الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

مجير الدين الحنبلي العليمي

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

المؤلف:

مجير الدين الحنبلي العليمي


المحقق: عدنان يونس عبد المجيد أبو تبّانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

تلقاه (١) الأول منهم ، ثم الذي يليه ويلقيه بعضهم إلى بعض حتى ينتهي إلى المسجد ، وجعل فرقة لقطع الرخام الأبيض الذي منه ما هو مثل بياض اللبن بمعدن يقال له السامور والذي دلهم على معدن السامور عفريت من الشياطين كان في جزيرة من جزائر البحر ، فدلوا سليمان ، عليه‌السلام ، فأرسل إليه بطابع من حديد ، وكان خاتمه يرسخ في الحديد والنحاس فيطبع إلى الجن بالنحاس وإلى الشياطين بالحديد ولا يجيبه أقصاهم إلا بذلك ، وكان / / خاتما (٢) نزل عليه من السماء حلقته بيضاء وطابعه كالبرق لا يستطيع أحد أن يملأ بصره منه فلما وصل الطابع إلى العفريت وجيء به قال له : هل عندك من حيلة أقطع بها الصخر فإني لأكره (٣) صوت الحديد في مسجدنا هذا ، والذي أمرنا الله به من ذلك هو الوقار والسكينة.

فقال له العفريت : إني لا أعلم في السماء طيرا أشد من العقاب ولا أكثر حيلة منه ، وذهب يبتغي وكر عقاب ، فوجد وكرا (٤) ، فغطى عليه بترس عظيم من حديد ، فجاء العقاب إلى وكره ، فوجد الترس مسدودا ، فنفخه (٥) برجله ليزيحه أو ليقطعه ، فلم يقدر عليه فحلق في السماء ، ولبث يومه وليلته ، ثم أقبل ومعه قطعة من السامور ، فتعرفت (٦) عليه الشياطين حتى أخذوها منه ، وأتوا بها سليمان ، عليه‌السلام ، فكان (٧) يقطع بها الصخرة العظيمة.

وكان (٨) عدد من عمل معه في بناء بيت المقدس ثلاثين ألف رجل وعشرة آلاف يتراوحون عليهم قطع الخشب (٩) في كل شهر عشرة آلاف خشبة وكان الذين يعملون في الحجارة سبعين (١٠) ألف رجل ، وعدد الأمناء عليهم ثلاثمائة غير المسخرين من الجن والشياطين ، وعمل فيه سليمان (١١) عملا لا يوصف وزينه بالذهب والفضة والدر والياقوت والمرجان وأنواع الجواهر في سمائه وأرضه وأبوابه

__________________

(١) تلقاه أ ب ج ه : ألقاها د.

(٢) خاتما أ ب ه : خاتمه ج د.

(٣) لأكره أ د : أكره ب ج ه.

(٤) وكرا أ ب ج د : وكره ه / / بترس عظيم أ ج : بترس غليظ ب د : بريش غليظ ه.

(٥) فنفخه أ د ه : فبحثه ب : فنفحه ج.

(٦) فتعرفت أ د : فتفرقت ب ج ه.

(٧) فكان أ : وكان ب د : فكانوا ج ه / / بها أ : + إلى ب ج د ه.

(٨) وكان ب : فكان أ ج : فكانوا د ه / / ثلاثين ب : ثلاثون أ ج د ه.

(٩) الخشب أ ب : الأخشاب ج د ه / / في كل شهر ... خشبه أ ب ج ه : ـ د.

(١٠) سبعين أ ب : سبعون ج د ه.

(١١) سليمان أ : + عليه‌السلام ب ج د ه.

٢٢١

وجدرانه وأركانه ما لم ير مثله وسقفه بالعود اليلنجوج (١)(٢) ، وصنع له مائتي سكرة من الذهب زنة كل سكرة منها عشرة أرطال وأولج فيه تابوت موسى وهارون ، عليهما‌السلام.

ولما فرغ سليمان ، عليه‌السلام ، من بناء بيت المقدس أنبت الله شجرتين عند باب الرحمة إحداهما تنبت الذهب ، والأخرى تنبت الفضة فكان في كل يوم ينزع من كل واحدة مائتي رطل ذهبا وفضة ، وفرش المسجد بلاطة من ذهب وبلاطة من فضة ، فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، كان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر.

وكانت صخرة بيت المقدس أيام سليمان ، عليه‌السلام ، ارتفاعها اثني عشر ذراعا ، وكان الذراع ذراع الأمان ذراعا وشبرا وقبضة ، وكان ارتفاع القبة التي عليها (٣) ثمانية عشر ميلا ، وروي اثني عشر ميلا ، وفوق القبة غزال (٤) من ذهب بين عينيه درة أو ياقوتة حمراء ، تغزل نساء البلقاء على ضوئها بالليل (٥)(٦) ـ وهي فوق مرحلتين (٧) من القدس ـ وكان أهل عمواس (٨) يستظلون بظل القبة إذا طلعت الشمس من المشرق (٩) ، وعمواس بفتح الميم وسكونها ، وهي التي سمي بها الطاعون على الراجح لأنه منها ابتداء ، وكان في سنة ١٨ (١٠) من الهجرة (١١) ، وهي بالقرب من رملة فلسطين مسافتها عن بيت المقدس نحو بريد ونصف ، وإذا غربت الشمس استظل بها أهل بيت الرامة وغيرهم من الغور ، ومسافتها عن

__________________

(١) العود اليلنجوج : العود الطيب الرائحة ، ينظر : المعجم الوسيط ٢ / ٨٤٩.

(٢) اليلنجوج أ ب : الأنجوح ج ه : الافلنج د / / سكرة أ ب : فقل ج د ه.

(٣) التي عليها أ ب د : الذي عليها ج ه.

(٤) غزال أ ب : صفة غزال ج د ه.

(٥) هذه الخرافة ليس هناك أي دليل عقلي أو منطقي يسندها واستنكرها ابن تيمية في فتاويه ، ينظر : ابن تيمية ٢٧ / ١٣ ؛ ابن كثير ، البداية ٨ / ١٨٠ ؛ التنشئة ١٢٩.

(٦) المرحلة : المسافة يقطعها السائر في نحو يوم ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١١ / ٣٨٠ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٣٤٧.

(٧) بالليل أ ب د : في الليل ج ه.

(٨) عمواس : كورة من فلسطين قرب بيت المقدس ، وكانت عمواس قصتها قديما وهي على بعد ستة أميال من القدس ، وقد اشتهرت بالطاعون أول الفتح ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٩٦٣ ؛ الحميري ٤١٥ ؛ شراب ٤٣٦.

(٩) من المشرق أ ب د : من الشرق ج ه.

(١٠) ١٨ أ ج د ه : ثماني عشرة ب.

(١١) ١٨ ه‍ / ٦٣٩ م.

٢٢٢

بيت المقدس أبعد من عمواس.

قال بعض المؤرخين : وعمل خارج البيت سورا محيطا به (١) امتداده خمسمائة ذراع وأقام سليمان في عمارة بيت المقدس سبع سنين ، وفرغ منه في السنة الحادية عشر من ملكه ، فيكون الفراغ من عمارة بيت المقدس في أواخر سنة ٥٤٦ (٢) لوفاة موسى ، عليه‌السلام ، ومن هبوط آدم ، عليه‌السلام ، إلى ابتداء سليمان ببناء بيت المقدس ٤٤١٤ (٣) سنة ، وبين عمارة بيت المقدس والهجرة الشريفة (٤) المحمدية ، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، ألف وثمانمائة وقريب ستين ، وقد مضى (٥) من الهجرة الشريفة إلى عصرنا هذا ٩٠٠ سنة كاملة ، فيكون الماضي من عمارة بيت المقدس على يد سليمان إلى عصرنا هذا أواخر ذي الحجة ختام عام ٩٠٠ ه‍ ألفين وسبعمائة سنة وقريب ستين.

