الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

مجير الدين الحنبلي العليمي

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

المؤلف:

مجير الدين الحنبلي العليمي


المحقق: عدنان يونس عبد المجيد أبو تبّانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

سبعة قصور لها. ثم أغلقت (١) دونه الأبواب ووكلت به حراسا يحفظونه ، ثم قالت لمن خلفت على سلطانها : احتفظ بما قبلك وسرير ملكي لا يخلص (٢) إليه أحد ولا يدنيه حتى آتيك ، ثم أمرت مناديا ينادي في أهل مملكتها تؤذنهم بالرحيل ، وشخصت (٣) إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل (٤) من ملوك اليمن تحت يد كل قيل ألوف كثيرة.

وكان سليمان رجلا مهيبا (٥) لا يبتدىء بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه ، فخرج يوما فجلس على سرير ملكه ، فرأى رهجا قريبا منه ، فقال : ما هذا؟ قالوا (٦) : بلقيس وقد نزلت بهذا المكان ، وكانت على مسيرة فرسخ من سليمان ، فأقبل سليمان حينئذ على جنوده ، فقال (٧) : يا أيها الملأ آيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين (٨) ، أي مؤمنين. قال ابن عباس (٩) : طائعين.

واختلفوا في السبب الذي لأجله أمر سليمان بإحضار عرشها ، فقال أكثرهم : لأن سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليه مالها ، فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه (١٠) أخذه بإسلامها. وقيل : ليريها قدرة الله ، عز وجل ، وعظيم سلطانه (١١) في معجزة يأتي بها عرشها.

قال قتادة (١٢) : لأنه أعجبه صفته بما وصفه الهدهد فأحب أن يراه ، وقال زيد (١٣) : أراد أن يأمر (١٤) بتنكيرها وتغييرها فيختبر بذلك عقلها

__________________

(١) أغلقت أ ج د هت : غلقت ب.

(٢) لا يخلص إليه أحد أ ج د ه : لا تخلص إليه أحدا ب / / يدنيه أ ج د ه : أ ج ه : تدنيه ب د.

(٣) وشخصت أ ج د ه : ثم شخصت.

(٤) قيل : هو لقب لملوك حمير ، وهو دون الملك الأعلى يقول ما شاء ، فينفذ وهو كالوزير في الإسلام ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ٣٠.

(٥) مهيبا أ : مهابا له ب ج د.

(٦) قالوا أ ه : قالوا له ب ج د.

(٧) فقال أ ج د ه : وقال لهم ب.

(٨) مسلمين ب ج د ه : ـ أ / / قال أ د ه : وقال ب ج.

(٩) ينظر : الثعلبي ١٧٧.

(١٠) يحرم عليه أ د : حرم عليه ب ج ه / / ليريها أ ج د ه : أراد أن يريها ب.

(١١) وعظيم سلطانه أ ب ج د : وعظم ه.

(١٢) ينظر : الثعلبي ١٧٧.

(١٣) زيد بن أسلم : مولى عمر بن الخطاب ، ويكنى أبا أسامة ، وكان ثقة كثير الحديث ، مات عام ١٤٥ ه‍ / ٧٦٢ م ، ينظر : ابن خياط ، طبقات ٤٥٦ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ١١٠ ؛ ابن سعد ٥ / ٤١٢.

(١٤) يأمر أ ج د ه : يبدأ ب / / وتغييرها أ د ه : وتغيرها ب ج.

٢٤١

(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ)(١) ، وهو المارد القوي ، قيل : اسمه كودي ، وقيل : كودان (٢) ، وقيل : صخر (٣) الجني ، وكان بمنزلة حبل يضع قدمه عند منتهى طرفه (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ)(٤) أي مجلسك الذي تقضي فيه (٥) ، وكان له كل غداة مجلس يقضي فيه إلى مفرغ النهار (٦)(وَإِنِّي عَلَيْهِ) ـ أي على حمله ـ (لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)(٧) على ما فيه من الجواهر (٨)

فقال سليمان : أريد أسرع من هذا (٩)(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(١٠) ، واختلفوا فيه ، فقيل : هو جبريل ، عليه‌السلام ، وقيل : هو ملك من الملائكة أيد الله به سليمان ، عليه‌السلام ، وقال الأكثر (١١) : هو آصف بن برخيا ، وكان صديقا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى.

وروي عن ابن عباس قال : إن آصف قال لسليمان ـ حين صلى ـ : مد عينيك حتى ينتهي طرفك ، فمد سليمان (١٢) عينيه ونظر نحو اليمن ، فدعا آصف بين يدي سليمان ، فبعث الله الملائكة ، فحملوا السرير من تحت الأرض وهم يخدون خدا حتى انخرقت الأرض (١٣) بالسرير بين يدي سليمان ، وقيل غير ذلك ، وقيل : كانت المسافة مقدار شهرين.

واختلفوا (١٤) في الدعاء الذي دعا به آصف ، فقيل : يا ذا الجلال والإكرام ،

__________________

(١) النمل : [٤٠].

(٢) كودان أ ه : دون كان ب : كودان دركان ج د.

(٣) صخر أ : هو صخر ب ج د ه.

(٤) النمل : [٤٠].

(٥) تقضي فيه أ د ه : تحكم فيه ب ج.

(٦) مفرغ النهار أ : فراغ النهار ب : نصف النهار ج : طلوع النهار د : آخر النهار ه.

(٧) النمل : [٣٩].

(٨) الجواهر أ ج د ه : + والمعادن ب.

(٩) أريد أسرع من هذا أ د ه : أريد شيئا أسرع من ذلك ب : أريد أسرع من ذلك ه / / أنا أتيك ... طرفك ب د : ـ أ ج ه.

(١٠) النمل : [٤٠].

(١١) الأكثر أ د ه : الأكثرون ب ج / / يعلم أ ج د ه : يعرف ب.

(١٢) فمد سليمان أ ج د ه : فمد ب / / عينيه أ ه : + أي بصره ب : عيناه ج : بصره د / / ونظر أ ج د ه : فنظر ب / / فدعا ب د : فدعى أ ج ه.

(١٣) الأرض وهم ب ج د ه : ـ أ.

(١٤) واختلفوا أ ج د ه : واختلف ب.

٢٤٢

وقيل : يا حي يا قيوم.

وعن الزهري (١) قال : الذي عنده علم من الكتاب : يا إلهنا وإله كل شيء ، إلها واحدا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها ، وقيل : إنما هو سليمان ، قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علما وفهما (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(٢) ، قال سليمان : هات ، قال : أنت النبي وليس أحد عند الله أوجه منك فإذا دعوت إليه وطلبت منه (٣) كان عندك ، قال : صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت.

وقوله : (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(٤) ، قال سعيد بن جبير (٥) : يعني من قبل أن يرجع إليك أقصى من ترى وهو أن يصل إليك من كان منك على مدّ بصرك (٦) وقيل غير ذلك (فَلَمَّا رَآهُ) ـ يعني سليمان العرض مستقرا عنده محمولا إليه من هذه المسافة البعيدة في قدر ارتداد الطرف ـ (قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) ـ فلا أشكر ـ (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ)(٧)(٨) أي يعود نفع شكره إليه (٩) ، وهو أن تستوجب به تمام النعمة ودوامها لأن الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٤٠) (١٠) عن شكره كريم بالإفضال على من يكفر نعمته.

