الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

مجير الدين الحنبلي العليمي

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

المؤلف:

مجير الدين الحنبلي العليمي


المحقق: عدنان يونس عبد المجيد أبو تبّانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

بميمونة وانصرف إلى المدينة ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم دخلت السنة الثامنة (١) من الهجرة (٢) ، فيها أسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد ، رضي‌الله‌عنهما.

وفيها كانت (٣) غزوة مؤتة (٤) ، وهي أول الغزوات بين المسلمين والروم ومؤتة من أرض الشام وهي قبل الكرك (٥) وفيها اتخذ لرسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، المنبر (٦) وكان يخطب إلى جذع نخلة (٧) ، فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر فإذا الجذع (٨) الذي كان يقوم عليه يئن كما يئن الصبي ، فقال النبي (٩) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن هذا بكى لما فقده من الذكر» ، فنزل فمسحه (١٠) بيده حتى سكن (١١). فلما هدم المسجد وتغير أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب (١٢) ، فكان عنده في داره حتى بلي.

نقض الصلح وفتح مكة (١٣)

سبب ذلك أن بني بكر بن عبد مناف عدت على خزاعة وهم على ماء لهم (١٤) بأسفل مكة يقال له : الوثير. وكانت خزاعة في عهد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبنو بكر في عهد قريش في صلح الحديبية. وكانت بينهم حروب في الجاهلية ، فكلمت بنو بكر أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح ، فوعدوهم وأوفوهم (١٥)

__________________

(١) ٨ ه‍ / ٦٢٩ م.

(٢) من الهجرة أ ج د هت : + الشريفة ب.

(٣) وفيها كانت أ ب ج د : ـ ه.

(٤) مؤتة : قرية من قرى البلقاء في حدود الشام ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١٣٣٠.

(٥) الكرك : قلعة حصينة في طرف الشام من نواحي البلقاء وهي على جبل عال ، ينظر : ياقوت ، المشترك ٣٧ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٥٩ ؛ العمري ٢ / ٢١٢ ؛ طلاس ٢٩ ؛ غوانمة ، إمارة الكرك ٥٢ ـ ٥٦.

(٦) المنبر : مقعد من الحجر أو الخشب تتسع لوقوف وجلوس الخطيب وتقع قرب المحراب تعلوها قبة صغيرة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٥ / ١٨٩ ؛ غالب ٤٠٦ ؛ مؤنس ٨٢.

(٧) إلى جذع نخلة ب ج د هت : على جذع النخلة أ.

(٨) فإذا الجذع الذي كان يقوم عليه يئن أ ج ه : فإن الجذع الذي كان يقوم عليه أنين الصبي ب د.

(٩) فقال النبي أ ج ه : فقال رسول الله ب د / / بكى ب ج د ه : بكا أ.

(١٠) فمسحه أ ج د ه : يمسحه ب.

(١١) ينظر : ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٣٢٢ ؛ حوى ٢ / ٨٩.

(١٢) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد ... بن الخزرج ، كان كاتبا للرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مات سنة ٢٢ ه‍ / ٦٤٢ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٥٧ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٩ ؛ ابن عبد البر ١ / ٢٧.

(١٣) ينظر : ابن خياط ، تاريخ ٥٢ ؛ ابن سعد ٤ / ١٣ ؛ ابن حبان ٣٢١ ـ ٣٤٦.

(١٤) ماء لهم أ ب ج د : ماءهم ه / / الوثير أ ب ج د : الدثير ه.

(١٥) فوعدوهم وأوفوهم أ : فوعدوهم ووافوهم ب : فواعدوهم ووافوهم ج د ه.

٣٢١

متنكرين ، فبيتوا خزاعة ليلا ، فقتلوا منهم عشرين. ثم ندمت قريش على ما فعلوا وعلموا أن هذا نقض للعهد (١) الذي بينهم وبين رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وخرج عمرو بن سالم الخزاعي في طائفة من قومه فقدموا على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مستغيثين به. فوقف عمرو عليه وهو جالس في المسجد ، وأنشد (٢) أبياتا يسأله أن ينصره. فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نصرت يا عمرو بن سالم» (٣). ثم قدم بديل بن ورقاء الخزاعي (٤) في نفر من خزاعة على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم (٥) يشد العقد ويزيد في المدة. فكان كذلك.

ثم قدم أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة أم المؤمنين زوج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، طوته عنه وقال : ما أدري أرغبت لي (٦) عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت : بل هو فراش رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنت رجل مشرك نجس. قال : والله لقد أصابك بعدي يا بنية شر.

ثم خرج وأتى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكلمه فلم يرد عليه شيئا. فذهب إلى أبي بكر ثم إلى عمر ثم إلى علي ، رضي‌الله‌عنهم (٧) ، على أن يكلموا النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في أمره وتشفع بهم ، فلم يفعلوا. فقال لعلي : يا أبا الحسن إني أرى الأمور (٨) قد اشتدت عليّ فانصحني. فقال : والله لا أعلم شيئا يغني عنك ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس (٩) والحق بأرضك ، قال : أو ترى ذلك يغني عني شيئا؟ قال : لا والله ما أظنه / / ولكن لا أجد لك غير ذلك.

فقام أبو سفيان في المسجد فقال : أيها الناس إني قد أجرت بين الناس. ثم ركب بعيره وانطلق فلما قدم على قريش قالوا له : ما وراءك؟ فقص شأنه وأنه قد أجار (١٠) بين الناس ، قالوا : فهل أجاز محمد ذلك؟ قال : لا ، قالوا : والله إن زاد

__________________

(١) نقض للعهد ب ج د ه : نقض العهد أ.

(٢) وأنشد أ د ه : وأنشده ب ج.

(٣) ينظر : الندوي ٣٧٤.

(٤) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٨١ ؛ ابن عبد البر ١ / ٢٨٤.

(٥) قد جاءكم أ ج د ه : قد جاء ب / / العقد أ ج ه : العقدة ب د / / في المدة أ ب ج د : ـ ه.

(٦) أم رغبت به أ ج ه : أرغبت لي ب د.

(٧) رضي‌الله‌عنهم أ ج د ه : رضوان الله عليهم أجمعين ب.

(٨) أرى الأمور ب ج د ه : ـ أ.

(٩) فأجر بين الناس ... ثم ركب بعيره أ ب ج د : ـ ه.

(١٠) أجار أ ج د ه : أجاز ب.

٣٢٢

الرجل على أن لعب بك (١).

ثم أمر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالجهاد وأمر أهله أن يجهزوه. ثم أعلم (٢) الناس بأنه يريد مكة ، فقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتهم في بلادهم (٣)(٤) ، ثم مضى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لسفره هذا ، واستخلف على المدينة كلثوم بن الحصين الغفاري (٥) ، فخرج رسول الله (٦) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لعشر مضين من شهر رمضان ومعه المهاجرون والأنصار وطوائف من العرب ، فكان جيشه عشرة آلاف ، فصام وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد (٧) ، وهو الماء الذي بين قديد وعسفان أفطر.