وأما بناء بيت المقدس (٦) الأول فقد تقدم أن أول من بناها سام بن نوح ، وكانت وفاته بعد الطوفان بخمسمائة سنة ، ومن وفاة سام إلى بناء سليمان (٧) ألف وستمائة واثنتان وسبعون سنة ، / / وبين الطوفان والهجرة الشريفة ثلاث آلاف وتسعمائة أربع وسبعون (٨) سنة ، فيكون الماضي من وفاة سام إلى آخر سنة ٩٠٠ (٩) من الهجرة الشريفة ٤٣٧٤ سنة ، فيعلم من ذلك تاريخ بناء مدينة القدس (١٠) الأول تقريبا ، والله أعلم.

وملخص القول : إن من هبوط آدم ، عليه‌السلام ، إلى الطوفان ألفين ومائتين واثنتين وأربعين سنة ، ومن الطوفان إلى وفاة سام بن نوح خمسمائة سنة ، ومن وفاة سام إلى بناء سليمان بيت المقدس ألف وستمائة واثنتين وسبعين سنة ، ومن بناء سليمان إلى الهجرة الشريفة ألفا وثمانمائة (١١) وقريب ستين ، ومن الهجرة الشريفة

__________________

(١) به أ ج د ه : ـ ب.

(٢) ٥٤٦ أ ج د ه : سنة ستة وأربعين وخمسمائة ب.

(٣) ٤٤١٤ أ ج د ه : أربعة آلاف وأربعمائة وأربع عشرة سنة ب.

(٤) الشريفة أ : + النبوية ب ج د ه.

(٥) وقد مضى ... هذا سنة ٩٠٠ أ ج د ه : ـ ب.

(٦) بيت المقدس أ ج د ه : مدينة القدس ب.

(٧) سليمان أ ج د ه : + بيت المقدس ب.

(٨) ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربع وسبعون ب ٩٠٠ : ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربعة وسبعون أ ج د ه.

(٩) ٩٠٠ أ د ه : تسعمائة ب ج / / ٤٣٧٤ سنة أ ج د ه : أربعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين ب.

(١٠) مدينة القدس أ : بيت المقدس ب ج د ه.

(١١) وثمانمائة أ ج د ه : وثلثمائة ب.

٢٢٣

إلى عصرنا هذا تسعمائة سنة.

فهذه المدة التي تقدم تفصيلها قبل ذلك في أماكن متفرقة وجملتها : من هبوط آدم إلى آخر سنة تسعمائة (١) من الهجرة الشريفة سبعة آلاف سنة ومائة سنة وستة عشر سنة على اختيار المؤرخين كما تقدم عند ذكر سيدنا آدم ، عليه‌السلام ، والخلاف في ذلك كثير ويأتي ذكر بناء مدينة سيدنا الخليل ، عليه‌السلام ، وأول من اختطها فيما بعد ، إن شاء الله تعالى.

ولما فرغ (٢) سليمان من بناء مسجد بيت المقدس سأل الله ثلاثا : سأله حكما يوافق حكمه ، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، وسأله أن لا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه ، إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، ولهذا كان عبد الله بن عمر ، رضي‌الله‌عنهما ، يأتي بيت المقدس فيدخل (٣) فيصلي ركعتين ، ثم يخرج ولا يشرب فيه ، كأنه يطلب دعوة سليمان.

وروي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «إن سليمان بن داود ، عليهما‌السلام (٤) ، سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنتين ، ونحن نرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة : سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه (٥) ، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه ، وسأله أيما رجل يخرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه ، فنحن نرجو أن يكون قد أعطاه إياه» (٦).

ولما رفع سليمان (٧) ، عليه‌السلام ، يده من البناء بعد الفراغ منه وإحكامه ، جمع الناس وأخبرهم أنه مسجد لله تعالى ، وهو أمره ببنائه ، وأن كل شيء فيه لله سبحانه وتعالى من انتقصه (٨) أو شيئا منه فقد خان الله تعالى ، وأن داود عهد إليه ببنائه وأوصاه بذلك من بعده ، ثم اتخذ طعاما وجمع الناس جمعا لم ير مثله قط ، ولا طعاما أكثر منه ، ثم أمر بالقرابين (٩) فقربت إلى الله تعالى ، وجعل القربان في رحبة المسجد وميز ثورين وأوقفهما قريبا من

__________________

(١) ٩٠٠ ه‍ / ١٤٩٤ م.

(٢) ولما فرغ أ ب ج د : فلما فرغ ه / / مسجد أ : ـ ب ج د ه.

(٣) فيدخل أ ج د ه : ـ ب.

(٤) عليهما‌السلام أ ج د ه : ع ب.

(٥) إياه أ ج د ه : ـ ب.

(٦) ينظر : ابن كثير ، البداية ٢ / ٢٦ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٢١.

(٧) رفع سليمان أ ب ج د : فرغ سليمان ه.

(٨) من انتقصه أ ب د : فمن انتقصه ج ه.

(٩) بالقرابين أ ب ج د : القرابين ه.

٢٢٤

الصخرة (١) ، ثم قام على الصخرة ، فدعا بدعائه المتقدم ذكره ، وزاد عليه زيادة وهي : اللهم أنت وهبت لي هذا الملك منّا منك وطولا عليّ (٢) وعلى والدي ، وأنت ابتدأتني وإياه بالنعمة والكرامة ، وجعلته حكما بين عبادك وخليفة في أرضك ، وجعلتني وارثه من بعده وخليفة في قومه ، وأنت الذي خصصتني بولاية مسجدك هذا ، وأكرمتني به قبل أن تخلقني ، فلك الحمد على ذلك ، ولك المن ولك الطول ، اللهم وأسألك (٣) لمن دخل هذا المسجد خمس خصال (٤) :

أن لا يدخل إليه مذنب لا يعمده إلا لطلب التوبة أن تتقبل منه توبته وتغفر له ، ولا يدخله خائف لا يعمده إلا لطلب الأمن أن تؤمنه (٥) من خوفه وتغفر له ذنبه ، ولا يدخله (٦) سقيم لم يعمده إلا لطلب الشفاء أن تشفي سقمه وتغفر ذنبه ولا يدخله مقحط لا يعمده إلا للاستسقاء أن تسقي (٧) بلاده ، وأن لا تصرف بصرك عن من دخله حتى يخرج منه ، اللهم إن أجبت دعوتي وأعطيتني مسألتي ، فاجعل علامة ذلك أن تتقبل مني قرباني ، فتقبل القربان ، ونزلت نار من السماء فامتدت بين (٨) الأفقين ، ثم امتد عنق منها فأخذ القربان وصعد به إلى السماء.

وروي أن نبي الله سليمان ، عليه‌السلام ، لما فرغ من بنائه ، ذبح ثلاثة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة ، ثم أتى المكان / / الذي في مؤخرة المسجد مما يلي باب الأسباط وهو الموضع الذي يقال له كرسي سليمان (٩) وقال : اللهم من أتاه من ذي ذنب فاغفر له ، أو ذي ضر فاكشف ضره ، فلا يأتيه أحد إلا أصاب من دعوة سليمان ، عليه‌السلام.

