هذه النعمة ، واسألوه المزيد منها ، والشكر عليها وتمام ما أصبحتم

__________________

(١) قال أ ج : فقال ب د ه / / الذل والصغار أ : الذل الصغار ب : الذل لهم والصغار ج د ه.

(٢) أنت أ ج د ه : ـ ب.

(٣) فكان أ : وكان ب ج ه : ـ د.

(٤) وقد أ : ـ ب ج د ه.

(٥) بالعسكر ب ج د ه : بالمعسكر أ.

(٦) العباس بن عبد المطلب أ ب د : + وعلي بن أبي طالب ج ه.

(٧) ينظر : المقدسي ، مثير ١٥٧ ـ ١٥٩.

(٨) فكل غداة أ : فقل غداة ب ه : فقبل غداة ج : ـ د.

(٩) فهدانا أ ب ج د : ـ ه.

٣٧٤

متقلبين فيه منها ، فإن الله تعالى (١) يزيد المزيدين من الراغبين ، ويتم نعمته على الشاكرين ، وكان لا يدع هذا القول في كل غداة في سفره كله.

فلما دنا من الشام عسكر حتى تتام إليه (٢) من تخلف من العسكر ، فما هو إلا أن طلعت الشمس فإذا الرايات والرماح والجنود قد أقبلوا على الخيول يستقبلون عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه.

قال الراوي : فكان أول مقنب (٣) لقينا من الناس فسألنا (٤) عن المدينة ، وأخبرناه بصلاح الناس. فنادوا : هل لكم (٥) بأمير المؤمنين من علم؟ فسكتنا ، ومضوا فأقبل مقنب آخر فسلموا ، ثم سألوا عن أمير المؤمنين هل لكم به علم ، فقال لنا : ألا تخبرون القوم عن صاحبكم؟ فقلنا : هذا أمير المؤمنين ، فذهبوا يرجعون يقتحمون (٦) عن خيولهم. فناداهم عمر ، رضي‌الله‌عنه : لا تفعلوا. ورجع الآخرون الذين مضوا فساروا معنا.

وأقبل المسلمون يصفون الخيل ويشرعون الرماح في طريق عمر حتى طلع أبو عبيدة في عظيم الناس فإذا هو على قلوص (٧) مكتنفها (٨) بعباءة خطامها من شعر لابس سلاحه متنكب قوسه ، فلما نظر إلى عمر (٩) أناخ قلوصه (١٠) ، وأناخ عمر بعيره ، فنزل أبو عبيدة ، وأقبل إلى عمر ، وأقبل عمر إلى أبي عبيدة ، فلما دنا (١١) من أبي عبيدة مد أبو عبيدة يده إلى عمر ليصافحه ، فمد عمر يده ، فأخذها أبو عبيدة وأهوى ليقبلها يريد أن يعظمه في العامة ، فأهوى عمر إلى رجل أبي عبيدة ليقبلها ، فقال أبو عبيدة : مه يا أمير المؤمنين ، وتنحى. فقال عمر : مه يا أبا عبيدة فتعانق الشيخان ، ثم ركبا يتسامران (١٢) ، وسار الناس أمامهما.

__________________

(١) تعالى أ ج د هت : ـ ب.

(٢) حتى تتام أ ج ه : حتى قدم إليه ب د.

(٣) المقنب : جماعة من الفرسان والخيل دون المائة تجمع للغارة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١ / ٦٩٦ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ٧٩١.

(٤) فسألنا أ ج ه : سألنا ب د.

(٥) هل لكم أ ج ه : هل لنا ب د.

(٦) يرجعون يقتحمون أ ج ه ك يرجعون ويقتحمون ب د.

(٧) القلوص : الفتية من الإبل بمنزلة الجارية الفتاة من النساء ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٧ / ٨١.

(٨) مكتنفها أ ج ه : أكفها ب : ـ د.

