الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

مجير الدين الحنبلي العليمي

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

المؤلف:

مجير الدين الحنبلي العليمي


المحقق: عدنان يونس عبد المجيد أبو تبّانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

يديه إلى السماء وقال : إلهي وسيدي ومولاي ، علمت أنك إله السماء والأرض لا إله فيهما سواك ، حلمك الذي يحملني (١) أن أسألك ما ليس لي (٢) بحق ، وأنت المتكفل بأرزاقهم ، اللهم إني أسألك أن تجري لهم النيل.

فأجرى (٣) الله لهم النيل ، فلما رآه القوم سجدوا له وازدادوا كفرا وقالوا : قد أتانا بالماء والنيل في طاعته وعلم الله منه أنه لا يزداد إلا كفرا (٤) لكن أراد الله أن يؤكد / / الحجة عليه بذلك ، وبلغ ذلك موسى وهارون ، فتعجبا (٥) واشتد عليهما.

قصة غرق (٦) فرعون (٧) وخروج موسى من مصر

ثم أوحى الله (٨) إلى موسى : أنه قد اقترب أجل فرعون وهلاكه ، وأهبط الله جبريل (٩) على صورة آدمي حسن الوجه ، فدخل على فرعون فقال له فرعون (١٠) : من أنت؟ قال : أنا عبد من عبيد الملك جئتك مستغيثا على عبد من عبيدي مكنته من نعمتي ، فاستكبر وبغى وجحد حقي وتسمى باسمي وادعى في جميع ما أنعمت عليه أنه له ، فقال فرعون : بئس ذلك العبد بين العبيد ، فقال جبريل ، عليه‌السلام : فما جزاؤه؟ قال : يغرق في هذا (١١) البحر ، قال جبريل ، عليه‌السلام : إني أسألك أن تكتب لي خطا بيدك ، فكتب له خطا (١٢).

فأخذه جبريل وخرج من عنده حتى صار إلى موسى ، فأخبره بذلك (١٣) وقال له : إن الله يأمرك أن ترحل من موضعك ، فنادى موسى في بني إسرائيل بالرحيل ،

__________________

(١) يحملني أ ج د ه : حملني ب.

(٢) لي أ ج د : ـ ب ه / / بأرزاقهم أ ج د ه : بالأرزاق ب.

(٣) فأجرى أ ج د ه : قال : فأجرى ب / / الله لهم النيل ... في طاعته أ ب ج ه : ـ د / / رآه القوم سجدوا أ ج د ه : + طنوا أنه أجرى لهم النيل فسجدوا ب.

(٤) كفرا أ ج د ه : + وعصيانا ب / / لكن أراد الله أ ج د ه : لكنه أراد ب / / عليه بذلك أ ج د ه : عليه ب.

(٥) فتعجبنا واشتد عليهما أ ج د ه : فتعجبا من لطف الله تعالى ب.

(٦) غرق أ ج د ه : ـ د.

(٧) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٢٠ ؛ المسعودي ١ / ٤٩ ؛ الثعلبي ١١٢ ؛ النجار ٢٠٠.

(٨) الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(٩) جبريل أ ج د ه : + عليه‌السلام ب / / آدمي أ ج د ه : رجل ب.

(١٠) له فرعون ب : ـ أ ج د ه.

(١١) هذا أ ج د ه : ـ ب / / خطا بيدك ... خطا أ ب ج د : ـ ه.

(١٢) خطا أ ج د : + بيده ب : ـ ه.

(١٣) بذلك أ ه : ذلك ب ج د.

١٨١

فارتحلوا وهو يومئذ ستمائة ألف.

فلما سمع فرعون بذلك نادى في جنوده ، وكان في كثرة لا يحصون عددا ، وسار (١) بهم في أتباع موسى ، فإنه كان يعتقد أنه خرج هاربا منه ، فسار حتى قرب من بني إسرائيل (٢) ، فقالوا : يا موسى قد لحقنا فرعون وجنوده ، فقال موسى : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) (٦٢) (٣) ، فقالوا (٤) : قد قرب القوم وليس بين أيدينا إلا البحر (٥) وما خلفنا إلا السيوف وقد هلكنا ، فأوحى الله إلى موسى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (٦٣) (٦) ، وصار فيه اثنا عشر طريقا للأسباط (٧) الإثنى عشر ، فجعلوا يسيرون فيه ويحدث بعضهم بعضا وموسى بين أيديهم وهارون (٨) من ورائهم.

فأقبل فرعون وهامان عن يمينه (٩) ووزراؤه وجنوده ، فنظروا إلى البحر يابسا وإلى تلك الطريق (١٠) ، فأحب لحوق موسى ، فتقدم وهو على فرسه ، فتأخر الفرس ونفر ، فهبط جبريل على فرسه ، ثم تقدم جبريل إلى جنب فرس فرعون ، فاشتم رائحة فرس جبريل ، فاتبعها (١١) فرعون وجنوده وجبريل يقول : أيها الملك لا تعجل ، وجعل ميكائيل يسوق الناس خلفه ، فأخرج جبريل الصحيفة وقال (١٢) : أيها الملك أتعرف هذه الصحيفة؟ فلما فتحها علم أنه هالك.

وجعل البحر ينضم بعضه إلى بعض والناس يغرقون وفرعون ناظر (١٣) إليهم ، فلما استيقن بالموت قال : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ

__________________

(١) وسار بهم في إتباع موسى أ ج د ه : وسار فرعون بجنده ف تبع موسى وبني إسرائيل ب / / يعتقد أنه خرج هاربا أ ج د ه : معتقدا أنهم خرجوا هاربين ب.

(٢) إسرائيل أ ج د ه : فلما رأوه ب / / فقالوا أ ج د ه : قالوا لموسى ب.

(٣) الشعراء : [٦٢].

(٤) فقالوا أ ج د ه : قالوا له ب.

(٥) إلا البحر أ ج د ه : شيء سوى البحر ب / / إلا السيوف أ ج ه : سوى السيوف ب : السيف د.

(٦) الشعراء : [٦٣].

(٧) الأسباط : السبط في كلام العرب الشجرة الملتفة الكثيرة الأغصان والمقصود هنا أبناء يعقوب عليه‌السلام ، وعددهم اثنا عشر رجلا ، ينظر : الثعلبي ٦٠.

(٨) فجعلوا يسيرون ... وهارون أ ب ج د : ـ ه.

(٩) عن يمينه أ ج د ه : ـ ب / / ووزراؤه وجنوده أ ج د ه : بين يديه ومن ورائه وزراؤه وحجابه ب.

(١٠) الطريق أ ج ه : الطرق ب : الطرقات د.

(١١) فاتبعها أ ب ج د : فلحقها ه / / وجنوده أ ج د ه : ولحقه جنوده ب.

(١٢) وقال أ ج د ه : + فرعون ب / / هذه الصحيفة أ ج د ه : + التي كتبتها بيدك ب.

(١٣) ناظر أ ج د ه : ينظر ب.

١٨٢

الْمُسْلِمِينَ) (٩٠) (١) ، فقال له جبريل ، عليه‌السلام : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٩١) (٢) ، فلما أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه ، قال بنو إسرائيل : ما مات فرعون ، فأمر الله البحر فألقاه على الساحل فرآه بنو إسرائيل ، فمن ذلك الوقت لا يقبل الماء ميتا أبدا بل يلقيه (٣) ، فذلك قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً)(٤) ، عبرة وعظة (٥) ، فغرق القوم كلهم وبنو إسرائيل ينظرون إليهم كيف يغرقون.