وهذا الموضع الذي هو معروف بكرسي سليمان من الأماكن المعروفة بإجابة الدعاء وهو داخل القبة المعروفة بقبة سليمان (١٠) عند باب

__________________

(١) الصخرة أ ب ج ه : + المشرفة د.

(٢) عليّ أ ب ج ه : إلى د / / وجعلته أ ب ج د : وجعلت ه.

(٣) وأسألك أ ج د ه : إني أسألك د.

(٤) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٢١.

(٥) أن تؤمنه أ ه : من أن تؤمنه ب ج د.

(٦) ولا يدخله ... ذنبه أ ب ج ه : ـ د / / لطلب الشفاء أ ب ج د : للاستشفاء ه.

(٧) تسقي أ : أن تسقي ب ج د : ـ ه.

(٨) بين أ : ما بين ب ج د ه / / امتد عنق أ ب ج ه : امتد لها د.

(٩) كرسي سليمان : المكان الذي في مؤخر المسجد مما يلي باب الأسباط ، ينظر : العليمي ٢٨ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٢٣ ؛ النابلسي ١٤٩.

(١٠) قبة سليمان : ينظر : العليمي ٢٨ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٢٣ ؛ النابلسي ١٤٩ ؛ النتشه ١٤٩ ؛ العارف ،

٢٢٥

الدويدارية (١) ، ورتب له سليمان ، عليه‌السلام ، عشرة آلاف من قراء بني إسرائيل خمسة آلاف بالليل وخمسة آلاف بالنهار حتى لا تأتي ساعة من ليل ولا نهار إلا والله تعالى يعبد فيه.

وكان سليمان ، عليه‌السلام ، إذا دخل مسجد بيت المقدس ، وهو ملك الأرض ، يقلب بصره ليرى أين يجلس المسكين (٢) من العمي والخرس ، والمجذوبين ، فيدع الناس وينطلق (٣) فيجلس معهم تواضعا ، ويرفع طرفه إلى السماء ، ثم يقول : مسكين مع المساكين.

وروي أن مفتاح بيت المقدس كان يكون عند سليمان (٤) ولا يأمن عليه أحد ، فقام ذات ليلة ليفتحه فعسر عليه (٥) ، فاستعان عليه بالأنس فعسر عليهم ، ثم استعان عليه بالجن فعسر عليهم ، فجلس كثيبا حزينا يظن أن ربه قد منعه منه ، فبينما هو كذلك إذ أقبل شيخ يتكىء على عصا له (٦) وقد طعن في السن ، وكان من جلساء داود ، عليه‌السلام ، فقال : يا نبي الله أراك حزينا؟ فقال : قمت إلى هذا الباب لأفتحه (٧) ، فعسر عليّ ، فاستعنت عليه بالأنس والجن فلم ينفتح ، فقال الشيخ : ألا أعلمك كلمات كان أبوك يقولهن عند كربه فيكشف الله عنه (٨)؟ قال : بلى ، قال : قل اللهم بنورك اهتديت ، وبفضلك استعنت ، وبك أصبحت وأمسيت ، ذنوبي بين يديك ، أستغفرك وأتوب إليك ، يا حنان يا منان ، فلما قالها فتح له الباب ، فيستحب أن يدعو الزائر وغيره بهذا الدعاء إذا دخل من باب الصخرة وكذلك من باب المسجد.

ومن العجائب التي كانت ببيت المقدس السلسلة (٩) التي جعلها سليمان بن

__________________

تاريخ قبة الصخرة ٢٠٢.

(١) الدويدارية : نسبة إلى الدودار : أي ممسك الدواة والوظيفة اسمها الدوادارية وصاحبها يحمل دواة السلطان أو الأمير ويقوم بإبلاغ الرسائل وتقديم الشكاوى إليه ويعرف هذا الباب بباب شرف الأنبياء ، ينظر : القلقشندي ، صبح ٤ / ١٩ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٠٤ ؛ عاشور ٤٣٨.

(٢) المسكين أ ج د ه : المساكين ب.

(٣) ويطلق أ ج د ه : ـ ب / / ويرفع أ : لا يرفع ب ج د ه.

(٤) سليمان أ : + عليه‌السلام ب ج د ه.

(٥) فعسر عليه أ د : فصعب عليه ب : فتعسر عليه ب ج.

(٦) عصا له أ ب ج د : عصاه هت.

(٧) لأفتحه أ ب ج ه : لفتحه ه.

(٨) عند كربه فيكشف الله عنه أ ب ج د : ـ ه.

(٩) هذه الخرافة ليس لها أساس شرعي من كتاب أو سنة ولا تتناسب مع المنطق العقلي السليم ، ينظر : ابن كثير ، البداية ٢ / ٢٦ ؛ العارف ، تاريخ قبة الصخرة ٢٣٤.

٢٢٦

داود ، عليهما‌السلام ، معلقة من السماء إلى الأرض شرقي الصخرة مكان قبة السلسلة (١) ، الموجودة الآن وفيها يقول الشاعر

لقد مضى الوحي ومات العلا (٢)

وارتفع الجود مع السلسلة

وكانت هذه السلسلة لا يأتيها رجلان إلا نالها المحق منهما ومن كان مبطلا ارتفعت فلم ينلها ، وملخص حكايتها مع اختلاف فيه : أن رجلا يهوديا كان قد استودعه رجل مائة دينار ، فلما طلب الرجل وديعته جحده ذلك اليهودي فترافعا (٣) إلى ذلك المقام عند السلسلة ، فأخذ اليهودي بمكره ودهائه ، فسبك تلك الدنانير ، وحفر لها (٤) في عصاه وجعلها فيه ، فلما أتى ذلك المقام دفع العصا إلى صاحب الدنانير ، وقبض على السلسلة ، ثم حلف بالله لقد أعطاه دنانيره ، ثم دفع إليه صاحب الدنانير العصا ، وأقبل حتى أخذ السلسلة ، فحلف أنه لم يأخذها منه ومسك (٥) كلاهما السلسلة ، فعجب الناس من ذلك ، فارتفعت السلسلة من ذلك اليوم لخبث الطويات (٦) وحكى غير ذلك.

وعمل (٧) سليمان ، عليه‌السلام ، تحت الأرض بركة وجعل فيها ماء وجعل على وجه ذلك الماء بساطا وجلس رجل عظيم أو قاض جليل فمن كان على الباطل إذا وقع في ذلك الماء غرق ، ومن كان على الحق لا يغرق.

ومن العجائب التي كانت أيضا في بيت المقدس في الزمان (٨) الأول ما حكاه (٩) صاحب (مثير الغرام) (١٠) أن الضحاك بن قيس (١١) صنع فيه العجائب :

__________________

(١) قبة السلسلة : قبة ظريفة مكشوفة من جميع جوانبها ، بمنزلة الخيمة الكبيرة المثمنة ، وهي قبالة الباب الشرقي الذي لجامع الصخرة ، ينظر : العليمي ٢٥ ـ ٢٧ ؛ السيوطي ، إتحاف ١٢٢ ؛ النابلسي ١٣٦ ؛ نجم ٧٣ ؛ العارف ، تاريخ قبة الصخرة ١٩٩.

(٢) ومات العلا أ ب ج ه : وزال العلا ه.

(٣) فترافعا ب : فارتفعوا أ ج د ه.

(٤) وحفر لها في عصاه أ ج ه : وحفر جوف عصاه فيها ب : وحفر فيها د.

(٥) ومسك أ ج د ه : ومس ب.

(٦) لخبث الطويات أ ب ج ه : ـ د.

(٧) وعمل أ ه : وجعل ب ج : وحفر د.

(٨) الزمان أ ب ج ه : ـ د.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ١٧٩ ـ ١٨٠.