(٩) عمر أ : أمير المؤمنين ب ج د ه.

(١٠) قلوصة أ ج : قوسه ب ه : ـ د / / عمر أ : أمير المؤمنين ب ج ه : ـ د.

(١١) فلما دنا أ ج د ه : + عمر ب.

(١٢) يتسامران أ ب ج د : ـ ه / / وسار أ : وسارا وسار ب ج : ـ د : وساروا وسار ه.

٣٧٥

وحكي أنهم تلقوا عمر ببرذون وثياب بيض وكلموه أن يركب البرذون ليراه العدو فهو أهيب له عندهم وأن يلبس الثياب البيض ويطرح الفروة عنه ، فأبى ، ثم ألحوا عليه فركب البرذون بفروة (١) وثيابه ، فهملج (٢) به البرذون وخطام راحلته بعد في يده ، فنزل ، وركب راحلته (٣) ، وقال : لقد غيرني هذا حتى خفت أن أتكبر وأنكر نفسي ، فعليكم يا معشر المسلمين بالصدق (٤) وإنما أعزكم الله ، عز وجل ، به.

وروي عن طارق بن شهاب (٥) قال : لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره ونزع جرموقيه (٦) فأمسكهما بيده وخاض الماء ومعه بعيره. / / فقال أبو عبيدة له (٧) : لقد صنعت اليوم صنعا عظيما عند أهل الأرض ، فصكه عمر في صدره وقال له : لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة ، إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس فأعزكم الله بالإسلام ، ومهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله تعالى (٨).

وروي أنه لما قدم عمر من المدينة ناهضوهم القتال بعد قدومه ، فظهر المسلمون على أماكن لم يكونوا ظهروا عليها قبل ذلك (٩). وظهروا يومئذ على كرم كان في أيديهم لرجل من النصارى له ذمة مع المسلمين في كرمه عنب فجعلوا يأكلونه. فأتى الذمي عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، فقال له : يا أمير المؤمنين كرمي كان في أيديهم فلم يستبيحوه ، ولم يتعرضوا له (١٠) ، وأنا رجل لي ذمة مع المسلمين ، فلما ظهر عليه المسلمون وقعوا فيه فدعا عمر ، رضي‌الله‌عنه ، ببرذون له فركبه عريانا من العجلة ، ثم خرج يركض في أعراض المسلمين فكان أول من لقيه أبو هريرة يحمل فوق رأسه عنبا فقال له : وأنت أيضا يا أبا هريرة ، فقال له : يا أمير

__________________

(١) بفروة أ ج : بفروته ب : ـ د ه.

(٢) فهملج : هملاج الهملاج من البرادين وأحد الهماليج ومشيها الهملجة فارسي معرب ، والهملجة والهملاج حسن سير الدابة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٢ / ٣٩٣.

(٣) راحلته أ ج ه : ناقته ب ه.

(٤) بالصدق ج ه : بالقصد أ ب د.

(٥) طارق بن شهاب بن عبد شمس بن مسلمة البجلي الأحمسي ، أبو عبد الله ، توفي سنة ٨٣ ه‍ / ٧٠٢ م ؛ ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٩٧ ؛ الزركلي ٣ / ٢١٧.

(٦) الجرموق : الخف القصير يلبس فوق خفه ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٠ / ٣٥ ؛ المعجم الوسيط ١ / ١٢٣.

(٧) له أ ج ه : ـ ب د.

(٨) هذه الروايات منقولة حرفيا عن مثير الغرام ، ينظر : المقدسي ، مثير ١٥٧ ـ ١٦١.

(٩) وظهروا أ ب ج د : فظهروا ه.

(١٠) ولم يتعرضوا له أ ج ه : وكم يتعرضوا لي ب د.

