الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

مجير الدين الحنبلي العليمي

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

المؤلف:

مجير الدين الحنبلي العليمي


المحقق: عدنان يونس عبد المجيد أبو تبّانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

فائدة

فإن قيل : لم سأل موسى ، عليه‌السلام (١) ، الدنو من الأرض المقدسة ولم يسأل بيت المقدس ولا مكانا مخصوصا معروفا عند الناس؟.

فالجواب عنه : ما رواه القرطبي (٢) في تفسيره : بأنه إنما سأل الدنو (٣) منها لشرفها ولم يسأل مكانا معروفا : خوفا من أن يعبد ولا ينافي سؤاله الدنو منها القول بأن قبره بيت المقدس ، فإنه سأل شيئا أعطاه الله فوقه وهذا شأن الكريم يعطي فوق المسؤول (٤) ، وأما صلاته في قبره فلم تكن بحكم التكليف بل بحكم الإكرام والتشريف لأن الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام (٥) ، حبب إليهم في الدنيا عبادة الله تعالى ، فكانوا يلازمون ذلك وتوافوا (٦) عليه ، فشرفهم الله تعالى بإبقائهم على ما كانوا يحبون (٧) فعله في الدنيا ، فعبادتهم إلهامية كعبادة الملائكة لا تكليفية (٨) ، وأما رأفته بهذه الأمة فيأتي طرف منها في قصة الإسراء على نبينا محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ذكر السبب في ملك سيدنا داود عليه‌السلام

أقول ـ وبالله التوفيق ـ كما توفي سيدنا موسى الكليم ، على نبينا (٩) محمد وعليه أفضل الصلاة والسلام ، قام بعد وفاته بتدبير بني إسرائيل يوشع (١٠) ، عليه‌السلام (١١) ، وهو من ذرية يوسف بن يعقوب ، عليهما‌السلام ، وبعثه الله نبيا وأمره بقتل الجبابرة ، فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحا الغور ، وأحاط بها ستة أشهر

__________________

(١) موسى عليه‌السلام ب : ـ أ ج د ه / / الأرض المقدسة أ ب ج ه : بيت المقدس د.

(٢) القرطبي : محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري الخزرجي القرطبي ، نسبة إلى قرطبة ، من كبار المفسرين ، ومن أهل العبادة والصلاح ، من تصانيفه : الجامع لأحكام القرآن ، التقريب لكتاب التمهيد ، توفي عام ٧٧١ ه‍ / ١٢٧٢ م ، ينظر : المقري ٣ / ٣٦٠ ؛ ابن العماد ٥ / ٣٣٥.

(٣) الدنو من الأرض المقدسة ب : الدنو.

(٤) المسؤول أ ج د ه : المطلوب ب / / بحكم التكليف بل أ ب ج ه : ـ د منها أ ج د ه.

(٥) عليهم الصلاة والسلام أ : عليهم‌السلام ب ج د ه.

(٦) وتوافوا أ ج : وتوافقوا ب د : وتوقف ه.

(٧) يحبون أ ج د ه : يصغون ويحبون ب / / فعله في الدنيا ب ج د ه : ـ أ.

(٨) لا تكليفيه أ د ه : لا تكليف فيها ب ج.

(٩) على نبينا محمد وعليه أفضل الصلاة أ د ه : عليه‌السلام ب : ـ ج.

(١٠) يوشع عليه‌السلام : يوشع بن نون بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب ، ذكر أن الله تعالى جعل يوشع نبيا في زمن موسى ، فلما توفي موسى ابتعثه الله تعالى ، ينظر : الطبري ١ / ٤٣٥ ؛ ابن الجوزي ، المنتظم ١ / ٣٧٧ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٣١٩.

(١١) عليه‌السلام أ : ـ ب ج د ه.

٢٠١

فلما كان السابع نفخوا في القرون وضج الشعب ضجة واحدة فسقط السور ، ودخلوا (١) فقاتلوهم وهجموا على الجبارين فهزموهم وقتلوهم ، وكان يوم الجمعة ، فبقيت منهم بقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فقال : اللهم اردد الشمس عليّ ، وسأل الشمس أن تقف والقمر (٢) أن يقيم حتى ينتقم من أعداء [٢٥ / أ] / / الله تعالى ، قبل دخول السبت ، فوقفت الشمس وزيد في النهار ساعة حتى قتلهم أجمعين ، وتتبع ملوك الشام واستباحهم ، وملك يوشع الشام وفرق عماله واستمر يدبر بني إسرائيل ثمانية وعشرين سنة.

ثم توفي يوشع ودفن في كفل حارس (٣)(٤) ، وهي قرية من أعمال نابلس ، وله من العمر مائة وعشرين سنة (٥) ، وكانت وفاته سنة ٢٨ لوفاة موسى ، وقيل : إنه مدفون في المعرة.

ثم ولي على بني إسرائيل جماعة من الملوك واحد بعد واحد ، لا (٦) حاجة إلى ذكر أسمائهم ، لأن المراد هنا الاختصار.

ثم ولي عليهم شموئيل (٧) ، عليه‌السلام ، ومولده بقرية يقال لها شيلوا (٨) ويقال (٩) إنها القرية المشهورة الآن بالسيلة (١٠) من أعمال جبل نابلس ، وتنبأ لما صار له من العمر أربعون (١١) سنة ، فدبر شموئيل بني إسرائيل إحدى عشر سنة ، ومنتهى هذه الإحدى عشرة سنة هي آخر ...

__________________

(١) ودخلوا أ ج د ه : فدخلوا ب / / الجبارين أ ج د ه : الجبابرة ب.

(٢) والقمر أن يقيم أ ج ه : ـ ب د.

(٣) كفل حارس : قرية في الجنوب الغربي من مدينة نابلس بها مقام ذو الكفل ، وقبر يوشع بن نون ، ينظر : شراب ٦٣٢.

(٤) كفل حارس أ د : كفل حارث ب : كفر حارس ج : ـ ه.

(٥) مائة وعشرين أ د : مائة وعشرون ب : مائة وعشرون ب : مائة وعشر ج ه.

(٦) لا أ : ولا ب ج د ه.

(٧) شموئيل أ : شمويل ب ج د ه / / ومولده أ ج د ه : وكان مولده ب / / شيلوا أ ج : سيلوا ب : سيلون د ه.

(٨) شيلوا : ذكرها البغدادي باسم سيلوا أو سيلون ، قرية من قرى نابلس ، يقال إنها منزل يعقوب عليه‌السلام ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٧٦٨ ؛ القرماني ٣ / ٣٨٨ ؛ شراب ٢٦٥.

(٩) ويقال أ ج د ه : وقيل ب / / المشهورة أ : المشتهرة ب ج د ه / / لما صار أ ج د ه : بعد أن صار ب.

(١٠) السيلة : هناك سيلتان : سيلة الحارثية ، وسيلة الظهر من قرى مدينة جنين الفلسطينية ، ينظر : شراب ٢٦٤.

(١١) أربعون أ ب د : أربعين ج ه / / شموئيل أ : شمويل ب ج د ه.

٢٠٢

سنين (١) أحكام بني إسرائيل وقضاتهم ، فيكون انقضاء سنين حكامهم في سنة ٤٩٣ لوفاة موسى ، عليه‌السلام.

ثم حضر بنو إسرائيل إلى شمويل (٢) وسألوه أن يقيم فيهم ملكا ، فأقام فيهم شاؤل وهو طالوت بن قيس وسبط بنيامين ، ولم يكن طالوت من أعيانهم قيل : أنه كان راعيا ، وقيل (٣) : سقاء ، وقيل : دباغا ، فملك طالوت سنتين واقتتل هو جالوت ، وكان جالوت من جبابرة الكنعانيين ، وكان ملكه بجهات فلسطين ، وكان من الشدة وطول القامة بمكان عظيم.

