شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ١

محمّد بن أبي بكر الدماميني

شرح الدماميني على المغني اللبيب - ج ١

المؤلف:

محمّد بن أبي بكر الدماميني


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

أو ما في تأويل المفردات ، وأنهم إذا أوقعوا بعدها «إنّ» كسروها ، فقالوا : «مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه» ، والقاعدة أن حرف الجر إذا دخل على أنّ فتحت همزتها ، نحو : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) [الحج : ٦].

* * *

* (حيث) وطيء تقول : «حوث» ، وفي الثاء فيهما : الضمّ تشبيها بالغايات ؛

______________________________________________________

من البصرة إلى الكوفة ، (أو ما في تأويل المفردات) نحو : عجبت من أنك قائم وعجبت حين جاء عمرو ؛ إذ المعنى عجبت من قيامك وعجبت حين يجيء عمرو ، فإن قلت : إن كانت الجملة تؤول بالمفرد من غير حرف مصدري ، ويجوز دخول الجار عليها كما في أسماء الزمان المضافة إلى الجمل ، فللزجاج وابن درستويه أن يقولا : الجملة بعد حتى في محل جر بها على معنى أن تلك الجملة في تأويل مفرد ، مجرور بها لا على معنى أن الجملة باقية على جمليتها غير مؤولة بالمفرد ، وحتى عاملة في محلها فلا يرد الاعتراض بأن حرف الجر لا يعلق ؛ إذ لا تعليق على هذا التقدير ، قلت : يمكن أن يكون هذا مرادهما لكن يرد عليهما ما قرره المصنف بقوله : (وأنهم إذا أوقعوا بعدها أن كسروها) أي كسروا همزتها ، (فقالوا : مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه ، والقاعدة أن حروف الجر إذا دخلت على أن فتحت همزتها نحو : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) [الحج : ٦]) ولا محيص لهما عن هذا الاعتراض.

(حيث)

(وطىء تقول حوث) بواو مكان الياء ، وزعم ابن سيده أن الأصل حوث وأن حيث فرع عنها ، وأنشد الفارسي في «التذكرة» :

يا رب إن كنت لزيد ربا

فابعث له من حيث شئت ركبا

أكلا تلقاما وشربا قأبا (١)

التلقام مصدر قولك تلقمت للقمة إذا ابتلعتها في مهلة ، والقأب بقاف مفتوحة فهمزة ساكنة فموحدة مصدر قأب من الشراب ، إذا ثملا أي شربا متملئا منه ، وحيث مبنية لشبهها بالحرف في الافتقار المتأصل ؛ لأنها مفتقرة بحسب الأصالة وغيرها ، كما أن الحرف كذلك ، (وفي الثاء فيهما) أي : في حيث وحوث (الضم تشبيها بالغايات) وهي ما قطع عن الإضافة ، وبني من قبل

__________________

(١) لم أجده.

٤٨١

لأن الإضافة إلى الجملة كلا إضافة ؛ لأن أثرها ـ وهو الجرّ ـ لا يظهر ، والكسر على أصل التقاء الساكنين ، والفتح للتخفيف.

ومن العرب من يعرب «حيث» ، وقراءة من قرأ (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف : ١٨٢] بالكسر تحتملها وتحتمل لغة البناء على الكسر.

وهي للمكان اتفاقا ، قال الأخفش : وقد ترد للزّمان ، والغالب كونها في محل نصب على الظرفية أو خفض بـ «من» ، وقد تخفض بغيرها كقوله [من الطويل] :

______________________________________________________

وبعد وسائر الجهات الست نحو أمام وخلف ووراء وقدام وفوق وتحت ، وسميت غايات ؛ لأنها لما تضمنت المعنى النسبي كان حقها أن لا تكون غاية ، وإنما تكون الغاية في المنسوب إليه فلما حذفت ، وضمنت معناه سميت باسم غريب إيذانا بأنها وقعت مخالفة لوضعها ، أو سميت بذلك لصيرورتها بعد الحذف غاية في النطق بعد أن كانت وسطا كذا قال الرضي ، فإن قيل : كيف تشبه حيث بالغايات وهي مقطوعة عن الإضافة وهي مضافة؟ قلنا : (لأن الإضافة إلى الجملة كلا إضافة ؛ لأن أثرها وهو الجر لا يظهر) لفظا فساغ التشبيه من هذه الحيثية ، (والكسر على أصل التقاء الساكنين ، والفتح للتخفيف ومن العرب ومن يعرب حيث) وهم بنو فقعس ، ووقع هنا جناس حسن بين العرب ويعرب ، (وقراءة من قرأ (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) بالكسر تحتملها) أي : تحتمل لغة الإعراب ، (وتحتمل لغة البناء على الكسر) ، وكذا لو قيل : جلست حيث جلست بفتح الثاء احتملت لغة الإعراب ولغة البناء على الفتح ، (وهي للمكان اتفاقا ، قال الأخفش : وقد ترد للزمان) واحتج له بقول الشاعر :

للفتى عقل يعيش به

حيث تهدي ساقه قدمه (١)

أي : في زمن الهداية ولا حجة فيه لاحتمال المكان ، (والغالب كونها في محل نصب على الظرفية) نحو (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] (أو خفض بمن) نحو (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٩] ، (وقد انخفض بغيرها) أي : بغير من (كقوله :

__________________

(١) البيت من البحر المديد ، وهو لطرفة بن العبيد في ديوانه ص ٨٦ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٩ ، وبلا نسبة في شرح المفصل ٤ / ٩٢.

٤٨٢

١٩٩ ـ فشدّ ، ولم ينظر بيوتا كثيرة ،

لدى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم

وقد تقع «حيث» مفعولا به وفاقا للفارسي ، وحمل عليه : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] إذ المعنى أنه تعالى يعلم نفس المكان المستحقّ لوضع الرسالة فيه ، لا شيئا في المكان ، وناصبها «يعلم» محذوفا مدلولا عليه بـ «أعلم» ، لا «أعلم» نفسه ، لأن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به ،

______________________________________________________

لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم) (١)

وأم قشعم الحرب والمنية والداهية وهو من الأعلام الجنسية ، كأم عريط للعقرب ، وقشعم بالقاف والشين المعجمة والعين المهملة على وزن جعفر ، وهنا مسألة وهي أنه تقرر أن المضاف إليه في مثل هذه الأعلام يجري عليه حكم العلم ؛ لكن هل المراد حكم علم المذكر حتى يصرف في نحو أم كلثوم ، وكما هو الجاري على ألسنة المحدثين ؛ لأن كلثوما لو كان علما لمذكر انصرف ، ويمنع في نحو أم سلمة ؛ لأن سلمة لو سمي به مذكرا امتنع من الصرف ، أو المراد حكم علم ذلك المسمى مؤنثا كان أو مذكرا فيلزم منع الصرف في نحو أم كلثوم وأم محمد ، حيث يجعل علم مؤنث وهم لا يمنعونه ، هذا محل ينبغي أن يحرر ولم أقف فيه على شرح صريح ، وعلى الاحتمال الأول يكون الصرف في البيت على القياس ، وأما على الثاني فيكون للضرورة.