وبلغ ذلك قريشا فخرج ، أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء ، يتجسسون الأخبار. وكان العباس ، رضي‌الله‌عنه ، أسلم قديما ، وكان يكتم إسلامه ، فخرج بعياله مهاجرا ، فلقي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالجحفة (٨) ، وقيل : بذي الحليفة. ثم حضر أبو سفيان بن حرب على يد العباس إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعد أن استأمن له : فأسلم وأسلم معه حكيم بن حزام (٩) وبديل بن ورقاء وممن أسلم يوم الفتح (١٠) معاوية بن أبي سفيان وأخوه يزيد (١١) وأمه هند بنت عتبة ، وكان معاوية يقول : إنه أسلم يوم الحديبية فكتم إسلامه عن أبيه وأمه.

وقال العباس : يا رسول الله إن أبا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيئا يكون في

__________________

(١) عن وساطة أبي سفيان ، ينظر : ابن هشام ، السيرة ٤ / ٢٧ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٢٢ ـ ٣٢٤.

(٢) أعم أ ج د ه : علم ب / / فقال أ ه : وقال ب ج د.

(٣) بلادهم أ ب ج د : البلاد ه.

(٤) بلادهم أ ب ج د : البلاد ه.

(٥) كلثوم بن الحصين بن خلف بن عبيد ... بن غفار ، أسلم بعد قدوم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة وشارك في غزوات الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينظر : ابن سعد ٤ / ١٨٤ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٢٠ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٣٠٤.

(٦) رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ب ج د ه : ـ أ.

(٧) الكديد : موضع بالحجاز على اثنين وأربعين من مكة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٥١ ؛ الحميري ٤٩٠.

(٨) الجحفة : هي ميقات أهل الشام ومصر إن لم يمروا على المدينة وبينها وبين البحر ستة أميال ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨٧ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٣١٥ ؛ الحميري ١٥٦.

(٩) حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ، مات سنة ٥٤ ه‍ / ٦٧٣ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٤٤.

(١٠) يوم الفتح أ ج ه : يومئذ ب : ـ د.

(١١) يزيد بن أبي سفيان بن حرب أخوه معاوية وكان من أمراء أجناد الشام ، مات في طاعون عمواس في الشام سنة ١٨ ه‍ / ٦٣٩ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٣٩ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٦٧.

٣٢٣

قومه. فقال : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن (١).

وكان فيمن خرج ولقي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ببعض الطريق (٢) أبو سفيان بن الحارث (٣) وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة (٤) بالأبواء ، فأعرض (٥) عنهما ، فجاء إليه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله فقبلا وجهه ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٩٢) (٦). وقبل منهما إسلامهما. فأنشده أبو سفيان معتذرا إليه أبياتا فضرب رسول الله ، عليه‌السلام (٧) ، صدره (٨) وقال : أنت طردتني كل مطرد (٩).

وكان أبو سفيان بعد ذلك ممن حسن إسلامه ويقال (١٠) : إنه ما رفع رأسه إلى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منذ أسلم حياء منه ، وكان رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يحبه ويشهد له بالجنة ويقول : «أرجو أن يكون خلفا من حمزة» (١١).

ثم أمر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن تركز راية سعد (١٢) بن عبادة (١٣) بالحجون (١٤) لما بلغه أنه قال : اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة. فقال : كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ، ويوم تكسى فيه الكعبة (١٥).

وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء (١٦) في بعض الناس.

__________________

(١) ينظر : ابن حبان ، السيرة ٣٣١ ؛ الندوي ٣٨١.

(٢) ببعض الطريق أ ج ه : ببعض الطرق ب د.

(٣) ينظر : ابن سعد ٤ / ٣٧ ـ ٤٠.

(٤) ينظر : ابن هشام ٤ / ٣١.

(٥) فأعرض أ ب ج د : وأعرض ه.

(٦) يوسف : [٩٢].

(٧) عليه‌السلام أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ب ج د ه.

(٨) صدره وقال ب ج ه : ـ أ د.

(٩) ينظر : ابن هشام ٤ / ٣٢.

(١٠) ويقال ب ه : فيقال أ ج : ـ د.

(١١) ينظر : ابن سعد ٤ / ٣٩.

(١٢) راية سعد أ ب ج د : مدية سعد ه.

(١٣) سعد بن عبادة بن دليم بن أبي خزيمة بن ثعلبة ... بن الخزرج الأنصاري شهد بدرا والعقبة وكان نقيبا ومات لسنتين من خلافة عمر ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٦٦ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١١٣ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٢٣٩.

(١٤) الحجون : جبل بمكة عنده مقبرة لأهلها ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣٨٣.

(١٥) ينظر : ابن هشام ٤ / ٣٦.

(١٦) كداء : ثنية بأعلى مكة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٥١ ؛ الحميري ٤٩٠.

٣٢٤

فكل هؤلاء (١) الجنود لم يقاتلوا لأن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نهى عن القتال ، إلا أن خالد بن الوليد لقيه جماعة من قريش فرموه بالنبل ومنعوه من الدخول فقاتلهم خالد فقتل من المشركين ثمانية وعشرين رجلا (٢). فلما ظهر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ذلك قال : «ألم أنهكم عن القتال»؟ فقالوا له : إن خالد قوتل فقاتل وقتل من المسلمين رجلان. ودخل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من كداء وهو على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح ويرجع.

وكان فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان ، ودخل رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مكة وملكها عنوة بالسيف ، وإلى ذلك ذهب مالك وأصحابه وهو الصحيح من مذهب أحمد ، رضي‌الله‌عنه (٣). وقال أبو حنيفة والشافعي ، رضي‌الله‌عنهما : أنها فتحت صلحا. والله أعلم.

ولما دخل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مكة كان على الكعبة ثلاثمائة وستون صنما قد شد لهم إبليس أقدامها برصاص ، فجاء ومعه قضيب ، فجعل يومىء إلى كل صنم منها فيخر لوجهه فيقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٨١) (٤) حتى مر عليها كلها.

وأتى إلى النبي (٥) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحشي (٦) بن حرب قاتل / / حمزة ، رضي‌الله‌عنه ، وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أوحشي»؟ قال : نعم ، قال : «أخبرني كيف قتلت عمي»؟ فأخبره فبكى وقال : «غيب وجهك عني» (٧).

ولما دخل رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مكة كانت عليه عمامة سوداء فوقف على باب الكعبة وقال : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له (٨) صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده». ثم قال : «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟» قالوا : خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : «اذهبوا فأنتم الطلقاء» (٩) ، فأعتقهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) فكل هؤلاء أ ه : وكل هؤلاء ب ج د.

(٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ٣٧.

(٣) رضي‌الله‌عنه أ ج ه : رضي‌الله‌عنهم ب د.

(٤) الإسراء : [٨١].

