الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

مجير الدين الحنبلي العليمي

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

المؤلف:

مجير الدين الحنبلي العليمي


المحقق: عدنان يونس عبد المجيد أبو تبّانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

«الجنة» (١) ، قالوا : فابسط يدك فبسط يده وبايعوه (٢)(٣) ، ثم رجعوا إلى المدينة ، وكان قدومهم في ذي الحجة ، فأقام رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بقية ذي الحجة والمحرم وصفر ، والله أعلم.

ذكر الهجرة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام (٤)(٥)

وهي ابتداء التاريخ الإسلامي. وأما لفظة التاريخ فإنها محدثة في لغة العرب لأنه لفظ معرب من ماه روز ، لأن عمر ، رضي‌الله‌عنه ، قصد التوصل إلى الضبط (٦) من رسوم الفرس فاستحضر الهرمزان وسأله عن ذلك ، فقال : إن لنا به حسابا نسميه ماه روز ومعناه حساب الشهور والأيام ، فعربوا الكلمة فقالوا : مؤرخ ، ثم جعلوا اسمه التاريخ واستعملوه (٧) ، ثم طلبوا وقتا يجعلونه أولا لتاريخ دولة الإسلام ، واتفقوا أن يكون المبدأ سنة هذه الهجرة ، فكانت الهجرة (٨) من مكة إلى المدينة شرفها الله تعالى ، وقد تصرم من شهور هذه السنة وأيامها المحرم فصفر (٩) وثمانية أيام من ربيع الأول.

فلما عزموا على تأسيس الهجرة رجعوا القهقرى ثمانية وستين يوما وجعلوا مبدأ التاريخ أول محرم (١٠) من هذه السنة. ثم أحصوا من أول يوم من المحرم إلى آخر يوم من عمر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان عشر سنين وشهرين وأياما ، وإذا حسب عمره من الهجرة ، فيكون قد عاش بعدها تسع سنين وأحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما ، وأما التاريخ القديم (١١)(١٢) فكانت الأمم السالفة تؤرخ بالأحداث العظام وتملك الملوك. فأرخوا بهبوط آدم ثم ببعث نوح (١٣) ، ثم بالطوفان ، وأرّخ بنو

__________________

(١) قال الجنة أ ج ه : قال : لكم الجنة ب د.

(٢) ينظر : ابن هشام ٢ / ٦٧ ؛ ابن حيان ، السيرة ١١٨ ـ ١٢٢ ؛ ابن الجوزي ، الوفا ١ / ٢٢٦.

(٣) وبايعوه أ : فبايعوه ب ج د ه / / فأقام رسول الله ... والله أعلم أ ب ج د : ـ ه.

(٤) الشريفة أ : الشريفة النبوية ب ج د ه.

(٥) ينظر : ابن هشام ٢ / ٨٩ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ٨٩ ؛ ابن حيان ، السيرة ١٢٧ ؛ ابن الجوزي ، الوفا ١ / ٢٣٥.

(٦) الضبط ب ج د ه : ضبط أ.

(٧) ينظر : الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٨٩ ؛ الدوري ١٩.

(٨) فكانت الهجرة أ : وكانت هذه الهجرة ب د ه : وكانت الهجرة ه.

(٩) فصفر أ : وصفر ب ج د ه.

(١٠) محرم أ : المحرم ب ج د ه.

(١١) وأما التأريخ القديم أ : وأما التواريخ القديمة ب ج د ه.

(١٢) ينظر : الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٩٠ ـ ٣٩١.

(١٣) ببعث نوح أ ج د ه : بعث نوح ب.

٣٠١

إسحاق بنار إبراهيم إلى يوسف ، ومن يوسف إلى مبعث موسى (١) ، ومن موسى إلى ملك سليمان بن داود ، ثم بما كان من الكوائن ، ومنهم من أرخ بوفاة يعقوب ، عليه‌السلام ، ثم بخروج موسى من مصر ببني إسرائيل ، ثم بخراب بيت المقدس ، وأما بنو إسماعيل فأرّخوا ببناء الكعبة ، ولم يزالوا يؤرخون بذلك حتى تفرقوا. وكان كل من خرج منهم من تهامه (٢) يؤرخ بخروجه. ثم أرخوا بعام الفيل ، ثم أرخوا بأيام الحروب.

وكانت (٣) حمير يؤرخون بملوكهم التبابعة (٤) ، وأما اليونان والروم فأرخوا بظهور الإسكندر. وأما النبط (٥) فكانوا يؤرخون بملك بخت نصر ، وأما المجوس فكانوا يؤرخون بقتل دارا وظهور الإسكندر ، ثم بظهور أردشير (٦)(٧) ، ثم بملك يزدجرد (٨) وولد سيدنا محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والعرب تؤرخ بعام الفيل.

ولم يزل التاريخ كذلك إلى أن ولي عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، الخلافة فقرر الأمر على أن يؤرخوا بهجرة النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من مكة إلى المدينة فجعلوا التاريخ من المحرم أول عام الهجرة. وقد ورد في حديث المعراج الشريف أن جبريل ، عليه‌السلام (٩) ، قال للنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حين أسري به : انزل فصلّ هنا ، ففعل ، فقال : أتدرين أين / / صليت؟ صليت بطينة (١٠) وإليها المهاجرة (١١).

وأما ما كان من حديث الهجرة ، فإن رسول الله ، عليه الصلاة والسلام ، هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول وأمر أصحابه بالمهاجرة إلى المدينة. فخرج جماعة وتتابع الصحابة ، ثم هاجر عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، وأقام النبي ، عليه

__________________

(١) إلى مبعث موسى أ ب ج د : ـ ه.

(٢) تهامة : بالكسر ، تهامة تساير البحر ، منها مكة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢٨٣.

(٣) وكانت ب د ه : وكان أ ج.

(٤) ينظر : الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٩٠ ـ ٣٩١ ؛ الدوري ١٣.

(٥) وأما النبط ... وظهور الإسكندر ب د : ـ أ ج ه.

(٦) أردشير : أردشير بن بابك بن ساسان أحد ملوك الطوائف على أرض اصطخر ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٣٦٢ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٦٨.

(٧) أردشير أ ج د ه : أزدشير ب.

(٨) يزدجرد : يزدجرد بن بهرام ، ورث أباه في الملك وكان فظا غليظا ، كان ملكه إحدى وعشرين سنة ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٣٦٧.

(٩) عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب.

(١٠) طيبة : هي اسم لمدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقال لها طيبة وطابة من الطيب وهي الرائحة الحسنة ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٦٠.

(١١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٦٧.

٣٠٢

والسلام (١) ، بمكة ينتظر ما يؤمر به ، وتخلف معه أبو بكر وعلي ، رضي‌الله‌عنهما ، واجتمعت (٢) قريش على مكيدة يفعلونها مع رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنجاه الله من مكرهم ، وأنزل عليه في ذلك : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٣) الآية ، وأمر بالهجرة.

فأمر عليا أن يتخلف عنه ويؤدي ما عنده من الودائع لأربابها (٤) ، وخرج (٥) هو وأبو بكر إلى غار ثور ، وهو جبل أسفل مكة ، فأقاما فيه ثم خرجا بعد ثلاثة أيام وتوجها إلى المدينة وقدماها لاثني عشر ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى ، وكان الاثنين (٦) الظهر. فنزل بقباء (٧) وأقام بها الاثنين ، والثلاثاء والأربعاء ، وأسس مسجد قباء ، وهو الذي نزل فيه : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ)(٨)(٩) ، ثم خرج من قباء يوم الجمعة ، وأدركته الجمعة في بنى عمرو بن عوف فصلاها في المسجد الذي ببطن الوادي. وكانت (١٠) أول جمعة (١١) صلاها بالمدينة. فولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم الاثنين ، وهاجر يوم الاثنين ، وقبض صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم الاثنين.