ولما عبر (٦) موسى البحر ببني إسرائيل إذ رأوا في طريقهم قوما يعبدون الأصنام فقال سفهاء بني إسرائيل (٧) : (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩))(٨).

ثم قال : (قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (١٤٠) (٩) ، ثم قال لهم : استغفروا الله مما قلتم ، فساروا وفي قلوبهم حب الأصنام ، فلما قرب موسى من الطور (١٠) ، استخلف أخاه هارون على قومه (١١) ، وخرج موسى إلى البقعة التي كلم الله فيها وهو صائم ، فتطهر وطمع أن يكلمه الله وهو في ذلك يكثر (١٢) التسبيح والتقديس والتمجيد.

قصة السامري (١٣)

ثم إن السامري عمل لبني إسرائيل بعد رواح موسى لمناجاة (١٤) ربه ،

__________________

(١) يونس : [٩٠].

(٢) يونس : [٩١].

(٣) بل يلقيه ب : ـ أ ج د ه :/ / فذلك أ ج د ه : وذلك ب.

(٤) يونس : [٩٢].

(٥) وعظة أ ج د : وموعظة ب ه.

(٦) عبر أ ب ج ه : جاوز د / / إذ رأوا ب : ـ أ ج د ه.

(٧) سفهاء بني إسرائيل أ ج ه : سفهائهم ب د.

(٨) الأعراف : [١٣٨ ـ ١٣٩].

(٩) الأعراف : [١٤٠].

(١٠) الطور : طور سيناء الذي أقسم الله بفضله على الجبال ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ١٠٧ ؛ الحميري ٣٩٧.

(١١) على قومه أ ب : ـ ج د ه.

(١٢) يكثر التسبيح أ ب ج د : يكثر من التسبيح ه.

(١٣) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٢٢ ؛ الثعلبي ١١٣ ؛ النجار ٢١١.

(١٤) لمناجاة أ د : إلى مناجاة ب ج ه.

١٨٣

وأخذ (١) منهم ما كان معهم من الزينة والحلي ، واتخذ لهم عجلا ، وكان معه قبضة من الرمل من الساحل من تحت فرس جبريل ، وطرحها في جوف ذلك العجل فصار له خوار ، فقال (٢) لبني إسرائيل هذا إلهكم وإله موسى ، فمال إليه خلق وامتنع آخرون ، وبلغ هارون ذلك فقال : (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١))(٣) ، واهتم لذلك (٤) ولم يمكنه التغير عليهم خشية الفتنة وموسى لا يعلم.

فأوحى الله عز وجل (٥) ، إلى موسى : (* وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ)(٦) ، واحتمل جبريل موسى إلى الموضع الذي كلمه (٧) فيه ربه ، فوقف (٨) وذلك قوله تعالى : (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) (٥٢) (٩) ، فسمع موسى في ذلك الوقت صرير القلم يجري في اللوح ، واللوح من الزمرد الأخضر ، فأوحى (١٠) الله إلى القلم أن اكتب فقال القلم : يا رب وما أكتب؟ فنودي يا موسى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ولا تشرك بي شيئا فمن أشرك بي أدخلته النار (١١) ، لا تسرق مال غيرك فيحل عليك عذابي في الدنيا والآخرة وكتب غير ذلك.

قصة (١٢) طلب الرؤية (١٣)

وسار (١٤) موسى ببني إسرائيل مستقبلين الأرض المقدسة ، فلما أتوا إلى جانب الطور أمره الله تعالى أن يقيم ببني إسرائيل في ذلك المكان وأن يستخلف

__________________

(١) وأخذ أ ج د ه : فأخذ ب.

(٢) فقال أ : + لهم ب ج د ه.

(٣) طه : [٩٠ ـ ٩١].

(٤) واهتم أ : فاهتم ب ج د : ـ ه / / التغير أ د ه : التغيير ب ج.

(٥) عز وجل أ ج د ه : ـ ب.

(٦) طه : [٨٣ ـ ٨٥].

(٧) كلمه أ ب د : كلم ج ه.

(٨) فوقف أ ب ج د : توقف ه.

(٩) مريم : [٥٢].

(١٠) فأوحى أ د : وأوحى ب ج ه.

(١١) النار أ : + يا موسى ب ج د ه.

(١٢) قصة طلب الرؤية أ ج د ه : ذكر قصة الرؤية ب.

(١٣) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٢٨ ؛ الثعلبي ١١٩ ؛ النجار ٢١٢.

(١٤) وسار أ ه : + موسى ب ج د / / مستقبلين ... أن تقيم أ ب ج ه : ـ د.

١٨٤

عليهم هارون ، وظلل الغمام الجبل (١) كله ، ثم دنا منه موسى فأمره الله أن يقطع الألواح من صخرة صماء فقطعها ، وكتب الله فيها التوراة بيد القدرة (٢) ، وكان موسى يسمع جريان القلم ، فحدث نفسه بالرؤية لله عز وجل (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)(٣) فأنت الحنان المنان ذو الفضل والإحسان متفضل عليّ بكرمك فلا تحرمني النظر إلى وجهك الكريم ، يا ذا الجلال والإكرام فأوحى الله إليه : يا موسى سألت شيئا لم يسأله أحد من خلقي فهل تستطيع ذلك يا موسى؟ فإنه لا يراني أحد من خلقه إلا خر صعقا ، فقال موسى : يا رب أراك وأموت أحب إليّ من أن لا أراك وأحيا.

فأوحى الله إليه : (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً)(٤) ، لا يعقل من أمره شيئا ، ثم أزال الله خوفه فذلك قوله تعالى : (صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (١٤٣) (٥) ، معناه : أنا أول المصدقين بأنه لا يراك أحد في الدنيا.

ثم أوحى الله إليه : (قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١٤٤) (٦). ثم أوحى الله إليه : (قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) (٨٥) ، بعبادة العجل ، (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً)(٧) ، واشتد غضبه عليهم وقال : (بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي)(٨).

ثم ألقى الألواح وعمد إلى أخيه هارون ، وأخذ بلحيته وبرأسه (٩) وقال له : لم لا تبعتني لما رأيتهم ضلوا ، أفعصيت أمري؟ فبكى هارون وقال : (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي)(١٠) ، وارفق (١١) بي فإني أكبر منك سنا (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا

__________________

(١) الجبل أ ج د ه : ذلك الجبل.

(٢) القدرة أ ب : قدرته ج د ه.

(٣) الأعراف : [١٤٣].

(٤) الأعراف : [١٤٣].

(٥) الأعراف : [١٤٣].

(٦) الأعراف : [١٤٤].

(٧) طه : [٨٥ ـ ٨٦].

(٨) الأعراف : [١٥٠].

(٩) وبرأسه أ : ـ ب ج د ه.

(١٠) طه : [٩٤].

(١١) وارفق أ ج د ه : فارفق ب.

١٨٥

يَقْتُلُونَنِي)(١) ، فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ، فاستحيا موسى منه ثم خلاه وضمه إلى صدره ، وسأل الله المغفرة والرحمة له ولأخيه.

وأقبل (٢) موسى على بني إسرائيل يعاتبهم فأخبروه بقول السامري ، فأقبل السامري وهو مغضب ، وسأل (٣) عن أمره فأخبره بما كان ، فهم موسى بقتله ، فأوحى الله إليه : أن (٤) لا تقتله فإنه سخي في قومه ، ولكن أخرجه من عسكرك ، ثم عمد موسى إلى صخرة عظيمة فلم (٥) يزل يضرب بها العجل حتى تقطع ، ثم أحرقه بالنار حتى صار رمادا وذراه في البحر فقال : لو كان هذا إلها كان يدفع عن نفسه ، وسكت عن موسى الغضب ، فأقبل على بني إسرائيل وقال لهم : (ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ)(٦) ، فقالوا : يا موسى اسأل ربك لنتوب.

