الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

مجير الدين الحنبلي العليمي

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

المؤلف:

مجير الدين الحنبلي العليمي


المحقق: عدنان يونس عبد المجيد أبو تبّانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

وكان قبل ذلك في سنة إحدى عشرة خلت من ملكه سارت أمه هيلانة ، المتقدم ذكرها ، إلى القدس في طلب خشبة المسيح (١) التي تزعم النصارى أن المسيح صلب عليها ، ولما وصلت إلى القدس أخرجت خشبة الصليب ، وأقامت لذلك عيد الصليب ، وبنت كنيسة قمامة (٢) على القبر الذي تزعم النصارى أن عيسى دفن فيه (٣) ، وبنت المكان المقابل لقمامة (٤) المعروف (٥) يومئذ بالدركاه ، وكنيسة بيت لحم والكنيسة بطور زيتا بمصعد سيدنا عيسى ، عليه‌السلام (٦) ، وكنيسة الجيسمانية التي بها قبر مريم ، عليها‌السلام ، وغير ذلك ، وخربت هيكل بيت المقدس إلى الأرض وهو الذي كان في المسجد ، وأمرت أن يلقى في موضعه قمامات البلد وزبالته (٧) ، فصار موضع الصخرة الشريفة (٨) مزبلة.

وبقي الحال على ذلك حتى قدم عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، وفتح بيت المقدس الشريف (٩) على ما سنذكره عند ذكر الفتح العمري إن شاء الله تعالى. قال المشرّف عن كعب قال : كانت قبة صخرة بيت المقدس طولها في السماء اثني عشر ميلا (١٠) وكان أهل أريحا وعمواس يستظلون بظلها ، وكان عليها ياقوتة تضيء بالليل كضوء الشمس ، فإذا كان النهار طمس الله ضوءها ، فلم تزل كذلك حتى أتت الروم فغلبوا عليها. فلما صارت في أيديهم قالوا : تعالوا نبني عليها أفضل من البناء الذي كان عليها فبنوا عليها على قدر طولها في السماء وزخرفوه بالذهب والفضة. فلما فرغوا من البناء دخله سبعون ألفا من الرهبان (١١) وشمامسهم في أيديهم مجامر الذهب والفضة وأشركوا فيها فانقلبت عليهم فما خرج منهم أحد.

فلما رأى ملك الروم ذلك جمع البطارقة والشمامسة ورؤساء الروم فقال لهم :

__________________

(١) المسيح أ ج ه : عيسى عليه‌السلام ب : شبيهه المسيح د.

(٢) هي كنيسة القيامة ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ، ١ / ١٨٩.

(٣) ينظر : المسعودي ١ / ٣١٧ ، ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٩.

(٤) لقمامة أ ج د ه : للقمامة ب.

(٥) المعروف ب ج د ه : المعروفة أ / / بالدركاه ب ج د ه : الزردكانه أ.

(٦) عليه‌السلام ب ج د ه : ـ أ.

(٧) وزبالته أ ب د : زبالاتها ج ه.

(٨) الشريفة ب : ـ أ ج د ه.

(٩) الشريف ب : ـ أ ج د ه.

(١٠) هذا العلو للسماء من المستحيلات في هذا العصر وهذا القول ينفيه ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد ، ينظر : ابن عبد ربه ، العقد ٦ / ٢٦٣.

(١١) الرهبان أ : رهبانهم ب ج د ه.

٢٨١

ما ترون؟ قالوا : نرى أنا لم نرض إلهنا ، فلذلك (١) لم يقبل بناءه ، قال : فأمر (٢) به الثانية فبنوها وأضعفوا فيها النفقة ودخلوها سبعين ألفا مثل ما دخلوا أول مرة ، ففعلوا كفعلهم. فلما أشركوا انقلبت عليهم. ولم يكن الملك معهم ، فلما رأى (٣) ذلك جمعهم ثالثة وقال لهم : ما ترون؟ قالوا : لم نرض ربنا كما ينبغي فلذلك خربت ونحب أن تبنى ثالثة ، فبنوا الثالثة حتى إذا رأوا أنهم قد أتقنوها وفرغوا منها جمع النصارى وقال : هل ترون من العيب شيئا؟ قالوا : لا ، فكلها بصليب الذهب والفضة ، ثم دخلها قوم قد اغتسلوا وتطيبوا ، فلما دخلوا أشركوا كما أشرك أصحابهم فخرت عليهم ثالثة ، فجمعهم ملكهم رابعة واستشارهم ، وكثر خوضهم في ذلك.

فبينما هم على ذلك إذ أقبل عليهم شيخ كبير عليه برانس سود وعمامة سوداء قد انحنى ظهره يتوكأ على عصا (٤) وقال : يا معشر النصارى إلىّ فإني أكبركم سنا وقد خرجت من متعبدي لأخبركم الموضع الذي بنوا فيه كنيسة القمامة ـ وأنا أريكم الموضع إن هذا المكان قد لعن أصحابه وأن القدس قد نزع وتحول إلى هذا الموضع ـ وأشار إلى الموضع الذي بنوا فيه كنيسة القمامة وأنا أريكم الموضع ولستم تروني بعد هذا اليوم أبدا اقبلوا (٥) مني ما أقول لكم وأغواهم وزادهم طغيانا [٤١ / أ] وأمرهم / / أن يقلعوا الصخرة ويبنوا بحجارتها الموضع الذي أمرهم به ، فبينما هو يكلمهم ويقول لهم ذلك إذ خفي فلم يروه وازدادوا كفرا وقالوا فيه قولا عظيما ، فخربوا المسجد (٦) ، وحملوا العمد وغيرها وبنوا بها كنيستهم الكنيسة التي في وادي جهنم (٧). وقال لهم : إذا فرغتم من هذه فأفرغوه واتخذوه مزبلة لعذراتكم. ففعلوا ذلك حتى كانت المرأة الحائض (٨) تطرح خرق حيضها عليه من القسطنطينية.

واكبوا على ذلك حتى بعث الله محمدا ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسري به إليها (٩) وذكر فضلها. حكى ذلك صاحب (مثير الغرام) وقال (١٠) : وقد تقدم إن بخت نصر هو

__________________

(١) فلذلك لم يقبل بناءه ب ج د ه : فلذلك خربت أ.

(٢) قال فأمر ... ولم يكن الملك معهم ب ج د ه : أ.

(٣) فلما رأى ... فبنوا الثالثة ب ج د ه : أ / / ثالثة أ ج ه : الثالثة ب : ـ د.

(٤) عصا ب ج د ه : عصى أ.

(٥) اقبلوا أ ب : فاقبلوا ج ه : د.

(٦) فخربوا المسجد أ ج ه : فخربوا بيت المقدس ب : ـ د : فخربوا المسجد مثير الغرام.

(٧) وادي جهنم : الوادي الذي خارج أسوار مدينة القدس من جهة الشرق ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٤١٣.

(٨) الحائض أ : ـ ب ج د ه.

(٩) ذكر هذا الخبر بطوله السيوطي ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٠.

(١٠) ينظر : المقدسي ، مثير ١٥٢.

٢٨٢

الذي خرب عمارة سليمان ، وهذا الذي رواه المشرف عن كعب الأحبار يقتضي أن الذي خرب عمارة سليمان وتغلب عليها إنما هم الروم ، وهذا غير مستقيم اللهم إلا أن نجعل ملك الفرس المتقدم الباني لها بعد تخريب بخت نصر بناء المكان على نعت بناء سليمان ، عليه‌السلام (١).