واختلف العلماء في مقامه بمكة بعد أن أوحى إليه فقيل : عشر سنين ، وقيل : ثلاث عشرة سنة ، وهو الصحيح. ولعل الذي قال عشر سنين أراد بعد إظهار الدعوة فإنه بقي ثلاث سنين يسرها ، والله أعلم.

ذكر بناء المسجد الشريف النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام (١٢)

ثم إن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رحل من قباء يريد المدينة فما مر عن دار (١٣) من دور الأنصار إلا قالوا : هلم يا رسول الله إلى العدد والعدة. ويعترضون ناقته ، فيقول :

__________________

(١) عليه‌السلام أ ج د ه : «ص» ب.

(٢) واجتمعت أ ج ه : وأجمعت قريش ب د.

(٣) الأنفال : [٣٠].

(٤) ينظر : ابن هشام ٢ / ٩٩.

(٥) وخرج أ ج ه : ثم خرج ب د.

(٦) الاثنين أ : يوم الاثنين ب ج د ه.

(٧) قباء : بالضم قرية قرب المدينة ، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار على بعد ميلين من المدينة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨١ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٠٦١ ؛ الحميري ٤٨١.

(٨) التوبة : [١٠٨].

(٩) رجال ب ج د ه : ـ أ.

(١٠) وكانت أ ب ج د : وكان ه.

(١١) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٠٠ ؛ ابن الجوزي ، تلقيح ١٠٤٣.

(١٢) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٠٢ ؛ الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٩٦ ؛ ٣٩٧ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

(١٣) عن دار أ ج ه : على دار ب د.

٣٠٣

«خلّوا سبيلها فإنها مأمورة» ، حتى انتهت إلى موضع مسجد النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبركت هناك ، فنزل عنها النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخذ (١) أبو أيوب الأنصاري (٢) الناقة إلى بيته.

وكان موضع (٣) المسجد مربدا للتمر لسهل وسهيل ابني عمر ، يتيمين في حجر أسعد بن زرارة (٤) ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حين بركت ناقته : «هذا إن شاء الله المنزل». ثم دعا الغلامين فساومهما بالمربد (٥) ليتخذه مسجدا ، فقالا : لا بل نهبه لك يا رسول الله ، فأبى أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ، ثم بناه مسجدا. وطفق رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينقل معهم اللبن في بنائه.

وقيل : بل كان الموضع لبني النجار ، وكان فيه قبور المشركين وخرب ونخل ، فأراد النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن يشتريه من بني النجار فقال لهم : «يا بني النجار ثامنوني حائطكم» ، فقالوا : لا نطلب ثمنه إلا إلى الله ، فأمر رسول الله ، عليه‌السلام (٦) ، بقبور المشركين فنبشت ، وبالخرب فسويت ، والنخل فقطع. قال : «فصفوا النخل قبلة المسجد» وجعلوا عضادتيه (٧) حجارة ، وجعلوا ينقلون ذلك الصخر وهم يرتجزون ورسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول :

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة

فانصر الأنصار والمهاجرة (٨)(٩)

وأقام رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عند أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه. وكان قبله يصلي (١٠) حيث أدركته الصلاة. وبناه هو والمهاجرون والأنصار ، رضوان الله عليهم أجمعين.

__________________

(١) وأخذ ب ج د ه : فأخذ أ.

(٢) خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصاري ، شهد العقبة مع السبعين وشهد الغزوات مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشارك في غزو القسطنطينية في زمن يزيد بن معاوية وتوفي هناك سنة ٥٢ ه‍ / ٦٧٢ م ، ينظر : ابن خياط ، تاريخ ١٥٩ ؛ ابن سعد ٣ / ٣٦٨ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٨٦ ؛ ابن عبد البر ٤ / ١٦٠٦.

(٣) موضع ب ج د ه : ـ أ.

(٤) أسعد بن زرارة ... بن مالك بن النجار ، من الستة الرهط الذين استجابوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حين دعاهم إلى الإسلام ، شهد العقبتين ، وكان نقيبا ، ومات في السنة الأولى للهجرة ٦٢٢ م ، ينظر : ابن هشام ٢ / ٥٦ ؛ ابن سعد ٣ / ٤٥٦ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٧ ؛ ابن حجر ، الإصابة ١ / ٣٢.

(٥) بالمربد أ ج ه : المربد ب د.

(٦) عليه‌السلام أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه.

(٧) عضادتا الشيء : الخشبتان تكون على جانبيه ، وعضادتا الباب : خشبتان منصوبتان مثبتتان في الحائط ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٣ / ٢٩٤ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ٦٢٩.

(٨) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٠٢ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٢٣٦.

(٩) عيش إلا عيش الآخرة ب د ابن هشام : خير إلا خير الآخرة أ ج ه.

(١٠) وكان قبله يصلي ... أجمعين أ ب د ه : ـ ج.

٣٠٤

وكان المسجد الشريف على عهد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل. فلم يزد (١) فيه أبو بكر شيئا ، وزاد عمر فيه وبناه على بنائه في عهد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باللبن والجريد وأعاد (٢) عمده (٣) خشبا ، ثم غيره عثمان بن عفان ، رضي‌الله‌عنه ، في خلافته ، فزاد فيه زيادة كثيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة ، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج (٤).

ثم لما صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك ، الذي عمر مسجد دمشق ، استعمل على المدينة عمر بن عبد العزيز وكتب إليه في سنة سبع وثمانين (٥) من الهجرة الشريفة يأمره (٦) بهدم مسجد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهدم بيوت أزواج النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي عنهن ، وأن يدخل البيوت في المسجد بحيث تصير مساحة المسجد مائتي ذراع في مائتي ذراع ، وأن يضع أثمان البيوت من بيت المال ، فأجابه أهل المدينة إلى ذلك ، وقدم الصناع من عند الوليد لعمارة المسجد ، وتجرد لذلك عمر بن عبد العزيز ، وشيد مسجد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأدخل فيه ما حوله من المنازل.

ثم لما صارت الخلافة لبني العباس ووليها المهدي ـ أبو عبد الله محمد بن أبي / / جعفر المنصور ـ وسع (٧) المسجد الشريف ، وزاد فيه ، وحمل إليه العمد الرخام ، ورفع سقفه ، وألبس خارج القبر الشريف الرخام ، وذلك في سنة سبع وستين ومائة (٨) ، وأمر بتقصير المنابر (٩)(١٠) في البلاد وجعلها بمقدار منبر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقد عمر في المسجد الشريف جماعة من ملوك الإسلام من الخلفاء والسلاطين وجددوا فيه أشياء من المحاسن.

وكان قد احترق المسجد الشريف في زمن (١١) الملك الظاهر ببيرس ، رحمه

__________________

(١) فلم يزد فيه أبو بكر أ ج ه : فلم يزد أبو بكر فيه ب د.

(٢) وأعاد ب ج د : ودعا أ : ـ ه.

(٣) العمد : ما يدعم به سقف أو جدار ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٣ / ٣٠٤ ؛ غالب ٢٩٣.

(٤) ينظر : القرماني ٣ / ٤٦٨.

(٥) ٨٧ ه‍ / ٧٠٦ م.

(٦) يأمره ب ج د ه : يأمر أ.

(٧) وسع ب ج د ه : ووسع أ.

(٨) ١٦٧ ه‍ / ٧٨٣ م.