فلما برز (٤) للقتال طلب طالوت داود ، عليه‌السلام ، وكان أصغر بني أبيه ، وأمره بمبارزة جالوت بعد أن رأى فيه العلائم التي يستدل بها على أنه هو الذي يقتل جالوت وهي دهن ، كان يستدير على رأس من يكون فيه السر ، وأحضر أيضا تنورا حديدا وقال : الشخص الذي يقتل جالوت يكون ملأ هذا التنور ، فلما اعتبر داود ملأ التنور (٥) ، واستدار الدهن على رأسه ، ولما تحقق ذلك منه بالعلامة ، أمره طالوت بمبارزة (٦) جالوت ، فبارزه وقتل داود جالوت ، وكان عمر داود إذ ذاك ثلاثين سنة.

ثم بعد ذلك مات شموئيل (٧) ، فدفنه بنو إسرائيل في الليل ، وناحوا عليه ، وكان عمره اثنين وخمسين سنة.

وأحب الناس داود ومالوا إليه بالمحبة (٨) ، فحسده طالوت حسدا عظيما ، وقصد قتله مرة بعد أخرى ، فهرب داود منه ، وبقي متحرزا على نفسه ، وندم طالوت (٩) بعد ذلك على ما كان منه من قصد قتل داود ، ثم إن طالوت قصد فلسطين للعزاة وقاتلهم حتى قتل هو وأولاده في الغزاة ، فيكون موته في أواخر سنة خمس وتسعين وأربعمائة لوفاة موسى ، عليه‌السلام.

__________________

(١) سنين أحكام أ : سني أحكام ب د : سنين بني إسرائيل ج : سني بني إسرائيل ه.

(٢) إلى شمويل أ ب ج ه : إليه د.

(٣) وقيل أ ب ج د : فقيل ه / سقاء أ ج د ه : وكان سقاء ب.

(٤) برز أ ج د ه : برزوا ب.

(٥) فلما اعتبر داود ملأ التنور أ ب ج ه : ـ د.

(٦) بمبارزة أ د : أن يبارز.

(٧) شموئيل أ : شمويل ب ج د ه.

(٨) بالمحبة ب : ـ أ ج د ه.

(٩) وندم طالوت أ ج د ه : ثم ندم ب / / على ما كان منه من قصد أ د : على ما كان منه في حق داود ب : على ما كان منه فيما قصد د ه / / قتل داود أ : قتله ب ج د ه.

٢٠٣

ثم ملك بعده (١) ولده أشر يوشت ثلاث سنين ، وكان ملكه على أحد عشر سبطا من بني إسرائيل وخرج من حكمه سبط يهوذا بن يعقوب فقط ، فملكوا عليهم سيدنا داود وهو من ذرية يهودا المذكور.

ثم ملك عليهم جميعهم داود ، عليه‌السلام ، وهو داود بن بيشي بن عوفيد (٢) بن يوعز بن سلمون بن فخشون بن عيناراب بن رم بن حطرون بن يارض بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، وكان مقام داود بحبرون ، فلما استوثق له الملك ، ودخلت جميع الأسباط تحت طاعته ، وذلك في سنة ثمان وثلاثين من عمره ، انتقل إلى القدس الشريفة (٣) ، ثم فتح في الشام فتوحات كثيرة من أرض فلسطين وغيرها من الأقاليم.

وكان لقمان الحكيم على عهد داود ، عليه‌السلام ، قاضيا في بني إسرائيل ، وآتاه الله الحكمة ، ولم يكن نبيا ، وقبره بقرية صرفند (٤) ، ظاهر مدينة الرملة ، وعليه مشهد وهو مقصود للزيارة ، وقال قتادة : قبره بالرملة ما بين مسجدها وسوقها ، وهناك قبور سبعين (٥) نبيا ماتوا بعد لقمان جوعا في يوم واحد أخرجهم بنو إسرائيل من القدس فألجأوهم إلى الرملة ، ثم أحاطوا بهم هناك ، فتلك قبورهم.

وقد (٦) آتى الله داود ما نص عليه في كتابه العزيز ، قال الله تعالى : (* وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً)(٧) يعني النبوة والكتاب ، وقيل : الملك ، وقيل : جميع ما أوتي من حسن الصوت وتليين الحديد وغير ذلك مما خص به ، وقوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) ـ أي سبحي معه ، وقيل : نوحي معه ـ (وَالطَّيْرَ)(٨) عطف على موضع الجبال وقيل : معناه وسخرنا وأمرنا (٩) الطير أن تسبح (١٠) معه فكان داود إذا نادى

__________________

(١) بعده أ د ه : بعد ذلك ب ج / / ثلاث سنين أ ج د ه : ـ ب.

(٢) عوفيد أ : عوفيل ب ج د ه / / فخشون أ ج د ه : محشون ب / / رم أ ج د ه : ردم ب / / حطرون أ د : حضرون ب ج : حفرون ه.

(٣) الشريفة أ : الشريف ب ج د ه / / ثم فتح أ ج د ه : ـ د.

(٤) صرفند : قرية تقع على بعد ستة أكيال غرب الرملة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٤٣ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٣٨ ؛ شراب ٤٨٣.

(٥) سبعين أ ب ج د : ستين ه.

(٦) وقد أ ج د ه : ولقد ب / / الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(٧) سبأ : [١٠].

(٨) سبأ : [١٠].

(٩) وأمرنا أ د ه : أي أمرنا ب : أمر ج.

(١٠) تسبح أ ج د ه : يسبح ب / / أجابت الجبال أ ب : أجابته الجبال ج د ه.

٢٠٤

بالنياحة ، أجابت الجبال بصداها ، وعكفت الطير عليه (١) / / من فوقه ، فصدى [٢٥ / ب] الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك : وقيل ، كان داود ، عليه‌السلام ، إذا تخلل الجبال (٢) فسبح الله ، جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح ، وقوله تعالى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (١٠) (٣) حتى كان في يده كالشمع والعجين يعمل منه ما شاء (٤) من غير نار ولا ضرب مطرقة ، وكان سبب ذلك : أن داود لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج للناس متنكرا ، وإذا (٥) رأى رجلا لا يعرفه تقدم إليه ويسأله (٦) عن داود ويقول له : ما تقول في داود وإليكم هذا أي رجل هو؟ فيثنون عليه ويقولون خيرا ، فقيض الله له ملكا في صورة آدمي ، فلما رآه داود ، تقدم إليه على عادته ، فسأله (٧) فقال الملك : نعم الرجل هو لو لا خصلة واحدة فيه ، فراع ذلك داود وقال : ما هي يا عبد الله؟ قال : إنه يأكل ويطعم عياله (٨) من بيت المال ، فتنبه لذلك ، وسأل الله أن يسبب له شيئا يستغني به عن بيت المال ، فيتقوت منه ويطعم عياله ، فألان الله تعالى (٩) له الحديد وعلمه صنعة الدروع ، وهو أول من اتخذها ، ويقال (١٠) : إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف (١١) ، فيأكل ويطعم عياله ، ويتصدق منها على الفقراء والمساكين ، ويقال : إنه كان يعمل في كل يوم درعا يبيعه بستة آلاف درهم فينفق ألفقين منها على نفسه وعياله (١٢) ، ويتصدق بأربعة آلاف درهم على فقراء بني إسرائيل ، قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كان داود لا يأكل إلا من عمل يده».

__________________

(١) الطير عليه أ : عليه الطير ب ج د ه.

(٢) تخلل الجبال أ ب ج د : اتخذ ه / / فسبح أ ب ج د : يسبح ه.

(٣) سبأ : [١٠].

(٤) ما شاء أ ج د ه : ما يشاء ب.

(٥) وإذا أ : فإذا ب ج د ه / / لا يعرفه تقدم إليه أ ب ج ه : ـ د.

(٦) ويسأله أ : يسأله ب ج د ه.

(٧) فسأله أ ج د ه : وسأله ب / / فقال أ : + له ب ج د ه.

(٨) ويطعم عياله أ ج ه : + ويتقوت به ب : ـ د.

(٩) تعالى أ : ـ ب ج د ه.

(١٠) ويقال أ ج د ه : وقيل ب.

(١١) آلاف أ : + درهم ب ج د ه.

(١٢) على نفسه وعياله أ ج د ه : على عياله ونفسه ب / / على فقراء بني إسرائيل أ ج د ه : على الفقراء والمساكين من بني إسرائيل ب.