فأوحى الله إليه : إنه لا توبة لهم لأن في قلوبهم مرضا من حب العجل ، فأخرج من رماد العجل وألقاه (٧) في الماء ، ثم أمرهم ليشربوا منه ، فإنه يظهر ما في قلوبهم على وجوههم ، فلما فعل ذلك لم يبق أحد ممن في قلبه مرض أو غم من كسر العجل إلا أصبح مصفرا لونه ، فلما رأوا ذلك أيقنوا بالموت ، فقالوا : يا موسى ما لنا غير التوبة الخالصة ، وقد أخلصنا في توبتنا حتى أنك لو تسأل ربنا (٨) أن نقتل أنفسنا فنقتلها.

فأوحى الله لموسى (٩) إني قد رضيت عليهم بحكمهم في أنفسهم ، فذلك قوله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(١٠) ، فقالوا (١١) : كيف نقتل أنفسنا ونحن أهل وأقارب ، فأنزل الله عليهم ظلمة ، فلم يبصر بعضهم بعضا حتى أن الرجل كان يأتي إلى أخيه وابن عمه وهو لا يعرفه فيقتله (١٢) ، والسلاح لم يعمل فيمن لم

__________________

(١) الأعراف : [١٥٠].

(٢) وأقبل : أ د ه : فسأله ب ج.

(٣) وسأل أ : فسأله ب ج د : ـ ه / فهم أ : + موسى ب ج د : ـ ه.

(٤) أن أ : ـ ب ج د ه / / من أ : عن ب ج د : ـ ه.

(٥) فلم أ ج د ه : ولم ب.

(٦) البقرة : [٥٤].

(٧) وألقاه أ ج د ه : وألقه ب / / أمرهم أ ج د ه : مرهم ب.

(٨) لو تسأل ربنا أ د : لو سألت ربك ب : لو تسأل ربك ج ه / / فنقتلها أ ج د : لقتلناها ب : ـ ه.

(٩) لموسى أ ج د ه : إلى موسى ب / / قد أ ج د : ـ ب ه.

(١٠) البقرة : [٥٤].

(١١) فقالوا أ ب ج ه : قالوا د.

(١٢) وهو لا يعرفه فيقتله أ ج د ه : فيقتله وهو لا يعرفه ب / / والسلاح لم يعمل أ ج د ه : وكان السلاح لا يعمل ب.

١٨٦

يعبد العجل ، فلم يزالوا في ذلك (١) حتى غاصوا في الدماء ، فاستغاثوا / / يا موسى العفو العفو ، فبكى موسى ، ودعا إلى الله سبحانه (٢) بالعفو عنهم ، فارتفعت عنهم الظلمة.

ثم أقبل عليهم موسى بالتوراة وقال : هذا كتاب ربكم فيه الحلال والحرام والأحكام (٣) والسنن والفرائض والرجم للزاني والزانية المحصنين والقطع للسارق والقصاص من كل ذنب يكون منكم ، فضجوا من ذلك وقالوا : لا حاجة لنا بهذه الأحكام ، وما كنا فيه (٤) من عبادة العجل كان أرفق بنا فلم يكن في عبادته علينا قطع ولا رجم ولا قصاص.

قصة الجبل (٥)

فقال موسى : يا رب إنك تعلم أنهم قد ردوا كتابك وكذبوا بآياتك ، فأمر الله جبريل برفع طور سيناء في الهواء على عسكر بني إسرائيل ، فرفعه على رؤوسهم في الهواء حتى (٦) لم يروا السماء ونودوا : أن قبلتم هذا الكتاب وإلا ألقي عليكم هذا الجبل ، فلما نظروا إلى الجبل (٧) يدنو منهم حتى ظنوا أنه سيسقط (٨) عليهم ، وأيقنوا بالموت فخروا سجدا ، فلما قبلوا الكتاب رد الله عنهم الجبل.

قصة الحجر

وكان بنو إسرائيل إذا اغتسلوا في مواضعهم يكشفون (٩) عوراتهم ، وكان يرون موسى في اغتساله مستترا (١٠) ، فاعتقدوا فيه أن ببدنه عيبا ، وكان إذا اغتسل وضع ثوبه على حجر هناك ، ثم قرع (١١) الحجر بعصاه حتى ينفجر منه الماء فيغتسل ، ففعل

__________________

(١) في ذلك أ ج ه : كذلك ب : ـ د / / غاصوا أ : خاضوا ب ج د ه.

(٢) سبحانه أ : تعالى ب ج د ه.

(٣) والأحكام أ ج د ه : + الشرعية ب.

(٤) كنا فيه أ ج د ه : كنا عليه ب.

(٥) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٢٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٠٨ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٢٨٦.

(٦) حتى أ ج د ه : + أنهم ب / / السماء أ ج د ه : + منه ب ، / / ونودوا أ ج د ه : + يا بني إسرائيل ب.

(٧) الجبل أ ج د ه : + وهو ب.

(٨) سيسقط أ ج د ه : ساقط ب / / فخروا أ ج د ه : خروا ب / / سجدا أ ج د ه : + وقبلوا الكتاب ب.

(٩) يكشفون أ ب ج ه : يكشفوا د.

(١٠) مستترا أ : مستورا ب ج د ه.

(١١) قرع أ ج د ه : يضرب ب / / ينفجر أ د : ينبع ب ج ه.

١٨٧

ذلك يوما (١) فانقلع الحجر من مكانه ، بإذن الله تعالى ، ومر (٢) على وجه الأرض ، فعدا موسى خلفه عريانا وهو يقول : أيها الحجر قف (٣) حتى وقف على جماعة من بني إسرائيل ، فنظروا إلى موسى ولا عيب فيه (٤) ، فندموا على ما قالوا ، فذلك قوله تعالى : (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً)(٥).

قصة طلب بني إسرائيل الرؤية (٦)(٧)

ثم طلب بنو إسرائيل من موسى الرؤية : (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(٨) ، فأوحى الله إليه : أن اختر من قومك سبعين رجلا وسر بهم إلى الطور ، واحمل معك أخاك هارون ، واستخلف على عسكرك (٩) يوشع بن نون ففعل ذلك ، وسار بهم نحو الجبل ، فنودوا من السماء : يا بني إسرائيل فصعقوا كلهم وماتوا ، فحزن موسى عليهم (١٠) ، وقال موسى : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) ـ يعني الذين عبدوا العجل ـ (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) ـ يعني ابتلاؤك ـ (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا)(١١).

فرد الله عليهم أرواحهم ، فذلك قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ)(١٢) ، ورجعوا إلى عسكرهم (١٣) فرحين ، وأخبروا قومهم بما رأوه ، ثم أنهم بدلوا التوراة بعد ذلك وزادوا فيها (١٤) ، ونقصوا منها ، فذلك قوله تعالى : (يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥) (١٥)(١٦).

__________________

(١) يوما أ ج د ه : + من الأيام ب.

(٢) ومر أ ج د ه : وسار ب / / وهو يقول أ ج د ه : وصار ينادي ويقول ب.

(٣) قف أ ج د ه : + بإذن الله تعالى ب.

(٤) ولا عيب فيه أ ج د ه : فلم يروا في بدنه عيبا من العيوب.

(٥) الأحزاب : [٦٩].

(٦) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٢٢ ؛ الثعلبي ١١٣ ؛ النجار ٢١١.