(٩) المنبر : مقعد من حجر أو خشب يجلس عليها الخطيب يوم الجمعة وتقع قرب المحراب ، ينظر : بن منظور ، لسان ١ / ٦٥٩ ؛ غالب ٣٠٩ ؛ مؤنس ١٣٧ ؛ بعلبكي ٢ / ٩٣٠.

(١٠) المنابر أ ب ج د : + كلها ه.

(١١) زمن أ ب ج د : زمان ه.

٣٠٥

الله ، فاهتم بعمارته (١) ، ووضع الدرابزينات (٢) حول الحجرة الشريفة ، وعمل فيه منبر وسقفه بالذهب (٣).

ثم في عصرنا جرت حادثة وهي في ليلة الثالث عشر من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثمانمائة (٤) ، وقعت صاعقة بالليل في المدينة الشريفة (٥) فاحترق (٦) منها المسجد الشريف النبوي والحجرة الشريفة (٧) وجميع ما بالمسجد الشريف من المصاحف والكتب وغير ذلك. ووردت الأخبار بذلك إلى السلطان الملك الأشرف قايتباي ، نصره الله تعالى (٨) ، وكتب أهل المدينة محضرا بما وقع ، وجهزوه إلى القاهرة في أسرع وقت ، وجزع الناس لذلك. ثم اهتم السلطان بعمارته ، وقام في ذلك (٩) أعظم قيام ، وأنشأه وجدد عمارته فجاءت في غاية الحسن ، ولله الحمد والمنة (١٠).

وأما المسجد الشريف فله أربعة أبواب من جهتي المشرق والمغرب ، فمن جهة المشرق باب جبريل وباب النساء ، ومن جهة الغرب باب السلام وباب الرحمة ، وعليه خمسة منائر (١١) : أربعة قديمة والخامسة مستجدة بمدرسة السلطان الملك الأشرف قايتباي ، وقد وقف السلطان المشار إليه ، على المدينة الشريفة أوقافا كثيرة وأكثرها عقارات بالقاهرة ، ورتب قمحا يحمل في كل سنة ، يصرف لأهلها والواردين إليها ، وكان ذلك في سنة ثمان وثمانين وثمانمائة (١٢) عند انتهاء عمارة المسجد الشريف ، وإنما ذكرت هذه الحوادث هنا (١٣) استطرادا على وجه الاختصار ولتعلقها بالمسجد الشريف.

ولنرجع إلى ذكر أخبار الهجرة الشريفة فأقول وبالله التوفيق : ولما أقام النبي ،

__________________

(١) بعمارته أ ج د ه : لعمارته ه.

(٢) الدرابزين : قوائم مصفوفة تعمل من خشب أو حديد تحاط بها السلالم وغيرها ، ينظر : الحسيني ٤٤٣.

(٣) ينظر : القرماني ٣ / ٤٦٦.

(٤) ٨٨٦ ه‍ / ١٤٨١ م.

(٥) في المدينة الشريفة ب ج د ه : بالمدينة أ.

(٦) ينظر : القرماني ٣ / ٤٦٦.

(٧) والحجرة الشريفة ب ج د : ـ أ ه.

(٨) نصره الله تعالى أ ج : رحمة الله تعالى عليه ه : ـ ب د.

(٩) وقام في ذلك أ ج ه : وأقام في ذلك ب د.

(١٠) والمنة ب ج د : ـ أ ه.

(١١) خمسة منائر ج د ه : منابر أ ب / / والخامسة مستجدة ب ج د ه : ـ أ.

(١٢) ٨٨٨ ه‍ / ١٤٨٣ م.

(١٣) هنا ب ج د ه : ـ أ.

٣٠٦

صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالمدينة الشريفة ، ففي السنة الأولى من هجرته ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بني (١) بعائشة رضي‌الله‌عنها ، في شهر ذي القعدة وهي بنت تسع سنين ، وفيها كانت المؤاخاة (٢) بين المسلمين آخى بينهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاتخذ هو علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، أخا ، وصار أبو بكر وخارجة (٣) بن زيد بن أبي زهير الأنصاري أخوين ، وتواخى أبو عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ ، وعمر بن الخطاب وعتبان (٤) بن مالك (٥) ، وطلحة بن عبد الله ، وكعب بن مالك (٦) ، وسعيد بن زيد (٧) ، وأبي بن كعب الأنصاري (٨) ، رضي‌الله‌عنهم. وفيها كانت غزوة الأبواء (٩) وهي أول غزواته ثم غزواته ثم غزوة بواط (١٠) ثم غزوة العشيرة (١١).

ثم دخلت السنة الثانية من الهجرة الشريفة (١٢) على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، وكان تحويل القبلة من صخرة بيت المقدس (١٣) إلى المسجد الحرام ، قال الله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(١٤) ، وروى الليث (١٥) عن

__________________

(١) ينظر : الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٩٨ ؛ ابن الجوزي ، تلقيح ٢٠.

(٢) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٠٨ ـ ١٠٩.

(٣) خارجة بن زيد بن أبي زهير ... بن الخزرج ، بدري قتل يوم أحد شهيدا ، ينظر : ابن حجر ، الإصابة ١ / ٤٠٠.

(٤) عتبان بن مالك بن ج د ه ابن سعد : عتبان بن الملك أ.

(٥) عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان بن زيد بن غنم ... بن الخزرج ، شهد بدرا ، جاءه النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى بيته فصلى فيه ، بقي إلى أيام يزيد بن معاوية ، ينظر : ابن سعد ٣ / ٥٥٠ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٤٥٢ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٩٧.

(٦) كعب بن مالك بن القين بن كعب ... بن الخزرج الأنصاري ، شهد العقبة وتوفي زمن علي بن أبي طالب ، وقيل : سنة ٥٠ ه‍ / ٦٧٠ م ، ينظر : ابن حبان ، تاريخ ٢١٨ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٣٠٢.

(٧) سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى ، أحد الصحابة المبشرين بالجنة ، مات سنة ٥١ ه‍ / ٦٧١ م ، ينظر : ابن حبان ، تاريخ ٢٥ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٣٣.

(٨) أبي بن كعب بن عمرو ... بن عدي بن كعب ، كنيته أبو الأعور ، قدم من الحوراء مع طلحة بعد ما انصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بدر ومات سنة ٥٠ ه‍ / ٦٧٠ م ، ينظر : ابن حبان ، تاريخ ٢٤ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٤٤.

(٩) الأبواء : قرية من أعمال الفرع قرب المدينة المنورة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨١.

(١٠) بواط : واد من الأودية القبلية ، وهو جبل جهينة بناحية رضوى ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢٢٨.

(١١) العشيرة : حصن صغير بين ينبع والمروة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٩٤٣.

(١٢) الشريفة ... وكان ب : ـ أ ج د ه.

(١٣) المقدس أ ج د ه : + الشريف ب.

(١٤) البقرة : [١٤٤].

(١٥) الليث بن سعد بن عبد الرحمن مولى قيس بن رفاعة ، كان أصله من أصفهان ، ولد سنة ٩٣ ه‍ / ٧١١ م ـ

٣٠٧

يونس (١) عن الزهري قال : لم يبعث الله عند هبوط آدم إلى الأرض نبيا إلا جعل قبلته صخرة بين المقدس. وعن ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، قال : أول ما نسخ من القرآن القبلة وذلك أن النبي (٢) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأصحابه ، كانوا يصلون بمكة إلى الكعبة فلما هاجر إلى المدينة ، أمره الله تعالى (٣) أن يصلي نحو صخرة بيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه إذا صلى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته في التوراة ، فصلى بعد الهجرة الشريفة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ، وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة ، لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم ، عليه‌السلام ، فأنزل الله عليه الآية وأمره باستقبال الكعبة.