٢٠٥

ذكر قصة أوريا (١)

ولما صار لداود ٥٨ سنة ، وهي السنة الثانية والعشرين من ملكه ، كانت قصته مع أوريا وزوجته ، وهي واقعة مشهورة ، وملخصها ما نقله المفسرون في قوله تعالى : (* وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (٢١) (٢) هذه الآية من قصة امتحان داود ، عليه‌السلام ، واختلف العلماء بأخبار الأنبياء في سببه فقال قوم : كان سبب ذلك أنه تمنى يوما من الأيام منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وسأل (٣) ربه أن يمتحنه كما امتحنهم ، ويعطيه من الفضل ما أعطاهم ، فروي أن داود كان قد قسم الدهر ثلاثة أيام (٤) يوما يقضي فيه بين الناس ، ويوما يخلو فيه لعبادة ربه ، ويوما لنسائه وأشغاله.

وكان يجد فيما يقرأ من الكتب المتقدمة (٥) فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال : يا رب أرني الخير كله قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي ، فأوحى الله إليه : أنهم ابتلوا ببلايا لم تبتل بها (٦) ، فصبروا عليها ، ابتلي إبراهيم بنمروذ (٧) وبذبح ابنه ، وابتلى إسحاق بالذبح وذهاب بصره ، وابتلي يعقوب بالحزن وذهاب بصره (٨) على فقد ولده يوسف ، فقال : رب لو ابتليتني بمثل ما ابتليتهم صبرت (٩) أيضا ، فأوحى الله إليه : إني مبتليك في شهر كذا في يوم كذا فاحترس.

فلما كان ذلك اليوم الذي وعد (١٠) الله ، عز وجل ، دخل داود محرابه وغلّق بابه (١١) ، وجعل يصلي ويقرأ الزبور ، فبينما هو كذلك إذ جاء الشيطان قد تمثل (١٢)

__________________

(١) هذه القصة من الإسرائيليات التي دخلت كتب التفسير والتي تسيء للنبي داود وتتهمه بالقتل من أجل امرأة ، ينظر : السيوطي ، الدر ٥ / ٣٠٠ ؛ أبو شهبة ٢٦٦.

(٢) ص : [٢١].

(٣) وسأل أ ج د ه : فسأل ب.

(٤) أيام أ ج د ه : + جعل ب.

(٥) المتقدمة ب : ١٤ ـ أ ج د ه.

(٦) بها أ ج د ه : + أنت ب.

(٧) بنمروذ أ ج د ه : + وناره ب / / وبذبح ابنه أ ج د ه : وذبح إسحق ب.

(٨) وذهاب بصره على فقد ولده أ ب ج ه : ـ د / / فقال أ ج د ه : + داود ب / / رب أ ج د ه : يا رب ب.

(٩) صبرت أ ج د ه : لصبرت ب.

(١٠) وعد أ : وعده ب ج د ه / / الله أ ج د ه : + فيه ب / / عز وجل أ : ـ ب ج د ه.

(١١) وغلّق بابه أ د ه : وأغلق عليه بابه ب ج / / جاء أ : جاءه ب ج د ه.

(١٢) قد تمثل أ ج د ه : وقد تمثل له ب / / صورة أ : صفة ب ج د ه / / من أ ج د ه : ـ ب.

٢٠٦

في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن ، وقيل : كان جناحاها من الدر والزبرجد ، فوقعت بين رجليه فأعجبه (١) حسنها ، فمد يده ليأخذها ويريها بني إسرائيل ، فينظرون (٢) إلى قدرة الله تعالى ، فلما قصد أخذها ، طارت غير بعيد من غير أن تؤيسه من نفسها ، فامتد إليها ليأخذها ، فتنحت (٣) فتبعها فطارت حتى وقفت في كوة ، فذهب ليأخذها ، فطارت من الكوة فنظر داود أين تقع فيبعث من يصيدها ، فأبصر امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل (٤) ، وقيل : رآها تغتسل على سطح لها ، فرأى امرأة من أجمل الناس خلقا ، فتعجب داود (٥) من حسنها وحانت منها التفاتة ، فأبصرت ظله فنفظت شعرها فغطى بدنها ، فزاده ذلك إعجابا بها ، فسأل عنها فقيل له : هي بشارع (٦) زوجة أوريا بن حنانا وزوجها في غزاة بالبلقاء (٧) مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود.

فذكر بعضهم أنه كتب داود إلى ابن أخته أيوب أن ابعث أوريا إلى موضع كذا ، وقدمه قبل التابوت (٨) ، وكان من قدم على التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتى يفتح الله على يديه أو يستشهد ، فبعثه وقدمه ففتح (٩) له فكتب إلى داود كتابا (١٠) يعلمه بما فتح على يديه ، فكتب إليه أيضا أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا (١١) ليفتحه أيضا ، فبعثه ففتح له فكتب إلى داود بذلك / / فكتب إليه (١٢) أيضا أن ابعثه إلى عدو كذا أشد منه بأسا ، فبعثه فقتل في المرة الثالثة.

__________________

(١) فأعجبه حسنها أ ب د : فأعجبته من حسنها ج ه.

(٢) فينظرون أ ج د ه : ليتعجبوا من ب.

(٣) فتنحت أ ج د ه : + عن مكانها ب.

(٤) تغتسل على سطح لها أ ج د ه : على سطح لها تغتسل ب.

(٥) هذه الرواية موضوعة وفيها قدح بعصمة النبي داود ، ينظر : ابن كثير ، البداية ٢ / ١٣ ؛ السيوطي ، الدر ٥ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ ؛ أبو شبهة ٢٦٦.

(٦) بشارع أ ب : بتشارع ج د ه.

(٧) البلقاء : كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى ، قصبتها عمان ، وفيها قرى ومزارع كثيرة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨٣ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢١٩ ؛ الحميري ٩٧.

(٨) التابوت : صندوق فيه مخلفات بني إسرائيل ، فكانوا يقدمونه بين يدي الجيش كي ينصروا ، ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٨٣ ؛ أبو شبهة ٤٦٥.

(٩) ففتح له فكتب أ ج ه ك ففتح الله على يديه فكتب ب د.

(١٠) كتابا يعلمه بما فتح على يديه ب : ـ أ ج د ه / / إليه أ : له ب ج د ه / / أيضا أ ج د ه : كتابا ثانيا ب.

(١١) عدو كذا وكذا أ ج د ه : مكان كذا ب / / فكتب إلى داود بذلك أ ج د ه : وكتب لداود لذلك ب.

(١٢) إليه أ : له ب ج د ه / / أيضا أ ج د ه : له ثالثا ب / / أن ابعثه أ ب ج ه : ـ د / / إلى عدو كذا أ ج ه : إلى كذا وكذا ب د.

٢٠٧

فلما انقضت عدة المرأة (١) تزوجها داود فهي أم سليمان ، عليه‌السلام ، فلما دخل داود بامرأة (٢) أوريا لم يلبث إلا يسيرا : حتى بعث الله إليه ملكين في صورة رجلين في يوم ، عبادته ، فطلبا أن يدخلا عليه ، فمنعهما الحرس ، فتسوروا (٣) المحراب عليه ، فما شعر وهو يصلي في المحراب إلا وهما بين يديه جالسين ، يقال كانا جبرائيل (٤) وميكائيل ، فذلك قوله تعالى : (* وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (٢١) (٥) صعدوا وعلوا ، يقال : تسورت الحائط والسور إذا علوته (٦) ، وقوله تعالى : (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ)(٧) خاف منهم حين هجما (٨) عليه في محرابه بغير إذنه فقال : ما أدخلكما عليّ (قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ) ـ أي نحن خصمان ـ (بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) ـ جئناك لتقضي بيننا ـ (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) ـ أي لا تجر (٩) ـ (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ)(١٠) ، أي ارشدنا إلى طريق الصواب.

فقال داود لهما : تكلما ، فقال أحدهما : إن هذا أخي ـ أي على ديني وطريقتي (١١) ـ له ٩٩ نعجة ـ يعني امرأة ـ ولي نعجة واحدة ـ أي امرأة واحدة والعرب تكنى بالنعجة عن المرأة فقال اكفلينها ـ والمعنى طلقها لأتزوجها وعزني ـ أي غلبني في الخطاب ـ أي في القول ، وقيل : قهرني لقوة ملكه ، وهذا كله تمثيل لأمر داود مع أوريا زوج المرأة التي تزوجها داود حيث كان لداود تسع وتسعون امرأة ولأوريا امرأة واحدة فضمها إلى نسائه.

