الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

مجير الدين الحنبلي العليمي

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ١

المؤلف:

مجير الدين الحنبلي العليمي


المحقق: عدنان يونس عبد المجيد أبو تبّانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ١ الجزء ٢

ذكر شراء المغارة

عن كعب الأحبار (١) أنه قال : أول من مات ودفن في حبرى سارة ، وذلك أنها لما ماتت خرج الخليل ، عليه‌السلام ، يطلب موضعا ليقبرها فيه ورجا أن يجد (٢) بقرب حبرى موضعا ، فمضى إلى عفرون ، وكان ملك الموضع ، وكان مسكنه حبرى ، فقال له إبراهيم : بعني موضعا أقبر فيه من مات من أهلي. فقال له عفرون الملك : قد أبحتك ، ادفن (٣) حيث شئت من أرضي ، قال : إني لا أحب إلا بثمن (٤) ، فقال له : أيها الشيخ الصالح ادفن حيث شئت من أرضي ، فأبى عليه (٥).

وطلب منه المغارة فقال له : أبيعها بأربعمائة (٦)(٧) درهم كل درهم وزن خمسة دراهم وكل مائة درهم ضرب ملك. وأراد بذلك التشديد عليه كي لا يجد شيئا من ذلك فيرجع إلى قوله ، وخرج (٨) من عنده فإذا جبريل ، عليه‌السلام (٩) ، فقال له : إن الله قد سمع مقالة الجبار لك وهذه الدراهم ادفعها إليه ، فأخذها إبراهيم ، عليه‌السلام (١٠) ، ودفعها إلى الجبار ، فقال له : من أين لك هذه الدراهم؟ فقال له : من عند إلهي وخالقي ورازقي ، فأخذها منه.

وحمل إبراهيم (١١) سارة ، عليها‌السلام ، ودفنها في المغارة ، فكانت أول من دفن فيها ، وتوفيت ولها من العمر مائة وسبع عشرة سنة. وقيل : مائة وسبع وعشرون سنة.

ثم لما توفي الخليل ، عليه‌السلام ، دفن بحذائها من جهة الغرب ، وسنذكر تاريخ وفاته فيما بعد ، إن شاء الله تعالى. ثم توفيت ربقة (١٢) زوجة إسحاق ، فدفنت

__________________

(١) الأحبار أ ج د ه : + رضي‌الله‌عنه ب / / أنه أ ج د : ـ ب د / / حبرى أ ج د ه : حبرون ب.

(٢) يجد أ ب ج ه : ـ د / / ملك أ ب ج د : يملك ه.

(٣) ادفن أ ج د ه : فادفن موتاك ب.

(٤) قال إني لا أحب إلا بثمن أ د ه : فقال إبراهيم عليه‌السلام إني لا أحب إلا بالثمن ب : ـ ج.

(٥) من أرضي ، فأبى عليه أ : ـ ب ج د ه.

(٦) ورد في الكتاب المقدس أن ثمن المغارة أربعمائة شيكل فضة ، ينظر : الكتاب المقدس ، التكوين ٣٢ ـ ١٦.

(٧) بأربعمائة درهم أ ج د ه : بأربعة آلاف درهم ب.

(٨) وخرج أ ج د ه : فخرج إبراهيم الخليل ب.

(٩) عليه‌السلام أ ج د ه : + واقف ب / / فقال له أ ج ه : + يا إبراهيم ب : ـ د ا / ادفعها إليه أ ج د ه : + فإنها كما طلب ب.

(١٠) فأخذها إبراهيم عليه‌السلام أ ج د ه : فأخذ إبراهيم عليه‌السلام ، الدراهم ب.

(١١) إبراهيم أ ج د ه : + عليه‌السلام ب / / عليها‌السلام أ ج د ه : ـ ب.

(١٢) ربقة أ ج د ه : ريقة ب.

١٢١

فيها بحذاء سارة من جهة القبلة ، ثم توفي إسحاق ، عليه‌السلام ، فدفن بحذاء زوجته من جهة الغرب ، ثم توفي يعقوب ، عليه‌السلام ، فدفن عند باب المغارة وهو بحذاء قبر الخليل ، عليه‌السلام ، من جهة الشمال ، ثم توفيت ليقا زوجته فدفنت بحذائه من جهة الشرق ، فاجتمع أولاد يعقوب والعيص وأخوته وقالوا : ندع باب المغارة مفتوحا ، وكل من مات منا دفناه فيها ، فتشاجروا فرفع واحد من أخوة العيص ، وفي رواية أحد أولاد يعقوب (١) يده (٢) ولطم العيص لطمة ، فسقط رأسه في المغارة ، فحملوا (٣) جثته ودفن بغير رأس وبقي الرأس في المغارة ، وحوطوا عليها حائطا ، وعملوا فيها علامات القبور في كل موضع ، وكتبوا عليه : هذا قبر إبراهيم ، عليه‌السلام (٤) ، هذا قبر سارة ، هذا قبر إسحاق ، هذا قبر ربقة ، هذا قبر يعقوب ، وهذا قبر زوجته ليقا.

وخرجوا منه وأطبقوا بابه (٥) ، فكل من جاء إليه يطوف به ولا يصل إليه أحد حتى جاءت الروم بعد ذلك ففتحوا له بابا ودخلوا إليه وبنوا فيه كنيسة. ثم أظهر الله الإسلام بعد ذلك ، وملك المسلمون تلك الديار ، وهدموا الكنيسة ، وبالقرب من مدينة سيدنا (٦) الخليل ، عليه‌السلام ، قرية تسمى سعير ، وهي الفاصلة بين عمل الخليل (٧) وعمل القدس بها قبر بداخل مسجدها يقال إنه قبر العيص ، عليه‌السلام ، وقد اشتهر ذلك عند الناس ، فصار يقصد (٨) ، للزيارة ، والله أعلم.

وروي عن وهب بن منبه قال : أصبت على قبر إبراهيم ، عليه‌السلام ، مكتوبا حلقة في حجر :

غر جهولا أمله يموت من جاء أجله لن تغني عنه حيله

زاد بعض أهل العلم :

__________________

(١) وفي رواية أحد أولاد يعقوب أ ج د ه : وقيل كان الضارب للعيص واحد من أولاد يعقوب ب.

(٢) يده ب : ـ أ ج د ه / / فسقط أ ج ه : ولما سقط ب : فوقع د.

(٣) فحملوا أ ج د ه : وحملوا أ ج د ه : وحملوا ب / / ودفن أ ج د ه : ودفنوها ب.

(٤) عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب / / هذا أ ج د ه : وهذا ب / / قبر سارة أ د ه : قبر زوجته سارة ب ج / / هذا قبر ربقه أ د ه : وهذا قبر زوجته ربقة ب ج.

(٥) وأطبقوا بابه أ د ه : وطبقوا الباب ب : وطبقوا بابه ج / / فكل أ د : وكل ب ج ه.

(٦) سيدنا أ ج ه : + إبراهيم ب د.

(٧) عمل الخليل وعمل القدس أ ج : أعمال القدس والخليل ب : أعمال القدس وأعمال الخليل ه : ـ د.

(٨) فصار يقصد أ د ه : وصاروا يقصدونه ب : وصار يقصد ج.

١٢٢

والمرء لا يصحبه

في القبر إلا عمله (١)

وحدث محمد بن بكران بن محمد ، خطيب مسجد الخليل ، عليه‌السلام ، قال : سمعت محمد بن إسحاق النحوي (٢) يقول : خرجت مع القاضي أبي عمر وعثمان بن جعفر بن شاذان (٣) إلى قبر إبراهيم (٤) ، عليه‌السلام ، فأقمنا به ثلاثة أيام ، فلما كان في اليوم الرابع جاء إلى النقش المقابل لقبر ربقة (٥) زوجة إسحاق ، عليه‌السلام ، فأمر بغسله حتى ظهرت كتابته ، وتقدم إليّ بأن أنقل ما هو مكتوب في الحجر إلى درج كان معنا على التمثيل فنقلته ، ورجعنا إلى الرملة ، فأحضر أهل كل لسان ليقرأه ، عليه فلم يكن أحد يقرأه ، ولكنهم أجمعوا على أن هذا بلسان اليوناني القديم ، وأنهم لا يعلمون أن أحدا بقي (٦) يقرأه غير شيخ بحلب ، فعمدوا إلى إحضاره ، فلما أحضره عنده أحضرني فإذا هو شيخ (٧) ، فأملى عليّ الشيخ المحضر من حلب ما نقلته في الدرج على التمثيل (٨) : باسم إلهي وإله العرش القاهر الهادي الشديد البطش ، العليم الذي لا يحد ، هذا قبر ربقة زوجة إسحاق ، عليه‌السلام (٩) ، والذي يوازيه قبر إسحاق ، عليه‌السلام ، والعلم الأعظم الذي يوازيه قبر إبراهيم ، عليه‌السلام ، والعلم الذي بحذائه من الشرق قبر زوجته سارة ، والعلم الأقصى الموازي (١٠) لقبر إبراهيم الخليل قبر يعقوب ، والعلم الذي يليه من الشرق (١١) قبر زوجة يعقوب ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وكتب العيص بخطه ، واسم زوجة يعقوب إليا ، والمشهور ليقا ، والله أعلم.