(٧) قصة طلب بني إسرائيل الرؤية أ ج د ه : قصة طلب الرؤية ب.

(٨) النساء : [١٥٣].

(٩) على عسكرك أ ج د ه : على قومك ب.

(١٠) موسى عليهم أ : عليهم موسى ب ج د ه / / موسى أ ج د ه : ـ ب.

(١١) الأعراف : [١٥٥].

(١٢) البقرة : [٥٦].

(١٣) عسكرهم أ ج د ه : معسكرهم ب.

(١٤) فيها أ ج د ه : ـ ب.

(١٥) البقرة : [٧٥].

(١٦) يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون القرآن الكريم ب : يحرفون الكلم عن مواضعه بعد ما عقلوه

١٨٨

قصة الجبارين (١) والتيه والحطة (٢)

ثم أوحى الله (٣) أن يسير بهم إلى الأرض المقدسة ، فإذا أردتم دخولها فلا تدخلوا (٤) إلا ساجدين شاكرين بربكم على تبليغكم إياها ، فقاتلوا الجبارين وجاهدوهم ، فاستثقلوا ذلك (٥) ، واستبعدوا الأرض المقدسة ، واختاروا أيام فرعون على هذه الأيام.

فأوحى الله إلى موسى : إني ممطر عليهم المن وأمرت (٦) الريح أن تأتيهم بالسلوى ، والحجر أن ينفجر لهم بماء عذب ، والغمام (٧) أن يسير معهم ، وأخفافهم أن لا تنثقب ، وثيابهم تكون (٨) بقدر صغارهم وكبارهم ، فلما سمعوا ذلك طابت نفوسهم وساروا والأمر على ذلك.

ثم اختار موسى اثني عشر رجلا بإذن الله تعالى ووجههم إلى أريحا (٩) ، مدينة الجبارين (١٠) ، ليأتوه بخبرها وصفة أهلها ، فخرجوا ومعهم يوشع بن نون ، فلما قربوا من المدينة استقبلهم رجل من الجبارين ، فساقهم بين يديه إلى أريحا ، فاجتمعوا عليهم يتعجبون من ضعف أبدانهم ، وقالوا : هؤلاء الذين يزعمون أنهم يخرجونا (١١) من مدينتنا ، وهموا بقتلهم ، ثم اقتضى رأيهم أن يدعوهم ليكونوا عبيدا لهم ، فلما أقبل الليل هربوا على وجوههم حتى صاروا (١٢) إلى عسكر بني إسرائيل ، وأخبروهم بذلك.

__________________

وهم يعلمون أ : يحرفون الكلم من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ج د ه.

(١) الجبارون : هم العماليق الذين سكنوا جنوبي فلسطين ، وأرض التيه بين أيلة ومصر وبحر القلزم «البحر الأحمر» وجبال السراة ، من أرض الشام ، ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٢٩ ؛ الثعلبي ١٣٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١١٠ ، النجار ٢٢٧.

(٢) والحطة أ ب د : والحنطة ج ه.

(٣) الله أ : + إليه ب ج د ه.

(٤) تدخلوا أ د : تدخلوها ب ج ه.

(٥) فاستثقلوا أ ب ه : فاستقلوا ج د.

(٦) وأمرت أ ج د ه : وأمر ب.

(٧) والغمام أ ج د ه : وأمرت الغمام ب.

(٨) تكون أ ب ج ه : ـ د / / أن لا تنثقب أ : لا تنثقب ب ج د ه.

(٩) أريحا : مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردن بالشام ، سميت باسم أريحا بن مالك بن أرفشخذ بن سام بن نوح ، ينظر : الحموي ، معجم البلدان ١ / ١٩٦ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٣٤ ؛ شراب ١١١.

(١٠) مدينة الجبارين ... إلى أريحا أ ب ج د : ـ د.

(١١) يخرجونا أ ج د ه : يخرجوننا ب.

(١٢) صاروا أ ج د ه : وصلوا ب / / عسكر أ ج د ه : معسكر ب.

١٨٩

وبلغ (١) موسى صنيعهم ، فدعاهم وقال لهم : ألم أقل لكم اكتموا ما ترون فلم تقبلوا حتى هولتم عليهم وأرعبتم قلوبهم ، ثم دعا عليهم فمات منهم عشرة وبقي رجلان يوشع (٢) وكالب (٣) فإنهما كانا كتماه.

ووقع (٤) الخوف في بني إسرائيل من الجبارين ، وقالوا : يا موسى إن مملكة فرعون كانت علينا أخف (٥) / / مما نحن فيه ودخول مدينة الجبارين و (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤))(٦) ، واختلفوا عليه وهو يقول لهم : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (٢١) (٧) ، فقال عند ذلك يوشع (٨) وكالب : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ)(٩) ، فلم يلتفتوا (١٠) إلى قول موسى (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٥) (١١) ، فأوحى الله إليه بقوله : (قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦) (١٢)(١٣). فلم (١٤) يدخل الأرض المقدسة أحد من ولد بمصر.

وسلط (١٥) الله عليهم التيهان ، فكان كلما خرج واحد منهم يتيه في الأرض فلا يهتدي إلى أن يرجع حتى يموتوا ، وأما المؤمنون فلا يموتوا (١٦) وإن تاهوا ، فلم يزالوا (١٧) كذلك حتى انقرض آخرهم على رأس أربعين سنة.

__________________

(١) وبلغ أ ج د ه : فبلغ ب / / صنيعهم أ د ه : ما صنعوا ب : صنعهم ج.

(٢) أي يوشع بن نون.

(٣) كالب : كالب بن يوقنا بن بارض بن يهودا وهو الذي قاد بني إسرائيل بعد يوشع بن نون ، وتسميه التوراة كالب بن يفنّة ، ينظر : المسعودي ١ / ٥٢ ؛ المقدسي ، البدء ٣ / ٩٧.

(٤) ووقع أ ج د ه : ثم وقع ب.

(٥) علينا أخف أ : أخف علينا ب ج د ه.

(٦) المائدة : [٢٤].

(٧) المائدة : [٢١].

(٨) يوشع أ د ه : + بن نون ب ج.

(٩) المائدة : [٢٣].

(١٠) فلم يلتفتوا إلى قول موسى أ ج د ه : فلم يلتفت إلى قولهما ب.

(١١) المائدة : [٢٥].

(١٢) المائدة : [٢٦].

(١٣) فإنها محرمة ... الفاسقين أ ب ج ه : ـ د.

(١٤) فلم أ ج د ه : ولم ب.

(١٥) وسلط أ ب ج د : وسلطه ه.

(١٦) يموتوا أ ج ه : يموتون ب د.

(١٧) يزالوا أ ب ج د : يزالوه ه.

١٩٠

وسار موسى إلى باب حطة (١) وعليه مكتوب اسم الله الأعظم ، وأقبل المؤمنون فسجدوا عند الباب ، ودخل أولاد الفاسقين ، وهم يقولون حنطة حمراء ، فذلك قوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٥٩) (٢) يعني أخذهم الطاعون حتى ماتوا جميعا.

ثم غلب موسى ، عليه‌السلام ، على مدينة أريحا (٣) ، وأسر من كان فيها من الجبارين ، وتفرقوا على البلاد حتى أهلكهم الله عز وجل (٤). وسار موسى ببني إسرائيل يريد مدينة البلقاء (٥)(٦) فقتل ملكها وغنم بنو إسرائيل من أرض البلقاء من النساء والولدان شيئا كثيرا.