قال (١١) عز وجل : (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها)(١٢) أي سريرها إلى حال تنكره إذا رأه ، فقيل : جعل أسفله أعلاه وعكسه وجعل مكان الجوهر الأحمر أخضر (١٣)

__________________

(١) الزهري : محمد بن سلم بن عبيد الله ... بن زهرة بن كلاب بن مرة ، وكان الزهري ثقة كثير الحديث والعلم والرواية ، فقيها جامعا ، وتوفي عام ١٢٤ ه‍ / ٧٤١ م ، ينظر : ابن سعد ٥ / ٣٥٧ ؛ المزي ١٢٦٩ ؛ ابن حجر ، تهذيب ٩ / ٤٤٥.

(٢) النمل : [٣٩].

(٣) وطلبت منه أ ج د ه : وطلبته ب.

(٤) النمل : [٣٩].

(٥) سعيد بن جبير : أبو عبد الله ، من أكابر التابعين ، كان أعلمهم ، أخذ العلم عن ابن عباس بن عمر ، قتله الحجاج بن يوسف الثقفي عام ٩٥ ه‍ / ٧١٣ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٤٩١ ؛ الذهبي ، سير ٤ / ٣٢١ ؛ ابن العماد ١ / ١١١.

(٦) مد بصرك أ ب ج د : على بعد بصرك ه.

(٧) النمل : [٤٠].

(٨) أ أشكر ب ج د ه : أشكر أ / / فلا أشكر أ : فلأشكرها ب ج : فلا أشكرها د : ـ ه.

(٩) إليه أ د : عليه ب ج ه / / تستوجب أ د ه : يستوجب ب ج.

(١٠) النمل : [٤٠].

(١١) قال أ ج ه : + سليمان ب د.

(١٢) النمل : [٤١].

(١٣) أخضر أ ج د ه : الأخضر ب.

٢٤٣

وعكسه (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) ـ إلى عرشها فتعرفه ـ (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ)(١) الذين لا [٣٣ / أ] يهتدون إليه وإنما / / حمل سليمان على ذلك أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أسرار (٢) الجن ، لأن أمها كانت جنية ، وإذا ولدت له (٣) ولدا لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده ، فأساءوا الثناء عليها ليزهدوه فيها ، وقالوا له : إن في عقلها شيئا (٤) وإن رجليها كحافر الحمار وأنها مشعرة الساقين ، فأراد سليمان أن يختبرها في عقلها بتنكير (٥) عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح.

فلما جاءت قيل لها : أهكذا عرشك؟ قالت : (كَأَنَّهُ هُوَ)(٦) ، عرفته ولكن شبهت عليهم كما شبهوا عليها ، ولم تقل نعم خوفا من أن تكذب (٧) ، ولم تقل لا خوفا من التكذيب ، قالت (٨) كأنه هو فعرف سليمان كمال عقلها حيث لم تقرر (٩) ولم تنكر ، وحكي غير ذلك.

فقالت : وأوتينا العلم بصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة من أمر الهدية والرسل من قبلها ومن قبل الآية في العرش : (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) (٤٢) (١٠) منقادين طائعين لأمر سليمان ، وقيل غير ذلك.

قال الله تعالى : (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ)(١١) أي منعها ما كانت تعبد من دون الله وهي (١٢) الشمس أن تعبد الله أي صدها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة الله تعالى (١٣) ، وقيل غير ذلك.

قوله تعالى : (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ)(١٤) الآية ، وذلك أن سليمان أراد أن ينظر

__________________

(١) النمل : [٤١].

(٢) أسرار أ ج د ه : أمر ب.

(٣) له أ د ه : لسليمان ب ج / / لا ينفكون من تسخير أ ج د ه : لا ينفكوا من تسخيرهم ب.

(٤) شيئا أ ب ج د : خلل ه / / وإن رجليها كحوافر الحمار ب ج : رجلها كحافر الحمار أ د ه.

(٥) بتنكير أ ج د ه : فنكر ب.

(٦) النمل : [٤٢].

(٧) من أن تكذب ب ج د ه : التكذيب ب / / ولم تقل لا خوفا من التكذيب ج د ه : ـ أ ب.

(٨) قالت أ ج د ه : فقالت ب.

(٩) تقرر أ : تقر ب ج ه : تعرف د.

(١٠) النمل : [٤٢].

(١١) النمل : [٤٣].

(١٢) وهي ب : وهو أ ج د ه.

(١٣) تعالى أ ج ه : + قيل لها ب د.

(١٤) النمل : [٤٤].

٢٤٤

إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفها (١) لما قالت له الشياطين : أن رجلها كحافر الحمار (٢) ، وهي مشعرة الساقين ، فأمر الشياطين فبنوا صرحا أي قصرا من زجاج ، وقيل : بيتا من زجاج كأنه الماء بياضا ، وقيل : الصرح صحن الدار وأجرى تحته الماء وألقى فيه كل شيء من دواب البحر حتى (٣) السمك والضفدع وغيرهما ، ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه ، وعكفت (٤) الطير والجن والإنس وإنما بنى الصرح ليختبر فهمها كما فعلت هي بالوصفاء (٥) والوصائف.

فلما جلس على السرير دعا بلقيس ، فلما جاءت (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً)(٦) وهي معظم الماء ، (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها)(٧) لتخوضه إلى سليمان.

فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس قدما وساقا إلا أنها شعرة الساقين (٨) ، فلما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنها وناداها (٩) : إنه صرح ممرد أي مملس من قوارير ، ثم دعاها سليمان (١٠) للإسلام.

وكانت قد رأت حال العرش وعلمت أن ملك سليمان من الله تعالى ، فأجابت وقالت : (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ـ بالكفر وعبادة غيرك ـ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٤) (١١) أخلصت (١٢) له التوحيد.

واختلف في أمرها هل تزوجها سليمان ، عليه‌السلام ، فقال بعضهم : تزوجها ولما أراد أن يتزوجها كره ما رأى من كثرة شعر ساقيها ، فسأل الأنس ما يذهب هذا ، قالوا له : الموسى ، فقال : إنها تجرح (١٣) ساقيها ، فسأل الجن ، فقالوا : لا ندري ،

__________________

(١) من غير أن يسألها كشفها أ ج د ه : من غير أن يسلبها أثوابها ب / / لما قالت له الشياطين أ ج د ه : وينظر ما قالت الشياطين عنها ب.

(٢) رجلها كحافر الحمار أ د ه : رجليها كحوافر الحمار ب ج / / فأمر الشياطين أ : فأمر سليمان الشياطين ب ج د ه.

(٣) حتى ب ج : ـ أ د ه.

(٤) وعكفت أ ج د ه : فعكفت ب.

(٥) بالوصفاء والوصائف أ د ه : بالوصائف والوصفاء ب ج.

(٦) النمل : [٤٤].

(٧) النمل : [٤٤].

(٨) شعرة الساقين أ ج د : مشعرة الساقين ب ه.

(٩) وناداها أ د ه : ثم ناداها ب : فناداها ج.

(١٠) سليمان أ ج د ه : ـ ب.

(١١) النمل : [٤٤].

(١٢) أخلصت أ ج د ه : أي أخلصت ب.

(١٣) تجرح ب ج ه : يقطع أ د / / فسأل أ ج د ه : وسأل ب.

٢٤٥

ثم سأل الشياطين ، فقالوا : نحتال لك بحيلة (١) حتى تصير (٢) كالسبيكة الفضة من غير أذى ، فقال : افعلوا ، فاتخذوا النورة (٣) والحمام ، فكانت (٤) النورة والحمام من يومها.

ويقال : إن الحمام الذي (٥) بباب الأسباط بالقدس الشريف ، بجوار المدرسة الصلاحية وهو من جملة الأوقاف (٦) عليها من الملك صلاح الدين ، وإنما بنى لبلقيس ، وإنه أول حمام بني على (٧) وجه الأرض ، والله أعلم.