٣٧٦

المؤمنين أصابتنا مخمصة (١) شديدة فكان أحق من أكلنا من ماله من قاتلنا من ورائه (٢). فتركه عمر ، ثم أتى إلى الكرم فنظر فإذا الناس قد أسرعوا فيه ، فدعا عمر ، رضي‌الله‌عنه ، الذمي فقال له : كم كنت ترجو من غلة كرمك هذا؟ فقال له : شيئا ، قال : فخل سبيله ، ثم أخرج عمر ، رضي‌الله‌عنه ، الذي قال له الذمي (٣) فأعطاه إيه ثم أباحه للمسلمين (٤).

وعن سيف (٥) عن أبي حازم وأبي عثمان عن خالد وعبادة قالا : صالح عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، أهل إيلياء بالجابية ، وكتب لهم فيه الصلح لكل كورة كتابا واحدا ما خلا أهل إيلياء : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أعطى (٦) عبد الله أمير المؤمنين عمر أهل إيلياء من الأمان ، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ، ولكنائسهم ، وصلبانهم ، ومقيمها وبريها وسائر أمتها إنها لا تسكن كنائسهم ، ولا تهدم ، ولا ينتقص (٧) منها ولا من حدها ، ولا من صليبهم ، ولا شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم ، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود ، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن ، وعلى أن يخرجوا منها الروم واللصوص ، فمن خرج منهم (٨) فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن أقام منهم فهو آمن ، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعتهم وصليبهم ، فإنهم آمنون على أنفسهم ، وعلى بيعتهم وصليبهم حتى يبلغوا مأمنهم.

ومن كان فيها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ، ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أرضه فإنه لا يؤخذ منه شيء حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله (٩) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) المخمصة : المجاعة ، وقد خمصه الجوع خمصا ومخمصة ، والخمصة الجوعة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ، مادة خمص.

(٢) من ورائه أ : ـ ب ج د ه / / فنظر أ : فنظروا ب : فنظره ج ه : ـ د / / فإذا الناس قد أسرعوا فيه أ ج : فإذا هو قد أسرعت الناس فيه ب د ه.

(٣) الذمي أ ج ه : ـ ب د.

(٤) ينظر : أبو عبيد ، الأموال ٤٢٣ ؛ المقدسي ، مثير ١٦٣.

(٥) سيف بن عمر الضبي مصنف الفتوح والردة ، ينظر : ابن النديم ، ١٢٣ ؛ الذهبي ، ميزان ٢ / ٢٥٥.

(٦) هذا ما أعطى أ ج د هت : هذا كتاب إيلياء مثير الغرام.

(٧) ولا ينتقص ب د ه : ولا ينقص أ ج.

(٨) فمن خرج منهم ب ج د ه : ـ أ.

(٩) وذمة رسوله أ ه : وذمة رسول الله ب ج د.

٣٧٧

وذمة الخلفاء ، وذمة المؤمنين ، إذا أعطوا الذين عليهم من الجزية. شهد (١) على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان (٢).

وعن عبد الرحمن بن غنم (٣) ، قال : كتب لعمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، حين صالح نصارى أهل الشام : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب لعبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا ، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا ، وأهل ملتنا ، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث على مدائننا (٤) ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ، ولا نحيي منها ما كان في خطط المسلمين ، ولا نمنع كنائسنا (٥) أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل أو نهار ، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل ، وأن ننزل من مر من المسلمين ثلاث ليال نطعمهم ولا نؤوي (٦) في منازلنا ، ولا كنائسنا جاسوسا ، ولا نكتم غشا للمسلمين ، ولا نعلم أولادنا القرآن ، ولا نظهر شركا ، ولا ندعو إليه أحدا ، ولا نمنع أحد من ذوي (٧) قرابتنا الدخول في الإسلام إن أراده ، وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ، ولا نتكنى بكناهم ، ولا نركب السروج ، ولا نتقلد السيوف ، ولا نتخذ شيئا / / من السلاح ولا نحمله معنا ، ولا ننقش على خواتمنا بالعربية ، ولا نبيع الخمور ، وأن نجز مقادم رؤوسنا ، وأن نلزم زينا حيثما كنا ، وأن نشد زنانير على أوساطنا ، ولا نظهر الصليب على كنائسنا ، ولا نظهر صلباننا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ، ولا في أسواقهم ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيفا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران (٨) معهم في شيء من طرق المسلمين ، ولا

__________________

(١) شهد ب ج د ه : يشهد أ.