قال داود : (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) ـ أي الشركاء ـ (لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ـ أي يظلم على بعض ـ (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ـ فإنهم لا يظلمون أحدا ـ (وَقَلِيلٌ ما هُمْ)(١٢) أي قليل هم ، يعني الصالحين (١٣) ، الذين لا

__________________

(١) عدة المرأة أ ب ج د : عدتها ه / / عليه أ : عليهما ب ج د ه.

(٢) بامرأة أ ج د ه : بزوجة ب.

(٣) فتسوروا أ ب د : وتسوروا ج ه / / وهما بين يديه جالسين أ ج د ه : وهما جالسان بين يديه ب.

(٤) جبرائيل أ : جبريل ب ج د ه.

(٥) ص : [٢١].

(٦) إذا علوته أ ج د ه : إذا علوتهما ب.

(٧) ص : [٢٢].

(٨) هجما عليه أ د : هجموا ب ج ه.

(٩) لا تجر أ ب د : لا تجوز ج ه.

(١٠) ص : [٢٣].

(١١) وطريقتي أ د : وطريقي ب ج ه.

(١٢) ص : [٢٤].

(١٣) الصالحين أ ج د ه : الصالحون ب.

٢٠٨

يظلمون قليل.

فلما قضى بينهما داود نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك (١) وصعدا في السماء ، فعلم داود أن الله (٢) ابتلاه ، وذلك قوله تعالى : (وَظَنَّ داوُدُ) ـ أيقن وعلم ـ (أَنَّما فَتَنَّاهُ)(٣) أي ابتليناه.

وعن ابن عباس كعب ووهب قالوا جميعا : إن داود ، عليه‌السلام ، لما دخل عليه الملكان ، فقضى على نفسه (٤) ، فتحولا في صورتهما فعرجا إلى السماء (٥) ، فسمعهما وهما يقولان : قد قضى الرجل على نفسه ، فعلم داود أنه عني بذلك فخر ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لحاجة (٦) أو لوقت صلاة مكتوبة ، ثم يعود ساجدا إلى تمام الأربعين يوما لا يأكل ولا يشرب وهو يبكي حتى نبت العشب حول رأسه وهو يناجي ربه ، عز وجل (٧) ، ويسأله التوبة.

وكان دعائه (٨) في سجوده : سبحان الملك الأعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء ، سبحان خالق النور ، سبحان الحائل بين القلوب (٩) ، سبحان خالق النور ، إلهي خليت بيني وبين عدوي إبليس ، فلم أقم لفتنته إذ نزلت بي ، سبحان (١٠) خالق النور ، إلهي أنت الذي خلقني ، وكان في سابق علمك ما أنا إليه صائر ، سبحان خالق النور ، إلهي الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء ، فيقال (١١) هذا داود الخاطيء ، سبحان خالق النور ، إلهي بأي عين أنظر إليك يوم القيامة وإنما ينظر الظالمون من طرف خفي (١٢) ، إلهي بأي قدم أقدم أمامك يوم القيامة ، يوم تزل أقدام الخاطئين ، سبحان خالق النور ، إلهي من أين يطلب العبد المغفرة (١٣) إلا من عند سيده ،

__________________

(١) فضحك أ د ه : وضحك ب ج / / في السماء أ ج د ه : إلى السماء ب.

(٢) الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(٣) ص : [٢٤].

(٤) فقضى على نفسه أ ج ه : وقضى بينهما ب د / / في صورتهما فعرجا أ ج د ه : إلى صورتهما وعرجا ب.

(٥) إلى السماء ب : ـ أ ج د ه / / فعلم داود أ ب ج د : فظن داود ه.

(٦) لحاجة أ ج د ه : لوقت حاجة ب / / أو لوقت أ ج د ه : أو لأداء ب.

(٧) عز وجل أ ج د ه : ـ ب.

(٨) دعائه أ د : من جملة دعائه ب : من دعائه د ه.

(٩) سبحان الحائل بين القلوب أ ج د ه : ـ ب.

(١٠) سبحان أ ب ج ه : ـ د.

(١١) فيقال أ ب د : فيقول ج ه / / بأي عين ينظر إليك ب ج ه : ـ أ د.

(١٢) خفي أ ج د ه : + سبحان خالق النور ب / / أقدم أ د : أقوم ب ج ه.

(١٣) العبد المغفرة أ ب ج د : عبد المغفرة ه.

٢٠٩

سبحان خالق النور ، إلهي أنا الذي لا أطيق حر شمسك فكيف أطيق (١) حر نارك ، سبحان خالق النور ، إلهي أنا الذي لا أطيق صوت رعدك فكيف أطيق صوت جهنم ، سبحان خالق النور ، إلهي الويل لداود من الذنب العظيم الذي أصابني (٢) ، سبحان خالق النور (٣) ، إلهي قد تعلم سري وعلانيتي فاقبل عذري ، سبحان خالق النور ، إلهي برحمتك اغفر لي ذنوبي ، ولا تباعدني من رحمتك لهواني (٤) ، سبحان خالق النور ، إلهي أعوذ بنور وجهك الكريم من ذنوبي التي أوبقتني ، سبحان خالق النور (٥) ، إلهي أقررت إليك بذنوبي واعترفت بخطيئتي فلا تجعلني (٦) من القانطين [٢٦ / ب] / / ولا تخزني يوم الدين ، سبحان خالق النور.

قال مجاهد : مكث داود أربعين يوما لا يرفع رأسه (٧) حتى نبت المرعى (٨) من دموع عينيه حتى غطى رأسه ، فنودي : يا داود أجائع فتطعم؟ أم ظمآن فتسقى؟ أو عار فتكسى؟ فأجيب في غير (٩) ما طلب ، قال : فنحب نحبة هاج منها العود (١٠) فاحترق من حر جوفه ، ثم أنزل الله التوبة والمغفرة.

قال وهب : إن داود أتاه نداء من العلي الأعلى (١١) قد غفرت لك ، قال يا رب (١٢) كيف وأنت لا تظلم أحدا؟ قال : اذهب إلى قبر أوريا فناده وأنا أسمعه نداءك فتحلل منه. قال : فانطلق (١٣) وقد لبس المسوح حتى جلس عند قبره (١٤) ، ثم نادى أوريا فقال : لبيك من هذا الذي قطع عليّ لذتي وأيقظني؟ قال : أنا داود ، قال : فما

__________________

(١) أطيق أ ج ه : + أسمع ب / / شمسك أ : شمعتك ب ج ه : الشمس د.

(٢) أصابني أ : أصابه ب : أصاب ج ه : ـ د.

(٣) سبحان خالق النور أ ج د ه : + إلهي أنا الذي اعترفت بذنبي إن لم يغفر السيد لعبده من ذا الذي يغفر له ب / / قد أ ج د ه : ـ ب.

(٤) لهواني أ ب ج ه : ـ د.

(٥) سبحان خالق النور ... أوبقتني أ ب ج ه : ـ د / / أقررت أ ب د : فررت ج ه.

(٦) فلا تجعلني ... لا يرفع أ ب ج د : ـ ه.

(٧) لا يرفع رأسه ب ج ه : ـ د.

(٨) المرعى أ ج د ه : العشب ب / / حتى غطى أ ج د ه : وغطى ب.

(٩) في غير أ ج د ه : بغير ب.

(١٠) منها العود أ ب ه : العود : ج : ـ د.

(١١) من العلي الأعلى ب د : ـ أ ج ه / / قد أ ج : إني قد ب د ه.

(١٢) كيف أ ب ج ه : فكيف د / / اذهب أ ج د ه : يا داود اذهب ب.

(١٣) فانطلق أ د ه : فانطلق داود إلى قبر أوريا ب : فانطلق داود ج.

(١٤) قبره أ ؛ قبر أوريا ب ج د ه / / ثم نادى أوريا أ ج د ه : وقال يا أوريا ب.