وهذا الحجر موجود إلى يومنا هذا ، وقد اشتهر عند الناس مكانه بمقام آدم ، ويقال / / إن عنده رأس آدم ، عليه‌السلام.

__________________

(١) ينظر الأبيات : ابن عساكر ٦ / ٢٥٨ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٢٠٢.

(٢) محمد بن إسحاق النحوي : لم أعثر على ترجمته في المصادر الموجودة بين أيدينا.

(٣) عثمان بن جعفر بن شاذان : لم أعثر على ترجمته في المصادر الموجودة.

(٤) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(٥) ربقة أ ج د ه : ريقه ـ ب.

(٦) أن أحدا بقي أ د ه : أنه بقي أحد ب : لم يكن فيهم أحد ج.

(٧) شيخ أ ج د ه : + كبير ب / / أحضره أ ج : حضر ب د : أحضر ه.

(٨) التمثيل أ ج د ه : + أوله ب / / باسم أ ج د ه : بسم ب / / وإله أ ج د ه : إله ب.

(٩) هذا قبر ربقة ... إسحاق عليه‌السلام ج د ه : ـ أ ب.

(١٠) والعلم الأقصى الموازي ب : والعلم الأعظم الذي يوازيه أ د ه : ـ ج.

(١١) من الشرق أ ج ه : جهة الشرق ب د.

١٢٣

وقال ابن عساكر (١)(٢) : قرأت في بعض كتب أصحاب الحديث ونقلت منها قال محمد بن بكران (٣) بن محمد خطيب مسجد إبراهيم ، عليه‌السلام ، وكان قاضيا بالرملة في أيام الراضي بالله (٤) في سنة اثنتين (٥) وعشرين وثلاثمائة وما بعدها ، وله زاوية في الحديث ، سمع من جماعة من أهل العلم قال : سمعت محمد بن أحمد بن على بن جعفر الإنباري (٦) يقول : سمعت أبا بكر الإسكافي (٧)(٨) يقول : صح عندي أن قبر إبراهيم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٩) ، في الموضع الذي هو الآن فيه لما رأيت وعاينت ، وذلك أنني وقفت على السدنة وعلى الموضع أوقافا كثيرة بنحو (١٠) من أربعة آلاف دينار ، رجاء ثواب الله ، عز وجل ، وطلبت أن أعلم صحة ذلك حتى ملكت قلوبهم بما كنت أعمل (١١) معهم من الجميل والكرامة والملاطفة والإحسان إليهم ، وأطلب بذلك أن أصل إلى ما يصح ، وحاك في صدري فقلت لهم يوما من الأيام ، وقد جمعتهم عندي بأجمعهم : أسألكم أن توصلوني إلى باب المغارة كي أنزل إلى حضرة الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم ، وأشاهدهم.

__________________

(١) ابن عساكر : الحافظ أبو القاسم علي بن أبي محمد الحسن بن هبة الله أبي الحسن المعروف بابن عساكر الدمشقي ، الملقب ثقة الدين ، كان محدث الشام في وقته ، ومن أعيان الفقهاء الشافعية ، وكانت ولادته سنة ٤٩٩ ه‍ / ١١١٣ م ، وتوفي سنة ٥٧١ ه‍ / ١١٧٥ م ، ينظر : ياقوت ، معجم الأدباء ١٣ / ٧٣ ؛ ابن خلكان ٤ / ٣٠٩ ـ ٣١١.

(٢) وقال ابن عساكر أ ج د ه : قال الحافظ ابن عساكر ب.

(٣) ابن بكران أ ب ج ه : بن أبي بكران د / / إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(٤) الراضي بالله : هو الخليفة العباسي التاسع ، وهو محمد بن جعفر بن أحمد بن طلحة بن جعفر وهو الراضي بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ومات الراضي في أول سنة ٣٢٧ ه‍ / ٩٣٨ م ، ينظر : ابن حبان ، السيرة ٥٨١.

(٥) اثنتين ه : ثنتين أ ب ج د.

(٦) محمد بن أحمد بن جعفر الأنباري : محمد بن أحمد بن جعفر الإمام الترمذي الفقيه الشافعي بالعراق ، كان زاهدا ناسكا ، وكان رأس الشافعية ، بالعراق توفي سنة ٢٩٥ ه‍ / ٩٠٧ م ، ينظر : السمعاني ١ / ٤٦٠ ؛ اليافعي ٢ / ٢٢٤ ؛ ابن العماد ٢ / ٢٢.

(٧) الحافظ الكبير ، العلامة أبو بكر ، أحمد بن محمد بن هانىء الإسكافي ، صاحب الإمام أحمد ، صنف التصانيف وله كتاب العلل يدل على إمامته وسعة حفظه ؛ توفي سنة ٣٥٢ ه‍ / ٨٧٣ م ؛ ينظر : السمعاني ١ / ١٤٩ ـ ١٥٠ ؛ ابن أبي يعلي ١ / ٦٦ ؛ البغدادي ، تاريخ ٥ / ١١٠ ؛ الذهبي ، تذكرة ٢ / ٥٧٠ ؛ السيوطي ، طبقات ٢٥٩ ؛ ابن العماد ٣ / ١١.

(٨) الإسكافي أ ب ج ه : الإسكاف د.

(٩) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : عليه‌السلام ب.

(١٠) بنحو من أ د ه : تقرب من نحو ب : تقرب بنحو من ج.

(١١) كنت أعمل أ ج د ه : عملت ب.

١٢٤

فقالوا : قد أجبناك إلى ذلك لأن لك علينا حقا واجبا ، ولكن ما يمكن (١) في هذا الوقت ، لأن الطارق لنا كثير ، ولكن حتى يدخل الشتاء. فلما دخل كانون الثاني خرجت إليهم وقالوا : أقم عندنا حتى يقع الثلج ، فأقمت عندهم حتى وقع الثلج ، وانقطع الطارق عنهم ، فجاءوا إلى صخرة (٢) ما بين قبر إبراهيم الخليل وإسحاق (٣) ، عليهما‌السلام ، فقلعوا البلاطة ونزل رجل منهم يقال له : صعلوك ، وكان رجلا صالحا فيه خير ودين (٤) ، ونزلت معه ، ومشى (٥) وأنا من ورائه ، فنزلنا اثنتين وسبعين درجة ، فإذا عن يميني دكان عظيمة (٦) من حجر أسود فإذا عليه شيخ خفيف العارضين ، طويل اللحية ، ملقى على ظهره ، وعليه ثوب أخضر ، فقال لي صعلوك : هذا إسحاق ، عليه‌السلام.

ثم سرنا غير بعيد فإذا (٧) دكان أكبر من الأولى وعليها شيخ ملقى على ظهره ، وله شيبة قد أخذت ما بين منكبيه ، أبيض الرأس واللحية والحاجبين وأشفار العينين ، وتحت شيبته ثوب أخضر قد جلل بدنه ، والرياح تلعب بشيبته (٨) يمينا وشمالا ، فقال لي صعلوك : هذا إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، فسقطت على وجهي ودعوت الله (٩) ، عز وجل ، بما فتح عليّ.

ثم سرنا وإذا بدكان لطيفة وعليها شيخ آدم (١٠) ، شديد الآدمة ، كث اللحية ، وتحت منكبيه ثوب أخضر قد جلله ، فقال لي صعلوك : هذا يعقوب النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١١) ، ثم إننا عدلنا يسارا لننظر إلى الحرم ، فحلف أبو بكر الإسكافي ما إن تممت (١٢) الحديث.

__________________

(١) ما يمكن أ ج د ه : لا يمكن ب.

(٢) صخرة أ ب ج ه : الصخرة د.