فلما تزوجها (٨) سليمان ، أحبها حبا شديدا ، وأقرها على ملكها ، وأمر الجن فابتنوا بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا ، ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة بعد أن ردها إلى ملكها ، ويقيم عندها ثلاثة أيام ، وولدت له فيما يذكر ، والله أعلم.

فتنة (٩) سليمان عليه‌السلام (١٠)

قال الله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ)(١١) أي اختبرناه وابتليناه بسلب ملكه ، وسبب ذلك ما روي عن وهب بن منبه قال : سمع سليمان ، عليه‌السلام ، بمدينة في جزيرة من جزائر البحر ، يقال لها : صدوف (١٢) ، ولها ملك عظيم الشأن لم يكن للناس عليه سبيل لمكانه بالبحر ، وكان الله ، عز وجل ، قد أتى سليمان في ملكه سلطانا لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر بما يركب إليه الريح.

__________________

(١) بحيلة ب : ـ أ ج د ه.

(٢) تصير أ د : يصير ب : فصيرها ج ه / / كالسبيكة ... افعلوا ب : ـ أ ج د ه.

(٣) النورة : حجر الكلس ، أخلاط من أملاح الكالسيوم والبريون تستعمل لإزالة الشعر ، ينظر : المعجم الوسيط ٢ / ١٠٠٠.

(٤) فكانت أ د ه : وكانت ب ج / / من يومها أ : من ذلك اليوم ب ج ه : من يومئذ د.

(٥) الذي أ ج د ه : + كان ب / / بجوار أ ج د ه : وهو الحمام الذي بجوار ب.

(٦) الأوقاف أ ج د : أوقاف المدرسة ب : ـ ه / / عليها أ د : + ب ج ه / / وهو من جملة ... صلاح الدين أ ب ج د : ـ ه.

(٧) بني على أ ج د ه : وضع على ب.

(٨) فلما تزوجها أ د : ولما تزوجها ب ج ه.

(٩) فتنة أ : ذكر فتنة ب ج : ذكر قصة د ه.

(١٠) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٩٩ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٣٥ ؛ ابن كثير ، قصص ٤٤٢.

(١١) ص : [٣٤].

(١٢) يقال لها صدوف ... بالبحر ب : ـ أ ج د ه.

٢٤٦

فخرج (١) إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجن والإنس ، فقتل ملكها (٢) ، وأصاب فيما أصاب فيها أصاب بنتا (٣) لذلك الملك يقال / / لها جرادة لم ير مثلها حسنا وجمالا ، فاصطفاها لنفسه ، ودعاها إلى [٣٣ / ب] الإسلام (٤) ، فأسلمت على جفاء منها وقلة موافقة ، وأحبها حبا لم يحبه أحدا من نسائه ، وكانت (٥) على منزلة عظيمة عنده ولا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها ، فشق ذلك على سليمان ، فقال لها : ويحك (٦) ما هذا الحزن الذي لا يذهب (٧) والدمع الذي لا يرقأ؟ قالت : إني أذكر أبي وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك.

قال سليمان : فقد (٨) أبدلك الله ملكا هو أعظم من ملكه ، وسلطانا هو أعظم من سلطانه ، وهداك للإسلام (٩) وهو خير من ذلك ، قالت : إن ذلك كذلك ولكني إذا ذكرته (١٠) أصابني ما ترى من الحزن ، فلو أنك أمرت الشياطين فيصوروا صورته في داري التي أنا فيها فأراها بكرة وعشيا لرجوت أن يذهب ذلك حزني وأن يسلي (١١) عني بعض ما أجد في نفسي.

فأمر سليمان الشياطين فقال : مثّلوا لها (١٢) صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئا ، فمثلوه لها (١٣) حتى نظرت إلى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه ، فعمدت إليه حين صفوه (١٤) فآزرته وقمصته وعممته وردته بمثل ثيابه التي كان يلبسها في حال

__________________

(١) فخرج أ ج د ه : فخرج سليمان ب.

(٢) فقتل ملكها وأصاب أ : فقتل ملكها واستقام فيها فأصاب ب : فقتل ملكها واستقاما فيها ج : فقتل ما فيها واستقاما فيها د : ـ ه.

(٣) بنتا لذلك الملك أ ج د : ابنة الملك : ـ ه / / يقال لها أ د : تسمى ب ج : ـ ه.

(٤) الإسلام أ د : للإسلام ب ج ه.

(٥) وكانت أ ج د ه : فكانت ب / / عظيمة ب ج : ـ أ د ه / / ولا يذهب أ ج ه : فكانت لا يذهب ب : لا يذهب د.

(٦) ويحك أ ج د : ويلك ب ه.

(٧) لا يذهب أ ج د : لم يذهب ب ه / / إني أذكر أبي ب ج د : إن أبي أذكره أ : إني أذكر والدي ه.

(٨) فقد أ ج د ه : قد ب / / من ملكه أ ج د ه : ملك أبيك ب.

(٩) وهداك للإسلام أ د ه : وهداك الله للإسلام ب ج / / خير أ ج د ه : + لك ب.

(١٠) ذكرته أ ج د ه : تذكرته ب.

(١١) وأن يسلي أ ج ه : وأن يسلبني ب د.

(١٢) فقال مثلوا لها أ د : أن يمثلوا لها ب ج ه.

(١٣) فمثلوه لها أ د : فمثلوها ب ج ه.

(١٤) حين صفوه أ د ه : وحين وضعوه ب : حتى وصفوه ج / / التي كان يلبسها أ د ه : + في حال حياته

٢٤٧

حياته ، ثم كانت (١) إذا خرج سليمان ، عليه‌السلام ، من دارها تغدوا عليه (٢) في ولائدها حتى تسجد له ويسجدون له كما كانت تصنع به في ملكه ، وتروح في كل عشية (٣) بمثل ذلك وسليمان لا يعلم بشيء من ذلك أربعين صباحا.

وبلغ ذلك آصف بن برخيا ، وكان صديقا وكان لا يرد عن أبواب سليمان أي (٤) ساعة أراد دخول شيء من بيوته ، دخل حاضرا كان سليمان أم (٥) غائبا ، فأتاه فقال : يا نبي الله كبر سني ورق عظمي ونفد عمري ، وقد حان مني ذهابه ، وقد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله (٦) ، وأثني عليهم بعلمي فيهم ، وأعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون كثيرا من أمورهم.

فقال (٧) : افعل ، فجمع له سليمان الناس ، فقام فيهم خطيبا ، فحمد الله تعالى ، فذكر (٨) من مضى من أنبياء الله ، وأثنى على كل نبي بما فيه ، فذكر ما فضله الله به حتى انتهى إلى سليمان ، فقال : ما كان أحلمك في صغرك ، وأورعك في صغرك ، وأفضلك في صغرك ، وأبعدك من كل ما يكره في صغرك ، ثم انصرف ، فوجد سليمان في نفسه من ذلك حتى امتلأ غيظا ، فلما دخل سليمان داره أرسل إليه فقال : يا آصف ذكرت ما مضى من أنبياء الله (٩) ، فأثنيت عليهم خيرا في كل زمانهم وعلى كل حال من أمرهم ، فلما ذكرتني جعلت تثني عليّ بخير في صغري وسكت عما سوى ذلك من أمري (١٠) في كبري ، فما الذي أحدث في آخر أمري؟.

__________________

ب ج.

(١) ثم كانت أ ج د ه : ثم إنها كانت ب.