٢١٠

حاجتك (١) يا نبي الله؟ قال : جئت أسألك أن تجعلني في حل مما كان مني إليك ، قال : وما كان منك إليّ؟ قال : عرضتك للقتل ، قال : عرضتني للجنة فأنت في حل مني.

فأوحى الله إليه : يا داود ألم تعلم أني حكم عدل (٢) لا أقضي بالتعنت ، ألا أعلمته (٣) أنك قد تزوجت بامرأته؟ قال : فرجع إليه فناداه فأجابه ، فقال : من هذا الذي قطع عليّ لذتي؟ قال : أنا داود ، قال : يا نبي الله أليس (٤) حللتك (٥) وعفوت عنك؟ قال : نعم ولكن إنما فعلت ذلك بك إلا بمكان امرأتك وتزوجتها ، قال : فسكت ولم يجبه (٦) ، فدعاه فلم يجبه ، وثالثا فلم يجبه ، فقام عند قبره وجعل يبكي (٧) ويحثو التراب على رأسه ، ثم نادى : الويل لداود إذا نصب الميزان (٨) بالقسط ، سبحان خالق النور ، الويل لداود ثم الويل الطويل له حين يسحب على وجهه مع الخاطئين إلى النار ، سبحان خالق النور.

فأتاه نداء من السماء (٩) : يا داود قد غفرت لك ذنبك ورحمت بكائك واستجبت دعاءك وأقلت عثرتك ، قال : يا رب كيف وصاحبي (١٠) لم يعف عني؟ قال : يا داود أعطيه (١١) يوم القيامة من الثواب ما لم تره عيناه ولم تسمع أذناه ، فأقول له رضي عبدي فيقول : يا رب أنّي لي هذا ولم يبلغه عملي؟ فأقول هذا عوض عن عبدي داود فاستوهبك (١٢) منه فيهبك لي.

قال : يا رب (١٣) الآن قد عرفت أنك قد غفرت لي ، فذلك قوله تعالى :

__________________

(١) فما حاجتك أ د : ما حاجتك ب ج ه / / أسألك أ ج د ه : جئت لأسألك ب.

(٢) حكم عدل أ ج ه : الحكم العدل ب : أحكم بالعدل د.

(٣) ألا أعلمته أ د ه : لم لا أعلمته ب ج / / فرجع إليه فناداه فأجابه أ ج : فرجع داود إلى القبر ونادى : يا أوريا فأجابه وقال ب د ه.

(٤) أليس أ ج د ه : ألست ب.

(٥) حللتك ب : ـ أ ج ه / / إنما فعلت ذلك بك إلا بمكان امرأتك وتزوجتها أ ج ه : لكني ما أرسلتك حتى قتلت إلا لمكان امرأتك وقد تزوجت بها ومرادي تحاللني بذلك قال ب د.

(٦) وثالثا فلم يجبه ب : ـ أ ج د ه / / فقام عند قبره أ ج د ه : فقام داود عند قبره ب.

(٧) يبكي ب : ـ أ ج د ه / / ثم نادى أ ج ه : وهو ينادي ب د.

(٨) الميزان أ ج د ه : + غدا ب / / بالقسط أ ج د ه : القسطاس ب.

(٩) فأتاه نداء من السماء أ ج د ه : فأتاه النداء من العلي ب.

(١٠) وصاحبي أ ج ه : وخصمي ب د.

(١١) أعطيه أ ب ج ه : أعطيته د / / يوم القيامة أ ب ج ه : ـ د / / عيناه أ ج د ه : + يوم القيامة ب.

(١٢) فاستوهبك أ ب ج ه : فاستوهبتك د.

(١٣) يا رب الآن قد عرفت أ ج د ه : يا رب قد عرفت الآن ب.

٢١١

(فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) (٢٤) (١) أي ساجدا عبر عن السجود بالركوع ، لأن كل واحد فيه انحناء ومعناه فخر بعدما كان راكعا ، أي سجد وأناب ـ أي رجع ـ فغفرنا له ذلك ـ يعني ذلك الذنب ـ وأن له عندنا (٢) بعد المغفرة يوم القيامة (لَزُلْفى) ـ لقربه ومكانه ـ (وَحُسْنَ مَآبٍ)(٣) حسن مرجع ومنقلب.

قال وهب : إن داود لما تاب الله عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة لا يرقأ دمعه ، ليلا ولا نهارا ، وكان أصاب (٤) الخطيئة وهو ابن سبعين سنة ، فقسم الدهر بعد تلك الخطيئة على أربعة أقسام (٥) : يوما للقضاء بين بني إسرائيل ، ويوما لنسائه ، ويوما يسيح في الفيافي والجبال والساحل (٦) ، ويوما يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب ، فيجتمع إليه الرهبان ، فينوح معهم على نفسه ، فيساعدونه (٧) على ذلك ، فإذا كان يوم سياحته ، يخرج في الفيافي ، فيرفع صوته بالمزامير ، فيبكي (٨) معه الشجر والرمال والطير والوحوش حتى يسيل من دموعهم مثل الأنهار ، ثم يجيء إلى الجبال (٩) ، فيرفع صوته بالمزامير ، فيبكي وتبكي (١٠) الجبال والحجارة والطير والدواب حتى تسيل أودية من بكائهم ، ثم يجيء إلى الساحل ، فيرفع صوته فيبكي وتبكي معه الحيتان ودواب البحر (١١) وطير الماء والسباع ، فإذا أمسى رجع.

فإذا كان يوم نواحه (١٢) على نفسه نادى مناديه : إن اليوم يوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده فيدخل الدار التي فيها المحاريب فيبسط له ثلاثة فرش من مسوح (١٣) حشوها ليف فيجلس عليها ، ويجيء أربعة آلاف راهب عليهم البرانس (١٤)

__________________

(١) ص : [٢٤].

(٢) وإن له عندنا بعد المغفرة يوم القيامة أ ج د ه : حسن مرجع ومنقلب يوم القيامة ب.

(٣) ص : [٢٥].

(٤) كان أصاب أ ج ه : قد أصاب ب د.

(٥) أقسام أ : أيام ب ج د ه / / بين بني إسرائيل أ : بين الناس ب ج د ه.

(٦) الساحل أ ج د ه : السواحل والأوعار ب.

(٧) فيساعدونه أ ب ج ه : وهم يساعدونه د / / يخرج أ ب ج د : فيخرج ه.

(٨) فيبكي أ ج ه : فتبكي ب د / / الشجر والرمال أ ج د ه : الأشجار والأوعار والرمل ب.

(٩) إلى الجبال أ ب ه : في الجبال د.

(١٠) وتبكي أ : + معه ب د : فتبكي معه ج ه / / أودية أ ج د ه : الأودية ب.

(١١) ودواب البحر ... رجع فإذا أ ب ج ه : ـ د.

(١٢) نواحه أ : نوحه ب ج د ه.

(١٣) من مسوح أ ب ج ه : من المسوح د / / ليف أ ب ج ه : من ليف د.

(١٤) البرانس : جمع برنس وهو كل ثوب رأسه منه ، ملتزق به ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٦ / ٢٦ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٥٤.

٢١٢

وفي أيديهم العصي فيجلسون في تلك المحاريب ، ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح (١) على نفسه ، ويرفع الرهبان معه أصواتهم فلا يزال يبكي حتى تغرق الفرش من دموعه ، ويقع داود (٢) فيها مثل الفرخ يضطرب ، فيجيء ابنه سليمان ، فيحمله فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ، ثم يمسح بها وجهه ويقول : يا رب / / اغفر ما [٢٧ / أ] ترى فلو عدل بكاء داود ببكاء أهل الدنيا لعدله.

قال وهب : ما رفع داود رأسه حتى قال له الملك : أول أمرك (٣) ذنب وآخره معصية ارفع رأسك ، فرفع رأسه ، فمكث حياته لا يشرب ماء إلا مزجه (٤) بدموعه ، ولا يأكل طعاما إلا بله بدموعه.

وذكر الأوزاعي (٥) مرفوعا إلى الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «إن مثل عيني داود كالقربتين ينطفان (٦) ماء ولقد خدّت الدموع في وجهه كخديد الماء في الأرض» (٧).