(٣) وإسحاق أ ج د : وقبر إسحاق ب ه / / فقلعوا أ ج د : وقلعوا ب : فقطعوا ه.

(٤) ودين أ ج د : ولين ب ه / / ونزلت معه أ ج د ه : فنزلت أنا معه ب.

(٥) ومشى أ د ه : فمشى ب : ـ ج / / اثنتين أ د : اثنتين ب ج ه / / فإذا أ ج د ه : وإذا ب.

(٦) عظيمة ب ج ه : عظيم أ د.

(٧) فإذا أ ج د ه : وإذا ب.

(٨) بشيبته أ ب ج ه : ـ د / / عليه‌السلام أ ج د ه : عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ب.

(٩) دعوت الله أ ب ج د : عدلتما ب.

(١٠) شيخ أ ج د ه : + لطيف ب.

(١١) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : ـ ب.

(١٢) تممت أ ج د ه : نممت ب.

١٢٥

قال (١) : قمت من عنده في الوقت الذي حدثني فيه من وقتي إلى مسجد إبراهيم ، عليه‌السلام ، فلما وصلت إلى المسجد سألت عن صعلوك فقيل لي الساعة يحضر ، فلما جاء قمت إليه ، وجلست عنده ، وطارحته بعض الحديث ، فنظر إليّ بعين منكر للحديث الذي سمع (٢) ، فأومأت إليه بلطف تخلصت به من الإثم ، ثم قلت له : إن أبا بكر الإسكافي عمي ، فأنس عند ذلك ، فقلت : يا صعلوك بالله عليك لما عدلتما (٣) إلى نحو الحرم ، فماذا كان؟ وماذا رأيتما؟ فقال : ما حدثك أبو بكر ، فقلت : أريد أن أسمعه (٤) منك أيضا.

فقال : سمعنا من نحو الحرم صائحا يصيح (٥) : تجنبوا الحرم يرحمكم الله فوقعنا مغشيا علينا ، ثم إنا بعد وقت (٦) أفقنا وقمنا وقد أيسنا من الحياة وأيست الجماعة منا ، قال : فقال لي الشيخ (٧) : فعاش أبو بكر الإسكافي بعد ما حدثني أياما يسيرة (٨) وتوفي وكذلك صعلوك رحمهما الله تعالى ، وروى الحسن بن عبد الواحد بن رزق الرازي (٩) قال : قدم أبو زرعة (١٠) القاضي بفلسطين إلى مسجد إبراهيم ، عليه‌السلام ، فجئت أسلم (١١) عليه ، وقد قعد عند قبر سارة ، عليها‌السلام (١٢) ، في وقت الصلاة فدخل شيخ فدعاه ، فقال : يا شيخ أيما هو قبر إبراهيم من (١٣) هؤلاء؟

[١٢ / أ] فأومأ له الشيخ إلى قبر إبراهيم ، عليه‌السلام ، ومضى ، وجاء شاب فدعاه ، / / فقال

__________________

(١) قال ب ج د ه : فقال أ.

(٢) سمع أ ج د ه : سمعه ب.

(٣) عدلتما ب : عدلتم أ ج د ه.

(٤) أسمعه أ ج د ه : أسمع ب.

(٥) يصيح أ ج د ه : + وهو يقول ب.

(٦) ثم إنا بعد وقت أ ج د : ـ ب ه.

(٧) فقال لي الشيخ أ ب ج د : ـ ه.

(٨) أياما يسيرة أ ج د ه : زمانا يسيرا ب.

(٩) الحسن بن عبد الواحد بن رزق الرازي : لم أعثر على ترجمة ، وهذه الرواية موجودة بتصرف في كتاب «إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى» ٢ / ١٠٢.

(١٠) أبو زرعة : قاضي القضاة شمس الدين أبو زرعة محمد بن برهان الدين بن إبراهيم الزرعي الشافعي المقري ، كان شيخ القراء بمدينة الرملة ومن أهل العلم ، ولي قضاء الرملة مدة ثم اشتغل بالقضاء في سنة ٨٧٥ ه‍ / ١٤٧٠ م بولاية السيد الشريف وكيل السلطان واستمر إلى سنة ٨٧٧ ه‍ / ١٤٧٢ م ، ثم عزل واستوطن بيت المقدس ، وصار معيدا بالصلاحية ، وتوفي سنة ٨٨٤ ه‍ / ١٤٧٩ م ، ينظر : العليمي ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ؛ العليمي ٢٨١ ؛ السخاوي ، الضوء ١٠ / ٣٥.

(١١) أسلم أ ج د ه : لأسلم ب.

(١٢) عليها‌السلام أ ج د ه : ـ ب / / فقال أ ه : وقال ب ج د.

(١٣) من أ ج د ه : بين ب.

١٢٦

له (١) مثل ذلك فأشار إليه ومضى (٢) ، ثم جاء صبي فدعاه ، وقال له مثل ذلك فأومأ إليه ، فقال أبو زرعة : أشهد أن هذا قبر إبراهيم ، عليه‌السلام (٣) ، لا شك فيه نقله الخلف عن السلف ، كما قال مالك بن أنس ، رضي‌الله‌عنه ، إن نقل الخلف عن السلف ، أصح الحديث لأن الحديث ربما يقع فيه الخطأ والنقل لا يقع فيه خطأ ولا يطعن فيه إلا صاحب بدعة ومخالف ، ثم قام ودخل إلى داخل ، فصلى الظهر ، ثم رحل من الغد.

وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر البناء المقدس (٤)(٥) في كتاب البديع (٦) في تفصيل مملكة الإسلام (٧) : وحبرى هي قرية إبراهيم ، عليه‌السلام ، فيها حصن عظيم يزعمون أنه من بناء الجن من حجارة (٨) عظيمة منقوشة ووسطه فيه من الحجارة الإسلامية على قبر إبراهيم ، وقبر إسحاق قدام في المغطى ، وقبر يعقوب في المؤخر ، حذاء (٩) كل نبي امرأته ، وقد جعل الحصن مسجدا وبنى حوله دور للمجاورين (١٠) له واتصلت العمارة به من كل جانب ، ولهم قناة (١١) ماء ضعيفة ، وهذه القرية على نصف مرحلة ، ومن كل جانب قرى وكروم وأعناب وتفاح وعامتها تحمل إلى مصر ، وفي هذه القرية ضيافة دائمة وطباخ وخباز وخدام مرتبون يقدمون (١٢) العدس بالزيت لكل من يحضر (١٣) من الفقراء ويدفع إلى الأغنياء إذا أخذوا.

__________________

(١) له أ ج د ه : ـ ب.

(٢) ومضى أ ج د ه : ثم مضى الشيخ ب / / فقال أ ج د : وقال ب ه / / فأومأ إليه أ ج ه : فأشار إلى قبر إبراهيم عليه‌السلام ب : ـ د.

(٣) إبراهيم عليه‌السلام أ ج ه : إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام ب : ـ د / / فيه أ ج د ه : + ولا خفاء ب.

(٤) أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر البناء المقدسي : شمس الدين أبو عبد الله ، ولد بالقدس وولع في الأسفار ، فطاف أكثر بلاد الإسلام ، وعرفته المصادر بأنه رحالة جغرافي ، مات نحو ٣٨٠ ه‍ / ٩٩٠ م ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ١٩٦ ؛ الزركلي ٥ / ٣١٢ ؛ كحالة ٣ / ٣٠.

(٥) المقدسي أ ب ج د : القدسي ه.

(٦) البديع أ ج د ه : البدائع ب / / إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(٧) البديع في الممالك الإسلامية ، ينظر : البغدادي ، هدية ٦ / ٥١ ؛ ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ١٩٦.

(٨) من حجارة ب : الحجارة أ ج د ه.

(٩) حذاء أ ج د ه : عند ب.

(١٠) للمجاورين أ : + له ب ج د ه.

(١١) ولهم قناة ... نصف مرحلة أ ب ج ه : ـ د / / وهذه أ ج ه : وهذه ب : ـ د / / على أ ج ه : إلى ب : ـ د / / ومن أ ه : من ب ج : ـ د.

(١٢) يقدمون أ ج د : وهم يقدمون ب.

(١٣) يحضر أ ج د ه : + عندهم ب.