(وقد تقع) حيث (مفعولا به وفاقا للفارسي) ، قال بذلك (وحمل عليه) قوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] إذ المعنى أنه سبحانه وتعالى يعلم نفس المكان المستحق لوضع الرسالة فيه لا شيئا في المكان ، ولو قيل : بأن المراد يعلم الفضل الذي هو في محل الرسالة لم يبعد ، وفيه إبقاء حيث على ما عهد من ظرفيتها ، والمعنى أنه تعالى لن يؤتيكم مثل ما أوتي رسله من الآيات ؛ لأنه يعلم ما فيهم من الزكاء والطهارة والفضل والصلاحية للإرسال ولستم كذلك (وناصبها) في الآية على تقدير جعلها مفعولا به ، (يعلم محذوفا مدلولا عليه بأعلم لا أعلم نفسه) وهذا عطف على خبر ناصبها ، وهو يعلم فهو مرفوع ، ويوجد في بعض النسخ : لا بأعلم نفسه بإدخال الباء على أعلم وهو عطف على المعنى ، إذ الكلام الأول في معنى قولك وتنصب بيعلم ؛ (لأن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به) مع بقائه في معنى التفضيل باتفاق ؛ لضعف

__________________

(١) عجز بيت من البحر الطويل ، صدره : فشدوا ولم تفزع بيوت كثيرة ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٢ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٥ ، ولسان العرب ١٢ / ٤٨٥ (قشعم).

٤٨٣

فإن أوّلته بـ «عالم» جاز أن ينصبه في رأي بعضهم ؛ ولم تقع اسما لـ «أنّ» ، خلافا لابن مالك ، ولا دليل في قوله [من الطويل] :

٢٠٠ ـ إنّ حيث استقرّ من أنت راعي

ه حمى فيه عزّة وأمان

لجواز تقدير «حيث» خبرا ، و «حمى» اسما ؛ فإن قيل : يؤدّي إلى جعل المكان حالّا في المكان ، قلنا : هو نظير قولك : «إنّ في مكّة دار زيد» ، ونظيره في الزمان : «إنّ في يوم الجمعة ساعة الإجابة».

وتلزم «حيث» الإضافة إلى جملة ،

______________________________________________________

مشابهته للفعل ، فإن وجد ما يوهم ذلك قدر ناصب المفعول الواقع بعده محذوفا كما فعل المصنف ، كقوله تعالى : (هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام : ١١٧] أي : أعلم من كل أحد يعلم من يضل عن سبيله ، وكذا قول الشاعر :

واضرب منا بالسيوف القوانسا (١)

أي : يضرب القوانس وهي بيضات الحديد جمع قونس (فإن أولته بعالم جاز أن ينصبه في رأي بعضهم) كما صرح به في «التسهيل» ، ووجهه أنه إذا خرج بالتأويل عن التفضيل جاز أن يضاف إلى ما ليس بعضه ؛ نظرا إلى زوال المانع وهو قصد التفضيل ، فكذا يجوز أن يعمل النصب لمشابهته حينئذ للفعل بلا ضعف ويجري الجر والنصب إذ ذاك على وتيرة واحدة ، (ولم تقع) حيث (اسما لإن خلافا لابن مالك ولا دليل له في قوله :

إن حيث استقر من أنت راعيه

حمى فيه عزة وأمان (٢)

لجواز تقدير حيث خبرا وحمى اسما فإن قيل يؤدي إلى جعل المكان) وهو الحمى ؛ إذ هو اسم لمكان حمى من دخوله والقرب منه (حالا في المكان) وهو محل الاستقرار بخلاف تقرير ابن مالك ؛ فإنه ليس فيه إلا الإخبار عن مكان استقرار ، من يرعاه الممدوح بأنه مكان فيه عزة وأمان ، وهذا لا محذور فيه ، (قلنا : هو نظير قولك : إن في مكة دار زيد ونظيره في الزمان إن في يوم الجمعة ساعة الإجابة) وهذا من باب التوسع.

(وتلزم حيث الإضافة إلى جملة) إما برفع الإضافة على أنها فاعل تلزم وحيث مفعول ،

__________________

(١) عجز بيت من البحر الطويل ، صدره : أكر وأحمى للحقيقة منهم ، وهو للعباس بن مرداس في ديوانه ص ٦٩ ، والأصمعيات ص ٢٠٥ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٤٤.

(٢) البيت من البحر الخفيف ، وهو بلا نسبة في الدرر ٣ / ١٢٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٢١٢.

٤٨٤

اسميّة كانت أو فعليّة ، وإضافتها إلى الفعليّة أكثر ، ومن ثمّ رجح النصب في نحو : «جلست حيث زيد أراه» ، وندرت إضافتها إلى المفرد كقوله [من الطويل] :

٢٠١ ـ ونطعنهم تحت الكلى بعد ضربهم

ببيض المواضي حيث ليّ العمائم

أنشده ابن مالك والكسائي يقيسه ، ويمكن أن يخرّج عليه قول الفقهاء : «من حيث أن كذا». وأندر من ذلك إضافتها إلى جملة محذوفة كقوله [من الطويل] :

______________________________________________________

أي : الإضافة لازمة بحيث لا ينفك عنها أو بنصبها على المفعولية ، وحيث فاعل أي : حيث لازمة للإضافة لا تنفك وإنما لزمت الإضافة إلى الجملة ؛ لأنها لمكان النسبة وهي مستدعية للجملة (اسمية كانت أو فعلية ، وإضافتها إلى الفعلية أكثر) من إضافتها إلى الاسمية ، وذلك ؛ لأن حيث دالة على المجازاة في المكان كإذا في الزمان ، نحو : حيث تجده فأكرمه فكانت موقعا للفعلية ، لكن استعمالها استعمال كلمات الشرط أقل من استعمال إذا ، ولعدم عراقتها في المجازاة دخلت على الاسمية التي جزآها اسمان اتفاقا ، نحو اجلس حيث زيد جالس (ومن ثم) أي : من جهة إضافتها إلى الفعلية أكثر ، (ترجح النصب في نحو جلست حيث زيدا أراه) على الرفع ؛ لأنه ملزوم لعدم استعمالها على أكثر حالاتها بخلاف النصب.

(وندرت إضافتها إلى المفرد كقوله) :

ونطعنهم تحت الكلى بعد ضربهم

(ببيض المواضي حيث لي العمائم) (١)

بجر لي ونطعنهم بضم العين مضارع طعن بالرمح ، والكلى بضم الكاف جمع كلية أو كلوة ولكل كليتان وهما لحمتان حمراوان لازقتان بعظم الصلب عند الخاصرتين ، عليهما شحم محيط بهما كالغلاف لهما ، والبيض السيوف والمواضي القواطع ، ولي العمائم شدها على الرؤوس (والكسائي يقيسه) ويمكن أن يخرج عليه قول الفقهاء من حيث أن كذا بفتح همزة أن ، والأولى عندي أن يخرج على إن حيث مضافة إلى الجملة على الجادة ، وإن ومعمولاها بتأويل مصدر وهو مبتدأ تلك الجملة والخبر محذوف ، وحذف خبر المبتدأ بعد حيث غير عزيز ، (وأندر من ذلك إضافتها إلى جملة محذوفة كقوله :

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو للفرزدق وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٢٥ ، وخزانة الأدب ٦ / ٥٥٣.