(٥) وأتى إلى النبي أ ج ه : وأتى النبي ب د.

(٦) وحشي مولى جبير بن مطعم ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٣٨ ؛ ابن سعد ٧ / ٢٩٣ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٦ / ٣١٥.

(٧) ينظر : ابن عبد البر ٤ / ١٥٦٥.

(٨) لا شريك له أ ج د ه : ـ ب.

(٩) ينظر : ابن هشام ٤ / ٤٠ ـ ٤١.

٣٢٥

وكان الله تعالى قد أمكنه منهم ، فكانوا له فيئا ، فبذلك سمي أهل مكة الطلقاء.

ولما اطمأن الناس خرج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى الطواف ، فطاف بالبيت سبعا على راحلته واستلم الركن بمحجن (١) كان في يده ، ودخل الكعبة ورأى فيه الشخوص على صور الملائكة ، وصورة إبراهيم وفي يده الأزلام (٢) يستقسم بها فقال : قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ما شأن إبراهيم والأزلام (٣) ، ثم أمر بتلك الصور (٤) فطمست ، وصلى في البيت (٥) ، ثم جلس ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على الصفا واجتمع الناس لبيعته على الإسلام ، فكان يبايعهم على السمع والطاعة لله ولرسوله ، فبايع الرجال ثم النساء.

ولما جاء وقت الظهر يوم الفتح أذن بلال (٦) على ظهر الكعبة ، فقال الحارث بن هشام (٧) : ليتني مت قبل هذا. وقال خالد بن أسيد (٨) : لقد أكرم الله أبي فلم ير هذا اليوم. فخرج عليهما رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم ذكر لهما ما قالاه ، فقال الحارث بن هشام : أشهد أنك لرسول (٩) الله ، ما اطلع على هذا أحد فيقول (١٠) أخبرك.

وقام (١١) علي ، رضي‌الله‌عنه ، ومفتاح الكعبة في يده فقال : يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أين عثمان بن طلحة» (١٢)؟ فدعي له ، فقال : «هاك مفتاحك اليوم يا عثمان (١٣) يوم بر ووفاء» ، وقال : «خذوها

__________________

(١) المحجن : عصا معقفة الرأس ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٣ / ١٨٠ ؛ المعجم الوسيط ١ / ١٦٥.

(٢) الأزلام : السهام التي يستقسم بها ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٢ / ٢٧٠ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٤١٣.

(٣) ينظر : ابن هشام ٤ / ٤١.

(٤) بتلك الصور أ ج د ه : بتلك الصورة ب.

(٥) وصلى في البيت أ ب ج د : وصلى بالبيت ه.

(٦) بلال بن رباح مؤذن الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أعتقه أبو بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ، مات سنة ٢٠ ه‍ / ٦٤٠ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٠ ؛ ابن سعد ٣ / ١٧٤ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٤٣.

(٧) الحارث بن هشام بن المغيرة بن مخزوم استشهد يوم اليرموك ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٤٨ ؛ ابن عبد البر ١ / ٣٠٧ ؛ ابن الأثير ، أسد الغابة ١ / ٣٠٧.

(٨) خالد بن أسيد بن أبي العاص بن أمية ، ينظر : ابن سعد ٦ / ٥ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٨٥.

(٩) لرسول أ : رسول ب ج د ه.

(١٠) فيقول أ : فنقول ب ج د ه.

(١١) وقام ب ج د هت : وأقام أ.

(١٢) عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار مات سنة ٤٢ ه‍ / ٦٦٢ م ، ينظر : ابن سعد ٦ / ٦ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٧١.

(١٣) اليوم يا عثمان أ : يا عثمان اليوم ب ج د ه.

٣٢٦

تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم (١) ، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف» (٢).

وذكر أن فضالة (٣) بن عمير أراد قتل النبي ، عليه‌السلام (٤) ، وهو يطوف بالبيت عام الفتح ، فلما دنا منه قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضالة»؟ قال : نعم ، فضالة يا رسول الله ، قال : «ماذا كنت تحدث به نفسك»؟ قال : لا شيء ، كنت أذكر الله تعالى ، فضحك النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : «أستغفر الله» ووضع يده على صدره وسكن (٥) قلبه ، فقال فضالة : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله تعالى شيئا أحب إليّ منه.

وبعث رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، السرايا إلى الأصنام التي حول مكة فكسروها (٦). ونادى مناديه بمكة : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره ، ولما بعث السرايا حول مكة إلى الناس يدعوهم إلى الإسلام ولم يأمرهم بقتال وكان من السرايا سرية مع خالد بن الوليد فنزل على ماء لبني خزيمة (٧)(٨) فأقبلوا بالسلاح فقال لهم خالد : ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا. فوضعوه فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون : صبأنا صبأنا. فقتل منهم من قتل. فلما بلغ ذلك النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رفع يده (٩) وقال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ـ مرتين ـ.

ثم أرسل علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، بمال وأمره أن يؤدي لهم الدماء والأموال ، ففعل ذلك. ثم سألهم هل بقي (١٠) لكم مال أو دم؟ فقالوا : لا ، وكان قد فضل مع علي ، رضي‌الله‌عنه ، قليل مال فدفعه إليهم زيادة تطييبا لقلوبهم ، وأخبر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بذلك فأعجبه (١١).

__________________

(١) إلا ظالم أ ج ه : إلا الظالم ب د : ـ ابن هشام.

(٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ٤١.

(٣) ينظر : قصة فضالة عند ابن هشام ٤ / ٤٤.

(٤) عليه‌السلام أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه.

(٥) وسكن أ ج : فسكن ب د ه.

(٦) فكسروها ب ج د ه ك فكسرها أ.

(٧) وردت في سيرة ابن هشام بني جذيمة ، ينظر : ابن هشام ٤ / ٥٣ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٢٣٩.

(٨) لبني خزيمة أ ب ج د ه : بني حذيمة ابن هشام ، ابن سيد الناس.

(٩) يده أ ج ه : يديه ب د.

(١٠) هل بقي ب ج د ه : هل تبقى أ / / مال أو دم أ ج ه : دم أو مال ب د.

(١١) عن سرية خالد هذه ، ينظر : ابن هشام ٤ / ٥٣ ـ ٥٥.