(٢) عليه أ : إليه ب ج د ه / / ولائدها حتى تسجد له أ ج د ه : ولائدها ومن يلوذ ومن يلوذ بها ثم تسجد له ب / / به أ ج د ه : له ب.

(٣) وتروح في كل عشية أ ج د ه : واستمرت تفعل ذلك بكرة وعشية ب / / من ذلك أ د : + مدة ب ج ه.

(٤) أي أ ج د ه : وأي ب / / دخول شيء من بيوته أ د : أن يدخل دار سليمان ب : يدخل شيئا من بيوته ج ه.

(٥) أم أ : أو ب ج د ه / / فأتاه فقال أ د ه : فأتى سليمان وقال ب : فأثر سليمان فقال ج.

(٦) الله أ ج د : + تعالى ب ه.

(٧) فقال أ د ه : فقال له سليمان ب ج / / فحمد الله تعالى ب : ـ أ ج د ه.

(٨) فذكر أ ج د : وذكر : فذكرهم ه / / الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(٩) الله أ ج د ه : + تعالى ب / / فأثنيت أ د ه : وأثنيت ب ج / / كل أ ج ه : ـ ب د / / وعلى أ د : وفي ب ج ه / / أمرهم أ ج د ه : أمورهم ب.

(١٠) من أمري أ ج د ه : في أمري ب.

٢٤٨

فقال له : إن غير الله ليعبد (١) في دارك منذ أربعين صباحا في هوى امرأة ، فقال : في داري؟ فقال : نعم في دارك ، فقال (٢) سليمان : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد عرفت أنك ما قلت الذي قلت إلا عن شيء بلغك. ثم رجع سليمان إلى داره ، فكسر (٣) ذلك الصنم ، وعاقب تلك المرأة وولائدها ، ثم أمر بثياب الطهرة فأتى بها ، وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار (٤) ، ولا ينسجها إلا الأبكار ، ولا يغسلها إلا الأبكار ، لم تمسها (٥) امرأة قد رأت الدم ، فلبسها ، ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده ، فأمر (٦) برماد ففرش له ، ثم أقبل تائبا إلى الله تعالى حتى جلس على ذلك الرماد وتمعك فيه بثيابه تذللا لله وتضرعا إليه (٧) ، يبكي ويدعو ويستغفر مما كان في داره ، فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى ، ثم رجع إلى داره.

وكانت له أم ولد يقال لها (٨) الأمينة ، كان إذا دخل مذهبه أو أراد إصابة امرأة من نسائه ، وضع خاتمه عندها حتى يتطهر ، وكان لا يمس (٩) خاتمه إلا وهو طاهر (١٠) ، وكان ملكه في خاتمه ، فوضعه يوما عندها ، ثم دخل مذهبه ، وأتاها (١١) الشيطان صاحب البحر واسمه صخر على صورة سليمان لا تنكر منه شيئا ، فقال : خاتمي (١٢) يا أمينة ، فناولته إياه فجعله في يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان ، وعكفت عليه (١٣) الطير والجن والإنس.

وخرج (١٤) سليمان فأتى أمينة ، وقد تغيرت حالته وهيئته عند كل من يراه

__________________

(١) ليعبد أ : يعبد ب ج د ه.

(٢) فقال أ ج د ه : + سليمان ب / / فقال أ ج د ه : قال ب.

(٣) فكسر أ ج د ه : وكسر ب.

(٤) الأبكار أ ج د ه : البنات الأبكار ب.

(٥) لم تمسها أ : لا يمسها ب ج د ه.

(٦) فأمر أ د ه : وأمر ب ج.

(٧) إليه ب ج د ه : عليه أ / / يبكي ويدعو أ ج د ه : وجعل يبكي ويدعو ب.

(٨) يقال لها أ د : تسمى ب ج ه.

(٩) لا يمس أ ج ه : لا يلبس ب ه.

(١٠) إلا وهو طاهر أ ج د ه : إلا طاهرا ب / / دخل أ د : + إلى ب ج ه.

(١١) وأتاها أ د : فأتاها ب ه : فأتاه ج / / واسمه أ ج د ه : وكان اسمه ب / / لا تنكر ه : لم تنكر ب : لا ينكر ج د أ.

(١٢) خرافة وأي خرافة بل وسبة يقصد منها الانتقاص من الأنبياء بجعل ملكهم ونبوتهم معلقة في خاتم ، ثم كيف يدخل الشيطان على نساء الأنبياء بهذه الصورة المقيتة؟.

(١٣) وعكفت عليه أ ج د : فعكفت عليه ب : ثم عكفت عليه ه.

(١٤) وخرج أ ج د : فخرج ب ه / / فأتى أمينة أ د : وأتى الأمينة ب : فأتى الأمينة ج ه.

٢٤٩

[٣٤ / أ] فقال :/ / يا أمينة خاتمي (١) ، فقالت له : من أنت؟ قال : أنا سليمان بن داود ، قالت (٢) : كذبت ، فقد جاء سليمان وأخذ خاتمه وهو جالس على سرير ملكه ، فعرف سليمان أن خطيئة (٣) قد أدركته ، فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل فيقول : أنا سليمان بن داود ، فيكذبوه ، ويحثون عليه (٤) التراب ، ويسبونه ويقولون : انظروا إلى هذا المجنون أي شيء يقول يزعم أنه سليمان.

فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر ، وكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر إلى السوق ، فيعطونه كل يوم سمكتين فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة (٥) وشوى الأخرى ، فأكلها ، فمكث كذلك أربعين صباحا عدة ما كان عبد الوثن في داره.

فأنكر آصف وعظماء (٦) بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك الأربعين يوما ، فقال آصف : يا معشر بني إسرائيل هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود (٧) ما رأيت؟ قالوا : نعم ، قال آصف : أمهلوني حتى أدخل على نسائه فأسألهن (٨) هل أنكرن منه شيئا في خاصة أمره ما أنكرنا في عامة أمر الناس ، وعلانيته (٩) ، فدخل على نسائه فقال : ويحكن هل أنكرتن من أمر ابن داود ما أنكرناه؟ فقلن : أشد ما يدع امرأة منا في دمها ولا يغتسل من الجنابة (١٠)! فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إن هذا لهو البلاء المبين.

ثم خرج (١١) على بني إسرائيل ، فقال : ما في الخاصة أعظم مما في العامة ، فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم ، فأقبلوا حتى أحدقوا به ونشروا التوراة

__________________

(١) يا أمينة خاتمي أ ج د ه : خاتمي يا أمينة ب / / أنا أ ج د ه : ـ ب / / سليمان بن داود أ ج د : نبي الله ب : ـ ه.

(٢) قالت أ ج د ه : + له ب / / فقد أ د : قد ب ج : ـ ه.

(٣) خطيئة أ ج د ه : الخطيئة ب / / فجعل أ د ه : وجعل ب ج.

(٤) فيكذبوه ويحثون عليه ب : فيكذبوه ويحثوه أ ه : ـ ج د.

(٥) بأرغفة أ ج د ه : برغيفين ب / / شوى الأخرى أ ج د ه : شوى السمكة الأخرى ب / / فأكلها أ ج د ه : وأكلها ب / / عدة أ ج د ه : بعدد ب.

(٦) وعظماء أ ج د : وكبراء ب ه.

(٧) ابن داود أ ج د ه : سليمان ب / / ما رأيت أ ب ج د : ـ ه.

(٨) فأسألهن أ ج : واسألهن ب : فسألهن ه : ـ د / / هل أنكرن أ ج : هل ينكرن ب : أنكرتن د ه / / شيئا ب : ـ أ ج د ه / / ما أنكرنا أ ج د ه : كما ذكرناه ب.