(١٠) صاحب مثير الغرام : كتاب مثير الغرام بفضائل القدس والشام تأليف الإمام أبي محمود أحمد بن إبراهيم بن هلال بن تيم بن سرور المقدسي الشافعي ، توفي سنة ٧٦٥ ه‍ / ١٣٦٣ م ، ينظر : ابن حجر ، الدرر ١ / ٢٥٧ ؛ حاجي خليفة ٢ / ١٥٨٩ ؛ العارف ، تاريخ قبة الصخرة ٢٤٢.

(١١) الضحاك بن قيس : اختلف كتب الأنساب في نسبه وقيل : هو الضحاك بن عدنان أخوه معد بن عدنان ،

٢٢٧

الأولى : أنه صنع به في ذلك الزمان نارا عظيمة اللهب ، فمن عصى الله في تلك الليلة أحرقته تلك النار حين ينظر إليها.

الثانية (١) : من رمى بيت المقدس بنشابة ، رجعت النشابة إليه.

الثالثة (٢) : وضع كلبا من خشب على باب بيت المقدس فمن كان عنده شيء [٣٠ / أ] من السحر إذا مرّ بذلك الكلب ، فإذا نبح (٣) عليه نسي ما عنده / / من السحر.

الرابعة (٤) : وضع بابا فمن دخل من ذلك الباب إذا كان ظالما من اليهود ضغطه ذلك الباب حتى يعترف بظلمه.

الخامسة (٥) : وضع عصا في محراب بيت المقدس فلم يقدر أحد يمس تلك العصا إلا من كان من ولد الأنبياء ومن كان سوى ذلك أحرقت يده.

السادسة (٦) : كانوا يحبسون أولاد الملوك عندهم في محراب بيت المقدس فمن كان من أهل المملكة إذا أصبح أصابوا يده مطلية بالدهن.

وكان ولد هارون يجيئون إلى الصخرة ويسمونها الهيكل بالعبرانية وكانت تنزل عليهم عين زيت من السماء ، فتدور في القناديل فتملأها من غير أن تمس ، وكانت تنزل نار من السماء فتدور على مثال سبع على جبل طور زيتا ، ثم تمتد حتى تدخل من باب الرحمة (٧) ، ثم تصير على الصخرة فيقول ولد هارون : تبارك الرحمن لا إله إلا هو.

فغفلوا ذات ليلة عن الوقت الذي كانت تنزل النار فيه ، فنزلت وليس هم حضورا ، ثم ارتفعت النار ، فجاءوا فقال الكبير للصغير : يا أخي قد كتبت الخطيئة أي شيء ينجينا من بني إسرائيل إن تركنا هذا البيت الليلة بلا نور ولا سراج ، فقال

__________________

واليمن تدعيه وتزعم أنه قحطاني من ولد الهيوب ابن الأزد ، ينظر : المقدسي ، مثير ١٧٩ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ٢١٧.

(١) الثانية أ : والثانية ب ج د ه.

(٢) الثالثة أ ج د ه : والثالثة ب / / باب بيت المقدس أ ب ج ه مثير الغرام. مدينة بيت المقدس د.

(٣) فإذا نبح ب ه : نبح أ ج د.

(٤) الرابعة أ د ه : والرابعة ب ج.

(٥) الخامسة أ ج ه : والخامسة ب : الخامس د.

(٦) السادسة أ : والسادسة ب ج د ه.

(٧) باب الرحمة ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٩٧ ؛ النابلسي ٩٨ ؛ العارف ، تاريخ قبة الصخرة ٢١٨ ؛ الدباغ ١٠ / ٥٩.

٢٢٨

الصغير للكبير : تعال حتى نأخذ من نار الدنيا فنسرج القناديل لئلا يبقى هذا البيت في هذه الليلة بلا نور ولا سراج ، فأخذا (١) من نار الدنيا وأسرجا فنزلت عليها النار في ذلك الوقت ، فأحرقت نار السماء نار الدنيا وأحرقت ولدي هارون ، فناجى نبي ذلك الزمان ، فقال : يا رب أحرقت ولدي هارون وقد علمت مكانهما فأوحى الله تعالى إليه (٢) هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني فكيف بأعدائي (٣)؟؟!!.

قصة طلسم الحيات (٤)

قال الحافظ ابن عساكر : قرأت في كتاب قديم فيه : وفي بيت المقدس حيات عظيمة قاتلة إلا أن الله تعالى قد تفضل على عباده بمسجد على ظهر الطريق أخذه عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، من كنيسة هناك تعرف بمقامة وفيه أسطوانتان كبيرتان من حجارة على رأسهما صورة (٥) حيات يقال إنه (٦) طلسم لها فمتى لسعت إنسانا حية في بيت المقدس لم يضره شيئا ، وإن خرج عن بيت المقدس شبرا من الأرض مات في الحال ، ودواؤه من ذلكأن يقيم بيت المقدس ثلاثمائة وستين يوما ، فإن خرج وقد بقي من العدة يوم واحد هلك.

وذكر (٧) الهروي (٨) أيضا نحو هذا في كتاب الزيارات له ، قال صاحب مثير الغرام (٩) رحمه الله : وقد أخبرني الفقيه شمس الدين محمد بن علي بن عقبة وهو معدل (١٠) فاضل ثقة : أن ذلك اتفق لشخص سماه هو وأنسيت اسمه كان يلقب بآكل الحيات ، فلدغته حية فخرج من القدس فمات وهذا يؤيد ما ذكراه.

وقلت (١١) : وهذا المسجد معروف وهو بحارة النصارى بالقدس الشريف ،

__________________

(١) فأخذا أ ج د ه : فأخذ ب.

(٢) إليه أ ج د ه : ـ ب.

(٣) بأعدائي أ ج : أفعل بأعدائي ب د ه.

(٤) من الخرافات التي لا تتناسب مع المنطق السليم ولو أنها صحيحة لرأيناها في عصرنا هذا.

(٥) صورة أ ج د ه : صور ب.

(٦) أنه أ ج د ه : أنها ب / / يضره أ : تضره ب ج د ه.

(٧) ينظر : الهروي ٢٧.

(٨) ينظر : أبو الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي ، اشتهر بالسياحة والتنقل بين البلدان ، له مصنفات منها : «كتاب الإشارات في معرفة الزيارات» ، «الخطب الهروية» ، وتوفي عام ٦١١ ه‍ / ١٢١٤ م ؛ ينظر : ابن خلكان ٣ / ٣٤٦ ؛ ابن العماد ٥ / ٤٩.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ١٨٣.

(١٠) معدل أ ج د ه مثير : عدل ب.

(١١) وقلت أ د ه : قلت ب ج.

٢٢٩

بجوار كنيسة (١) قمامة من جهة الغرب وعن يمنة السالك من درج القمامة إلى الخانقاه الصلاحية ، والذي يظهر أن طلسم الحيات بطل منه ، والله أعلم.

ولما انتهت عمارة مسجد بيت المقدس شرع سليمان ، عليه‌السلام ، في بناء دار مملكته بالقدس الشريف ، واجتهد في عمارتها وتشييدها ، وفرغ منها في مدة ثلاث عشرة سنة ، وانتهت عمارتها في السنة الرابعة والعشرين من ملكه.