قال وهب : لما تاب الله على داود قال : يا رب غفرت لي فكيف لي أن لا أنسى خطيئتي فاستغفر منها وللخاطئين إلى يوم القيامة قال : فوسم الله خطيئته في يده اليمنى ، فما رفع طعاما ولا شرابا إلا بكى إذا رآها ، وما قلم خطيبا في الناس إلا بسط راحتيه ، فاستقبل (٨) الناس ليروا وسم خطيئته ، واستغفر للخاطئين قبل نفسه.

وعن الحسن : كان داود بعد الخطيئة لا يجالس إلا الخاطئين يقول : تعالوا إلى داود الخاطىء ولا يشرب شرابا إلا مزجه بدموع عينيه ، وكان يجعل خبز الشعير اليابس في قصعته (٩) ، فلا يزال يبكي حتى تبتل من عينيه ، وكان يذر عليه الملح والرماد فيأكل (١٠) ويقول : هذا أكل الخاطئين ، وكان داود قبل الخطيئة يقوم نصف

__________________

(١) النوح أ ب ج ه : النواح د.

(٢) ويقع داود فيها ... الدموع أ ب ج د : ـ ه.

(٣) أول أمرك أ ج د ه : فأول أمرك ب.

(٤) مزجه أ ب ج ه : ممزوجا د.

(٥) الأوزاعي : عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، من أوعية العلم ، كثير الحديث والعلم والفقه ، توفي عام ١٥٧ ه‍ / ٧٧٣ م ؛ ينظر : ابن خلكان ٢ / ٣١٠ ؛ الذهبي ، تذكرة ١ / ١٧٨ ؛ ابن العماد ٢ / ٢٤١ ؛ الجابي ٤٠٢.

(٦) ينطفان أ ب ج د : لينطفان ه.

(٧) ينظر : الثعلبي ١٥٩.

(٨) فاستقبل أ ب د : فاستقبله د ه.

(٩) قصعته أ ب د : قصعة ج ه / / من عينيه أ د هت : بدموع عينيه ب ج.

(١٠) فيأكل أ ب د : ويأكله ج ه.

٢١٣

الليل ويصوم نصف الدهر (١) ، فلما كان من خطيئته (٢) ما كان ، صام الدهر كله ، وقام الليل كله ، وكان إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله ، وإذا ذكر رحمة الله تراجعت ، وفي القصة أن الوحوش والطير كانت تسمع إلى قراءته فلما فعل ما فعل كانت لا تصغي إلى قراءته ، فروي أنها قالت : يا داود ذهبت خطيئتك بحلاوة صوتك.

ذكر بناء سيدنا داود عليه‌السلام مسجد بيت المقدس (٣)

عن رافع بن عميرة (٤) قال : سمعت رسول الله (٥) يقول : «قال الله تبارك وتعالى لداود : يا داود ابن لي بيتا في الأرض ، فبنى داود بيتا لنفسه قبل البيت الذي أمر الله به (٦) ، فأوحى الله تعالى إليه : يا داود بنيت بيتك قبل بيتي ، قال : أي رب هكذا قلت فيما قضيت من ملك استأثر ، ثم أخذ في بناء المسجد ، يعني مسجد بيت المقدس.

وعن وهب : لما تاب الله (٧) على داود ، عليه‌السلام ، وكان قد بنى مدائن كثيرة وصلحت أمور بني إسرائيل أحب أن يبني بيت المقدس وعلى الصخرة الشريفة (٨) قبة في الموضع الذي قدسه الله تعالى في إيلياء (٩) ، وكانت (١٠) قد حسنت حال بني إسرائيل وملأوا الشام وضاقت بهم فلسطين وما حولها ، فأحب داود ، عليه‌السلام ، أن يعلم عددهم فأمر بإحصائهم في (١١) أنسابهم وقبائلهم ، فكبر عليهم (١٢) فلم يطيقوا إحصائهم.

وروي أن الله تعالى أوحى إلى داود ، عليه‌السلام ، لما كثر طغيان بني إسرائيل أني أقسمت بعزتي لأبتلينّهم بالقحط سنتين أو أسلط عليهم العدو شهرين أو الطاعون

__________________

(١) نصف الدهر أ : نصف الدهر ب ج د ه.

(٢) خطيئته أ د ه : خطيته ب ج.

(٣) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٨٥ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٢٨.

(٤) رافع بن عميرة : رافع بن أبي رابع الطائي ، صحابي ، يكنى أبا الحسن ، توفي عام ٢٣ ه‍ / ٦٤٣ م ، ينظر : ابن عبد البر ٢ / ٤٨٢ ؛ ابن الجوزي ، تلقيح ١٩٠ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ١٨٨.

(٥) رسول الله أ : + صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه.

(٦) أمر الله به أ : أمره الله تعالى به ب : أمر به ج : أمره به د ه.

(٧) الله أ : + عز وجل ب ج د ه / / وكان أ ج د ه : كان ب حال أ ب د : أحول ج ه.

(٨) الشريفة أ : ـ ب ج د ه.

(٩) إيلياء : اسم مدينة القدس العبري معناه : بيت الله ، ينظر : ابن خرداذبة ٧٨ ؛ الإدريسي ١ / ٣٥٨ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ١٣٨ ؛ الحميري ٦٨.

(١٠) وكانت أ ج د : وكان ب / / حال أ ب د : أحوال ج ه.

(١١) في أ : على ب ج د ه.

(١٢) فكبر عليهم أ ج د ه : فكثر عليهم ب.

٢١٤

ثلاثة أيام ، فجمعهم داود وخيرهم بين إحدى الثلاث ، فقالوا : أنت نبينا وأنت انظر إلينا (١) من أنفسنا ، فاختر لنا ، فقال : أما الجوع فإنه بلاء فاضح لا يصبر عليه أحد ، وأما العدو والموت فإني أخبركم إن اخترتم تسليط العدو فإنه لا بقيه لكم ، والموت بيد الله تعالى تموتون بآجالكم في بيوتكم ففوضوا ذلك إلى الله تعالى ، فهو أرحم بكم (٢).

فاختار لهم الطاعون ، وأمرهم أن يتجهزوا (٣) له ويلبسوا أكفانهم ويخرجوا نساءهم وإماءهم وأولادهم أمامهم وهم خلفهم على الصخرة والصعيد الذي بنى عليه مسجد بيت المقدس ، وهو يومئذ صعيد واحد ، ففعلوا ثم نادى (٤) : يا رب إنك أمرتنا بالصدقة وأنت تحب المتصدقين ، فتصدق علينا برحمتك ، اللهم إنك أمرتنا بعتق الرقاب فنسألك برحمتك أن تعتقنا اليوم ، اللهم وقد أمرتنا أن لا نرد السائل إذا وقف بأبوابنا (٥) ، وأنت تحب من لا يرد السائل ، وقد جئناك سائلين فلا تردنا ، ثم خروا سجدا (٦) من حين طلع (٧) الصبح.

فسلط الله عليهم الطاعون من ذلك الوقت إلى أن زالت الشمس ، ثم رفعه عنهم ، ثم أوحى الله إلى داود ، عليه‌السلام ، أن ارفعوا رؤوسكم فقد شفعتك فيهم ، فرفع داود رأسه ثم نادى : أن ارفعوا رؤوسكم فرفعوا رؤوسهم ، وقد مات (٨) منهم مائة ألف وسبعون ألف ، أصابهم الطاعون وهم سجود ، فنظروا (٩) إلى الملائكة يمشون بينهم بأيديهم الخناجر //.

ثم عمد داود ، عليه‌السلام ، فارتقى (١٠) الصخرة رافعا يديه يحدث لله شكرا ، ثم إنه جمع بني إسرائيل بعد ذلك ، وقال : إن الله سبحانه وتعالى قد رحمكم وعفا عنكم ، فأحدثوا لله شكرا بقدرما ابتلاكم ، فقالوا له : مرنا (١١) بما شئت ، قال : إني لا

__________________

(١) انظر لنا ب : انظر إلينا أ ج د ه / / فاختر لنا أ ب ج ه : واختر لنا ما شئت.

(٢) فهو أرحم بكم أ ب ج ه : لأنه أرحم بكم د.