(٩) وعلانيته أ : وعلانيتهم ج : ـ ب د ه.

(١٠) هل بعد هذا السخف من سخف؟! فهل يرضى الله أن تفعل الفواحش لنساء الأنبياء من أجل خاتم؟.

(١١) ثم خرج أ ج د ه : ثم خرج آصف ب / / ما في الخاصة ... وعلماؤهم أ ب ج د : ـ ه.

٢٥٠

فقرأوها ، فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه ، ثم طار حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في البحر ، فابتلعه (١) حوت ، فأخذه بعض الصيادين.

وقد عمل (٢) له سليمان صدر يومه ذلك حتى إذا كان العشاء أعطاه سمكتيه ، فأعطي السمكة التي أخذت (٣) الخاتم ، وخرج سليمان بسمكتيه ، فباع التي ليس في بطنها الخاتم بالأرغفة (٤) ، ثم عمد إلى السمكة الأخرى فبقرها ليشويها ، فاستقبله خاتمه في جوفها ، فأخذه فجعله في يده ، فرد الله عليه ملكه وبهاءه ، فوقع ساجدا وعكفت عليه الطير (٥) والوحوش والأنس والجن ، وأقبل عليه الناس ، وعرف الذي كان ، دخل عليه لما أحدث في داره ، فرجع إلى ملكه وأظهر التوبة من ذنبه ، وأمر الشياطين فقال : ائتوني بصخر ، فطلبته الشياطين حتى أخذته ، فأتي به ، فجاء له بصخرة ، فأدخله فيها ، ثم سد عليه بأخرى ، ثم أوثقها بالحديد والرصاص ، ثم أمر به ، فقذف به في البحر ، هذا حديث وهب ، وحكي غيره (٦).

وأشهر الأقاويل : أن الجسد الذي ألقى على كرسيه هو صخر الجني فذلك قوله ، عز وجل : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) (٣٤) (٧) أي رجع إلى ملكه بعد أربعين يوما فلما رجع (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)(٨) يريد هب لي ملكا لا تسلبنيه في باقي عمري وتعطيه غيري كما سلبتنيه فيما مضى (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٣٥) (٩) قيل (١٠) : سأل ذلك ليكون علما على قبول توبته حيث أجاب الله دعاءه ورد إليه ملكه وزاد فيه.

وقال مقاتل : كان سليمان ملكا ولكنه أراد بقوله : (لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)(١١)

__________________

(١) فابتلعه أ ج د ه : وابتلعه ب.

(٢) وقد عمل ... أعطاه سمكتيه أ ج د ه : وكان سليمان قد عمل لذلك الصياد من صدر النهار حتى إذا كانت العشية أعطاه سمكتين ب.

(٣) التي أخذت الخاتم أ ج د ه : التي فيها الخاتم من جملة السمكتين ب / / وخرج أ ج د : فخرج ب : ـ ه.

(٤) بالأرغفة أ ج د ه : بالرغيفين ب.

(٥) وعكفت عليه الطير أ : فعكفت عليه الطير ب ج د ه.

(٦) غيره أ ج د ه : غير ذلك ب.

(٧) ص : [٣٤].

(٨) ص : [٣٥].

(٩) ص : [٣٦].

(١٠) قيل أ ه : + سأل ذلك ليكون آية لنبوته ودلالة على رسالته ومعجزة له : وقيل ب ج د.

(١١) ص : [٣٦].

٢٥١

تسخير الرياح (١) والشياطين بدليل ما بعده.

وروى أبو هريرة ، رضي‌الله‌عنه (٢) ، عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «إن غفريتا من الجن تفلت البارحة عليّ (٣) ليقطع صلاتي ، فأمكنني الله منه فأخذته ، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)(٤) فرددته خاسئا» (٥).

ولما رد الله على سليمان ملكه وبهاءه ، وحامت عليه الطير ، وعرف الناس أنه سليمان قاموا يعتذرون إليه مما صنعوا فقال : ما أحمدكم على غدركم (٦) ولا ألومكم على ما كان منكم هذا أمر كان لا بد منه ، ثم جاء حتى أتى ملكه ، وأطاع سليمان (٧) جميع ملوك الأرض ، وحملوا إليه نفائس أموالهم ، واستمر سليمان على ذلك حتى توفي.

ذكر وفاته عليه‌السلام (٨)

وقد روي في وفاة سيدنا (٩) سليمان ، عليه‌السلام ، ما قاله أهل العلم : إنه كان [٣٤ / ب] يتحنث في بيت المقدس / / السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل من ذلك وأكثر ، يدخل فيه طعامه وشرابه ، فأدخله في المرة التي مات فيها. وكان بدء (١٠) ذلك أنه لا يصبح يوما إلا نبتت في محرابه ببيت المقدس شجرة فيسألها ما اسمك؟ فتقول اسمي كذا ، فيقول : لأي شيء أنت؟ فتقول : لكذا وكذا ، فيأمر بها فتقطع ، فإن كانت نبتت لغرس غرسها (١١) ، وإن كانت لدواء كتب (١٢) ، حتى نبتت الخروبة فقال لها : ما أنت؟ قالت الخروبة ، قال : لأي شيء تنبتين (١٣)؟ قالت : لخراب مسجدك ،

__________________

(١) الرياح أ : + والطير ب ج د ه.

(٢) رضي‌الله‌عنه أ ج د ه : ـ ب.

(٣) عليّ أ ج د ه : ـ ب / / فأمكنني أ ب ج د : فمكنني ه.

(٤) ص : [٣٦].

(٥) ينظر : البخاري ، الجامع الصحيح ، صلاة ٧٥.

(٦) غدركم أ ج ه : عذركم ب : ـ د.

(٧) وأطاع سليمان أ ج د ه : وأطاعه ب.

(٨) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٠١ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٣٦ ؛ ابن كثير ، قصص ٤٥١.

(٩) سيدنا أ ج د : السيد ه : ـ ب.

(١٠) بدء أ ج د ه : بدأ ب.

(١١) غرسها أ ج د ه : يغرسها ب.

(١٢) كتب أ ج د ه : كتبها ب.

(١٣) تنبتين أ ه : نبت ب د : نبتت ج.

٢٥٢

فقال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي ، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس ، فنزعها وغرسها في حائط ، ثم قال : اللهم غمم (١) على الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب.

وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب أشياء ويعلمون ما في غد ، ثم دخل المحراب ، فقام يصلي متكئا على عصاه ، نقل أنه نحتها من الخروب ، فمات قائما ، وكان للمحراب كوى بين يديه وخلفه ، فكان الجن يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملون (٢) في حياته ، وينظرون إليه يحسبون أنه حي ، ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته قبل ذلك ، فمكثوا يدأبون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الأرضة عصا سليمان ، فخر ميتا فعلموا بموته فشكرت الجن الأرضة ، فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب ، فذلك قوله تعالى : (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) ـ وهي الأرضة ـ (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) ـ يعني عصاه ـ (فَلَمَّا خَرَّ) ـ أي سقط على الأرض ـ (تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) (١٤) (٣) أي علمت الجن (٤) وأيقنت أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين أي في التعب والشقاء مسخرين لسليمان وهو ميت ، أراد الله بذلك أن يعلم الجن أنهم لا يعلمون الغيب لأنهم يظنون حياته ، وقيل : إن معنى تبينت الجن ، أي ظهرت (٥) وانكشفت الجن للأنس ، أي ظهر أمرهم أنهم لا يعلمون الغيب ، لأنهم كانوا قد شبهوا على الإنس ذلك.