قصة الفيل (٢)

وهي أن الحبشة ملكوا اليمن بعد حمير (٣) ، فلما صار الملك إلى أبرهة (٤) منهم بنى كنيسة عظيمة وقصد أن يصرف حج العرب إليها ويبطل الكعبة الحرام. فجاء شخص من العرب وأحدث في تلك الكنيسة ، فغضب أبرهة لذلك وسار بجيشه ومعه الفيل ، وقد (٥) كان معه ثلاثة عشر فيلا لهدم الكعبة. فلما وصل إلى الطائف (٦) بعث الأسود بن مقصود إلى مكة (٧) فساق أموالها (٨) وأحضرها إلى أبرهة ، وأرسل أبرهة إلى قريش وقال لهم : لست أقصد الحرب بل جئت لأهدم الكعبة (٩).

فقال عبد المطلب : والله ما نريد حربه ، هذا بيت الله فإن منع عنه فهو بيته وحرمه ، وإن خلى بينه وبينه فو الله ما عندنا من دفع (١٠)(١١). ثم انطلق مع رسول أبرهة إليه. فلما استأذن عبد المطلب ، قالوا لأبرهة : هذا سيد قريش ، فأذن له أبرهة وأكرمه ونزل عن سريره وجلس معه وسأله عن حاجته ، فذكر عبد المطلب أباعره التي أخذت له فقال له أبرهة : إني كنت أظن أنك تطلب مني أن لا أخرب

__________________

(١) السلام أ ج ه : + والله سبحانه وتعالى أعلم ب : ـ د.

(٢) ينظر : القرآن الكريم ، سورة الفيل.

(٣) ينظر : ابن هشام ، سيرة ١ / ٣١ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٧٠ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٤ ؛ العسكري ، الأوائل ١٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٦٠ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٦٩.

(٤) أبرهة بن الأشرم : وتسمى الكنيسة بالقليس بناها في صنعاء ، ينظر : ابن هشام ١ / ٣٧ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٧٠ ؛ ابن حيان ، السيرة ٣٤ ؛ العسكري ، الأوائل ١٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٦٠ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٧٠.

(٥) وقد أ : وقيل ب ج ه : ـ د / / لهدم الكعبة ب ج ه : وقصد هدم الكعبة د.

(٦) الطائف : ناحية ذات نخيل وأعناب ومزارع وأودية وهي على ظهر جبل غزوان ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٩٥ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٧٧ ؛ الحميري ٣٧٩.

(٧) ينظر : ابن هشام ١ / ٤٣ ؛ الأزرقي ١٠٧ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٧١.

(٨) أموالها أ : أموال أهلها ب ج د ه / / وأرسل أبرهة إلى قريش أ ب ج د : ـ ه / / قال لهم أ ب : فقال لهم ج ه : يقول لهم د.

(٩) لأهدم الكعبة ب ج د ه : لهدم الكعبة أ.

(١٠) ينظر : ابن هشام ١ / ٤٣ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٧٥ ؛ ابن حبان ، سيرة ٣٦ ؛ العسكري ، الأوائل ١٩ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٦١ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٧٢.

(١١) من دفع أ ج : دافع ب ه : مدافع د.

٢٨٣

الكعبة (١) التي هي دينك. فقال عبد المطلب : أنا رب الأباعر فأطلبها وللبيت رب يمنعه (٢) ، فأمر أبرهة برد الأباعر عليه ، فأخذها عبد المطلب وانصرف إلى قريش.

ولما قارب (٣) أبرهة مكة وتهيأ لدخولها بقي كلما أقبل فيله من مكة ينام ويرمي نفسه إلى الأرض ولم يسير ، فإذا قبلوه (٤) غير مكة قام يهرول ، وكان اسم الفيل محمودا (٥).

فبينما هم كذلك إذ أرسل الله عليهم طيرا أبابيل أمثال الخطاطيف (٦) مع كل طائر ثلاثة أحجار في منقاره ورجليه فقذفتهم بها ، وهي مثل الحمص والعدس ، فلم تصب منهم أحدا (٧) إلا هلك وليس كلهم أصابت (٨).

ثم أرسل الله تعالى سيلا فألقاهم في البحر والذي سلم منهم ولى هاربا مع أبرهة إلى اليمن يبتدر الطريق (٩) ، وصاروا يتساقطون بكل منهل وأصيب أبرهة في جسده ، وسقطت أعضاؤه ، ووصل إلى صنعاء كذلك ومات (١٠).

ولما جرى ذلك خرجت قريش إلى منازلهم وغنموا من أموالهم شيئا كثيرا ، فسبحان القادر على ما يشاء بعظمته (١١).

ذكر سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب رب

العالمين محمد النبي (١٢) البشير النذير الداعي إلى الله بإذنه والسراج

المنير ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورضوانه على أصحابه أجمعين

هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ١ / ٤٣ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٧٥ ؛ ابن حبان ، سيرة ٣٦.

(٢) أن لا أخرب أ ج ه : أني لا أخرب ب د.

(٣) ولما قارب أ ج ه : ولما قرب ب : ولما قدم د / / مكة ينام أ ب ج د : ـ ه.

(٤) قبلوه أ ب ج : وإذا وجهوه د ه.

(٥) ينظر : ابن هشام ١ / ٤٦ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٦٢ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٧٣.

(٦) ينظر : ابن هشام ١ / ٤٧ ؛ والخطاطيف نوع من الطيور.

(٧) فلم تصب منهم أحد ب ج د ه : فلم يبق أحد منهم أ.

(٨) ينظر : ابن هشام ١ / ٤٧ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٨ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٧٧ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٧٣.

(٩) يبتدر الطريق أ ج د ه : يستبدل الطريق ب.

(١٠) ينظر : ابن هشام ١ / ٢٤٨ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٩ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٧٧ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٧٣.

(١١) فسبحان القادر على ما يشاء وبعظمته أ ج ه : والله أعلم ب د.

(١٢) محمد النبي أ ج هت : ـ ب د / / والسراج المنير ب ج د ه : وسراجا منيرا أ / / صلى الله عليه ... أجمعين أ : ـ ب ج د ه.

٢٨٤

قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وفهر (١) المذكور هو قريش فكل من كان من ولده فهو قرشي ومن لم يكن من ولده فليس قرشيا ، وقيل : سمي قريشا لشدة شبهه بدابة من دواب البحر يقال لها : القرش تأكل دواب البحر وتقهرهم (٢).

وقيل : إن قصي بن كلاب لما استولى على البيت وجمع أشتات بني فهر ، سموا قريشا ، لأنه قرش بني فهر أي جمعهم حول الحرم فقيل لهم قريش (٣) وعلى يكون (٤) لفظ قريش اسما لبني فهر لا لفهر نفسه.

وفهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (٥) بن إلياس / / بن [٤١ / ب] مضر بن نزار بن معد بن عدنان (٦) ، هذا هو النسب (٧) المتفق على صحته من غير خلاف.

وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، عليهما‌السلام ، من غير خلاف ولكن الخلاف في عدة الآباء الذين بين عدنان وإسماعيل ، فعد بعضهم بينهما نحو أربعين رجلا وعدّ (٨) بعضهم سبعة والمختار أن : عدنان بن أدد بن اليسع بن الهميسع (٩) بن سلاط بن بتت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام (١٠) ، بن تارخ ، وهو آزر ، بن ناخور بن ساروع بن رعون (١١) بن فالغ بن عابر بن شالح بن قينان بن أفرشخذ بن سام بن نوح ، عليهما‌السلام ، بن لامخ ـ ويقال لامك ـ ابن متوشلح بن أخنوخ (١٢) ، وهو إدريس ، عليه‌السلام ، بن بارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ، عليه‌السلام (١٣).