(٢) ينظر هذه الرواية : المقدسي ، مثير ١٦١.

(٣) عبد الرحمن بن غنم الأشعري الفقيه الإمام ، شيخ أهل فلسطين ، ثقة ، توفي سنة ٨٧ ه‍ / ٦٩٧ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٦١ ؛ ابن سعد ٧ / ٣٧.

(٤) على مدائننا أ ج ه : على مدينتا ب د.

(٥) ولا نمنع كنائسنا أ ج : ولا تمنع كنائسها ب د : ـ ه / / في ليل أو نهار أ ج د : في ليل ولا نهار ب ه.

(٦) ولا نؤوي أ ج ه : ولا نواري ب د / / نؤوي في منازلنا ولا كنائسنا أ ج د ه : نواري في كنائسنا ولا في منازلنا ب.

(٧) ولا نمنع أحد من ذوي أ ب ج د : ـ ه.

(٨) ولا نظهر النيران ... نجاورهم بموتانا أ ج د ه : ـ ب.

٣٧٨

أسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ، ولا نتخذ من الرقيق ما جرت به (١) عليه سهام المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم.

قال : فلما أتيت عمر ، رضي‌الله‌عنه ، بالكتاب زاد فيه : ولا نضرب (٢) أحدا من المسلمين ، شرطنا لكم ذلك على أنفسنا ، وأهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان فإن نحن خالفنا شيئا مما شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما حل من أهل المعاندة والشقاق (٣).

رواه الإمام البيهقي (٤) وغيره وقد اعتمد أئمة الإسلام هذه الشروط وعمل بها الخلفاء الراشدون.

وروي أن عمر ، رضي‌الله‌عنه ، أمر في أهل الذمة أن تجز نواصيهم وأن يركبوا على الأكف عرضا ولا يركبوا كما يركب المسلمون ، وأن يوثقوا المناطق أي الزنانير. ولما قدم عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، ببيت المقدس نزل على الجبل الشرقي وهو طور زيتا ، وأتى رسول ـ بطريقها إليه ـ بالترحيب ، وقال : إنا سنعطي بحضورك (٥) ما لم نكن نعطيه لأحد دونك. وسأله أن يقبل منه الصلح والجزية ، وأن يعطيه (٦) الأمان على دمائهم وأموالهم وكنائسهم ، فأنعم له عمر بذلك. فسأله الرسول الأمان لصاحبه ليتولى مصالحته ومكاتبته فأنعم وخرج إليه بطريقها في جماعة فصالحهم وأشهد على ذلك (٧).

والبطريق هو الأمير وأما البطرك فهو الكاهن وكان اسم البطرك يوم ذاك (٨) صفرونيوس. وكان قد أخبر النصارى أن الله يفتح البيت المقدس على يد عمر بغير (٩) قتال.

فلما فرغ عمر من كتاب الصلح بينه وبين أهل القدس (١٠) قال لبطريقها : دلني

__________________

(١) به أ ج د ه : ـ ب.

(٢) ولا نضرب أحدا أ ه : ولا نضر بأحد ب د : ـ ج.

(٣) ينظر : المقدسي ، مثير ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٤) هو الحافظ العلامة الفقيه شيخ الإسلام ، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخراساني ، توفي سنة ٤٥٨ ه‍ / ١٠٦٥ م ، له من التآليف : «السنة الكبرى» و «الأسماء والصفات» و «معرفة السنن والآثار» وغيرها ، ينظر : الذهبي ، سير ١٨ / ١٦٣ ـ ١٧٠ ؛ اليافعي ٣ / ٨١ ؛ الزركلي ١ / ١١٦.