٤٨٥

٢٠٢ ـ إذا ريدة من حيث ما نفحت له

أتاه بريّاها خليل يواصله

أي : إذا ريدة نفحت له من حيث هبّت ، وذلك لأن «ريدة» فاعل بمحذوف يفسّره «نفحت» ، فلو كان «نفحت» مضافا إليه «حيث» لزم بطلان التفسير ؛ إذ المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف ، وما لا يعمل لا يفسّر عاملا. قال أبو الفتح في كتاب التمام : ومن أضاف «حيث» إلى المفرد أعربها ، انتهى.

ورأيت بخطّ الضابطين [من الرجز] :

______________________________________________________

إذا ريدة من حيث ما نفحت له

أتاه برياها خليل يواصله) (١)

الريدة براء مهملة مفتوحة وياء مثناة تحتية ساكنة ودال مهملة ريح لينة الهبوب ، ونفحت فاحت ، (أي : إذا ريدة نفحت له من حيث هبت) له (وذلك ؛ لأن ريدة فاعل ب) فعل (محذوف يفسره نفحت فلو كان نفحت مضافا إليه حيث) مع جعلها مفسرا للفعل المحذوف لزم بطلان التفسير إذ المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف فلا يفسر عاملا فيه ، وما استند إليه من أن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف فلا يفسر عاملا منظور فيه ؛ لأن الظاهر من كلامهم أن امتناع تفسير ما لا يعمل مخصوص بباب الاشتغال ، وقد تقدم للمصنف في الفصل الذي عقده لخروج إذا عن الاستقبال عند إنشاده ، قول الشاعر :

آليت حب العراق الدهر أطعمه (٢)

أنه قال : وما لا يعمل لا يفسر في هذا الباب عاملا فقيد هذا الحكم بباب الاشتغال ، وقد خرج كثيرون مثل قوله تعالى : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف : ٢٠] ، وجعلوا أحدا في مثل وإن أحد من المشركين استجارك فاعلا بفعل محذوف يفسره الفعل المتأخر ، مع أنه لا يصح أن يعمل فيه الرفع على الفاعلية وهو متأخر ، ثم ولو سلم عموم هذا الحكم ولم يقيد بباب الاشتغال لأمكن جعل حيث مضافة إلى الجملة الواقعة بعدها وهي نفحت ، وريدة فاعلا بمحذوف يفسره السياق لا نفحت بخصوصه.

(قال أبو الفتح في كتاب «التمام» ومن أضاف حيث إلى المفرد أعربها اه ورأيت بخط الضابطين) قول الشاعر :

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لأبي حية النميري في ديوانه ص ٧٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ٥٥٤ ، وبلا نسبة في الدرر ٣ / ١٢٥. اه.

(٢) تقدم تخريجه.

٤٨٦

٢٠٣ ـ أما ترى حيث سهيل طالعا

نجما يضيء كالشّهاب لامعا

بفتح الثاء من «حيث» وخفض «سهيل» ، و «حيث» بالضم و «سهيل» بالرفع ، أي موجود ، فحذف الخبر.

وإذا اتّصلت بها «ما» الكافة ضمّنت معنى الشرط وجزمت الفعلين كقوله [من الخفيف] :

٢٠٤ ـ حيثما تستقم يقدّر لك اللّ

ه نجاحا في غابر الأزمان

وهذا البيت دليل عندي على مجيئها للزمان.

______________________________________________________

(أما ترى حيث سهيل طالعا

نجما يضيء كالشهاب ساطعا) (١)

مضبوطا (بفتح ثاء حيث وخفض سهيل) ، وأعربت إذا أضيفت إلى المفرد قال شارح «اللباب» : وطالعا مفعول ثان لترى أو حال من سهيل إن جعلت حيث صلة بمنزلة مقام في قوله :

ونفيت عنه مقام الذيب (٢)

وإن لم يجعل صلة يكون حالا من سهيل والعامل معنى الإضافة أي : مكانا مختصا بسهيل حال كونه طالعا ، ويجوز أن يكون حيث في البيت باقيا على الظرف ، وحذف مفعولا ترى نسيا منسيا كأنه قيل : أما تحدث الرؤية في مكان سهيل طالعا. اه قلت : جعل المضاف إليه مع أن العامل معنى الإضافة غير مرضي عندهم ، وكذا القول بزيادة حيث ، والأولى أن تجعل الحال من ضمير يعود إلى سهيل حذف هو وعامله للدلالة عليه ، أي : تراه طالعا (وحيث بالضم وسهيل يتلوه بالرفع أي : موجود فحذف الخبر) وهذا نظير ما خرجنا عليه قول الفقهاء حيث أن كذا واجب مثلا بفتح الهمزة ، أي : من حيث وجوب كذا ثابت هو مبتدأ محذوف الخبر كما في البيت (وإذا اتصلت بها ما الكافة) عن الإضافة لها (ضمنت معنى الشرط وجزمت الفعلين كقوله :

حيثما تستقيم يقدر لك اللّ

ه نجاحا في غابر الأزمان (٣)

وهذا البيت) المسمى مثله عند العروضيين بالمدرج ؛ لكونه أدرج أول عجز في آخر صدر ، وأول العجز منه الهاء من الله (دليل على مجيئها للزمان عندي) وكأن ذلك من جهة قوله : في

__________________

(١) البيت من بحر الرجز ، وهو بلا نسبة في نفح الطيب ٥ / ٣٨١ ، واللباب ٢ / ٧٨.

(٢) جزء بيت من الوافر ، تمامه ذعرت به القطار ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين ، وهو للشماخ بن ضرار في ديوانه ص ٣٢١ ، وجمهرة اللغة ص ٩٤٩.

(٣) البيت من البحر الخفيف ، وهو بلا نسبة في تذكرة النجاة ص ٧٣٦ ، وخزانة الأدب ٧ / ٢٠.

٤٨٧

ـ حرف الخاء المعجمة ـ

* (خلا) على وجهين :

أحدهما : أن تكون حرفا جارّا للمستثنى ، ثم قيل : موضعها نصب عن تمام الكلام ، وقيل : تتعلّق بما قبلها من فعل أو شبهه على قاعدة أحرف الجر ، والصّواب عندي الأول ؛ لأنها لا تعدّي الأفعال إلى الأسماء ، أي : لا توصّل معناها إليها ، بل تزيل معناها عنها ، فأشبهت في عدم التعدية الحروف الزائدة ؛ ولأنها بمنزلة «إلّا» وهي غير متعلقة.