٣٢٧

غزوة هوزان وهي غزوة حنين (١)(٢)

وكانت في شوال سنة ثمان من الهجرة الشريفة ، وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال ، ولما فتحت (٣) مكة تجمعت هوازن بخيولهم وأموالهم لحرب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومقدمهم مالك بن عوف النضري (٤) ، وانضمت إليه ثقيف وهم أهل الطائف ، وبنو سعد وهم الذين كان رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مرتضعا عندهم ، فلما سمع النبي ، عليه‌السلام ، باجتماعهم خرج من مكة لست خلون من شوال وخرج معه اثني عشر ألفا : ألفان من أهل / / مكة. وعشرة آلاف كانت معه ، وحضرها جماعة كثيرة (٥) من المشركين وهم مع رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وانتهى إلى حنين وركب بغلته الدلدل وقال رجل من المسلمين ـ لما رأى كثرة من مع النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لن يغلب هؤلاء من قلة ، وفي ذلك نزل قوله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً)(٦) ولما التقوا انكشف المسلمون (٧) لا يلوي أحد على أحد ، وانحاز رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته ، واستمر ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثابتا ، وتراجع المسلمون واقتتلوا قتالا شديدا ، وقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لبغلته : «إلبدي» فوضعت بطنها على الأرض ، وأخذ حفنة تراب ، فرمى بها في وجه المشركين فكانت الهزيمة عليهم ، ونصر الله المسلمين ، واتبع المسلمون المشركين يقتلونهم ويأسرونهم (٨).

ولما فرغ (٩) النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من حنين ، بعث أبا عامر (١٠) على جيش لغزوة أوطاس (١١) فاستشهد ، رضي‌الله‌عنه ، وانهزمت ثقيف إلى الطائف ، وأغلقوا (١٢) باب مدينتهم ، فسار النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إليه وحاصرهم نيفا وعشرين يوما وقاتلهم

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٤ / ٦٠ ؛ البلاذري ، فتوح ٦٢ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٢٤٢.

(٢) غزوة هوازن وهي غزوة حنين أ ج ه : وفيها كانت غزوة حنين وهوازا ب د.

(٣) ولما فتحت ب د : لما فتح أ : لما فتح الله ج ه / / وأموالهم أ ب ج د : + وحريمهم ه.

(٤) ينظر : ابن حبان ، تاريخ ٢٣٣ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٦ / ٣٢.

(٥) كثيرة أ ب ج د : ـ ه.

(٦) التوبة : [٢٥].

(٧) انكشف المسلمون أ ج ه : انهزم المسلمون ب د / / على أحد أ ب ج د : ه.

(٨) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٤٨.

(٩) ولما فرغ أ ج ه : فلما فرغ ب د.

(١٠) أبو عامر الأشعري : قدم مع الأشعريين على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشهد معه فتح مكة وحنين واستشهد في غزوة أوطاس ، ينظر : انب سعد ٤ / ٢٦٤.

(١١) أوطاس : واد في ديار هوازن فيه كانت وقعة حنين ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ١٣٢ ؛ الحميري ٦٢.

(١٢) وأغلقوا أ ب ج د : فأغلقوا ه.

٣٢٨

بالمنجنيق ، وأمر بقطع أعناقهم ، ثم رحل عنهم فنزل بالجعرانة (١)(٢) ، وأتى إليه بعض هوازن ودخلوا عليه ، فرد عليهم نصيبه ونصيب بني عبد المطلب ، ورد الناس أبناءهم ونساءهم ، ثم لحق مالك بن عوف (٣) ـ مقدم هوازن ـ برسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسلم وحسن إسلامه ، واستعمله رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على قومه وعلى من أسلم من تلك القبائل. وكانت عدة السبي الذي أطلقه ستة آلاف. ثم قسم الأموال وكانت عدة الإبل أربعة وعشرين ألف بعير ، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة ، ومن الفضة (٤) أربعة آلاف أوقية ، وأعطى المؤلفة قلوبهم مثل : أبي سفيان وابنيه يزيد ومعاوية ، وسهل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل (٥) ، والحارث بن هشام أخي أبي جهل ، وصفوان بن أمية وهؤلاء من قريش ، وأعطى الأقرع بن حابس التميمي (٦) ، وعيينة بن حصن (٧) ، ومالك بن عوف ـ مقدم هوازن ـ وأمثالهم ، فأعطى لكل واحد (٨) من الأشراف مائة من الإبل ، وأعطى الآخرين أربعين أربعين ، وأعطى العباس بن مرداس السلمي (٩) أباعر لم يرضها (١٠) وقال في ذلك أبيات شعر :

فأصبح نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع

وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع

وما كنت دون امرىء منهما ومن تضع اليوم لم يرفع (١١)

فروي أن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «اقطعوا عني لسانه» (١٢) ، فأعطي حتى رضي ، ولما فرق رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الغنائم لم يعط الأنصار شيئا ، فوجدوا في أنفسهم ، فدعاهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصبئة وإني أردت أن أحبوهم (١٣)

__________________

(١) الجعرانة : منزل بين الطائف ومكة وهي إلى مكة أقرب ، نزله النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقسم غنائم حنين ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣٣٦.

(٢) بالجعرانة ب ج د ه : الجعران أ.

(٣) مالك بن عوف ب ج ه : ملك بن عوف أ د.

(٤) ومن الفضة أ ب د : + والذهب ج ه.

(٥) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٣ ؛ ابن سعد ٦ / ٤.

(٦) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٣٠٣ ؛ ابن سعد ٧ / ٢٧.

(٧) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ١٩٢.

(٨) لكل واحد أ ج ه : ـ ب د.

(٩) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٠٠ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ١٩٢.

(١٠) لم يرضها أ ب ج د : ـ ه / / أبيات أ ج : أبياتا ب د ه.

(١١) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٠٢.

(١٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٠٢.

(١٣) أحبوهم ب د ه : أجيرهم أ : أخيرهم ج.

٣٢٩

وأتألفهم أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟» ، قالوا : بلى ، قال : «والله لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار» (١). ثم اعتمر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعاد إلى المدينة ، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد (٢) ، وهو شاب لم يبلغ عشرين سنة ، وترك معه معاذ بن جبل يفقه الناس ، وحج بالناس في هذه السنة عتاب بن أسيد على ما كانت العرب (٣) تحج ، وفي ذي الحجة سنة ثمان (٤) ولد إبراهيم بن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من مارية القبطية ، وفي السنة المذكورة مات حاتم الطائي ، وكان يضرب بجوده وكرمه (٥) المثل ، وكان من الشعراء المجيدين.

ثم دخلت السنة التاسعة (٦) من الهجرة ، فيها فرض الحج (٧) على الصحيح ، وفيها ترادفت وفود العرب على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووفد كعب بن زهير بن أبي سلمي (٨) بعد أن كان النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أهدر دمه ومدحه بقصيدته المشهورة وهي : «بانت سعاد فقلبي اليوم متبول» ، وأعطاه النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بردته. فلما كان زمن (٩) معاوية أرسل إلى كعب : أن بعنا بردة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : ما كنت لأوثر بثوب رسول الله (١٠) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أحد / / فلما مات كعب اشتراها معاوية من أولاده بعشرة آلاف درهم ، ونقل الملك المؤيد صاحب حماة في تاريخه (١١) : أنه اشتراها بأربعين ألف درهم ، ثم توارثها الخلفاء الأمويون والعباسيون حتى أخذها التتر (١٢)(١٣).

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٠٦ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٢٥١ ـ ٢٥٢.