(٥) سنعطي بحضورك أ ب : سنعطي بحضرتك ه : ـ ج د.

(٦) وأن يعطيه ب ه : ـ أ ج د.

(٧) ينظر : المقدسي ، مثير ١٥٤.

(٨) ذاك أ ج ه : ذلك ب : ـ د / / صفر ونيوس أ ه : صقريوس ب : ـ ج د.

(٩) بغير أ ه : من غير ب : ـ ج د.

(١٠) القدس أ ج ه : بيت المقدس ب د.

٣٧٩

على مسجد داود. قال : نعم ، وخرج عمر مقلدا بسيفه في أربعة آلاف من الصحابة الذين قدموا معه متقلدين بسيوفهم وطائفة ممن كان عليهم ليس عليهم (١) من السلاح إلا السيوف والبطريق بين يدي عمر في أصحابه حتى دخلوا بيت المقدس فأدخلهم الكنيسة التي يقال لها : القمامة ، وقال : هذا مسجد داود. فنظر عمر وتأمل فقال له : كذبت ولقد وصف لي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مسجد داود بصفة ما هي هذه. فمضى به إلى كنيسة يقال لها صهيون ، وقال له : هذا مسجد داود ، فقال له : كذبت ، فمضى به إلى مسجد بيت المقدس حتى انتهى به إلى بابه (٢) الذي يقال له باب محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد انحدر ما في المسجد من الزبالة على درج الباب حتى خرج إلى الزقاق الذي فيه الباب وكثر على الدرج حتى كاد أن يلصق بسقف الرواق فقال له : لا نقدر أن ندخل إلا حبوا ، فقال عمر : ولو حبوا ، فحبا بين يدي عمر وحبا عمر ومن معه خلفه حتى ظهروا إلى صحنه واستووا فيه قياما ، فنظر عمر وتأمل مليا ، ونظر يمينا وشمالا ، ثم قال : الله أكبر هذا والذي نفسي بيده مسجد داود ، عليه‌السلام ، الذي أخبرنا رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه أسري به إليه (٣). ووجد على الصخرة زبلا كثيرا مما طرحته الروم غيظا لبني إسرائيل ، فبسط عمر رداءه ، وجعل يكنس ذلك الزبل ، وجعل المسلمون يكنسون معه الزبل (٤) ، ومضى نحو محراب داود وهو الذي على باب البلد في القلعة فصلى فيه ، ثم قرأ سورة (ص) وسجد. وروى أنه لما جلا المزبلة عن الصخرة قال : لا تصلوا فيها حتى يصيبها ثلاث مطرات.

وروي أنه لما فتح عمر ، رضي‌الله‌عنه ، بيت المقدس قال لكعب : يا أبا إسحاق أتعرف موضع الصخرة؟ فقال : أذرع من الحائط الذي يلي واد جهنم كذا وكذا ذراعا ، ثم احفر فإنك تجدها. وكانت يومئذ مزبلة فحفروا فظهرت لهم (٥) ، / / فقال عمر لكعب : أين ترى أن نجعل المسجد ـ أو قال : القبلة؟ ـ فقال : أجعله خلف الصخرة فتجتمع القبلتان قبلة موسى وقبلة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : ضاهيت (٦) اليهودية يا أبا إسحاق ، خير المساجد مقدمها فبناها في مقدم المسجد (٧).

__________________

(١) عليهم أ ج د ه : عليها ب.

(٢) إلى بابه أ ج د ه : إلى الباب ب.

(٣) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٣٦.

(٤) الزبل ب ج د ه : ـ ه.

(٥) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٦) ضاهيت ... اليهودية أ ب ج د : ـ ه.

(٧) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٣٧ ـ ٢٤٠.

٣٨٠