ولما حولت القبلة كان النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في مسجد القبلتين في بني سلمة ، وكان يصلي فيه الظهر إلى بيت المقدس ، وقد صلى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر ، فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب وحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين.

وعن البراء (٤) : أن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، صلى إلى البيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت الحرام (٥) ، فإنه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن صلى معه (٦) ، فمر على أهل مسجد وهم راكعون (٧) فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله ، عليه‌السلام ، قبل مكة ، فداروا كلهم (٨) وجوههم قبل البيت ، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس. فلما ولى (٩) وجهه قبل البيت / / أنكروا ذلك.

__________________

واستقل بالفتوى في مصر ، عرف عنه كثرة العلم والإسناد وتوفي سنة ١٧٥ ه‍ / ٧٩١ م ، ينظر : الشيرازي ٧٦ ؛ ابن الجوزي ، صفوة ٤ / ٢٢١.

(١) يونس بن يزيد الأيلي محدث روى عن عكرمة ونافع وعند الأوزاعي والليث ، وثقه النسائي وغيره ، ينظر : البخاري ، التاريخ ٢ / ١٢٣ ؛ ابن العماد ١ / ٢٣٣.

(٢) النبي أ ج د ه : محمدا ب.

(٣) أمره الله تعالى أ ج د ه : أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(٤) البراء بن عازب الأنصاري ، سكن الكوفة كنيته أبو عمارة ويقال أبو عمرو ، استصغره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم بدر فرده ، مات في ولاية مصعب بن الزبير سنة ٧٢ ه‍ / ٦٩١ م ، ينظر : ابن سعد ٤ / ٢٦٩ ؛ ابن حجر ، الإصابة ١ / ١٤٧.

(٥) قبلته قبل البيت الحرام أ ج ه : قبلته البيت ب د.

(٦) ممن صلى أ ج ه : ممن صلوا ب د.

(٧) وهم راكعون ب ج د ه : وهم راكعين أ / / مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ه : مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د.

(٨) فداروا كلهم وجوههم قبل البيت ب ج د ه : فداروا كما هم قبل المدينة أ.

(٩) فلما ولى أ ج هت : ولما ولوا ب د.

٣٠٨

وقال البراء في حديثه هذا : إنه مات على القبلة قبل أن تحوّل رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله عز وجل : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٤٣) (١) وكان تحويل القبلة (٢) في يوم الثلاثاء منتصف شعبان (٣) ، وقيل : في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين من السنة الثانية (٤) من الهجرة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

وفيها ـ أعني السنة الثانية في شعبان ـ فرض صوم شهر رمضان ، وأمر الناس بإخراج زكاة الفطر قبل الفطر بيوم أو يومين ، فصام صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تسع رمضانات إجماعا ، وفيها رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري (٥) صورة الآذان في النوم ، وورد الوحي به (٦).

وفيها تزوج علي (٧) بفاطمة بنت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : «إن الله (٨) سبحانه وتعالى عقد عقد فاطمة لعلي في السماء فنزل الوحي بذلك» ، فجمع الصحابة لذلك وأرسل وراء علي بن أبي طالب وأخبره بالخبر ، فعقد النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عقد علي على فاطمة ، فقيل لعلي : أولم يا علي ، فنزل بدرعه يبيعه ، فعرفه عبد الرحمن فاشتراه بألف درهم ودفعها لعلي ، ثم أوهبه الدرع.

وفيها كانت غزوة بدر الكبرى (٩) التي أظهر الله بها الدين ، وسببها قتل عمر بن الحضرمي ، وإقبال أبي سفيان بن حرب في عير لقريش عظيمة (١٠) من الشام ، وفيها أموال كثيرة ، فانتدب المسلمون بأمر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخرجوا إليهم ، فبلغ أبا سفيان (١١) ذلك فبعث إلى مكة وأعلم قريشا بذلك ، فخرج المشركون من مكة ، وكانت عدتهم تسعمائة وخمسين رجلا فيهم مائة فرس ، وخرج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من

__________________

(١) البقرة : [١٤٣].

(٢) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٨١.

(٣) شعبان ج ه : شهر شعبان ب د.

(٤) ٢ ه‍ / ٦٢٣ م.

(٥) عبد الله بن زيد الأنصاري : كان على النفل يوم بدر ومعروف برواية الآذان ، ينظر : ابن سعد ١ / ١٩٠ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٥ / ١٣٥.

(٦) وورد الوحي به أ ج د ه : وورد به الوحي ب.

(٧) علي أ : + رضي‌الله‌عنه ب ج د ه.

(٨) وقال إن ... ثم أوهبه الدرع ب د : ـ أ ج ه.

(٩) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٥٨.

(١٠) عظيمة ب ج د ه : عظيم أ.

(١١) أبا سفيان ب د ج : أبو سفيان أ : أبي سفيان ه.

٣٠٩

المدينة ومعه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ولم يكن فيهم إلا فارسان ، وكانت الإبل سبعين يتعاقبون عليها ، ونزل في بدر وبنى له عريش وجلس عليه ومعه أبو بكر.

وأقبلت قريش ، فلما رآهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها (١) وفخرها تكذّب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني به (٢)» ، ولم يزل كذلك (٣) ، والتقى الصفان وتزاحف القوم ، ورسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعه أبو بكر في العريش وهو يدعو ويقول : «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ، اللهم أنجز لي ما وعدتني به» ، ولم يزل كذلك حتى سقط رداؤه فوضعه أبو بكر عليه ، وخفق رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم انتبه فقال : «أبشر أبا بكر فقد أتى نصر الله».

ثم خرج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من العريش يحرض المسلمين على القتال ، وأخذ حفنة من الحصا (٤) ورمى بها قريش وقال : «شاهت الوجوه» ، وقال لأصحابه : «شدوا عليهم» ، فكانت الهزيمة على المشركين ، وكانت الوقعة صبيحة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان (٥) ، وحمل عبد الله بن مسعود رأس أبي جهل بن هشام إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسجد شكرا لله تعالى.

ونصر الله نبيه بالملائكة قال تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (١٠) (٦).

وكانت عدة قتلى بدر من المشركين سبعين رجلا والأسرى كذلك (٧) وكان من جملة الأسرى العباس (٨) عم النبي (٩) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولما انقضى القتال أمر النبي ، عليه

__________________

(١) بخيلائها ب ج د ه ابن هشام : بخيلها أ.

(٢) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٩٦.

(٣) ولم يزل كذلك ب ج د ه : ـ أ.

(٤) الحصا ب : الحصى أ ج د ه.

(٥) ينظر : المصدر نفسه ٢ / ١٩٦.

(٦) الأنفال : [٩ ، ١٠].

(٧) ينظر : ابن هشام ٢ / ٢٥٦.

(٨) العباس بن عبد المطلب بن هاشم ، أبو الفضل ، عم الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أسلم قديما لكن كان يكتم إسلامه ، وقع أسيرا في بدر وفادى نفسه ورجع إلى مكة ، ثم أقبل إلى المدينة مهاجرا ، توفي العباس سنة ٣٢ ه‍ / ٦٥٢ م ودفن في البقيع ، ينظر : ابن سعد ٣٢ / ٦٥٢ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٨٣ ؛ ابن الجوزي ، صفوة ١ / ٢٢٠ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٢٧١.