وتوفي سليمان وعمره اثنتان (٦) وخمسون سنة ، فكانت مدة ملكه أربعين سنة ، فتكون وفاته في أواخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة (٧) لوفاة موسى ، عليه‌السلام ، وذلك بعد فراغ بناء (٨) بيت المقدس بسبع وعشرين سنة ، فيكون الماضي من وفاته إلى عصرنا وهو أواخر سنة تسعمائة (٩) من الهجرة الشريفة النبوية ألفين وستمائة وثلاثا وسبعين سنة ، والله أعلم.

__________________

(١) غمم أ : غم ب ج د : غمي ه.

(٢) يعملون أ ج د ه : يعملونها ب / / في حياته أ ب ج د : في حال حياته ه.

(٣) سبأ : [١٤].

(٤) علمت الجن ... المهين ب : ـ أ ج د ه.

(٥) أي ظهرت وانكشفت الجن للإنس أ ب ج د : ـ ه.

(٦) اثنتان وخمسون ب : اثنان وخمسون أ ج د ه.

(٧) وخمسمائة أ ب ج د : ـ ه //.

(٨) بناء ب ج د : ـ أ ه / / بسبع أ : بتسع ب ج د ه.

(٩) ٩٠٠ ه‍ / ١٤٩٤ م.

٢٥٣

ونقل أن قبره بالبيت المقدس عند الجسمانية (١) ، وأنه هو وأبوه داود في قبر واحد ، واستمر بيت المقدس على العمارة السليمانية أربعمائة وثلاثا (٢) وخمسين سنة.

ذكر خراب بيت المقدس على يد بخت نصر

(٣) لما توفي سليمان ، عليه‌السلام ، ملك بعده ابنه رحبعم (٤) ، بضم الراء والحاء المهملتين وسكون الباء الموحدة وفتح العين المهملة ثم ميم ، وفي أيامه اختل نظام الملك ، وخرج عن طاعته عشرة أسباط ، ولم يبق تحت طاعته سوى سبطين ، وصار الأسباط العشرة ملوكا تعرف بملوك الأسباط ، واستمر الحال على ذلك نحو مائتين وإحدى وستين سنة.

وكان ولد سليمان في بني إسرائيل بمنزلة الخلفاء للإسلام ، لأنهم أهل الولاية ، وكان الأسباط مثل ملوك الأطراف والخوارج ، وارتحل الأسباط إلى جهات (٥) فلسطين وغيرها بالشام ، واستقر ولد داود ببيت المقدس.

واستمر رحبعم على ما استقر له من الملك ، وزاد في عمارة بيت لحم وغزة وصور (٦)(٧) ، وعمر أيلة وجددها وملك سبع عشرة سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه أفيّا ، بفتح الهمزة وكسر الفاء التي هي بين الألف والياء على مقتضى اللغة العبرانية وتشديد الياء المثناة من تحتها ثم ألف ، وكانت مدة ملكه ثلاث سنين ومات.

ثم ملك بعده ابنه أسا ، بفتح الهمزة والسين المهملة ثم ألف ، وكانت مدة ملكه إحدى وأربعين سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه يهوشافاط (٨) ، بفتح الياء المثناة من تحتها وضم الهاء

__________________

(١) الجسمانية أ د : الجسمانية ب ج ه.

(٢) وثلاثا ب : وثلاثة أ ج د : وثلاث ه.

(٣) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥١٧ ؛ الثعلبي ١٨٢ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٣٤.

(٤) يذكر ابن خلدون أن اسمه يربعام ، ينظر : ابن خلدون ١ / ١٤٨.

(٥) جهات أ ب : جهة ج د ه / / بيت المقدس أ ج د ه : بالبيت المقدس ب.

(٦) صور : مدينة في جنوب لبنان على ساحل المتوسط ، حصينة جدا والمياه تحيط بها من جهات ثلاثة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٤٤ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٥٦ ؛ الحميري ٣٦٩ ؛ القرماني ٣ / ٤٠٢.

(٧) وصور أ ج ه : + وغير ذلك ب د / / سبع عشرة أ : سبعة عشرة ب ج د ه.

(٨) يهوشافاط : كذا ضبطه ابن خلدون ١ / ١٤٩ ؛ وذكر ابن الأثير أن اسمه أسافاط ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٤٣.

٢٥٤

وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وبعدها ألف ثم فاء وألف وطاء مهملة ، وكان رجلا صالحا كثير العناية بعلماء بني إسرائيل وكانت / / مدة ملكه خمسا وعشرين [٣٥ / أ] سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه يهورام ، بفتح الياء المثناة من تحتها وضم الهاء وسكون الواو ثم راء مهملة ثم ألف وميم ، وكانت مدة ملكه ثماني سنين (١) ومات.

ثم كان (٢) بعده ابنه أهزياهو ، بفتح الهمزة والهاء المهملة وسكون الزاي المعجمة ثم مثناة من تحتها ثم ألف وهاء ثم واو ، وكانت مدة ملكه سنتين ومات.

ثم كان (٣) بعده أهزياهو فترة بغير ملك ، وحكمت في الفترة المذكورة امرأة ساحرة أصلها من جواري سليمان ، عليه‌السلام ، واسمها عثلياهو (٤) ، بفتح العين المهملة والثاء المثلثة وسكون اللام وفتح الياء المثناة من تحتها وبعدها ألف ثم هاء مضمومة ثم واو ، ويقال عثليا بغير هاء ولا واو ، وتتبعت (٥) بني داود ، فأفنتهم وسلم منها طفل أخفوه عنها ، وكان اسم ذلك الطفل يواش بن أحزبوا (٦) ، واستولت عثلياهو سبع سنين ، فيكون آخر الفترة وعدمت عثلياهو في أواخر سنة ثمان وسبعين وسبتمائة لوفاة موسى ، عليه‌السلام.

ثم ملك بعد عثلياه ويؤاش وهو ابن سبع سنين ، ويؤاش ، بضم الياء المثناة من تحتها ثم همزة وألف وشين معجمة ، وفي السنة الثالثة والعشرين من ملكه رمم بيت المقدس وجدد عمارته ، وملك أربعين سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه أمصياهو (٧) ، بفتح الهمزة والميم وسكون الصاد المهملة ومثناة من تحتها ثم ألف وهاء ثم واو ، وملك تسعا وعشرين سنة ، وقيل : خمس عشرة وقتل.

ثم ملك بعده عزياهو (٨)(٩) ، بضم العين المهملة وتشديد الزاي المعجمة ثم

__________________

(١) ثماني سنين ب ج د ه : سنتين أ.

(٢) كان أ : ملك ب ج د ه / / أهزياهو أ : أحزياهو ب ج د ه.

(٣) كان أ ج د ه : ملك ب / / أهزياهو أ : أحزياهو ب ج د ه.

(٤) وردت في الطبري باسم (عثليا) ١ / ٥٣١ ؛ وفي ابن الأثير (عزليا) ١ / ١٤٣.

(٥) وتتبعت أ ب : وتبعت ج د ه.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٤٣.

(٧) المصدر نفسه ١ / ١٤٣.

(٨) المصدر نفسه ١ / ١٤٣.

(٩) ملك بعده عزياهو أ ج ه : ثم ملك بعده ابنه عزياهو ب : ملك من بعده عزياهو د.

٢٥٥

مثناة من تحتها ثم ألف وهاء ثم واو ، وملك اثنتين وخمسين سنة ولحقه البرص ، وتنغصت عليه أيامه ، وضعف أمره في آخر وقته (١) ، وتغلب عليه ولده يوثم ومات.