١٢٧

وحكى (١) الملك المؤيد إسماعيل (٢) صاحب حماه (٣) في تاريخه في وقائع سنة ثلاث (٤) عشرة وخمسمائة أن في تلك السنة ظهر قبر إبراهيم الخليل وقبر ولديه إسحاق ويعقوب (٥) بالقرب من بيت المقدس ، ورآهم كثير من الناس لم تبل أجسادهم ، وعندهم في المغارة قناديل من ذهب وفضة ، ولم يذكر كيف ظهر ذلك (٦) ، وفيه إشكال لأن في التاريخ المذكور كانت بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل ، عليه‌السلام ، في يد الفرنج وليس للمسلمين عليه (٧) تكلم ، ولا أعلم أن الفرنج كانوا يمكنون المسلمين من البلاد حتى استيلائهم عليها ، والله أعلم بحقيقة الحال.

ذكر ختانه وتسروله وشيبته عليه‌السلام (٨)

روي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «اختتن إبراهيم ، عليه‌السلام ، وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم» (٩)(١٠) بالتخفيف والتشديد ، وروي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١١) ، أنه قال : «ربط إبراهيم ، عليه‌السلام ، غزلته وجمعها إليه وحدّ قدومه (١٢) وضرب قدومه بعود كان معه فندرت بين يديه (١٣) بلا ألم ولا دم» (١٤) ، وختن إسماعيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام.

__________________

(١) ينظر : أبو الفداء ، المختصر ٢ / ٢٣١.

(٢) الملك المؤيد إسماعيل بن السلطان الأفضل نور الدين بن الحسن المشهور بأبي الفداء ، صاحب حماة ، له كتاب «المختصر في أخبار البشر» وكتاب «تقويم البلدان» ، توفي سنة ٧٣٢ ه‍ / ١٣٣١ م ، ينظر : اليافعي ٤ / ٢٨٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١٤ / ١٥٨ ؛ ابن حجر ، الدرر ١ / ٣٧١ ـ ٣٧٣ ؛ ابن العماد ٦ / ٩٨ ؛ عطا الله ٢٨.

(٣) حماة : مدينة كبيرة عظيمة كثيرة الخيرات ، واسعة الرقعة ، يحيط بها سور محكم ، وفيها أسواق كثيرة ، تشرف على نهرها المعروف بالعاصي ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٣٤٤ ؛ الحميري ٥٧٥.

(٤) ثلاث أ ج د : ثلاثة ب ه / / الخليل أ ه : + عليه‌السلام ب ج د.

(٥) يعقوب أ ج د ه : + عليهما‌السلام ب.

(٦) كيف ظهر ذلك أ ه : كيف كان ظهور ذلك ب : كيف ظهور ذلك ج د / / كانت أ ج ه : كان ب د.

(٧) عليه أ ج د ه : عليها ب / / أن الفرنج كانوا أ د ه : هل كانت الفرنج ب ج.

(٨) وتسروله وشيبة عليه‌السلام أ د : وتسروله عليه‌السلام وشيبته ب : وتسروله عليه‌السلام ج : وتسروله وشيبته عليه الصلاة والسلام ه.

(٩) روي عن النبي ... بالقدوم أ ب ج ه : ـ د : اختتن بالقدوم ابن عساكر.

(١٠) ينظر : البخاري ، الجامع ٤ / ٩٧ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٢٨٧ ؛ ابن عساكر ٦ / ١٩٦.

(١١) ج : عليه‌السلام أ ب د ه.

(١٢) وحد أ ج د ه : فحد ابن عساكر / / يعود أ د ه : وضرب عليه بعمود ب : بعمود ج.

(١٣) بين يديه ب ج د ه : إليه أ / / إسماعيل أ ج د ه : + عليه‌السلام ب.

(١٤) ينظر : ابن عساكر ٦ / ٢١١ ؛ السيوطي ، إتحاف ٢ / ٧٤.

١٢٨

وعن عكرمة أنه اختتن إبراهيم (١) وهو ابن ثمانين سنة ، فأوحى الله إليه إنك قد أكملت أيمانك إلا بضعة من جسدك فالقها ، فختن نفسه بالفأس ، وسبب ختانه أنه أمر بقتال العمالقة ، فقاتلهم فقتل خلق كثير من الفريقين فلم يعرف إبراهيم أصحابه (٢) ليدفنهم فأمر بالختان ليكون علامة المسلم ، وختن نفسه بالقدوم.

وقال (٣) ابن عباس : كان إبراهيم أول من لبس السراويل ، وذلك أنه كان كثير الحياء ، وكان من حيائه (٤) يستحي أن ترى الأرض مذاكيره فاشتكى إلى الله تعالى (٥) ، فأوحى الله إلى جبريل ، عليه‌السلام ، فهبط عليه بخرقة من الجنة ، ففصلها جبريل ، عليه‌السلام ، سراويل وقال له : ادفعها إلى سارة وكان اسمها ـ يساره ـ فلتخطه (٦) ، فلما خاطته سارة ولبسه إبراهيم قال : ما أحسن هذا وأستره (٧) يا جبريل ، فإنه نعم الستر للمؤمن ، فكان إبراهيم ، عليه‌السلام ، أول من لبس السراويل ، وأول من فصل جبريل ، وأول من خاط سارة بعد إدريس ، عليه‌السلام.

وعن علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، أنه قال : كان الرجل يبلغ الهرم (٨) ولم يشب ، وكان الرجل يأتي القوم وفيهم الوالد والولد فيقول : أيكم الأب؟ لا يعرف الأب من الابن. فقال إبراهيم : رب اجعل لي شيئا أعرف به ، فأصبح رأسه ولحيته أبيضين.

وروي عن ابن عباس (٩) أنه قال : أول من سمانا مسلمين إبراهيم ، عليه‌السلام ، وهو أول من ضرب بالسيف من الأنبياء ، وكسر الأصنام ، واختتن ، ولبس السراويل والنعلين ، ورفع اليدين (١٠) في الصلاة في كل خفض ورفع ، وصلّى / / أول النهار أربع ركعات جعلهن على نفسه ، فسماه الله وفيا ، فقال تعالى : [١٢ / ب] (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (٣٧) (١١)

__________________

(١) إبراهيم أ ه : + عليه‌السلام ب ج د / / الله أ ج ه : + تعالى ب د.

(٢) أصحابه أ ب ج د : أصحابهم ه / / المسلم أ ج د ه : للمسلم ب.

(٣) وقال أ ج د ه : قال ب / / عباس أ ه : + رضي‌الله‌عنهما ب ج د.

(٤) وكان من حيائه أ ج د ه : ـ د.

(٥) الله تعالى أ د ه : الله عز وجل ب ج.

(٦) فلتخطه أ د ه : ومرها أن تخيطه ب : فلخيطه ج.

(٧) أستره أ ج د ه : وما أستره ب.

(٨) الهرم أ ب ج د : الحرم ه / / أيكم الأب؟ ... من الابن أ ج د ه : أيكم الأب من الابن؟ ب.

(٩) عباس أ د ه : + رضي‌الله‌عنهما ب : رضي‌الله‌عنه ج / / مسلمين أ ج ه : المسلمين ب د.

(١٠) اليدين أ د ه : يديه ب ج.

(١١) النجم : [٣٧].

١٢٩

قال ابن عباس (١) : هي الأربع في أول النهار ، وهو أول من أضاف الضيف ، وثرد الثريد ، وفرق الشعر ، واستنجى بالماء ، وقلم الظفر ، وقص الشارب ، ونتف الإبط ، وأول من استاك وتمضمض واستنشق بالماء وحلق العانة ، وأول من صافح وعانق وقبّل بين العينين موضع السجود ، وأول من شاب ، فقال : ما هذا؟ فقال الله تعالى : وقارا ، فقال : رب زدني وقارا (٢) ، فما برح حتى ابيضت لحيته ، وأول من جر الذيل هاجر امرأته ، فصارت سنة من النساء ، فغارت (٣) سارة وحلفت أن تملأ يدها من دمها ، فقال إبراهيم ، عليه‌السلام : خذيها فاختنيها (٤) كيف يكون ذلك سنة بعدكما ، وتخلصي من يمينك ، ففعلت فكانت هاجر أول من اختتن من النساء ، وإبراهيم أول من اختتن من الرجال.