(٩) عم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : عم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

٣١٠

السلام (١) ، بسحب القتلى إلى القليب (٢) وكانوا أربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا فيه وجميع من استشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا ، وعاد النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة ، وكانت غيبته تسعة عشر يوما ، وماتت ابنته رقية ، زوجة عثمان ، في غيبته. وكان عثمان تخلف في المدينة بأمره ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بسببها (٣) ، وفيها هلك (٤) أبو لهب. ثم كانت غزوة بني قينقاع (٥) ، من اليهود ، وأمر بإجلائهم ، ثم كانت غزوة السويق (٦) ، ثم كانت غزوة قرقرة الكدر (٧) ، وقرقرة الكدر : ماء مما يلي جادة العراق إلى مكة ، وقتل كعب (٨) بن الأشرف اليهودي بأمر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم دخلت السنة الثالثة من الهجرة فيها كانت غزوة بني النضير (٩) من اليهود ، وكانت على رأس ستة أشهر من بدر قبل أحد (١٠) فأجلاهم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحرق نخلهم (١١).

وفيها كانت غزوة أحد (١٢) وسببها : وقعة بدر. فاجتمع المشركون وكانوا ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع (١٣) ، ومائتا فارس وقائدهم أبو سفيان ، وساروا من مكة حتى نزلوا ذا الحليفة (١٤) مقابل المدينة يوم الأربعاء لأربع مضين من شوال ، وخرج النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في ألف من الصحابة إلى أن صار بين المدينة وأحد ونزل الشعب من أحد ، ثم كانت الوقعة بين السبت لسبع مضين من شوال وعدة أصحاب النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سبعمائة وفيهم مائة دارع ، ولم يكن معه من الخيل سوى / / فرسين ، والتقى الناس ودنا بعضهم من بعض. وقامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها وضربن بالدفوف خلف الرجال يحرضن المشركين على القتال (١٥) وحرب المسلمين. وقاتل

__________________

(١) عليه‌السلام أ ج د ه : ص ب.

(٢) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٥٨.

(٣) بسببها أ ج ه : لسببها ب د.

(٤) ينظر : ابن سيد الناس ١ / ٣١٩.

(٥) ينظر : ابن سعد ٢ / ٢١ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٥٢.

(٦) ينظر : ابن سعد ٢ / ٢٢ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٥٤.

(٧) ينظر : ابن سعد ٢ / ٢٣ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٥٥.

(٨) ينظر : ابن سيد الناس ١ / ٣٥٦.

(٩) ينظر : ابن سعد ٣ / ٤٢٧ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٥٨.

(١٠) قبل أحد أ ج د ه : ـ ب.

(١١) وحرق نخلهم أ ج ه : وحرق نخيلهم ب د.

(١٢) ينظر : ابن سعد ١ / ٣٧٧ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٥ ؛ ابن القيم ، زاد ٢ / ٨٨.

(١٣) دارع ب ج د ه : مدرع أ.

(١٤) ذا الحليفة ب ج د ه : ـ أ.

(١٥) القتال ب د ه : ـ أ ج.

٣١١

حمزة عم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يومئذ قتالا شديدا إلى أن قتل. ضربه وحشي ، عبد جبير بن مطعم وكان حبشيا بحربة فقتله ، وقتل مصعب (١) حامل لواء رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد ظن قاتله أنه رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لقريش : إني قتلت محمدا. ولما قتل مصعب أعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الراية لعلي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، وانهزم المشركون. فطمعت الرماة في الغنيمة (٢) ، وفارقوا المكان الذي أمرهم النبي ، عليه‌السلام (٣) ، بملازمته ، ووقع الصراخ أن محمدا قتل. وانكشف المسلمون وأصاب منهم العدو. وكان يوم بلاء على المسلمين وكان عدة الشهداء ، منهم سبعين رجلا ، وعدة قتلى المشركين اثنين وعشرين رجلا.

ووصل العدو إلى رسول الله ، عليه‌السلام (٤) ، وأصابته حجارتهم حين وقع ، وأصيبت رباعيته وشج وجهه ، وجعل الدم يسيل على وجهه (٥) ، وهو يقول : «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعو إلى ربهم» (٦) فنزل في ذلك قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) (١٣٨) (٧). ودخلت حلقتان من المغفر في وجهه الشريف من الشجة ، ونزع أبو عبيدة الجراح إحدى الحلقتين (٨) من وجهه فسقطت ثنيته الواحدة. ثم نزع الأخرى فسقطت الثنية الأخرى (٩).

ومثلت هند وصواحبها بالقتلى من الصحابة فجدعن الآذان والأنوف وبقرت هند عن كبد حمزة ولاكتها. وصعد زوجها أبو سفيان الجبل ، فصرخ (١٠) بأعلى صوته الحرب سجال يوم بيوم بدر أعل هبل أي ـ أظهر دينك ـ فأجابه المسلمون : الله أعلى وأجل. ونادى : إن موعدكم بدر العام القابل. فقال النبي ، عليه

__________________

(١) مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة ، من شهداء أحد ، بعثه رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعد بيعة العقبة الأولى إلى المدين ، فأسلم أهل المدينة على يده قبل قدوم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينظر : ابن سعد ٣ / ٨٥ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٤٢١.

(٢) في الغنيمة أ ج د ه : بالغنيمة ب.

(٣) عليه‌السلام أ ج د ه : «ص» ب.

(٤) عليه‌السلام أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه ب / / وأصابته حجارتهم أ ه : وأصابه حجارتهم ب د : ووصلته حجارتهم ه.

(٥) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ١٩.

(٦) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ١٩.

(٧) آل عمران : [١٢٨].

(٨) إحدى الحلقتين أ ج د ه : أحد الحلقتين ب.

(٩) فسقطت الثنية الأخرى أ ه : فسقطت ثنيته الأخرى ب ج د.

(١٠) فصرخ أ : وصرخ ب ج د ه / / الحرب سجال ب ج د ه : ـ أ.

٣١٢

السلام (١) ، لواحد : «قل هو بيننا وبينكم» (٢) ، ثم التمس رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عمه حمزة فوجده وقد بقر بطنه (٣) وجدع أنفه وأذناه ، فقال : «لئن أظهرني الله على قريش لأمثلن بثلاثين منهم» ، وجاء (٤) جبريل فأخبره أن حمزة مكتوب في أهل السماوات السبع : حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله (٥) ، ثم أمر رسول الله ، عليه‌السلام (٦) ، فسجي ببردة ، ثم صلى عليه ، فكبر (٧) بسبع تكبيرات. ثم أتي بالقتلى يوضعون إلى حمزة فصلى عليهم وعليه اثنتين وسبعين صلاة. وهذا دليل لأبي حنيفة فإنه يرى الصلاة على الشهيد بخلاف (٨) الشافعي وأحمد ، رحمهم الله تعالى ، ثم أمر بحمزة فدفن ، واحتمل أناس من المسلمين إلى المدينة ، فدفنوا بها. ثم نهاهم النبي (٩) ، عليه‌السلام ، فقال : «ادفنوهم حيث صرعوا» ، وأصيبت عين قتادة (١٠) فردها رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بيده ، فكانت (١١) أحسن عينيه ، واستشهد أنس بن النضر ، عم أنس بن مالك وقد أبلى (١٢) بلاء حسنا وفيه نزلت : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ)(١٣) الآية.

وفيها تزوج النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حفصة (١٤) بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنهما ، وبنى بها وكانت تحت خنيس بن حذافة (١٥) السهمي.

ثم دخلت السنة الرابعة من الهجرة وفيها كانت غزوة بدر الثانية ـ وهي في شعبان ، وفيها خرج النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى بدر لميعاد أبي سفيان ، وخرج أبو

__________________

(١) عليه‌السلام أ ج د ه : «ص» ب / / لواحد أ ب ج د : ـ ه.