__________________

(١) وفهر أ ه : ففهر ب ج د / / فكل من كان أ ج ه : وكل من كان ب د.

(٢) ينظر : القلقشندي ، نهاية الأرب ٣٥٦.

(٣) ينظر : ابن هشام ١ / ٨٧ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٢٨ ؛ القلقشندي ، نهاية الأرب ٣٥٧.

(٤) وعلى أ ج د : فعلى ب ه.

(٥) ابن مدركة ب ج د ه : بن مدرك أ.

(٦) ينظر : ابن حبان ، السيرة ٤٠ ؛ القرماني ١ / ٢٣٩.

(٧) النسب ب د : ـ أ ج ه.

(٨) وعد بعضهم ب ج د ه : وعند بعضهم أ.

(٩) ابن الهميسع ب ج د ه : بن الهميتع أ.

(١٠) عليه‌السلام أ ج د ه : ع ب.

(١١) ابن رعون أ ج ه : بن راعون ب : بن أرغون د / / شالح أ ج د ه : سالح ب.

(١٢) ابن أخنوخ ب ج د ه : بن خنوخ أ / / بن بارد ... قال علماء أ ب ج د : ـ ه.

(١٣) ينظر : السمعاني ١ / ١٣ ؛ ابن حبان ، السيرة ٤٢ ـ ٤٣ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٠.

٢٨٥

قال علماء السير : كانت آمنة (١) بنت وهب بن عبد مناف في حجر عمها وهيب (٢) ، فمشى إليه عبد المطلب بن هاشم بابنه عبد الله ، وخطب منه آمنة وعقد عليها نكاحه (٣) ، ودخل بها فحملت بسيد العالم وأشرف بني آدم.

ثم خرج عبد الله إلى الشام ، وعاد ، فمر بالمدينة وهو مريض ، فأقام عند أخواله بني عدي بن النجار مدة شهر ، وتوفي (٤) ودفن في دار النابغة ، وهو رجل من بني عدي بن النجار ، ورسول الله (٥) يومئذ ابن شهرين ، وقيل : كان حملا.

وولد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم الاثنين لعشر ليال خلون من ربيع الأول ، وقيل : لاثني عشر عام الفيل (٦). وكان قدوم أصحاب الفيل قبل ذلك في نصف المحرم. وتقدم ذكر (٧) قصتهم ، فبين الفيل وبين مولد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خمس وخمسون ليلة وهي سنة ستة آلاف ومائة وثلاث وستين سنة من هبوط آدم ، عليه‌السلام ، على حكم التوراة اليونانية المعتدة عند المؤرخين. وولد (٨) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مختونا مسرورا (٩) ففرح به عبد المطلب وحظي عنده وقال : ليكونن لا بني هذا شأن عظيم. فكان له شأن (١٠) وأي شأن صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وخلق من الأنبياء أربعة عشر مختونين (١١) وهم : آدم وشيث ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريا وعيسى (١٢) وحنظلة بن صفوان ، من أصحاب الرس ، ونبينا محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأولو العزم من الرسل خمسة وهم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٣) ، وقيل غير ذلك. وأول

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ١ / ١٤٤ ؛ ابن حبان ، السيرة ٤٤ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٧٠ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٢.

(٢) وهيب أ ب ج د : وهب ه.

(٣) عليها نكاحه ب : عليه نكاحها أ ج ه : نكاح ولده د.

(٤) ينظر : ابن هشام ١ / ١٤٧ ؛ ابن حبان ، السيرة ٤٩ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٣.

(٥) ورسول الله أ : + صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه.

(٦) ينظر : ابن هشام ١ / ١٤٦ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٤.

(٧) وتقدم ذكر قصتهم أ ج ه : وتقدمت قصتهم ب : وقصتهم قد تقدمت د / / فبين الفيل أ ج ه : وبين الفيل ب د.

(٨) وولد أ ج ه : ولد ب د.

(٩) ينظر : ابن سعد ١ / ٨٢ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ٣٧.

(١٠) فكان له شأن أ ج ه : وكان له شأن ب : وكان كما ذكر د.

(١١) ينظر : ابن الجوزي ، تلقيح ٦.

(١٢) وعيسى أ ج ه : ويحيى ب د.

(١٣) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... وأخرهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب : ـ أ ج د ه.

٢٨٦

الرسل ، عليهم‌السلام ، آدم ، وآخرهم محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن الأنبياء أربعة سريانيون وهم : آدم وشيث وأخنوخ ـ وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم ـ ونوح ، وأربعة من العرب هم : هود وشعيب وصالح ومحمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأول أنبياء بني إسرائيل : موسى ، وآخرهم : عيسى.

وأما أسماء رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهي ثلاثة وعشرون اسما : محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والمقفي ونبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملاحم والشاهد والمبشر (١) والنذير والضحوك والقتال والمتوكل والفاتح والأمين والخاتم والمصطفى والرسول والنبي والأمي (٢) والقثم (٣) ، قاله ابن الجوزي (٤)(٥) ، وذكر غيره أسماء كثيرة منها : طه ويس والمزمل والمدثر ، وله أسماء غير ذلك وفيما ذكرته كفاية طلبا للاختصار.

وأول من أرضعه (٦) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثويبة (٧) بلبن ابن لها يقال له مروح أياما ، وكانت أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب ، وهو (٨) عم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخوه من الرضاعة. ثم قدمت حليمة (٩) إلى مكة فأخذته ومضت به إلى بلادها وهي بادية بني سعد ، وأتاه الملكان (١٠) هناك فشقا بطنه واستخرجا علقة سوداء فطرحاها وغسلا بطنه بماء الثلج في طشت (١١) من ذهب. والقصة مشهورة ، فلما علمت حليمة بذلك رجعت (١٢) به إلى مكة لأهله وهو ابن خمس ،

__________________

(١) والمبشر أ ج د ه : البشير ب.

(٢) والأمي أ ج ه : الأمي ب : ـ د.

(٣) ينظر : في أسماء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ابن سعد ، الطبقات ١ / ٨٣ ؛ ابن الجوزي ، صفوة ١ / ١٨٥ ؛ ابن سيد الناس ٣٩ ـ ٤٠ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ١١ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٢٠ ـ ٢١.

(٤) ابن الجوزي : جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي ، علامة عصره في التاريخ والحديث ، كثير التصانيف ، مولده ووفاته في بغداد ، توفي سنة ٥٩٧ ه‍ / ١٠٢١ م ، ينظر : الذهبي ، تذكرة ٤ / ١١٤٣ ـ ١٣٤٨ ؛ اليافعي ٣ / ٤٨٨ ؛ الجابي ٤٠١.

(٥) ابن الجوزي أ ج ه : ابن الجزري ب : ـ د.

(٦) أرضعه أ ج ه : أرضعته ب د.

(٧) ينظر : ابن القيم ، زاد ١ / ١٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٢٧٣ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٤١.

(٨) وهو أ : فهو ب ج د ه.

(٩) ينظر : ابن هشام ١ / ١٤٨ ؛ ابن حبان ، السيرة ٥٤ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٧١ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ٣٨ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٤٢ ؛ القرماني ١ / ٢٤٢.

(١٠) ينظر : ابن هشام ١ / ١٤٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٧٣ ؛ القرماني ١ / ٢٤٣.