ثم ملك بعده ابنه يوثم ، بضم المثناة من (٢) تحتها وسكون الواو وفتح الثاء المثلثة ثم ميم ، وفي أيامه كان يونس النبي ، عليه‌السلام ، وملك ست عشرة سنة ومات.

ثم ملك بعده (٣) ابنه آحز بهمزة ممدودة ممالة أيضا وحاء مهملة مفتوحة ثم زاي معجمة ، وملك (٤) ست عشرة سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه حزقيا (٥) ، بكسر الحاء المهملة (٦) وسكون الزاي المعجمة وكسر القاف وتشديد الياء المثناة من تحتها ثم ألف ، وكان رجلا صالحا مظفرا ، ولما دخلت السنة السادسة من ملكه انقرضت دولة الخوارج ملوك الأسباط ، الذين نبهنا عليهم عند ذكر رحبعم بن سليمان ، وانضم من بقي من الأسباط إلى حزقيا ، ودخلوا تحت طاعته ، وكان من الصلحاء الكبار وكان قد خرج عليه سنحاريب (٧) ملك بابل (٨) والموصل (٩) ، ونزل حول بيت المقدس في ستمائة ألف راية (١٠) ، فنصره الله وأهلك عسكر سنحاريب ، ووقع سنحاريب في أسره ثم أطلقه وسيره إلى بلاده ، وكان قد فرغ عمر حزقيا قبل موته بخمس عشرة سنة ، فزاده الله في عمره خمس عشرة سنة ، وأمره أن يتزوج ، وأخبره بذلك نبي كان في زمانه (١١) ، وهو أشعيا ، وأشعيا (١٢) هو الذي بشر بالنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبشر بعيسى ، عليه‌السلام ، وملك

__________________

(١) في آخر وقته ب د : في آخر وقت أ ج ه.

(٢) من ب ه : ومن أ : ـ ج د.

(٣) ثم ملك بعده ... حزقيا أ ب ج ه : ـ د.

(٤) وملك أ ه : ملك ب : ملكه ج : ـ ه.

(٥) ينظر : الإصحاح ٢٨ إلى آخر الإصحاح ٣٠ من سفر التثنية.

(٦) الحاء المهملة سكون والزاي المعجمة أ ب ج د : ـ ه.

(٧) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٣٢ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٤٣ ؛ القرماني ١ / ١٨٩.

(٨) بابل : اسم ناحية منها الكوفة والحلة ، والمشهور بهذا الاسم المدينة الخراب قرب الحلة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٣٠٣ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ١٤٥ ؛ الحميري ٧٣.

(٩) الموصل : مدينة في شمال العراق وهي مدينة قديمة على طرف دجلة ، ومقابلها من الجانب الشرقي نينوى ، وبينها وبين بغداد أربعة وسبعون فرسخا ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٦٤ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٢٨٩ ؛ الحميري ٥٥٤ ؛ القرماني ٣ / ٤٨٥.

(١٠) ستمائة ألف راية أ ج ه : ستمائة راية ب د / / عسكر سنحاريب ب ج د ه : ـ أ.

(١١) نبي كان في زمانه أ ب د : نبي ذلك الزمان ج ه.

(١٢) وأشعيا أ : + ع ب : عليه‌السلام ج د ه.

٢٥٦

حزقيا تسعا وعشرين سنة ومات.

ثم ملك (١) بعده ابنه منشا ، بميم ونون مفتوحتين وشين معجمة مشددة وألف وملك خمسا وخمسين سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه آمون (٢) ، بهمزة ممالة وميم مضمومة ثم واو ونون ، وملك سنتين ، ومات.

ثم ملك بعده ابنه يوشيا ، بضم المثناة من تحتها وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وتشديد المثناة من تحتها ثم ألف ، ولما ملك أظهر الطاعة والعبادة وجدد عمارة بيت المقدس وأصلحه ، وملك يوشيا إحدى وثلاثين سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه يهوياخين ، بياء مثناة (٣) من تحتها مفتوحة وهاء مضمومة وبعدها واو ثم ياء مثناة من تحتها مفتوحة وبعدها ألف ثم خاء معجمة مكسورة ثم ياء مثناة من تحتها ساكنة ثم نون ، ولما ملك غزاه فرعون مصر ، وهو الأعرج ، فأخذ يهوياخين (٤) أسيرا إلى مصر فمات بها ، وكانت مدة ملكه ثلاثة أشهر.

ولما أسر يهوياخين ملك بعده أخوه يهوياقيم ، بفتح المثناة من تحتها وضم الهاء ثم واو ساكنة وياء مثناة من تحتها / / وألف وقاف مكسورة وياء مثناة من تحتها [٣٥ / ب] ساكنة وميم ، وفي السنة الرابعة من ملكه تولى بخت نصر على بابل ، وكان ابتداء ولايته في سنة تسع وسبعين وتسعمائة لوفاة موسى ، عليه‌السلام ، وتفسير بخت نصر بالعبرانية ـ عطارد (٥) وهو ينطق ـ سمي بذلك لتقريبه العلماء والحكماء وحبه أهل العلم.

واختلف المؤرخون فيه هل كان ملكا مستقلا بنفسه أم كان نائبا للفرس ، والأصح عند الأكثر (٦) : أنه كان نائبا للملك اسمه لهراسف ، وبين ولاية بخت نصر والهجرة الشريفة ألف وثلثمائة وتسع وستون سنة ومائة وسبعة عشر يوما ، وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا تسعمائة سنة ، فيكون الماضي من ولاية بخت نصر إلى آخر تسعمائة من الهجرة الشريفة ألفين ومائتين وتسعا وستين سنة وأياما.

__________________

(١) ثم ملك ... سنين ومات أ ج د ه : ـ ب.

(٢) ثم ملك بعده ابنه آمون ... ومات أ ج د ه : ـ ب.

(٣) بياء مثناة ... ثم نون أ ب ج د : ـ ه.

(٤) فأخذ يهوياخين أسيرا إلى مصر أ ب ج د : ـ ه.

(٥) عطارد وهو ينطق أ ج د ه : عطارد وهو سطو ب.

(٦) الأكثر أ ب د : الأكثرين ج ه / / لهراسف أ ب د : بهراسف ج ه.

٢٥٧

وفي السنة الرابعة من ملكه ، وهي السابعة (١) من ملك يهوياقيم ، سار بخت نصر بالجيوش إلى الشام ، وغزا بني إسرائيل لما حصل منهم من التغيير (٢) والتبديل وفعل القبيح فلم يحاربه يهوياقيم ودخل تحت طاعته فأبقاه بخت نصر على ملكه ، ورجع بنو إسرائيل (٣) إلى الله تعالى ، وتابوا عن المعاصي ، فرد الله عنهم بخت نصر وبقي يهوياقيم تحت طاعة بخت نصر ثلاث سنين ، ثم خرج عن طاعته وعصى عليه (٤) ، فأرسل بخت نصر وأمسك يهوياقيم ، وأمر بإحضاره ، فمات يهوياقيم في الطريق من الخوف ، فكانت مدة ولايته نحو إحدى عشرة سنة ، وانقضى ملكه في أوائل (٥) سنة ثمان لابتداء ملك بخت نصر.