(٢) عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية ، مات بمكة سنة ١٣ ه‍ / ٦٣٣ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٤٠ ؛ ابن سعد ٦ / ٥.

(٣) على ما كانت العرب تحج أ ج ه : على ما كانت تحج عليه العرب ب د.

(٤) سنة ٨ ه‍ / ٦٢٨ م.

(٥) وكرمه أ ب ج د : ـ ه.

(٦) سنة ٩ ه‍ / ٦٢٩ م.

(٧) فرض الحج أ ج د ه : فرض الله الحج ب.

(٨) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٨٢ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٢٦٧ ـ ٢٦٩.

(٩) زمن أ ب ج د : رمن ه.

(١٠) بثوب رسول الله أ ب ج د : بثوبه ه.

(١١) ينظر : أبو الفداء ، المختصر ١ / ١٤٨.

(١٢) التتار ، التتر ، Tatars ، قبيلة مغولية استقرت بعد القرن الخامس للميلاد في منغوليا الشرقية وسنشوريا الغربية ، وشكلت جزءا من قوات جنكيز خان ، وفي القرن الرابع عشر دخل التتار الإسلام ، ويبلغ عددهم نحو خمسة ملايين نسمة في جمهورية التتار السوفياتية وفي شمال القوقاز ، وشبه جزيرة القرم وبعض من سيبيريا ، ينظر : هوتسما ، التتر ٤ / ٥٧٦.

(١٣) التتر أ ب ج د : التتار ه.

٣٣٠

وفيها كانت غزوة تبوك (١) وهي غزوة العسرة لوقوعها في زمن الحر والبلاد مجدبة والناس في عسرة ، فأنفق أبو بكر جميع ماله ، وأنفق عثمان نفقة عظيمة ، وسار النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى تبوك واستخلف عليا ، رضي‌الله‌عنه ، فقال علي : أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي (٢) ، وتخلف عبد الله بن أبي المنافق (٣) ومن تبعه من أهل النفاق ، وتخلف ثلاثة من الصحابة وهم : كعب بن مالك (٤) ومرارة بن الربيع (٥) وهلال بن أمية (٦) ولم يكن لهم عذر.

ثم رجع النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة بعد أن أقام بتبوك بضع عشرة ليلة لم يجاوزها ، وكان إذا قدم من سفره بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاءه (٧) المخلفون ، فطفقوا يعتذرون إليه ، ويحلفون (٨) ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فقبل منهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، علانيتهم ، وبايعهم ، واستغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله (٩) ، ثم جاءه كعب ، وكان تقدمه مرارة وهلال ، فسألهم عن تخلفهم ، فاعترفوا أن لا عذر لهم ، فأمرهم بالمضي حتى يقضي الله فيهم ، ونهى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، المسلمين عن كلامهم من بين من تخلف عنه ، فاجتنبهم الناس ، فلبثوا على ذلك خمسين ليلة. ولما مضت أربعون ليلة من الخمسين أمرهم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باعتزال نسائهم ، وجاءت امرأة هلال لرسول الله (١٠) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تستأذنه في خدمته ، فأذن لها من غير أن يقربها ، فلما كملت لهم خمسون ليلة من حين نهي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عن كلامهم ، أذن لهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بتوبة الله عليهم ، وذهب الناس يبشرونهم ، وجاء كعب إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسلم عليه (١١) ، فقال له ، وهو يبرق وجهه من

__________________

(١) تبوك : قرية بين وادي القرى والشام بها عين ماء ونخل ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨٦ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٥٣ ؛ الحميري ١٣٠.

(٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٢١.

(٣) ينظر : المصدر نفسه ٤ / ١٢٠.

(٤) كعب بن مالك بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن الخزرج ، كنيته أبو عبد الله ، ومات سنة ٥٠ ه‍ / ٦٧٠ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٧٣ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢١٨ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٣٠٢.

(٥) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٢٠ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ١٩٣.

(٦) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٢٠ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ١٩٣ ؛ ابن خياط ، الطبقات ١٥١.

(٧) جاءه أ ج د ه : جاء ب.

(٨) ويحلفون ب د ه : ـ أ ج.

(٩) إلى الله أ ج د : + تعالى ب ه.

(١٠) لرسول الله أ : إلى رسول الله ب : رسول الله ج ه : إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم د.

(١١) فسلم عليه أ ج ه : وسلم عليه ب : ـ د / / فقال له ب : ـ أ ج د ه.

٣٣١

السرور : «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» ، فقال : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال : «لا بل من عند الله» (١).

وأنزل الله على رسوله ، عليه‌السلام (٢) : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١١٩) (٣)(٤). قال كعب (٥) : فو الله ما أنعم الله عليّ نعمة (٦) قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن لا أكون كذبته (٧) فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال تبارك وتعالى : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٩٦) (٨). وفي ذي القعدة من سنة تسع هلك رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول ، والله أعلم.

حج أبي بكر الصديق ، رضي‌الله‌عنه بالناس (٩)

بعث النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أبا بكر الصديق ، رضي‌الله‌عنه ، في سنة تسع ليحج بالناس ومعه عشرون بدنة لرسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعه ثلاثمائة رجل ، فلما كان بذي الحليفة ، أرسل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، وأمره بقراءة آيات من أول سورة براءة على الناس وأن ينادي : أن لا يحج بعد العام (١٠) مشرك ولا يطوف (١١) بالبيت عريان (١٢).

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٣٤.

(٢) على رسوله عليه‌السلام أ ج ه : على نبيه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب : على رسوله د.

(٣) التوبة : [١١٧ ـ ١١٩].

(٤) والأنصار أ ب ج د : ـ ه.

(٥) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٣٤.

(٦) نعمة أ ج ه : بنعمة ب د.

(٧) أن لا أكون كذبته أ ج ه ابن هشام : أن أكون كذبته ب د.

(٨) التوبة : [٩٥ ـ ٩٦].

(٩) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٣٩ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٨٣ ـ ٣٨٤.

(١٠) بعد العام أ ب ج د : بعد اليوم ه.

(١١) ولا يطوف بالبيت عريان ج ه : ولا يطوف عريان ب د : ولا عريان يطوف أ.

(١٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٤١ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٨٤.

٣٣٢

فسار أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، أميرا على الموسم وعلي / / بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، يؤذن ببراءة يوم الأضحى وأن لا يحج مشرك ، ولا يطوف عريان.

ثم دخلت السنة العاشرة (١) من الهجرة الشريفة (٢) ، وفيها كان قدوم الوفود (٣) على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالمدينة وجاءته وفود العرب قاطبة ، ودخل الناس في الدين أفواجا كما قال تعالى (٤) : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (٣) (٥) ، فقدم عليه وفد بني تميم ، ووفد عبد القيس ، ووفد بني حنيفة وغيرهم (٦) ، وفشا الإسلام في جميع القبائل ، وفيها توفي إبراهيم ابن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول.