ثم إن بني إسرائيل ملّوا (٧) أكل المن والسلوى فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفولها وعدسها وبصلها فإنا لا نصبر (٨) على طعام واحد ، فقال لهم موى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)(٩) ، فأبدلهم الله بالمن والسلوى ما سألوا ، ورفع عنهم ذلك بقوله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ)(١٠) ، وهم يزيدون على أربعين ألفا.

قصة قارون (١١)

وكان لموسى رجل يقال له قارون بن مصعب ، وهو ابن عم موسى ، وكان فقيرا جدا ، فتعلم صنعة الكيمياء من كلثوم أخت موسى ، وكانت (١٢) تعرف ذلك ، فرزق مالا عظيما يضرب به المثل على طول الدهر ، وكانت مفاتيح كنوزه تحمل

__________________

(١) باب حطة : هو الباب الذي طلب الله من اليهود التوبة عنده وأن يدخلوه وهم سجود ، ينظر : ناصر خسرو ٦٤ ؛ العليمي ٣٨ ؛ بور شارد ١٨١ ؛ النابلسي ٩٩ ؛ العارف ، تاريخ ٢١٥.

(٢) البقرة : [٥٩].

(٣) مدينة أريحا أ ج د ه : أهل مدينة أريحا ب.

(٤) عز وجل أ ج د ه : تعالى ب.

(٥) البلقاء : كورة من أعمال دمشق ، بين الشام ووادي القرى قصبتها عمان وفيها قرى ومزارع كثيرة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢١٩ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٣٧.

(٦) البلقاء ب ج د ه : بلقاء أ / / فقتل أ ج د ه : وقتل ب.

(٧) ملوا أ ج د ه : + من ب.

(٨) لا نصير أ ج د ه : لن نصير ب.

(٩) البقرة : [٦١].

(١٠) البقرة : [٦١].

(١١) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٤٣ ؛ المقدسي ، البدء ٣ / ٩٤ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١١٥.

(١٢) وكانت ب : وكان أ ج د ه / / المثل أ ب ج ه : الأمثال د.

١٩١

على أربعين بغلا ، وبنى دارا وصفحها بالذهب ، وجعل أبوابها ذهبا (١) ، فتكبر بسبب كثرة ماله على موسى ، وقذفه وخرج عن طاعته ، وأحضر امرأة بغيا وأمرها بقذف موسى بنفسها.

فبلغ (٢) موسى فغضب وقال : يا رب إن قارون قد بغى عليّ فانصرني عليه ، فأوحى الله إليه : إني قد أمرت الأرض بالطاعة لك وسلطتك عليه ، فأقبل موسى حتى دخل على قارون وقال : يا عدو الله تبعث إليّ المرأة واتهمتني (٣) على رؤوس بني إسرائيل ، تريد فضيحتي! أيا أرض خذيه ، فساخت داره في الأرض ذراعا ، وسقط قارون عن سريره (٤) ، فأخذته الأرض إلى ركبتيه فقال : يا موسى أغثني ، فقال له (٥) : يا عدو الله تبني مثل هذه الدار ، وتشرب في آنية الذهب والفضة ، وأنا أدعوك إلى حظك فلا تقبله (٦) وتقول إنما أوتيته على علم عندي. أيا أرض خذيه ، فأخذته فذلك (٧) قوله تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ)(٨) الآية ، قال الله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٨٣) (٩).

قصة الخضر عليه‌السلام (١٠)(١١)

وأذن (١٢) الله لموسى ، عليه‌السلام ، في الاجتماع بالخضر ، عليه‌السلام ،

__________________

(١) ذهبا أ د ه : من ذهب ب : ذهب ج / / فتكبر أ ج د ه : وتكبر ب / / وقذفه وخرج ... فبلغ موسى أ ج د ه : ـ د.

(٢) فبلغ أ : + ذلك ب ج د ه.

(٣) واتهمتني ب : واتهمتها أ ج د ه / / على رؤوس بني إسرائيل أ ب ج : رؤوس الأشهاد ه : ـ د / / تريد أ ج د ه : وأنت تريد ب / / أيا أ : يا ب ج د ه.

(٤) عن سريره أ د : من علو سريره ب : من على سريره ج ه.

(٥) له أ ب ج ه : ـ د.

(٦) فلا تقبله أ ب ج د : فلا تقبل ه / / أيا أ : يا ب ج د ه فأخذته أ د ه : فأخذته الأرض ب ج.

(٧) فذلك أ د ه : وذلك بج.

(٨) القصص : [٨١ ـ ٨٢].

(٩) القصص : [٨٣].

(١٠) الخضر عليه‌السلام : اسمه بنيا بن ملكان بن عامر بن أرفخشذ بن سام بن نوح وكنيته الخضر ، ويقال : إنه سمي بالخضر لأنه أينما صلى أخضر حوله ، ينظر : الثعلبي ١٢٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٢٩٥.

(١١) قصة الخضر عليه‌السلام أ د ه : قصة الخضر واجتماعه مع موسى عليه‌السلام ب : قصة الخضر ج.

(١٢) وأذن أ ج د ه : أذن ب.

١٩٢

وكان (١) مسكنه في جزيرة من جزائر البحر ، فانطلق إليه موسى واجتمع به ، وكان من شأنهما ما نص الله عليه في كتابه العزيز.

وعن ابن عباس (٢) ، رضي‌الله‌عنهما ، في قوله تعالى : (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما)(٣) قال كان لوح (٤) من ذهب مكتوب عليه بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله محمد رسول الله ، عجبا لمن يؤمن بالقدر / / كيف يحزن ، وعجبا لمن يعلم أن الموت (٥) حق كيف يفرح ، وعجبا لمن يرى الدنيا وتصاريف أهلها كيف يطمئن إليها ، ولما فارق موسى الخضر ، عليهما‌السلام ، وودعه سار عنه حتى عاد إلى بني إسرائيل.

قصة البقرة (٦)

وكان في زمان (٧) بني إسرائيل في أيام موسى عبد صالح ، فمات وترك امرأته حاملا ، فولدت بعده غلاما فسمته أمه ميشا ، فكبر وكان صالحا بارا بأمه ، فأعلمته أمه أن أباه خلف عجلة ، وأنها دفعتها إلى الراعي (٨) وهي عنده وأمرته بأخذها منه ، فتوجه إلى الراعي وأخذها منه. فلما عاد ، قالت (٩) له : هذه بقرتك بارك الله لك فيها فانطلق إلى السوق ، فتعرض له ملك من الملائكة فقال له (١٠) : يا أيها الفتى البار لأمه! بكم تبيعها؟ فقال الفتى : بثلاثة دنانير على (١١) أن أستأذن أمي ، فقال له : خذ لك خمسة دنانير ولا تستأذن أمك ، فأبى وعاد لأمه (١٢) فأخبرها ، فقالت له : يا بني ارجع وبعها بخمسة دنانير ، فعاد بها إلى السوق وجاء (١٣) الملك فقال له : بكم تبيعها؟ فقال : بخمسة دنانير على أن أستأذن أمي ، فقال له (١٤) الملك : خذ لك

__________________

(١) وكان أ ج د ه : فكان ب.

(٢) ينظر : الثعلبي ١٢٨.

(٣) الكهف : [٨٢].

(٤) لوح أ ج د ه : لوحا ب.

(٥) يعلم أن الموت حق أ ج د ه : يعلم بالموت وأن الموت حق ب.

(٦) ينظر : الثعلبي ١٣٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٢٩٣ ؛ النجار ٢٣٥.

(٧) زمان أ د ه : زمن ب ج / / في أيام أ ه : وأيام ب : ـ ج د.

(٨) إلى الراعي أ ج د ه : للراعي ب.