والثاني : أن تكون فعلا متعدّيا ناصبا له ،

______________________________________________________

غابر الأزمان فصرح بالزمان ، وليس بقاطع فإن الظرف المذكور إما لغو متعلق بيقدر وإما مستقر صفة لنجاحا ، وذلك لا يوجب أن يراد بحيث الزمان أيضا ؛ لاحتمال أن يكون المراد أينما تستقيم يقدر لك الله النجاح في الزمان المستقبل ، والنجاح الظفر بالمقصود والغابر المستقبل أو الماضي من الأضداد ، والمراد في البيت الأول ، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

(حرف الخاء المعجمة)

(خلا على وجهين :

أحدهما أن تكون حرفا جارا للمستثنى) نحو : قام القوم خلا زيد (ثم قيل موضعها نصب عن تمام الكلام) أي : إنها لا تتعلق بشيء ، وموضعها أي : موضع مجرورها نصب ؛ لأنه مستثنى بعد تمام الكلام فينصب كما ينصب المستثنى في قولك : قام القوم إلا زيدا ، (وقيل : تتعلق بما قبلها من فعل وشبهه على قاعدة أحرف الجر ، والصواب عندي الأول ؛ لأنها لا تعدي الأفعال إلى الأسماء أي : لا توصل معناها إليها بل تزيل معناها عنها) ، ولقائل أن يقول : لا نسلم أن معنى التعدية ما ذكره ، وإنما معناه جعل المجرور مفعولا به لذلك الفعل ، ولا يلزم منه إثبات ذلك المعنى للمجرور بل إيصاله إليه على الوجه الذي يقتضيه الحرف ، وهو هنا مفيد لانتفائه عنه ، وأما الاستدلال بأنها بمنزلة إلا وهي غير متعلقة فساقط ؛ لأنه لا يلزم من كون حرف بمعنى حرف آخر مساواته له في جميع أحكامه ، ألا ترى أن إلا التي هذا الحرف بمعناها لا تعمل الجر ، وهذا الحرف يعمله.

(والثاني أن يكون فعلا متعديا ناصبا له) أي : للمستثنى ، واحترز بقوله متعديا أي بنفسه عن أن يكون فعلا قاصرا يتعدى بواسطة من قولك : خلت الدار من الأنيس ؛ فإن هذا المعنى ليس مرادا في الاستثناء ، وإنما المراد فيه معنى المجاوزة الذي به يتعدى بنفسه ، كقولهم : افعل هذا

٤٨٨

وفاعلها على الحدّ المذكور في فاعل «حاشا» ، والجملة مستأنفة أو حاليّة ، على خلاف في ذلك ، وتقول «قاموا خلا زيدا» ، وإن شئت خفضت إلّا في نحو قول لبيد [من الطويل] :

٢٠٥ ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

[وكلّ نعيم ـ لا محالة ـ زائل]

وذلك لأن «ما» في هذه مصدرية ؛ فدخولها يعيّن الفعليّة ، وموضع «ما خلا» نصب ، فقال السيرافي : على الحال كما يقع المصدر الصريح في نحو : «أرسلها العراك» ؛

______________________________________________________

وخلاك ذم ، (وفاعلها) أي : فاعل خلا المتعدي الناصب للمستثنى (على الحد المذكور في فاعل حاشا) فيكون من جملة المجوزات عنده أن يكون الفاعل ضميرا عائد إلى البعض ، أي : قام القوم خلا بعضهم زيدا ، وقد تقدم البحث فيه (والجملة) الاستثنائية المذكورة (مستأنفة أو حالية) ينبىء هذا الاحتمال فيها (على خلاف في ذلك) مذكور في الباب الثاني ، (وتقول : قاموا خلا زيدا) بنصب زيد (وإن شئت خفضت) ، فقلت : خلا زيدا (إلا في نحو قول لبيد) رضي الله تعالى عنه :

(ألا كل شيء ما خلا الله باطل)

وكل نعيم لا محالة زائل (١)

الباطل الذاهب الفاني وهو مأخوذ من قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] فهنا يجب نصب المستثنى ، (وذلك ؛ لأن ما هذه مصدرية فدخولها يعين الفعلية) المقتضية للنصب وينفي الحرفية المقتضية للجر ، (وموضع ما خلا نصب ، فقال السيرافي : على الحال) من الفاعل مثلا في قولك : قام القوم ما خلا زيدا ، والمعنى متجاوزين زيدا ، فإن قيل : الحال نكرة والمصدر المسبوك المحكوم له بالتعريف (كما يقع المصدر الصريح) المقترن بأداة التعريف (في نحو : أرسلها العراك) حالا يشير إلى قول لبيد يصف حمارا وأتنه :

ولم يشفق على نغص الدخال

فأرسلها العراك ولم يذدها (٢)

قال صاحب الصحاح العراك الدلك ويقال : أورد إبله العراك إذا أوردها جميعا ، ويذدها بإعجام الذال الأولى وإهمال الثانية أي : يطردها ونغص بالكسر نغصا إذا لم يتم مراده ، والدخال في الورد أن يشرب البعير ثم يرد من العطن إلى الحوض ويدخل بين بعيرين عطشانين لشرب ما عساه أن يكون قد فاته ، ولقائل أن يقول : لا يلزم من اغتفار مجيء الحال مقترنة بأل اغتفار

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٥٦ ، وجواهر الأدب ص ٣٨٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٥٥ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٢١ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٨٩.

(٢) البيت من البحر الوافر ، وهو للبيد في ديوانه ص ٨٦ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٩٢ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ٨٥ ، والإنصاف ٢ / ٨٢٢.

٤٨٩

وقيل : على الظرف لنيابتها وصلتها عن الوقت ؛ فمعنى «قاموا ما خلا زيدا» على الأول :قاموا خالين عن زيد ، وعلى الثاني : قاموا وقت خلوّهم عن زيد ، وهذا الخلاف المذكور في محلّها خافضة وناصبة ثابت في «حاشا» و «عدا» ، وقال ابن خروف : على الاستثناء كانتصاب «غير» في «قاموا غير زيد». وزعم الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جنّي أنه قد يجوز الجرّ على تقدير «ما»

______________________________________________________

مجيئها مصدرا معرفا بالإضافة إلى الضمير ، إذ أل في ذلك جنسية فمدخولها نكرة في المعنى بخلاف فيه ، وأيضا فمجيء الحال معرفة قليل قابل للتأويل فلا ينبغي ارتكاب مثله في تركيب كثير ، (وقيل) : موضع ما خلا نصب (على الظرف على نيابتها وصلتها) بالنصب على أنه مفعول معه ، أي : نيابتها مع صلتها (عن الوقت) ، وجر الصلة بالعطف على الضمير المخفوض بدون إعادة الخافض يأباه أكثر البصريين ، والقول بأن النصب على الظرف بطريق النيابة ظاهر ؛ فإن الحين كثيرا ما يحذف قبل المصدر الصريح والمؤول فينوب عنه ، نحو : آتيك قدوم الحاج ، وأكرمك مادر شارف أي : حين قدوم الحاج وحين مادر شارف ثم حذف الحين وناب القدوم ومادر شارف عنه ، (ومعنى قاموا ما خلا زيدا على) القول (الأول) وهو قول السيرافي (قاموا خالين عن زيد) وهذا يتراأى منه أنه جعل خلا الاستثنائية قاصرة تتعدى بواسطة الحرف ، وليس كذلك ، فكان ينبغي أن يقول خالين زيدا أي متجاوزين زيدا كما ذكرناه قبل ، (وعلى) القول (الثاني وقت خلوهم عن زيد) وهذا كالأول فالصواب وقت خلوهم زيدا أي : تجاوزهم إياه ، (وهذا الخلاف المذكور في محلها) أي : في محل خلا حال كونها (خافضة وناصبة ثابت في حاشا وعدا ، وقال ابن خروف) موضع ما خلا نصب (على الاستثناء) لا على الحال كما يقول السيرافي ، ولا على الظرف كما يقول غيره (كانتصاب غير في قاموا زيد) ، ولعل السبب في تأخير قول ابن خروف : عن قوله ، وهذا الخلاف الخ كونه لم يظفر بنقل عنه صريح في حاشا وعدا جميعا ، وقد وجدت النص لابن خروف في مساواة عدا خلا فيما ذكره ، فانظر هل يوجد له نص في حاشا أيضا.