(٣) يتجهزوا أ ب ج ه : يجهزوا د.

(٤) نادى أ ج : نادوا ب د : ـ ه / / ثم نادى ... تعتقنا اليوم أ ب ج د : ـ ه.

(٥) بأبوابنا أ ب ج ه : على أبوابنا ب / / وأنت تحب من لا يرد السائل أ ج د ه : ـ ب.

(٦) سجدا أ ب : ساجدين ج د ه ت.

(٧) طلع أ ج د ه : طلوع ب.

(٨) فقد شفعتك ... وقد مات أ ب ج د : ـ د.

(٩) فنظروا أ ب ج : فنظر داود د ه / / يمشون أ ب ج ه : يسبحون د.

(١٠) فارتقى أ ج د ه : وارتقى ب.

(١١) مرنا ب ه : أمرنا أ ج د.

٢١٥

أعلم أمرا أبلغ في شكركم من بناء مسجد على هذا الصعيد الذي رحمكم الله عليه ، فنبنيه مسجدا يعبد الله فيه ويقدسه (١) أنتم ومن بعدكم ، قالوا : نفعل ، وسأل داود ربه فأذن له ، وأقبلوا على بنائه.

وروي (٢) أن الله تعالى لما أمر داود ، عليه‌السلام ، أن يبني مسجد بيت المقدس قال : يا رب وأين أبنيه؟ قال : حيث ترى الملك شاهرا سيفه ، قال : فرآه داود في ذلك المكان فأسس قواعده ورفع حائطه (٣) فلما ارتفع انهدم ، فقال داود : يا رب أمرتني أن أبني لك بيتا فلما ارتفع هدمته ، فقال : يا داود إنما جعلتك خليفتي في خلقي فلم أخذت المكان من صاحبه بغير ثمن؟ إنه سيبنيه رجل من ولدك (٤).

وحكى في معنى هذا الأثر أن المكان كان لجماعة من بني إسرائيل ولكل واحد منهم فيه حق ، فطلبه داود منهم ، وأنعم به (٥) البعض باللفظ والبعض بالسكوت ففهم داود من الساكتين الرضا (٦) ، وكان بعضهم غير راض في الباطل فحمل داود الأمر على ظاهره فبناه (٧).

فجاء بعض أصحاب الحق (٨) إلى بني إسرائيل وقال لهم : إنكم تريدون أن تبنوا على حقي وأنا مسكين وأنه موضع بيدري أجمع فيه طعامي فارتفق (٩) بحمله إلى منزلي لقربه إن بنيتم عليه أضررتم بي ، فانظروا في أمري فقالوا له : كل من بني إسرائيل له مثل حقك وأنت أبخلهم ، فإن أعطيته (١٠) طوعا وإلا أخذناه على كره منك ، فقال : أتجدون هذا في حكم داود؟ ثم انطلق وشكاهم إليه ، فدعاهم وقال لهم : تريدون أن تبنوا بيت الله بالظلم (١١) ما أراكم يا بني إسرائيل تستكينون لله عز وجل ولا أرى إلا أن البلاء يضغطكم.

__________________

(١) ويقدسه أ ج د ه : وتقدسوه ب.

(٢) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١١٣.

(٣) حائطه أ ب ج ه : حيطانه د.

(٤) ولدك أ ب ه : أولادك ج د.

(٥) وأنعم أ : فأنعم ب ج د ه.

(٦) الرضا ب : الرضى أ ج د : الأمر على ظاهره ه.

(٧) فبناه فجاء أ ب ج ه : ولما بناه جاءه د.

(٨) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١١٤.

(٩) فارتفق ... لقربه أ ب ج ه : ـ د.

(١٠) أعطيته أ ب د : أعطيت ج ه / / على كره أ ب ج ه : كرها د.

(١١) بالظلم أ ب : بظلم ج د ه.

٢١٦

ثم قال له داود : أتطيب نفسك عن حقك فتبيعه بحكمك؟ فقال : ما تعطيني ، فقال : أملأه لك إن شئت غنما وإن شئت بقرا وإن شئت إبلا ، فقال : يا نبي الله زدني فإنما تشتريه لله (١) فلا تبخل عليّ ، فقال له داود : احتكم فإنك لا تسألني (٢) شيئا إلا أعطيتك ، فقال : ابن لي حائطا قدر قامتي ، ثم املأه لي ذهبا ، فقال له داود ، عليه‌السلام : نعم وهو في الله قليل.

فالتفت الرجل إلى بني إسرائيل فقال : هذا والله التائب الصادق والمخلص (٣) ، ثم قال : يا نبي الله قد علم الله ، عز وجل ، مني لمغفرة ذنب من ذنوبي وذنوب هؤلاء أحب إليّ من ملء الأرض ذهبا فكيف يظن هؤلاء أني أبخل عليهم وعلى نفسي بما أرجو به المغفرة لذنوبي وذنوبهم ولكني جربتهم رحمة لهم وشفقة عليهم وقد جعلته لله تعالى.

فأقبلوا على عمل مسجد بيت المقدس ، وباشر داود العمل بنفسه وجعل الحجر (٤) على عاتقه ويضعه بيده في مواضعه ومعه أحبار بني إسرائيل.

وروي (٥) أن داود لما ابتدأه ورفعه قامة رجل أوحى الله إليه أني لم أقض ذلك على يديك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي إتمامه على يده (٦) ، وتوفي داود قبل إتمامه وله سبعون سنة ، وقيل غير ذلك.

وأنزل الله عليه الزبور ، وهو مائة وخمسون سورة بالعبرانية في خمسين منها ما يلقونه من بخت نصر ، وفي خمسين ما يلقونه من الروم ، وفي خمسين مواعظ وحكم ، ولم يكن فيه حلال ولا حرام ولا حدود (٧) ولا أحكام.

وكانت وفاته في يوم السبت أواخر سنة خمس وثلاثين وخمسمائة لوفاة موسى ، عليه‌السلام (٨) ، وملك داود أربعين سنة ، وأوصى قبل موته بالملك إلى سليمان (٩) ولده وأوصاه بعمارة بيت المقدس ، وعين لذلك عدة بيوت أموال تحتوي

__________________

(١) لله أ د : + عز وجل ب ج : تعالى ه.

(٢) لا تسألني أ ب ج ه : لا تطلب د / / ابن لي حائطا أ ب : ابن لي حيطا ج ه : أطلب منك أن تبني حيطا د.

(٣) والمخلص أ : المخلص ب ج د ه.

(٤) الحجر أ ب ج ه : الأحجار د / / مواضعه أ : موضعه ب ج د ه.

(٥) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٨٥ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٢٨.

(٦) على يده أ ج ه : على يديه ب د / / داود أ : + عليه‌السلام ب ج د ه.

(٧) ولا حدود ولا أحكام ب : ـ أ ج د ه.

(٨) عليه‌السلام أ ج د ه : ع ب.

(٩) إلى سليمان أ ب ج د : لسليمان ه.

٢١٧

على جملة كثيرة (١) من الذهب.

وعن كعب ووهب (٢) : أن داود ، عليه‌السلام ، أعد لبناء بيت المقدس مائة ألف بدرة (٣) ذهبا وألف ألف بدرة ورقا (٤) وثلثمائة ألف دينار لطلي (٥) البيت ، وذكر أن هذا مال لا تفي به المعادن.

قال وهب : ودفن (٦) داود بالكنيسة المعروفة بالجسمانية شرقي / / بيت المقدس في الوادي ، ويقال : إن قبر داود ، عليه‌السلام ، بكنيسة صهيون وهي التي بظاهر القدس من جهة القبلة بأيدي طائفة الفرنج لأنها كانت داره ، وفي كنيسة صهيون (٧) المذكورة موضع تعظمه النصارى ، ويقال : إن قبر داود فيه وهذا الموضع هو الآن بأيدي المسلمين.

وسنذكر ما وقع في ذلك في عصرنا من التنازع بين المسلمين والنصارى فيما بعد ، في حوادث سنة خمس وتسعين وثمانمائة إن شاء الله تعالى.