(٩) قالت أ ج ه : قالت له أمه ب : + أمه د.

(١٠) فقال له أ ج د ه : وقال له ب / / يا أيها أ : أيها ب ج د ه / / بكم أ ب ج ه : ـ د.

(١١) على أ ج د ه : بشرط ب.

(١٢) لأمه أ د : إلى أمه ب ج ه.

(١٣) وجاء أ د : فجاء ب : فجاءه ج ه.

(١٤) فقال له أ ج د ه : وقال ب.

١٩٣

عشرة دنانير ولا تستأذن أمك ، فلم يفعل وعاد لأمه (١) وأخبرها ، فقالت له : يا بني غدا (٢) بعها بعشرة دنانير على إذني ، واعلم يا بني أنها لا تساوي عشرة دنانير غير أن الذي يعرض لك في شرائها ملك يستخبرك (٣) كيف برك لأمك وطاعتك إياها (٤) ، فإذا جاءك فقل له : أيها الملك المقرب فبكم أبيعها؟ وافعل ما يقول لك الملك.

فلما كان من الغد جاء الملك وقال له : قد جئتك أطلب بقرتك ثلاث (٥) مرات فلم تبعني إياها ، فقال : إن أمي أخبرتني أنك لست بآدمي وإنما أنت ملك من الملائكة ، فأخبرني ما أعمل بها (٦)؟ فقال له : ردها إلى منزلك فإنه سيقتل من (٧) بني إسرائيل قتيل ، ولا يعرفون قاتله ، فيشترون بقرتك ليحيى القتيل بها ، فتبيعها بما تريد ، فانصرف الفتى إلى أمه وأخبرها بذلك.

فقتل (٨) في بني إسرائيل قتيل دعوه أقاربه إلى ضيافة لهم ، فقتلوه ، ثم حملوه إلى قرية أخرى ، وألقوه على باب من أبواب أهل القرية ، واستعدوا إلى موسى ، وادعوا على الذين وجدوا القتيل على بابه ، فحلف الرجل (٩) بين يدي موسى (١٠) أربعين يمينا أنه ما قتل وشهد من بني إسرائيل أربعون رجلا بصلاح المتهم.

فتحير موسى من ذلك ، فأوحى الله إليه : أن قل لأولياء (١١) المقتول يشتروا بقرة ويذبحوها ويضربوا ببعضها بدن المقتول حتى يحييه الله تعالى لهم ويخبرهم بالذي قتله ، فقال لهم موسى ذلك : (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً)(١٢) ، فقال لهم : (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٦٧) (١٣) ، فقالوا (١٤) لموسى : ادع لنا

__________________

(١) لأمه أ : إلى أمه ب ج د ه.

(٢) غدا أ ج د ه : في غاب.

(٣) يستخبرك أ ب ج د : يختبرك ه.

(٤) طاعتك إياها أ ب ج د : طاعتك لها ه / / فبكم أ ب ج د : بكم ه.

(٥) ثلاث ب ج د ه : ثلث أ / / فقال أ : فقال له ب ج د ه.

(٦) ما أعمل بها أ د ه : ما أصنع ببقرتي ب : ما أفعل فيها ج / / فقال له أ ج د ه : + الملك ب / / ردها إلى أ ب ج د : تعود إلى ه.

(٧) من أ د ه : في ب ج.

(٨) فقتل أ ج د ه : ثم قتل ب / / أقاربه أ ب ج د : قرابته ه.

(٩) الرجل أ ج د ه : الذي وجد على بابه ب.

(١٠) موسى أ ج د ه : + ع ب / / أربعون رجلا أ ج د ه : أربعون شاهدا ب.

(١١) لأولياء أ ب ج ه : لولي د.

(١٢) البقرة : [٦٧].

(١٣) البقرة : [٦٧].

(١٤) فقالوا لموسى أ د ه : فقالوا يا موسى ب ج.

١٩٤

ربك يبين لنا ما صفة البقرة فأوحى الله إليه : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ)(١) ، يعني لا كبيرة ولا صغيرة ، فقال لهم موسى ذلك (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (٦٩) (٢)(٣).

فلما قال لهم ذلك ، قالوا له : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) (٧٠) (٤) ، فأوحى الله إليه : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ)(٥) أي لا مذللة للعمل تثير الأرض ، تقلبها للزراعة ولا تسقي الحرث ، أي ليست بساقية (مُسَلَّمَةٌ) ـ بريئة من العيوب ـ (لا شِيَةَ فِيها)(٦) وإنما لونها واحد (٧).

فلما سمعوا ذلك من موسى ، اشتدوا (٨) في طلبها فلم يجدوا هذه الصفة إلا عند ميشا البار بأمه (٩) ، ولو كان في ابتداء الأمر ذبحوا بقرة سواها ، كانت أغنت عنهم بظاهر الأمر الأول غير أنهم شددوا على أنفسهم ، فشدد (١٠) الله عليهم.

فجاءوا إلى ميشا ليبيعهم البقرة فامتنع وقال : أنا أبيعها لموسى ، فرضوا بذلك ، وأخرج ميشا بقرته ، وسار بها إلى موسى ، عليه‌السلام ، فقال له موسى : بكم تبيعها؟ (١١) فقال لهم : لا أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا لا يزيد ولا ينقص ، فقالوا له (١٢) : هذا شيء كبير لا قدرة لنا عليه ، فأقبل موسى ، عليه‌السلام ، على بني إسرائيل فقال لهم : إن ذلك من أجل تشديدكم في الأمر ، فضمن موسى ثمن (١٣) البقرة على بني إسرائيل ، وسلم إليهم البقرة ، قال الله تعالى :

__________________

(١) البقرة : [٦٨].

(٢) البقرة : [٦٩].

(٣) قالوا القرآن أ ج د ه : فقالوا ب.

(٤) البقرة : [٧٠].

(٥) البقرة : [٧١].

(٦) البقرة : [٧١].

(٧) وإنما لونها واحد أ ب د : وأنها لونها واحد ج : وأنها بلون واحد ه.

(٨) اشتدوا أ ج د ه : اجتهدوا ب.

(٩) بأمه أ ب د : لأمه ج ه / / كان أ : كانوا ب ج د ه.

(١٠) فشدد أ ب ج ه ك فشدّد.

(١١) بكم تبيعها أ ب د ه : بكم هذه ب / / فقال أ ج د ه : + فقال ميشا البار بأمه ب / / لا أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا أ ج د ه : أبيعها بملأ جلدها ذهبا ب.

(١٢) فقالوا له ... لنا عليه ب : ـ أ ج د ه / / كبيرا : كثير ب : ـ ج د ه فأقبل موسى على بني إسرائيل أ ج د ه : فقال لهم موسى عليه‌السلام.

(١٣) ثمن أ ب ج د : الثمن ه.

١٩٥

(فَذَبَحُوها وَما كادُوا)(١) ، يعني ما كادوا معتقدين بوفاء ثمنها.

فلما ذبحوها قطعوا أذنيها (٢) وضربوا بها القتيل ، / / فاستوى قاعدا فسألوه من الذي قتله ، فقال لهم : قتلني فلان وفلان ، ثم خر ميتا ، فقتلهما موسى ، عليه‌السلام ، بذلك القتيل ، ثم أمرهم بسلخ البقرة فلما سلخوها (٣) ملأوا جلدها ذهبا وأعطاه موسى لميشا (٤) ، فذلك قوله تعالى : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٧٣) (٥).