(وزعم الجرمي) بفتح الجيم (والربعي) بفتح الموحدة (والكسائي والفارسي وابن جني) بإسكان الياء وليس منسوبا ، وإنما هو معرب كني كذا رأيت في شرح «المفصل» للفخر الإسفندري ، وكذا رأيته في هذه البلاد في نسخة من «الكشاف» صحيحة مضبوطا بإسكان الياء ، وصرح في الحاشية بتصحيح الضبط المكتوب في الأصل ، ولم أر أحدا من الطلبة إلا يشدد الياء ظنا أنها ياء النسبة ، وكان محل التنبيه على هذه الفائدة أول موضع ذكر فيه ابن جني ، ولكن لم أتذكر ذلك إلا في هذا المحل فأثبته فيه ، (أنه قد يجوز الجر) بعد ما خلا بناء (على تقدير ما

٤٩٠

زائدة ، فإن قالوا ذلك بالقياس ففاسد ؛ لأن «ما» لا تزاد قبل الجار والمجرور ، بل بعده ، نحو : (عَمَّا قَلِيلٍ) [المؤمنون : ٤٠] ، (فَبِما رَحْمَةٍ) [آل عمران : ١٥٩] وإن قالوه بالسماع فهو من الشّذوذ بحيث لا يقاس عليه.

ـ حرف الراء ـ

* (ربّ) حرف جر ، خلافا للكوفيّين في دعوى اسميّته ، وقولهم إنه أخبر عنه في قوله [من الكامل] :

إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن

عارا عليك ، وربّ قتل عار

ممنوع ، بل «عار» خبر لمحذوف ، والجملة صفة للمجرور ، أو خبر للمجرور ؛ إذ هو في موضع مبتدأ كما سيأتي.

______________________________________________________

زائدة) فلا يؤثر منعا من الجر الذي كان ثابتا قبل الزائدة ، ولم ينقل ابن مالك في «التسهيل» هذا الحكم إلا عن الجرمي فقط ، (فإن قالوا ذلك بالقياس ففاسد ؛ لأن ما لا تزاد قبل الجار والمجرور بل بعده) أي : بعد الجار ، فإن قلت : لم يقل بينهما مع أنه أحسن ، قلت : لئلا يرد مثل لأمر ما جدع قصير أنفه ، (نحو عما قليل فبما رحمة من الله ، وإن قالوه بالسماع فهو من الشذوذ بحيث لا يقاس عليه) فثبت أن لا معمول على قولهم على كل تقدير.

(حرف الراء)

(رب حرف) جار (خلافا للكوفيين في دعوى اسميته ، وقولهم : إنه أخبر عنه في قوله :

إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن

عارا عليك ورب قتل عار) (١)

فرب مبتدأ مضاف إلى قتل وخبره عار ، وذلك دليل على اسميته (ممنوع بل عار خبر لمحذوف ، والجملة صفة للمجرور) ، والأصل رب قتل هو عار حصل ، (أو خبر للمجرور) وهو قتل ؛ (إذ هو في موضع مبتدأ كما سيأتي) ورب في حكم الزائد ، فلا يضر جره للمبتدأ ويبقى الكلام على هذا التقدير في مسوغ الابتداء بالنكرة ، وحكى الرضي عن الأخفش موافقة الكوفيين على اسميتها وهو ظاهر ، فإن قلت : لو كانت اسما لأعربت لعدم الموجب لبنائها ، قلت : يمكن أن يقال فيها ما قيل في كم : إن سبب بنائها تضمنها لمعنى الإنشاء الذي هو بالحروف غالبا ، وسيأتي فيه كلام في حرف الكاف ، قال الرضي : إنما حمل البصريين على ارتكاب جعلها حرفا

__________________

(١) تقدم تخريجه.

٤٩١

.......

______________________________________________________

مع أنها في التقليل مثل كم في التكثير ، ولا خلاف في اسميتها بل هي مفيدة للتكثير في الأغلب كإفادة كم أنهم لم يروها تنجر بحرف ولا بإضافة كما تنجر كم ، فلا يقال : برب رجل ولا غلام رجل.

واستشكل حرفيتها بأمور :

منها نحو : رب رجل أكرمته ؛ فإن حرف الجر هو ما يوصل الفعل إلى المفعول الذي هو لو لا هو لم يصل إليه ، وأكرمت يتعدى بنفسه ، واعتذر عنه صاحب «المغني» بأن الفعل لما تأخر ولا سيما كون التأخر هنا واجبا ضعف فقوي بالجار ، نحو : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف :٤٣] ويرده أن العادة أن يعمد مثل ذلك الضعيف باللام فقط ، دون غيرها من حروف الجر.

ومنها مثل : رب رجل كريم أكرمته ؛ لأن الفعل لا يتعدى إلى المفعول بحرف الجر وإلى ضميره معا ، فلا يقال لزيد ضربته واعتذر بأن أكرمته صفة والعامل محذوف ، قال الرضي : وهو عذر بارد ؛ لأن معنى رب رجل كريم أكرمت وأكرمته واحد ، والأول جواب ولا خلاف أنك إذا قلت في جواب من قال : أكرمت رجلا : رب رجل كريم أكرمته ، لم يحتج معنى الكلام إلى شيء آخر يقدر مثل بنبئت وتحققت ، قال : وإن اعتذروا بأن الضمير في أكرمته للمصدر أي : أكرمت الإكرام كان أبرد ؛ لأن ضمير المصدر المنصوب بالفعل قليل الاستعمال ، بخلاف رب رجل كريم لقيته ، وإن قالوا : إن أكرمته مفسر لأكرمت المقدر كما في زيدا ضربته جاء الإشكال الأول ، مع أنه لم يثبت في كلامهم تعيين الناصب للجار والمجرور بفعل آخر ، نحو بزيد جاوزته.

ومنها نحو : رب رجل كريم جاءني في جواب من قال : ما جاءك رجل ، ولا شك أن جاءني هو جواب رب ؛ إذ لا يتوقف معنى الكلام على شيء آخر فيكون كقولك بزيد مر ، والضمير في مر لزيد وكقولك : زيدا ضرب ، والضمير للمنصوب وذلك ممتنع قال : ويقوي عند مذهب الأخفش بالكوفيين أعني : كونها اسما ، فرب مضافة إلى النكرة فمعنى رب رجل في أصل الوضع قليل من هذا الجنس ، كما أن معنى كم رجل كثير من هذا الجنس ، وإعرابه رفع أبدا على أنه مبتدأ لا خبر له كما اخترنا في باب الاستثناء في قولك : أقل رجل يقول ذلك إلا زيد ، فإنهما يتناسبان بما في رب من معنى القلة ، ولم يصرح بسبب بناء رب عنده ، فإن قال : لتضمنها معنى حرف النفي من حيث إن القلة تجري مجرى النفي ، فيلزمه بناء أقل المراد به النفي في قولهم : أقل رجل يقول ذاك إلا زيد ، فإن قال : لتضمنها معنى الإنشاء الذي حقه أن يؤدي بالحرف ، كما ذكره ابن الحاجب في كم الخبرية فهو لا يرضيه كما سيأتي ، ويمكن أن يقال : سبب البناء

٤٩٢

وليس معناه التّقليل دائما ، خلافا للأكثرين ، ولا التّكثير دائما ، خلافا لابن درستويه وجماعة ، بل ترد للتّكثير كثيرا وللتقليل قليلا.