(١١) طشت أ ج ه : طست ب : ـ د.

(١٢) ينظر : ابن هشام ١ / ١٤٨ ؛ ابن حبان ، السيرة ٥٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٧٢ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٤٦.

٢٨٧

وتوفيت (١) أمه آمنة وله ست سنين.

ولما صار لرسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، اثني عشر سنة وشهران ارتحل به أبو طالب إلى الشام. فلما نزل ببصرى (٢) من أرض الشام وبها راهب يقال له بحيرا (٣) في صومعته ، فرأى رسول / / الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وغمامة تظله من بين القوم ، ورأى فيه إمارات النبوة ، وبشر به (٤) ، وقال لأبي طالب : إن لابن أخيك شأنا عظيما.

وشب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى بلغ ، وكان أعظم الناس مروءة وحلما ، وأحسنهم جوابا ، وأصدقهم حديثا ، وأعظمهم أمانة حتى صار اسمه في قومه الأمين (٥) ، لما جمع الله (٦) فيه الأمور الصالحة.

وفي سنة خمس وعشرين (٧) من مولده تزوج خديجة بنت خويلد ، رضي‌الله‌عنها ، ولها أربعون سنة ، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت ، ولم يتزوج بكرا غير عائشة.

وولدت له خديجة أولاده كلهم إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية (٨) ، ويأتي ذكر مولده ووفاته ، وبقية الأولاد (٩) من خديجة وهم : زينب (١٠) ورقية (١١) وأم كلثوم (١٢) وفاطمة الزهراء والقاسم (١٣) وبه كان يكنى ، توفي بمكة وله من العمر سنة ، والطاهر (١٤) وهو عبد الله توفي بمكة بعد النبوة قبل الهجرة ، والطيب (١٥) توفي بمكة.

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ١ / ١٥٥ ؛ ابن سعد ١ / ٩٣ ؛ ابن حبان ، السيرة ٥٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٧٥ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٢٧٩ ؛ القرماني ١ / ٢٤٧.

(٢) بصرى : وهي قصبة كورة حوران ، من أعمال دمشق ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢١٠.

(٣) ينظر : ابن هشام ١ / ١٦٥ ؛ ابن سعد ١ / ٩٦ ـ ٩٧ ؛ ابن حبان ، السيرة ٥٨ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٢٨٣ ؛ القرماني ١ / ٢٤٧.

(٤) وبشر به أ ج ه : بشر به ب : بشر بذلك د.

(٥) ينظر : ابن هشام ١ / ١٦٧ ؛ ابن سعد ١ / ٩٧ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٦٨٧.

(٦) الله ب ج د ه : ـ أ.

(٧) ينظر : ابن هشام ١ / ١٧١ ؛ ابن سعد ١ / ١٠٥ ؛ ابن حبان ، السيرة ٦٢ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٦٢.

(٨) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٣ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٩٠.

(٩) وبقية الأولاد أ ج ه : وبقية أولاده ب : ـ د.

(١٠) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٣ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٩٠.

(١١) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٤ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٢٥.

(١٢) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٤ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٢٥.

(١٣) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٣ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٠٥ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٢٥.

(١٤) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٣ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٦٥.

(١٥) والطيب توفي ... من الهجرة ب ج د ه : ـ أ.

٢٨٨

وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام ، فأسلمن وهاجرن معه ، فرقية ماتت في سنة اثنتين من الهجرة ، وزينب ماتت في سنة ثمان (١) من الهجرة ، وأم كلثوم ماتت بعد مرجع النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من حجة الوداع ، وفاطمة ماتت بعد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بستة أشهر (٢) ، وقيل : أقل من ذلك ، وروي : أن عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، أسقطت سقطا اسمه عبد الله.

وفي سنة خمس وثلاثين من مولده هدمت قريش الكعبة (٣) ، وكان سبب هدمها : أنها كانت قصيرة البناء فأرادوا رفعها وسقفها فهدموها ، ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الحجر الأسود فاختصموا فيه ، لأن كل قبيلة أرادت رفعه إلى موضعه. ثم اتفقوا على أن يحكموا أول من دخل باب الحرم ، فكان (٤) أول من دخل رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما رأوه قالوا : هذا الأمين رضينا به وأخبروه الخبر. فقال : «هلموا إليّ ثوبا» ، فأتي به ، فأخذ الحجر فوضعه فيه بيده ، ثم قال : «لتأخذ كل قبيلة بناحية (٥) من الثوب ثم ارفعوه جميعا» ، ففعلوا فلما بلغوا به موضعه وضعه بيده الشريفة (٦) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أتموا بناء الكعبة (٧) ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ذكر مبعثه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وابتداء الوحي إليه (٨)(٩)

بعث (١٠) رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونزل عليه الوحي وهو ابن أربعين سنة ، وكان يوم الاثنين لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان ، وأول ما بدىء (١١) به من الوحي الرؤيا الصالحة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح (١٢) ، ثم حبب إليه الخلاء.

__________________

(١) ٨ ه‍ / ٦٢٩ م.

(٢) ينظر : ابن القيم ، زاد ١ / ٢٥.

(٣) ينظر : ابن هشام ١ / ١٧٨ ؛ ابن سعد ، طبقات ١ / ١١٦ ؛ الطبري ٢ / ٢٨٣.

(٤) فكان أ ج د ه : وكان ب / / من دخل أ : أول داخل ب ج د ه.

(٥) بناحية أ ج د ه : ناحية ب.

(٦) الشريفة ب د ه : ـ أ ج.

(٧) ينظر : ابن هشام ١ / ١٨٢ ؛ ابن سعد ، طبقات ١ / ١١٧ ؛ الطبري ٢ / ٢٩٠ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٦٥.

(٨) ينظر : ابن هشام ١ / ٢١٨ ؛ ابن سعد ، طبقات ١ / ١١٨ ؛ الطبري ٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩٣ ؛ ابن حبان ٦٤ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٠١ ـ ١٠٢.

(٩) وابتداء الوحي إليه ب ج د : ـ أ ه.

(١٠) بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونزل ب ج د ه : ـ أ.

(١١) بدىء أ ج د ه : بدأ ب.

(١٢) ينظر : ابن سعد ، طبقات ١ / ١٥٢ ؛ ابن حبان ؛ السيرة ٦٤ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٠٤.

٢٨٩

وكان يخلو بغار حراء (١) ، فيتعبد فيه ، فجاءه الملك وأقرأه كما في الحديث الشريف والقصة مشهورة.

فعاد إلى خديجة وأخبرها الخبر (٢) ، فانطلقت به حتى أتت ورقة بن نوفل (٣) ، فأخبرته خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل (٤) الله على موسى يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أو مخرجي هم؟» قال : نعم لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي وإن أدركني (٥) يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم يلبث ورقة أن توفي. وفتر الوحي.

ثم كان أول ما نزل عليه القرآن بعد : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(٦) ، (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) (١) (٧) ، (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١) (٨) ، (وَالضُّحى) (١) (٩). وأول من آمن به من النساء خديجة زوجته. ثم أول شيء فرض الله عليه من شرائع الإسلام بعد الإقرار بالتوحيد والبراءة من الأوثان ، الصلاة ، أتاه جبريل فعلمه الوضوء والصلاة ، ورميت الشياطين بالشهب (١٠) لمبعثه ، وأسلم علي بن أبي طالب ، وكان عمره إحدى عشرة سنة ، ثم زيد بن حارثة ، ثم أسلم أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، وقيل : إنه أول من أسلم ، وأسلم على يده عثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم إلى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأسلموا وصلوا ، وكان هؤلاء النفرهم الذين سبقوا إلى الإسلام فأسلم بعدهم من أسلم.