ذكر وفاة هارون عليه‌السلام (٦)

ثم نظر هارون إلى جبل بالتيه بعيد (٧) عن معسكر بني إسرائيل فقال لموسى (٨) : ألا تنظر إلى ذلك الجبل وما فيه من الخضرة؟ فقال له : بلى ولكن إلى غد إن شاء الله تعالى تمضي إليه ، فلما كان من الغد مضيا عليه ومع هارون أولاده ، فلما وصلوا الجبل وإذا فيه كهوف كثيرة ، وإذا بكهف منها يسطع منه النور ، فتبادروا إليه ، فلما دخلوا إلى الكهف ، إذ نظروا (٩) إلى سرير من ذهب وعليه أنواع الفرش ومكتوب على حافته بالعبرانية : هذا السرير لمن كان على طوله.

فصعد موسى على السرير ، فلما مد رجليه فضلت من طوله ، فنزل موسى عنه.

وصعد هارون واضطجع عليه فإذا هو على طوله فهمّ أن ينزل فإذا هو بملك الموت قد دخل عليهم فسلم عليهم ، وأعلمهم أنه ملك الموت أرسله الله ليقبض روح هارون ، فدمعت عيناه ، وقال لموسى (١٠) : أوصيك يا أخي بأولادي (١١) وتقربهم إليك ، وتقرىء سلامي على بني إسرائيل ، ثم أمر ملك الموت موسى أن

__________________

(١) البقرة : [٧١].

(٢) قطعوا أذنيها أ د : قطعوا ذنبها ب : قطعوها ج ه / / بها أ ج د ه : به ب.

(٣) فلما سلخوها ملأوا أ ج د ه : فسلخوها وملؤا جلدها ب.

(٤) وأعطاه موسى لميشا أ ج د ه : فسلخوها وملؤا جلدها ب.

(٥) البقرة : [٧٣].

(٦) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٣٢ ؛ الثعلبي ١٣٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١١١ ؛ السيوطي ، إتحاف ١٢٨ ؛ النجار ٢٩٨.

(٧) بعيد أ ج د ه : وهو بعيد ب.

(٨) لموسى أ د ه : يا موسى ب ج.

(٩) إذ نظروا أ ج د ه : نظروا ب / / إلى سرير أ ج د ه : فيه سريرا ب.

(١٠) وقال لموسى أ د ه : لأخيه موسى ب : ـ ج / / يا أخي أ ج د ه : يا موسى ب.

(١١) بأولادي أ ج د ه : + أهلي ب.

١٩٦

يخرج من الكهف ، فخرج ثم قبض (١) روح هارون قبضة الملائكة.

ثم دخل موسى وأولاد هارون (٢) الكهف فصلوا عليه ، ثم خرجوا وأغلقوا أبواب الكهف.

وانصرف موسى إلى عسكره (٣) ، وأخبرهم بموت هارون ، فاتهموه بقتله ، فقال لهم موسى : يا سفهاء بني إسرائيل ماذا لقيت منكم؟ أقتل أخي وشقيقي وعضدي (٤)؟ ودعا ربه أن يبرئه عندهم ، فأمر الله سبحانه وتعالى الملائكة ليحملوا سرير هارون فحملوه في الهواء (٥) ، حتى نظر إليه بنو إسرائيل ، ونادت الملائكة : يا بني إسرائيل لا تتهموا موسى بقتل أخيه فهذا سرير هارون (٦) قد قبضه الله إليه ، وحزن بنو إسرائيل على موت هارون لأنه كان محبوبا عندهم.

ثم خلفه من بعده ابنه العيزار ، وأعطاه الله وقار هارون ولينه (٧) وسكونه وشبهه ، فكانوا لا يشكون أنه هارون ، فأحبوه حبا شديدا.

وفاة موسى عليه‌السلام (٨)

ثم لما قرب أجل موسى قام خطيبا في بني إسرائيل ، فخطب (٩) لهم وخوفهم وأنذرهم وحذرهم وأشهدهم (١٠) على أنفسهم ، وأشهد الله عليه بالإبلاغ وأمرهم بالطاعة والتقوى (١١).

واستخلف يوشع بن نون على بني إسرائيل ، ولما فرغ من وصيته أوحى الله

__________________

(١) ثم قبض أ ج د ه : فقبض الملك ب.

(٢) هارون أ ج د ه : + ع ب / / فصلوا عليه أ ج د ه : فأخرجوا هارون وغسلوه وصلوا عليه ب / / ثم خرجوا وأغلقوا أبواب الكهف أ ج د ه : ووضعوه في الكهف وسدوا بابه ب.

(٣) عسكره أ ج د ه : بني إسرائيل ب / / بموت هارون أ د : بموت أخيه هارون ب : موت هارون ج : ـ ه.

(٤) وعضدي أ ب ج د : ـ ه / / أن يبرئه أ ب ج د : ـ ه.

(٥) في الهواء أ ج د ه : ـ ب / / نظر إليه أ ج د : نظره ب : نظروا إليه ه.

(٦) فهذا سرير هارون أ ب ج ه : ـ د / / وحزن بنو إسرائيل أ د ه : فبكوا وحزنوا عليه لأنهم كانوا يحبونه ب : وحزنوا بنوا إسرائيل ج.

(٧) ولينه أ ب ج ه : ـ د.

(٨) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٣٢ ؛ الثعلبي ١٣٩ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١١١ ؛ السيوطي ، إتحاف ١٢٨ ؛ النجار ٣٩٩.

(٩) فخطب لهم أ ج د ه : + ووعظهم ب.

(١٠) وأشهد الله عليه بالإبلاغ أ ج د ه : وأشهد الله عليهم أنه بلغهم الرسالة ب.

(١١) بالطاعة والتقوى أ ج د ه : + والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ب.

١٩٧

إليه : إني قابض روحك ، وذكره بما أنعم عليه من النبوة والرسالة والتكليم ، فاعترف بنعمة الله وحده (١) وأثنى عليه ، ثم نزل عليه ملك الموت وهو جالس (٢) يتلو التوراة فسلم عليه وقبض روحه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «أرسل الله ملك الموت إلى موسى ، عليه‌السلام ، فلما جاءه صكه وقلع عينه (٣) ، فرجع إلى ربه ، عز وجل ، فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، قال : فرد الله إليه عينه وقال (٤) : ارجع فقل له : يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت يده بكل شعرة سنة (٥) ، قال : أي رب ثم ماذا؟ قال : ثم الموت ، قال (٦) : فالآن ، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة برمية حجر ، قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فلو (٧) كنت ثمّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر» (٨).

وكانت وفاته في التيه في سابع آذار لمضي ألف وستمائة وست وعشرين سنة (٩) من الطوفان ، وكان موته بعد أخيه هارون بأحد عشر شهرا ، وقيل غير ذلك ، وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين ، وعاش موسى مائة وعشرين سنة ، ونزل عليه جبريل (١٠) أربعمائة مرة.

وكان جملة مقام بني إسرائيل بمصر حتى أخرجهم موسى ٢١٥ سنة ، وبين وفاة موسى والهجرة الشريفة النبوية ، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام (١١) ، ٢٣٤٨ سنة على اختيار المؤرخين / / وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا ٩٠٠ (١٢) سنة كاملة ، فيكون الماضي من وفاة موسى ، عليه‌السلام (١٣) ، إلى آخر

__________________

(١) وحده أ ج د ه : وحمده ب.

(٢) جالس أ ب ج ه : وحمده ب.

(٣) وقلع عينه أ د ه : ففقا عينه ب ج / / فقال أ ج د ه : وقال يا رب ب.