فمن الأول (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (٢) [الحجر : ٢] ، وفي الحديث : «يا ربّ كاسية في الدّنيا عارية يوم القيامة». وسمع أعرابيّ يقول بعد انقضاء رمضان : «يا ربّ صائمه لن يصومه ، ويا ربّ قائمه لن يقومه» ، وهو مما تمسّك به الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرّد بمعنى الماضي ،

______________________________________________________

مشابهة الحرف وضعا وذلك متحقق في بعض لغاتها ، وهو ما كانت الباء فيه مخففة فحملت المشددة الباء عليها طردا للباب ، (وليس معناه التقليل دائما خلافا للأكثرين ، ولا التكثير دائما خلافا لابن درستويه وجماعة) ولا للتقليل في أكثر الأوقات خلافا لقوم ، ولا للتكثير في موضع المباهاة والافتخار دون غيره خلافا لجماعة ، ولا الإثبات دون تقليل أو تكثير بحسب الوضع ، وإنما ذلك مستفاد من السياق خلافا للآخرين ، وقد فات المصنف عد هذه الأقوال الثلاثة (بل ترد للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا) وهذا اختيار ابن مالك ، وليس فيه إفصاح بأن ذلك بحسب الوضع أو لا ، وقال الرضي : التقليل هو أصلها ثم استعملت في معنى التكثير حتى صارت فيه كالحقيقة ، وفي التقليل كالمجاز المحتاج إلى القرينة.

(فمن الأول) وهو ورودها للتكثير قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) [الحجر : ٢] أي : تكثير ودادتهم الإسلام لما يشاهدونه من كرامة المسلمين ونجاتهم مما تلبس به الكفار من العذاب ، وقول أهل التقليل إنما قلل ؛ لأن أهوال يوم القيامة تشغلهم عن كثرة التمني خلاف الظاهر ، (وفي الحديث «يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» (١)) وهو مسوق لإفادة أن ذلك كثير لا قليل ، (وسمع أعرابي يقول : بعد انقضاء رمضان يا رب صائمه لن يصومه يا رب قائمه لن يقومه) وهذا يحرض على الصيام والقيام ، والمعنى : أن كثيرا ممن صام هذا الشهر لا يصوم مثله بعده ، وكثيرا ممن قامه لا يقوم مثله بعد ؛ لاخترام المنية له فاجتهدوا في صيام مثله وقيامه إن أدركتموه ، فغرضه تعلق بالتكثير لا بالتقليل ، (وهو مما تمسك به الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرد بمعنى الماضي) ووجهه أن الهاء في محل نصب باسم الفاعل الذي هو بمعنى الماضي بالغرض ؛ إذ الأعرابي قال ذلك الكلام بعد انقضاء رمضان ومضيه كما مر ، فعلم

__________________

(١) أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب تحريض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على صلاة الليل .. (١١٢٦) ، والترمذي ، كتاب الفتن عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم (٢١٩٦).

٤٩٣

وقال الشاعر [من الطويل] :

٢٠٦ ـ فيا ربّ يوم قد لهوت وليلة

بآنسة كأنّها خطّ تمثال

وقال آخر [من المديد] :

٢٠٧ ـ ربّما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات

ووجه الدليل أن الآية والحديث والمثال مسوقة للتخويف ، والبيتين مسوقان للافتخار ، ولا يناسب واحدا

______________________________________________________

أن الصائم في عبارته مراد به الزمن الماضي وهو مجرد من أل ، ولا يجوز أن تكون الهاء في محل جر بإضافة اسم الفاعل ؛ لأنه قد تقرر بما أسلفناه أنه بمعنى الماضي ، فلو كان مضافا لكانت إضافته محضة ؛ إذ هو حينئذ صفة مضافة إلى غير معمولها فتفيد التعريف ، فيمتنع أن يكون مدخولا لرب واللازم باطل ، (وقال الشاعر :

فيا رب يوم قد لهوت وليلة

بآنسة كأنها خط تمثال) (١)

اللهو اللعب وقد يكنى به عن الجماع ، والآنسة التي تأنس ولا تنفر ، والتمثال الصورة بكسر المثناة الفوقية أوّلا والتي بعد الميم مثلثة ، ولا يتعلق قوله بآنسة بلهوت الملفوظ به ؛ للزوم الفصل بالأجنبي وهو المعطوف ، وإنما يتعلق بمحذوف أي : لهوت فيها بآنسة وهذه الجملة صفة لليلة ، وحذف الرابط للصفة الأولى ومتعلق اللهو أي : رب يوم لهوت فيه بآنسة وليلة لهوت فيها بآنسة (وقال آخر :

ربما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات) (٢)

أوفيت أشرفت والعلم الجبل ، والشمالات جمع شمال وهي الريح المعروفة ، (وتوجيه ذلك) أي : توجيه الاستدلال بهذه الأمور المذكورة على التكثير ، وفي بعض النسخ ووجهه أي : الدليل (أن الآية والحديث والمثال) المحكي عن الأعرابي (مسوقة للتخويف) والتحذير ، والأحسن مسوقات إذ الأجذاع منكسرات أحسن من منكسرة ، ومن ثم ورد (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة : ٣٦] بعد ذكر الأربعة الحرم ، (والبيتين مسوقان للافتخار ، ولا يناسب واحدا

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٢٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٦٤ ، والدرر ٤ / ١١٨ ، وبلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ١٨.

(٢) البيت من البحر المديد ، وهو لجذيمة الأبرش في الأزهية ص ٩٤ ، والأغاني ١٥ / ٢٥٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٥٤ ، ولسان العرب ٣ / ٣٢ (شيخ).

٤٩٤

منهما التقليل.

ومن الثاني قول أبي طالب في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [من الطويل] :

٢٠٨ ـ وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

______________________________________________________

منهما) بضمير الاثنين أي : من التخويف والافتخار (التقليل) ، وأقول : الافتخار بالقليل قد يقع لا من حيث قلته بل من حيث كونه عزيز المثال ، لا يوصل إليه إلا بشق الأنفس فالظفر به مع هذه الحالة يناسب الافتخار ، وحينئذ فقول المصنف : إن التقليل لا يناسب الافتخار إن قصده كليا منعناه ، وإن قصده جزئيا باعتبار البيتين اللذين أنشدهما وأمثالهما فلا تعقب عليه ، إذ ما وقع به الافتخار في البيت الأول هو لهوه بامرأة جميلة ، وما افتخر به صاحب البيت الثاني هو إيفاؤه في جبل عال ورفع ريح الشمال لثوبه ، وكل مما في الأول والثاني ليس أمرا عزيز المثال لا يحصل إلا بشق النفس ، والافتخار بمثل ذلك لا يكون إلا بالكثرة ولا يكون بمجرد الحصول في الجملة.