وأمر الله سبحانه وتعالى نبيه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعد مبعثه بثلاث سنين أن يصدع بما يؤمر ، وأن يظهر دعوته ، وكان قبل ذلك في السنين الثلاث مستترا بدعوته لا يظهرها إلا لمن يثق (١١) إليه ، وكان أصحابه إذا أرادوا الصلاة ذهبوا إلى الشعاب فاستخفوا.

__________________

(١) وكان يخلو بغار حراء أ ب ج د : وكان يجاور بغار حراء ه.

(٢) ينظر : ابن سيد الناس ١ / ١٠٤.

(٣) ورقة بن نوفل : أحد حنفاء قريش الذين اتبعوا دين إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، ثم تنصر وأصبح من العلماء فيها ، ثم أسلم وهاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى النصرانية ومات عليها ، ينظر : ابن هشام ١ / ٢٠٥ ؛ ابن حبان ، السيرة ٦٥ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٠٥.

(٤) أنزل أ ب ج د : أنزله ب.

(٥) وإن أدركني أ : وإن يدركني ب ج د ه.

(٦) العلق : [١].

(٧) القلم : [١].

(٨) المدثر : [١].

(٩) الضحى : [١].

(١٠) بالشهب ب ج د : بالشهاب أ : بالشهيب ه.

(١١) يثق أ ه : إلا إلى من يثق ب ج د.

٢٩٠

ثم إن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، صدع بأمر الله تعالى (١) ، وأمر قومه بالإسلام ، فكان المشركون يحصل منهم الضرر للمستضعفين من المسلمين / / فمن لا عشيرة له تمنعه يعذبونه بإلقائه في الرمضاء على ظهره وقت الظهيرة ، وبإلقاء الصخرة العظيمة على صدره ويقال له : لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى ، وكانوا يفعلون بهم غير ذلك من أنواع التعذيب ، ومن المسلمين من مات من فعل المشركين ، وكان بعض المشركين يؤذي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويستهزىء به. ثم أسلم حمزة على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فعرفت قريش أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد عز وامتنع فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه. ثم أسلم عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، فأعز الله بإسلامه وقال : يا رسول الله ألسنا على الحق؟ قال : «أي والذي بعثني بالحق نبيا» (٢) ، قال : أما والذي بعثك بالحق نبيا لا يعبد الله بعد اليوم سرا (٣) فأظهر الله الدين بإيمانه (٤).

الهجرة الأولى (٥)

لما رأى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ما يصيب أصحابه من البلاء أمرهم بالخروج (٦) إلى أرض الحبشة ، فخرج جماعة منهم : عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقدموا على النجاشي (٧) وكان ملكا عادلا اسمه أصحمة ومعناه بالعربي (٨) : عطية ، فأكرمهم وأقاموا عنده بخير ، ثم أسلم النجاشي بعد ذلك.

وكان السبب (٩) في ولايته عليهم بعد قتل أمير الحبشة : أن أباه كان أميرا عليهم فكرهوه ، وكان له أخ فقصدوا ولايته عليه بعد قتل أخيه فقتلوه ، وقصدوا قتل النجاشي فقال لهم عمه : أنتم قتلتم أباه وتقتلوه ، أخرجوه من بلادكم. فأخذوه إلى البحر فرأوا سفينة فباعوه ورجعوا إلى بلادهم فوجدوا عمه مات ، فقالوا : ذلك من خطيئة النجاشي فأدركوه وأتوا به ليكون أميرا مكان أبيه فجاءوا به أميرا مكان أبيه ،

__________________

(١) بأمر الله ب ج د ه : بما أمر الله أ / / وأمر قومه ب ج د ه : فأمر قومه أ.

(٢) نبيا أ ج د ه : ـ ب.

(٣) سرا أ ج د : إلا جهرا ب ه.

(٤) ينظر : ابن هشام ، السيرة ١ / ٢٧٩.

(٥) ينظر : ابن هشام ١ / ٢٨٠ ؛ ابن حبان ، السيرة ٨١ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٤٣ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٢٤.

(٦) بالخروج أ ج د ه : إلا جهرا ب ه.

(٧) ينظر : ابن هشام ١ / ٢٨٠ ؛ السيرة ٨١ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٤٧.

(٨) بالعربي أ ج د ه : بالعربية ب.

(٩) وكان السبب ... إلى أوطانهم ب د : ـ أ ج ه.

٢٩١

فأول ما حكم أن الذين اشتروه قالوا : إن هؤلاء باعونا عبدا وأخذوه منا ، فقال لهم : إما أن تعطوهم ما أخذتم منهم وإما أن تسلموهم عبدهم ، فهذا أول حكمه فيهم ، ثم بعد ذلك وقع من الحبشة تعصب على أصحاب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا له : إن هؤلاء لهم دين غير ديننا. فأرسل وراءهم وقال لهم : ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقالوا : نؤمن به ونصدقه فيما جاء به ، فقال للحبشة : ما تقولون في نبيهم؟ فلم يؤمنوا به ، فقال لهم : هؤلاء يؤمنون بنبيكم وأنتم لا تؤمنون بنبيهم فأنتم الآن ظلمة فكل منكم على دينه ولا أحد منكم يعارض هؤلاء ، فاستمروا في بلاده مدة ، وعادوا إلى أوطانهم.

ومات النجاشي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مات اليوم رجل صالح فصلوا على أخيكم أصحمة» (١) فصلى عليه النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأصحابه.

أمر الصحيفة (٢)

ولما رأى المشركون أن الإسلام يفشو (٣) ويزيد ائتمروا أن يكتبوا بينهم كتابا يتعاقدون فيه على أن لا ينكحوا بني هاشم وبني المطلب ولا ينكحوا منهم ، ولا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم ، فكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة (٤). وأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا ، هذا ورسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يدعو الناس سرا وجهرا ، والوحي يتتابع (٥).

ثم قام نفر من قريش وتعاهدوا في نقض (٦) الصحيفة ، ووقع بينهم خلاف (٧) ، فقام مطعم بن عدي (٨) إلى الصحيفة ليشقها ، فوجد الأرضة قد أكلتها إلا ما كان باسمك اللهم ، وكانت قريش تستفتح بها كتابها ، وأكلت الأرضة ما فيها من ظلم وقطع رحم ، وتركت ما فيها من اسم الله تعالى.

وكان النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أخبر بذلك ، فاجتمعت قريش (٩) وأحضروا الصحيفة ،

__________________

(١) ينظر : مالك ، الموطأ ١ / ٢٢٦ ؛ سابق ١ / ٥٣٤.

(٢) ينظر : ابن هشام ٢ / ٣ ؛ ابن سعد ١ / ١٦٣ ؛ المسعودي ٢ / ٢٩٤ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٥٨ ـ ١٥٩.

(٣) يفشو أ ج د ه : ينموت.

(٤) الكعبة أ ج د ه : + الشريفة ب / / أو ثلاثا ب ج ه : أو ثلاثة د.

(٥) والوحي يتتابع أ ج د : والوحي تتابع ب ه.

(٦) في نقض أ ج د ه : على نقض ب.

(٧) خلاف أ ج د ه : الخلاف ب.

(٨) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٨ ؛ ابن سعد ١ / ١٦٤ ؛ ابن سعد الناس ١ / ١٦٠.