(٤) وقال أ ج د ه : وقال له ب / / ارجع فقل أ : ارجع إليه وقل ب : ارجع إليه فقل ج د ه.

(٥) سنة أ ج د ه : + فجاءه وقال له ذلك ب / / قال أ ج د ه : فقال ب / / أي أ ج د : يا ب : ـ ه / / ماذا أ ج د ه : وما بعد ذلك ب.

(٦) قال : فالآن أ ج د ه : فقال : الآن ب.

(٧) فلو أ ج د ه : ولو ب / / ثمّ ب ج د ه : هناك أ.

(٨) ينظر : البخاري ، الجامع الصحيح ٢ / ٢٤٨ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٤٣٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١١٢.

(٩) بأحد عشر شهرا أ ج د ه : بإحدى عشرة سنة ب.

(١٠) جبريل أ : + عليه‌السلام ب ج د ه.

(١١) على صاحبها أفضل الصلاة والسلام أ ج د ه : ـ ب.

(١٢) ٩٠٠ ه‍ / / ١٤٩٤ م.

(١٣) عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب.

١٩٨

سنة ٩٠٠ من الهجرة ٣٢٤٨ سنة.

ومات موسى ولم يدر أحد من بني إسرائيل أين قبره ولا أين توجه ، فماج (١) الناس في أمره ولبثوا لذلك ثلاثة أيام لا ينامون الليل ، فلما كان ثالث ليلة غشيتهم سحابة على قدر بني إسرائيل ، فسمعوا (٢) منها مناديا يقول بأعلى صوته : مات موسى وأي نفس لا تموت؟! ولم يزل (٣) يكرر ذلك القول حتى فهمه الناس كلهم ، وعلموا أنه قد مات ، ولم (٤) يعرف أحد من الخلائق أين قبره ، ونقل أنه دفن في الوادي من الأرض التي مات فيها.

واختلف الناس في محل قبره ، فقيل وهو المشهور عند الناس : إنه شرقي بيت المقدس ، بينهما (٥) مرحلة ودربه عسر لكثرة الوعر وعليه بناء وداخله مسجد وعلى (٦) يمينه قبة معقودة بالحجارة وفيها ضريح يوضع عليه (٧) في أيام موسم زيارته ستر من حرير أسود عليه طراز أحمر مزركش ، دائر على جميع أطرافه بالذهب ، والأكثرون على أن هذا قبره ، وفي الصحيح ، أن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، «مر به ليلة أسري (٨) به وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر» (٩).

والذي بنى القبة المذكورة الملك الظاهر بيبرس (١٠) ، رحمه الله (١١) تعالى ، عند عوده من الحج وزيارة بيت المقدس في سنة ٦٦٨ ه‍ (١٢) ، ثم بنى (١٣) أهل

__________________

(١) فماج الناس أ ب ج ه : فما جوا د.

(٢) فسمعوا أ ب : وسمعوا ج د ه.

(٣) ولم يزل أ ب ج ه : ـ د.

(٤) ولم أ ج د ه : فلم ب / / من الخلائق أ ج د ه : من بني إسرائيل ب.

(٥) بينهما أ د : بينه وبين المقدس ب ج ه.

(٦) وعلى أ ج د ه : وعن ب / / ضريح ب ج : ضريحه أ د ه / / يوضع عليه أ ه : ويوضع على قبره ب : وعليه ج : ـ د.

(٧) عليه أ ج د ه : وعلى الستر ب.

(٨) أسري به أ د : الإسراء ب ج ه.

(٩) ينظر : مسلم ٤ / ١٨٤٤.

(١٠) الظاهر بيبرس : الملك الظاهر ركن الدنيا والدين ، بيبرس العلائي البند قداري الصالحي ، صاحب الفتوحات وهو الرابع من ملوك الترك ، وأصله تركي اشتراه الملك الصالح أيوب ، واشتهر بفتوحاته واهتمامه بالعمارة ، توفي سنة ٦٧٦ ه‍ / ١٢٧٧ م ، ينظر : ابن عبد الظاهر ٤٦ ؛ ابن خلكان ٤ / ١٥٥ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ٩٤ ؛ السيوطي ، حسن المحاضرة ٢ / ٩٥ ـ ١٠٥ ؛ ابن العماد ٥ / ٣٥٠ ؛ الشرقاوي ١٧٣.

(١١) الله أ : + تعالى ب ج د ه.

(١٢) ٦٦٨ ه‍ / ١٢٦٩ م.

(١٣) بنى أ ج د ه : + بعده ب.

١٩٩

الخير ، وزادوا زيادات في المسجد وحوله ، فحصل النفع (١) للزائر بذلك ، ثم في سنة ٨٧٥ ه‍ (٢) وسع داخل المسجد من جهة القبلة ، ولم تكمل عمارته إلى سنة ٨٨٥ ه‍ (٣) ، ثم بنى به منارة بعد الثمانين والثمان مائة (٤) ، وهذا المكان بالقرب (٥) من أريحا الغور ، من أعمال بيت المقدس وأهل بيت المقدس ، يقصدونه (٦) في كل سنة عقب الشتاء ويقيمون عنده أياما.

وقد ظهر في هذا المكان (٧) من أنواع المعجزات (٨) منها : أنه عند الضريح الذي بداخل القبة لا يزال يرى فوق المحراب خيال (٩) أشباح ألوانهم مختلفة ، منهم صفة الراكب ، ومنهم صفة الماشي ، ومنهم من على كتفه رمح ، ومنهم لابس أبيض ، ومنهم لابس أخضر ويصافح بعضهم بعضا وغير ذلك من الصفات ، وللناس في ذلك أقوال مختلفة (١٠) ، فيقال : إنهم الملائكة ، ويقال : إنهم الصالحون ، وينظرهم كل الناس من الرجال والنساء والأطفال ولا يخفون على أحد.

وإذا دخل إلى المسجد امرأة (١١) عليها حيض أو جنابه أو فعل أحد حول المسجد منكرا من المعاصي ، يثور هواء في تلك البرية حتى لا يقدر الرجل على رؤية (١٢) من بجانبه ، وتنقطع حبال الخيام وتقلع الخيام من مكانها وغير ذلك من الخوارق الباهرات التي يستدل بها على أنه (١٣) مدفون في هذا المكان ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٤).

__________________

(١) النفع ب ج د ه : ـ أ / / للزائر أ ب ج ه : للزوار د.

(٢) ٨٧٥ ه‍ / ١٤٧٤ م.

(٣) ٨٨٥ ه‍ / ١٤٨٠ م.

(٤) ٨٨٠ ه‍ / ١٤٧٥ م.

(٥) بالقرب أ ب ج ه : ـ د / / من أعمال أ ب ج ه : من عمل د / / بيت المقدس أ ب د ه : القدس ج.

(٦) يقصدونه أ ج د ه : يقصدون زيارته ب / / أياما أ د ه : عدة أيام ب : سبعة أيام ج.

(٧) المكان أ : + أشياء ب ج د ه.

(٨) هذه خرافات لا أصل لها ، ينظر : النابلسي ٢١٥.

(٩) يرى فوق المحراب خيال أ ب ج د : يرى فيه خيال ه.

(١٠) مختلفة أ ب ج د : مختلفات ه / / الملائكة أ ج د ه : ملائكة ب.

(١١) امرأة أ د ه : امرأة من النساء ب : أحد من النساء ج.

(١٢) رؤية أ ب : يرى ج د ه / / من بجانبه أ ب د : من إلى جانبه ج ه / / وتنقطع ... مكانها أ ب ج ه : ـ د.

(١٣) أنه أ ج د ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(١٤) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : ـ ب.

٢٠٠