قصة بلقيس (٢)

وفي السنة الخامسة والعشرين من ملكه (٣) جاءته بلقيس ملكة اليمن ومن معها وقصتها معه مشهورة وملخصها : أن سيدنا سليمان (٤) لما فرغ من بناء بيت المقدس ، عزم على الخروج إلى مكة ، فتجهز للسير واستصحب من الجن والإنس والشياطين والطيور والوحوش ما بلغ معسكره (٥) مائة فرسخ ، فحملتهم الريح ، فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم ، وكان ينحر كل يوم طول مقامة بمكة ، خمسة آلاف ناقة ، ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة ، وقال لمن حضره من أشراف [٣٠ / ب] قومه : إن هذا (٦) مكان يخرج منه / / نبي عربي (٧) صفته كذا وكذا ، يعطي النصر على من عاداه ، وتبلغ هيبته مسيرة شهر ، القريب والبعيد عنده في الحق سواء ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، قالوا : فبأي دين يدين يا نبي الله (٨)؟ قال : يدين بدين الحنيفية فطوبى لمن آمن به وأدركه ، فقالوا : كم بيننا وبين خروجه يا نبي الله؟ قال : مقدار ألف عام ، فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل.

فأقام بمكة حتى قضى نسكه ، ثم خرج من مكة صباحا وسار حتى لحق اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال (٩) ، فرأى أرضا حسناء ، تزهى خضرتها ، فأحب النزول بها ليتغدى ويصلي.

وكان الهدهد دليل سليمان على الماء فإنه كان يعرف موضع

__________________

(١) كنيسة أ ب ج ه : ـ د.

(٢) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٨٥ ؛ الثعلبي ١٧٣ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٢١.

(٣) ملكه أ ب ج ه : ملك سليمان د.

(٤) سليمان أ ج د ه : عليه‌السلام ب.

(٥) معسكره أ ب ج ه : عسكره د.

(٦) إن هذا أ ج د ه : ـ ب.

(٧) نبي عربي أ ب ج ه : النبي العربي د.

(٨) يا نبي الله أ ب ج ه : ـ د.

(٩) وقت الزوال فرأى أ ج د ه : وقت الزوال وذلك مسيرة شهر ب.

٢٣٠

الماء (١) ويراه تحت الأرض كما يرى في الزجاجة (٢) ، فيعرف قربه من بعده.

فينقر الأرض حتى تجيء الشياطين فيسلخونها ويستخرجون الماء ، فلما نزل سليمان قال الهدهد : إن سليمان قد اشتغل بالنزول ، فارتفع نحو السماء حتى نظر إلى طول الدنيا وعرضها ، فنظر يمينا وشمالا ، فرأى بستانا (٣) لبلقيس ، فمال إلى الخضرة ، فوقع فيه فإذا هو هدهد ، فهبط عليه ، وكان اسم هدهد (٤) سليمان يعفور واسم هدهد اليمن عنفير.

فقال عنفير اليمن ليعفور سليمان : من أين أقبلت وأين تريد؟ قال : أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود ، فقال : ومن سليمان؟ قال : ملك الجن والإنس (٥) والشياطين والوحوش والطيور والرياح ، فقال يعفور لعفير : من (٦) أين أنت؟ قال : أنا من هذه البلاد ، قال : ومن ملكها؟ قال : امرأة يقال لها بلقيس وإن لصاحبكم ملكا عظيما ولكن ليس ملك بلقيس دونه ، فإنها ملكة اليمن كلها وتحت يديها اثنا عشر ألف قائد تحت يد كل قائد مائة ألف مقاتل ، فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها؟ قال : أخلف أن يفتقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج الماء ، قال الهدهد اليماني : إن صاحبكم يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة ، فانطلق معه ونظر (٧) إلى بلقيس وملكها وما رجع إلى سليمان إلى وقت (٨) العصر ، فلما نزل ودخل عليه وقت الصلاة ، وكان نزل على غير ماء ، فسأل الجن والإنس والشياطين عن الماء فلم يعلموا ، فتفقد الطير ففقد الهدهد فدعى عريف الطير (٩) وهو النسر فسأله عن الهدهد فقال : أصلح (١٠) الله الملك ما أدري أين هو وما أرسلته مكانا ، فغضب عند ذلك سليمان وقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١))(١١).

__________________

(١) موضع الماء أ ب ه : مواضع ج د.

(٢) الزجاجة أ ب : الزجاج ج د ه.

(٣) بستانا لبلقيس أ ب : بستانا مليح لبلقيس ج د ه / / فمال إلى الخضرة فوقع فيه أ ب : ـ ج د ه.

(٤) هدهد أ ج د ه : بهدهد ب.

(٥) الجن والإنس أ : الإنس والجن ب ج د ه / / والشياطين أ ب ج ه : ـ د.

(٦) من أ : فمن ب ج د ه.

(٧) ونظر أ ج د ه : حتى نظر ب.

(٨) إلى وقت أ د : إلا وقت ب : لوقت ج ه.

(٩) الطير أ ب ج ه : الطيور د.

(١٠) أصلح الله الملك أ ب ج د : ـ ه.

(١١) النمل : [٢١].

٢٣١

واختلف في العذاب الذي أوعد به (١) ، فأظهر الأقوال أن عذابه أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه في الشمس طعاما لا يمتنع من النحل ولا من هوام الأرض ، أو لأذبحنه أي لأقطعن حلقه (٢) ، أو ليأتيني بسلطان مبين : بحجة بينه في غيبته وعذر ظاهر ، ثم دعي (٣) العقاب سيد الطير فقال : عليّ بالهدهد الساعة.

فرفع العقاب نفسه دون السماء حتى التصق بالهواء فنظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم ، ثم التفت يمينا وشمالا فإذا هو بالهدهد مقبلا من ناحية اليمن ، فانقض العقاب عنوة يريده ، فلما رأى الهدهد ذلك علم أن العقاب يقصده بسوء ، فناشده فقال : بالذي قواك وأقدرك عليّ ألا رحمتني ولم تتعرض لي بسوء ، فولى العقاب وقال : ويلك ثكلتك أمك إن نبي الله حلف أن يعذبك أو يذبحك ، ثم طارا متوجهين نحو سليمان.

فلما انتهى إلى العسكر تلقاه النسر والطير فقالوا له : ويلك أين غبت في يومك هذا القدر توعدك سليمان نبي الله ، وأخبروه بما قال (٤) ، فقال الهدهد : وما استثنى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالوا : بلى ، قال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٢١) (٥) ، قال : نجوت إذا.

ثم لما انطلق العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان ، وكان قاعدا على كرسيه ، فقال العقاب : وقد أتيتك به يا نبي الله ، فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه [٣١ / أ] وأرخي ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا لسليمان فلما / / دنا منه أخذ برأسه ، فمده إليه فقال : أين كنت؟ لأعذبنك عذابا شديدا ، فقال له الهدهد : يا نبي الله أذكر وقوفك بين يدي الله ، عز وجل ، فلما سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه.

ثم سأله فقال : ما الذي أبطأك عني؟ فقال الهدهد ما أخبر (٦) الله تعالى في قوله : (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) ـ أي غير طويل ـ (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ)(٧) والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته ، يقول علمت ما لم تعلم وبلغني ما لم

__________________

(١) أو عد به أ ج د ه : توعد به ب.

(٢) لأقطعن حلقه أ ب : ـ ج د ه.

(٣) دعي أ ج د ه : دعا ب / / الطير أ ج د ه : الطيور ب.

(٤) قال ب : ـ أ ج د ه.

(٥) النمل : [٢١].

(٦) أخبر أ ج د ه : + به ب.

(٧) النمل : [٢٢].

٢٣٢

تبلغه أنت ولا جنودك (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (٢٢) (١) ، واختلف في سبأ فقيل : اسم البلد ، وقيل : اسم رجل.