ذكر رأفته بهذه الأمة (٥)

روي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «لقيت إبراهيم ، عليه‌السلام (٦) ، ليلة الإسراء ، فقال : يا محمد أقريء أمتك السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة (٧) التربة عذبة الماء ، وأنها قيعان ، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» (٨). وفي رواية : «فرأيت إبراهيم (٩) فرحب بي وسهل وقال (١٠) : مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة ، وأرضها واسعة ، فقال : وما غراس الجنة؟ فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله. وفي رواية فقال لي (١١) إبراهيم : مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته يا نبي الله (١٢) : إنك لاق ربك الليلة وإن أمتك هي آخر الأمم وأضعفها ، فإن استطعت أن تكون حاجتك (١٣) في أمتك فافعل) (١٤).

__________________

(١) عباس أ د ه : رضي‌الله‌عنهما ب : رضي‌الله‌عنه ج / / وهو أول أ ج د ه : وأول ب.

(٢) وقارا أ ج د ه : هذا وقار ب / / لحيته أ ج د ه : جميع لحيته ب.

(٣) فغارت أ : + منها ب ج د ه / / أن أ : أنها ب ج د ه.

(٤) فاختنيها أ د ه : واختنيها ب ج.

(٥) ذكر ... الأمة أ ج د ه : + صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(٦) عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب / / الإسراء أ ه : أسري بي ب ج د / / فقال أ ج ه : + لي ب : وقال د / / وأخبرهم أ ج د ه ابن عساكر : قل لهم ب.

(٧) طيبة أ ب ج ه : ـ د.

(٨) ينظر : ابن عساكر ٦ / ٢٥١ ؛ ابن القيم ، حادي الأرواح ٤٥.

(٩) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(١٠) وقال أ ه : ثم قال لي ب : ثم قال ج د / / غراس ب ابن عساكر : غرس أ ج د ه.

(١١) لي أ د ه : أبي ب ج.

(١٢) الله ب ج د : ـ أ ه.

(١٣) حاجتك أ ه : + أوجها ب ج د.

(١٤) ينظر : ابن القيم ، حادي الأرواح ٤٥.

١٣٠

ذكر ضيافته وإكرامه للضيف وأخلاقه الكريمة

وروي أن إبراهيم ، عليه‌السلام ، كان إذا أراد أن يأكل خرج ميلا أو ميلين يلتمس من يأكل معه ، وكان يكنى أبا (١) الضيفان ، ولصدق نيته في الضيافة دامت ضيافته في مشهده إلى يومنا هذا (٢) ، فلا ينقضي يوم ولا ليلة إلا ويأكل عنده جماعة.

وحكي : أن رجلا شريف القدر من أهل دمشق ذا وجاهة كان يزور الخليل ، عليه‌السلام ، في كل حين (٣) ، وكان يؤتي بالضيافة التي جرت العادة بها لزواره فيردها ولا يأكل منها شيئا ، فجاء مرة وهو ملهوف فجعل يطلبها ويجد في طلبها حتى قيل : إنه كان يتتبع ما بقي في القصاع (٤) ويلتقط ما يجد من لباب (٥) الخبز وفتاته فيأكله ، فقيل له في ذلك ، فقال : رأيت الخليل ، عليه‌السلام (٦) ، فقال لي : ما أكلت ضيافتنا ونحن ما قبلنا زيارتك.

وعن ابن (٧) عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، قال : إن الله تعالى وسع على إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، في المال والخدم ، فاتخذ بيت ضيافة له (٨) بابان ، يدخل الغريب من أحدهما ، ويخرج من الآخر ، ووضع في ذلك البيت كسوة الشتاء (٩) ، وكسوة الصيف ، ومائدة منصوبة عليها طعام فيأكل الضيوف ، ويلبس إن كان عريانا ، ويجدد إبراهيم (١٠) ، عليه‌السلام ، كل حين ذلك ، وروي أن إبراهيم (١١) ، عليه‌السلام ، لما قرب العجل إلى الضيوف ورأى أيديهم لا تصل إليه قال : لم لا تأكلون؟ قالوا : لا نأكل طعاما إلا بثمنه؟ قال : أو ليس معكم

__________________

(١) أبا أ د ه : بأبي ب : أبو ج.

(٢) لا زالت هذه الضيافة موجودة في مدينة الخليل ويسميها أهل الخليل : «بشوربة سيدنا إبراهيم الخليل» وتتبع دائرة الأوقاف الإسلامية ، وتوزع وجبة واحدة لفقراء المسلمين يوميا ، كما أنها تقدم في رمضان وجبات السحور والفطور مجانا على مدى أيام الشهر ، المحقق.

(٣) كل حين أ ج : في كل حين ب د ه.

(٤) القصاع أ ج د ه : القصع ب.

(٥) لباب أ ب ج د : ـ ه.

(٦) عليه‌السلام أ ج د ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب / / ونحن أ ج د ه : فنحن ب.

(٧) وعن ابن أ ج د ه : وروي عن ابن ب / / قال أ ج د ه : أنه قال ب.

(٨) فاتخذ بيت ضيافة له أ ج د ه : فاتخذ بيتا لضيافته ب / / له بابان أ ج د ه : وجعل له بابين ب.

(٩) الشتاء ب : للشتاء أ ج د ه :/ / الصيف ب : للصيف أ ج د ه.

(١٠) ويجدد إبراهيم أ ج د ه : وإبراهيم يجدد ب.

(١١) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب / / عليه‌السلام أ د : ـ ب ج ه.

١٣١

ثمنه (١)؟ قالوا : وأنّي لنا بثمنه ، قال : تسمّون الله تبارك وتعالى إذا أكلتم وتحمدونه إذا فرغتم. قالوا : سبحان الله! لو كان ينبغي لله أن يتخذ خليلا من خلقه لا تخذك خليلا يا إبراهيم ، فاتخذ الله إبراهيم خليلا (٢).

وقيل : إن الملائكة لما رأت ازدياد إبراهيم ، عليه‌السلام ، في الخير ، وإقبال الدنيا عليه ، ولم يشغله ذلك عن الله طرفة عين ، عجبت (٣) من ذلك ، وقالت : إن ظاهره حسن ، وإنه لا يؤثر على ربه شيئا (٤) فهل هو في قلبه هكذا؟ فعلم الله سبحانه وتعالى منهم قبل ما تكلموا به (٥) فأمر ملكين من أجلاء الملائكة ، وقيل : إنهما جبريل وميكائيل ، عليهما‌السلام ، أن ينزلا عليه ويستضيفانه (٦) ، ويذكراه بربه ، ويرفعا صوتهما عنده بالتسبيح والتقديس لله تعالى ، فنزلا على صورة بني آدم فسألاه الإذن لهما بالمبيت ، عنده فأذن لهما ، وأكرم نزلهما ، ورفع محلهما ، فلما كان في [١٣ / أ] بعض الليل ، وهو يسامرهما (٧) ، / / إذ رفع أحدهما صوته ، وقال : سبحان ذي الملك والملكوت ، ثم رفع الآخر صوته وقال : سبحان الملك القدوس ، بصوت لم يسمع مثله. قال : فأغمي على إبراهيم ، عليه‌السلام ، ولم يملك نفسه من الوجد والطرب ، ثم أفاق بعد ساعة ، وقال لهما : أعيدا عليّ ذكركما ، فقالا (٨) : لا نفعل حتى تجعل لنا شيئا معلوما ، فقال لهما (٩) : خذا ما تختارا من مالي ، فقالا له : أعطيناما شئت ، فقال : لكما جميع مالي من الغنم ، وكان شيئا كثيرا فرضيا بذلك ، ثم رفعا صوتهما ، وقالا كالأول (١٠) ، فأغمي عليه ، فلما أفاق وعلم أنهما لا يقولون شيئا إلا بمعلوم قال لهما : لكما جميع مالي من البقر ، فرضيا وأعادا ، ولم يزالا يكرران عليه الذكر ويتجلى ويستغرق (١١) في لذاته حتى أعطاهما جميع موجوداته من ماله وأهله ، ولم يبق إلا نفسه ، فباعها لهما ، ورضي أن يكون في رقهما ، وجعل في

__________________

(١) بثمنه أ ج د ه : ثمنه ب.

(٢) لأتخذك خليلا يا إبراهيم أ ج : لا تخذك يا إبراهيم خليلا ب د ه.

(٣) عجبت أ د ه : تعجبت ب ج.

(٤) شيئا أ ب ج د : ـ ه.

(٥) ما تكلموا أ ب ج د : مقالتهم ه.

(٦) ويستضيفانه أ د ه : يستضيفاه ب ج.

(٧) يسامرهما أ ج ه : يستضيفاه ب ج.

(٨) فقالا أ ج : + له ب : فقال د ه / / لا نفعل أ ج د ه : إنا لم نفعل ب.