(٢) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٢٧.

(٣) وقد بقر بطنه أ ب د : بقرت هند بطنه ولاكت كبده ه : ـ ج.

(٤) وجاء أ : وجاءه ب ج د ه.

(٥) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٢٩.

(٦) ثم أمر رسول الله عليه‌السلام أ ج ه : ثم أمر النبي ص ب د.

(٧) فكبر أ ج ه : وكبر ب د / / بسبع تكبيرات أ : سبع تكبيرات ب ج د ه.

(٨) بخلاف أ : خلافا ب ج د ه.

(٩) نهاهم النبي عليه‌السلام أ ه : نهاهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ب ج د / / فقال أ : وقال ب ج د ه.

(١٠) قتادة بن النعمان بن زيد ... بن الخزرج شهد بدرا ، وأصيبت عينه في أحد ، توفي سنة ٢٣ ه‍ / ٦٤٣ م ، ينظر : ابن سعد ٣ / ٣٤٥ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢١٤ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٢٢٥.

(١١) فكانت أ ج ه : وكانت ب د.

(١٢) وقد أبلى ه : وقد بلى أ ب ج د.

(١٣) الأحزاب : [٢٣].

(١٤) ينظر ترجمتها : ابن خياط ، الطبقات ٦٢٥ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ٨١ ؛ ابن سعد ٨ / ٦٥ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٨٣.

(١٥) حذافة ب ج د ه : الحذاف أ.

٣١٣

سفيان (١) في أهل مكة ، ثم رجع ورجعت قريش معه ، وانصرف رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة (٢).

ثم دخلت السنة الخامسة من الهجرة الشريفة فيها كانت غزوة الخندق (٣) وهي غزوة الأحزاب ، وكانت في شوال ، وسببها : أن نفرا من اليهود حزبوا الأحزاب على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقدموا على قريش بمكة يدعونهم (٤) إلى حربه. فلما بلغ النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ذلك أمر بحفر الخندق حول المدينة وعمل فيه بنفسه وفرغ من الخندق (٥) ، وأقبلت قريش ومن تبعها من بني قريظة ، واشتد البلاء حتى ظن المؤمنون كل الظن. فأقام (٦) رسول الله ، عليه‌السلام ، والمشركون بضعا وعشرين ليلة ، لم يكن بين القوم حرب إلا الرمي. ثم نصر الله نبيه على المشركين وخذلهم ، وأخلف بين كلمتهم (٧) ، وأهب الله ريح الصبا كما قال الله تعالى (٨) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها)(٩) ، فجعلت الريح تقلب أبنيتهم وتكفأ قدورهم وانقلبوا خاسرين. فبلغ ذلك رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «الآن نغزوهم ولا يغزونا» (١٠) ، فكان (١١) كذلك حتى فتح مكة.

فيها ، أي في ذي القعدة ، كانت غزوة بني قريظة (١٢) عقيب (١٣) عود النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة من غزوة الخندق / / بوحي من الله تعالى نزل على نبيه محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسار إليهم وحصرهم (١٤) خمسا وعشرين ليلة ، وقذف في قلوبهم الرعب ، ونزلوا على حكم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرد الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ (١٥) ، فحكم

__________________

(١) وخرج أبو سفيان أ ب ج د : ـ ه.

(٢) ينظر : ابن هشام ٣ / ١٢٣ ؛ ابن سعد ٢ / ٤٥ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٧٤.

(٣) ينظر : ابن هشام ٣ / ١٢٧ ؛ ابن سعد ٢ / ٤٦ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٧٦ ـ ٧٧.

(٤) يدعونهم ب د : يدعوهم ج ه : يدعونه ب / / إلى حربه أ ب ج د : إلى حرب رسول الله ه.

(٥) ابن هشام ٢ / ١٢٨ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٧٧.

(٦) فأقام أ : وأقام ب ج د ه / / عليه‌السلام أ ج د ه : ص ب.

(٧) وأخلف بين كلمتهم أ : واختلفت كلمتهم ب ج د ه / / ريح الصبا أ ب ج د : الريح الصبا ه.

(٨) تعالى أ : ـ ب ج د ه.

(٩) الأحزاب : [٩].

(١٠) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٩١.

(١١) فكان أ ج ه : وكان ب د.

(١٢) ينظر : ابن هشام ٣ / ١٤٠ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٩٦ ؛ ابن القيم ، زاد ٢ / ١١٩.

(١٣) عقيب أ ج ه : عقب ب د.

(١٤) وحصرهم أ ج ه : وحاصرهم ب د.

(١٥) ينظر ترجمته في : ابن هشام ٣ / ١٣٥ ـ ١٣٦ ؛ ابن سعد ٣ / ٥ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١١٢.

٣١٤

بقتل المقاتلة وسبى الذرية والنساء ، وقسم الأموال.

ثم رجع النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة فضرب أعناقهم (١) ، وكانوا ستمائة أو تسعمائة ، وقيل : ما بين الثمانمائة والسبعمائة. ثم قسم الأموال والسبايا واصطفى لنفسه ريحانة بنت شمعون (٢) ، فكانت في ملكه حتى مات (٣). ولم يستشهد في هذه الغزوة سوى خلاد بن سويد بن ثعلبة (٤) ألقت عليه امرأة من بني قريظة رمحا شدقت رأسه فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، «له أجر شهيدين» (٥) وقتلها بها.

ثم دخلت السنة السادسة من الهجرة وفيها في شعبان كانت غزوة بني المصطلق ، وهي غزوة المريسيع (٦). وكان (٧) في جملة السبي جويرية (٨) بنت الحارث كان اسمها برة ، فسماها رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جويرية وكانت إحدى أزواجه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفيها كانت قصة الإفك (٩) فرميت السيدة أم المؤمنين عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، بالإفك مع صفوان بن المعطل. وكان صفوان حصورا لا يأتي النساء والقصة مشهورة في الحديث الشريف ، فيها نزلت آية التيمم. وفيها كانت غزوة الحديبية (١٠) وهي أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خرج من المدينة في ذي القعدة سنة ست معتمرا لا يريد حربا ، وساق الهدي وأحرم بالعمرة ، وسار حتى وصل إلى ثنية المرار (١١) مهبط الحديبية أسفل مكة والحديبية بئر. ووقع من معجزاته نبع الماء في ذلك المكان.

وتأهبت قريش للقتال ، وبعثوا رسولهم إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبعث رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عثمان بن عفان إليهم يعلمهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا ومعظما لهذا البيت (١٢). فلما وصل إليهم أمسكوه وحبسوه. وبلغ رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن عثمان (١٣)

__________________

(١) فضرب أعناقهم أ : وضرب أعناقهم ب ج د : وضرب رقابهم ه.

(٢) ينظر ترجمتها في : ابن سعد ٨ / ١٠٢ ؛ ابن القيم ١ / ٢٩.

(٣) ينظر : ابن سعد ٣ / ٤٠١ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٩٠.

(٤) حتى مات أ ب ج د : إلى أن مات ه / / ابن سويد أ ه ابن سعد : بن زيد ب ج د.

(٥) ينظر : ابن هشام ٣ / ١٥٦.

(٦) المريسيع : ماء لخزاعة وعن غزوة بني المصطلق ، ينظر : ابن هشام ٣ / ١٨٢ ؛ ابن سعد ٢ / ٣ ؛ ابن حبان ، السير ٢٥٣.

(٧) وكان أ ب ج د : وكانت ه.