ولما أخذ يهوياقيم المذكور إلى العراق استخلف مكانه ابنه يخنيو ، بفتح المثناة من تحتها والخاء المعجمة وسكون النون وضم المثناة من تحتها ثم واو ، فأقام موضع أبيه مائة يوم ، ثم أرسل بخت نصر من أخذه إلى بابل وأخذ معه أيضا جماعة منعلماء بني إسرائيل من جملتهم : دانيال النبي ، وحزقيل (٦) النبي ، وهو من نسل هارون ، عليه‌السلام ، وحال وصول يخنيو سجنه بخت نصر. ولم يبرح مسجونا حتى مات بخت نصر.

ولما أمسك بخت نصر يخنيو نصب مكانه على بني إسرائيل عم يخنيو المذكور ، وهو صدقيا ، بكسر الصاد المهملة وسكون الدال المهملة وكسر القاف وفتح الياء المثناة من تحتها مع التشديد وبعدها ألف ، واستمر صدقيا تحت طاعة (٧) بخت نصر ، وكان أرميا النبي ، عليه‌السلام ، في أيام صدقيا فبقي يعظه ويعظ بني إسرائيل لما أحدثوا من المعاصي والطغيان ونقض التوبة ، ويهددهم ببخت نصر وهم لا يلتفتون إلى وعظه.

وفي السنة التاسعة من ملك صدقيا عصى على بخت نصر ، وكان أرميا ، عليه‌السلام ، قد رأى بخت نصر قديما ، وهو صبي أقرع ، ورآه (٨) يأكل ويتغوط

__________________

(١) وهي السابعة أ ب ج د : ـ ه.

(٢) التغير أ د : التغيير ب ج ه.

(٣) ورجع بنو إسرائيل ... ثلاث سنين أ ب ج : ـ د ه.

(٤) وعصي عليه أ ج د : وعصاه ب : وحصل عليه ه.

(٥) في أوايل أ ب ج د : أوائل ه.

(٦) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٣٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٤٩ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٣٣ ؛ القرماني ١ / ١٩١.

(٧) طاعة بخت نصر أ ب ج د : طاعته ه.

(٨) ورآه أ ب ج د : ـ ه.

٢٥٨

ويقتل القمل ، فقال له : ما هذا؟ فقال : أذى يخرج ومنفعة تدخل وعدو يقتل ، فقال له : سيكون لك شأن ، فأخذ أرميا من بخت نصر أمانا لبيت المقدس ومن فيها ، وكتب له الأمان في جلد ، فلما صار الملك إلى بخت نصر وعصى عليه صدقيا ، كما تقدم ، قصد بخت نصر بيت المقدس ، فلما بلغ سهول الرملة وأعلم أرميا بذلك سار إليه وأعطاه الأمان ، فنظره وقال : هو أماني ولكني مبعوث ، وقد أمرت أن أرمي بسهمي (١) فحيثما وقع سهمي طلبت الموضع ، فرمى بسهمه فوقع في قبة بيت المقدس ، فرجع أرميا إلى أهل (٢) بيت المقدس وأخبرهم بذلك.

ثم سار بخت نصر بالجيوش ، وكان معه ستمائة (٣) ألف راية ، ودخل بيت المقدس ، وأعانهم على ذلك النصارى (٤)(٥) قال الله تعالى : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ)(٦). قال : وهم النصارى ، لا يدخلون (٧) المسجد إلا مسارقة إن قدر عليهم عوقبوا (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ)(٨) قال : يعطون الجزية عن يد (وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩) (٩).

ذكر عمارة بيت المقدس الثانية (١٠)

لما جرى ما ذكر من تخريب بيت المقدس ولبثه على التخريب سبعين سنة ، عمّره بعد ذلك بعض ملوك الفرس واسمه عند اليهود ، كورش (١١). وقيل : اختلف فيه ، فقيل : هو دارا بن بهمن ، وقيل : هو بهمن المذكور وهو الأصح. وكان كريما متواضعا علامته على كتبه : من أردشير بهمن ، عبد الله ، وخادم الله ، والسائس لأمركم (١٢) ، وتفسير بهمن بالعبرانية : الحسن النية.

__________________

(١) بسهمي أ ج د ه : سهمي ب.

(٢) أهل ب ج د ه : أهالي أ.

(٣) ستمائة ألف أ ج د ه : ستمائة ب.

(٤) كيف يكون هناك نصارى والمسيح لم يبعث إلا بعد قرون؟!!.

(٥) النصارى أ ج د ه : الروم ب.

(٦) البقرة : [١١٤].

(٧) يدخلون ب ج ه : يدخلوا أ د.

(٨) البقرة : [١١٤].

(٩) التوبة : [٢٩].

(١٠) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٧١ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٥٨ ؛ القرماني ١ / ٩٣.

(١١) وفي الطبري باسم كيرش ، ينظر : الطبري ١ / ٥٧١ ؛ وعند القرماني يوشك ١ / ٩٣.

(١٢) لأمركم أ ج د : لأموركم ب : وأمركم ه.

٢٥٩

وكان قد امره الله على لسان عبده أرميا النبي ، عليه‌السلام (١) ، أن يبني بيت المقدس. ففعل ذلك ، وأصعد إليها من بني إسرائيل أربعين ألفا ، وقربوا القرابين على رسومهم الأولى ، ورجعت إليهم دولتهم ، وعظم محلهم عند الأمم ، قال الله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها)(٢) ، وعاد البلد أحسن مما كان.

وحكى بعض المؤرخين : إن الله تعالى أوحى إلى أشعيا النبي ، عليه‌السلام ، أن كورش يعمر بيت المقدس ، ذكر لفظ أشعيا الذي قال (٣) في الفصل الثاني والعشرين (٤) من كتابه حكاية عن الله ، عز وجل ، وهو أن القائل لكورش راعى الذي يتمم جميع محياي ، ويقول لأورشليم عودي مبنية ، ولهيكلها كن زخرفا مزينا ، هكذا قال الرب لمسبحه كورش الذي أخذ بيمينه لتدبير الأمم ، وينحي ظهور [٣٦ / أ] الملوك ، سائرا يفتح الأبواب / / أمامه فلا تغلق (٥) ، وأسهل لك الوعر ، وأكسر أبواب النحاس ، وأحبوا لك بالدخائر التي في الظلمات ، انتهى.

ولما عادت عمارة بيت المقدس تراجع (٦) إليه بنو إسرائيل من العراق وغيره ، وكانت عمارته في أول سنة تسعين لابتداء ولاية بخت نصر.

ولما تراجع بنو إسرائيل إلى القدس كان من جملتهم عزير ، عليه‌السلام (٧) ، وكان بالعراق ، وقدم معه من بني إسرائيل ما يزيد على ألفين من العلماء وغيرهم ، وترتب (٨) مع عزير في القدس مائة وعشرون شيخا من علماء بني إسرائيل ، وكانت التوراة (٩) قد عدمت منهم إذ ذاك ، فمثلها الله تعالى (١٠) في صدر العزير ووضعها لبني إسرائيل يعرفونها بحلالها وحرامها ، فأحبوه حبا شديدا ، وأصلح العزير أمرهم ، وأقام بينهم على ذلك.

__________________

(١) عليه‌السلام أ ج د ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(٢) الإسراء : [٦].

(٣) قال أ : ذكره ب د : قاله ج ه.

(٤) ينظر : سفر أشعيا ؛ الإصحاح ٤٤ ـ ٤٥ ص ١٠٤٧.

(٥) فلا أ ج د ه : ولا ب / / وأحبوا لك أ : وأحبوك ب ج د ه.

(٦) تراج أ ج د ه : رجع ب.

(٧) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٩ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٥٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٥٨ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٤٣.

(٨) وترتب أ ج د ه : ورتب ب.

(٩) التوراة أ ب ج د : التورية ه.

(١٠) تعالى أ ج د ه : ـ ب.

٢٦٠