(ومن الثاني) وهو ورودها للتقليل (قول أبي طالب في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل) (١)

وهذا مبني على أن أبيض مجرور برب مضمرة ، والظاهر أنه منصوب معطوف على المنصوب المتقدم في قوله قبل هذا البيت :

وما ترك قوم لا أبالك سيدا

يحوط الزمار غير ذرب مواكل

وهو من عطف الصفات التي موصوفها واحد ، فلا يكون مما المصنف بصدده ويحوط يكلأ ويرعى ، والذمار بكسر الذال المعجمة ما يحق عليه حمايته ، والذرب بذال معجمة فراء فموحدة على زنة كتف سكنت راؤه تخفيفا وهو الحاد ، والمواكل المتكل على أصحابه ، ويستسقى مبني للمفعول وثمال وعصمة منصوبان ويجوز رفعهما على أنهما خبرا محذوف ، والثمال بكسر المثلثة الذي يكفي الناس بأفضاله ، والعصمة ما يعتصم به أي : يتمسك ويمتنع ، والأرامل جمع أرمل وأرملة ، قال ابن السكيت : الأرامل المساكين من رجال ونساء ، قال : ويقال لهم وإن لم يكن فيهم نساء ، وقد يقال : الاستقساء إنما كان بعد الهجرة فما معنى قول أبي طالب يستسقى الغمام بوجهه ، وجوابه أن الخطابي روى بسنده خبرا فيه أن قريشا تتابعت عليهم

__________________

(١) تقدم تخريجه.

٤٩٥

وقول الآخر [من الطويل] :

٢٠٩ ـ ألا ربّ مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان

وذي شامة غرّاء في حرّ وجهه

مجلّلة لا تنقضي لأوان

ويكمل في تسع وخمس شبابه

ويهرم في سبع معا وثمان

أراد عيسى وآدم عليهما‌السلام والقمر. ونظير «ربّ» في إفادة التكثير «كم» الخبريّة ،

______________________________________________________

سنو جدب في حياة عبد المطلب ، فارتقى هو ومن حضره من قريش أبا قبيس ، فقام عبد المطلب واعتضد ابن ابنه محمد صلوات الله عليه وسلامه فرفعه على عاتقه ـ وهو يومئذ غلام قد أيفع وقد كرب ـ ثم دعا فسقوا في الحال ، فقد شاهد أبو طالب ما دله على ما قال ذكره السهيلي في «الروض الأنف» ، وقد أوردته في تعليقى على «البخاري» (وقول الآخر) :

(ألا رب مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان

وذي شامة غراء في حر وجهه

مجللة لا تنقضي لأوان

ويكمل في تسع وخمس شبابه

ويهرم في سبع معا وثمان (١)

أراد) بالمولود الذي لا أب له (عيسى و) بذي الولد الذي لا أبوين له (آدم عليهما الصلاة والسّلام) وبذي الشامة القمر ، وأصل لم يلده : لم يلده بكسر اللام وإسكان الدال ثم سكنت اللام تشبيها لها بتاء كتف فالتقى ساكنان فحركت الدال اتباعا لفتحة الياء ، أو بالضم اتباعا لضمة الهاء والشامة الخال ، وانظر وصفها بالغراء فإنه غير مناسب ؛ وذلك لأن الغراء تأنيث الأغر وهو الأبيض وشامة القمر سوداء ، وهي المعبر عنها بالكلف وكذا وصفها بمجللة غير مناسب ؛ فإن معناها التي عمته بالتغطية وليس هذا شأن الشامة ، وفي شرح «الشافية» للجاربردي أنشد هذا البيت هكذا :

وذي شامة سوداء في حر وجهه

مخلدة لا تنجلي لزمان (٢)

وهو ظاهر وحر الوجه ما بدا من الوجنة ، وهي ما ارتفع من سن الخد وهو في البيت استعارة ، (ونظير رب في إفادة التكثير كم الخبرية) وفي باب كم من كتاب سيبويه : ومعناها معنى

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في المخصص ٩ / ٢٨.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في المخصص ٩ / ٢٨.

٤٩٦

وفي إفادته تارة وإفادة التقليل أخرى «قد» ، على ما سيأتي ، إن شاء الله تعالى ، في حرف القاف ، وصيغ التصغير ، تقول : «حجير» و «رجيل» ، فتكون للتقليل ، وقال [من الطويل] :

٢١٠ ـ فويق جبيل شامخ لن تناله

بقنّته حتّى تكلّ وتعملا

وقال لبيد [من الطويل] :

وكلّ أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفرّ منها الأنامل

إلا أن الغالب

______________________________________________________

رب ، وفيه أيضا : واعلم أن كم في الخبر لا تعمل إلا فيما تعمل فيه رب ؛ لأن المعنى واحد إلا أن كم اسم ورب غير اسم ، وبهذا استدل ابن مالك على أن رب للتكثير قال : ولا معارض لهذا النص في كتاب سيبويه ، وعورض بأن من عادته في الكتاب إذا تكلم في الشواذ أن يقول : ورب شيء هكذا يريد أنه قليل نادر ، (وفي إفادته تارة وإفادة التقليل) تارة (أخرى قد على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في حرف القاف ، وصيغ التصغير تقول : حجير ورجيل ؛ فتكون للتقليل ، وقال :

فويق جبيل شامخ لن تناله

بفتنة حتى تكل وتعملا) (١)

فالتصغير في كل من فويق وجبيل راجع إلى التقليل ، ولا يجوز أن يراد به التحقير لمنافاة وصفه بما ذكر للحقارة ، والشامخ العالي المرتفع وقنة الجبل بضم القاف أعلاه ، وما أحسن قول القائل :

علا فما يستقر المال في يده

وكيف يمسك ماء قنة الجبل (٢)

والكلال الإعياء (وقال لبيد رضي الله تعالى عنه :

وكل أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفر منها الأنامل) (٣)

والمراد بالدويهية الموت تصغير داهية ، فالظاهر أنه للتعظيم لا للتقليل ، وقول القائل : الداهية إذا كانت عظيمة كانت سريعة الوصول فالتصغير لتقليل المدة فيه تعسف ، (إلا أن الغالب

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لأوس بن حجر في ديوانه ص ٨٧ ، وسمط اللآلي ص ٤٩٢ ، ولسان العرب ١٢ / ٤٩٢ (قلزم).

(٢) البيت من البحر البسيط. ولم أجده.

(٣) تقدم تخريجه.

٤٩٧

في «قد» والتصغير إفادتهما التقليل ، و «ربّ» بالعكس.

وتنفرد «ربّ» بوجوب تصديرها ، ووجوب تنكير مجرورها ، ونعته إن كان ظاهرا ، وإفراده ، وتذكيره ، وتمييزه بما يطابق المعنى إن كان ضميرا ،

______________________________________________________

في قد والتصغير إفادتهما للتقليل ، ورب بالعكس) ؛ إذ الغالب إفادتهما التكثير ؛ وقد عرفت ما في ذلك.