(٨) ينظر ترجمتها : ابن سعد ٨ / ٩٢ ؛ ابن القيم ، زاد المعاد ١ / ٢٧ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٤ / ٢٦٥.

(٩) ينظر : ابن هشام ٣ / ١٨٧ ـ ١٩٦ ؛ ابن حبان ، السيرة ٢٥٤.

(١٠) الحديبية : اسم بئر قريبة من مكة وطريق جدة ، ينظر : الحميري ١٩٠.

(١١) ثنية المرار ابن هشام ابن حبان البستي : ثنية المزار أ ج ه : ثنية الزمار ب د.

(١٢) ينظر : ابن هشام ٣ / ١٩٩ ؛ ابن حبان ، السيرة ٢٨٢.

(١٣) أن عثمان قتل أ ج ه : قتله ب د.

٣١٥

قتل ، فدعا الناس إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان (١) تحت الشجرة ، فبايع الناس على الموت ، ثم أتاه الخبر أن عثمان لم يقتل.

ثم وقع الصلح بين رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبين قريش. فإنهم بعثوا سهيل بن عمرو (٢) في الصلح ، فأجاب (٣) النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم دعا علي بن أبي طالب فقال : «أكتب بسم الله الرحمن الرحيم» ، فقال سهيل : لا أعرف هذا ولكن أكتب باسمك اللهم ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اكتب باسمك اللهم» ، ثم قال : «اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله» ، فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولكن اسمك واسم أبيك ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عن الناس عشر سنين ، وإنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه» ، وأشهدوا في الكتاب على الصلح رجالا من المسلمين والمشركين ، ولما فرغ رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من ذلك نحر هدية وحلق رأسه وفعل الناس كذلك ، ثم عاد إلى المدينة حتى إذا كان بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً)(٤) ، ودخل في الإسلام في هذه السنة مثل ما دخل فيه قبل ذلك وأكثر ، والقصة مبسوطة (٥) ولكن المراد هنا الاختصار (٦).

ثم دخلت السنة السابعة من الهجرة ، وفيها كانت غزوة ذي قرد ، وذو قرد : موضع على ميلين من المدينة على طريق خيبر (٧) ، وهي الغزوة التي أغاروا (٨) فيها على لقاح النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قبل خيبر بثلاث.

وفيها كانت غزوة خيبر في منتصف المحرم. سار النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى خيبر وهي على ثمان برد من المدينة وأشرف (٩) عليها وقال لأصحابه : قفوا ثم قال : «اللهم رب

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٣ / ٢٠٢.

(٢) ينظر : ابن حبان ، تاريخ ١٢٢ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢٨٤.

(٣) فأجاب ب ج د ه : وأجاب أ.

(٤) الفتح : [١].

(٥) والقصة مبسوطة ب ج د ه : والقصة مشهورة أ.

(٦) عن صلح الحديبية : ينظر : ابن هشام ٣ / ٢٠٣ ؛ ابن سعد ٢ / ٧٢ ؛ ابن حبان السيرة ٢٨٤.

(٧) خيبر : الموضع الذي غزاه النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ثمانية برد من المدينة من جهة الشام وكان بها سبعة حصون لليهود وحولها مزارع ونخل ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨٨ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٤٩٤ ؛ الحميري ٢٢٨.

(٨) أغاروا ب ج د ه : غاروا أ.

(٩) وأشرف أ ه : فأشرف ب ج د.

٣١٦

السماوات وما أظللن ، ورب الأرضين ما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما ذرين ، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها / / وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله» (١).

ونزل على خيبر ليلا ولم يعلم أهلها. فلما أصبحوا خرجوا إلى عملهم (٢) ، فلما رأوه عادوا وقالوا : محمد والخميس ـ يعنون الجيش ـ فقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الله أكبر خربت خيبر إنا إذا أنزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» (٣). ثم حاصرهم وضيق عليهم وأخذ الأموال وفتح الحصون ، وأصاب سبايا منهن صفية بنت حيي (٤) فاصطفاها رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لنفسه وتزوجها جعل عتقها صداقها. وهذا مذهب الإمام أحمد ، رضي‌الله‌عنه ، وهي (٥) من مفردات مذهبه ، وكان علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، قد تخلف بالمدينة لرمد لحقه ، فلما أصبحوا جاء علي فتفل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في عينيه (٦) ، فما اشتكى رمدا بعدها ، ثم أعطاه الراية فنهض بها وأتى خيبر. فأشرف عليه رجل من يهود خيبر وقال : من أنت؟ فقال : أنا علي بن أبي طالب ، فقال اليهودي : غلبتم يا معشر اليهود فخرج مرحب من الحصن وعليه مغفر يماني وعلى رأسه بيضة عادية وهو يقول :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرّب (٧)

أطعن أحيانا وحينا أضرب

إذا الليوث أقبلت تلتهب (٨)

فخرج إليه علي ، رضي‌الله‌عنه ، وهو يقول :

أنا الذي سمتني أمي حيدرة

أكيلكم بالسيف كيل السندرة (٩)

ليث بغابات شديد قسورة (١٠)

واختلف بينهما ضربتان فسبقه علي ، رضي‌الله‌عنه ، فقد البيضة والمغفر ورأسه فسقط عدو الله ميتا. وكان فتح خيبر في صفر على

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٣ / ٢١٢.

(٢) إلى عملهم أ ج ه : إلى عمالهم ب د.

(٣) ينظر : ابن هشام ٣ / ٢١٢ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٠٠.

(٤) ينظر ترجمتها : ابن هشام ٣ / ٢١٧ ؛ ابن سعد ٨ / ٩٥ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٣٩.

(٥) وهي أ ه : وهو ب ج : وهذا د.

(٦) عينيه أ ب ج د : عينتيه ه.

(٧) شاكي ب ج د ه : شاك أ.

(٨) ينظر : ابن هشام ٣ / ٢١٦.

(٩) أكيلكم ب د ه : أكيلهم أ ج.

(١٠) ينظر : ابن هشام ٣ / ٢١٤ ـ ٢١٥ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ١٧٥.

٣١٧

يد (١) علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه. ثم انصرف رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى وادي القرى (٢) فحصره (٣) ليلة وفتحه عنوة ، ثم سار إلى المدينة. وكان قد كتب إلى النجاشي يطلب منه بقية المهاجرين ويخطب أم حبيبة (٤) بنت أبي سفيان. فزوجها للنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ابن عمها خالد بن سعيد (٥) ، وأصدقها النجاشي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أربعمائة دينار.

وفي غزوة خيبر أهديت للنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الشاة المسمومة ، فأخذ منها قطعة ولاكها ، ثم لفظها وقال : «تخبرني هذه الشاة أنها مسمومة» (٦) ، ثم بعد غزوة خيبر كانت غزوة ذات الرقاع (٧) فتقارب (٨) الناس ولم يكن بينهم حرب. وقال أبو موسى (٩) : سميت غزوة ذات الرقاع ، لما كنا نعصب بالخرق (١٠) على أرجلنا (١١). وفي هذه السنة أرسل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رسله (١٢) إلى الملوك. فأرسل إلى كسرى ، فمزق كتاب النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما بلغه ذلك قال : «مزق الله ملكه» (١٣) ، فسلط الله عليه ابنه شيرويه (١٤) فقتله.

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٣ / ٢١٤.

(٢) وادي القرى : واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة ، كثير القرى ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١٤١٧ ؛ الحميري ٦٠٢.

(٣) فحصره أ ج ه : فحاصره ب د.

(٤) أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية زوج النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٦٢٢ ؛ ابن سعد ٨ / ٧٦ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٠٣ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٤ / ٣٠٥.