(٩) فاجتمعت قريش أ د ه : فاجتمع قريش ب ج.

٢٩٢

فوجدوا الأمر كما قاله ، فنكسوا رؤوسهم ، واتفق جماعة من قريش ونقضوا ما تعاهدوا عليه في الصحيفة من قطيعة بني عبد المطلب (١) وبني هاشم (٢).

قصة المعراج وما وقع لنبينا محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ليلة الإسراء بالمسجد

الأقصى (٣)

لما بعث الله رسوله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنزل (٤) عليه الوحي وأمره بإظهار دينه وأيده بالمعجزات (٥) الظاهرة والآيات الباهرة ، أسرى به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله (٦) وهو بيت المقدس من إيلياء وقد فشا الإسلام في قريش وفي القبائل كلها.

وكان (٧) الإسراء ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. وقال ابن الجوزي (٨) : وقد قيل : كان ليلة السابع والعشرين من رجب ، واختلف الناس في الإسراء برسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقيل : إنما كان جميع ذلك في المنام والحق الذي عليه أكثر الناس ومعظم السلف وعامة المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين أنه أسري بجسده ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقظة ، لأن قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)(٩) تدل على ذلك ولو كانت الرؤيا نوم ما افتتن بها الناس حتى ارتد كثير ممن كان أسلم.

وقال الكفار : يزعم محمد أنه أتى بيت المقدس ورجع إلى مكة في ليلة واحدة والعير تطرد إليه شهرا مقبلة وشهرا مدبرة. ولو كانت (١٠) رؤيا نوم لم يستبعدوا (١١) ذلك منه ، قال ابن عباس (١٢) ، رضي‌الله‌عنهما : هي رؤيا عين رآها النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) بني عبد المطلب وبني هاشم د ه : بني عبد المطلب أ ج : بني هاشم وبني عبد المطلب ب.

(٢) هام أ ج د ه : + والله أعلم ب.

(٣) ينظر : ابن هشام ٢ / ٣٤ ـ ٣٦ ؛ ابن حبان ، السيرة ١١٢ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٧٤ ـ ١٨٧ ؛ ابن كثير ، تفسير ٣ / ٣ ؛ الحلبي ١ / ٣٦٥.

(٤) وأنزل ب ج د ه : ما أنزل أ.

(٥) بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة أ ج د ه : بالمعجزات الظاهرات والآيات الباهرات ب.

(٦) الذي باركنا حوله أ : ـ ب ج د ه.

(٧) كان أ : + في ب ج د ه.

(٨) ينظر : ابن الجوزي ، الوفا ١ / ٢١٩.

(٩) الإسراء : [٦٠].

(١٠) ولو كانت أ ج د ه : فلو كانت ب / / رؤيا ب ج د ه : الرؤيا أ.

(١١) بستبعدوا أ يستبعد ب ج د ه.

(١٢) ينظر : ابن سيد الناس ١ / ١٨٢.

٢٩٣

رؤيا منام ، قال الله تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) (١٧) (١) أضاف الأمر إلى البصر (٢) ، وقوله تعالى : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (١١) (٣) أي لم يوهم القلب العين غير الحقيقة بل صدق رؤيتها. واختلف السلف والخلف : هل رأى محمد (٤) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ربه ليلة الإسراء ، فأنكرته (٥)(٦) عائشة ، رضي‌الله‌عنها. وروي عن ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، أنه قال : رآه بعينيه (٧) ومثله عن أبي ذر وكعب والحسن وكان يحلف على ذلك. وحكي مثله عن ابن مسعود / / وأبي هريرة والإمام أحمد بن حنبل ، رضي‌الله‌عنهم (٨) ، وحكى النقاش (٩) عن الإمام أحمد أنه قال : أنا أقول بحديث ابن عباس بعينيه رآه ، رآه ، رآه ، حتى انقطع نفس الإمام أحمد.

واختلفوا في أن نبينا هل كلم ربه عز وجل ، ليلة الإسراء ، فذكر عن جعفر بن محمد الصادق (١٠) أنه قال : أوحي (١١) إليه بلا واسطة. وإلى هذا ذهب المتكلمون (١٢) أن محمدا كلم ربه ، عز وجل ، في ليلة الإسراء ، وحكوه عن ابن عباس وابن مسعود.

واختلف في المكان الذي أسرى به ربه منه : فروي عنه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «بينما أنا نائم في بيت أم هانىء (١٣) بنت أبي طالب ـ وفي رواية : بينما أنا في الحطيم وربما قال : في الحجر مضطجعا ، ومنهم من قال : بينما أنا بين النائم واليقظان ، وكانت ليلة الاثنين إذ هبط عليّ الأمين جبريل ، عليه‌السلام (١٤)» ، وذكر القصة.

__________________

(١) النجم : [١٧].

(٢) إلى البصر أ ه : للبصر ب ج د.

(٣) النجم : [١١].

(٤) ل رأى محمد أ د ه : هل رأى نبينا ب ج.

(٥) ينظر : عياض ١ / ١٩٥.

(٦) الإسراء ب ج د ه : أسري به أ.

(٧) ينظر : عياض ١ / ١٩٦.

(٨) رضي‌الله‌عنهم أ ج د ه : ـ ب.

(٩) النقاش : محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون ، أبو بكر النقاش ، عالم بالقرآن وتفسيره توفي عام ٣٥١ ه‍ / ٩٦٢ م ؛ ينظر : السمعاني ٥ / ٥١٧ ؛ اليافعي ٢ / ٣٤٧ ؛ الجابي ٦٩٣.

(١٠) جعفر الصادق : جعفر بن محمد بن علي زين العابدين بن الحسين السبط الهاشمي القرشي ، الملقب بالصادق ٨٠ ـ ٤١٨ ه‍ / ٦٩٩ ـ ٧٦٥ م ، سادس الأئمة الإثني عشر عند الإمامية ، ينظر : ابن خلكان ١ / ٣٢٧.

(١١) أوحي أ : + الله ب ج د ه.

(١٢) المتكلمون أ : بعض المتكلمين وقال ب ج د ه.

(١٣) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٧١ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ٢٩٣.

(١٤) ينظر : ابن هشام ١ / ٣٢ ـ ٣٣.

٢٩٤

وكان من حديث المعراج الشريف ما روي عن النبي ، عليه‌السلام (١) ، أنه قال : «أتيت بالبراق ، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه ، قال : فركبته متى أتيت بيت المقدس (٢) فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين» (٣). وفي رواية : فلما دخلت المسجد إذا أنا بالأنبياء والمرسلين قد حشروا إليّ من قبورهم ، ومثلوا لي وقد قعدوا صفوفا صفوفا ينتظرونني فسلموا عليّ ، فقلت : يا جبريل من هؤلاء القوم؟ قال : إخوانك الأنبياء والمرسلين (٤) ، زعمت قريش أن لله شريكا ، وزعمت النصارى أن لله ولدا ، إسأل هؤلاء النبيين هل كان لله ، عز وجل (٥) ، شريك؟ ثم قرأ : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (٤٥) (٦).

قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب (٧) المفسر في كتاب التنزيل له : إن هذه الآية أنزلت (٨) على النبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ببيت المقدس ليلة الإسراء (٩) ، وقد عدها غيره من العلماء في الشامي والذي قاله أبو القاسم أخص مما ذكروه ، فلما أنزلت وسمعها الأنبياء ، عليهم‌السلام ، أقروا لله عز وجل بالوحدانية. قال عليه الصلاة والسلام : «ثم جمعهم جبريل وقدمني فصليت بهم ركعتين ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن ، فقال جبريل : اخترت الفطرة ، ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل : من أنت؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا ، فإذا بآدم ، عليه‌السلام (١٠) ، فرحب بي ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء الثانية ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث

__________________

(١) النبي عليه‌السلام أ ه : النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د.

(٢) بيت المقدس ب ج د ه : البيت المقدس أ.

(٣) ينظر : عياض ١ / ١٧٧.

(٤) والمرسلين أ ج د ه : والمرسلون ب.

(٥) عز وجل أ ج د : ـ ب ه.

(٦) الزخرف : [٤٥].

(٧) ابن حبيب : أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري المفسر ، صنف في علوم القرآن والآداب ، وتوفي عام ٤٠٦ ه‍ / ١٠١٥ م ؛ ينظر : ابن العماد ٣ / ١٨١.

(٨) أنزلت أ ج د : نزلت ب ه.

(٩) ليلة الإسراء ب د ه : ليلة أسري به أ ج.

(١٠) فإذا بآدم أ ب د : فإذا أنا بآدم ج : وإذا أنا بآدم ه.

٢٩٥

إليه ، ففتح لنا فإذا أنا ببني (١) الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا ، عليهم‌السلام ، فرحبا بي ، ودعوا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة ، فذكر مثل الأول ، ففتح لنا فإذا أنا بيوسف ، عليه‌السلام ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، فرحب بي ، ودعا لي بالخير (٢).

ثم عرج إلى السماء الرابعة ، وذكر مثله ، فإذا أنا بإدريس ، فرحب بي ، ودعا لي بالخير (٣) ، قال الله تعالى : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) (٥٧) (٤).

ثم عرج بي إلى السماء الخامسة ، فذكر مثله (٥) ، فإذا أنا بهارون ، فرحب بي ، ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء السادسة ، فذكر مثله ـ فإذا أنا بموسى ، فرحب بي ، ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء السابعة ، فذكر مثله ، فإذا أنا بإبراهيم ، عليه‌السلام (٦) ، مسندا ظهره إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفا ملك لا يعودون إليه.

ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى ، فإذا ورقها كآذان الفيلة (٧) ، وإذا ثمرها كالقلال. قال : فلما غشيها (٨) من أمر الله ما غشي تغيرت ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، فأوحى الله تعالى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة.

فنزلت إلى موسى فقال : ما فرض ربك (٩) على أمتك؟ قلت : خمسين صلاة ، قال : ارجع إلى ربك واسأله (١٠) التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. قال : فرجعت إلى ربي فقلت : يا ربي (١١) خفف عن أمتي

__________________

(١) فإذا أنا ببني الخالة أ ب ج د : فإذا بابن الخالة ه.

(٢) بالخير أ د ه : بخير ب ج.

(٣) بالخير أ د ه : بخير ب ج / / قال الله ... عليا أ ج د ه : ـ ب.

(٤) مريم : [٥٧].

(٥) فذكر مثله ... ودعا لي بخير ب ج د ه : ـ أ.

(٦) عليه‌السلام أ : ـ ب ج د ه.

(٧) الفيلة ب ج ه : الفيل أ د.

(٨) غشيها من أمر الله ما غشي أ ج ه : غشيها الله من أمره ما غشيها ب : غشيها من أمر الله ما غشيها د.

(٩) فرض ربك على أمتك أ ج ه : فرض ربك عليك وعلى أمتك ب د.

(١٠) واسأله أ : فاسأله ب ج د ه / / قال ب : ـ أ ج د ه.

(١١) يا ربي أ د ه : يا رب ب ج.

٢٩٦

فحط عني خمسا ، فرجعت إلى موسى فقلت : حط عني خمسا ، قال : إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف.

قال : فلم أزل أرجع بين يدي ربي (١) وبين موسى حتى صارت خمس صلوات ، قال : إن أمتك لا يطيقون ذلك ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف.

قال : يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم (٢) وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون / / صلاة ، ومن هم بحسنة فلم يعملها (٣) كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشرا ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا ، فإن عملها كتبت له سيئة واحدة.

قال : فنزلت حتى انتهيت (٤) إلى موسى ، فأخبرته فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه ، وفي رواية : يا موسى قد والله استحييت من ربي مما أختلف إليه (٥) ، قال : فأهبط الله جبريل (٦).

قال ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثم حملني جبريل حتى أنزلني على جبل بيت المقدس ، وإذا أنا بالبراق واقف على حاله في موضعه ، فسميت الله ، واستويت على ظهره ، فما كان بأسرع من أن أشرفت على مكة ومعي جبريل ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لما كانت صبيحة (٧) ليلة أسري بي أصبحت بمكة متحيرا في أمري ، وعلمت أن الناس يكذبونني فقعدت معتزلا حزينا إلى ناحية من نواحي المسجد فمر بي أبو جهل عدو الله ، فجاء حتى جلس إليّ فقال كالمستهزىء : هل كان من شيء يا محمد؟ فقلت : نعم ، قال : وما هو؟ قلت : إني أسري بي الليلة ، قال : إلى أين؟ قلت : إلى بيت المقدس ، ثم قال (٨) : ثم أصبحت بين أظهرنا؟ قلت : نعم ، فقال أبو جهل : يا معشر قريش يا معشر بني كعب ، يا معشر بني لؤي ، هلموا. فانقضت المجالس (٩) وجاءوا

__________________

(١) بين يدي ربي أ ه : بين ربي تعالى ب ج د / / صارت خمس ... فاسأله التخفيف ب ج د ه : ـ أ.

(٢) كل يوم وليلة أ ج ه : في اليوم والليلة ب د / / بكل صلاة أ ه : لكل صلاة ب ج د.

(٣) فلم يعملها أ ج ه : ولم يعملها بد.

(٤) انتهيت أ ب ج د : أتيت ه.

(٥) ينظر : عياض ١ / ١٧٧ ـ ١٧٩ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ١١٥ ـ ١١٦.

(٦) قال : فأهبط الله جبريل أ : قال : بسم الله فاهبط ب ج د ه.

(٧) لما كانت صبيحة أ : لما كان صبيحة ب ج د ه / / ليلة أسري بي أ ج ه : ليلة الإسراء ب د.

(٨) ثم قال أ ج د : قال ب ه / / فقال أبو جهل : يا معشر ب ج د ه : ـ أ.

(٩) المجالس ب ج د ه : المجلس أ.

٢٩٧

حتى جلسوا إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فقال أبو جهل : حدث قومك يا محمد بما حدثتني ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني أسري بي (١) الليلة ، قالوا : إلى أين؟ قال : إلى بيت المقدس ، قالوا : ثم أصبحت بين أظهرنا؟ قال : نعم ، فبقي منهم المتعجب ، ومنهم المصفق ومنهم الواضع يده إلى رأسه (٢).