ذكر (٨) ملك سليمان عليه‌السلام (٩)

لما توفي داود ملك ابنه سليمان وعمره اثنتا عشرة سنة ، ومولد سليمان بغزة ، وأتاه الله الحكمة والعلم والملك ما لم يؤته لأحد سواه على ما أخبر الله ، عز وجل ، به في محكم كتابه العزيز ، فأطاع الله له الأنس والجن والشياطين والرياح والطيور والوحوش (١٠) والهوام وكل المخلوقات على اختلاف أجناسها فسبحان المتفضل بما شاء على من يشاء (١١).

__________________

(١) جملة كثيرة أ د : جمل كثيرة ب ج ه.

(٢) ووهب أ ب ج ه : ـ د.

(٣) بدرة : كيس مقدار من المال يتعامل به ويقدم في العطايا ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٤ / ٤٩ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٤٤.

(٤) الورق : فضة مضروبة كانت أو غير مضروبة ، وهي الدراهم ، ينظر : ابن خالويه ٢٦ ؛ ابن منظور ، لسان ٤ / ٤٩ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ١٠٦٨.

(٥) لطلي أ ج د ه : لطلاء ب.

(٦) ودفن أ ج د ه : دفن ب.

(٧) ينظر : النابلسي ٣٠٤.

(٨) ذكر أ ج د ه : ـ ب.

(٩) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٨٦ ؛ الثعلبي ١٦٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٢٨ ؛ النجار ٣١٧.

(١٠) والطيور والوحوش أ ج د ه : الطير والوحش د.

(١١) من يشاء أ ج د ه : كم شاء ب.

٢١٨

ذكر بناء سليمان عليه‌السلام مدينة بيت المقدس ومسجدها (١)

لما كان في السنة الرابعة من ملكه في شهر أيار وهي سنة ٥٣٩ (٢) لوفاة موسى ، عليه‌السلام ، ابتدأ سليمان ، عليه‌السلام ، في عمارة بيت المقدس حسبما تقدم به وصيه أبيه إليه.

وكانت مدينة بيت المقدس في زمن إسرائيل عظيمة البناء ، متسعة العمران ، فكانت أكبر من مصر ومن بغداد ، على ما يوصف (٣) فيقال : إن العمارة والمنازل كانت متصلة من جهة القبلة إلى القرية المعروفة يومئذ بدير السنة (٤) ، ومن جهة الشرق إلى جبل طور زيتا (٥) ، واستمرت العمارة بطور زيتا إلى حين الفتح العمري (٦) ، ومن جهة (٧) الغرب إلى ماميلا (٨) ، ومن جهة الشمال إلى القرية التي بها قبر النبي شموئيل (٩) ، عليه‌السلام ، واسمها عند اليهود رامة (١٠) ومسافتها عن بيت (١١) المقدس تقرب من ربع بريد (١٢) لعمارة داود وسليمان ، عليهما‌السلام ، لمدينة القدس إنما هي تجديد للبناء (١٣) القديم.

وتقدم في أول الكتاب ذكر أول من عمر المدينة (١٤) واختطها وأنه سام بن

__________________

(١) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٠٠ ؛ الثعلبي ١٦٧ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١١٧.

(٢) سنة ٥٣٩ ه‍ أ ج د ه : سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ب.

(٣) ما يوصف أ ب ج ه : وصفت المؤرخون د.

(٤) دير السنة : لم أستطيع تحديد موقعه.

(٥) جبل طور زيتا : جبل مطل على المسجد الأقصى شرقي وادي سلوان ، وهو وادي جهنم ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٥٤ ؛ النابلسي ١٦٣.

(٦) الفتح العمري : الفتح الذي يسره الله على يد عمر بن الخطاب للقدس عام ١٥ ه‍ / ٦٣٦ م. ينظر : البلاذري ، فتوح ١٤٠ ؛ الطبري ، تاريخ ٣ / ٦٠٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٢ / ٣٤٨.

(٧) ومن جهة الغرب إلى ماميلا أ ب ج ه : ـ د / / ماميلا أ ج د ه : ماء مولا ب.

(٨) ماميلا : مقبرة بظاهر القدس بها دفن الأعيان والعلماء ، ينظر : النابلسي ١٨٧ ؛ الأنصاري ، مقبرة ماميلا.

(٩) شموئيل أ : شمويل ب ج د ه / / عليه‌السلام أ ج د ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(١٠) رامة : قرية النبي صموئيل ، وهي قرية فلسطينية شمال بيت المقدس تسمى الآن الرام ، ينظر : الدباغ ٢ / ٩٤ ؛ خمار ٢٣٤ ؛ عبد الملك ٣٩٢.

(١١) عن بيت أ ب ج د : من بيت ه.

(١٢) بريد : كلمة فارسية والبريد يساوي ٤ فراسخ ، والفرسخ يساوي ٤ كم ، ينظر : التونجي ١١ ، هنتس ٩٤ هارتمان ، بريد ٣ / ٦٠٩ ؛ Sourdel ,Baread ١ / ٠١

(١٣) للبناء أ ج ه : البناء د.

(١٤) من عمر المدينة أ ج د ه : من بنى المدينة وعمرها ب.

٢١٩

نوح ، عليهما‌السلام ، وكان محل المسجد بين عمران المدينة وهو صعيد واحد والصخرة الشريفة قائمة في وسط حتى بناه داود ، ثم سليمان ، عليهما‌السلام.

وكان من خبر ذلك ما روي أن الله ، عز وجل ، لما أوحى إلى سليمان ، عليه‌السلام ، أن ابن بيت المقدس جمع حكماء الأنس والجن وعفاريت الأرض وعظماء الشياطين وجعل منهم فريقا يبنون ، وفريقا يقطعون الصخور والعمد من معادن الرخام (١) ، وفريقا يغوصون في البحر فيخرجون منه الدر والمرجان (٢) ، وكان في الدر ما هو مثل بيضة النعامة وبيضة الدجاجة ، وأخذ في بناء بيت المقدس وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح (٣) وجعلها اثني عشر ربضا (٤) ، وأنزل كل ربض منها سبطا من الأسباط ، وكانوا اثني عشر سبطا ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد ، فلم يثبت البناء ، فأمر بهدمه ثم حفر الأرض (٥) حتى بلغ الماء ، فأسسه على الماء وألقوا فيه الحجارة ، فكان الماء يلفظها فدعا سليمان ، عليه‌السلام ، الحكماء الأخيار (٦) ورئيسهم آصف بن برخيا واستشارهم فقالوا : إنا نرى أن نتخذ (٧) قلالا من نحاس ثم نملأها حجارة ثم نكتب عليها الكتاب الذي في خاتمك (٨) ثم نلقي القلال في الماء ، وكان الكتاب الذي على الخاتم لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد عبده ورسوله.

ففعلوا فثبتت القلال ، فألقوا المؤن والحجارة عليها ، وبنى حتى ارتفع بناؤه ، وفرق الشياطين في أنواع العمل ، فدأبوا (٩) في عمله وجعل فرقة منهم يقطعون معادن الياقوت والزمرد ويأتون بأنواع الجواهر ، وجعل الشياطين صفا مرصوفا (١٠) من معادن الرخام إلى حائط المسجد ، فإذا قطعوا من المعادن حجرا أو أسطوانة

__________________

(١) الرخام : ضرب من الحجارة استخدم في العمارة الإسلامية ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٢ / ٢٣٤ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٣٤٩ ؛ بعلبكي ١ / ٥٣٧ ؛ غالب ١٩٩.

(٢) والمرجان أ ب ج د : + والجواهر ه.

(٣) الصفاح : حجارة رقيقة عريضة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٢ / ٥١٣ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٥٣٥.

(٤) ربض : الناحية من الشيء وما حول المدينة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٧ / ١٥٢ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٣٣٤.

(٥) حفر الأرض أ ب : حفر الأساس ج د ه.

(٦) الأخيار أ ج ه : الأحبار ب د.

(٧) أن نتخذ أ ب : أن نأخذ ج د ه.

(٨) في خاتمك أ ب ه : على خاتمك ج د / / على الخاتم أ ب : في خاتمه ج د : في خاتمك د.

(٩) فدأبوا أ ب ج ه : ـ د.

(١٠) مرصوفا أ : مرصوصا ب ج د ه / / حائط أ ب ه : حيطان ج د.

٢٢٠