حجة الوداع (٧)

خرج رسول الله (٨) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حاجا لخمس بقين من ذي القعدة ، وقد اختلف في حجه هل كان قرانا (٩) أم تمتعا أم أفرادا ، قال صاحب حماه : والأظهر (١٠) الذي اشتهر أنه كان قارنا ، وحج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالناس ولقي علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، محرما فقال : حل كما حل أصحابك ، فقال : إني أهللت بما أهل به رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبقي على إحرامه ، ونحر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الهدي عنه ، وعلم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الناس مناسك الحج والسنن ، ونزل قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(١١).

فبكى أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، لما سمعها وكأنه استشعر أن ليس بعد الكمال

__________________

(١) سنة ١٠ ه‍ / ٦٣١ م.

(٢) الشريفة ب : ـ ب ج د ه.

(٣) الوفود أ ج ه : الوفد ب د.

(٤) قال تعالى أ د ه : قال الله تعالى ب ج.

(٥) النصر : [١ ـ ٣].

(٦) عن الوفود : ينظر : ابن هشام ١٥٢ ١٥٥ ؛ ابن خياط ، تاريخ ٥٧ ؛ ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٧٤٧ ـ ٧٥٨.

(٧) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ؛ ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٧٦١.

(٨) خرج رسول الله أ ج ه : خرج النبي ب : ـ د / / لخمس بقين أ ب ج د : ـ ه.

(٩) قرانا أ ب ج د : قارنا ه.

(١٠) والأظهر ... بالناس أ ب ج د : ـ ه.

(١١) المائدة : [٣].

٣٣٣

إلا النقصان ، وأنه قد نعيت إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نفسه.

وخطب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الناس (١) بعرفة خطبة بيّن فيها الأحكام منها : «أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر ، وأن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض ، وأن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا» (٢) ، وتمم حجه وسميت حجة الوداع لأنه لم يحج بعدها ، ولم يحج من المدينة (٣) إلى مكة غير حجة الوداع ، ثم رجع رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة وأقام بها حتى خرجت السنة.

وكانت غزواته ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تسع عشرة غزوة (٤) ، قاتل في تسع منها وهذه الغزوات غير السرايا.

ثم دخلت السنة الحادية عشرة (٥) من الهجرة الشريفة والنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالمدينة ، وكان قد قدم من حجة الوداع فأقام بها حتى خرجت سنة عشر والمحرم ومعظم صفر من سنة إحدى عشرة ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ذكر وفاته عليه‌السلام (٦)(٧)

قال الله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (٣١) (٨) ، وعن عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، قالت : كان النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول في مرضه الذي مات فيه : «يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم» (٩).

بدأ برسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مرضه الذي مات فيه يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة في بيت ميمونة ، ثم انتقل حين اشتد وجعه إلى بيت عائشة ، رضي‌الله‌عنها.

وعن ابن عباس قال : لما احتضر (١٠) رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي البيت رجال ،

__________________

(١) الناس أ ج ه : للناس ب د.

(٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٨٥.

(٣) لم يحج من المدينة ... رجع إلى المدينة أ ب ج د : ـ ه.

(٤) تسع عشرة غزوة أ ج ه : تسعة عشر غزوة ب د.

(٥) سنة ١١ ه‍ / ٦٣١ م.

(٦) ينظر : ابن هشام ٤ / ٢٢٢ ـ ٢٢٤ ؛ الطبري ، تاريخ ٣ / ٢١٧.

(٧) عليه‌السلام أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه.

(٨) الزمر : [٣٠ ـ ٣١].

(٩) البخاري ، الجامع ٣ / ٩١.

(١٠) احتضر ب د ه : حضر أ ج.

٣٣٤

فقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوه بعده أبدا» (١) ، فقال بعضهم : إن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد غلبه الوجع (٢) وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا له يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ، ومنهم من يقول غير ذلك. فلما أكثروا اللغو والاختلاف. قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قوموا» (٣). فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية (٤) ما حال بين رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم.

وعن عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، قالت : دعا النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاطمة عليها‌السلام ، في شكواه (٥) الذي قبض فيه ، فسارّها بشيء فبكت ، ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت ، فسألنا (٦) عن ذلك ، فقالت : سارني / / النبي (٧) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه يقبض في وجهه الذي توفي فيه فبكيت ، ثم سارني النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبرني أني أول أهله لحوقا به فضحكت (٨).

ولما ثقل وجع (٩) رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جاءه بلال يؤذنه بالصلاة فقال : «مروا أبا بكر أن يصلي بالناس» ، قالت (١٠) عائشة ، رضي‌الله‌عنها : يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف وأنه حتى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر ، فقال : «مروا أبا بكر أن يصلي بالناس» ، فقالت عائشة لحفصة قولي له : إن أبا بكر رجل أسيف وأنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر ، فقال : «مروا أبا بكر يصلي بالناس». فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في نفسه خفة فقام يتهادى (١١) بين رجلين ورجلاه تحطان في الأرض حتى دخل المسجد ، فلما سمع أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، حسه ، ذهب أبو بكر يتأخر فأومأ إليه رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء إلى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى جلس عن يسار أبي بكر (١٢) ، فكان أبو بكر يصلي قائما وكان

__________________

(١) بعده أبدا ب ج د ه : ـ أ.

(٢) قد غلبه الوجع أ ج ه : ثقل عليه الوجع ب د / / فاختلف أ ج ه : ثم اختلف ب د.

(٣) البخاري ، الجامع ٣ / ٩١ ؛ المباركفوري ٤٤٩.

(٤) كل الرزية ب ج د ه : ـ أ.

(٥) شكواه أ ب ج د : شكوته ه.

(٦) فسألنا أ ج ه : فسألناها ب : فساءلناها د.

(٧) النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ب ج د : ـ ه.

(٨) البخاري ، الجامع ٣ / ٩٢ ؛ المباركفوري ٤٥١.

(٩) وجع ب ج د ه : ـ أ / / رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج ه : النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب : ـ د.

(١٠) قالت أ ج ه : فقالت ب د.

(١١) يتهادى أ د : يهادي أ ج ه / / تحطان أ ج د ه : يخطان ب.

(١٢) يسار أبي بكر أ ج ه : يساره ب د / / أبو بكر أ ج ه : + رضي‌الله‌عنه ب د.

٣٣٥

رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يصلي قاعدا. يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر ، رضي‌الله‌عنه (١).

وعن عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، كانت تقول : إن من نعم الله عليّ أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، توفي في بيتي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته ، ودخل عبد الرحمن (٢) وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قرأيته (٣) ينظر إليه فعرفت (٤) أنه يحب السواك ، فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم ، فناولته له فاشتد عليه ، فقلت : ألينه لك ، فأشار برأسه أن نعم ، فلينته ، وبين يديه ركوة أو علبة وفيها ماء فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول : «لا إله إلا الله إن للموت سكرات» ، ثم نصب يده الكريمة فجعل يقول : «في الرفيق الأعلى» حتى قبض ومالت يده (٥).