(٩) لهما أ ج د : ـ ب ه.

(١٠) كالأول أ ج د ه : كالأولى ب.

(١١) ويستغرق أ ج د ه : وهو يستغرق ب.

١٣٢

عنقه شدادا (١)(٢) ، وأسلمهما (٣) نفسه وقال : لعلكما تجودان عليّ بالذكر مرة أخرى. فلما رأيا منه ذلك ، قالا : يحق لك أن يتخذك الله خليلا ، ثم حكيا له ما كان من الملائكة. فتبسم وقال : حسبي الله ونعم الوكيل ، ثم قالا له (٤) : أمسك عليك بارك الله لك وعليك (٥) وعلى ذريتك. فمن الله عليه بإبقاء ذريته وسماطه ، وزاده بركة وخيرا ، وجعل سماطه ممدودا من يومه إلى يومنا هذا ، جعله الله دائما إلى يوم القيامة ، إن شاء الله تعالى.

وأما أخلاقه الكريمة فقد سماه الله (٦) حليما آواها منيبا ، والحليم الرشيد الذي يملك نفسه عند الغضب ، والأواه الذي يكثر التأوه من الذنوب ، والمنيب المقبل على ربه عز وجل في شأنه كله.

روى الثعلبي عن أبي إدريس الخولاني (٧) عن أبي ذر الغفاري ، رضي‌الله‌عنه ، قال : قلت (٨) : يا رسول الله كم من كتاب أنزل الله عز وجل؟ قال (٩) : مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل الله على آدم عشر صحائف ، وعلى شيث خمسين صحيفة ، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل الله التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.

قلت (١٠) : يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم؟ قال : كانت أمثالا : (أيها الملك (١١) المبتلى ، المسلط المغرور ، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى

__________________

(١) شدادا : ما يشتد به ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٣ / ٢٣٦ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٤٩٤.

(٢) شدادا أ ب ج د : شدا ه.

(٣) وأسلمهما أ ه : وسلمهما ب ج : ـ د / / وأسلمهما ... قالا أ ب ج ه : ـ د / / وقال أ ج د ه : + لهما ب / / تجودان أ ج ه : تجودا ب : ـ د.

(٤) قالا أ ه : + له ب : قالوا ج : ـ د.

(٥) وعليك أ ج د ه : + مالك ب.

(٦) الله أ ج : + تعالى ب د ه.

(٧) أبو إدريس الخولاني : عائذ الله بن عبد الله ، ولد عام حنين ، وكان ثقة ، وقد روى عنه الزهري ، وهو عالم أهل الشام ، وكان واعظ دمشق ، وقاضيهم وقاصهم ، وتوفي سنة ٨٠ ه‍ / ٦٩٩ م ، ينظر : ابن سعد ٧ / ٣١٢ ؛ ابن عبد البر ٤ / ١٥٩٤ ؛ الذهبي ، تذكرة ١ / ٥٦.

(٨) قلت أ ج د ه : + لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب أنزل الله أ ب ج د : ـ ه.

(٩) قال أ ج د ه : + رسول الله ب / / مائة أ ج د ه : أنزل الله تعالى مائة ب / / آدم أ ج د ه : + عليه‌السلام ب / / وعلى شيث ... وعلى إدريس ... وعلى إبراهيم أ ج د ه : وعلى إبراهيم ... وعلى شيث ... وعلى إدريس ب.

(١٠) قلت أ ج د ه : قال : قلت ب د.

(١١) الملك أ ج د ه : + المغرور ب / / المبتلى أ ب ج د ه : + المسلط الثعلبي / / المسلط أ : ـ ب ج د ه.

١٣٣

بعض ، ولكن بعثتك لترد عني (١) دعوة المظلوم ، فإني لا أردها ولو كانت من كافر) وكان فيها أمثال (٢) ومنها : (وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله ، أن يكون له أربع ساعات (٣) : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يتفكر فيها (٤) في صنع الله ، وساعة يحاسب فيها نفسه على ما قدم وأخر ، وساعة يخلو فيها لحاجته (٥) من الحلال لا من الحرام في المطعم والمشرب وغيرهما (٦) ، وعلى العاقل ألا يكون طاعنا إلا في ثلاث : تزود لمعاده ، ومؤنة لمعاشه ، ولذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه ، ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه) (٧) ، والله أعلم.

ذكر (٨) معنى الخلة

أصل الخلة الاستصفاء ، وسمي إبراهيم خليل الله لأنه يوالي في الله ويعادي في الله ، وخلة الله نصره وجعله إماما لمن بعده ، والخليل أصله الفقير المحتاج المنقطع ، مأخوذ من الخلة وهي الحاجة ، سمي بها لأنه قصر حاجته على ربه ، وانقطع إليه بهمته ، ولم يجعل وليا غيره ، حيث قال له جبريل ، عليه‌السلام ، وهو في المنجنيق ليرمي به في النار ، ألك حاجة؟ فقال : أما إليك فلا.

وروي (٩) عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال لجبريل : «يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلا؟ قال : لإطعامه الطعام» ، وفي الصحيحين : «أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أيها الناس إن الله تعالى اتخذني (١٠) خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا» (١١). واختلف في تفسير الخلة واشتقاقها ، فقيل : المنقطع إلى الله تعالى الذي ليس له في انقطاعه إليه ومحبته له

__________________

(١) لترد عني الثعلبي : لترد أ ج د ه : لتنصر ب / / ولو كانت الثعلبي : وإن كانت أ ب ج د ه.

(٢) أمثال أ ج : أمثالا د ه : + بكثير ب / / ومنها أ د : منها ب ج ه.

(٣) ساعات أ ج د ه : أربع ساعات الثعلبي / / وساعة يتفكر فيها الثعلبي : ـ أ ج د ه.

(٤) فيها الثعلبي : ـ أ ب ج د ه :/ / على ما قدم الثعلبي : فيما قدم أ ب ج د ه.

(٥) لحاجته أ ه : بحاجته ب ج : ـ د ... / / لا من الحرام ب د ه : ـ ب ج : والحرام الثعلبي / / المطعم والمشرب أ د ه : المطعوم والمشروب ب ج.

(٦) وغيرهما ب : وغيرها أ ج د ه / / وعلى العاقل ألا يكون طاعنا ... غير محرم الثعلبي : ـ أ ب ج د ه.

(٧) ينظر : الثعلبي ٥٩ ؛ السيوطي ، الدر ٦ / ٥٧١.

(٨) ذكر أ د : ـ ب ج ه.

(٩) وروي أ ج د ه : روي ب.

(١٠) اتخذني أ ج ه : قد اتخذني ب د.

(١١) ينظر : ابن كثير ، البداية ١ / ١٦٩.

١٣٤

اختلال ، واختلف أيضا هل الخلة والمحبة بمعنى واحد؟ أو إحداهما أرفع من الأخرى؟ فقيل بمعنى واحد (١) ، والحبيب خليل وعكسه ، لكن خص إبراهيم بالخلة ومحمد بالمحبة ، وقيل : الخلة أرفع للحديث الوارد عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لو كنت متخذا خليلا غير ربي لا تخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة في الإسلام» (٢). فلم يتخذ أبا بكر خليلا وأطلق على نفسه الشريفة المحبة له ولعائشة وفاطمة / / وابنيها وأسامة [١٣ / ب] وغيرهم.

والأكثر على أن المحبة أرفع ، لأن درجة نبينا الحبيب ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أرفع من درجة إبراهيم الخليل (٣) ، وأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحبوب ، وهذا فيمن يتأتى منه الميل وهي درجة المخلوقين ، أما الخالق ، جل جلاله ، فمنزه عن ذلك ، فمحبته لعبده ، تمكينه من سعادته وعصمته ، وتوفيقه لطاعته وإفاضة رحمته عليه ، سبحانه وتعالى.

ذكر وفاته عليه‌السلام

قد تقدم أن بين مولده (٤) والهجرة الشريفة النبوية المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام (٥) ألفين وثمانمائة وثلاثا وتسعين سنة ، على اختيار المؤرخين ، واختلف في عمره : فقيل (٦) : عاش مائة وخمسا وسبعين سنة ، وهو الذي ذكره (٧) الملك المؤيد صاحب حماة في تاريخه (٨) ، وقيل : مائة وخمسا وتسعين ، وقيل : مائتي سنة ، ونزل عليه جبريل ، عليه‌السلام ، اثنتين وأربعين مرة.