فقال (٢) سليمان : وما ذاك؟ فقال : إني وجدت امرأة تملكهم ، وكان اسمها بلقيس بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان ، وكان أبوها ملكا عظيم الشأن وقد ولد له أربعون ملكا ، وهي آخرهم ، وكان يملك أرض اليمن ، وكان يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفؤا لي ، وأبي أن يتزوج فيهم فزوجوه امرأة من الجن ، يقال لها : ريحانة بنت السكن ، فولدت له بلقيس ولم يكن له ولد غيرها.

وجاء في الحديث : أن أحد أبوي بلقيس كان جنيا (٣) ، فلما مات أبو بلقيس طمعت في الملك فطلبت من قومها أن يبايعوها ، فأطاعها قوم وعصاها آخرون ، فملكوا عليهم رجلا فافترقوا فرقتين كل فرقة استولت على طرف من أرض اليمن (٤) ، ثم إن الرجل الذي ملكوه أساء السيرة في أهل مملكته حتى كان يمد يده إلى حرم (٥) رعيته فيفجر بهن ، فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه.

فلما رأت بلقيس ذلك أدركتها الغيرة ، فأرسلت إليه تعرض نفسها عليه ، فأجابها الملك وقال : ما منعن أن أبتدئك بالخطبة إلا اليأس (٦) منك ، فقالت : لا أرغب عنك ، كفؤ كريم ، فاجمع رجال قومي واخطبني إليهم ، فجمعهم وخطبها إليهم ، فقالوا : لا نراها تفعل هذا. فقال لهم : إنها طلبت ذلك ، وأنا أحب أن تسمعوا قولها ، فجاءوها فذكروا لها ذلك ، فقالت : نعم أحببت الولد ، فزوجوها منه.

فلما زفت إليه خرجت بأناس كثيرة من حشمها ، فلما جاءته سقته الخمر حتى سكر ، ثم حزت رأسه ، فانصرفت (٧) من الليل إلى منزلها.

فلما أصبحوا ورأوا الملك قتيلا ورأسه منصوب على باب دارها ، علموا أن تلك المناكحة كانت مكرا وخديعة منها ، فاجتمعوا إليها ، وقالوا : أنت بهذا الملك أحق من غيرك ، فملكوها وقد جاء في الحديث الشريف أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لما

__________________

(١) النمل : [٢٢].

(٢) فقال أ ج د ه : قال ب / / وكان أ ج د ه : ـ ب.

(٣) جنيا ب ج د ه : حيا أ.

(٤) من أرض اليمن أ ب د : من أطراف اليمن ج ه.

(٥) حرم أ ج د ه : حريم ب.

(٦) إلا اليأس أ ج د : الإياس ب ه.

(٧) فانصرفت أ : وانصرفت ب ج د ه.

٢٣٣

بلغه أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى (١) قال : «لا أفلح قوم ولو أمرهم امرأة» (٢).

قال الله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ـ أي تحتاج إليه الملوك من الآلة والعدة ـ (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ)(٣) سرير ضخم كان مضروبا من الذهب مكللا بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر قوائمه (٤) من الياقوت ومن الزمرد وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق (٥).

قال ابن عباس : كان عرش بلقيس (٦) ثلاثين ذراعا ، في ثلاثين ذراعا وطوله في السماء ثلاثون ذراعا ، وقيل غير ذلك.

(وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ـ فخبء السماء المطر ، وخبء الأرض النبات ـ (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)(٧) أي هو المستحق للعباده والسجود لا غيره.

وعرش ملكة سبأ وإن عظيما فعو صغير حقير في جنب عرشه ، عز وجل.

فلما فرغ الهدهد من كلامه قال سليمان : (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ) ـ فيما أخبرت (٨) ـ (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ)(٩) ، فدلهم الهدهد على الماء فاحتفروا الركايا (١٠) وروي الناس والدواب ، ثم كتب سليمان كتابا :

من عند سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ : بسم الله الرحمن الرحيم سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (٣١) (١١) ، ولم يزد سليمان [٣١ / ب] على ما قص الله في كتابه ، وكذلك / / كانت تكتب الأنبياء جملا لا يطيلون ولا

__________________

(١) هى بوران بنت كسرى أبرويز ، تولت المملكة فأحسنت السيرة ، وملكت سنة وأربعة أشهر ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٩٧ ؛ القرماني ٣ / ١٥٩.

(٢) ابن العماد ١ / ١٣.

(٣) النمل : [٢٣].

(٤) قوائمه أ : وقوائمه ب ج د ه.

(٥) مغلق أ ج د ه : يغلق ب.

(٦) بلقيس أ ج د ه : إبليقس ب.

(٧) النمل : [٢٤ ـ ٢٦].

(٨) فيما أخبرت أ د : ـ ب ج ه.

(٩) النمل : [٢٧].

(١٠) الركايا : مفردها ركية : البئر تحفر ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٤ / ٣٣٤.

(١١) النمل : [٣١].

٢٣٤

يكثرون ، فلما كتب الكتاب طبعه بالمسك وختمه بخاتمه فقال (١) للهدهد : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) ـ تنح عنهم ، وكن قريبا منهم ـ (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ)(٢) يردون من الجواب.

فأخذ الهدهد الكتاب ، وأتى به إلى بلقيس ، وكانت بأرض (٣) يقال لها مأرب (٤) بأرض صنعاء على ثلاثة أيام ، فوافاها في قصرها ، وقد أغلقت (٥) الأبواب وأخذت المفاتيح ، فوضعتها تحت رأسها ، فأتاها وهي نائمة مستلقية على قفاها ، فألقى الكتاب على نحرها ، فأخذت بلقيس الكتاب ، وكانت قارئة ، فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت ، لأن ملك سليمان كان في خاتمه ، وعرفت أن الذي أرسل الكتاب أعظم ملكا منها ، فقرأت الكتاب ، وتأخر الهدهد غير بعيد.

فجاءت حتى قعدت على سرير ملكها ، وجمعت الملأ من قومها وهو اثنا عشر ألف قائد (٦) مع كل قائد مائة ألف مقاتل ، فجاءوا وأخذوا مجالسهم ، فقالت لهم بلقيس : (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا) ـ وهم أشراف الناس وكبراؤهم ـ (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) (٢٩) (٧) سمته كريما لأنه كان مختوما (٨).

وروي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «كرامة الكتاب ختمه».

ثم بينت ممن الكتاب وقالت (٩) : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ)(١٠) وبينت المكتوب

__________________

(١) فقال أ؟؟؟ ـ : وقال ب / / عنهم أ ج : ـ ب د ه.

(٢)؟؟؟].

(٣) بأرض يقال لها مأرب أ ج د ه : بأرض باليمن قال لها مأرب ب.

(٤) مأرب : هو بلاد الأزد باليمن ، وقيل : هو اسم قصر كان لهم ، وقيل : هو اسم لملك سبأ ، وهي كورة بين حضرموت وصنعاء ، ينظر : ابن خرداذبه ١٣٩ ؛ ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٤١ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٢١٨.

(٥) أغلقت أ ب ج ه : غلقت ه.

(٦) هذه الرواية وأمثالها من العيب أن تكون في كتب تراثنا ، فكيف يرويها الشيوخ والمحدثون؟ وكيف نقنع كل ذو عقل وبصيرة أن جيش بلقيس تعداده مليارا ومائتي مليون جندي ، يقول ابن الأثير : وما أظن الساعة راوي هذا الكذب الفاحش عرف الحساب ، حيث يعلم مقدار جهله ، ولو عرف مبلغ العدد لأقصر عن إقدامه على هذا القول السخيف ، فإن أهل الأرض لا يبلغون جميعهم شبابهم وشيوخهم وصبيانهم مثل هذا العدد ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٣١.