ثم قالوا : هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد (٣)؟ قلت : نعم ، قال : فذهبت أنعته حتى التبس عليّ بعض النعت لكوني دخلته ليلا ، فجيء بالمسجد أنظر إليه حتى وضع (٤) دون دار عقيل فجعلت أنظر إليهم وأخبرهم عن آياته ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وآية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا فأنفرهم حس الدابة فندّ لهم (٥) بعير فدللتم عليه ، ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان (٦)(٧) مررت بعير بني فلان ، فوجدت القوم نياما ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه شيء ، فكشفت غطاءه (٨) وشربت ما فيه ، ثم غطيت عليه كما كان وأن عيرهم الآن تصوب من البيضاء ثنية التنعيم (٩) يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء ، فابتدر القوم الثنية فلم يلقوا أولا إلا الجمل الذي وصف لهم ، وسألوهم عن الإناء ، فأخبروهم أنهم وضعوا (١٠) مملوء ماء ثم غطوه ، وأنهم افتقدوه من الليل ، فوجدوه كما غطوه ولم يجدوا فيه ماء ، وسألوا القوم الذين ندّلهم البعير فقالوا : صدق والله لقد ندّ لنا بعير بالوادي الذي ذكره ، فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه وأنه لأشبه الأصوات بصوت محمد بن عبد الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجئنا حتى أخذناه (١١).

وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا : هل لك يا أبا بكر في صاحبك أنه يزعم أنه

__________________

(١) إني أسري أ ب ج د : أنه أسري ه.

(٢) إلى رأسه أ : على أم رأسه ب ج د ه.

(٣) تنعت لنا المسجد أ ج ه : تنعت لنا بيت المقدس ب د.

(٤) حتى وضع ... أنظر إليه ب ج د ه : ـ أ.

(٥) فندّ لهم بعير ب ج د ه : ـ أ.

(٦) ضجنان : جبل على بريد من مكة ، وقيل : بين مكة وضجنان خمسة وعشرون ميلا ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٦٤.

(٧) بضجنان ب ج د ه : ـ أ.

(٨) غطاءه ب ج د ه : ـ أ.

(٩) ثنية التنعيم : قرب مكة تهبطك إلى فخ وأنت مقبل من المدينة تريد مكة ، أسفل مكة من قبل ذي طوى ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣٠١.

(١٠) وضعوه مملوء ماء ثم غطوه ب ج د ه : ـ أ.

(١١) ينظر : الحلبي ١ / ٣٨.

٢٩٨

قد جاء هذه الليلة ببيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة ، فقال أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه : والله لئن كان قال لكم ذلك لقد صدق فما تعجبكم من ذلك فو الله إنه ليخبرنا عن الوحي من الله يأتيه من السماء الأرض في ساعة واحدة من ليل أو نهار فتصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه. ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا نبي الله ، أحدث هؤلاء أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة : قال : نعم ، قال : صدقت ، فصفه لي با نبي الله فإني جئته. قال رسول الله (١) : فرفع لي حتى نظرت إليه. وجعل يصفه لأبي بكر وهو يقول : صدقت أشهد أنك رسول الله ، حتى انتهى. فقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) : وأنت يا أبا بكر الصديق. فسمي من ذلك اليوم صديقا (٣). قال الله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (٣٣) (٤). ثم أنزل الله تعالى سورة النجم تصديقا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم توفي أبو طالب عم النبي ، عليه‌السلام (٥) ، وخديجة ، رضي‌الله‌عنها (٦) ، قبل الهجرة الشريفة ، وماتت خديجة قبل أبي طالب بخمسة وثمانين يوما ، وقيل : بخمس وعشرين ، وقيل : بثلاثة أيام ، فعظمت المصيبة على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بموتهما (٧) ، وقال : «ما نالت (٨) قريش مني شيئا (٩) أكرهه حتى مات أبو طالب» (١٠) ، وذلك أن قريش وصلوا من أذاه / / بعد موت أبي طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه في حياته.

وتزوج بعد خديجة عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، ولها (١١) ست سنين ، وتزوج رسول الله (١٢) بسودة (١٣) وخرج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى قبائل العرب

__________________

(١) رسول الله أ : + صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه.

(٢) فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(٣) ينظر : ابن هشام ٢ / ٣٤.

(٤) الزمر : [٣٣].

(٥) النبي عليه‌السلام أ د ه : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج.

(٦) عنها أ ج د ه : عنها ب / / قبل أبي طالب أ ج د ه : قبل الهجرة الشريفة ب.

(٧) ينظر : ابن هشام ٢ / ٤٥.

(٨) ما نالت قريش مني أ ج د ه : ما نالتني قريش ب.

(٩) شيئا أ ج د ه : بشيء ب / / وصلوا من أذاه أ ج ه : وصلوا من إيذائه ب د.

(١٠) ينظر : ابن هشام ٢ / ٤٦.

(١١) ولها ست سنين أ ج د ه : ولها تسع سنين ب.

(١٢) رسول الله أ : ـ ب ج د ه.

(١٣) سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٠ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ٢٧١.

٢٩٩

يلتمس منهم نصرته والقيام معه على من خالفه (١) ويدعوهم إلى الله ، فلم يجيبوه (٢).

ابتداء أمر الأنصار (٣)

ولما أراد الله إظهار دينه خرج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى الموسم فعرض نفسه على القبائل كما كان يفعل ، فبينما هو عند العقبة إذ لقي رهطا من الخزرج فدعاهم إلى الله تعالى. فأجابوه وصدقوه وانصرفوا راجعين إلى بلادهم ، فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودعوا قومهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم الإسلام (٤).

بيعة العقبة الأولى (٥)

فلما كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثني عشر رجلا فلقوه بالعقبة فبايعوه أن لا يشركوا بالله شيئا ، ولا يسرقوا ، ولا يزنوا ، ولا يقتلوا أولادهم ، وبعث رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، معهم (٦) مصعب بن عمير ، وأمره أن يقرئهم القرآن ، ويعلمهم الإسلام ، فنزل بالمدينة.

بيعة العقبة الثانية (٧)

ولما فشا الإسلام في الأنصار اتفق جماعة منهم على المسير لرسول الله (٨) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مستخفين. فساروا في ذي الحجة مع كبار قومهم (٩) واجتمعوا برسول الله ، عليه الصلاة والسلام ، وأوعدوه أواسط أيام التشريق بالعقبة. فلما كان الليل خرجوا حتى اجتمعوا بالعقبة ، وهم سبعون رجلا معهم امرأتان (١٠) ، وجاءهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبايعوه ، فتكلم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتلا القرآن. ثم قال : «لأبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأولادكم» ، ودار الكلام بينهم ، واستوثق كل فريق من الآخر ، ثم سألوا رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : إن قتلنا دونك ما لنا؟ قال :

__________________

(١) من خالفه أ ج : من يخالفه ب د ه.

(٢) الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٤٤ ٣٤٥.

(٣) ينظر : ابن هشام ٢ / ٥١ ـ ٥٣ ؛ الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٥٢ ـ ٣٥٣.

(٤) الإسلام أ د ه : ـ ب ج.

(٥) ينظر : ابن هشام ٢ / ٥٦ ـ ٥٧ ؛ الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٥٥.

(٦) معهم أ ج د ه : ـ ب.

(٧) ينظر : ابن هشام ٢ / ٦١ ؛ تاريخ ٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٦ ؛ ابن حبان ، السيرة ١١٨ ؛ ١٢٥.

(٨) لرسول الله أ : إلى رسول الله ب ج د ه.

(٩) كبار قومهم أ : كفار قومهم ب ج د ه / / عليه‌السلام وأوعدوه أواسط أ ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووعدوه أوسط ب ج : ـ د.

(١٠) ينظر : ابن هشام ٢ / ٦٣ ؛ ابن الجوزي ، الوفا ١ / ٢٢٥.

٣٠٠