قال أهل السير : لما أراد الله ، عز وجل ، قبض روح خليله إبراهيم ، عليه‌السلام ، أرسل إليه ملك الموت في صورة رجل شيخ هرم ، وقال (٩) الثعلبي (١٠) : قال السدي بإسناده قال : كان إبراهيم كثير الإطعام يطعم الناس ،

__________________

(١) بمعنى واحد أ ب ج : هما بمعنى واحد د ه.

(٢) ينظر : ابن كثير ، البداية ١ / ١٦٩.

(٣) إبراهيم الخليل أ د ه : إبراهيم الخليل صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج.

(٤) مولده والهجرة أ ج د ه : الهجرة الشريفة النبوية المحمدية ومولده ب.

(٥) أفضل الصلاة والسلام أ ج د ه : عليه‌السلام ب.

(٦) فقيل أ ج د ه : + إن إبراهيم الخليل ب ج.

(٧) وهو الذي ذكره ... وخمسا وتسعين ب ج د ه : ـ أ.

(٨) ينظر : أبو الفداء ، المختصر ١ / ١٤.

(٩) وقال أ ج ه : قال ب د.

(١٠) ينظر : الثعلبي ٥٨.

١٣٥

ويضيفهم ، فبينما هو يطعم الناس إذا هو بشيخ كبير يمشي في الحرة (١) فبعث إليه بحماره وأركبه حتى أتاه وأطعمه ، فجعل الشيخ يأخذ اللقمة ليدخلها فاه ، فيدخلها في عينه وأذنه ، ثم يدخلها فاه فإذا دخلت جوفه خرجت من دبره ، وكان إبراهيم قد سأل ربه أن لا يقبض روحه حتى يكون هو الذي يسأل (٢) الموت ، فقال الشيخ حين رأى حاله : يا شيخ ما لك تصنع هكذا؟ قال : يا إبراهيم من الكبر ، فقال : ابن كم أنت؟ قال : فزاد على عمر إبراهيم سنتين ، فقال إبراهيم : أنا بيني وبينك سنتان ، فإذا بلغت ذلك صرت مثلك ، قال : نعم ، فقال إبراهيم : اللهم اقبضني إليك قبل ذلك فقام الشيخ فقبض (٣) نفسه وكان ملك الموت ، صلوات الله وسلامه عليهما ، وحكي غير ذلك.

فيكون بين وفاة الخليل ، عليه‌السلام ، والهجرة الشريفة (٤) على القول الأول في عمره الذي ذكره صاحب حماة ألفان وسبعمائة وثمانية عشر سنة ، ومضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا تسعنمائة سنة ، فيكون الماضي من وفاته (٥) إلى سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة ثلاثة آلاف سنة وستمائة وثماني عشرة سنة ، وقيل غير ذلك.

وروي عن ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، أنه قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦) : «أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بخلته ، ثم أنا بصفوتي ، ثم علي بن أبي طالب يزف بيني وبين إبراهيم زفا إلى الجنة» ، وفي الصحيحين عن ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «أول الخلائق (٧) يكسى يوم القيامة إبراهيم (٨) ، عليه‌السلام» ، وروي أنه قال : «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا ، فيقول الله تعالى : لا أرى (٩) خليلي عريانا فيكسى ثوب أبيض ، فهو أول من يكسى ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (١٠).

__________________

(١) الحرة : أرض ذات حجارة سوداء كأنها أحرقت ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٤ / ١٧٩ ؛ المعجم الوسيط ١ / ١٧٢.

(٢) يسأل أ ج د ه : يسأله ب / / فقال الشيخ حين رأى حاله أ ج ه : فلما رأى حال الشيخ قال له ب.

(٣) فقبض أ ج د : وقبض ب : قبض ه / / نفسه أ د : روح إبراهيم ب : روحه ج ه.

(٤) الشريفة أ ج د ه : النبوية ب.

(٥) وفاته أ ج د ه : وفاة إبراهيم ب.

(٦) إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : إبراهيم الخليل عليه‌السلام ب.

(٧) أول الخلائق يكسى أ : أول من يكسى ب ج د ه.

(٨) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(٩) لا أرى أ ج د ه : ما لي أرى ب.

(١٠) ينظر : النسائي ، باب البعث ٤ / ١١٤.

١٣٦

ذكر قصة الإسكندر

وكان زمن إبراهيم (١) ، عليه‌السلام ، الإسكندر المشهور بذي القرنين الذي ذكره الله في القرآن ، وهو من ذرية نوح ، عليه‌السلام ، ومما ورد في أمره : أنه إنما سمي ذا القرنين (٢) أنه كان عبدا صالحا بعثه الله ، عز وجل ، إلى قومه ولم يكن نبيا ، فضربوه على قرنه ، فمات فأحياه الله تعالى ، ثم بعثه مرة أخرى إليهم فضربوه على قرنه فمات ، فأحياه الله تعالى ، فسمي ذا القرنين (٣) ، وقيل غير ذلك.

وتوفي الإسكندر بناحية السواد في موضع يقال له شهر زور (٤) بعد أن غزا الهند ، حتى انتهى إلى البحر المحيط فهال ذلك ملوك الغرب فوفدت عليه رسلهم بالانقياد والطاعة ، ودخل بحر الظلمات (٥) مما يلي القطب الشمالي ، وبحر الشمس (٦) في الجنوب في أربعمائة رجل من أصحابه ، يطلب عن الحياة فلم يصبها ، فسار فيه ثمانية عشر (٧) يوما وبنى اثنتي عشر مدينة ، سماها كلها بالإسكندرية (٨) ، ولما مات عرض الملك بعده على ابنه فأبى واختار النسك والعبادة ، وكانت مملكته (٩) اثنتي عشر سنة ، وقيل : ثلاث عشرة سنة ، وقيل : أربع عشرة سنة ، والله أعلم ؛ وكان عمره ستا وثلاثين سنة باتفاق (١٠) ، والله أعلم.

ذكر بناء سليمان ، عليه‌السلام ، الحير (١١) الذي

على المغارة بوحي من الله تعالى

روي أن سليمان ، / / عليه‌السلام ، لما فرغ من بناء بيت المقدس ، أوحى الله

__________________

(١) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(٢) ذا أ : بذي ب ج د ه / / أنه أ ج د ه : لأنه ب.

(٣) ذا القرنين أ د ه : بذو القرنين ب : ذو القرنين ج.

(٤) شهر زور : كورة واسعة في الجبال بين إربل وهمذان ، وأهلها كلهم أكراد ، والمدينة في صحراء عليها سور ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ٢٥ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٢٢.

(٥) بحر الظلمات ه : الظلمات ب ج : ـ د / / القطب الشمالي أ ب ج د : القطب الشمال ه.

(٦) وبحر الشمس أ ج د : في بحر الشمس ب : ـ ه / / في الجنوب أ ج د : ـ ب ه.

(٧) عشر ب ج د ه : عشرة أ.

(٨) بالإسكندرية ب : إسكندرية أ د : الإسكندرية ج ه / / ولما مات ... والعبادة أ ب ج د : ـ ه.

(٩) مملكته أ ج د ه : مدة تملكه ب / / عشر ب ج د ه : عشرة أ / / ثلاث عشرة أ : ثلاثة عشر ب ج ه : ـ ب.

(١٠) باتفاق أ ج د : بالاتفاق ب : اتفاقا ه / / والله أعلم أ ج د ه : ـ ب.

(١١) الحير : شبه الحظيرة أو الحمى ، ينظر : المعجم الوسيط ١ / ٢١٨.

١٣٧

تعالى إليه : يا ابن داود ابن (١) على قبر خليلي حيرا حتى يكون لمن يأتي بعدك ، لكي يعرف ، فخرج سليمان وبنو إسرائيل من بين المقدس حتى قدم أرض كنعان وطاف فلم يصبه ، فرجع إلى بيت المقدس ، فأوحى الله تعالى إليه : يا سليمان خالفت أمري. فقال : يا رب عني الموضع ، فأوحى الله إليه امض فإنك ترى نورا من السماء إلى الأرض فإنه موضع قبر خليلي إبراهيم.