(٥) خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، قتل يوم أجنادين سنة ١٣ ه‍ / ٦٣٤ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٤٨ ؛ ابن سعد ٤ / ٧٠ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٨٦ ؛ ابن حجر ، الإصابة ١ / ٤٠٦.

(٦) ينظر : ابن حبان ، السيرة ٣٠٥.

(٧) ينظر : ابن القيم ، زاد ٢ / ١١٠.

(٨) فتقارب أ ج ه : فتفارق ب د.

(٩) أبو موسى الأشعري : عبد الله بن قيس بن وهب الأشعري ، ولي الكوفة والبصرة وهو من رواة حديث رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، توفي سنة ٤٤ ه‍ / ٦٦٤ م ، وقيل : سنة ٥٠ ه‍ / ٦٧٠ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٢٦ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٥٤ ؛ ابن عبد البر ٢ / ٣٦٣ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٣٥٩.

(١٠) نعصب بالخرق أ ه : نعصب من الخرق ب ج د.

(١١) ينظر : ابن القيم ٢ / ١١٠.

(١٢) رسله أ ج ه : كتبه د : ـ ب / / إلى الملوك أ ج ه : إلى ملوك الأرض / / ب فأرسل أ ج د ه : وأرسل ب.

(١٣) ينظر : ابن سعد ٢ / ٢٣.

(١٤) شيرويه أ ج ه : برويز ب د.

٣١٨

وأرسل إلى قيصر ـ وهو هرقل ـ وكان إذ ذاك ببيت المقدس فإنه مشى من حمص (١) إلى إيلياء شكرا لما كشف الله عنه جنود فارس. وكان على الصخرة مزبلة قد حاذت محراب داود (٢) مما ألقته النصارى عليها مضارة لليهود ، حتى كانت المرأة تبعث بخرق حيضها من رومية فتلقى عليها. فلما قرأ قيصر كتاب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : إنكم يا معشر الروم لحقيق (٣) أن تقتلوا ، على هذه المزبلة بما انتهكتم من حرمة هذا المسجد كما قتلت بنو إسرائيل على دم يحيى بن زكريا ، عليهما‌السلام ، فأمر بكشفها ، فأخذوا في ذلك ، فقدم المسلمون الشام ولم يكشفوا منها إلا ثلثها.

فلما قدم عمر ، رضي‌الله‌عنه ، بيت المقدس وفتحه ورأى ما عليها من المزبلة ، أعظم ذلك ، فأمر بكشفها وسخر لها أنباط فلسطين (٤) ، وأكرم هرقل قاصد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو دحية الكلبي (٥) ، ووضع كتاب النبي (٦) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على فخذه وقصد أن يسلم فمنعه بطارقته ، فخاف على نفسه واعتذر ورد دحية ردا جميلا.

وأرسل إلى المقوقس ـ صاحب مصر ـ فأكرم القاصد وقبل كتاب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأهدى إليه أربع جوار (٧) إحداهن مارية أم ولده إبراهيم ، وأهدى إليه بغلته دلدل وحماره يعفور وكسوة (٨). وأرسل إلى النجاشي بالحبشة فقبل كتاب النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وآمن به واتبعه وأسلم (٩).

وأرسل إلى الحارث الغساني بدمشق. فلما قرأ الكتاب قال : ها أنا سائر إليه ، فلما بلغ رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قوله (١٠)(١١) قال : «باد ملكه» (١٢).

__________________

(١) حمص : مدينة في الشام قرب نهر العاصي جنوب حماة ومن آثارها الشهيرة جامع خالد بن الوليد ويعتقد أن القائد الفاتح توفي ودفن فيها ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ؛ البكري ٢ / ٤٦٨ ؛ القزويني ١٨٤ ؛ التطيلي ١٢٠ ؛ شيخ الربوة ٢٦٩ ؛ الحميري ١٩٨.

(٢) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٣٧.

(٣) لحقيق ب ج د ه : لخليق أ.

(٤) ينظر : السيوطي ، إتحاف ٢٣٨.

(٥) دحية بن خليفة بن فردة بن نضالة ... الكلبي مات في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، ينظر : ابن سعد ٤ / ١٨٨ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٩٤ ؛ ابن حجر ، الإصابة ١ / ٤٧٣.

(٦) كتاب النبي ب د : كتاب رسول الله أ ج ه.

(٧) أربع جوار أ ج ه : أربع جواري ب د.

(٨) ينظر : ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٧١٧ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٣٠.

(٩) ينظر : ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٧٣٥ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٣٠.

(١٠) أي قول الحارث الغساني : من ينزع مني ملكي؟! ينظر : ابن القيم ، زاد ١ / ٣٠ ؛ المباركفوري ٣٤٥.

(١١) قوله أ ج د ه : ـ ب.

(١٢) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٤٤.

٣١٩

وأرسل / / إلى هوذة ملك اليمامة (١) وكان نصرانيا. فقال : إن جعل الأمر لي من بعده سرت إليه وأسلمت ونصرته وإلا قصدت حربه. فقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا» ، ولا كرامة اللهم اكفنيه» (٢) فمات بعد قليل.

وأرسل إلى المنذر ملك البحرين (٣) فأسلم ، وأسلم جميع العرب بالبحرين.

عمرة القضاء (٤)

ثم خرج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في ذي القعدة سنة سبع معتمرا عمرة القضاء وساق معه (٥) سبعين بدنة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام. فلما كتبوا الكتاب (٦) ، كتبوا هذا ما قضى عليه محمد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالوا (٧) : لا نقر بهذا ، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا ، ولكن أنت محمد بن عبد الله ، فقال : أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله.

ثم قال لعلي : امح رسول الله. فقال علي : لا والله (٨) لا أمحوك أبدا. فأخذ رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الكتاب ـ وليس يحسن أن يكتب ـ فكتب : «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله : لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب وأنه لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها».

فلما دخل المسجد اضطجع بردائه ، ورمل في أربعة أشواط من الطواف ، ثم خرج إلى الصفا والمروة فسعى بينهما وتزوج في سفره هذا ميمونة بنت الحارث (٩) ـ وهو محرم ـ وهذا من خصائصه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهي آخر امرأة تزوجها. وأقام بها ، ثلاثا فأرسل المشركون إليه مع علي بن أبي طالب : ليخرج عنهم ، فخرج وبنى (١٠)

__________________

(١) اليمامة : ناحية بين الحجاز واليمن مشهورة بالنخل ، كانت في القديم منزل طسم وجديس ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١٤٨٣ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٩٦ ؛ الحميري ٦١٩ ؛ القرماني ٣ / ٥٠٦.

(٢) يروي ابن سيد الناس وابن القيم أن الرسول قال : لو سألني سبابة من الأرض ما فعلت ، باد وباد ما في يديه ، ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٤٢ ابن القيم ، زاد ١ / ٣٠ ؛ المباركفوري ٣٤٤.

(٣) البحرين : اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان من جزيرة العرب ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ١٦٧ ؛ الحميري ٨٢ ؛ القرماني ٣ / ٣٢٦.

(٤) ينظر : ابن خياط ، تاريخ ٥١ ؛ البخاري ، الجامع ، باب عمرة القضاء ؛ الندوي ٣٦٣.

(٥) وساق معه سبعين بدنة أ ب د : وساق معه الهدي سبعين بدنة ج ه.

(٦) كتبوا الكتاب ب ج ه : ـ أ د.

(٧) قالوا أ ب ج د : وقالوا ه.

(٨) لا والله أ ج د ه : ـ ب.

(٩) الحارث ب ج د ه : الحرث أ.

(١٠) وبنى أ ج ه : ـ ب د.

٣٢٠