(وتنفرد رب) من سائر حروف الجر (بوجوب تصديرها) ، واستشكل ذلك أبو حيان بوقوعها خبرا لأن في قوله :

أماوي إني رب واحد أمه

قتلت فلا أثر لدي ولا قتل (١)

وهذا كما تراه ظاهر فإن ما في البيت لا تنافي المصدرية ، بدليل صحة قولك : إن زيدا ما قام وزيد لأبوه قائم ، وقد تابعه بعض شراح «التسهيل» على هذا الغلط ، (ووجوب تنكير مجرورها) وهذا هو المعروف ، وأجاز بعض النحويين تعريفه بأل وأنشد قول الشاعر :

ربما الجامل المؤبل فيهم (٢)

بجر الجامل وصفته فإن صحت روايته كذلك حمل على زيادة أل ، فإن قلت : لا نزاع في صحة مثل رب رجل وأخيه ، والثاني معرفة قطعا ، قلت : اغتفروه من حيث إن رب لم تباشره ، والثواني يغتفر فيها ما لا يغتفر في الأوائل ، فإن قلت : قد حكى الأصمعي : رب أخيه ورب أبيه ، قلت : هو من الندور بمكان فلا يرد ، (ونعته إن كان ظاهرا) وهذا مذهب المبرد وابن السراج والفارسي وأكثر المتأخرين ، وفي «البسيط» أنه مذهب البصريين ، وخالف في ذلك الأخفش والفراء والزجاج وابنا طاهر وخروف ، قال ابن مالك : وهو ثابت بالنقل الصحيح في الكلام الفصيح ، (وإفراده وتذكيره وتمييزه بما يطابق المعنى إن كان ضميرا) ، فتقول : ربه رجلين وربه رجالا ، وربه امرأة استغناء بتثنية تميزه وجمعه ، وحكى الكوفيون مطابقة الضمير للتمييز نحو : ربهما رجلين وربهم رجالا وربها امرأة ، حكوا ذلك نقلا عن العرب ، وقال ابن عصفور : إنهم أجازوا ذلك قياسا وليس كما قال ، كذا في «الجنى الداني» ، وهل هذا الضمير معرفة جرى

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لحاتم الطائي في الدرر ٤ / ١١٩ ، ولم أقع عليه في ديوانه ، وبلا نسبة في همع الهوامع ٢ / ٢٦.

(٢) صدر بيت من البحر الخفيف ، عجزه : وعناجيج بينهن المهار ، وهو لأبي داود الإيادي في ديوانه ص ٣١٦ ، والأزهية ص ٩٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٦ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٧١ ، والجنى الداني ص ٢٤٨.

٤٩٨

وغلبة معدّاها ، ومضيّه ، وإعمالها محذوفة بعد الفاء كثيرا ، وبعد الواو أكثر ، وبعد «بل» قليلا ، وبدونهنّ أقلّ ، كقوله [من الطويل] :

٢١١ ـ فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

[فألهيتها عن ذي تمائم محول]

وقوله [من الطويل] :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

[ثمال اليتامى عصمة للأرامل]

______________________________________________________

مجرى النكرة أو هو نكرة؟ قولان ذهب إلى الأول كثير منهم الفارسي ، وإلى الثاني قوم منهم الزمخشري وابن عصفور ، (وغلبة حذف معداها) أي : الفعل الذي تعديه كأن يقال لك : ما لقيت رجلا عالما؟ فتقول في الجواب : رب رجل عالم أي : قد لقيت.

قال ابن يعيش ولا يكاد البصريون يظهرون الفعل العامل حتى إن بعضهم قال : لا يجوز إظهاره إلا في ضرورة الشعر ، (ومضيه) وسيذكر المصنف مثال وقوعه مستقبلا ، (وإعمالها محذوفة بعد الفاء كثيرا) كما قال ابن مالك ، واستشكله ابن قاسم أنه لم يرد إلا في اثنين كما قال بعضهم ، ولعله أراد بالنسبة إلى بل ، (وبعد الواو أكثر وبعد بل قليلا وبدونهن أقل كقوله) أي : قول امرىء القيس :

(فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع)

فألهيتها عن ذي تمائم محول (١)

الطروق الإتيان ليلا والمرضع التي لها ولد رضيع ، وإذا بنيت على الفعل أنثت فتقول : أرضعت فهي مرضعة ، وألهيتها شغلتها ، والتمائم جمع تميمة وهي العوذة ، وأحول الصبي فهو محول إذا تم له حول أي : سنة ، وإنما خص الحبلى والمرضع ؛ لأنهما أزهد النساء في الرجال وأقلهن شغفا بهم ، يقول : قد خدعت مثل هاتين مع اشتغالهما بأنفسهما متخلصين مني ، وقد حكى ابن عصفور وابن مالك إجماع النحويين على أن الجر في ذلك برب المحذوفة لا بالفاء (وقوله :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه)

ثمال اليتامى عصمة للأرامل (٢)

وقد مر إنشاده والتنبيه عليه على أن الظاهر كون أبيض منصوبا لا مجرورا برب ، وشاهد النحاة المشهور قوله :

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) تقدم تخريجه.

٤٩٩

٢١٢ ـ بل بلد ذي صعد وآكام

وقوله [من الخفيف] :

رسم دار وقفت في طلله

[كدت أقضي الحياة من جلله]

وبأنها زائدة في الإعراب دون المعنى ؛

______________________________________________________

وقاتم الأعماق خاوي المخترق (١)

وسيأتي الكلام عليه في محله (وقوله :

بل بلد ذي صعد وآكام) (٢)

الصعد بضم الصاد والعين المهملتين العقبات جمع صعود بفتح الصاد كعجز وعجوز ، وفي «القاموس» أن الآكام على زنة الآجال جمع أكمة قال : وهي التل من القف من حجارة واحدة ، أو هي دون الجبال أو الموضع يكون أشد ارتفاعا مما حوله وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجرا ، وفي «الصحاح» أن الآكام كالأعناق جمع أكم كعنق جمع آكام كجبال جمع أكم جمع أكمة ، (وقوله :

رسم دار وقفت في طلله)

كدت أقضي الغداة من جلله (٣)

وقد تقدم الكلام عليه في جلل.

(وبأنها) وهذا عطف على بوجوب تصديرها من قوله فيما تقدم : وتنفرد رب بوجوب تصديرها أي ، وتنفرد أيضا بأنها (زائدة في الإعراب) أي : بحسب الإعراب ، فلا تتعلق بشيء كما لا تتعلق الزائدة بشيء ، وقد صرح بذلك في الباب الثالث ، (لا في المعنى) فإنها بحسبه غير زائدة ، لإفادتها التقليل أو التكثير ، وهذا مثل قوله :

لعل الله فضلكم علينا (٤)

__________________

(١) صدر بيت من الرجز ، عجزه : مشتبه الأعلام لماع الخفق ، وهو لرؤبة في ديوانه ص ١٠٤ ، والأغاني ١٠ / ١٥٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٥ ، وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٢٦٠.

(٢) الرجز لرؤية ، انظر : الفصول المفيدة في الواو المزيدة ص ٢٤٧.

(٣) تقدم تخريجه.

(٤) صدر بيت من البحر الوافر ، عجزه : بشيء أن أمكم شريم. وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٧ ، والجنى الداني ص ٥٨٤ ، وجواهر الأدب ص ٤٠٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٢٢.

٥٠٠