(٧) النمل : [٢٩].

(٨) مختوما أ ب د : مختوم ج ه.

(٩) وقالت أ : فقالت ب ج د ه.

(١٠) النمل : [٣٠].

٢٣٥

وقالت : (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ)(١) ، قال ابن عباس : لا تتكبروا عليّ : (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (٣١) (٢) طائعين.

قيل : هو من الإسلام ، وقيل : من الاستسلام قالت (٣) : أيها الملأ أفتوني في أمري ـ أشيروا عليّ فيما عرض لي وأجيبوني ما كنت قاطعة وقاضية وفاصلة أمرا ـ حتى تشهدون ـ أي تحضرون قالوا ـ مجيبين لها نحن أولوا قوة في المال ـ وأولوا بأس شديد ، عند الحرب (٤).

ثم قالوا : والأمر إليك أيتها الملكة في القتال وتركه ، فانظري من الرأي ماذا تأمرين تجدينا لأمرك مطيعين.

قالت بلقيس ، مجيبة لهم عند التعريض بالقتال : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) ـ عنوة ـ أفسدوها ـ خربوها ـ (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) ـ أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمر. تحذرهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم ، تناهي (٥) الخبر عنها هاهنا ، فصدق الله قولها فقال : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ)(٦) ، أي كما قالت هي يفعلون ، ثم قالت : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٣٥) (٧) والهدية هي العطية على ظهر الملاطفة.

وذلك أن بلقيس كانت امرأة لبيبة قد سيست وساست ، فقالت للملأ (٨) من قومها : إني مرسلة إلى سليمان وقومه بهدية أصانعه بها عن ملكي وأختبره بها أملك هو أم نبي؟ فإن يكن ملكا قبل الهدية وانصرف ، وإن كان (٩) نبيا لم يقبل الهدية ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه. وذلك قوله تعالى : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٣٥) (١٠).

فأهدت له وصفاء ووصائف وألبستهم لباسا واحدا كي لا يعرف ذكر من

__________________

(١) النمل : [٣١].

(٢) النمل : [٣١].

(٣) قالت أ : + يا ب ج د ه.

(٤) الحرب أ ج د ه : + والقتال ب.

(٥) تناهى أ : وتنتهي ب ج د ه.

(٦) النمل : [٣٤].

(٧) النمل : [٣٤].

(٨) للملأ أ ج د ه : + حولها ب.

(٩) كان أ : يكن ب ج د ه.

(١٠) النمل : [٣٥].

٢٣٦

أنثى (١) ، وقيل : ألبست الغلمان لباس الجواري وعكسه ، وكان في لباسهم ما هو مرصع بأنواع الجواهر ، وأركبتهم الخيول بلجم ذهب (٢) مرصعة بالجواهر والغواشي (٣) من الديباج الملون ، وبعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة (٤) مكسوة بالدر والياقوت ، وأرسلت إليه المسك والعنبر العود اليلنجوج (٥) وعمدت إلى حقة (٦) فجعلت فيها درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة جزعية (٧) مثقوبة معوجة (٨) الثقب ، ودعت رجلا من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو ، وضمت إليه رجالا من قومها أصحاب رأى وعقل ، وكتبت معه (٩) كتابا بنسخة الهدية وقالت : إن كنت نبيا فميّز بين الوصفاء والوصائف ، واخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها ، واثقب الدرة ثقبا مستويا وادخل خيطا في الخرزة المثقوبة من غير علاج أنس ولا جن.

وأمرت بلقيس الغلمان وقالت (١٠) : إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنث يشبه كلام النساء ، وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال ، ثم قالت للرسول (١١) : انظر إلى الرجل إذا دخلت عليه فإن نظر إليك نظر غضب ، فاعلم أنه ملك ولا يهولنك منظره (١٢) فإنه أعز منه ، وإن رأيت الرجل بشاشا لطيفا ، فاعلم أنه نبي مرسل / / فافهم قوله ورد الجواب. فانطلق الرسول (١٣) [٣٢ / أ] بالهدايا ، وأتى الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر كله.

فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب ولبنات الفضة ، ففعلوا ، ثم أمرهم

__________________

(١) ذكر من أنثى أ ج د ه : ذكرهم من أنثاهم ب.

(٢) ذهب أ د ه : الذهب ب ج.

(٣) والغواشي أ ج د ه : وجعلت الغواشي ب / / من ذهب أ د : الذهب ب ج ه.

(٤) من فضة أ ج د ه : من الفضة ب / / مكسوة أ : مكللة ب ج د : ومكللة ه / / والياقوت أ ج د ه : واليواقيت ب.

(٥) اليلنجوج أ ب : الألنجوج ج د ه.

(٦) الحقة : وعاء صغير ذو غطاء يتخذ من عاج أو زجاج أو غيرهما ، ينظر : المعجم الوسيط ١ / ١٩٥.

(٧) جزعية : ضرب من العقيق يعرف بخطوط متوازية مستديرة مختلفة الألوان والحجر في جملته بلون الظفر ، ينظر : المعجم الوسيط ١ / ١٢٦.

(٨) خرزة جزعية مثقوبة أ ب ج ه : ـ ه.

(٩) وكتبت معه أ د : وكتبت إليه ب : وكتبت له ج : وكتبت لهم ه.

(١٠) وقالت أ ج د ه : + لهم ب.

(١١) للرسول أ ج د ه : لرسولها ب.

(١٢) منظره ب ج د ه : ـ أ.

(١٣) الرسول أ ج د ه : رسولها ب / / بالهدايا أ د : بالهدية ب ج ه.

٢٣٧

أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه ، وكان تسع فراسخ ، ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة ، وأن يتركوا على طريقهم موضعا على قدر اللبنات خاليا وباقي الأرض (١) مفروشة ، وأن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفها (٢) من الذهب والفضة.

ثم قال : أي الدواب أحسن (٣) ما رأيتم في البر والبحر؟ قالوا : يا نبي الله إنا رأينا دواب في بحر كذا وكذا منقطة (٤) مختلفة ألوانها على صفات الخيل لها (٥) أجنحة وأعراف ونواصي ، قال : عليّ بها الساعة ، فأتوا بها فقال : شدوها عن يمين الميدان وعن يساره على لبنات الذهب والفضة ، والقوا لها علوفها (٦) فيها.

ثم قال (٧) للجن : عليّ بأولادكم فاجتمع خلق كبير فأقامهم على يمين الميدان ويساره (٨) ، ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره ، ووضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره ، وأمر الشياطين أن يصطفوا (٩) صفوفا ، فاصطفوا فراسخ ، وأمر (١٠) الإنس أن يصطفوا ، فاصطفوا فراسخ ، وأمر الوحوش والسباع والهوام والطير (١١) ، فاصطفوا فراسخ عن يمينه وعن يساره.

فلما دنا (١٢) القوم من الميدان ، ونظروا إلى ملك سليمان ، ورأوا الدواب البحرية التي لم تر أعينهم مثلها تروث (١٣) على لبن الذهب والفضة ، تقاصرت أنفسهم ورموا بما معهم (١٤) من الهدايا خوفا أن يتهموا بذلك.

وطرحوا ما معهم في ذلك المكان (١٥). فلما رأوا الشياطين ، نظروا إلى منظر

__________________

(١) وباقي الأرض ب ج د ه : وكل الأرض أ.