فخرج سليمان مرة ثانية فنظر وأمر الجن فبنوا في الموضع الذي يقال له الرامة (٢) ، وهو بالقرب من مدينة سيدنا الخليل ، عليه‌السلام (٣) ، من جهة الشمال قبلي قرية حلحول (٤) التي بها قبر يونس ، عليه‌السلام ، فأوحى الله تعالى إليه أن هذا ليس هو الموضع ولكن انظر ، إلى النور المتدلي من السماء إلى الأرض فابن ، فخرج سليمان ، عليه‌السلام ، فنظر (٥) فإذا النور على بقعة من بقاع حبرون فعلم أن ذلك الموضع هو المقصود ، فبنى الحير على البقعة.

وسنذكر وصف هذا البناء وذرعه وطولا وعرضا فيما بعد ، إن شاء الله تعالى ، ويأتي ذكر ما مضى من تاريخ سليمان ، عليه‌السلام ، مسجد بيت المقدس ، فيعلم منه تاريخ بناء الحير الذي (٦) على مقام سيدنا الخليل ، عليه الصلاة والسلام.

ذكر فضل سيدنا الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام

وفضل زيارته

قد نص الله تعالى في كتابه العزيز على فضله بقوله تعالى (٧) : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) (١٢٥) (٨) إلى غير ذلك مما أنزل الله في حقه من الآيات المخصوصة به.

__________________

(١) يا ابن أ ج ه : يا بن ب د.

(٢) الرامة : من قرى بيت المقدس ، بها مقام إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، وتقع الآن في الضواحي الشمالية لمدينة الخليل ، وبها أثر معروف يسمى بئر حرم الرامة ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ٢٠ ؛ الدباغ ٥ / ١٦٣.

(٣) عليه‌السلام أ ج د ه : عليه الصلاة والسلام ب.

(٤) حلحول : إحدى قرى الخليل المتصلة بها إلى الشمال منها ، وهي قديمة بناها الكنعانيون ، وبها قبر يونس عليه‌السلام ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٣٣٣ ؛ الدباغ ٥ / ١٣٩.

(٥) فنظر أ ج : ونظر ب : فنظره ه : ـ د.

(٦) الذي ب : ـ أ ج د ه.

(٧) بقوله تعالى أ ج د ه : في قوله تعالى ب.

(٨) النساء : [١٢٥].

١٣٨

وعن أنس بن مالك (١) ، رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رجل (٢) للنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا خير الناس ، قال : «ذلك أبي إبراهيم (٣) ، عليه‌السلام» ، وفي لفظ (٤) مسلم قال له : يا خير البرية ، قال : «ذلك إبراهيم ، عليه‌السلام» (٥).

وروي عنه (٦) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «لما أسري بي إلى بيت المقدس مر بي جبريل ، عليه‌السلام ، إلى قبر إبراهيم ، عليه‌السلام ، فقال : انزل فصل ها هنا ركعتين (٧) ، فإن ها هنا قبر أبيك إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام» (٨). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من لم يمكنه زيارتي ، فليزر قبر أبي إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام» (٩).

وعن كعب (١٠) قال : أكثروا من الزيارة إلى قبر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأظهروا الصلاة عليه وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر ، رضوان الله عليهما ، قبل أن تمنعوا ذلك ، ويحال بينكم وبين ذلك بالفتن وفساد السبيل (١١) ، فمن منع ذلك أو حيل بينه وبين الزيارة إلى قبر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فليجعل رحلته وإتيانه إلى قبر إبراهيم (١٢) ، عليه‌السلام ، وليظهر الصلاة عليه ، وليكثر الدعاء عنده (١٣) ، فإن الدعاء عنده مستجاب ، ولم يتوسل به أحد إلى الله ، جل ثناؤه ، في شيء (١٤) ، إلا لم يبرح حتى يرى الإجابة في ذلك عاجلا أو آجلا.

__________________

(١) أنس بن مالك بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري النجاري : خدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر سنين ، وروى عن طائفة من الصحابة ، وروى عنه بنوه والحسن البصري وخلق كثير ، وتوفي سنة ٩٠ ه‍ / ٧٠٨ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٥٩ ـ ١٦٠ ؛ ابن الأثير ، أسد ١ / ١٥١ ؛ المزي ١ / ١٥ ؛ ابن العماد ١ / ١٠٠.

(٢) قال رجل أ ج د ه : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له ب / / قال أ ج د ه : أنه قال ب / / قال : أ ج د ه : فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(٣) أبي إبراهيم أ ج د : ذلك إبراهيم ب : ذاك إبراهيم ه.

(٤) وفي لفظ أ ج د ه : وفي رواية ب / / عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب.

(٥) ينظر : ابن كثير : البداية ١ / ١٧١.

(٦) عنه أ ج د ه : عن النبي ب.

(٧) فصل ها هنا ركعتين أ ج ه : فصل ركعتين ها هنا ب : فصل هنا ركعتين د.

(٨) ينظر : السيوطي : إتحاف ٢ / ٦٢.

(٩) المرجع نفسه ، ٢ / ٦٣.

(١٠) كعب أ د ه : كعب الأحبار رضي‌الله‌عنه ب : كعب الأحبار ج.

(١١) السبيل أ ج د : السبل ب ه.

(١٢) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب / / عليه‌السلام أ ج د : عليه الصلاة والسلام ب : ـ ه.

(١٣) عنده أ ج د ه : عند قبر سيدنا إبراهيم ب.

(١٤) جل ثناؤه في شيء أ ج د : ـ ب ه / / إلا لم أ ج د : ولم ب : لم ه / / يبرح أ ج د : + من مكانه ب : يرجع ه.

١٣٩

قلت : هذا مما لا شك فيه فإنني (١) جربته بأمر وقع لي من أمور الدنيا ، فكنت أتوقع الهلاك منه ، فتوجهت من بيت المقدس إلى بلد سيدنا الخليل ، عليه‌السلام ، في ضرورة اقتضت سفري (٢) ، فلما دخلت مسجده ، ودخلت إلى الضريح المشهور بأنه قبر إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، وتعلقت (٣) بأستاره ، ودعوت الله تعالى ، فيما كنت أرجوه (٤) ، فما كان بأسرع أن فرج الله كربتي ، ولطف بي ، وأزال عني كل ما أزعجني ، فله الفضل سبحانه (٥).

وحكي عن رجل من أهل بعلبك ، أنه قال : زرنا قبر إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، وكان معنا رجل مغفل من أهل بعلبك فسمعناه وقد زار القبر وهو يبكي ويقول : حبيبي إبراهيم ، سل ربك يكفيني فلانا وفلانا فإنهم يؤذونني ، ونحن نضحك منه ونتعجب ، ثم رجعنا بعد مدة إلى يافا (٦) فوصل قارب من بيروت وفيه رجل من أهل بعلبك ، فخبرنا (٧) أن الثلاثة الذي سماهم ماتوا.

آداب الزيارة (٨)

يستحب لمن قصد زيارة إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام (٩) ، أن يقلع عن الذنوب ويتوب (١٠) إلى الله تعالى ، توبة نصوحا ، ثم ينوي زيارته ، ويتوجه نحوه بعزم ورغبة (١١) ، ويكثر في طريقه من الصلاة على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى سائر (١٢) النبيين والمرسلين.

فإذا أتى باب المسجد وقف يسيرا ، ثم يقدم رجله اليمنى ، ويدعو بما يستحب أن يدعى به إذا دخل المساجد ، فيقول (١٣) : بسم الله ، اللهم صل على محمد ، وافتح

__________________

(١) فإنني أ ج : فإني ب د ه / / بأمر أ ج د ه : في أمر ب.

(٢) في ضرورة ... سفري أ ب ج د : ـ ه / / دخلت أ ج د ه : أن دخلت ب.

(٣) وتعلقت أ ج د ه : تعلقت ب.

(٤) فيما كنت أرجوه ب : ـ أ ج د ه :/ / أن فرج أ : من أن فرج ب ج د ه.

(٥) فله الفضل سبحانه أ ج د ه : فلله الحمد سبحانه ب.

(٦) يافا أ ج د ه : يافة ب.

(٧) فخبرنا أ ه : فأخبرنا ب : فحدثنا ج ه.

(٨) آداب الزيارة أ ج د ه : القول في آداب الزيارة ب.

(٩) عليه‌السلام أ ج د ه : عليه الصلاة والسلام ب.

(١٠) ويتوب أ ج د ه : وأن يتوب ج ه.

(١١) ورغبة أ ب ج د : ورعبته ه / / في طريقه أ ج ه : في الطريق ب د.

(١٢) سائر أ ج د ه : جميع ب.

(١٣) فيقول أ ج د ه : ثم يقول ب.

١٤٠