وعن عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، قالت : كان النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول وهو صحيح : «أنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده (٦) في الجنة ثم يخير ، فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت ثم قال : «اللهم الرفيق الأعلى» (٧) ، فقلت : إذا لا يختارنا ، فعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيح قالت : وكانت آخر كلمة تكلم بها : اللهم الرفيق الأعلى. وتوفي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو ابن ثلاث وستين سنة ، ونزل عليه جبريل ، عليه‌السلام ، أربعا وعشرين ألف مرة ، وتوفي ودرعه مرهون عند يهودي بثلاثين وسقا (٨)(٩) من شعير ، ولما مات قالت فاطمة ، رضي‌الله‌عنها : يا أبتاه أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل (١٠) ننعاه (١١). فلما دفن قالت : يا أنس أطابت نفوسكم إن تحثوا على نبيكم التراب؟.

__________________

(١) ينظر : المباركفوري ٤٥٠.

(٢) هو عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، ينظر : المباركفوري ٤٥٢.

(٣) فرأيته ... فقرأ أبو بكر أ ب د ه : ـ ج.

(٤) فعرفت أ : وعرفت ب د : وقد عرفته ه : ـ ج.

(٥) ينظر : البخاري ، الجامع ٣ / ٩٢ ؛ المباركفوري ٤٥٢.

(٦) مقعده أ ه : مقامه ب د : ـ ج.

(٧) ينظر : البخاري ، الجامع الصحيح ٣ / ٩٣.

(٨) الوسق : مكيلة معلومة ، وقيل : هو حمل بعير وهو ستون صاعا بصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو خمسة أرطال وثلث ينظر : ابن منظور ، لسان ، ١٠ / ٣٧٨.

(٩) بثلاثين وسقا أ ه : على ثلاثين وسقا ب د : ـ ج / / يا أبتاه أ ه : وا أبتاه ب : ـ ج د.

(١٠) إلى جبريل ننعاه أ ه : أتى جبريل ينعاه ب : ـ ج د.

(١١) ينظر : البخاري ، الجامع الصحيح ٢ / ٩٣.

٣٣٦

ولما توفي دهش الناس وطاشت عقولهم واختلفت أحوالهم في ذلك. فقال عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، من قال إن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مات علوت رأسه سيفي هذا (١) ، وإنما ارتفع إلى السماء ، فقرأ أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (١٤٤) (٢) ، فرجع الناس (٣) إلى قوله وبادروا سقيفة بني ساعدة (٤) ، فبايع عمر أبا بكر ثم بايعه الناس خلا جماعة.

وغسله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، علي والعباس وابناه الفضل (٥) وقثم (٦) ، وغسلوه وعليه قميصه لم ينزع. فكان علي بن أبي طالب يحتضنه إلى صدره والعباس يصب الماء ، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية (٧). وصلى عليه المسلمون أفرادا لم يؤمهم أحد وحفر له أبو طلحة الأنصاري (٨) ، ودفن في الموضع الذي توفاه الله فيه. وكانت وفاته يوم الاثنين ، وفرغ من جهازه يوم الثلاثاء ، ودفن يوم الأربعاء (٩) في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة الشريفة ، وكان مرضه ثلاث عشرة ليلة. قال أنس بن مالك ، رضي‌الله‌عنه : لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ـ يعني المدينة ـ ، أضاء منها / / كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم (١٠) كل شيء ، ورثاه جماعة منهم أبو بكر وعلي وفاطمة وعمته صفية ، رضي‌الله‌عنهم أجمعين (١١).

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٤ / ٣٣٤.

(٢) آل عمران : [١٤٤].

(٣) فرجع الناس أ : فرجع القوم ب ه : ـ ج د.

(٤) عن أمر السقيفة ، ينظر : ابن هشام ٤ / ٢٢٥ ؛ الطبري تاريخ ٣ / ٢١٨ ـ ٢٢٣ ؛ ابن حبان ، السيرة ٢١.

(٥) الفضل بن عباس : أبو عبد الله ، استشهد بالشام يوم أجنادين ويقال : يوم مرج الصفر سنة ١٣ ه‍ ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٣٠ ؛ ابن سعد ٤ / ٤٠ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٠٥.

(٦) قثم بن عباس : ابن عم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خرج مع زمن معاوية في فتح ما وراء النهر واستشهد بسمرقند ، ينظر : ابن سعد ٧ / ٢٦٠ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢١١.

(٧) يروي ابن هشام أنه كفن في ثلاثة أثواب ، ثوبين صحاريين نسبة إلى صحار في اليمن وبرد حبرة ، ينظر : ابن هشام ٤ / ٢٢٩.

(٨) زيد بن سهل ... بن مالك بن النجار ، شهد بدرا ومات بالمدينة سنة ٣٢ ه‍ ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٥٦ ؛ ابن سعد ٧ / ٣١٩.

(٩) يوم الأربعاء أ ه : ليلة الأربعاء ب د : ـ ج.

(١٠) أظلم أ ج د ه : + منها ب.

(١١) رضي‌الله‌عنهم أجمعين أ ج د ه : + والله سبحانه وتعالى أعلم.

٣٣٧

ذكر صفاته (١) ونبذة عن معجزاته (٢)

كان النبي (٣) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مليح الوجه ، حسن الخلق معتدل القامة ، ليس بالقصير ولا بالطويل ، أبيض اللون مشربا بحمرة ، يتلألأ وجهه تلألأ (٤) القمر ليلة البدر ، كث اللحية ، واسع الجبين ، بعيد ما بين المنكبين ، لم يبلغ الشيب في رأسه ولحيته عشرين شعرة ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد ، وأحلاهم وأحسنهم من قريب ، بين كتفيه خاتم النبوة ، ريح عرقه أطيب من ريح المسك الإذفر ، يقول ناعته : لم أر قبله ولا بعده مثله.

وأما معجزاته ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأفضلها القرآن الكريم الذي أعجز الفصحاء وأخرس البلغاء ، ومنها انشقاق الصدر والتئامه ، ومنها انشقاق القمر فرقتين ، ومنها : نبع الماء من بين أصابعه ، وتكثير الطعام ببركته ، وكلام الشجرة وشهادتها له بالنبوة ، وإجابتها دعوته ، وسلام الحجر والشجر عليه ، وحنين الجذع إليه ، وتسبيح الحصى في كفه ، وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى ، ولا يحاط به ولا يستقصي ، ومن ذا يحيط بالبحر الزاخر ولو أجهد نفسه آناء الليل وأطراف النهار.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا ينتقم لنفسه ولا يغضب لها ، إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى ، فينتقم لله ، وكان أحسن الناس خلقا ، وأرجحهم علما ، وأعظمهم عفوا ، وأسخاهم كفا ، وأوسعهم صدرا ، وأصدقهم لهجة ، وكان أشد الناس حياء من العذراء في خدرها ، وإذا كره شيئا عرف في وجهه ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، وكان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويخدم في مهنة أهله ، ويجيب الدعوة ، ويقبل الهدية ، ويكافىء عليها ويأكلها (٥) ، ولا يأكل الصدقة ، ويعود المريض ، ويشهد الجنائز ، متواضعا ، يمزح ولا يقول إلا حقا ، يضحك من غير قهقهة ، وما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم ، فيكون أبعد الناس عن ذلك.