(٢) شرفها أ د : شرفاتها ب : شراريفها ، ج ه.

(٣) أحسن ما رأيتم أ د ه : خير ما رأيتم ب ج.

(٤) منطقة أ د ه : ممنطقة ب : منقطعة ج / / على صفات الخليل ب : ـ أ ج د ه.

(٥) لها أ ج د ه : ولها ب / / قال أ د ه : فقال سليمان ب : فقال ج.

(٦) علوفها أ د : علفها ب : أعلفتها ج ه.

(٧) قال أ ج د ه : + سليمان ب.

(٨) ويساره أ د ه : وعن يساره ب ج.

(٩) يصطفوا أ ج د ه : + مثلهم ب.

(١٠) وأمر أ ج د : ثم أمر ب : ـ ه.

(١١) والطير أ د ه : والطيور ب : ـ ج / / عن يمينه وعن يساره أ د ه : عن يمين سليمان وعن يساره ب : وعن يمينه وعن شماله ج.

(١٢) دنا ب ج د : دنى أ : ـ ه / / ونظروا إلى ملك سليمان أ ج د ه : ورأوا سليمان ونظروا ملكه.

(١٣) تروث على لبن الذهب أ ج د ه : وهم يبولون على لبن الذهب ويروثون عليها ب.

(١٤) بما معهم أ ج د : جميع ما معهم ب ه / / خوفا أ ج د ه : + من ب.

(١٥) وطرحوا ما معهم في ذلك المكان أ ج د ه : ـ ب / / فلما رأوا أ : فلما نظروا إلى ب ج د ه / /

٢٣٨

عجيب ففزعوا (١) ، فقال لهم الشياطين : جوزوا فلا بأس عليكم ، فكانوا يمرون على كردوس (٢)(٣) من الجن والإنس والطير والسباع والوحوش حتى وقفوا بين يدي سليمان ، عليه‌السلام ، فنظر إليهم نظرا حسنا (٤) بوجه طلق (٥) وقال : ما وراءكم؟ فأخبره رئيس القوم بما جاؤوا له ، وأعطاه كتاب الملكة فنظر فيه ثم قال : أين الحقة (٦)؟ فأتي بها فحركها ، وجاء جبريل ، عليه‌السلام ، فأخبره (٧) بما فيها.

فقال (٨) : إن فيها درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة مثقوبة معوجة الثقب ، فقال له الرسول : صدقت ، فاثقب لنا الدرة وادخل الخيط في الخرزة ، فقال سليمان : من لي بثقبها ، فسأل (٩) سليمان الأنس والجن ، فلم يكن عندهم علم من ذلك ، ثم سأل الشياطين ، فقالوا : أرسل (١٠) إلى الأرضة (١١). فجاءت فأخذت شعرة في فمها فدخلت فيها (١٢) ، ثم خرجت من الجانب الآخر ، فقال سليمان : ما حاجتك (١٣)؟ فقالت : أن يصير رزقي في الشجر ، فقال : لك ذلك ، ثم قال من لهذه الخرزة يسلكها الخيط؟ فقالت دودة بيضاء : أنا لها يا رسول الله ، فأخذت الدودة الخيط في فمها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر (١٤) ، فقال لها سليمان : ما

__________________

إلى منظر عجيب أ : منظرا عجيبا ب ج د ه.

(١) ففزعوا أ ج د ه : فزعوا وخافوا ب.

(٢) كردوس : الفرقة العظيمة من الجيش ، وقيل : القطعة من الخيل العظيمة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٦ / ١٩٥.

(٣) كردوس أ : كردوس كردوس ب ج د ه / / والطير والسباع والوحوش أ : والوحوش والطير والسباع والهوام ب : والوحش والطير والسباع ج د ه.

(٤) نظرا حسنا أ ج د : منظرا حسنا ب ه.

(٥) طلق أ ج د ه : + وبشاشة ب / / وراءكم أ ج د ه : رواءكم ب / / جاءوا له أ ج د ه : جاءوا له به ب.

(٦) أين الحقة ب ج د ه : الحقة أ.

(٧) فأخبره أ ج د : وأخبره ب : وأخبر ج.

(٨) فقال أ د ه : فقال سليمان ب : فقال للرسول ج.

(٩) فسأل أ ج د ه : وسأل ب.

(١٠) أرسل إلى ب ج د ه : نرسل أ.

(١١) الأرضة : حشرة بيضاء مصفرّة تشبه النملة تأكل الخشب ونحوه ، ينظر : المعجم الوسيط ١ / ١٤.

(١٢) فدخلت فيها أ ج د ه : ودخلت الخرزة بها ب / / فقال سليمان أ ج د ه : + للأرضة ب.

(١٣) ما حاجتك أ د ه : ما حاجتك وما الذي تريدين ب : ما تريدين ج / / أن يصير أ ج : أن تصير ب د ه / / قال أ ج د ه : + سليمان ب.

(١٤) من الجانب الآخر أ ج د : من جانب ب : ـ ه.

٢٣٩

حاجتك (١)؟ قالت : تجعل رزقي في الفواكه ، قال : لك ذلك.

ثم ميز الجواري والغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم ، فجعلت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد (٢) الأخرى ، ثم تضرب به الوجه ، وجعل الغلام كلما أخذ من الآنية يضرب به وجهه ، وكانت الجارية تصب الماء صبا والغلام يحدر (٣) الماء على يديه حدرا ، فميز بينهما (٤) بذلك.

ثم رد سليمان الهدية كما قال الله تعالى (٥) : (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ) ـ من الدين والنبوة والحكمة والملك ـ (مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ)(٦) لأنكم أهل مفاخرة بالدنيا ومكاثرة بها تفرحون بإهداء بعضكم إلى بعض ، وأما أنا فلا أفرح بها وليست الدنيا من حاجتي ، لأن الله تعالى قد مكنني فيها ، وأعطاني منها ما لم يعط أحدا (٧) ، ومع ذلك أكرمني بالدين والنبوة.

ثم قال للمنذر بن عمرو ، أمير الوفد (٨) ، ارجع إليهم بالهدية (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها ـ) ـ لا طاقة لهم بها ـ (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) ـ أي من أرضهم وبلادهم وهي سبأ ـ (أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) (٣٧) (٩) ذليلون إن لم يأتوني مسلمين.

فلما رجعت رسل (١٠) بلقيس إليها قالت : قد عرفت والله ما هذا بملك وما لنا من طاقة ، فبعثت (١١) إلى سليمان أني قادمة عليك بملوك قومي أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك.

[٣٢ / ب] ثم أمرت بعرشها في آخر سبعة أبيات بعضها في بعض في آخر / / قصر من

__________________

(١) ما حاجتك أ د : ما تريدين ب ج ه / / قال : لك ذلك أ د : فقال لها ذلك لك ب : فقال لك ذلك ج ه.

(٢) على اليد أ ب ج د : ـ ه.

(٣) يحدر : حدر الشيء ويحدره حدرا وحدورا فانحدر : حطه من علو إلى سفل ، ينظر : ابن منظور ، لسن ٤ / ١٧٢.

(٤) بينهما ب : بينهم أ ج د ه.

(٥) تعالى أ ج د ه : + عنه ب.

(٦) النمل : [٣٦].

(٧) يعط أحدا أ ج د ه : يعطه لأحد ب.

(٨) أمير الوفد أ ج د ه : أمير القوم ب.

(٩) النمل : [٣٧].

(١٠) رسل أ ج د ه : رسول ب / / وما لنا أ ج د ه : ولا لنا ب.

(١١) فبعثت أ ج د ه : ثم بعثت ب.

٢٤٠