مولده بمكة وهجرته لطيبة (٦) وملكه بالشام ، أرأف الناس وخيرهم ، لا ترتفع في مجلس الأصوات ، إذا قام من مجلسه قال : «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن

__________________

(١) صفاته أ د ه : + صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج.

(٢) ينظر : ابن الجوزي ، الوفا ١ / ٢٦٥ ـ ٣٢٥ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٦١ ـ ٤٠٠.

(٣) النبي أ : ـ ب ج د ه.

(٤) تلألأ أ ج ه : كتلألؤ ب د.

(٥) ويأكلها أ ج ه : ويأكل منها ب د.

(٦) لطيبة أ : بطيبة ب ج د ه.

٣٣٨

لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك» ، طويل السكوت (١) لا يتكلم في غير حاجة ، وأحب الطعام إليه ما كثرت عليه الأيدي ، وإذا وضعت المائدة قال : «بسم الله اللهم اجعلها نعمة دائمة (٢) مشكورة نصل بها نعيم الجنة» ، وإذا فرغ منها : «اللهم لك الحمد أطعمت وأسقيت وآويت لك الحمد غير مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا» (٣).

وكان يشرب في ثلاث دفعات له فيها ثلاث تسميات وفي آخرها ثلاث تحميدات ، وكان يعجبه الثياب اخضر ، وأكثر ثيابه البياض (٤) ويقول : «ألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم» ، وكان ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، وكان زاهدا في الدنيا ، مات ولم يخلف دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ، وعرض عليه أن يجعل له (٥) بطحاء مكة ذهبا فقال : «لا يا رب أجوع يوما وأشبع يوما» ، فأما اليوم (٦) الذي أجوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك ، وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك. وكان ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خاتم النبيين وسيد المرسلين ، وآتاه الله علم الأولين والأخرين وفضله على سائر الخلق أجمعين ، ولا يحصى أحد مناقبه من العالمين ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين صلاة دائمة إلى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين.

ذكر أزواجه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧)

أول من تزوج خديجة بنت خويلد ، رضي‌الله‌عنها ، ثم سودة بنت زمعة ، ثم عائشة بنت أبي بكر الصديق ، رضي‌الله‌عنهما ، ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنهما ، ثم زينب بنت خزيمة (٨) ، وكانت تدعى أم المساكين لرأفتها بهم ، ومكثت عنده ثمانية أشهر ، وتوفيت وقد بلغت ثلاثين سنة ، ودفنت بالبقيع (٩) ، ولم

__________________

(١) السكوت أ ج ه : الصمت ب د الأيدي أ ب ج د : الأيادي ه.

(٢) دائمة أ ج د ه : ـ ب.

(٣) عنه ربنا ب ج د ه : ـ أ.

(٤) البياض أ ب ج د : البيض ه.

(٥) أن يجعل له أ ج د : أن تجعل ب ه.

(٦) اليوم ب ج د ه ك : ـ أ.

(٧) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٣ ، ٧٩ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٧٧ ـ ٣٩٠.

(٨) زينب بنت خزيمة الهلالية من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٢ ؛ ابن حبان تاريخ ١١٠ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٨١.

(٩) البقيع : هو مقبرة أهل المدينة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٧٩ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢١٣ ؛ الحميري ١١٣.

٣٣٩

يمت من أزواجه في حياته إلا هي وخديجة ، رضي‌الله‌عنهما ، ثم أم سلمة (١) ، واسمها : هند بنت أبي أمية بن / / المغيرة ، ثم زينب بنت جحش (٢) ، وكان اسمها : برة فسماها ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، زينب وكانت قبله عند زيد بن حارثة مولاه فطلقها ، فلما حلت زوّجها الله تعالى إياه من السماء ، وهي التي قال الله تعالى فيها : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها)(٣) ، وأو لم عليها وأطعم المساكين خبزا ولحما. وفيها أنزلت (٤) آية الحجاب ، وكانت كثيرة الصدقة والإيثار ، رضي‌الله‌عنها ، ثم جويرية بنت الحارث ، وكان اسمها : برة فسماها جويرية ، ثم أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان ، أصدقها عنه النجاشي ـ كما تقدم ـ ثم صفية بنت حيي من سبي خيبر ، اصطفاها لنفسه ، وتزوجها وجعل عتقها صداقها ـ كما تقدم ـ ثم ميمونة بنت الحارث (٥) وكان اسمها : برة فسماها ميمونة ، وهي التي وهبت نفسها للنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهؤلاء نساؤه المدخول بهن إحدى عشرة امرأة ، ومات عن تسع منهن ، وتزوج وخطب ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نساء غير هؤلاء ولم يدخل بهن فمنهن أسماء بنت النعمان الجوينية (٦)(٧) تزوج بها ثم فارقها ، فقيل : إن سبب فراقها أنه لما دخلت عليه قالت : أعوذ بالله منك ، فقال لها : قد عذت بعظيم أو بمعاذ ، إلحقي بأهلك ، فطلقها (٨) فكانت تسمي نفسها بالشقية ، وقيل : إن صاحبة هذه القصة امرأة غير أسماء هذه.

وخولة بنت الهذيل (٩) ، تزوجها رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فماتت في الطريق قبل وصولها إليها ، وأم شريك (١٠) هي عرفة بنت دودان (١١) ، تزوجها ولم يدخل بها. وصفية بنت هشام العبدية (١٢)(١٣) ، وشراف الكلبية (١٤) أخت دحية ، والعالية

__________________

(١) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨١ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٥٩ ؛ ابن الجوزي ، صفوة ٢ / ٢١ ـ ٢٢.

(٢) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨١ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١١٠ ؛ ابن الجوزي ، صفوة ٢ / ٢٤ ـ ٢٦.

(٣) الأحزاب : [٣٧].

(٤) أنزلت أ ج ه : نزلت ب د.

(٥) ميمونة بنت الحارث ب ج د ه : ميمونة بنت الحرث أ.

(٦) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٣.

(٧) الجوينية أ ج د ه : الجونية ب.

(٨) فطلقها أ ج : وطلقها ب د ه / / بالشقية ب ج د ه : الشقية أ.

(٩) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٨٨.

(١٠) المصدر نفسه ٢ / ٣٨٨.

(١١) دودان ب ج د ه : دوداره أ.

(١٢) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٨٨.

(١٣) العبدية أ ب ج د : العبيدية ه.

(١٤) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٨٨.

٣٤٠